هل الصراع بين الديكتاتور والشعب متكافئ؟

هل الصراع بين الديكتاتور والشعب متكافئ؟

قصة الفيل والنملة

تعودنا في الآونة الأخيرة سماع عبارات من وكالات الإعلام التي تغطي أخبار الثورات العربية حول عدم وجود تكافؤ في القوة بين الديكتاتور ونظامه المدجج بالسلاح من جهة وبين الشعب الأعزل بمظاهراته السلمية من جهة ثانية. فرأيت أن أسلط بعض الضوء على هذا الموضوع ولكن من زاوية مختلفة.

فنحن إذا راقبنا المشهد من مسافة قصيرة، سنرى فعلاً مايراه الديكتاتور ونظامه وبعض وكالات الإعلام وغيرهم من قصيري النظر بأن هناك تفوقاً واضحاً بميزان القوى لصالح الديكتاتور أمام الشعب الأعزل. فماذا يمكن أن تفعل اللافتات والشعارات ومكبرات الصوت التي يحملها المتظاهرون أمام الدبابات والمصفحات والرشاشات والقنابل وأسلحة القنص وحتى الطائرات التي يملكها النظام ولايتردد باستعمالها وقت الحاجة. أما إذا رجعنا إلى الخلف قليلاً وراقبنا المشهد من مسافة أبعد بحيث يمكننا رؤية الصورة كاملة وبإطارها الأوسع، فسنرى شيئاً مختلفاً تماماً. وهذه الصورة تذكرني بقصة كانت جدتي تقصها علينا ونحن صغاراً وتشبه إلى حد بعيد قصص كتاب كليلة ودمنة لابن المقفع، وتبدأ بعبارة:

كان يامكان، باأديم الزمان وغابر العصر والأوان، أن راق مكان في الغابة لقطيع من الفيلة، فقرر البقاء فيه كونه لم يجد من يمنعه من ذلك كما لم يجد من ينافسه عليه. ولكن صدف وكان يسكن في هذا المكان أيضاً شعب من النمل، وقد رحب النمل بقطيع الفيلة ودعاه للعيش السلمي والمشترك، فالغابة ليست ملك لأحد، بل هي ملك للجميع. طبعاً لم تلتفت الفيلة لهذا المبدأ وصارت تتصرف وكأنها تمتلك المكان والوحيدة التي تعيش فيه، فراحت تدوس على النمل في ذهابها وإيابها دون أن تنتبه حتى إلى وجوده بالقرب منها.

وحين كثرت الحوادث، قرر شعب النمل أن يبعث برسول إلى رئيس الفيلة ليلفت نظره لذلك. ولكن ماأن وصل الرسول وتلى على رئيس القطيع رسالة شعبه حتى انفجر الأخير ضاحكاً. فهو عملياً لم يصدق أن نملة تطلب منه، وهو الفيل، أن يحترم القانون ويحترم حق شعبها بالحياة. ولهذا وماأن انتهى من نوبة الضحك، حتى رفع قدمه وسحق بها النملة ثم مضى في طريقه وكأن شيئاً لم يحصل. لما تأخرت النملة بالعودة، قرر النمل هذه المرة مضاعفة العدد فبعث برسولين للبحث عنها وكذلك لمقابلة رئيس الفيلة وإيصال رسالتهم إليه، وطبعاً فقد تم التعامل معهما بنفس الطريقة ولم يعودا. ولكن وكما هو معروف عن النمل أنه من الشعوب التي لاتستسلم ولاتتراجع، فقد تمت مضاعفة العدد من جديد وإرسال فريق من أربع نملات ثم ثمانية ثم ستة عشر وهكذا، وبعد كل مرة يقوم الفيل بسحقهم، يجد عددهم وقد تضاعف في المرة القادمة. حتى فوجئ بالعدد وقد وصل إلى الآلاف كما فوجئ بأنهم بدؤا بالتسلق على جسمه وبشق طريقهم إلى أذنيه لإسماعه رسالتهم. وهنا لم يجد بداً من إستدعاء بقية أفراد القطيع للتعامل مع تلك الآلاف، فارتكبوا مجزرة كبيرة ظنوا بعدها أن المشكلة انتهت. فإذا بتلك الآلاف وقد تم تعويضها في اليوم التالي بعشرات ثم مئات الآلاف، ثم صار تعدادها بالملايين ثم عشرات ومئات الملايين وماعادت الفيلة تدري من أين تنبع هذه الأعداد ولاكيف تتعامل معها وهي التي كانت بالكاد تلاحظ وجودها في السابق. وهنا طلب رئيس الأفيال من النمل أن يتفاوض معه وأعلمه بأنه مستعد لتحقيق مطالبه وتأمين حقوقه واحترام وجوده، إلا أن النمل رفض ذلك وعرض عليه الرحيل وبسرعة قبل أن يجهز عليه وعلى بقية قطيعه. وفعلاً فقد فهم بعض الفيلة قيمة هذا العرض ملاحظين عدم تكافؤ ميزان القوى بينهم وبين شعب النمل حيث يميل الميزان لصالح الأخير وبأضعاف مضاعفة، فسارعوا بالهرب، أما من ابتلي منهم بالغباء والغرور وقصر النظر، فقد قرر البقاء والمقاومة حتى النهاية. وفعلاً فلم يمض وقت طويل حتى أزفت النهاية، وغرق من بقي منهم تحت أمواج النمل الهادر وتحولوا خلال ساعات إلى هياكل عظمية وأصبحوا عبرة لمن يعتبر.

في هذه المرحلة من القصة، كانت جدتي تذكرنا بأن القوة تكمن في التعاون والجماعة وأن الضعف هو من نتائج الاختلاف والتفرق، وأيضاً الخوف والإختباء. وأن قوة الجماعة يجب أن تصنف مع قوى الطبيعة مثل البراكين والزلازل والعواصف والطوفان، فهي كلها ظواهر إذا حدثت فلا شئ يقف أمامها، وأفضل وسيلة للتعامل معها، هو الهروب من طريقها. ولو كانت جدتي مازالت على قيد الحياة اليوم لأضافت بأن أسوأ وسيلة للتعامل مع تلك الظواهر هو مايقوم به الحكام العرب اليوم.

بقلم: طريف يوسف آغا

هيوستن / تكساس

جمادي الثاني 1432 / أيار، مايس 2011

http://sites.google.com/site/tarifspoetry