الديكتاتور ورئيس العصابة في الميزان

الديكتاتور ورئيس العصابة في الميزان

كـفة مـن ترجـح؟

قارنت في العديد من قصائدي السابقة بين الديكتاتور وبين رؤساء العصابات، وهي مقارنة لاتسمح قيود القافية الشعرية عادة بتفصيلها، فرأيت أن أكتب هذا المقال لأستوفي كافة جوانبها. فإذا تأملنا قليلا في الفكرة لوجدنا أسبابا عديدة وقوية تجعل من هذه المقارنة أمرا مشروعا ولامبالغة فيه. سأتخيل هنا الديكتاتور ونظامه يجلسون في جانب، في حين أن رئيس عصابة لاعلى التعيين يجلس مع عصابته في الجانب الآخر، في حين أقوم بعرض مواضيع المقارنة على الطرفين ويفوز بالنقاط من هو أقل شرا.

السـرقة

العصابة: تتشكل العصابة وتعيش على الأموال المسروقة، وعادة ماتنحصر مسارح عملياتها بين البنوك والمحال التجارية وبيوت الأثرياء. إلا أن هناك بعض العصابات، وبالرغم من كل ماتفعله، فهي تخصص أجزاء من أموالها لتساعد الأوساط الفقيرة في مجتمعاتها ويمكن أن نجد في أمريكا اللاتينية وافريقيا وشرق آسيا بعض الأمثلة على ذلك.

الديكتاتور: يعيش النظام الديكتاتوري أيضا، كالعصابات، على الأموال المسروقة، ولكن تمتد مسارح عملياته لتغطي كافة أجزاء البلد، من شرقه إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه، حتى يفقر الشعب ويسبب مجاعات لاتفرق بين كبير وصغير. وهو إن رمى بشئ للشعب فبالفتات والعظام من فضلاته، ولايوجد أسوأ من نهب الوطن.

النتيجة: نقطة لصالح رئيس العصابة.

الكـذب

العصابة: لاتنكر العصابة أنها خارجة عن القانون، وبأنها تأخذ ماليس لها، فهي بذلك تكون صادقة مع نفسها ومع المجتمع.

الديكتاتور: يدعي الديكتاتور بأنه ونظامه أمناء على القانون والشعب والوطن، وبالتالي فهو كاذب لأن أفعاله هي عكس أقواله وينطبق عليه مثل "حاميها حراميها"، ولايوجد أسوأ من الكذب وسرقة الأمانات.

النتيجة: نقطة لصالح رئيس العصابة.

الدمـوية

العصابة: تدخل العصابات في صراعات مسلحة مع بعضها أو مع رجال القانون، ولكن لاتتجاوز عادة ضحايا هذه الصراعات الآحاد، أو في أسوأ الأحوال العشرات، ونادرا مايكون هناك ضحايا من المدنيين العزل.

الديكتاتور: يشن النظام الديكتاتوري حملات عسكرية جرارة ضد شعبه أو جيرانه إذا ما شعر بالخطر يهدد مصالحه. ويمكن أن يصل عدد ضحايا هذه الحملات إلى عشرات الآلاف أو حتى مئات الآلاف والملايين، حتى أنه مستعد لأن يمحي مدنا بأهلها العزل في سبيل ضمان بقائه، ولايوجد ما هو أسوأ من ارتكاب الجماعية.

النتيجة: نقطة لصالح رئيس العصابة.

الحكـم الأبدي

العصابة: لاينزاح رئيس العصابة عن رئاسته لها إلا بالموت الطبيعي أو الاغتيال أو السجن، ولكن من النادر أن تتجاوز رئاسته عدة سنين.

الديكتاتور: يشابه الديكتاتور رئيس العصابة في سيناريوهات انزياحه عن الكرسي، إلا أن فترة حكمه قد تتجاوز بمراحل فترة رئيس العصابة، فتصل إلى عشرات السنين أو حتى تقارب النصف قرن، ولايوجد أسوأ من التأبيد في الحكم.

النتيجة: نقطة لصالح رئيس العصابة.

السـادية

العصابة: بالرغم من السمعة السيئة للعصابات، فلا يعرف عنها ممارسة التعذيب ضد خصومها، فهي تصفيهم بسرعة وعلى الأغلب بالرصاص، وفي هذا رحمة لدرجة ما.

الديكتاتور: يستعمل الديكتاتور القتل بالرصاص حين يواجه أعدادا كبيرة من الخصوم، إلا أنه عندما يتمكن من أسرهم، فهو لايكتفي بذلك بل يحب أن يعرضهم أولا لوسائل لاإنسانية تدل على ساديته وحقده، ولايوجد ما هو أدنى إنسانية من التعذيب.

النتيجة: نقطة لصالح رئيس العصابة.

الخـيانـة

العصابة: لايعرف عن العصابات أنها خانت وطنها أو باعته، حتى أن التاريخ يروي قصصا عن عصابات وقراصنة انضموا إلى الدولة في محاربة خطر خارجي.

الديكتاتور: ليس عند الديكتاتور أي حرج من ارتكاب الخيانة أو عقد المعاهدات مع الأعداء أو التنازل عن أجزاء من الوطن في سبيل ضمان استمراره في الحكم، ولايوجد ما هو أقذر من خيانة الوطن.

النتيجة: نقطة لصالح رئيس العصابة.

الحياة الشخصية

العصابة: يعيش رئيس العصابة حياته مختفيا عن الأنظار وهاربا من مكان إلى مكان، وفي هذا عدل لكونه مجرما.

الديكتاتور: يعيش الديكتاتور حياته في القصور وضيفا على الملوك ورؤساء الدول مستمتعا بالثروة بالرغم من أنه، وكما رأينا حتى الآن، أسوأ من رئيس أي العصابة.

النتيجة: نقطة لرئيس العصابة.

النتيجة النهائية: لايسعني في النهاية إلا أن أعتذر من الديكتاتور كوني لم أتمكن من إعطائه ولاحتى نقطة واحدة، وبالتالي أعلن عن خسارته أمام رئيس العصابة الذي تبين أنه أفضل بكثير من أي ديكتاتور في أي بلد وفي أي زمان.

*****

بقلم: طريف يوسف آغا

هيوستن / تكساس

ربيع الآخر 1432/ آذار، مارس 2011