الديكتاتور: مخلـوق مهـدد بالإنقـراض

الديكتاتور: مخلوق مهدد بالإنقراض

هل تتكرر مأسـاة الديناصور؟

الإسم العلمي للمخلوق: الديكتاتور ويلفظ على ثلاثة مقاطع: ديك – تا - تور

أسـماء أُخرى: يمكن لهذا المخلوق أن يُسـمى (أو أن يُطلق على نفسـه) أسـماءً أخرى كثيرة مثل: الإمبرطور، السـلطان، الملك، الأمير، الرئيس، جلالته، سموه، فخامته. وبعد الثورة الفرنسية التي افتتحت الثورات في العصور الحديثة، أضاف الديكتاتور أسـماءً جديدة لتتناسب مع هذه (الموضة) مثل: الزعيم، القائد، الأب، الأخ، الرفيق، الخالد. ومن الأسـماء المفرطة في الغرابة التي ارتبطت بالبعض منهم كان هناك اسم (الامبرطور آكل لحوم البشـر) الذي عرف به ديكتاتور إفريقيا الوسـطى السـابق.

التصنيف البيولوجي: يختلف علماء الطبيعة حول هذا التصنيف، فالبعض يصنفه إنسـانا لأنه يشـبه بقية الناس من حيث الشـكل الخارجي، في حين يقول آخرون بأنه ينتمي لمملكة الحيوان لأنه دموي ويعمل بشـريعة الغاب فيأكل الأضعف منه. وقد ذهب قلة من العلماء إلى ما هو أبعد من ذلك حين صنفوه مع مملكة النبات، والمتسـلقة منها تحديدا، لأنه يعيش متطفلا على حسـاب غيره. وبسـبب الأعمال التي يرتكبها، فهم يسـتبعدون أن يكون له قلب كما هو حال الإنسـان وحتى في الحيوان.

المناطق التي يعيش فيها: عاش الديكتاتور على سطح الأرض لآلاف السنين، وهو قادر على التأقلم في أي بيئة وتحت أي مناخ، من المناطق الصحراوية إلى الجليدية، ومن المدارية إلى الاسـتوائية، إلى الجبلية والسـاحلية. وهي ظاهرة ينفرد بها عن غيره من المخلوقات وتجعله الأكثر تميزاً وغرابة.

لون الجلد: نظرا لمقدرة الديكتاتور على العيش في أي بيئة وتحت أي مناخ، فهو قد يكون أبيض أو أسود، أسمر أو أصفر أو أحمر.

الغذاء: يتغذى الديكتاتور على النباتات واللحوم، وإن كان يفضل الثانية. ولكنه، وبخلاف بقية المخلوقات، فهو مستعد ليقتل ويسفك الدماء حتى وإن كان غير جائع. كما أن لديه شـرها غير محدود لمواد غير قابلة للهضم مثل المال والمعادن الثمينة، ومستعد لارتكاب مجازر في سبيلها، مما يميزه مرة ثانية عن غيره.

اللباس: يرتدي الديكتاتور كل أنواع الألبسـة من البذل الرسـمية إلى العسـكرية، ومن العباءات إلى الكفِّـية. ولكن مايجدر بالانتباه هنا هو ولعه الخاص بالبذل العسـكرية المجللة بالنياشـين، حيث يشـير علماء النفس أنها تسـاعده (حسب اعتقاده) على إرهاب من حوله من جهة، وعلى تعويض عقدة النقص التي يعاني منها من جهة ثانية.

حياته الاجتماعية: يعيش ضمن حلقة أسـرته من زوجة (أو زوجات أو عشـيقات) وأبناء، ويحاول أن يبتعد عن بقية أفراد جنسه ليضمن توريث مركزه وثروته لأبنائه من بعده. يحب أن يظهر في المناسبات العامة، مصطحبا معه الكاميرات، ليتصور مع عجوز هنا أو طفل هناك، ويبتسم هنا ويلوح للناس بيديه هناك. كل ذلك ليضع على نفسه غطاءً إنسانيا يساعده في علاقاته العامة.

اسلوبه وبيئة عمله: يحب الديكتاتور التحرك بصمت وفي الخفاء، ولهذا فإن الأبواب المغلقة والأماكن المظلمة تشكل له البيئة النموذجية للتكاثر والإزدهار. كما يسـتعمل اسـلوب الترهيب بكم الأفواه ومصادرة الحريات من جهة، وبالتحدث عن أعداء وهميين، أو غير وهميين، لتبرير ممارساته غير المقبولة من جهة ثانية. مستفيدا من جهل الناس وخوفهم من بطشـه وكذلك من عزله لهم عن بقية العالم الخارجي واقناعهم بأنهم أفضل من غيرهم. كما يقوم أيضا بنشر الفساد بين الناس، وخاصة معاونيه والمقربين منه، ليسهل عليه التحكم بهم وابتزازهم وقت الحاجة.

أزمة الديكتاتور: يواجه الديكتاتور اليوم خطر الإنقراض وذلك لاسـتحالة اسـتمرار عزل الناس عن العالم، وكذلك لانحسـار بيئة الظلام التي تناسـب عمله. ويعود ذلك لثورة وسـائل الإتصالات وخاصة الزاوج الذي حصل مؤخراً بين الهاتف النقال والكاميرا من جهة وركوبهما أمواج الانترنت لاحقا من جهة ثانية. فحرر هذا الثلاثي من كان معزولا من عزلته، كما سـلط الأضواء على كل مكان على سـطح الأرض. فالمواطن الذي يتعرض لأي أذى اليوم، يمكنه وبضغطة زر أن ينشر الخبر في كافة أنحاء العالم، بالصوت والصورة وبالألوان الطبيعية. وهذه القوة الجديدة التي وفرتها التكنولوجيا الحديثة ووضعتها بين أيدي الناس تمثل التحدي الأخطر الذي يهدد وجود الديكتاتور والذي اسـتمر لآلاف السـنين. بسـلاح كهذا، وبعد أن تحرر الناس من خوفهم من الديكتاتور، فها هم ينطلقون بالملايين يبتغون صيده أينما وجد.

هل يمكن المحافظة على الديكتاتور من الانقراض؟ وكما ذكرنا فإن مايهدد الديكتاتور بالإنقراض اليوم ليس التصحر ولا ثقب الأوزون ولا سـوء التغذية ولا غيرها من تلك العوامل ، وإنما المظاهرات التي تنظمها الشـعوب بالملايين لصيده. ولهذا فيرى العلماء أن وضع قوانين عالمية لمنع صيد الديكتاتور هي وسـيلة غير مجدية، نظراً للمصائب واللآلام التي سـببها في الماضي للشـعوب قبل أن تتوفر لهذه الأخيرة أدوات قنصه. ولهذا فيقترح هؤلاء العلماء نفس الحل الذي تم اتباعه مع بقية المخلوقات الأخرى المهددة بالإنقراض. وذلك بجمعهم في مسـاحة من الأرض المسـورة والمحمية عالميا والتي تكفل عدم انقراضهم، ولكن تكفل أيضا عدم هروبهم والعودة لإنزال البلاء بالناس. أما ولتهدئة الشـعوب الغاضبة، فقد اقترح العلماء أيضاً تنظيم رحلات سـفاري سـياحية وبأثمان مخفضة إلى هذه المحميات بهدف توفير الفرصة لكافة الناس لمشاهدة تلك المخلوقات في بيئتها الطبيعية وبالتالي عدم نسـيان أثرها الكارثي على المجتمعات الانسـانية.

بقلم: طريف يوسف آغا

هيوستن / تكساس

20 ربيع الأول 1432 / 23 شـباط، فيبراير 2011