الرد على حلقة الثورة السورية من إذاعة صوت العرب في هيوستن

الرد على حلقة الثورة السورية

من إذاعة صوت العرب في هيوستن

خصص الإعلامي العربي البارز سعيد فتوح حلقة إذاعة صوت العرب من هيوستن مساء الأربعاء 14 كانون الأول، ديسيمبر 2011 لمناقشة ثورات الربيع العربي عموماً والثورة السورية خصوصاً. وقد استضاف لذلك أحد الشخصيات المعروفة من الجالية السورية في هيوستن والذي قدم بدوره معلومات قيمة عن تلك الثورات وأسبابها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

ولكن، وكوني من أول الذين وقفوا إلى جانب تلك الثورات ومنذ اليوم الأول، من التونسية إلى السورية، بالقصائد والمقالات والمظاهرات واللقاءات، وكوني أول من وجه رسالة مفتوحة وحازمة وبالاسم الحقيقي إلى السفير السوري في واشنطن بعد شهر من اندلاع الثورة، وألحقتها بمثلها إلى الأمين العام للجامعة العربية في القاهرة، أحثهما على الوقوف إلى جانب الشعب السوري الثائر وليس حكامه الذين ينكلون به، فقد وجدت من واجبي أيضاً الوقوف عند تلك الحلقة الإذاعية من برنامج صوت العرب لأختلف مع ضيفها حول ثلاثة نقاط بالتحديد ولأشرح أسباب هذا الاختلاف. وهو واجب كانت قد حملتني إياه الثورة السورية نفسها حين وضعتني على لائحة الشرف الخاصة بها، وكذلك حين تمت دعوتي للمشاركة الشعرية في لقاء المعارضة السورية في واشنطن الصيف الماضي ولقاء المجلس الوطني السوري في ديترويت الشهر الماضي. ولابد من التنويه هنا أن الفظائع التي ارتكبها النظام السوري بحق المدنيين، دون التفريق بين أطفال ونساء وشيوخ، هي فظائع يندى لها جبين الانسانية، ولاتترك بأي حال من الأحوال أي مجال لمجاملة أحد أو غض الطرف عن نقاط كهذه تأتي من كائن من كان.

النقطة الأولى

أشار ضيف الحلقة إلى أن حاكم سورية السابق، الأسد الأب، يستحق الاعتراف له بالحفاظ على (استقرار) سورية خلال فترة حكمه التي امتدت لثلاثين عاماً (1970-2000). وذلك مقارنة بفترة مابعد الاستقلال والتي شهدت 7 انقلابات عسكرية و42 وزارة (1946-1970).

ردي على هذه النقطة، وكنت قد شرحتها في مقالة سابقة، أن تحقيق (الاستقرار) في أي بلد يكون عن طريق تحقيق الازدهار الاقتصادي والتعددية السياسية والمصالحة الوطنية وتكريس الحريات العامة وحماية أرض الوطن ومعها الكرامة والقانون، فهذا هو معنى (الاستقرار) في القاموس السياسي. وهو يختلف عن ذلك الذي حققه حاكم سورية المذكور والذي تم عن طريق ارتكاب أبشع مجزرة في التاريخ الحديث. وأنا هنا لاأتحدث عن تاريخ سورية فحسب، ولكن تاريخ العالم بعد الحرب الثانية، وهي مجزرة حماة الشهيرة والتي راح ضحيتها عدداً يقدر بعشرات الآلاف من المدنيين العزل خلال اسبوع (عشرين ألفاً بتقدير المتفائلين وسبعين ألفاً بتقدير المتشائمين). وقد تم ارتكاب المجزرة لالشئ ولكن لجعلها عبرة لغيرها من المدن التي تفكر بتحدي النظام في المستقبل. وبالاضافة لذلك، فقد كانت هناك أيضاً مجزرة سجن تدمر والعديد من المجازر الأخرى في حلب وحمص وجسر الشغور وادلب وغيرها. هذا غير عشرات الآلاف من المواطنين الذين اختفوا وقضوا في السجون والمعتقلات ولم يكن مسموحاً حتى لأهلهم أن يسألوا عنهم وعن جريمتهم ومصيرهم.

وكما نرى، فهذا النوع من الاستقرار يختلف (قليلاً) عن ذلك المتعارف عليه سياسياً، ولايعترف به كاستقرار إلا في قاموس (مكتب دفن الموتى). فحين يتم قتل شخص، أو شعب، فهذا أيضاً يجعل كل منهما (مستقراً) وإلى الأبد، وهذا هو في الواقع (الاستقرار) الذي حققه الحاكم المذكور خلال فترة حكمه والذي لاأرى أنه يستحق عليه أي اعتراف أو شهادة، بل إحالة ملفه إلى المحاكم المعنية لفتح تحقيق شامل لتسمية الأمور بتسمياتها والاقتصاص من المتورطين بالدم السوري.

النقطة الثانية

أشار ضيف الحلقة إلى أن الحل الوحيد برأيه للخروج من دوامة الدم التي تعصف بسورية منذ تسعة أشهر والتي قد تؤدي إلى حرب أهلية، هو أن تجلس كافة أطراف المعارضة وممثلي المتظاهرين على (طاولة الحوار) مع نظام حاكم سورية الحالي، الأسد الابن، لتجد مخرجاً من تلك الدوامة.

ردي على ذلك أن الأطراف المعنية والمتمثلة بالمعارضة، خارجية وداخلية، وبالشعب الذي يخرج إلى الشوارع يومياً ويدفع ضريبة الدم المترتبة على ذلك، أن هذه الأطراف لاشك وكانت قد فكرت بهذا الحل في البداية. فمن هو الذي يفضل الموت عن حقن الدماء؟ ولكن المشكلة هنا أن هذه الأطراف كانت قد صدمت ومنذ بداية الأزمة في درعا بالهمجية التي اتبعها الأمن في تعامله مع الأطفال ومع ذويهم، وماتلى ذلك من ممارسات لاتمت للانسانية بصلة اتجاه الشعب الأعزل بكافة فئاته. كل ذلك جعل هذه الأطراف تسأل نفسها سؤالاً بسيطاً: كيف يمكننا بعد ذلك (الثقة) بكلمة هذا النظام الذي يتمادى كل يوم في قتلنا والتنكيل بنا؟ وهذه هي نفس النتيجة التي وصلت إليها، ولو متأخرة، جامعة الدول العربية، وسيصل إليها قريباً المجتمع الدولي بأكمله وبدون استثناء. إذاً (فمصداقية) النظام هنا هي المشكلة، والشعب والمعارضة يعرفان تماماً أنهما إذا أضاعا هذه الفرصة الذهبية وقررا العمل على مصالحة النظام بدلاً من تغيره، فهو بدوره سيلتف عليهما في أول فرصة ويقوم بتصفيتهما جماعات وفرادى. ونسمع بعض الأصوات التي تنطلق من هنا وهناك لتقول: وماذا تنتظرون من نظام عسكري أمني أهين بهذه الصورة ويواجه ثورة بهذا العنف؟ فهو أيضاً يملك الحق في الدفاع عن نفسه، إلا إذا تم إعطائه فرصة أخيرة يجد فيها مخرجاً استراتيجياً لأزمته. أقول لهؤلاء أن الأحداث التي تلت مايعرف (بربيع دمشق) عام 2000 والتي تمثلت بملاحقة واعتقال من استبشروا بعهد جديد من الحرية والديمقراطية في سورية مع قدوم الأسد الابن، والذي كان هو نفسه من قدمها للناس ثم عاد وأوقفها ورمى من مارسها في السجون، أن هذه الأحداث جرت حينها ولم تكن هناك أي ثورة مشتعلة تهدد النظام كما هي الحالة اليوم. فهذا نظام لم يتمكن من تحقيق الاصلاحات ولا من إعادة الحرية والديمقراطية في زمن السلم، فكيف سيتمكن من ذلك الآن في زمن الثورة؟

النقطة الثالثة

رداً على سؤال حول مايمكن للجالية السورية في أمريكا أن تفعله في هذه المرحلة لمساعدة الأهل في الداخل، قال ضيف الحلقة بأن أفضل مايمكن عمله هو أن نتمنى لهم (حسن الحظ).

ردي على ذلك أن التمنيات بحسن الحظ لاشك مفيدة، ولكن هناك الكثير مما يمكن أيضاً تقديمه لمساعدة ضحايا ثورة الحرية والكرامة ممن فقدوا معيليهم أو ممن نزحوا إلى الدول المجاورة. حيث أن العديد من المنظمات الانسانية قامت وتقوم بعقد لقاءات في المدن الأمريكية والأوربية لجمع التبرعات وارسالها إلى من هم بحاجتها. كما ولابد أن يكون هناك الكثير من أصحاب النخوة ممن يقومون وبجهود فردية بادخال المساعدات إلى المدن السورية الأكثر تضرراً لتوزيعها على المنكوبين. وقد قام المجلس الوطني السوري، والذي يضم معظم أطياف المعارضة الخارجية والداخلية، قام بنشر المعلومات اللازمة لمن يرغب بتحويل تلك المساعدات لتأمينها لمستحقيها بضمانته. وبالاضافة للمساعدات المادية، والتي هي الأكثر إلحاحاً في الوقت الراهن، فهناك أيضاً الوقوف إلى جانب الثورة وتأييدها علناً والمطالبة وبصراحة برحيل هذا النظام (المافيوي) بامتياز. فكلنا سمع رئيس النظام في مقابلته الأخيرة مع وكالة إي بي سي حين قال لها بأن السوريين اليوم ينقسمون إلى ثلاثة فئات: الأولى مع النظام والثانية ضد النظام، أما الثالثة، وهي الأكبر، فهي الواقفة على الحياد أو الصامتة، وقد اعتبر أن حيادها يحسب لصالح النظام لأنها تبقى بثقلها خارج المعادلة. فالنظام يعول على صمت هذه الفئة وحيادها لتبرير استمراره بقتل المعارضين له.

إذاً فأضعف الايمان هنا ليس أن تبقى صامتاً، فالنظام يستقوي بصمتك ويحسبه لصالحه، وهو كذلك. فإذا كنت لاتريد أن تشارك في مظاهرات الداخل ولا في تلك التي تجري في مدن العالم، كما نفعل هنا في هيوستن مثلاً، ولاتريد أن تكون عضواً في المجلس الوطني أو أي من أطراف المعارضة، وإذا كنت لاتريد أن ترسل بمساعدات مادية، ولاتريد أن تكتب أو تنشر في دعم الثورة وتشجيعها، إذا كنت لاتريد أن تقوم بأي شئ من ذلك، فأضعف الايمان هو أن تعلن، مجرد إعلان، بأنك مع الثورة ومع رحيل النظام، وأن (الحوار) الوحيد الذي تؤيد إجرائه معه هو على آلية تسليمه للحكم ولاشئ غير ذلك.

في الخاتمة، فقد كنت ومع بقية الجالية العربية في هيوستن، أتمنى ونتمنى أن يكون أحد أفرادها عضواً في المجلس الوطني، فنفتخر بذلك كافتخارنا بمدينتنا وجاليتنا، ونقول أن هيوستن وجاليتها السورية قد كان لهما دور في صناعة تاريخ سورية الحديث بصعود أحد أفرادها إلى هذا المجلس الذي يضم النخبة الأكثر وطنية وشجاعة. ومن جهتي، وبالرغم من معرفتي السطحية بضيف حلقة إذاعة صوت العرب الأخيرة، إلا أني كنت أتمنى لو أن اسمه على لائحة أعضاء هذا المجلس، وذلك للسمعة الطيبة التي يتمتع بها ذلك الضيف في أوساط الجالية، ليس السورية فقط، ولكن العربية ككل، ولا أعتقد أن الوقت قد تأخر على ذلك.

ملاحظة: يمكن الاستماع للحلقة كاملة من موقع إذاعة صوت العرب على الانترنت

arabvoices.net

***

بقلم: طريف يوسف آغا

كاتب وشاعر عربي سوري مغترب

هيوستن / تكساس

الاثنين 24 محرم 1433 / 19 كانون الأول، ديسيمبر 2011

http://sites.google.com/site/tarifspoetry