رسالة مفتوحة إلى نبيل العربي
الأمين العام للجامعة العربية
السيد نبيل العربي
سلاماً وبعد
بما أننا لا نعرف بعض، فدعني أعرف عن نفسي قبل أن أبدأ رسالتي هذه.
أنا كاتب وشاعر عربي سوري مغترب في الولايات المتحدة منذ أكثر من ربع قرن. وكوني وقبل اغترابي كنت واحداً من السواد الأعظم من الشعب، وليس من النخبة القليلة من الحكام أو المسؤولين، فقد فرحت من هنا من المهجر بالثورات الشعبية التي اجتاحت بلادنا في مطلع العام الجاري، فنكلت بثلاثة حكام حتى الآن والباقي على الطريق. ولم أكتف بالفرح بهذه الثورات فقط، بل وواكبتها بأعمالي الشبه يومية من القصائد والمقالات، وكذلك بتنظيم أمسية شعرية داعمة لها هنا في هيوستن والمشاركة بمؤتمر تضامني مع الثورة السورية في واشنطن، حتى لقبتني بعض المواقع بشاعر الثورات العربية ووضعتني غيرها على لائحتين من لوائح الشرف الخاصة بها.
ومن جهتي فقد تفائلت كثيراً عندما علمت أن رجلاً مثلك، كان من المعتصمين في ميدان التحرير خلال الثورة المصرية المباركة، قد أصبح الأمين العام للجامعة العربية. وزاد من هذا التفائل أيضاً اسمك الذي تخيلت في البداية أنه اسم على مسمى، فقلت في نفسي: وأخيراً وصل إلى هذه المؤسسة رجل "نبيل" وفي نفس الوقت يحمل لقب وبالتالي هموم الأمة "العربية" الأصيلة. ثم وصل تفائلي بك إلى ذروته حين رأيتك على شاشات الإعلام وتأثرت "بشيبتك الوقورة"، فكان أول ماقلته في نفسي أن الخير الذي بدأ يظهر في بعض الدول العربية الشقيقة قد وصل أيضاً إلى جامعتها. ولاأخفيك القول أن أول ماتوقعت أن أسمعه من رجل "ميدان التحرير" في أول جلسة للجامعة هو أن تقف أمام مندوبيها وتقول لهم: أيها السادة، يشرفني أن أزف لكم خبر انتهاء عصر الديكتاتورية والاستبداد بالسلطة، وبناء عليه فأنا أطلب من جميع الحضور مغادرة القاعة ماعدا ممثلي تونس ومصر والمجلس الانتقالي الليبي، وعدم العودة إليها إلا بعد رحيل أنظمتها "العفنة".
هذا ماتوقعته منك أن تقوله وأن تفعله، ولكن وللأسف لم يحصل منه شئ، وبقيت الجامعة العربية على حالها الذي نعرفه، وهي التي كنت من جهتي قد نعيتها مؤخراً في قصيدة شعرية نشرتها على موقعي الخاص وعلى صفحات النت، كما أرسلتها للجامعة عن طريق البريد الالكتروني.
ومن الممكن أن أفهم لماذا تقف الحكومات العربية، ومعها جامعتها السيئة الذكر، موقف المتفرج الأخرس حيال الثورات التي اندلعت مؤخراً في بعضها، فهناك مثل شعبي شائع في دمشق يقول "دافنينو للشيخ زنكي سوا". ولكن أن تزور أنت شخصياً سورية التي تشهد واحدة من أوحش الحملات القمعية ضد شعب أعزل في العصر الحديث، فتجتمع مع رموز نظامها ثم تخرج لتقول بأنك راض عن الاصلاحات التي أطلقها النظام وأنك حتى متفائل بنتائجها، فهذا مالم أتوقعه على الاطلاق من الثائر "نجم ساحة التحرير". واسمح لي هنا أن ألفت انتباهك، ولاأعتقد بأنك لاتعرف، بأنك وخلال وجودك في الاجتماع، كانت دبابات ومدافع النظام تدك المدن السورية وتقتل المدنيين العزل. وكانت الأجهزة الأمنية تقنص المواطنين في الشوارع أو تعتقل وتعذب الأطفال حتى الموت، ولاأجد حرجاً من تذكيرك بأسماءٍ من أمثال الأطفال هاجر الخطيب وحمزة الخطيب وتامر الشرعي وغيرهم. وسؤالي لك هنا هو هل شاهدت صور هؤلاء الأطفال قبل وبعد قتلهم؟ وهل شاهدت أيضاً أشرطة ممارسات الأجهزة الأمنية في الشوراع والساحات، وخاصة شريط ساحة البيضا الشهير؟ وهل شاهدت ماحصل في مدينة حماة يوم أمس الأحد 30 شعبان وكيف أن المدنيين مرميون في الشوارع بلا رؤوس؟ هل تعتقد أن نظاماً كهذا، متخصص بأعمال المسالخ، قادر حقاً على أي إصلاح؟
لن أطرح عليك المزيد من الأسئلة هنا، فلست بأي حال بصدد استجوابك، ولكن سأختصر القول بأن الشعب السوري، كبقية الشعوب العربية، يستحق نفس الحرية والديمقراطية والكرامة التي خرجت أنت بنفسك إلى ساحة التحرير لتطالب بها للشعب المصري. أما زيارتك الأخيرة هذه إلى دمشق وتصريحاتك بعدها إنما تدل على عكس ذلك تماماً. مما دفعني إلى فهم خروجك إلى ساحة التحرير في القاهرة أثناء الثورة على كونه مجرد اثبات للموجودية من جهة ولتسجيل موقف للاستفادة منه لاحقاً من جهة ثانية، وأرى أن الجزء الثاني قد تحقق على أفضل وجه.
أرجو أن لايكون كلامي قد أساء لك، فأنا لم أبن هذا الفهم إلا على ظواهر الأمور ونتائجها، وسأترك ماخفي منها لرب العالمين وماسينتج عنها في المستقبل لعلم الغيب. أما في حال حصل واكتشفت الخطأ الفادح الذي ارتكبته بتلك الزيارة وتلك التصريحات، وقررت تدارك الخطأ، فهذا مازال ممكناً ولم يفت الوقت عليه بعد. كل ماعليك القيام به هو أن تصغي إلي جيداً وتنفذ نصيحتي بدقة ومن دون تأجيل.
أولاً: أن تستدعيَ الجامعة العربية لاجتماع طارئ في اليوم الذي يلي استلامك لهذه الرسالة عن طريق البريد الالكتروني.
ثانياً: أن تقف في افتتاح الجلسة وتقرأ على الحضور البيان التالي، وأنصحك بحفظه على ظهر قلب حتى لا تتلعثم به كما تلعثمت وأنك تتحدث لوكالات الإعلام بعد خروجك من إجتماع دمشق المذكور. وهذا هو البيان:
أنا المدعو نبيل العربي الذي انتخبت مؤخراً أميناً عاماً لهذه الجامعة، وأعترف لكم بأني وبدلاً من أن أقوم بواجبي بالدفاع عن مصالح الشعوب العربية، فقد تنكرت لهذه الشعوب وعلى رأسها الشعب السوري الجريح، وارتكبت خطأ أخلاقياً ووطنياً وقانونياً فادحاً بحقه حين صافحت جلاديه ووقفت في صفهم ضده بدلاً من الوقوف معه وتضميد جراحه وذلك لأسباب لا أجرؤ على التصريح بها. ولهذا رأيت بأني غير كفؤ لمهام هذا المنصب وبناء عليه أقدم لكم استقالتي، لعل الشعب السوري وبقية الشعوب العربية المقهورة تغفر لي خطأي وقصر نظري وتسامحني والسلام.
السيد نبيل العربي
إذا كانت لديك الجرأة لتفعل ذلك، فستثبت أنك حقاً نبيل، وأنك حقاً عربي، فالاعتراف بالذنب فضيلة، وجلّ من لايخطأ. أما إذا لم تفعل، فلا أعتقد أن شباب الثورة المصرية، وشباب باقي الثورات العربية، سيغفلون عما تفعله، وهم لن يسمحون لك أن تبقى طويلاً لتعربد في دهاليز الجامعة العربية. ولا أستبعد حينها أن نراك تنضم قريباً لأصدقائك القدامى في النظام المخلوع من الذين سبقوك إلى خلف القضبان.
***
بقلم: طريف يوسف آغا
هيوستن / تكساس
الاثنين 1 رمضان 1432 / 1 آب، أوغست 2011