سـورية تتحدث عن نفسها

ألقيت القصيدة لأول مرة أمام جمهور حي

المكان: صالة مقهى بيبلوس في مدينة هيوستن

الزمان: مساء الأحد 23 آيار 2010

قـصيدة

ســورية

تتحدَّ ث ُ عـَن ْ نـفسِـها

عندما تسـافر ُ الكلمة إلى فجر ِ التاريخ ْ

هل ْ مِن ْ مسـافر ٍ إلى بلدي أحمِّـله ُ أمانة ؟

أحمِّـله ُ سـلاما ً وكلاما ً ودمعة ً وعِتابا

السـلام ُ إلى بلد ٍ أفاخر ُ بها

وكل ُ العالم ِ يرى فيها أما ً بالقرابة ْ

والكلام ُ عن ِ الحب ِ يتدفق ُ كسـبيل ٍ جارية

تجف ُ كلمات ُ شـهرزاد َ ويبقى كلامي ينسـاب ُ شـرابا

والدمعة ُ مِن َ الأشـواق ِ سـخية ٌ لاتنقطع ْ

كدموع ِ أم ٍ على أبناء ٍ أطالوا الغيابا

وتركوا خلفَهم ْ دورا ً ينعق ُ الصمت ُ فيها

مِن ْ بعد ِ أن ْ كانت ْ تنبض ُ حياة ً وشـبابا

أما العِتاب ُ فكبير ٌ ولكن ْ على قدر ِ المحبة ِ

إن ْ أردت ُ الكتابة َ عنه ُ، كلـَّـفت ُ به ِ كُتـَّابا

ولكن ْ يواسـيني أني أخذت ُ مِن ْ بلدي صَبية

أخذتني عيناها غدرا ً ومالِغدر ِ العُيون ِ طبابا

للعُيون ِ سِـهام ٌ لايعرفها إلا مَن ْ عشِـق َ

قد ْ تـُخطِئ ُ النِبال ُ ولكن ْ سِـهام ُ العُيون ِ صَوّابة

صَبية ٌ فيها مِن ْ عِطر ِ الفـُـل ِ والنرجس ِ

ومِن ْ فاكِهة ِ الدار ِ تفاحا ً وعُـنـَّابا

عندها كل ُ ماتحلم ُ به ِ الصبايا

الكبرياء ُ تنحني لها و فيها الحَلا قد ْ ذابا

مِن ْ مَلِكة ِ الصَحراء ِ سَـرَقت ْ إسـمَها

ومِن ْ سِـحر ِ الشـرق ِ سَـرَقت ْ سِـحرَه ُ الخلابا

ثم َ غزت ْ قلبي الذي كثيرا ً ماغزا قبلها

فأسـرته ُ وأودعته ُ سِـجنا ً أضحَت ْ جـِدرانـُه ُ الأهدابا

سـورية ْ... أهلي وأهلوك ِ دوما ً في القلب ِ موضِعُهم ْ

وربوعُـك ِ طبعـت ْ خيالها على الأحداق ِ صَبابة ْ

سـورية ْ حدثيني عن ْ نفسـك ِ وعن ِ التاريخ ِ !

مَن ْ مِنكما بنى للآخر ِ أبراجا ً وقِـبابا ؟

*

قبل َ أن ْ يأتيَّ التاريخ ُ إلى دنيتي

حملت ُ به ِ تسـعة َ أشـهر ٍ أو قـُـرابا

فأعطيته ُ مِن ْ إسـمي نِصف َ أحرفه ِ: ياسـمين ٌ ورماح ٌ

وأموي ٌ وصل َ مشـرق َ الأرض ِ بمَغربها عُـقابا

ثم َ أرضعته ُ مما ترضع ُ الأسـود ُ

ومَن ْ يألف ْ رفقة َ الأسـود ِ لايَهاب ُ الذِئـابا

ولما انتبه َ إلى الدنيا واكتشـف َ عُريَه ُ

إلى دمشـق َ أخذته ُ واشـتريت ُ له ُ الثيابا

ألبسـته ُ مِن ْ ثياب ِ مجد ٍ وقلت ُ له ُ

" مَن ْ لايُـزينـْه ُ المَجد ُ، فليَحرق ِ الأثوابا "

ما أكثر َ ماكان َ إلى غير ِ بلاد ٍ يَرحل ُ

ثم َ يعود ُ ومِن َ الحنين ِ لترابي قد ْ ذابا

طالما اسـتظل َّ بقاسـيون َ وشـرب َ مِن ْ بَرَدى

ومِن ْ ثِمار ِ الغوطة ِ أكل َ الأطيابا

قاسـيون َ الذي شـهد َ انتشـار َ ذريتي

جَبل ُ الأنبياء ِ شـرَّف َ الأرض َ وشـرَّف َ السَـحاب َ

وبَرَدى الذي ينسـاب ُ إلى جُلـَّـق َ

نهر ٌ لاأرى بينه ُ وبين َ أسـاطير ِ الأولين َ حُجّابا

والغوطة ُ التي مَن َّ الله ُ عليَّ بها

دعوته ُ أن ْ يرزقني ْ جنة ً فبالغوطة ِ اسـتجابا

نعم ْ أنا سـورية ْ والتاريخ ُ إبني ْ ولكن ْ

شـعر ُ التاريخ ِ شـاب َ وشـعري ماشابا

فإن ْ سـأل َ بعد َ اليوم ِ عن ْ أصله ِ وفصله ِ

فتِلك َ هي َ القِصة ُ وتِلك َ هي َ الإجابة ْ

**

أعطتني الشـمس ُ مِن ْ إسـمها وطبعها

نورُها سـيَسـطع ُ دائما ً،حقيقة ٌ لاتحتمل ُ إرتيابا

لايُحجب ُ ضوء ُ الشـمس ِ بالأصابع ِ

كل ُ مَن ْ حاول َ حجب َ ضوئيَّ قد ْ خابا

أقوام ٌ أتتني زائرة ً وأقوام ٌ أتتني غازية ً

هذه ِ ترَكت ْ كنزا ً وتلك َ ترَكت ْ مُصابا

أقوام ٌ أتت ْ وأحضرَت ْ حضاراتِها معها

تركت ْ وراءَها صُروحا ً أدهشـت ِ الألبابا

آرام ُ ورث َ أكـاد َ، وآشـورُ سَـلم َ بابـل َ

يونان ُ خلـَف َ فارس َ، وروما سَـلمَت ِ الأعرابا

حتى الفراعِنة ْ مروا مِن ْ عِندي

فأسـتكملوا على لائحة ِ الزوار ِ النِصابا

وللفينيقيين َ كنت ُ سـورا ً يحتمون َ به ِ

ومنطلقا ً لتجارة ٍ صاروا لها الأربابا

وأرواد ُ توجتـُها مملكة ً بنت ْ لي َ الأسـاطيل َ

فزادتني مِن َ الدنيا إقترابا

وهي َ مِن ْ قبل ُ كانت ْ للأسـاطير ِ مرتعا ً

صبية ٌ أحبت ْ صيادا ً سَـرَقته ُ مِنها الحوريات ُ فغاب َ

فأعادَه ُ إليها مَلِك ُ البَحر ِ غانِما ً

وأهداهُما أرواد َ مِن ْ عِقده ِ لتكون َ لهُما حِجابا

وأوربة ُ كانت ْ، قبل َ أوربا، أميرة ً مِن ْ أميراتي

أطلقت ُ إسـمَها على بلادهم ْ فصارت ْ أسـطورة ً خلابة ْ

على مقاعد ِ إيبلا علمت ُ العالم َ كيف َ يكتب ُ

وبأبجدية ِ شـمرا فتحت ُ له ُ على المسـتقبل ِ الأبوابا

وماري مملكة ٌ ماكان َ لها في الدنيا مثيل ٌ

مابنيت ُ مِثـْل َ مُدنِها مُدنا ً ولاصنعت ُ كعُطورها أطيابا

وأفاميا ملأت ْ حواضرَها شـوارعا ً وأعمدة ً

آثار ٌ انحنى العالم ُ لها إعجابا

في عمريت َ رَفعت ُ المغازل َ وشـيَّدت ُ للقوة ِ هَيكلا ً

وقبل َ اليونان َ بقرون ٍ، وضعت ُ للرياضة ِ الألعابا

تحت َ كل ِ مَوطئ ٍ مِن ْ تربتي كنز ٌ يصرخ ُ

" أنقذوني تنالوا مِن ْ حضاراتي ثوابا "

كنوز ٌ لاتقدرُ بمال ٍ ولابثمن ٍ

أكاليل ُ غار ٍ ذهِل َ العالم ُ بها اختلابا

تدمرُ عروس ُ الصَحراء ِ لايُـشـبهها على الأرض ِ مكان ٌ

نصفها كنوز ُ مَجد ٍ ونصفها كنوز ُ حضارات ٍ مُهابة َ

أهداني الرومان ُ عليها مَعبدا ً ومَسـرحا ً وقوس َ نصر ٍ

ومَع َ قلعة ِ فخر ِ الدين ِ صارت ْ للفخر ِ أسـبابا

عشـرات ُ القلاع ِ رفعتـُها صُروحا ً في كل ِ مكان ٍ

حَلب ُ تحمي دِمشـق َ، والحِصن ُ تحرس ُ جَعبَر َ والمِرقابا

أنا وقِلاعي نـُحِتنا مِن ْ صُخور ٍ واحدة ْ

مَن ْ يظن ُ أني تلاشـيت ُ، فقلاعي ْ تبدد ُ له ُ السَـرابا

ومَن ْ يظن ُ أن َ عودتي للمَجد ِ باتت ْ صعبة ً

فلطالما ترفعت ُ عن ِ السَـهل ِ وعشِـقت ُ الصِعابا

أنا سـورية ُ ولأبنائي انحنى العالم ُ إجلالا ً

حلـَّـقـت ْ أسـماؤهُم ْ في آفاق ِ الأرض ِ أسـرابا

خمسَـة مِنهم ْ أوصَلتُهُم ْ إلى عرش ِ روما

لنصف ِ قرن ٍ وروما تُصغي لألحان ِ الربابة ْ

مِن ْ مدينة ِ الميماس ِ أرسـلت ُ لهم ْ قيصرة َ

فضُلها على التاريخ ِ لم ْ يذهب ْ يَبابا

هي وأبناؤها تربعوا على العرش ِ

وقالوا للدنيا " لانعرف ْ سِـوانا للمَجد ِ خُطـّابا "

ومِن ْ شـهبا ألحقتهم ْ بخاتمِهم ْ

عربي ٌ غاب َ مَجد ُ غيره ِ ومَجدُه ُ ماغابا

قانون ُ روما أنا مَن ْ أمليته ُ

ما كان َ فيضان ُ العاصي عليها مُعابا

وأتاها مِن َ الفيحاء ِ مُهندس ٌ بنى لها عجائِبا ً

كشـفت ْ عن ْ وجه ِ المُسـتحيل ِ النِقاب َ

***

نواعير ُ العاصي أعجوبة ٌ مِن ْ أعاجيب ِ الزمان ِ

سـقى الله ُ مدينة َ أبي الفداء ِ وأهلـَها الأحبابا

ولما عشِـق َ التاريخ ُ الطبيعة َ، كانت ْ أريحا

فأخذت ْ مِن َ الإثنين ِ قدرا ً عُجابا

وبُصرى درة ٌ مِن ْ دُرَر ِ الأرض ِ

إن ْ أناب َ التاريخ ُ عنه ُ مدينة ً، فبُصرى مَن ْ أنابا

فيها بركت ِ الناقة ُ تحت َ المُصطفى

وفيها تنبأ َ الراهب ُ النبأ َ المُهابا

بنى الفاروق ُ لي عليها أول َ مسـجد ٍ

ووَرثت ُ فيها مُدرَّجا ً أضحى للتاريخ ِ بوابة ْ

مِن ْ فوق ِ أسـوار ِ الشـام ِ، أطلقت ُ بولس َ سـالما ً

ومِن ْ جوار ِ الشـهباء ِ ، نسـخت ُ التوراة َ كِتابا

مِن َ المئذنة ِ البيضاء ِ أسـتقبل ُ المسـيح َ عائدا ً

ومِن ْ غوطتي أسَـيِّرُ جيوش َ الفتح ِ ركابا

في صيدنايا تراءَت ِ العذراء ُ لي ولقيصَرَ

وسـمعان ُ مِن ْ فوق ِ عموده ِ أتى أفعالا ً مُهابة ْ

وفي مدينة ِ الصخر ِ شـفيت ُ وتقلا المعاليل َ

فانضم َ لِرَكبنا كل ُ مَن ْ تابا

العيش ُ للرشـيد ِ في رَقتي قد ْ راق َ

والعيش ُ لهشـام ٍ في رَصافتي قد ْ طابا

الأمويون َ بنوا في دمشـق َ جامِعَهم ْ

وجعلوا له ُ في حلب َ توأما ً مُثابا

ووضعوا في القدس ِ الشـريف ِ ثالثهُما

منارات ٌ سـجد َ العالم ُ على عتباتِها واسـتتابا

حضارات ٌ ذهبت ْ وتركت ْ في قيثارتي أوتارا ً

رقص َ التاريخ ُ على أنغامِها العَـتابة

****

الفرات ُ يكاد ُ يكون ُ مِن ْ أنهار ِ الجنة ِ

إن لم ْ يظهرْ تحته ُ ذهب ٌ، أراه ُ للذهب ِ وهّابا

العذوبة ُ والخصوبة ُ بعض ٌ مِن ْ أسـاميه ِ

والأسـاطير ُ إن ْ تيتمت ْ، وجدت ْ على ضفافه ِ أنسـابا

تعودت ْ منابعُـه ُ رفقة َ القِمم ِ

وتعود َ واديه ِ تناوب َ الأمم ِ مدا ً وإنسـحابا

أم ُ الحضارات ِ نشـأت ْ على جانبيه

حملها السـومريون َ على صهوته ِ ركابا

وطبرية ُ بحيرة ٌ في الكتب ِ المقدسـة ِ لها ذِكر ٌ

وفي جوارها حمامات ٌ لمياهها الشـفاء ُ قد ْ ثابا

*****

كل ُ الأديان ِ مرت ْ يوما ً مِن ْ عِندي

كل ُ الأديان ِ ترى في نفسِـها إليَّ إنتسـابا

لمريم َ عندي كنيسـة ٌ يُذكر ُ الرب ُ تحت َ أسـقفِها

وكان َ لها مِن ْ قبل ُ في ربوتي إحتجابا

كل ُ الأنبياء ِ وقـَّعوا حُضورَهم ْ على دفتري

وكثيرٌ وجدوا في تـُرَبي مَهاجعا ً رحابا

مِن ْ أبيهم ْ آدم َ إلى خاتمِهم ْ

مُرورا ً بالخليل ِ والكليم ِ ولاننسـى يونسَ التوّابا

المعمدان ُ يَرتاح ُ في مَسـجدي

وفي الجوار ِ جمع ٌ مِن ْ أهل ِ البَيت ِ والصحابة ْ

نبي ُ الله ِ إدريس ُ اسـتقرَ في حلب َ

والباقون َ تجمعوا في دمشـق َ أترابا

دمشـق ُ مَن ْ دعاها بوابة َ التاريخ ِ أنصفـَها

ومَن ْ خاطبَها بدُرة ِ الشـرق ِ، أحسـن َ الخِطابا

*****

الشـيخ ُ الأكبر ُ وضع َ عصا الترحال ِ عند َ عاصمتي

وشـيخ ُ الفلاسـفة ْ في رحاب ِ كل ِ العلوم ِ قد ْ جابا

إمام ُ الصيادلة ِ وجد َ عندي لكل ِ داء ٍ دواء ً

وإمام ُ الأطباء ِ أتت ِ القلوب ُ إلى بابه ِ خَطـّابة ْ

أبو الكيمياء ِ ظنه ُ أهل ُ الغرب ِ سـاحرا ً

وأبو الفلك ِ جعلهم ْ يُعيدون َ بالنجوم ِ الحِسـابا

سـيد ُ التاريخ ِ حفر َ على التاريخ ِ اسـمَه ُ

وسـيد ُ اللغة ِ بألفيتِه ِ جَعل َ الأحرُف َ خلابة ْ

ملك ُ الأسـفار ِ بدأ أسـفارَه ُ مِن ْ عندي

وأميرُ الجزائر ِ قصدني فما وجد َ في ربوعيَّ اغترابا

شـيخ ُ الإسـلام ِ وصاحِب ُ التفسـير ِ ومُحدِث ُ العَصر ِ

علماء ُ كانوا في سـاحتي وسـاحة ِ العِلم ِ أقطابا

المتنبي ْ ملأ الدنيا وعرفـه ُ السـيف ُ والقلم ُ

شـغل َ الناس َ وحيرهم ْ أكان َ شـعره ُ وحيا ً أم ْ كتابة ْ ؟

وأبو تمام َ نحت َ للبُطولة ِ تمثالا ً مِن ْ قوافيه ِ

وقسَّـم َ حَد ُ شِـعره ِ الشِـعرَ جَدا ً وألعابا

الأخطل ُ جعلني مِنصَة ً لإطلاق ِ قصائِدِه ِ

فكان َ مديحُه ُ دواء ً وكان َ هِجائه ُ عذابا

وأبو فراس ٍ أميرٌ جمع َ البلاغة َ والشـجاعة َ

بالقلم ِ كتب َ رومياتِه ِ وبالرُمح ِ كان َ للروم ِ صَوّابا

البحتري ُ وصل َ بمركبه ِ إلى بحار ٍ لاحُدود َ لها

ما أجمل َ اللآلئ َ فيها وما أكثر َ منها ما أصابا

وأبو العلاء ِ عزل َ نفسَـه ُ رهين َ المحبسـين ِ

في أشـعاره ِ ورسـالتِه ِ التأمل ُ قد ْ طابا

ديك ُ الجن ِ فاق َ بشـعره ِ رُوّاد َ عَصره ِ

فاخر َ به ِ وأضاف َ إليه ِ وأوقفه ُ للعروبة ِ عَرَّابا

وبدوي ٌ جعل َ من الوطن ِ جبلا ً شـامخ َ القمم ِ

نذرَ شِـعرَه ُ لمقارعة ِ الأعداء ِ فكان َ غلابا

نزار ٌ أصبح َ قلمُه ُ في يد ِ الثوار ِ بندقية ً

ومِن ْ أمير ِ الشـعراء ِ آلت ْ إليه ِ الإمارة ُ أحقابا

وسـليمان ُ توج َ الأطفال َ ملوكا ً في عوالِمِهم ْ

وتوجته ُ القومية ُ عليها ملكا ً مُهابا

أما عُمَرُ فوضع َ على رأس ِ التاريخ ِ ريشـة ً

لو أناب َ التاريخ ُ عنه ُ متحدثا ً، غيرَه ُ ما أنابا

******

زنوبيا قالت ْ لروما " لسـنا مِن ْ عبيدِكمْ،

والمجد ُ الذي تُصَلـّون َ له ُ اليوم َ، كان َ لنا المِحرابا "

المجد ُ الذي تمرغ َ به ِ الرومان ُ في الشـام ِ

إسـترده ُ منهم ْ سـيف ُ الله ِ وحذرهم ِ الإيابا

وترك َ سـيفه ُ في حِمص َ عندي أمانة ً

لأحفاد ٍ لايبتغون َ إلى المهانة ِ ذهابا

ثم َ إلى الأندلس ِ سـيَّرت ُ طارقا ً وألحقته ُ بصقر ٍ

وإلى الصين ِ أرسـلت ُ مَن ْ يقرع ُ الأبوابا

صلاح ُ الدين ِ ثأرَ لِمن ْ قبله ُ ولِمن ْ بعدَه ْ

أطلقتـُه ُ إلى حطين َ وبيت ِ المقدس ِ شِهابا

وقبله ُ ودعت ُ الشـهيد َ وبعدَه ُ إسـتقبلت ُ الظاهرَ

ملوك ٌ غيروا وجه َ التاريخ ِ، لهم ُ التاريخ ُ قد ِ اهتابا

ومِن َ الشـهباء ِ رفع َ سـيف ُ الدولة ِ رايتي

أميرٌ مِغوارٌ عاش َ ســيفـُه ُ على الأعداء ِ وثـّابا

ومنها إلى أرض ِ مِصرَ أرسـلت ُ سـليمان َ

قرأ على الجنرال ِ حكم َ التاريخ ِ ونفذ َ فيه ِ العقاب َ

ومِن ْ لاذقية ِ العرب ِ ألحقته ُ بجمّال ٍ

غرز َ زورقه ُ في أسـاطيل ِ العدوان ِ أنيابا

ومِن ْ جبلة َ إلى روابي القدس ِ بعثت ُ القسـام َ

فأشـعلها ثورة ً صارَ الغزاة ُ في لهيبها أحطابا

وقال َ القدم ُ الهمجية ُ التي دنـَّسَـتها سـنقطعُها

ونتركُها للأجيال ِ درسـا ً إن ْ كانوا للحرية ِ طلابا

ويوسـف ُ زحف َ إلى ميسـلون َ وبلـَّغ َ الإنتداب َ رسـالتي

وقال َ لهم ْ " نموت ُ أبطالا ً وتموتون َ كِلابا "

وتحت َ جَنح ِ الليل ِ وفوق َ ظهر ِ الخيل ِ

هنانو مِن َ الزاوية ِ فرش َ الأرض َ لهم ُ حِرابا

وصالح ٌ مِن َ السـاحل ِ أقضَّ مضاجعَهم ْ

وأسـمعَهم ْ مِن َ أبجديتي رصاصا ً أعاد َ لهم ُ الصوابا

وحسـن ٌ مِن َ الغوطة ِ دك َّ مواقِعَهُم ْ

وصل َ ليلهم ْ بنهارهِم ْ ومرغ َ بهم الترابا

وسـلطان ٌ في الجبل ِ الأشـَّم ِ غسـل َ بالنار ِ دارَه ُ

وقال َ بئسَـها دارا ً لاتحفظ ُ للقوم ِ أنسـابا

خيمة ٌ في ظِل ِ بندقية ٍ لأشـرف ُ

مِن ْ قصور ٍ يُسـقى فيها الذِ ل ُ أكوابا

نعم ْ أنا سـورية ُ وإن ْ سـألني التاريخ ُ عن ْ سِـر ِ عِزّتي

أقول ُ له ُ أمثال ُ هؤلاء ِ يعرفون َ الجوابا

أبطال ٌ إن ْ إسـتغثت ُ بهم ْ ما تأخروا

وصنعوا مِن ْ صُدورهم ْ متاريسـا ً صِلابا

ما كانت ْ بنادقي لتهدأ َ في سـواعِدِهم ْ

إلا لتنطلق َ السـواعد ُ تحصد ُ الرقابا

إن ْ حملوا للهجوم ِ إنقضوا نسـورا ً

وإن ْ تنادوا للدفاع ِ هبوا أسـودا ً غِضابا

وإن ْ زرعوا الأرض َ، زرعوها كرامة ً

وإن ْ سَـقوها، سَـقوها عِزة ً وخِضابا

*******

الأقوام ُ التي أتت ْ وأحضرت ْ حضاراتِها معها

اعترفت ُ بفضلها وورثت ُ منها كنوزا ً تملأ ُ الشِـعابا

ولكن ْ تلك َ التي أتت ْ والحقد ُ يُسـابقها

فصلت ُ رؤوسَـها وصنعت ُ مِن ْ جلودها ربابا

وتركت ُ أشـلاءَها للرياح ِ تعصف ُ بها

ولكواسِـر ِ الأرض ِ وجوارح ِ السـماء ِ ولائِم َ تغطي الهضابا

منها مَن ْ ظنت ْ أني على أمري غُلِبْت ُ

فدارَ الزمان ُ دورَته ُ وعُدت ُ غلابة ْ

ومنها مَن ْ تناسـت ْ أني أم ُ الحضارات ِ

فأتت ْ بدعوى تحضيري وسَـمَّت ْ نفسَـها إنتدابا

كـُلها صارت ْ في ذِمَة ِ التاريخ ِ

جعلها التاريخ ُ عِبرة ً فأضحت ْ على نفسِـها نـدّابة ْ

أقوام ٌ كعواصِف ِ الرياح ِ هَبت ْ مِن ْ كل ِ اتجاه ٍ

الشـرق ُ عَصَف َ بالغرب ِ، وأنا مَحَوت ُ الأغراب َ

*******

شـعر: طريف يوسف آغا

جماد الأول 1431/ أيار 2010

هيوستن/ تكساس

يرجى الضغط هنا للتعليق على القصيدة

يرجى الضغط هنا لمشاهدة أمسية قصيدة (سـورية) على موقع يو توب

http://www.youtube.com/watch?v=jo_lTK4nAfs

يرجى الضغط هنا لمشاهدة معرض صور قصيدة (سـورية) على موقع يو توب

http://www.youtube.com/watch?v=PO-4SV-kS0k