مـن بحاجـة للعـفو؟

مَـن بحاجـة للعـفو؟

مَـن الخـائن ومَـن المُخـان؟

هناك عوامل مشتركة كثيرة تجمع بين الثورات التي نراها تجتاح الدول العربية في ربيع هذا العام. بدأً من أسبابها المباشرة وغير المباشرة، إلى وجود رموز لكل منها كانت بمثابة القشة التي أدت إلى قصم ظهر ديكتاتورها. ولكن أيضاً إلى كيفية تعامل الأنظمة معها (أمنياً وإعلامياً وسياسياً). ودعني هنا أعيد صياغة الجملة الأخيرة لأقول: كيفية تعامل الأنظمة معها (إجرامياً وتلفيقياً ومسرحياً). وما أنا بصدده في هذا المقال هو تسليط بعض الضوء على الناحية المسرحية، وبالتحديد على إصدار عفو عن سجناء ومعتقلي الرأي، كما تفعل الأنظمة في مرحلة من مراحل الثورات المشتعلة ضدها.

من جهتي، فأنا مع أي عفو يؤدي إلى الإفراج عن معتقلين لم تكن جريمتهم سوى أنهم اختلفوا مع النظام وعارضوا سياسته. ولكن كم كان عفواً كهذا سيبدو أكثر تأثيراً واجتذاباً لقلوب الناس لو أتى في ظروف عادية لاتكن الأنظمة فيها تحت ضغط الثورات الشعبية كما هو الحال الآن. هذا من جهة، ومن جهة ثانية، وبعد القمع الأمني على طريقة إبادة الحشرات الذي واجهت به بعض الأنظمة العربية تلك الثورات، فقد أعاد هذا القمع إلى أذهان الشعب وبصورة فورية شريط ذكرياته مع أنظمته منذ استلمت السلطة وحتى اليوم. وهي الذكريات التي كانت نائمة إلى أن أتى رصاص النظام وهدير دباباته وأيقظها.

وهذا ما جعل سؤالاً منطقياً يطفو على السطح وتطرحه الجماهير الثائرة:

من بحاجة للعفو؟ الشعب الذي يطالب بالعيش تحت سقف الكرامة والحرية، أم النظام الذي أمضى عقوداً وهو مصادر لهما؟ فمن المفترض للعفو أن يأتي ممن ارتكبت بحقهم جرائم، ويمنح للذين ارتكبوا تلك الجرائم، وليس العكس! وكوننا نتكلم هنا عن جريمة الخيانة، كونها ماتتشدق به الأنظمة الديكتاتورية العربية وتلقيها على معارضيها، فالمضحك المبكي في هذا الأمر هو أن تلك الأنظمة، وفيما إذا اشتركت بمسابقة للجرائم بشكل عام وللخيانة بشكل خاص، فستحصد كافة الميداليات الذهبية بدون منازع!

فهذا من وعد شعبه بإنهاء نظام الحكم مدى الحياة، فحكمهم لأكثر من عشرين سنة وبالحديد والنار ولم يغادر كرسيه إلا خلعاً وهرباً من غضب الشعب. وهذا الذي أدهش حتى العدو بحبه له وتمرغه عند قدميه وتفانيه في خدمته مبرراً ذلك بمصلحة الوطن، فانتهى في السجن بانتظار تفسير تلك المصلحة مع تفسير الكثير من بقية سياساته.

وهذا الذي لم يترك فرداً من أفراد أسرته، لا من قريب ولا من بعيد، إلا وحشره في منصب حكومي حتى صارت حكومته (أهلية بمحلية)، وحاول جر بلاده إلى حرب أهلية، فانتهى في غرفة العناية المشددة في مشفى دولة مجاورة بين الحياة والموت. وهذا الذي أهدر ثروات بلاده على دعم الحركات المسلحة في العالم حتى حاز وبجدارة على لقب ملك ملوك الإرهاب العالمي إلى جانب مابحوزته من ألقاب، فانتهى يواجه، ليس فقط انتقام شعبه، ولكن أيضاً انتقام العالم بأسره.

وهذا الذي، ولحوالي أربعة عقود، لم يطلق رصاصة واحدة على العدو الذي يحتل أرض الوطن، وذلك بحجة انتظاره للزمان والمكان المناسبين للمعركة. علماً بأن الزمان والمكان لم يمنعاه من خوض معارك أشبه بالمجازر ضد شعبه الأعزل حالما شعر ببوادر المعارضة ضده، وهو بانتظار معجزة تنقذه من مصيره المحتوم والمشابه لمصائر سابقيه.

وبعد كل هذا الاستبداد بالحكم والتنكيل بالناس والتفريط بالأرض، وبعد تحولهم إلى أثرى أثرياء العالم في حين تعيش شعوبهم على وتحت خط الفقر، بعد كل هذا ويتحدثون عن الخيانة ويطلقوها على معارضيهم لتبرير إطلاق الرصاص الحي عليهم، وتحويل الشوارع والساحات العامة إلى محاكم عسكرية ومنصات لتنفيذ أحكام الإعدام.

فمن الخائن ومن المُخان؟

ومن المجرِم ومن المجرَم بحقه؟

ومن بحاجة لقرار العفو؟

بقلم: طريف يوسف آغا

هيوستن / تكساس

الجمعة 8 رجب 1432 / 10 حزيران 2011

http://sites.google.com/site/tarifspoetry