ربيع الشعوب وقيامة الحكام

ربيع الشعوب وقيامة الحكام

حصاد مؤامرة المؤامرات

بعد مقالي الأخير عن مؤامرة المؤامرات، قررت أن أتابع وأوضح إلى أين أوصلتنا هذه المؤامرة. فرأينا كيف تم تنصيب أو مساعدة الحكام المستبدين بالوصول إلى سدة الحكم في بلادنا العربية بعد الاستقلال لتسهيل ورعاية مصالح الدول العظمى من جهة وتأمين دولة إسرائيل من جهة ثانية. كما رأينا كيف أطلقت تلك الدول يد هؤلاء الحكام بسرقة ونهب أوطانهم وأيضاً بالتنكيل بشعوبهم طالما أن هؤلاء الحكام يقومون بالمهام السابقة المطلوبة منهم على أكمل وجه. ورأينا كيف، وبعد حوالي الستين عاماً، فهذا ماحصل فعلاً على أرض الواقع. وإذا كانت هناك بعض الحوادث البسيطة التي خرجت عن هذا السيناريو دون أن تؤثر على جوهره، فكان الغرب ومعه إسرائيل، مستعداً لغض النظر عنه، أو في أسوأ الأحوال معالجته بعملية جراحية بتخدير كلي أو موضعي.

ولكن ماحدث بعد ذلك، أن تمادى هؤلاء الحكام بتنكيلهم بشعوبهم، فغرقوا وأغرقوا البلاد بالفساد والظلم، وبلغت ثرواتهم أحجاماً خيالية لحد أنهم ماعادوا يعرفون ماذا يفعلون بها أو أين يضعوها. فصاروا يكدسوها في خزائن الثياب وصناديق الطعام وغيرها من الأماكن الغير مقفلة في قصورهم في حين أن الشعوب تعيش على وتحت خط الفقر. فما فعله الحكام في الواقع هو أنهم حولوا شعوبهم إلى قنابل موقوتة قابلة للانفجار في أي وقت ومن دون إنذار. وفي الحقيقة فقد بدأت بوادر ذلك الانفجار الذي نراه اليوم تتشكل في القرن الماضي حين قامت العديد من المواجهات بين الشعوب وحكامها. أشهرها ماسمي بثورة الخبز على نظام أنور السادات في مصر عام 1977، وقبلها بعام ثورة الطلاب على معمر القذافي في ليبيا عام 1976 وبعدهما ثورة الاخوان المسلمين في سورية عام 1982. وقد كان السادات الأكثر موضوعية وسلمية مقارنة بغيره في معالجة الثورة ضده، وإن لم يعالج أسبابها، حيث اكتفى باعادة سعر الخبز إلى ماكان عليه. إلا أن القذافي تجاوب بنصب المشانق للطلاب في حين لجأ الأسد الأب لارتكاب أبشع مجزرة عرفها النصف الثاني من القرن العشرين وراح ضحيتها أكثر من خمسين ألف من أهالي مدينة حماة المدنيين والعزل في بحر اسبوع. ماحصل حينها أن هؤلاء الحكام وغيرهم لم يعيدوا الاستقرار إلى بلادهم بتلك المجازر، بل أجلوا الانفجار الكبير الذي نراه ونسمع صوته اليوم، فدفع القذافي الفاتورة بنفسه، في حين دفعها خليفة السادات، وهي تطارد الأسد الابن لاجباره على دفعها مع فواتير المجازر الذي ارتكبها هو ونظامه. فأنا أرى أن ماحصل في مدرسة درعا على سبيل المثال ماكان إلا تردداً لصدى أصوات الاستغاثة والثأر التي أطلقها سكان حماة قبل ثلاثين عاماً والتي ظن النظام مخطئاً أنه قد أسكتها إلى الأبد، والدليل على ذلك أن الأسد الابن أعاد إلى الخدمة العديد من رجالات الأمن المتقاعدين الذين ساعدوا أبيه في ارتكاب تلك المجازر حينها (باعتبارهم أصحاب خبرة وتجربة عملية)

ولكن يبقى السؤال الذي يطرحه الكثير بما فيهم هؤلاء الحكام هو لماذا رفضت الشعوب العربية إعطاء فرصة للاصلاحات التي تم الوعد بها؟ فهذا حاكم تونس قد قال لهم أنه سمعهم وفهمهم، وهذا حاكم مصر وعد بعدم الترشح للرئاسة من جديد لاهو ولا ابنه، وهذا حاكم اليمن أعلن على الملأ أنه على استعداد لكل مايطلبه منه الشعب والمعارضة. أما حاكمي ليبيا وسورية فقد وعدا بالبدء الفوري ببرامج إصلاحية وشاملة تتضمن تغيير الدستور والحكومة ومجلس الشعب وانتقال تدريجي نحو الديمقراطية ومنح المزيد من الحريات. الجواب على هذا السؤال هو أن المشكلة هنا قد باتت مشكلة ثقة بالدرجة الأولى. فهؤلاء الحكام، وعلى مدى العقود الماضية، طالما وعدوا ولم يفوا، والأسوأ من ذلك، طالما أعطوا الأمان ثم غدروا وأغرقوا شعوبهم بالدماء.

وبالتالي فان مايجري في بلادنا العربية اليوم، كما أراه، هو أشبه مايكون بيوم القيامة الخاص بالحكام. وكل الكتب السماوية تقول أنه حين يأتي يوم القيامة، فلا تعود التوبة مقبولة من أحد، ولا الوعود ولا النداءات أيضاً، إذ يكون الوقت قد فات عليها، ولهذا تمت تسميته أيضاً (بيوم الحساب)، ولم يسمى (بيوم إعطاء الفرص). وفقط في الأنظمة الديكتاتورية، نجد أن يوم ربيع الشعوب هو يوم قيامة الحكام، وأن أعياد الشعوب هي في الوقت نفسه مآتم الحكام والعكس صحيح.

***

بقلم: طريف يوسف آغا

كاتب وشاعر عربي سوري مغترب

جمعة (تسليح الجيش الحر) 9 ربيع الثاني 1433، 2 آذار، مارس 2012

هيوستن / تكساس

http://sites.google.com/site/tarifspoetry