الرد على كلمة بشار الجعفري

الرد على كلمة بشار الجعفري

المندوب السوري لدى الأمم المتحدة

تم عقد اجتماع في مجلس الأمن الدولي يوم أول أمس الثلاثاء 31 كانون الثاني، جانيوري 2012 لمناقشة طلب الجامعة العربية تحويل ملف النظام السوري إلى المجلس لمساعدتها في تطبيق خطة الحل الذي وافقت عليه دول الجامعة. وقد قام مندوب النظام السوري بشار الجعفري بالقاء كلمة بلاده حيث كال فيها، كما هو متوقع، تهم الخيانة للجامعة العربية عموماً ولقطر ودول الخليج خصوصاً، كما واتهم أمريكا وانكلترا وفرنسا، ومعهم اسرائيل بطبيعة الحال، بكافة أنواع التآمر. ولم ينس تمسيح الجوخ لروسيا والصين كي لاينسيا استعمال حق الفيتو، كما لم ينس، كالعادة أيضاً، إقحام فلسطين في الموضوع، وكأن هذه الجلسة قد عقدت لايقاف زحف جيش النظام السوري بعد أن وصل إلى أبواب القدس وفي طريقه إلى تل أبيب!

إذاً لم يكن في هذه الكلمة (الطويلة والمملة والمليئة بالأخطاء التاريخية والجهل باللغة الديبلوماسية) ماهو غير متوقع من مندوب نظام عرف منذ زمن طويل بجزار شعبه، سوى افتتاحه لتلك الكلمة ببيت لشاعر سورية الراحل نزار قباني. ذلك إذا علمنا أن النظام الذي يمثله الجعفري كان يعادي الشاعر ويمنعه من الدخول إلى بلده بحرية إلى أن توفي في المهجر عام 1998 فسمحوا لأهله بدفنه في دمشق وبدؤا بالتفاخر به وبأشعاره. وعلى كل حال فلن أقف في هذا المقال سوى عند عبارة واحدة من كلمة الرجل وهي تلك التي (تفتق) ذهنه عنها وسمعناه يأسف بها على قرار الجامعة العربية نقل ملف مجازر نظامه إلى المجتمع الدولي ممثلاً بمجلس الأمن. وقد اعتبر أن الجامعة بعملها هذا إنما (تستدعي التدخل الخارجي للاستقواء على سورية!)

ماأريد أن أفعله هنا وقبل كل شئ هو أن أصحح للجعفري عبارته هذه. فالجامعة العربية في الحقيقة لاتستدعي اليوم التدخل الخارجي للاستقواء على (سورية)، وإنما للاستقواء على (النظام السفاح الحاكم في سورية) وهناك فرق كبير بين الاثنين. فالديكتاتور، ومن خلفه إعلامه، يصورون أن الوطن يتجسد في القائد والعكس بالعكس، وهذه دعاية رخيصة أثبت التاريخ كذبها وبطلانها ولانسمعها إلا من أصحاب الذكاء المحدود أو ممن يريدون تسويقها لمصلحتم الخاصة. ومن جهتي، فقد كنت قد كتبت قبل عدة أشهر مقالاً بعنوان (هل يختصر الوطن بحاكم؟) لفت النظر فيه إلى هذه النقطة بالذات. سورية بالتعريف هي الأرض المؤلفة من الجبال والوديان والأنهار والبحيرات والمدن والقرى الواقعة ضمن حدودها السياسية المعترف بها دولياً. كما أنها أيضاً الشعب الذي يعيش على هذه الأرض بكافة أطيافه الجميلة والمتنوعة التي تجعله فريداً بين بقية شعوب العالم، فلا يشبه منها إلا نفسه. ومن هذا التعريف لاأرى مايدفع الجامعة العربية ولاغيرها للاستقواء بالغرب على سورية كما عرفناها. أما النظام السوري السفاح والذي هو بالتأكيد ليس سورية ولايمثلها بأي شكل من الأشكال، إنما يمثل نفسه فحسب، والجامعة العربية التي لم تستطع بامكانياتها المحدودة أن توقف مجازر هذا النظام بحق شعبه الأعزل، اضطرت أخيراً إلى استدعاء التدخل الخارجي (للاستقواء عليه) ولست أرى في ذلك أي مشكلة أو خيانة أو تآمر، بل على العكس أرى (شهامة ومروءة). وقد أصاب الجعفري وأخطأ أثناء كلمته، فهو أصاب حين قال أنه يمثل رئيس النظام السوري، ثم أخطأ حين أضاف أنه لذلك يمثل الشعب السوري، ولكن أين الثرى من الثريا؟

هذا من جهة، ومن جهة ثانية فكيف يحلل الجعفري لنظامه استدعاء التدخل الخارجي المتمثل بايران وروسيا للاستقواء على شعبه الأعزل بامداده بالمقاتلين والسلاح، ويحرم على الأشقاء العرب استدعاء من هو قادر على حماية هذا الشعب من نظامه المجرم وحلفائه الأكثر إجراماً؟ إلا إذا كان يعتبر أن إيران وروسيا هما من (أهل البيت)، أو أنه يعتبر أن سورية محافظة إيرانية أو جمهورية روسية؟ وحتى لايزعل الجعفري، فسأتفق معه ومع نظامه بأن الدول العربية التي (تستدعي التدخل الخارجي للاستقواء على سورية) ربما لاتكون دولاً لها صفات الملائكة، لاهي ولا الدول الغربية التي على وشك التدخل الفعلي لانهاء مأساة الشعب السوري، بل وربما كانت بعض هذه الدول أقرب إلى الشياطين منها إلى الملائكة. ولكن يبدو أن حتى هذه الشياطين ماعادت قادرة على هضم أو تجاهل الوحشية والهمجية التي يمارسها النظام السوري ضد شعبه الأعزل من أطفال ونساء وشيوخ منذ أكثر من عشرة أشهر.

في خاتمة هذا المقال، أريد أن أنبه المجتمع الدولي إلى أن الحل الذي تطرحه الجامعة العربية على النظام السوري اليوم لحل الأزمة حسب (السيناريو اليمني) ليس هو الحل الوحيد الذي يراه ذلك النظام على الطاولة. فكل المؤشرات تدل على أنه قد اختار ماهو معروف(بسيناريو حماة)، خاصة أنه سبق وجربه في الماضي بنجاح دون أن يحاسبه المجتمع الدولي على جرائمه، بل على العكس لعب دور الشريك الصامت له حين اكتفى بادارة وجهه إلى الناحية الثانية متظاهراً بأنه لم ير شيئاً. فهل يظن النظام أن ذلك سيتكرر اليوم أيضاً؟ وكما بدأ الجعفري كلمته ببيت شعر، فسأختم هذا المقال بنفس الطريقة من قصيدتي (ووصل الطوفان إلى بلاد البعث):

فلنْ تمضيَّ أيـامٌ إلا ونرى نظامَـكمْ أيضاً

إما قَـدْ سَـقطَ وإما قد طـارْ

والكَـرامةُ سَـيسـتعيدُها الشَـعبُ

على خُطى أحـفادِ عُـرابي أو أحـفادِ المُختـارْ

***

بقلم: طريف يوسف آغا

كاتب وشاعر عربي سوري مغترب

الخميس 10 ربيع الأول 1433، 2 شباط، فيبروري 2012 (الذكرى 30 لمجزرة حماة)

هيوستن / تكساس

http://sites.google.com/site/tarifspoetry