هل نحن خير أم شر أمة أخرجت للناس؟

هل نحن خير أم شر أمة أخرجت للناس؟

وأين نقع على خارطة الأمم؟

بقلم طريف يوسف آغا

ينقسم العرب اليوم إلى فئتين من حيت تقييم أمتنا العربية، فمنهم من يصر أننا خير أمة أخرجت للناس ويستشهدون بالعلوم والاختراعات والآداب والكرم والشهامة والبطولات التي كنا روادها في وقت مضى، ومنهم من يصر بأننا شر أمة ويستشهدون بالممارسات الوحشية كقطع الرؤوس والأيدي والرجم والجلد ووأد المولودات والكذب والخيانة وفنون التعذيب والجهل والتخلف الفساد والاقتتال فيما بينهم. إذا عدنا إلى التاريخ وقرأناه بحياد، سنجد أننا لسنا خير الأمم ولا شرها، بل نحن كبقيتها، لاأكثر ولا أقل، لنا مالها وعلينا ماعليها، وسأحاول في هذا المقال أن أشرح ذلك.

في البداية لابد من التذكير أن الأمم التي ازدهرت عبر التاريخ وشكلت إمبرطوريات امتدت على مساحات واسعة من الأرض، والأمة العربية منها، لم يكن لها في مرحلة سابقة لذلك أي ذكر، كما وانتهى مجدها وذكرها في مرحلة لاحقة، والأمثلة هنا كثيرة أذكر منها البابليين والفراعنة والاغريق والرومان والفرس والمماليك والعثمانيين وغيرهم، فالأمم كالمخلوقات الحية، تخلق وتزدهر، ثم تشيخ وتزول أو تقف على الهامش. وإذا عدنا إلى هذه الأمم ومثيلاتها، سنجد أن لها ممارسات مخجلة كتلك التي كان العرب يذمون بممارستها قبل وبعد الإسلام ووصولاً إلى اليوم. المشكلة هنا أن التاريخ حين تكتبه الأمة صاحبة العلاقة، فهي تذكر فقط مفاخر ذلك التاريخ وتتجاهل تلك التي لاتدعو للفخر. وهي من جهة ثانية تذكر مساوئ الأمم المعادية لها وتتجاهل تلك المضيئة منها، فأبطالهم هم مجرمون بالنسبة لنا وأبطالنا هم مجرمون بالنسبة لهم. أذكر هنا مثالين: تيمورلنك الذي نعده من أسوأ سفاحي وغزاة التاريخ، له نصب تذكاري في مدينة سمرقند في أوزباكستان تمجيداً لبطولاته، وسيلمان الحلبي الذي نعده من أبطالنا الذين نفتخر بهم، لاتزال فرنسا تحتفظ بجمجمته حتى اليوم في أحد متاحفها تحت لوحة كتب عليها (جمجمة مجرم).

حين تنطلق أمة لاحتلال جيرانها وتشكيل إمبرطورية، تحت أي إسم أو مبرر، فهي بالضرورة سترتكب جرائم حرب لتثبيت احتلالها، ولايستثنى من ذلك أحداً، وإذا كان هناك اختلاف في كمية ونوعية تلك الجرائم، فهذا لاينفي أنها جرائم. والمحتل، مثله مثل الحاكم الديكتاتور، سيقطع الرؤوس وسيعذب ويغتصب ويسجن ويتفنن في وسائل إخضاعه لخصومه. البابليون فعلوا ذلك باليهود والرومان بالفراعنة، والاغريق بالفرس والعرب بالهنود والاسبان والأوربيين ببلاد الشام وافريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية. كما وأن الأمم حين تقع في محنة الحرب الأهلية، بسبب العصبية القبلية أو الدينية أو المذهبية، فهي أيضاً سترتكب نفس الفظائع وستكون بين أبناء الشعب الواحد وأحياناً أسوأ مما يقوم به المحتل الأجنبي. اليهود فعلوا ذلك بالمسيحيين والمسلمين، والمسيحيون فعلوا ذلك باليهود والمسلمين، والمسلمون فعلوا ذلك باليهود والمسيحيين، والكاثوليك فعلوا ذلك بالبروتستانت والأرثودوكس والسنة فعلوا ذلك بالشيعة والعكس.

الكثير منا قرأ عن قصة هارون الرشيد وشارلمان وإعجاب الأخير بالتقدم والسبق العلمي والحضاري للعباسيين على الأوربيين في ذلك الوقت، ولكن لايحب العرب التطرق بالتفاصيل لقصة ابني هارون الرشيد الأمين والمأمون وكيف قتل المأمون أخيه من أجل الحكم. وكلنا يعرف أن صلاح الدين الأيوبي حرر القدس، ولكن مؤرخينا يمرون مرور الكرام على أن أبنائه اقتتلوا فيما بينهم بعد وفاته وأن أحد أبناء أشقائه أعاد القدس بعد ذلك للصليبيين ليضمن الاستمرار في الحكم. الفرنسيون من جهتهم يتغنون بأمجاد وفتوحات نابليون في أوربا ومصر، ولكنهم يتجاهلون المجازر التي ارتكبها ضد أسرى الحرب والمدنيين. الأمريكيون يتفاخرون بأنهم بنوا أقوى وأغنى دولة معاصرة، ولكنهم لايريدون الخوض كثيراً في المجازر التي ارتكبوها في حق السكان الأصليين. وإذا وضعنا تحت المجهر مافعله الاسبان والبرتغاليون في أمريكا اللاتينية والفرنسيون في الجزائر والمغرب والإيطاليون في ليبيا والأمريكيون في فيتنام، لوصلنا إلى نتيجة أنه لايحق لأمة أن تجرم غيرها ولا لأمة أن تعتبر نفسها الأفضل، فالمسألة هنا لاتتعدى كونها مسألة من يكتب التاريخ ومن يقرر الأفضل والأسوأ.

بالنتيجة وبالنسبة لنا نحن العرب، فلا داعي لأن نجلد أنفسنا ونخجل أكثر من اللازم من تاريخنا، كما أنه لاداعي لأن نفاخر بأننا خير أمة أخرجت للناس وأنه لايوجد أحد مثلنا، فكل الأمم لها أو كان لها ماتفخر به وماقدمته للإنسانية، وبالمقابل فنفس الأمم كان عندها أو مايزال ماتخجل منه ومايعتبر وصمة عار على الانسانية. الشئ الوحيد الذي يحق لنا أن نخجل منه هو لماذا لانلحق بركب الدول المتقدمة كما فعلت دول كثيرة بعد الحرب العالمية الثانية. الجواب هو أننا سنحقق ذلك حين نحظى بحكام وطنيين قلوبهم على الوطن وليس على كراسيهم، وهذا مستحيل في الوقت الراهن لأن جميع الحكام العرب مرتهنون لدول أجنبية مهمتهم تأمين مصالحها وتحقيق طلباتها مقابل دعم إبقائهم في الحكم، وليس هناك في المستقبل المنظور مايبشر بتغير ذلك طالما أننا لانملك أسباب القوة، فهي وحدها التي تردع الدول الأجنبية على التدخل في شؤون غيرها.

***

(يسمح بالنشر دون إذن مسبق)

بقلم: طريف يوسف آغا

كاتب وشاعر عربي سوري مغترب

الأحد 16 آب، أوغست 2020

هيوستن / تكساس