بديع الزمان سعيد النورسي 2

الفصل الثاني

ظهور رسائل النور

1343 هـ

1926 م

بارلا:

وصل الأستاذ سعيد النورسي إلى منفاه (بارلا) من أعمال )إسبارطة( في غربي الأناضول في شتاء سنة 1926م حيث قضى الليلة الأولى في مخفر الشرطة، ثم خصص لإقامته بيت صغير يتألف من غرفتين ويطلّ على مروج (بارلا)، وبساتينها الممتدة إلى بحيرة )اغريدير( العذبة.

وهناك على بعد أربع ساعات من البلدة، وعلى جانب من البحيرة الجميلة التي تملك جزيرتين في وسطها كانت تنتصب جبال )اغريدير( المكسوّة بأشجار الصنوبر.

وفي تلك الفترة كانت تركيا تعيش دوراً حالكاً جداً من الاستبداد والطغيان والعداء الصريح الشرس للدين ومحاولة إطفاء نور الله ومحاربة شريعته، باسم التمدن والحضارة.

استمرت هذه الفترة مدة ربع قرن من الزمان )حتى سنة1950م( وكانت النية معقودة على قطع صلة الأمة التركية بإسلامها قطعاً جذرياً، فلما رأوا صعوبة ذلك خططوا لكي ينشأ الجيل المقبل نشأة بعيدة عن الإسلام، وذلك بتجفيف كل الينابيع التي تغذي روحه وعقله بالإسلام ومبادئه الفطرية..

فمنعوا تدريس الدين في المدارس، وبدّلوا حروف الكتابة العربية إلى الحروف اللاتينية، وأعلنوا علمانية الدولة، وشكّلوا محاكم زرعت الخوف والإرهاب في طول البلاد وعرضها، حيث نصبت المشانق للعلماء المسلمين، ولكل من تُحدثه نفسه بالاعتراض على السلطة الحاكمة.

ومن سلسة محاربة الإسلام اعتقال الأستاذ بديع الزمان سعيد النورسي، وهو العالم الورع المتفرغ للعبادة ونفيه إلى )بارلا(، وهي بلدة صغيرة نائية، لكي يخمل ذكره ويقل تأثيره ويطويه النسيان ويجف هذا النبع الإسلامي الفياض.

ولكن شاء الله تعالى أن تكون هذه البلدة الصغيرة مصدراً لإشعاع إسلامي أضاء فيما بعد أرجاء تركيا ووصل إشعاعه إلى كل قرية وكل ناحية وكل مدينة فيها.

كان هناك نبع أمام البيت الصغير - يجري فيه الماء صيفاً وشتاءً - كما كانت هناك شجرة الدُلْب الضخمة الباسقة تنتصب أمام البيت، تغرد على أغصانها العديدة المتشابكة آلاف الطيور الصغيرة في فصليّ الربيع والصيف.

صنع أحد النجارين غُرفة خشبية غير مسقّفة صغيرة وضعت بين أغصان هذه الشجرة العالية. فكان الأستاذ يقضي فيها اغلب أوقاته في فصلي الربيع والصيف متعبداً لله، ومتأملاً ومتفكراً ومؤلفاً لرسائل النور حتى انبلاج الصباح في معظم الأحيان، فلا يعرف أهالي (بارلا) متى ينام الأستاذ؟! ومتى يستيقظ؟! ولا يمر أحد قرب تلك الشجرة في سكون الليل إلاّ ويسمع هَمْهمة العالم المُتعبّد المتهجد.

قضى الأستاذ سعيد النورسي في هذه البلدة وفي هذا البيت ثماني سنوات ونصف سنة، ألّف فيها معظم رسائل النور، لذلك فقد كان هذا البيت أول )مدرسة نورية(.

كان الأستاذ معتل الصحّة دائماً وكان قليل الإقبال على الطعام، بل يمكن القول بأنه قضى عمره كله وهو نصف شبعان ونصف جائع، إذ كان يقضي يومه الكامل بإناء صغيرة من الحساء مع كسرات من الخبز، ويأتيه طعامه من بيت أحد الجيران، وكان يدفع ثمن الطعام دائماً وبإصرار، إذ كان شعاره الذي طبّقه طوال حياته هو إلاّ يأخذ شيئاً من أحد دون مقابل، وقضى حياته كلها على ما ادّخره سابقاً من الليرات الذهبية وعلى الاقتصاد الكامل والبركة الربانية .[1]

كانت عيون السُلطة تترصّدُ الأستاذ وتُراقب حركاته وسكناته في )بارلا( لذلك فإن الأهالي كانوا يتجنبون الاقتراب منه والتحدث إليه، فكان يقضي اكثر وقته في البيت أو يخرج في فصلي الربيع والصيف إلى جبال )اغريدير(، ويختلي هناك بنفسه في قمة الجبل وبين الأشجار متأملاً ومتعبداً.

عزلة ووحشة:

يقول عن هذه الفترة واصفاً عزلته ووحشته وغربته:

)حينما كنت في منفاي ذلك الأسر الأليم بقيت وحدي منفرداً منعزلاً عن الناس على قمة جبل )جام( [2] المطلة على مراعي )بارلا(.. كنت ابحث عن نور في تلك العزلة. وذات ليلة، في تلك الغرفة الصغيرة غير المسقفة، المنصوبة على شجرة صنوبر عالية على قمة ذلك المرتفع، إذا بشيخوختي تشعرني بألوان وأنواع من الغربة المتداخلة - كما جاء ذلك في المكتوب السادس بوضوح - ففي سكون تلك الليلة حيث لا اثر ولا صوت سوى ذلك الصدى الحزين لحفيف الأشجار وهمهمتها.. أحسست بأن ذلك الصدى الأليم قد أصاب صميم مشاعري، ومس أعماق شيخوختي وغربتي، فهمَست الشيخوخةُ في أذني منذرةً:

إن النهار قد تبدل إلى هذا القبر الحالك، ولبست الدنيا كفنها الأسود، فسوف يتبدل نهار عمرك إلى ليل، وسوف ينقلب نهار الدنيا إلى ليل البرزخ، وسوف يتحول نهار صيف الحياة إلى ليل شتاء الموت.

فأجابتها نفسي على مضض:

نعم، كما أنني غريبة هنا عن بلدتي ونائية عن موطني، فان مفارقتي لأحبائي الكثيرين خلال عمري الذي ناهز الخمسين ولا املك سوى تذراف الدموع وراءهم هي غربة تفوق غربتي عن موطني.. وإني لأشعر في هذه الليلة غربة اكثر حزناً واشد ألماً من غربتي على هذا الجبل الذي توشح بالغربة والحزن، فشيخوختي تنذرني بدنوي من موعد فراق نهائي عن الدنيا وما فيها، ففي هذه الغربة المكتنفة بالحزن، ومن خلال هذا الحزن الذي يمازجه الحزن، بدأتُ أبحث عن نور، وعن قبس أمل، وعن باب رجاء، وسرعان ما جاء )الإيمان بالله( لنجدتي ولشد أزرى، ومنحني أنساً عظيماً بحيث لو تضاعفت آلامي ووحشتي أضعافاً مضاعفة لكان ذلك الأنس كافياً لإزالتها.( [3]

بداية التعارف:

كان أهالي )بارلا( يرون هذا العالم وهو يخرج من بيته متوجهاً إلى الجبل أو عائداً إلى منـزله من الجبل، فلا يجرأ أحد منهم أن يكلمه، فهو شخص غير مرغوب فيه من قبل السلطة، فَلِمَ الدخول في مشكلات مع السلطة وهم في غنى عنها؟!.. ولكن:

)في أحد الأيام، وكان الوقت صيفاً، خرج الأستاذ من بيته متوجهاً إلى الجبل كعادته.. كان الجو صحواً والشمس مشرقة وما أن وصل الأستاذ إلى قمة الجبل حتى تلبدت السماء بالغيوم السوداء منذرة باقتراب عاصفة.. وفعلاً ما لبثت السماء أن أرعدت وأبرقت وبدأت الأمطار تسقط بغزارة.. كان الأستاذ وحيداً على قمة الجبل ليس له من ملجأ يتقي فيه سَيلَ المطر المُنْهَمر سوى الأشجار التي لم تكن هي الأخرى كافية لتمنع عنه البَلل، وبعد مدة ليست بالقصيرة خفّت شدة المطر واخذ ينـزل رذاذاً، وأنتهز الأستاذ الفرصة وقفل راجعاً إلى البلدة، وقد تبلّل من رأسه إلى أخمص قدميه، وفي الطريق تمزق حذاءه، فدخل البلدة وهو يَحملُ حذاءه بيده ويغوص في الطين بجواربه الصوفية البيضاء.

وهناك بالقرب من نبع الماء كان جمع من أهالي )بارلا( مجتمعين يتحدثون، شاهدوا هذا المنظر المؤثر، منظر العالم الجليل المهيب المنفي عن موطنه.. الوحيد.. المقاطع من قبل الجميع، وهو يحمل حذاءه الممزق بيده، ويغوص في الطين بجواربه، وقد تلطخت أطراف ثيابه بالطين. خيّم سكون ثقيل على الجميع وتجاذبت الكثيرين عاطفتان مختلفتان، عاطفة الإسراع لمد يد المساعدة إليه، وعاطفة الخوف من عيون السلطة المترصدة لكل حركة من حركاته، وأخيراً يندفع من بين الجمع شخص اسمه )سليمان( ويصل إليه حيث يأخذ الحذاء من يده ويغسله في الحوض ثم يرافقه حتى منـزله ويصعد معه إلى غرفته.[4]

كانت هذه بداية التعارف، وقد ظلّ السيد )سليمان( تلميذاً وفياً للأستاذ يساعده ويعاونه ويتتلمذ على يديه طوال ثماني سنوات. وكان هو أول حلقة وصلت بينه وبين الآخرين، حتى بدأت حلقة التلاميذ تتسع شيئاً فشيئاً، وبدأ الأستاذ ينشر رسائله الموسومة بـ)رسائل النور( سراً وازدادت هذه الحلقات ونشط أفرادها في دراسة رسائل النور واستنساخها ونشرها في كل أرجاء تركيا متحملين جميع تبعات هذا العمل من اعتقال ومطاردة وتعذيب عن طيب خاطر واطمئنان نفس.

رسائل النور:

في تلك السنوات الحالكة كان الإسلام يتعرض لزلزال كبير في تركيا، فالحرب ضد الإسلام تقودها الحكومة بكل أجهزة الدعاية والإعلام التي تملكها، وبأقلام جميع المنافقين والمتزلفين وأعداء الإسلام من الكتّاب والصحفيين في الوقت الذي كممت فيه أفواه دعاة الإسلام، وحيل بينهم وبين الدفاع عن عقيدتهم، لذلك فقد تعرضت أسس الإسلام وأصوله ومبادؤه الأولية إلى الشك والإنكار في نفوس كثير من الشباب الذي لم يكن يجد أمامه مرشداً وموجهاً، لذلك فقد قرر الأستاذ سعيد النورسي أن يحمل تلك الأمانة الكبرى على كاهله، وان يحاول )إنقاذ الإيمان( في تركيا.

نعم.. إنقاذ الإيمان تلك كانت هي المسألة الرئيسة التي لا تحتمل التأجيل أو التسويف أو الاهتمام بأي أمر عداها، لذلك فانه كان يصحح مفاهيم الذين كانوا يزورونه وهم يتصورون انه شيخ طريقة صوفية فكان يقول لهم:

)إنني لست بشيخ طريقة، فالوقت الآن ليس وقت طرق صوفية بل وقت إنقاذ الإيمان([5].

فنرى أن من أولى الرسائل التي ألفها هي (رسالة الحشر) حيث إن مسألة البعث ووجود يوم القيامة ويوم الحشر أصبحت تصوّر من قبل الدوائر الملحدة وكأنها خرافة أو أسطورة لا سند لها من دليل عقلي أو عملي. وقد شرح الأستاذ في هذه الرسالة مسألة البعث والحشر مستلهماً من الأسماء الحسنى مورداً فيها شواهد قريبة من نظر الإنسان، ومن حياته الواقعية، فنومه نوع من أنواع الموت، ويقظته نوع من البعث، النباتات تذبُل وتموت، ثم لا تلبث أن تورق وتزهر من جديد.. إنها عملية جديد، تتكرر أمام أنظارنا على الدوام، فلِمَ الاستغراب إذن من البعث يوم القيامة؟!

كان تأليف )رسائل النور( ونشرها شيئاً متميزاً وفريداً في تاريخ الدعوات الإسلامية المعاصرة، ذلك لان الأستاذ سعيد النورسي لم يكن يكتب كثيراً من رسائله بيده لكونه نصف أمي )من حيث القدرة الكتابية( وإنما كان يملي هذه الرسائل على بعض طلابه في حالات من الجيشان الروحي والوجداني، وبعد ذلك تتداول النسخة الأصلية بين التلاميذ الذين يقومون بدورهم باستنساخها باليد، ثم ترجع هذه النسخ جميعها إليه [6] لكي يقوم بتدقيقها واحدة واحدة، وتصحيح أخطاء الاستنساخ إن وجدت، ولم يكن لديه أية كتب أو مصادر يرجع إليها أثناء التأليف سوى القرآن الكريم، وقد ساعده على ذلك ما وهبه الله من ذاكرة خارقة وقدرة عجيبة على الحفظ، فكان يستقي عند تأليفه رسائله من مخزونات محفوظاته في مصادر العلوم الدينية التي كان قد قرأها في بداية حياته.

كانت الحروف العربية قد بدّلت إلى حروف لاتينية، وحظر الطبع والنشر بها، وأغلقت مطابعها، فكانت هذه الطريقة )طريقة الاستنساخ( باليد سراً هي الطريقة الوحيدة والعملية لنشر مؤلفات رجل منفي ومراقب، قد سدت في وجهه جميع سبل التأليف والنشر، وخاصة وانه كان يريد ـ بالإصرار على الكتابة بالحروف العربية ـ المحافظة عليها من الاندثار والنسيان.

فعندما بدأت حلقات الطلاب تتسع، بدأت الرسائل تصل إلى القرى والنواحي القريبة من (بارلا) وبدأت الأيدي تتلقف سراً هذه الرسائل وتتدارسها، وتهرّبها حتى إلى المدن البعيدة، حيث بدأت تكتسب قلوباً جديدة وأرواحاً عطشى إلى الهداية والنور في تلك الصحراء المحرقة والمظلمة الحالكة.

أخذت الحكومة تطارد (طلبة النور) وتداهم منازلهم، وتفتش بيوتهم، فيتقبل الطلبة هذه المضايقات بصدر رحب ويقين ثابت، بأن السجن هو أقل ما يمكن أن يدفعوه من ضريبة الإيمان، وانه ليس إلاّ )مدرسة يوسفية( كما كان الأستاذ يطلق عليه استلهاماً من الآية الكريمة في سورة يوسف : )فلبث في السجن بضع سنين(.

بدأت عشرات، ثم مئات، ثم آلاف من طلبة النور رجالاً ونساءً في الانكباب على استنساخ ( رسائل النور) ساعات عديدة من الليل والنهار حتى أن بعضاً منهم قضى سبع سنين لم يغادر منـزله وهو مكب على هذه المهمة.

النساء في طريق النور:

وقد ساهمت النساء في هذه الحملة مساهمة فعّالة جديّة فالفتيات اللآئي كنَّ يعرفن الكتابة، والاستنساخ، واللآئي يجهلنها كُنَّ يُقلّدنَ الكتابة، تقليداً، أي يقمن بالكتابة على طريقة النقش والتصوير وقد أتت بعض النسوة إلى الأستاذ سعيد النورسي قائلات له:

)يا أستاذنا.. إننا ـ لكي نشارك في خدمة رسائل النورـ قررنا القيام بالأعمال اليومية لأزواجنا لعلهم يتفرغون كلياً لكتابة )رسائل النور(.[7]

بقيت رسائل النور عشرين سنة تنتشر بهذه الطريقة، وبعد ذلك طبعت لأول مرة بـ( الرونيو) ولم يقدّر لها أن تطبع في المطابع الاعتيادية إلاّ سنة 1956م هذا باستثناء رسالة الحشر، التي طُبعتْ منها خفية في استانبول بوساطة أحد طلاب النور.

موجة جديدة

كانت موجة محاربة الإسلام في تصاعد مستمر، ففي كل سنة تقريباً هناك قرار جديد أو(منجزات جديدة) حسب تعبير السلطة الحاكمة، وما هو إلاّ معول لهدم رُكن من أركان الإسلام.

ففي سنة (1932م) صدرت الأوامر بمنع الأذان الشرعي للصلاة في تركيا. هذا الأذان الذي كان ينطلق منذ مئات السنين في أرجاء البلاد، فاصبح الأذان يردد باللغة التركية، فكانت مصيبة جديدة أدمت القلوب وأدمعت العيون.. أين ذلك الأذان الذي كانت تهفو إليه القلوب، وتخشع له النفوس، من هذا الأذان الذي تنفر منه القلوب وتنبو عنه الأسماع؟!

وفي المسجد الصغير الذي كان يصلي فيه الأستاذ سعيد النورسي إماماً لبعض القرويين، كانوا يصرون على الأذان وإقامة الصلاة داخل المسجد باللغة العربية.

وما لبث أن ترامى هذا الخبر الخطير إلى سمع مدير الناحية الذي رتّب كميناً داخل المسجد، فأخفى بعض الجندرمة في المسجد، في القسم المخصّص للنساء، لكي يتم القبض على )المجرمين( .. في حالة التلبّس بالجريمة.

سيق هؤلاء القرويون في عز الشتاء مشياً على الأقدام، وفي طرق مغطاة بالثلوج حتى (اغريدير).

لنستمع إلى أحد هؤلاء ـ وهو مؤذن المسجد ـ يروي ذكرياته عن هذه الحادثة، إذ يقول:

"كم آذونا في مسألة الأذان، عندما اخترعوا لنا أذاناً تركيا.. كان هناك معلم معادٍ للأذان الشرعي ـ باللغة العربية ـ وبعض علماء الدين يقولون: يجب إطاعة أوامر أولي الأمر. أما أنا فكنت أقول: لا أعرف مثل هذه الطنطنة المسماة بالأذان التركي الغريب، وأنّى لي العلم بان (حفلة صاخبة) تُعدّ لي!؟.

ففي أحد الأيام داهموا مسجد الأستاذ سعيد النورسي، وقبضوا على (عبدالله جاويش، ومصطفى جاويش، وسليمان، وعليّ أنا) وطردوا الباقين.. أخذونا إلى مدينة (اغريدير) مشياً على الأقدام فوق الثلوج وهناك أودعونا السجن ومنعوا الجميع من التحدث معنا، وفي أحد الأيام أحضروني عند المدعي العام وكان عنده ضباط برتبة عميد وعقيد قالوا لي:

حسبما سمعنا فقد أعطيت لهذا الكردي (يقصد الأستاذ) مائة وخمساً وعشرين ليرة ذهبية. فما مقدار الذخيرة التي اشتريتموها بهذا المبلغ؟!

قلت: إن الحكومة التركية تشبه سفينة، وانتم اعلم بما يدخل ويخرج من هذه السفينة. إن الأستاذ لا يملك مدفعاً ولا بندقية، بل هو يريد نشر الاطمئنان والوئام.

سألني: هل عندك أطفال؟

قلت: نعم.

قال: إذا لم تصدق، ولم تقل الحقيقة، فالشنق ينتظرك!

قلت: إن هذا الشخص ليس إلاّ خادماً للقرآن، فماذا يعمل بالمدفع والبندقية. إن بندقيته ومدفعه هو القرآن لا غير.

وعندما انعقدت المحكمة سألني الحاكم:

- من الذي أذّن بالعربية؟

قررت أن أتظاهر بالصمم. فوقفت ساكناً دون جواب وكأنني لم أسمع السؤال.

التفتَ إليَّ الحاكم سائلاً: هل اسمك سليمان؟.

قلت: لما كان الوقت شتاءً، فقد حضرت قبل يوم.

الحاكم: قلت لك ما اسمك؟

- لقد نمت في الخان يا سيدي.

فغضب الحاكم غضباً شديداً التفت حوله صائحاً:

- اخرجوا هذا القذر.[8]

من إسبارطة إلى الاعتقال:

نقل الأستاذ إثر ذلك إلى إسبارطة سنة (1934م) حيث ظلّ هناك اشهراً منكباً على تأليف رسائل النور وهي: رسالة الاقتصاد، ورسالة الإخلاص،والحجاب، والإشارات الثلاثة، والمرضى، والشيوخ، هذه الرسائل جميعها من(اللمعات) حيث كانت كل من (الكلمات) و(المكتوبات ) قد تمّ تأليفهما.

وفي صباح باكر من أيام نيسان سنة(1935م)هاجمت قوة من الجندرمة بيت الأستاذ، واعتقلوه بعد إجراء تفتيش دقيق في جميع أرجاء ذلك البيت المتواضع. في ذلك اليوم داهمت الشرطة منازل مائة وعشرين من طلبة النور من مختلف المناطق، حيث وضعت الأغلال في أيديهم وفي يد أستاذهم ومرشدهم سعيد النورسي، وسيقوا جميعاً إلى سجن مدينة)أسكي شهر( بانتظار محاكمتهم، بتهمة )تشكيل جمعية سرية تعادي نظام السلطة القائمة وتسعى لقلبه(.[9]

وقد اتخذت السلطات الحكومية إجراءات أمنٍ مشددة على طول الطريق، فالجنود بكامل أسلحتهم يسيطرون على طريق(إسبارطة ـ آفيون) ومدينة إسبارطة تحت المراقبة العسكرية.

كانت التهم كبيرة منها:

1ـ تأليف جمعية سرية.

2ـ العمل على هدم الثورة الكمالية.

3ـ تشكيل طريقة صوفية.

4ـ إثارة روح التدين بنشر ) رسالة الحجاب(

فلو ثبتت هذه التهم لكان الإعدام جزاءها، وقد بثوا فعلاً شائعات في البلد من أن طلبة النور وأستاذهم سوف يعدمون، وذلك لغرض إلقاء الرعب في قلوب الناس، وتحذيرهم من الانخراط في صفوف طلبة النور.

لمعات من ظلمات السجن:

(المدرسة اليوسفية الأولى):

وضع الأستاذ سعيد النورسي في سجن انفرادي مسلّطين عليه مضايقات كثيرة، بهدف التأثير في روحه المعنوية، ولكن الأستاذ رغم هذه المضايقات كان مستمراً في تأليف رسائل النور، ففي هذا السجن ألّف اللمعة الثامنة والعشرين واللمعة التاسعة والعشرين واللمعة الثلاثين، مع الشعاع الأول والثاني. كما أن كثيراً من المجرمين في هذا السجن قد تابوا إلى الله، وبدأوا اتّباع الطريق المستقيم.

لم يسفر التحقيق الطويل مع الأستاذ ومع طلابه عن شيء يمكن الاستناد إليه في الحكم بإدانته أو إدانة طلابه، إلاّ أن المحكمة حكمت عليه بالسجن أحد عشر شهراً، بسبب رسالته عن )الحجاب( وهي اللمعة الرابعة والعشرون.

الدفاع المشهور:

وقد ترافع الأستاذ أمام المحكمة وألقى دفاعاً مشهوراً نقتطف منه ما يأتي:

يا حضرات الحكام:

لقد جيء بي إلى هنا بتهمة أنني شخص رجعي اتخذ الدين سبيلاً إلى الإخلال بالأمن العام. وإنني أقول لكم:

إن إمكانية عمل شيء لا يستدعي وقوعه ولا المعاتبة عليه، فعود الكبريت يمكنه إحراق بيتٍ، ولكن هذا الإمكان لا يعني ارتكاب أي جريمة.

إن انشغالي بعلوم الإسلام لا يخدم إلاّ رضى الله تعالى، وحاشا أن يخدم أي غرض كان غير ذلك.

لقد سألتم: هل أنا ممن يشتغل بالطرق الصوفية؟ وإنني أقول لكم:

إن عصرنا هذا هو عصر حفظ الإيمان لا حفظ الطريقة. إن كثيرين يدخلون الجنة بغير الانتماء إلى طريقة صوفية، ولكن أحداً لا يدخل الجنة بغير إيمان.

وتقولون: من أين تأتي بالمال لجمع الناس من حولك في جمعية، وإنني اسأل هؤلاء ومن أين لهم الوثائق التي أثبتوا بها أنني اشتغلت بجمعية أو قمت بأي نشاط يحتاج إلى المال؟

وتعترضون قائلين: أنني لستُ موظفاً في ما اعمل فيه. وللتدريس مديرية خاصة ينبغي أن أتلقى الإذن منها أولاً، ولكن أقول لكم:

لو أنَّ أبواب القبور كلّها أُغلقت، واُعدم الموت من الوجود، لجاز أن ينحصر الإذن في دائرتكم. أما وان ثلاثين ألف جنازة تنادي كل يوم نداء الموت، وتوقع على حكمه، فان هذا يعني أن ثمة وظائف وواجبات أخري أهم كثيراً مما انحصر في دائرتكم وأحكامكم.[10]

طريفة:

أثناء حمى البحث والتفتيش عن طلبة النور، وعن الأدلة التي تدينهم، عثر بين أجزاء رسائل النور على رسالة، كُتب على غلافها بخط اليد عبارة )يعود إلى رمضان(.

مَن رمضان هذا؟ وأين يعمل؟ ولماذا لم يُقبض عليه حتى الآن؟ لا شكّ انه شخص مُهم، إذ إن اسمه مسجّل على أحد الكتب! إلاّ أن جميع طلبة النور ينكرون معرفتهم به. إذن فهو من ابرز أعوان سعيد النورسي.وتصدر الأوامر المشددة بتفتيش جميع القرى، والمدن القريبة وتفتيش كل بيت للعثور على هذا الشخص الرهيب.. رمضان.

وأخيراً يُعثر في قرية بعيدة على قروي بسيط لا يقرأ ولا يكتب، اسمه )رمضان(، ويعتقل هذا المسكين ويُرسل مكبلاً بالأصفاد وفي حراسة مشددة إلى سجن )أسكي شهر( ومع أن المسكين حلف مرّات ومرات بأنه لا يستطيع أن يقرأ ويكتب وانه لم يَرَ في حياته أية رسالة من رسائل النور، وانه لم يلتق بديع الزمان. إلاّ أن جميع اعتراضاته وتوسلاته تذهب أدراج الرياح، ويقضي في السجن شهرين كاملين حتى يقوم أحد المسؤولين بتدقيق تلك الرسالة ويتبين أنها يبحث عن الصوم وآدابه وحكمته في شهر رمضان.

نفي بديع الزمان إلى قسطموني:

بعد أن قضى بديع الزمان في سجن )أسكي شهر( مدة سجنه البالغة أحد عشر شهراً، نفي إلى مدينة )قسطموني( في ربيع سنة 1936م. إذ اقتيد إلى مخفر الشرطة، حيث قضى فيه مدة ثلاثة اشهر، نقل بعدها إلى بيت صغير يقع أمام المخفر مباشرة، لكي يكون تحت المراقبة الدائمة، كان البيت مؤلفاً من طابقين: الطابق الأرضي مخزن للوقود، أما الطابق الثاني فكان مكوناً من غرفتين، وكان بديع الزمان يدفع إيجار هذا البيت بنفسه.

بقي بديع الزمان في )قسطموني( سبع سنين استمر خلالها في كتابة رسائل النور مثل )الشعاع السابع( رسالة )الآية الكبرى( وكذلك الشعاع الثالث - رسالة المناجاة - والشعاع الرابع والشعاع السادس والشعاع الثامن والتاسع مع تبيض الخامس.[11]

سعاة بريد النور:

في هذه الفترة، استمر بديع الزمان في مراسلة طلابه بشتى الوسائل متخطّياً العيون المترصدة لحركاته، إذ كانت رسائله تنقل سراً، ثم تستنسخ باليد ثم توزع على القرى، والنواحي، والمدن القريبة، فتشكلت بهذا )سعاة بريد النور( الذين كان واجبهم ينحصر في نقل الرسائل من قرية إلى قرية ، ومن مدينة إلى مدينة، كما انتظمت وقويت مسألة استنساخ الرسائل، فهناك بعض الطَلبة الذين استنسخوا وحدهم أكثر من ألف رسالة، وبهذه الطريقة اُستنسخت رسائل النور كتابة باليد ستمائة ألف نسخة. وانتشرت في أرجاء تركيا تدريجياً منتصرة على جيوش الظلام، ومعلنةً بأنه لا يمكن إطفاء نور الإسلام أبداً. ثم جمعت هذه الرسائل التي تشمل نواحي دقيقة في العقيدة، وردّ الشبه المضللة حول بعض الأحاديث الشريفة، وكثيراً جداً من فقه الدعوة إلى الله، تحت عنوان )ملحق قسطموني(.

توبة سكير:

كان بديع الزمان يخرج من بيته، ويَتجوّل في السهول والجبال القريبة، كما كان يصعد في أحيان كثيرة إلى قلعة )قسطموني( الأثرية، حيث يجلس هناك متأملاً، ومنشغلاً، بتصحيح أو بتأليف رسائل النور، وكانت الحكومة تترصد حركاته وتراقبه.

ففي إحدى المرّات وعندما كان جالساً على حائط القلعة، مرّ من هناك شخص سكّير يترنّح في مشيه سالكاً الطريق المؤدّي إلى بيوت الدعارة ( التي أصبحت عَلنية). وصل السكّير إلى القرب من الحائط الذي يجلس عليه بديع الزمان، وتسمّر في مكانه لا يتقدم خطوة إلى الأمام، ولا يتأخر خطوة إلى الوراء وهو يتطلع إلى الفوق .. إلى العالِم الجليل، المتسربل بالملابس البيضاء، تطلّع إليه بديع الزمان لحظة. ثم ابتسم له، وسلّم عليه، ثم قال له:

)- ارجع يا أخي.. لا تذهب إلى هناك ! بل ارجع واغتسل وتُب إلى الله وابدأ بالصلاة(.

نفذ هذا الصوت المملوء محبة وإشفاقاً إلى قلب السكّير، فلم يحسّ إلاّ والدموع تطفر من عينيه، ثم تنتابه نوبة من البكاء، وهو يقفل راجعاً إلى بيته. ويحتار رجل الأمن المكلّف بمراقبة حركات بديع الزمان، ويسرع، إلى السكّير آخذاً بتلابيبه وصارخاً في وجهه: قل لي بسرعة، اجبني بسرعة. ماذا قال لك ذلك الكردي؟.[12]

مقابلة مع الوالي:

كان بديع الزمان مراقباً من قبل ولاة )قسطموني(، وقد كان )عوني دوغان، ومدحت آلتي أوق( من أشد الولاة وأكثرهم إزعاجاً له، فكانا يبحثان عن أي مُبرر ليزعجاه.

ولما كان بديع الزمان لا يزال محتفظاً بملابسه وعمامته خلافاً لقانون الأزياء، [13] فقد استدعاه الوالي)مدحت آلتي اوق( إلى مقره الرسمي، فجاء بديع الزمان إلى مقر الوالي يحيط به رجال الشرطة، وكان ثائراً، فالظاهر أن أحدهم حاول نـزع عمامته في الطريق. دخل إلى غرفة الوالي قائلاً له بحدة:

- اسمع يا مدحت؛ ليس هناك سوى حاجز رقيق بيننا وبين الموت الذي تخشونه، فإذا اقتحمنا هذا الحاجز لم يبق هناك شيء يمكن الخشية منه، لذلك فاتخذ ما تحب من إجراءاتك القانونية.

اصفر وجه الوالي، وارتبك ولم يجد جواباً، وبصعوبة بالغة وصلت أصابعه إلى الجرس الموضوع على مكتبه، ليضغط عليه مستدعياً رجاله ليأخذوا بديع الزمان إلى بيته، دون أن يجسر وهو الوالي المشهور بفظاظته وقسوته بمطالبة الأستاذ بتبديل قيافته. [14]

مع طلاب المدارس:

في تلك السنوات الحالكة حذفت دروس الدين من المدارس، كما حذفت كلمات )الخالق، الرب، الله جلّ جلاله( من الكتب المدرسية ووضعت بدلاً منها كلمات )الطبيعة، التطور،الوطنية، القومية..الخ(.فقد مسخ مفهوم (الإله) ومسخ فكرة (الخالق) من الأذهان، ونشر مفهوم أن الإيمان بالله سبحانه يترافق مع الجهل، وان من علامات الثقافة والعلم إنكار وجود الله. ولعل من المفيد أن ننقل ترجمة الفقرة الأخيرة من مادة كلمة لفظ الجلالة)الله( الواردة في (دائرة معارف الحياة) التركية المطبوعة في استانبول سنة (1932م) الجزء الأول، لكي يتضح الجو الفكري السائد آنذاك عند مدعي العلم والتوجيه في تركيا بعد أن نقرأ مفهومهم عن كيفية نشوء فكرة الإله عند الإنسان البدائي، وكيفية تطورها ومجيء الأديان تنتهي بالأسطر الآتية:

)إن الفكرة التي تريد الأديان الموجودة حالياً، أن تبثّها هي: أن الله واحد، وأنه هو الذي خلق الكون. ولكن التقدم العلمي بدأ يوضح شيئاً فشيئاً، بان هذه الفكرة باطلة، وانه لا وجود لشيء اسمه(الله). وقد انتشرت فكرة عدم الاعتقاد بالله بين أوساط المثقفين(.[15]

وهكذا كانت معاول الهدم تهدم الإيمان بالله في نفوس الجيل الجديد، وتثير الحيرة فيها، ويتحدث السيد )عبد الله يكن( مؤلف )يني لغات( )القاموس الجديد ([16] عن حيرته هذه عندما كان طالباً في المدرسة المتوسطة، فيقول بان مدرسيه لم يكونوا يتحدثون مطلقاً عن (الله) فكان يذهب هو وصديق له يدعى )رفعت( لزيارة بديع الزمان:

)كنا أنا وصديقي رفعت نـزوره على الدوام، فكان يتحدث معنا عن أهمية الإيمان، وعن وحدانية الله، وان الإنسان لم يخلق للعيش بدون ضوابط، وكنا نحسّ في أعقاب كل زيارة بأننا قد ولدنا من جديد، وكانت نفوسنا تطفح بالسعادة المعنوية وبالبشر والفرح(.[17]

وقد أحس بديع الزمان بضرورة كتابة رسالة عن هذا الموضوع الخطير، لكي يكون وسيلة إنقاذ لآلاف، ومئات الآلاف من الجيل الجديد الحائر، الذي يبحث عن نور لقلبه، وهداية لروحه.يقول بديع الزمان في مقدمة هذه الرسالة:

جاءني فريق من طلاب الثانوية في )قسطموني( قائلين: عرّفنا بخالقنا، فان مدرسينا لا يذكرون الله لنا! فقلت لهم: إن كل علم من العلوم التي تقرأونها يبحث عن الله دوماً، ويعرّف بالخالق الكريم بلغته الخاصة. فاصغوا إلى تلك العلوم دون المدرسين.

فمثلاً: لو كانت هناك صيدلية ضخمة، في كل قنينة من قنانيها أدوية ومستحضرات حيوية، وضعت فيها بموازين حساسة، وبمقادير دقيقة؛ فكما أنها ترينا أن وراءها صيدليّاً حكيماً، وكيميائياً ماهراً، كذلك صيدلية الكرة الأرضية التي تضم اكثر من أربعمائة ألف نوع من الأحياء ـ نباتاً وحيواناً ـ وكل واحد منها في الحقيقة زجاجة مستحضرات كمياوية دقيقة، وقنينة مخاليط حيوية عجيبة تري ـ حتى للعميان ـ صيدليّها الحكيم ذا الجلال، وتعرّف خالقها الكريم سبحانه بدرجة كمالها، وانتظامها، وعظمتها، ومدى نسبتها قياساً على تلك الصيدلية التي في السوق، وذلك وفق مقاييس علم الطب الذي تقرأونه.

تُهمة جديدة ومحاكمة أخرى:

كانت الحركة النورية في توسع دائم وفي نشاط مستمر ذخرها الشوق والإيمان المتوهج في القلوب ولم تنفع كل التدابير الحكومية في بناء سدّ أمام هذه الحركة أو إيقاف تقدمها وتوسعها إلاّ أنها أمام هذا الأمر توسلت مرة أخرى بأسلوب المحاكمة والسجن.

ففي 31 آب سنة 1943م ، بينما الأستاذ بديع الزمان مصاب بحمى شديدة ، نتيجة دس السم له بتدبير من البوليس السري ، داهمت الشرطة منـزله وقلبت البيت رأساً على عقب ولكنها لم تعثر إلاّ على بعض الرسائل التي تبحث عن مسائل الإيمان والآخرة والأخلاق.. الخ.

وفي 18 أيلول من السنة نفسها قامت الشرطة بمداهمة المنـزل مرة أخرى على أمل العثور على أي دليل للاتهام، يسوّغ لها سوق بديع الزمان إلى المحاكمة، ومع أنها لم تعثر إلاّ على كتب ورسائل من النوع السابق سيق برفقة الشرطة إلى )أنقرة( مع مائة وستة وعشرين من طلاب النور جُمعوا من مختلف المدن.

أما التهمة الموجهة إلى بديع الزمان والى طلابه، فهي كسابقاتها:

تأليف جمعية سرية، وتحريض الشعب على الحكومة العلمانية، ومحاولة قلب نظام الحكم، ثم تسمية مصطفى كمال بـ )الدجال( و )السفياني(.

التبليغ واجب:

سفّر بديع الزمان إلى أنقرة بإحدى سيارات النقل العمومية في أواخر شهر رمضان وفي يوم شديد الحر كانت وطأته شديدة على العالِم الصائم البالغ من العمر سبعين عاماً، ولكنه وهو في الطريق لا ينسى أن يؤدي واجب التبليغ والإرشاد إذ يلتفت إلى حارسه قائلاً له: )هل يمكن الإيعاز إلى السيد السائق بان يُقف السيارة؟ (لا إكراه في الدين) إلاّ انه عندي بعض النصائح أريد أن أسديها للركاب(.

وقّف السائق السيارة والتفت بديع الزمان إلى الركاب مخاطباً: إن هذه الليلة ليلة القدر على اغلب الاحتمال، إن ثواب قراءة القرآن الكريم في هذه الأيام الاعتيادية هو عشر حسنات لكل حرف من القرآن وفي أيام رمضان ألف، أما في ليلة القدر فهو ثلاثون ألف حسنة، فلو عرض أحدهم عليكم خمس ليرات ذهبية لقاء عمل ما، أما ترغبون في الحصول عليها؟!

أجاب الركاب: نعم .. نرغب في ذلك..

فقال لهم: إذن فليقرأ كل مسلم منكم الآن سورة (الفاتحة) ثلاث مرات، وسورة (الإخلاص) مرة واحدة وآية الكرسي مرة واحدة، فإنها ستكون لكم ذخراً في حياتكم الأبدية. [18]

وفي الطريق عندما كان يحين وقت الإفطار تقف السيارة، حيث يفطر الأستاذ بديع الزمان مع الركاب، ويصلي معهم صلاة المغرب.

والي أنقرة ينتحر:

وفي أنقرة يطلبه الوالي )نوزاد طان دوغان( حيث تجري بينهما مناقشة حول زيّه، إذ يحاول الوالي تبديل زيّه قسراً، فيرد عليه الأستاذ بديع الزمان من انه شخص منـزو، وان قانون الأزياء لا يشمله، وان هذه العمامة لا تُرفع إلاّ مع هذا الرأس مشيراً إلى عنقه!!.

ومن تجليات القدر الداعية للتأمل أن هذا الوالي الفظ الذي تلفظ بكلمات جارحة مهينة ضد الأستاذ قد انتحر في (9 تموز سنة 1964) بإطلاق رصاصة على صدغه..

سجن دنيزلي

(المدرسة اليوسفية الثانية):

ومن( أنقرة) أرسل الأستاذ إلى )إسبارطة( ومنها إلى مدينة )دنيزلي( حيث أودع في سجنها، وعندما قامت الحكومة بتأليف لجنة تدقيق رسائل النور لتبين ما إذا كانت تحتوي على موضوعات سياسية، أو على أية تهمة من التهم المذكورة سابقاً، اعترض الأستاذ على هذه اللجنة التي رآها قد شكلت من أشخاص جهلاء غير مؤهلين لإصدار الرأي في رسائله قائلاً:

)إن هؤلاء الخبراء ـ الذين لا خبرة لهم على الإطلاق ـ غير مؤهلين لتدقيق رسائل النور، لذلك فإنني أطالب بتأليف لجنة عليا في أنقرة تتألف من أهل العلم. وإذا لزم الأمر فليتقدم متخصصون، وعلماء من أوروبا لتدقيق هذه الرسائل، فإذا وجدوا فيها أي عنصر يستوجب العقاب، فإنني أرضى بذلك العقاب(.

وفعلاً ألفت الحكومة لجنة أخرى من علماء وخبراء قاموا بدراسة وتدقيق جميع رسائل النور، وكانت النتيجة انهم لم يعثروا فيها على أي شيء يكون موجباً للتُهمة، وجاء في قرارهم:

)ليس لبديع الزمان فعّالية سياسية، كما لا يوجد أي دليل كان على انه يؤسس طريقة صوفية، أو قائم بإنشاء أية جمعية. وان مواضيع كتبه تدور كلها حول المسائل العلمية، والإيمانية، وهي تفسير للقرآن الكريم..([19]

قضى بديع الزمان مدة تسعة اشهر موقوفاً في سجن )دنيزلي( في زنـزانة انفرادية، وكان طلابه أيضاً مسجونين في نفس السجن، وقد توفي منهم اثنان أثناء السجن كانا من أقرب التلاميذ إلى قلبه. وألّف أثناء مُكوثه في سجن )دنيزلي( رسالة )الثمرة(، كان يكتبها على قصاصات من الورق، ويضعها في علب الكبربت، ويرميها خفية من شباك ردهته إلى طلابه وهم بدورهم يستنسخونها.

دفاع رائع:

وأثناء مدّة التوقيف عقدت محكمة الجزاء الكبرى عدة جلسات للمحاكمة، وقد ألقى بديع الزمان دفاعاً رائعاً أمام هذه المحكمة (كما في الشعاع الثاني عشر والثالث عشر) نورد جزءاً منه هنا:

)نعم.. نحن عبارة عن جمعية، وإنها لجمعية تحوي في كل عصر على (أربعمائة) مليون من الأعضاء المنتسبين إليها، وهم في كل يوم يعبرون خمس مرات دائماً عن أتم علاقتهم بالدستور العظيم لهذه الجمعية وهم يتسابقون دائماً إلى تحقيق أهم شعائرها ألا وهو إنما المؤمنون اخوة فنحن من أفراد هذه الجمعية المقدسة العظيمة، وظيفتنا تعريف هؤلاء الاخوة المؤمنين بحقائق القرآن تعريفاً علمياً راسخاً، وذلك تعاون منا على إعتاق أنفسنا من سجن الأبدية الذي يتهددنا.

بأي وجه حق تستطيعون إيقاف حركة )رسالة النور( وإنما هي عبارة عن خدمة حقائق القرآن، والقرآن حقيقة مرتبطة بعرش الله العظيم؟ ومَن ذا الذي يستطيع أن يجرأ فيقف في وجه حقيقة ترتبط بعرش الله تعالى؟.

إنني لا أتوجه في بياني هذا إلى أعضاء هذه المحكمة فقط بل إلى تلك الجماعة المتآمرة في )إسبارطة( أيضاً. إنني لأعجب كيف يُتهم أناس يتبادلون فيما بينهم تحية القرآن وبيانه ومعجزاته باتباعهم للسياسة والجمعيات السرية؟! على حين يحق لمارق مثل (الدكتور دوزي) أن يفتري على القرآن وحقائقه في وقاحة وإصرار، ثم يعتبر ذلك أمراً مقدساً لأنه حرية للرأي والفكر، أهذه حرية للرأي والفكر...؟

أما نور القرآن الذي يأبى إلاّ أن يشعّ في أفئدة ملايين المسلمين المرتبطين بدستوره، فهو خطورة تنهال عليها جميع ألفاظ الشر والخبث والسياسة!

إنكم تتهمونني بمعاداة )الجمهورية( ولكني أقول لكم، إنني منذ كنت طالب علم يؤتى لي بطعامي من الخبز والحساء، كنت آكل نصيبي منه ثم أنثر ما بقي منه بين جماعات من النمل كانت بالقرب مني ـ تقديراً لجماعتها وتقديساً لنظامها واخوتها ـ إنكم تستطيعون أن تعلموا من هذا مدى تقديري لحقيقة الجمهورية الصالحة. على أن اكبر دليل على تقديسي الجمهورية هو احترامي لخلفاء الإسلام، فقد كانوا إلى جانب كونهم خلفاء، رؤساء جمهورية أيضاً. ولقد كانت حياتهم حياة جمهورية لا في الادعاء اللفظي فقط، بل في الحقيقة والواقـع.

أما عن الجمهورية العلمانية، فنحن نعلم أنها تلك التي لا تتعرض للدين في خير أو شرّ. ولكن ها انتم أولاء تفسحون الطريق أمام كل جريمة، وفاحشة خلقية، وكذب على الله والكون، باسم الحرية الوجدانية والفكرية، حتى إذا تنبهتم لآية من القرآن تفسر وتجلي حقائقها، رفعتم أصواتكم بالنكير وقلتم: جمعية سرية سياسية وخطرة!!.

إن المسألة إذن من الخطورة والإجرام بحيث تحاولون أن تستروها برداء العلمانية، فان كان الأمر كذلك فاعلموا انه لو كانت لي ألف روح فأنا على استعداد أن افدي كل ذلك في سبيل أهم حقائق الكون ألا وهو دين الله تعالى، وسأحتمي منكم بحصن واحد فقط هو : )حسبنا الله ونعم الوكيل(.

إنكم تدورون ثم تقولون: إن أعمالي الدينية ما هي إلاّ استغلال ووسيلة للإخلال بالأمن. ولكن أقول لكم بالمقابل: إن دعواكم هذه ليست إلاّ استغلالاً ووسيلة لإعدام الدين باسم المحافظة على الأمن.

إنكم تعلمون أن رسالة النور تضئ منذ عشرين عاماً، فهل سجلتم منذ ذلك اليوم إلى الآن حادثة واحدة أخلت بالأمن؟ إذن فان تلك المادة ذات الرقم )163( ما هي إلاّ عبارة عن كرة تقذفون بها إلى حيث أردتم، وما أرادتكم إلاّ معاداة الدين.

إذن فأسمعوا يا مَن بعتم دينكم بدنياكم ونكستم في الكفر المطلق، إنني أقول بمنتهى ما أعطاني الله من قوة: افعلوا كل ما يمكنكم فعله فغاية ما نتمناه أن نجعل رؤوسنا فداء لأصغر حقيقة من حقائق الإسلام.

نحن في كل لحظة ننتظر أحكام إعدامكم، إن السجن الخارجي على هذه الحال أسوأ مائة مرة من ذلك السجن الداخلي.

وتقولون: لماذا لا تلبس قبعتنا منذ عشرين عاماً مرة واحدة؟ ولم تكشف عن رأسك لمحكمتنا مرة واحدة مع أن سبعة عشرة مليوناً انسجموا مع هذا اللباس؟

وإنني أقول: ليسوا سبعة عشر مليوناً، ولا سبعة ملايين بل لا يوجد اقل من القليل لبسوها بمحض إرادتهم واختيارهم. اللهم إلاّ حفنة من الحمقى الذين يلهثون وراء رذيلة وانحطاط أوروبا.

إن مثلي ممن ترك الحياة الاجتماعية منذ خمس وعشرين سنة لا يقال عنه في هذا مخالف أو معاند، وافرضوا انه عناد فما دام أن مصطفى كمال نفسه لم يقدر أن يكسر عنادي، وأن محكمتين وحكومة ثلاث ولايات لم تستطع التأثير فيّ فما انتم وخطبكم حتى تضيعوا الوقت في هذا العبث؟ ([20]

ويقول في موضع آخر من دفاعه:

هذه هي الحقيقة ونحن نقول بكل قوة:

)أيا من بعتم دينكم بدنياكم. أيها الكافرون التُعساء، أنفقوا ما شئتم. ستكون الدنيا وبالاً عليكم، لقد فُديت هذه الدعوة المقدسة بملايين الأبطال ونحن مستعدون لان نفديها بأرواحنا، إننا نفضل البقاء في السجن ألف مرة على أن نرى الحرمات تُنتهك، في ظل هذا الاستبداد لا يمكن أن يقال أن هناك: حرية، حرية العلم، أو حرية الضمير، أو حرية التعبير أو حرية الدين، بقي على طلاب الحرية أن يموتوا أو يبقوا في السجون محتمين بالله تعالى قائلين: )حسبنا الله ونعم الوكيل(.

إن الدعوى المقامة على رسائل النور ليست مسألة شخصية أو شيئاً بسيطاً حتى يقلل من شأنها، إنها مسألة تهم الأمة والوطن والدولة وتهم الأمة الإسلامية، والعالم الإسلامي بأسره سيتابع هذه المسألة باهتمام بالغ.

نعلن بأننا منتسبون إلى الجماعة الإسلامية التي ينتسب إليها اكثر من ثلاثمائة مليون مسلم، فنحن حزب الله ونحن اخوة متضامنون.. خدام القرآن.. وجند الله وحزبه.

أيها السادة! يا رئيس المحكمة!

إنكم إذ تصدرون هذه الأحكام على رسائل النور وطلابها، وتدعون الكفر والإلحاد، وتحاولون حجب الحقائق القرآنية والإيمانية عن عيون البشر، وتريدون بذلك سد الطريق الذي سار عليه ملايين بل مئات الملايين من المسلمين ووصلوا إلى السعادة الأبدية الحقيقية، فلن تجنوا سوى حقدهم وازدرائهم.

إن الزنادقة والمنافقين غرروا بكم وصفعوا العدل والحق، وانحرفوا بالدولة عن وظيفتها الأساس إلى مشاغل لا فائدة منها، واتخذوا من الاستبداد جمهورية، والرّدة نظاماً ومن الجهل والسفه مدنية، ومن الظلم قانوناً، وبذلك خانوا وطنهم وضربوه ضربة ما كان لأجنبي أن يضرب مثلها(.[21]

وبالرغم من صدور قرار المحكمة في 15/6/1944 بتبرئة الأستاذ النورسي من جميع التهم المسندة إليه، إلاّ انه لم يطلق سراحه.

وهذا تصرف عجيب في تاريخ العدالة، بل أحتجز في أحد الفنادق لمدة شهرين ريثما تأتي التعليمات الحكومية بحقه من العاصمة (أنقرة).

جاءت التعليمات أواخر آب 1944 أخيراً بنفيه ـ وهو الشخص الذي برّأته المحكمة وبرأت كل رسائله ـ إلى قضاء )أميرداغ( من أعمال ولاية )آفيون(.

في أميرداغ (1944)

وضع الشيخ في إقامة جبرية في أحد البيوت، ووضع على بابه حارس لا يفارق الباب لمراقبة حركات وسكنات الشيخ العالم المنفى.

كان من عادة بديع الزمان الخروج في فصل الصيف إلى السهول والبساتين القريبة من )أميرداغ( وكانت الشرطة تتعقبه في نـزهته هذه وفي إحدى المرات تعرضوا له بالأذى، إذ نـزعوا عمامته من رأسه وساقوه إلى مخفر الشرطة بحجة مخالفته لقانون الزّي.

وهنا أيضاً وباعتراف الطبيب الرسمي آنذاك في )أميرداغ( دسوا له السم في طعامه حيث قضى الشيخ أسبوعاً طريح الفراش يتلوّى من آلامه، ولكن الله سبحانه نجاه من كيد أعدائه. ويضيق صدر بديع الزمان من هذه المعاملة، ومن هذا الوضع الذي لا يفرق كثيراً عن السجن الانفرادي، فيكتب رسالة إلى رئيس قوى الأمن في ولاية )آفيون( قائلاً له:

)لا أدري لماذا لا تعير بالاً إلى المعاملة غير القانونية وغير المنصفة التي أتعرض لها والتي لم ير لها شبيه حتى الآن؟ فمثلاً عندما أرغب في الذهاب إلى الجامع وفي الأوقات التي يكون فيها خالياً تقريباً ـ لكي أفوز بثواب صلاة الجماعة مع أفراد قليلين، فإن الأوامر الصادرة تحظر عليّ وبشكل قاطع الذهاب إلى الجامع، فأي قانون يوجب هذه المعاملة على شخص يعاني من الغربة والمرض والشيخوخة وضيق اليد! وأية مصلحة فيها؟ ثم أي بأس هناك في قبول صداقة بعض الأفراد الذين يقومون بمساعدتي في بعض شؤوني الضرورية، وأنا أعيش وكأنني في سجن انفرادي في غرفة باردة وفي جو من الغربة والمرض والفقر والشيخوخة وأي قانون يمنع هذا؟ أي قانون يمنع اتصالي مع شخص أو شخصين يرغبان في تأدية بعض الخدمات الضرورية لي، والتي لا أستطيع أنا القيام بها؟([22]

ويكتب في إحدى رسائله لكي يُسمع المسؤولين في أنقرة:

)إذا كان الحاكم والمدعي واحداً، ف إلى مَن ترفع الشكوى؟ لقد حرت طويلاً في هذه المشكلة.. أجل إن حالتي اليوم، وأنا طليق مراقب أشد عليّ بكثير من الأيام التي كنت مسجوناً فيها، إن يوماً واحداً من هذه الحياة يضايقني اكثر من شهر كامل في سجني المنفرد ذاك. لقد مُنعتُ رغم ضعفي وتقدمي في السجن في هذا الشتاء القارس من كل شيء، على أنني منذ عشرين سنة أُعاني مأساة حبس منفرد. إنني أقول: إن أهم وظيفة إنسانية لهذه الحكومة هي حفظ حقوقي التي لا يستطيع أحد إنكارها. ذلك لأنها بعد مراقبة دامت تسعة اشهر لما كتبته في عشرين سنة، اضطرت أن تعترف ببراءته، ولكن هناك أيد خفية ـ لكي تخدم النفوذ الأجنبي ـ لا تبالي أن تجعل من الحبة قبة في سبيل تجريمي وإسكاتي. وهناك أيضاً غاية واحدة لهم: هي أن ينفذ ما لدّي من صبر ثم أقول: حسبي هذا القدر. نعم .. إن تجريدي من حقوقي الإنسانية كلها ـ بعد هذا كله ـ إنما هو حطة، بل اشد أنواع الظلم.

لقد سمعت أن المسؤولين عهدوا إلى حكومة هذه المنطقة إعاشتي الدنيوية، إنني أشكر هؤلاء الناس ولكنني أُعلن لهم إن حريتي في أداء واجبي هي أهم من كل شيء فهي أول ركن من دستور حياتي.

إن إقصائي عن حريتي بحبائل الأوهام الكاذبة يجعلني أملّ حياتي مللاً شديداً مهما اكتنفها من مغريات العيش. لا أقول الحبس أو السجن، بل إنني لأفضل ذلك القبر المظلم على هذه الحالة. إن على هؤلاء الذين يقولون انهم لا يريدون ظلمي، ويحكمون ببراءتي، أن يردّوا عليّ قبل كل شيء حريتي، وان لا يدنو إليها بسوء. إنني أتمكن أن أعيش بدون طعام، ولكني لا يمكن أن أعيش بدون حريتي..

نعم إن ذاك الذي عاش طوال تسع سنوات على مبلغ لم يزد على مائتي ليرة تركية دون أن يعرض نفسه معها إلى ذل الصدقة والمسألة والتعرض للزكوات والهدايا، لا ريب انه اليوم أحوج إلى الحرية منه إلى العيش.

ولكني أقول: انه مما يعوضني عن عشرة من الناس يحال بيني وبينهم، أن مليوناً من المسلمين يعكفون على دراسة رسائل النور التي انتشرت فيما بينهم، انهم إن استطاعوا أن يسكتوني أمام الناس، فلن يستطيعوا إسكات رسائل النور التي تصل إلى شغاف القلوب.. إن كل نسخة منها تقوم مقامي في الكلام والبيان، ولن تسكتها أي قوة كانت على الأرض(.[23]

في محكمة آفيون

(المدرسة اليوسفية الثالثة):

هل كان مرور اثنتين وعشرين سنة على حياة النفي والإقامة الجبرية والمراقبة والترصد لشيخ بلغ عمره الخامسة والسبعين عاماً يكفي بالنسبة إلى جلاوزة أنقرة آنذاك؟!

كلا.. فالبوليس السري يترصد حركاته وسكناته ويترصد حركة طلابه ويبحث عن أية حجة أو مسوّغ كان للقبض عليهم..

وفي يوم 23 كانون الثاني سنة 1948م داهم البوليس بيت الأستاذ بديع الزمان وبيوت خمسة عشرة من طلبة النور، حيث سيقوا جميعاً إلى سجن مدينة )آفيون( ثم أُشيع جو من الإرهاب في عدة مدن منها )إسبارطة، ودنيزلي، وآيدن، وآفيون( حيث اُعتقل فيها أربع وخمسون شخصاً من طلبة النور.

وفي هذه المرة أيضاً كانت التهمة الموجهة هي التهم السابقة نفسها التي حوكم الأستاذ وطلابه بموجبها والتي برئوا منها، أي الاتهام بتشكيل جمعية سياسية والسعي ضد نظام الحكم.. الخ. هذه النغمة المكررة.

دامت جلسات المحكمة مدة طويلة، وصدر القرار أخيراً في 6 كانون الأول سنة 1948 بالحكم على الأستاذ بديع الزمان بالسجن لمدة عشرين شهراً وبالحكم مدداً مختلفة على عدد من طلابه وتبرئة البعض الآخر.

وقد قام الأستاذ بديع الزمان بالاعتراض على هذا القرار في محكمة التمييز التي سرعان ما قررت بطلان الحكم استناداً إلى قرار محكمة )دنيزلي( التي برأت الأستاذ الذي كان متهماً بالتهمة نفسها.

وانعقدت المحكمة مرة ثانية للنظر فيما إذا كان عليها أن تتبع قرار محكمة التمييز أم لا؟ وتتعمد المحكمة أن تطيل في هذه المسألة، وان تؤجل الجلسات شهراً بعد شهر، وبالرغم من أنها أقرّت أخيراً قرار محكمة التمييز، إلاّ أنها تتعمد إطالة إجراءات إطلاق سراح الأستاذ بديع الزمان حتى يقضي في السجن المدة التي سبق أن حكم بهـا وذلـك لئـلا يستفيـد من قرار التبرئة.

فتأمل المستوى الهابط الذي انحدرت إليه المحكمة والألاعيب الرخيصة التي توسلت بها لإيذاء شيخ لم ينقموا منه إلاّ انه يقول: )ربّي الله(.

وفي هذا السجن الذي قضى فيه الأستاذ بديع الزمان عشرين شهراً عومل معاملة قاسية، فبالرغم من شيخوخته ومرضه، وبالرغم من الشتاء القارس، فقد تركوه وحده في زنـزانة كبيرة عارية تَسِعُ ستين شخصاً.. تركوه دون مدفأة بينما كان الثلج يتراكم على زجاج نافذته ودسوا له السم في طعامه، ولكن الله حفظه، وعندما حاول بعض طلابه إسعافه ومساعدته، ضربوهم ضرباً مبرحاً وأدميت أرجلهم على (الفلقة).

وفي هذا السجن أيضاً اهتدى على يديه كثير من المجرمين والقتلة، كما انه استمر على التأليف. فألّف )الشعاع الخامس عشر( الذي هو رسالة )الحجة الزهراء( [24]وتتناول الأدلة القاطعة على وجود الله سبحانه وتعالى ووحدانيته وعلى صدق نبوة محمدr .

وعندما اضطرت المحكمة إلى إخلاء سبيله ـ بعد أن قضى في السجن عشرين شهراً ظلماً ودون وجه حق إذ إن قرار المحكمة كان هو التبرئة ـ فانهم لم يطلقوا سراحه في الوقت المعتاد، بل أطلقوه في (20 أيلول سنة 1949) في الفجر، حيث خرج يصحبه شرطيان وعدد من طلابه إلى بيت قد أعد له.

مراحل حياة بديع الزمان:

المرحلة الأولى )سعيد القديم( :

هي المرحلة الـتي يطلق فـيها سعيد النورسي على نفسه اسم )سعيد القديم( وتستمر حتى إقامته الجبرية في )بارلا( سنة 1926م.

في هذه المرحلة نرى أن سعيداً النورسي يحاول خدمة الإسلام بالخوض في غمار الحياة السياسية ومعتركها ويحاول صد التيار المعادي للإسلام بالصراع في تيار السياسة، فنراه يقدم طلباً إلى السلطان عبد الحميد وينصحه أو نراه يكتب المقالات السياسية العنيفة في جريدة )وولقان( ونراه يحاول التأثير في رجال الاتحاد والترقي لدفعهم إلى الجانب الإسلامي، كما نراه يذهب إلى أنقرة ويحاول تقوية الجناح الإسلامي عند النواب، ويحاول صد التيار المعادي للإسلام، أما السنين الثمانية الأخيرة من هذه المرحلة، فهي تعتبر مرحلة انتقالية إلى سعيد الجديد.

المرحلة الثانية )سعيد الجديد(:

وهي المرحلة التي يطلق فيها على نفسه اسم )سعيد الجديد( وتبدأ هذه المرحلة من بداية حياته في منفاه في )بارلا( 1926م وتستمر هذه المرحلة حتى توفاه الله سنة1960.

في هذه المرحلة الثانية نرى أن )سعيداً الجديد( قد طلّق الحياة السياسية تحت شعاره المعروف )أعوذ بالله من الشيطان والسياسة( واخذ على عاتقه مسألة )إنقاذ الإيمان( في تركيا. وذلك بعد أن أيقن استحالة خدمة الإسلام بالدخول في معترك السياسة ودهاليزها وصراعاتها العقيمة خاصة بعد أن سدت المدارس الدينية وحوّلت مئات الجوامع والمساجد إلى مخازن أو إسطبلات أو مراكز للشباب، فتحول سعيد النورسي من العمل السياسي وصرف اهتمامه إلى النواحي الإيمانية والقضايا الاعتقادية، ففوّت على أعداء الإسلام كل فرصة أو حجة للوقوف أمام نشاطه، وبالرغم من انه قُدم إلى المحاكم ست مرات، فان هذه المحاكم لم تكن تجد أي دليل ملموس على انه يقوم بشيء مخالف للنظام أو الأمن، وبالرغم من أن السلطة كانت تشعر بخطورة )رسائل النور( وبأنها تبني ما تحاول هي هدمه، وأنها تهدم ما تحاول هي بناءه. فان المحاكم لم تكن تجد دليلاً قانونياً ضده، فضلاً عن أن الأستاذ سعيد النورسي أيقن بثاقب بصره أنه ما لم ينشء جيلاً مؤمناً بالله ورسوله حتى أعماق قلبه ووجدانه فإن كل شيء سيكون عبثاً لا جدوى منه.

وهل يمكن خدمة الإسلام بأناس لا يملكون سوى أنصاف الإيمان؟.. وهل يمكن ذلك وبنفوس لم تعرف الإسلام جيداً ولم تتشرب به؟. ألا يكون ذلك اكبر تشويه لصورة الإسلام واكبر أذى يمكن إلحاقه به؟

إن هذه النظرة العميقة المتأنية والبعيدة عن الارتجال والعجلة ونفاد الصبر، قد تكون درساً مفيداً للكثيرين، وتبرهن على أن في الوسع خدمة الإسلام بعيداً عن السياسة وصراعاتها.

أعوذ بالله من الشيطان والسياسة:

ويعلل الأستاذ سعيد النورسي سبب انسحابه من ميدان السياسة في تلك الفترة وانتقاله إلى سعيد الجديد، بما يأتي:

) لقد خاض سعيد القديم غمار السياسة ما يقارب العشر سنوات علّه يخدم الدين والعلم عن طريقها. فذهبت محاولته أدراج الرياح، إذ رأى أن تلك الطريق ذات مشاكل، ومشكوك فيها. وان التدخل فيها فضول ـ بالنسبة إليّ ـ فهي تحول بيني وبين القيام بأهم واجب. وهي ذات خطورة. وان اغلبها خداع وأكاذيب. وهناك احتمال أن يكون الشخص آلة بيد الأجنبي دون أن يشعر. وكذا فالذي يخوض غمار السياسة إما أن يكون موافقاً لسياسة الدولة أو معارضاً لها، فان كنت موافقاً فالتدخل فيها بالنسبة إليّ فضول ولا يعنيني بشيء، حيث إنني لست موظفاً في الدولة ولا نائباً في برلمانا، فلا معنى عندئذٍ لممارستي الأمور السياسية وهم ليسوا بحاجة إليّ لأتدخل فيها. وإذا دخلت ضمن المعارضة أو السياسة المخالفة للدولة، فلابد أن أتدخل إما عن طريق الفكر أو عن طريق القوة. فان كان التدخل فكرياً فليس هناك حاجة إليّ أيضاً، لان الأمور واضحة جداً، والجميع يعرفون المسائل مثلي، فلا داعي إلى الثرثرة. وان كان التدخل بالقوة، أي بأن اظهر المعارضة بإحداث المشاكل لأجل الوصول إلى هدف مشكوك فيه. فهناك احتمال الولوج في آلاف من الآثام والأوزار، حيث يبتلي الكثيرون بجريرة شخص واحد. فلا يرضى وجداني الولوج في الآثام وإلقاء الأبرياء فيها بناء على احتمال أو احتمالين من بين عشرة احتمالات، لأجل هذا فقد ترك سعيد القديم السياسة ومجالسها الدنيوية وقراءة الجرائد مع تركه السيجارة.([25]

تتميز الأوضاع في تركيا في أواخر هذه المرحلة بعودة الأحزاب السياسية إلى النشاط بعد أن كان هناك حكم الحزب الواحد. وقد توضحت بشكل جلي ابتداءً من سنة 1950، وهي السنة التي فاز فيها الحزب المعارض )الحزب الديمقراطي( في الانتخابات فوزاً ساحقاً، وأقصى بذلك )حزب الشعب الجمهوري( من الحكم الذي حارب الإسلام مدة ربع قرن.

نرى هنا أن (سعيدا الجديد) زاد على نشاطه نشاطاً آخر وهو قيامه بالتدريس الجماعي لرسائل النور، إضافة إلى قيامه بدعوة ونصح السياسيين ورجال الحكم باتباع الإسلام والاسترشاد به، وبيان أن الطريق الصحيح الوحيد هو طريق الإسلام من دون أن يدخل بنفسه إلى ساحة السياسة بل بقي أيضاً بعيداً عنها يصرف كل جهده لتربية النفوس وتقوية الإيمان وتذكير الناس بالله واليوم الآخر، مع تنبيه مستمر إلى طلبته أن يتخذوا العمل الإيجابي البنّاء شعاراً لهم دون الخوض في الدفاع عن حقوقهم بالقوة المادية أو الالتفات إلى التيارات المعادية والانشغال بها..

إلى أميرداغ مرة أخرى:

بعد خروجه من سجن )آفيون( بقي بديع الزمان في أحد البيوت في مدينة آفيون مدة شهرين حيث كان ينتصب أمام بيته شرطيان يراقبان زواره وطلابه. أي كان هناك سجن آخر بمظهر آخر.

ولكن نرى بعض التغير في حياة الأستاذ بعد سجن آفيون، فسابقاً لم يكن يسمح لأحد أن يبيت في الدار. لذلك فان باب مسكنه كان يقفل من المغرب حتى فجر اليوم التالي. أما الآن فلتقدمه في السن ولحاجته إلى الرعاية، فان بعض طلابه اصبحوا يبيتون في إحدى غرف البيت ولا يدخلون عليه إلاّ إذا طلبهم.

في تلك السنة أي (سنة 1949)راجت رسائل النور رواجاً كبيراً، إذ سُمح لها بعد قرارات البراءة التي أصدرتها مختلف المحاكم بالطبع على الرونيو، فاصبحت آلاف النسخ المطبوعة تنتشر في القرى والنواحي والمدن، فتكسب آلاف الأنصار وتشعل جذوة الإيمان في آلاف القلوب.

وهكذا فرضت )حركة النور( نفسها على واقع المجتمع التركي، فلم يعد بوسع أحد أن يتجاهلها، فهذه المحاكم المتلاحقة للأستاذ بديع الزمان ولطلابه لم تستطع أبداً أن تكون سداً مانعاً أمام هذه الحركة، بل شاءت حكمة الله أن تكون هذه المحاكم نفسها وسيلة فعّالة في نشر رسائل النور، ذلك لان المرافعات الرائعة التي كان يلقيها الأستاذ بديع الزمان في المحاكم ـ حيث كانت علنية ـ كانت خير وسيلة لشرح غاية رسائل النور وفضح مرامي وأهداف الذين يقفون ضدها. وكانت هذه المرافعات تستنسخ من قبل طلاب النور وتوزع سراً [26] بين الناس، كما أن المحاكم، وما كان يسبقها من توقيف لطلاب النور، وما يعقبها من الحبس كانت خير وسيلة للتعارف بين طلاب النور الذين اُحضروا من مختلف القرى والنواحي والمدن، فكانت السجون هي أماكن تعارفهم وتآلفهم وتصادقهم وتعلّم الحروف العربية، وتجديد العهد بينهم على نذر أنفسهم لخدمة الإسلام وحقاً أنها كانت )مدرسة يوسفية(.

كانت محكمة آفيون قد قررت مصادرة رسائل النور، ولكن محكمة التمييز نقضت هذا القرار استناداً إلى محكمة الجزاء الكبرى في )دنيزلي( التي كانت قد أصدرت قرارها ببراءة رسائل النور وأجازت تداولها. وعلى اثر ذلك انعقدت المحكمة مرة أخرى لإعادة النظر في هذا الموضوع.

وبينما كانت المحكمة مستمرة في عقد جلساتها تبدلت الحكومة في أنقرة، إذ جاء الحزب الديمقراطي إلى الحكم سنة 1950م بعد فوزه في أول انتخابات حرة تجري في تركيا مطيحاً بحزب الشعب الجمهوري الذي حكم البلاد مدة ربع قرن من الزمان والذي تميز عهده بالعداء الشديد للإسلام.

وعند مجيء الحزب الديمقراطي إلى الحكم اصدر عفواً عاماً في البلاد.. وهكذا أغلقت هذه القضية.

بعد أن قضى الأستاذ مدة شهرين في مدينة آفيون توجه مع بعض طلابه إلى )أميرداغ( حيث قضى فيها سنتين وبعدها توجه في زيارة إلى مدينة )أسكي شهر( سنة 1951م وكانت هذه أول زيارة حرة يقوم بها، إذ انه ما كان يستطيع ذلك قبل عام )1950م( وهناك التقى طلابه القدامى والطلاب الجدد.

بقي الأستاذ شهراً ونصف شهر في هذه المدينة في فندق )يلدز( التقى فيها أصناف الشعب الذين كانوا يتقاطرون لزيارته.

[1] يقول الأستاذ النورسي عن نفسه في رسالة الاقتصاد: " قبل تسع سنوات (أي سنة 1926) عندما أصرّ عليّ قسم من رؤساء العشائر المنفيين معي الى "بوردور" على قبول زكاتهم كي يحولوا بين وبين وقوعي في الذلة والحاجة لقلة ما كانت عندي من النقود، قلت لأولئك الرؤساء الأثرياء: برغم أن نقودي قليلة جداً إلاّ أنني أملك الاقتصاد، وقد تعودت على القناعة، فأنا أغنى منكم بكثير. فرفضتُ تكليفهم المتكرر الملح.. ومن الجدير بالملاحظة أن قسماً من أولئك الذين عرضوا عليّ زكاتهم قد غلبهم الدّين بعد سنتين، لعدم التزامهم بالاقتصاد، إلاّ أن تلك النقود الضئيلة قد كفتني – ولله الحمد – ببركة الاقتصاد إلى ما بعد سبع سنوات، فلم تُرق مني ماء الوجه، ولم تدفعني لعرض حاجتي إلى الناس، ولم تفسد عليّ ما اتخذته دستوراً لحياتي وهو "الاستغناء عن الناس". اللمعات ص:215

[2] وهو (جام داغى) أي جبل الصنوبر، يستغرق الوصول إلى قمته أربع ساعات مشياً من بارلا.

[3] اللمعات: ص 349

[4] Bilinmeyen Taraflariyle Bediuzzaman Said Nursi لنجم الدين شاهين أر/ 277

[5] سيرة ذاتية / 259

[6] يقول عبدالله جاويش: "كنت أغادر قرية "إسلام" بعد المغيب حاملاً في حقيبتي الرسائل التي استنسخها "الحافظ علي" واسير الليل كله مشياً على الأقدام حتى أصل مع الفجر إلى "بارلا" وارى الأستاذ في انتظاري، ويستقبلني بسرور بالغ. نصلي الفجر معاً. ثم استسلم للنوم.. وهكذا كنت أتسلم في اليوم التالي المسودات من الأستاذ، وأغادر "بارلا" ليلاً لأصل قرية "إسلام" فاسلّم المسودات إلى "حافظ علي". سيرة ذاتية / 245

[7] سيرة ذاتية / 246

[8] Bilinmeyen Taraflariyle Bediuzzaman Said Nursi لنجم الدين شاهين أر/ 289-291

[9] سيرة ذاتية / 251

[10] من كتاب الفكر والقلب للأستاذ سعيد رمضان البوطي 322-323 والنص الكامل للدفاع في سيرة ذاتية / 252-294

[11] الشعاع الرابع هو شرح الآية (حسبنا الله ونعم الوكيل) والشعاع الخامس يخص أشراط الساعة وفتنة الدجال والسفياني. أما الشعاع السادس فهو في شرح معاني "التحيات لله".

[12] Bilinmeyen Taraflariyle Bediuzzaman Said Nursi لنجم الدين شاهين أر/299-300

[13] قانون الأزياء( القيافة): قانون صدر في سنة 1925 حرم بموجبه لبس الزي العثماني والحجاب للنساء. وفرض السفور والزي الأوروبي ولبس القبعة.

[14] Bilinmeyen Taraflariyle Bediuzzaman Said Nursi لنجم الدين شاهين أر/ 313

[15] دائرة المعارف الحياة التركية ج1 /132 (Hayat Ansiklopedisi. 1932)

[16] (Yeni Lugat) وهو قاموس خاص لرسائل النور، حيث يشرح الكلمات العربية والمصطلحات الشرعية وأسماء الأعلام التي فيها.

[17] كتب الأستاذ هذه المحاورة مع طلبة الثانوية في المسألة السادسة من رسالة الثمرة التي ألفها في سجن دنيزلي. انظر الشعاعات / 257

[18] Bilinmeyen Taraflariyle Bediuzzaman Said Nursi لنجم الدين شاهين أر/ 322

[19] تقارير الخبراء حول رسائل النور. (Ehli Vukuf Raporları)

[20] من كتاب "من الفكر والقلب" للأستاذ البوطي/ 325-327 وأصل الدفاع الكامل في الشعاعين الثاني عشر والثالث عشر.

[21] من كتاب سيرة إمام مجدد /56-57 دون ذكر اسم المؤلف.

[22] Bilinmeyen Taraflariyle Bediuzzaman Said Nursi لنجم الدين شاهين أر/ 331

[23] من الفكر والقلب للأستاذ البوطي/331.

[24] يقول بيرام يوكسل الذي خدم الأستاذ طوال حياته:

"كانت كتابة رسائل النور والانشغال بها شغلنا الشاغل مع إخواننا من طلاب النور في السجن، فعندما كنا نقترب من ردهة الأستاذ في السجن نسمع صوتاً كدوي النحل يترنم ليلاً ونهاراً. إنها أصوات أذكاره وتسبيحاته وصلواته. كنا نراقب أعمال الأستاذ عن كئب، وكان مصباحه يضاء خافتاً حتى في أوقات متأخرة من الليل.. ألّف في هذه الفترة الشعاع الخامس عشر الحجة الزهراء فكنا نمر بين حين وآخر من تحت شباك ردهته، وما ان يرانا حتى يرمي لنا علب الكبريت وفيها قسم مما ألّفه من الرسالة. ونحن بدورنا نستنسخ سراً نسخاً منها. سيرة ذاتية / 432

[25] المكتوبات/ 76

[26] حيث كانت تكتب بالحروف العربية.