بديع الزمان سعيد النورسي 1

توطئة

قبل أن نتناول سيرة الأستاذ (بديع الزمان سعيد النورسي ( لابد لنا أن نمرّ مروراً سريعاً على بعض الأحداث الكبيرة للمرحلة الزمنية التي عاشها والمآسي والآلام التي تركَت جروحاً عميقة في وجدانه وضميره وهو يشاهد أمته تعاني منها وتئن تحت وطأتها.

فقد ولد - رحمه الله - في عهد السلطان (عبد الحميد الثاني ( أواخر عمر الدولة العثمانية الآيلة للسقوط، وعاصر تكالب الأعداء وتزاحمهم للقضاء على هذه الدولة، يحدوهم الحقد الأسود على الإسلام في شخص دولة الخلافة، ورغم ما بذله السلطان عبد الحميد من جهود للمحافظة على دولته المترامية الأطراف طوال ثلاث وثلاثين سنة، متوسلاً بدهائه السياسي، والإفادة من الظرف الدولي ومحاولته إيقاظ العالم الإسلامي وتنبيهه إلى ضرورة المزيد من الوحدة والتماسك فيما بين شعوبه أمام الأعاصير الهابّة من أوروبا الموتورة إلاّ أن ذلك كله جاء بعد فوات الأوان. لان الدوائر الأجنبية كانت قد استطاعت أن توجد في قلب الدولة نفسها ركائز استخدمتهم في اللحظة المناسبة لهزّ شجرة الدولة من الجذور، والإجهاز بعد ذلك على جذعها وأغصانها فالمؤامرات كانت قد حُبكت بدقة متناهية في دهاليز وأقبية المخابرات الأجنبية، فلم يستطع السلطان منع الانقلاب الذي خططت له القوى الخارجية واستخدمت زمرة من جمعية الاتحاد والترقي لتنفيذه.

وبعد تنحية السلطان عن الحكم تولّت أجهزة الإعلام العالمية حملة واسعة نجحت في تشويه سمعة هذا السلطان المظلوم وتصويره بـ(السلطان الأحمر ( أو السفّاح والجلاد خِلافاً للحقيقة والواقع حيث أثبتت الوثائق الرسمية والبحوث التاريخية المتأخرة زيف تلك الحملات جميعها، ولعل موقفه المتشدد من الصهيوني (عمانوئيل كراصو ( ورفضه التنازل عن شبر من ارض فلسطين لليهود يفسر باعث تلك الحملات المسعورة.

ثم جاء الاتحاديون بالسلطان (محمد رشاد ( فاصبحوا يمررون من خلاله ما يريدونه من سياسات للدولة الجديدة، ويزحفون أيضاً إلى مناصب المسؤولية ومواقع القيادة حتى يستطيعوا التأثير في الحياة الاجتماعية وتقريبها خطوة بعد أخرى نحو النماذج الحياتية للحضارة الأوروبية التي كانوا شغوفين بها.

ومع أن الاتحاديين كانوا يتغنون بشعار "الحرية، الاخوة، المساواة " إلاّ انهم فرضوا دكتاتورية حمراء دامية وتصيّدوا معارضيهم غيلة على قوارع الطرق، وقاموا بتصفيات جسدية لمن يتوسمون فيه المعارضة لهم. ولم يكتفوا بهذا بل جرّوا الدولة العثمانية إلى الحرب العالمية الأولى دون مبرر، مما أدى في خاتمة المطاف إلى تمزّقها شرّ ممزق.

هرب قادة الاتحاديين خارج البلاد تاركين الأمة تعاني نتائج هذه الحرب المدمرة التي أوقعت البلاد تحت وطأة الجيوش الأجنبية.

جاء بعد وفاة السلطان محمد رشاد - الذي توفي في أثناء الحرب - السلطان محمد وحيد الدين الذي كان يكره الاتحاديين. جاء هذا السلطان والدولة قد خسرت الحرب واستولى الإنكليز واليونان والإيطاليون والأرمن على مناطق مختلفة من تركيا، وحتى استانبول نفسها كانت تحت الاحتلال الإنكليزي أي أن السلطان كان في واقع الأمر أسيراً بيد الإنكليز.

تلك هي الصورة البائسة التي خلفتها الحرب وراءها: شعب مهزوم قد أنهكته الحرب، يئن تحت وطأة أقدام الغُزاة وجُروح عميقة في وجدان هذه الأمة التي فقدت كل شئ بَنتهُ بعَرقها وجهادها وعقيدتها في عدة قرون.

ومما يثير الإعجاب أن بديع الزمان رحمه الله كان قد توقع حدوث هذه الكارثة الرهيبة، فكثيراً ما نبّه المعنيين والمسؤولين من سلاطين وحكام بأن القرن الآتي هو )قرن العلم( لذا فان المدارس الدينية القائمة آنذاك والتي كانت مقتصرة على الدراسات الدينية فحسب، لا تخرج أجيالاً من الشباب قادرة على التصدي للمغرمين بالحضارة الغربية ما لم تطعم هذه الدراسات بالعلوم الكونية الحديثة. لذا فقد حذّر وأنذر وأعذر في خطبه الكثيرة ومقالاته العديدة وتآليفه ومقابلاته الشخصية وتجواله في المدن والأرياف.. كل ذلك لإيقاظ الأمة والمسؤولين من هذه الغفلة التي طال أمدها ومن الكارثة المتوقعة، ولكن صيحاته هذه لم تلق سوى آذان صمّ وقلوب غُلف لا تَعي.. حتى وقعت الكارثة.

لم يعد الشعب التركي يملك غير الإيمان العميق يتحدى به الأعاصير الهوج، ويتقى به سهام الأعداء وحراب المستعمرين. فما أن هتف بهذا الشعب هاتف الإيمان وصرخ بوجدانه صارخ الإسلام، إلاّ وانتفض انتفاضة مذهلة فوقف يحشد ما بقي من قواه، ويهيئ ما تبقى له من طاقات وقرر أن يخوض حرباً تحريرية ضد الغزاة وهي التي تسمى )حرب الاستقلال(.

هنا نرى الأستاذ - رحمه الله - يقف في مقدمة الصفوف وفي اُولى الخنادق، في استانبول، لا يرضى بمغادرتها إلى أي مكان آخر، ويؤدي واجبه المقدس ضد المحتلين بأفضل ما يمكن..

أما السلطان وحيد الدين فقد أشار من طرف خفي إلى حرب الاستقلال، واغلب الظن انه هو الذي مهّد لقواد تلك الحرب [1] الهروب خفية إلى الأناضول ليقودوا هذا الشعب المؤمن ويخوضوا به الحرب ضد الغزاة.

لقد كان الشعب مستعداً للتضحية بكل غال ونفيس من اجل عقيدته وحريته، ولم يكن على استعداد مطلقاً أن يسلّم زمامه لأي شخص يُشم منه رائحة معاداة الإسلام. لذا فقد كانت حرب الاستقلال معارك قادتها عقيدة الجهاد في سبيل الله، إذ لم تكن هناك أية فكرة أخرى يمكن أن تستنهض الهمم وتوحد الأمة للدخول في معارك ضارية ضد جيوش عدة دول في ظروف بالغة السوء.

ولكن ما أن استقر الأمر بيد مصطفى كمال، واصبح الرجل الأول في البلاد حتى ألغى الخلافة، واستبدل بالقوانين الشرعية قوانين سويسرية، وصفّى جميع معارضيه ممن كانوا معه من القواد، وفرض الحياة الغربية على الأمة فرضاً وقننها قانوناً، وجعل مخالفتها جريمة يُعاقب عليها صاحبها بأشد العقوبات، واستبدل الحروف العربية حروفاً لاتينية، وحوّل الأذان الشرعي إلى الأذان باللغة التركية... إلى آخره من الإجراءات الرهيبة.

هنا.. وفي هذا المنعطف الخطير في حياة الأمة وأمام هذه الأعاصير الهائلة المزعزعة للحياة الاجتماعية بأسرها، ظهر بديع الزمان أيضاً ليحمل هُموم الأمة ويقوم بأعباء رسالة نَذَر لها نفسه وحياته وكل لحظة من وقته بعيداً عن المحافل السياسية وأروقتها وانكبّ على تأليف (رسائل النور ( ونشرها بين طبقات الأمة في ظروف غاية في الدقة والصعوبة ليهيئ بها مجتمعاً إسلامياً كاملاً يتدفق بالحيوية والإيمان.

والآن نترك القارئ الكريم ليطلع بنفسه على عمل هذا الرجل العظيم في شأن دعوة من اعظم الدعوات على الإطلاق وهي دعوة الإسلام.

الفصل الأول

حياته الأولى

1293-1343 هـ

1876-1926 م

مولده:

بين الجبال الشم الرواسي الضاربة بقممها المكسوّة بالثلوج في السماء النقية الصافية، ومع أنداء الفجر ولد سعيد النورسي في قرية )نوْرْس( وهي إحدى قرى قضاء )خيزان( التابع لولاية (بتليس ( شرقي الأناضول سنة (1293هـ 1876م).

كان والده )الصوفي ميرزا( ورعاً يُضرب به المثل لم يذق حراماً، ولم يطعم أولاده من غير الحلال. حتى انه إذا عاد بمواشيه من المرعى شدّ أفواهها لئلاً تأكل من مزارع الآخرين. وتقول أمه ( نورية ( أنها ما أرضعت أطفالها إلاّ وهي على طهر ووضوء.[2]

نشأته:

ظهرت مخايل النبوغ والذكاء على (سعيد الصغير ( منذ طفولته، حيث كان دائم السؤال والاستطلاع لكل ما استغلق عليه فهمه، فكان يحضر مجالس الكبار ويصغي إلى ما يدور بينهم من مناقشات في مسائل شتّى ولاسيما علماء قريته الذين كانوا يجتمعون في منـزل والده ليالي الشتاء الطويلة، ويمر بخاطره مرة سؤال ظريف: إذ يقول عن نفسه:

" لقد حدّثتُ خيالي في عهد صباي :

أيّ الأمرين تفضّل ؟ قضاء عمر سعيد يدوم ألف ألف سنة مع سلطنة الدنيا وأبـّهتها على أن ينتهي ذلك إلى العدم، أم وجوداً باقياً مع حياة شاقة ؟

فرأيته يرغب في الثانية ويضجر من الأولى، قائلاً:

إنني لا أريد العدم بل البقاء ولو كان في جهنم !". [3]

كان أنوفاً عزيز الجانب، لا يقبل الضيم، ويَنفر من الظلم منذ صغره، وقد تأصّلت وقويت هذه الأخلاق عنده عندما بلغ مبلغ الرجال، وانعكست على كل تصرفاته مع مَنْ قابلهم من مسؤولين وحكام.

خطواته الأولى نحو العلم:

تلقّى علومه الأولى في كتّاب قرية ( تاغ( على يد ( محمد أفندي( سنة 1882 وكان يتلقى على أخيه الكبير ( الملا عبدالله( [4] دروساً في عطلة الأسبوع.. إلاّ أنه لم يلبث في هذه القرية طويلا فاستمر على دراسته في قرية )بيرمس(.

كان نظام )الكتّاب( في شرقي الأناضول آنذاك قائماً على إعطاء حق فتح المدارس العلمية الدينية لكل عالم مجاز. وتكون مصاريف الطلاب على عاتق منشئ المدرسة إن كان قادراً على ذلك، وإلاّ فان هذه المصاريف تعطى من زكاة الأهلين ومن تبرعاتهم، لذا كان طلاب المدارس الدينية ينتشرون في القرى لجمع الزكاة لتأمين مصاريفهم، ولكن )سعيداً الصغير( لم يكن يرضى لنفسه أن يأخذ زكاة أو صدقة ،لذلك فإن أصدقاءه عندما توزعوا في القرى لجمع الزكاة والصدقات لم يذهب معهم مما أثار تقدير وإعجاب القرويين الذين جمعوا له فيما بينهم مساعدة مالية وقدّموها له، إلاّ انه رفض أن يأخذها فاضطروا إلى إعطائها لأخيه )الملا عبدالله(.

وفي سنة 1888م ذهب إلى )بتليس( والتحق بمدرسة الشيخ )أمين أفندي( ولم يلبث فيها طويلاً كذلك، لان الشيخ هذا رفض تدريسه لصغر سنّه وأوكله إلى شخص آخر، مما حزّ هذا في نفسه لذلك فقد قصد إلى مدرسة )مير حسن ولي( في )مُكُس( ثم إلى مدرسة في واسطان )كواش(. وبعد شهر واحد فقط ذهب مع صديق اسمه )ملا محمد( إلى مدرسة في قضاء )بايزيد( التابعة لولاية )آغرى(.

وهنا بدأت الدراسة الدينية الأساس في حياة (سعيد ( إذ انه لم يكن قد قرأ حتى الآن سوى النحو والصرف.

إجازته العلمية:

في هذه المدرسة وتحت رعاية الشيخ )محمد جلالي( قضى (سعيد ( ثلاثة اشهر في دراسة جادّة ومُكثفة حيث قرأ فيها جميع الكتب التي كانت تدرّس عادة في مثل هذه المدارس الدينية، كان يقرأ في اليوم الواحد من متون اصعب الكتب مأتي صفحة ويفهمها دون الرجوع إلى الهوامش والحواشي.

وكان في هذه الأثناء منقطعاً عن العالم يقضي معظم أوقاته - وخاصة في الليالي - بجانب ضريح الشاعر الولي )أحمد خاني( حيث كان يستمر في القراءة على ضوء الشموع. وبعد انتهاء الأشهر الثلاثة اخذ إجازته العلمية من الشيخ )محمد جلالي(.

الذكاء الخارق:

وفي سنة 1889م ذهب إلى )بتليس( وحضر بعض دروس الشيخ )محمد أمين( ومن هناك إلى مدينة )شيروان( حيث كان فيها أخوه الكبير )الملا عبدالله(. ومنها إلى )سِعرد( حيث ذهب إلى مدرسة العالم المعروف )فتح الله أفندي( الذي سأله:

- كنت تقرأ )السيوطي( [5] في السنة الماضية، فهل تقرأ )الجامي( [6] هذه السنة؟

- لقد قرأته كاملاً.

وبدأ فتح الله أفندي يسرد له أسماء الكتب ويجيبه (الملا سعيد ( بأنه قرأها كاملاً، حتى اصبح يتعجب من أمره ويقول له ممازحاً:

- لقد كنت مجنوناً في السنة الماضية فهل مازلت على جنونك ؟

عند ذلك أبدى (الملا سعيد ( استعداده للامتحان في تلك الكتب، وفعلاً لم يتردّد أمام أيّ سؤال كان مما ادهش العالم وأعجبه وأخيراً قال له:

- حسناً... إن ذكاءك خارق، ولكن دعنا نرى قوة حفظك. فهل تستطيع أن تقرأ بضعة اسطر من هذا الكتاب مرتين وتَحفظها ؟ ومدّ له كتاب )مقامات الحريري(. أخذ (الملا سعيد ( الكتاب وقرأ صفحة واحدة منه مرة واحدة فإذا بها كافية لحفظها مما اذهل العالم )فتح الله أفندي( وجعله يقول:

)إن اجتماع الذكاء الخارق مع القوة الخارقة للحفظ شئ نادر جداً(.

وهناك قرأ الملا سعيد كتاب )جمع الجوامع( في أصول الفقه لابن السبْكي، بمعدل ساعة أو ساعتين في اليوم لمدة أسبوع، وكانت هذه القراءة كافية لحفظ الكتاب عن ظهر قلب،مما دفع العالم )فتح الله أفندي( إلى كتابة العبارة الآتية على غلاف الكتاب: )لقد جمع في حفظه "جمع الجوامع" جميعه في جمعة(. [7]

سعيد المشهور:

ولم يلبث أن انتشرت شهرة هذا الشاب الخارق فأقبل عليه علماء المدينة يُجادلونه ويحاولون إحراجه بأسئلتهم وقد أفحمهم جميعاً مما جعلهم يطلقون عليه )سعيدى مشهور( أي سعيد المشهور.

ثم ذهب إلى (بتليس ( ومنها إلى مدينة (تِللو ( حيث اعتكف مدة في إحدى أماكن العبادة وحفظ هناك من )القاموس المحيط( للفيروز آبادي حتى باب السين.

في سنة 1892م ذهب الملا سعيد إلى ماردين حيث بدأ يلقي دروسه في جامع المدينة، ويجيب عن أسئلة قاصديه، وقد أحسّ والي المدينة )نادر بك( لوشاية البعض بأن هذا الشخص خطر، وانه يحدث بَلبَلة في المدينة. لذلك قرر نفيه من المدينة، فسيق بصحبة الجندرمة (الشرطة ( ويداهُ مغلولتان.. إلى مدينة )بتليس(.

وقد عَرَف )عمر باشا( والي بتليس آنذاك بعد مدة قصيرة من وصول (الملا سعيد ( فضيلة هذا الشاب العالم ومنـزلته فأحبّه وأصّر عليه أن يقيم معه في منـزله. امتنع (الملا سعيد ( في أول الأمر ولكن الوالي ألحّ عليه كثيراً إلى أن جعله يقبل وخصصّ له غرفة في بيته.

وقد وجد أملا سعيد هنا الفرصة لمطالعة كثير من الكتب العلمية وحفظ كتباً عديدة منها عن ظهر قلب، كما طالع كثيراً من كتب علم الكلام والمنطق والنحو والتفسير والحديث والفقه فحفظ اكثر من ثمانين كتاباً من أمهات كتب العلوم الإسلامية.

وكان يُكرر يومياً قراءة تلك الكتب عن ظهر قلب ويختمها كل ثلاثة اشهر [8] وفي هذه المدينة اخذ آخر دروسه الدينية من العالم الفاضل الشيخ )محمد الكروي(.

الملا سعيد في " وان":

وفي سنة 1894م ذهب إلى )وان( بدعوة من واليها )حسن باشا( حيث بقي عنده، ثم في منـزل )طاهر باشا(. ولقد هيأ الله له ظروف الالتقاء بعض أساتذة العلوم الحديثة من جغرافية، وكيمياء وغيرهما، وحينما دخل معهم في نقاش شَعَر بقصوره في هذه العلوم، مما جعله يُقبل على تعلّمها بشغف عظيم حتى أتقنها واصبح متمكناً منها لدرجة أنه كان قادراً على التأليف ومناقشة المختصين فيها.

ففي مدة قصيرة جداً استطاع أن يُتقِنَ الرياضيات والفلك والكيمياء والفيزياء والجيولوجيا والفلسفة والتاريخ والجغرافية وغيرها.

ولتعدد قابليته ولذكائه الخارق، ذاعَتْ شهرته أتطلق عليه لقب )بديع الزمان(. [9]

الخبر المدهش:

في هذه الفترة وفي أثناء إقامته في )وان( قرأ الوالي له في الصحف المحلية خبراً مدهشاً هزّ كيانه كله هزاً عنيفاً، فقد نشرت الصحف ما قاله وزير المستعمرات البريطاني (غلادستون ( في مجلس العموم البريطاني وهو يخاطب النواب وبيده نسخة من القرآن الكريم: مادام هذا القرآن بيد المسلمين فلن نستطيع أن نحكمهم، لذلك فلا مناص لنا من أن نـزيله من الوجود أو نقطع صلة المسلمين به..

زلزل هذا الخبر كيانه زلزالاً شديداً وصمم بينه وبين نفسه على أن يكرّس كل حياته لإظهار إعجاز القرآن وربط المسلمين بكتاب الله حيث قال:

)لأبرهنن للعالم بأن القرآن شمس معنوية لا يخبو سناها ولا يمكن إطفاء نورها(.[10]

لذلك فقد قرر إنشاء جامعة إسلامية في شرقي الأناضول باسم )مدرسة الزهراء( لخدمة القرآن . ولتحقيق فكرته هذه فقد شدّ الرحال إلى استانبول .

إلى استانبول

في سنة 1907م وصل استانبول و سكن في )خان الشكرجي( [11] في منطقة (فاتح ( . كان هذا الخان مقراً لكثير من المفكرين والأدباء أمثال الشاعر المشهور (محمد عاكف ( [12] ومدير الرصد الأستاذ )فاتح( ومدرس اللغة المشهور الأستاذ )جلال( وغيرهم...

وفي أثناء إقامته في استانبول علّق لوحة على باب غرفته كتب فيها: هنا يُجاب عن كل سؤال وتحل كل مشكلة دون أن يسأل هو أحداً من الناس. [13]

كان هذا إعلاناً غريباً وادّعاءً مثيراً، مما زاد على شهرته - التي سبقته إلى استانبول - من رغبة الكثيرين في رؤيته.

يسرد السيد )حسن فهمي باش اوغلو( [14] ذكرياته حول هذا الموضوع: [15]

عندما جاء شاب يدعى )بديع الزمان( إلى استانبول كنت ادرس في مدرسة )الفاتح( وسمعت انه علّق لوحة على باب غرفته يقول فيها ما معناه: (هنا يُحل كل أمر معقد ويجاب عن كل سؤال ولكنه لا يسأل أحداً). وقد تبادر إلى ذهني أن صاحب مثل هذا الادعاء لابدّ أن يكون مجنوناً، ولكن توالي الثناء على )بديع الزمان( من قبل الجميع من الطلاب والعلماء الذين زاروه أثار في نفسي الرغبة في زيارته. وقد قرّرت أن اختار اعقد الأسئلة وأدقها لأسأله، وكنت آنذاك اعتبر من المتقدمين المتفوقين في المدرسة.

وأخيراً - وفي إحدى الأمسيات - اخترت من الكتب التي تبحث في )الإلهيات( بعض الموضوعات المعقدّة التي لا يمكن الإجابة عنها إلاّ بمجلدات من الكتب.

وفي اليوم التالي ذهبت لزيارته ووجهت إليه الأسئلة وقد كانت أجوبته عجيبة وخارقة ومدهشة، إذ أجابني وكأنه كان معي بالأمس ينظر إلى تلك الكتب فأصبحت موقناً ومطمئناً بأن علمه ليس كسبياً - كعلمنا - بل هو علم لدنّي.

ويزوره عالم اسمه )حسن أفندي( قضى عمره المديد في التدريس ولم يغب عن التدريس إلاّ يوماً واحداً وهو يوم زيارته لـ)بديع الزمان سعيد النورسي(. وفي اليوم التالي لزيارته، حضر الدرس قائلاً لطلابه: )لم أشاهد مثله أبداً.. انه من نوادر الخلق.. لم يجئ مثله قط..( [16]

وفي استانبول قدّم سعيد النورسي عريضة إلى السلطان )عبد الحميد( [17] يطلب فيها فتح المدارس التي تعلّم العلوم الرياضية والفيزياء والكيمياء.. الخ، بجانب المدارس الدينية في شرقي الأناضول، حيث يخيم الجهل والفقر على سكانه. وانتقد الاستبداد ونظام الأمن والاستخبارات لقصر (يلدز ( [18] مما أثار نقمة حاشية السلطان - التي لا تمثل فكرة السلطان - فأحالوه إلى الأطباء لفحص قواه العقلية، و أصدرت لجنة الأطباء قراراً بوضعه في مستشفى )طوب طاش( للمجاذيب.

أول تهمة في أول محكمة:

وهناك عندما يحضر أحد الأطباء لفحص قواه العقلية يبادره سعيد النورسي ويحدّثه حديثاً يأخذ بمجاميع قلب الدكتور الذي يضطر إلى كتابة ما يأتي في تقريره:

)لو كانت هناك ذرة واحدة من الجنون عند بديع الزمان فمعنى ذلك انه لا يوجد على وجه الأرض كلها عاقل واحد(. وعلى إثره اُرسل بديع الزمان إلى وزارة الداخلية حيث قابله الوزير وجرت بينهما المحاورة الآتية:

الوزيـر: السلطان يخصّك بالسلام مع مُرتّب بمبلغ ألف قرش وعندما تعود إلى بلدك سيجعل مرتّبك ثلاثين ليرة كما أرسل لك ثمانين ليرة هدية سلطانية لك.

بديع الزمان: لم اكن أبداً متسوّل مرتّب، ولن أقبله ولو كان ألف ليرة لأنني لم آت لغرض شخصي، وإنما لمصلحة البلد، فما تعرضون عليّ ليس سوى رشوة السكوت.

الوزير: انك بهذا تردّ الإرادة السلطانية، والإرادة لا تردّ.

بديع الزمان: إنني أردّ، لكي يَستاء السلطان ويستدعيني ، عند ذلك أستطيع أن أقول له قولة الحق.

الوزير: ستكون العاقبة غير سارّة.

بديع الزمان: تعددت الأسباب والموت واحد، فلئن اُعدم فسوف أرقد في قلب الأمة، علماً بأنني عندما جئت إلى استانبول كنت واضعاً روحي على كفّي.. اعملوا ما شئتم، فإني اعني ما أقول: إنني أريد أن أوقظ أبناء الأمة ولا أقوم بهذا العمل إلاّ لأنني فرد من هذا البلد لا لأقتطف من ورائه مرتباً، لان خدمة رجل مثلي للدولة لا تكون إلا بإسداء النصائح، وهذه لا تتم إلاّ بحسن تأثيرها وهذا لا يتم إلاّ بترك المصالح الشخصية فإنني معذور إذن عندما ارفض المرتب.

الوزير: إن ما ترمي إليه من نشر المعارف في بلدك هو موضع دراسة في مجلس الوزراء حالياً.

بديع الزمان: إذن فلِمَ يتأخر نشر المعارف ويستعجل في أمر المرتّب؟ لماذا تؤثرون منفعتي الشخصية على المنفعة العامة للامة.[19]

في سلانيك:

ثم ذهب إلى )سلانيك( وتعّرف هناك على كبار شخصيات الاتحاد والترقي ولكونه شخصاً يدعو إلى الحرية وإلى مبدأ الشورى الإسلامي، فقد لقى ترحيباً من قبل قادة الاتحاد والترقي ولكنهم مع ذلك لم يستطيعوا أن يجعلوه تابعاً لهم إذ بقي مستقل الفكر والشخصية وعندما شعر من بعضهم بعدم الاستقامة وبعداء للدين قال لهم:

لقد اعتديتم على الدين وأدرتم ظهوركم للشريعة .

وهناك في سلانيك طلب اليهودي المشهور )عمانوئيل كراصو( - رئيس المحفل الماسوني وعضو مجلس المبعوثان (النواب ( العثماني - مقابلته طمعاً في التأثير على بديع الزمان وجرّ هذه الشخصية المشهورة إلى صفّه. وقد قبل بديع الزمان مقابلته وتمت المقابلة ولكن ما لبث أن خرج اليهودي من عنده قائلاً:

)لقد كاد هذا الرجل العجيب أن يزجّني بحديثه في الإسلام([20] وكراصو هذا أول صهيوني ماسوني عمل على قلب الخلافة، وخلع السلطان عبد الحميد.

مفهوم الحرية:

وعندما اُعلنت المشروطية الثانية [21] في الدولة العثمانية في (23 تموز سنة 1908م ( صرف جلّ همه إلى إلقاء الخطب، وكتابة المقالات مبيناً فيها مفهوم الحرية في الإسلام، وتأثير الإسلام في الحياة السياسية، ومطالباً بتحكيم الشريعة الغراء، ومحذراً من التفسير الخطأ للحرية، حيث شعر بان هناك محاولات خبيثة وأيدياً خفية تحاول أن تستفيد من هذه (المشروطية ( لخدمة أغراض مناهضة للإسلام، فكان يقول: )بني وطني لا تسيئوا تفسير الحرية كي لا تذهب من أيديكم. لا تصبوا العبودية العفنة في قوالب براقة وتسقونا من علقمها إن الحرية لا تتحقق ولا تنمو إلاّ بتطبيق أحكام الشريعة ومراعاة آدابها(.

لقاء مع شيخ من الأزهر:

حضر استانبول في هذه الأثناء مفتي الديار المصرية وهو الشيخ )بخيت المطيعي( [22] وأراد علماء استانبول - الذين عجزوا عن إلزام سعيد النورسي - أن يقوم بمناظرته. وقد قبل الشيخ بخيت ذلك وانتهز فرصة وجوده في مقهى قرب جامع )اياصوفيا( بعد انتهاء الصلاة ليبدأ الحديث معه أمام جمع من العلماء ووجّه إليه السؤال الآتي:

- ما رأيك في الحرية الموجودة الآن في الدولة العثمانية؟ وماذا تقول في مدَنية أوروبا ؟

فأجابه سعيد النورسي:

- إن الدولة العثمانية حبلى بجنين أوروبا وستلد يوماً ما، أما أوروبا فهي أيضاً حبلى بجنين الإسلام وستلد يوماً ما.

وأمام هذا الجواب الموجز العميق لم يتمالك الشيخ (بخيت ( نفسه من القول:

إنني أوافق على كلامه، وإنني احمل هذا الرأي نفسه ولا يمكن المناظرة والمناقشة مع مثل هذا الشاب [23]

وفي (5 نيسان 1909م ( تشكلت جمعية )الاتحاد المحمدي( في استانبول وأعلن عن تشكيلها بعد اجتماع ديني حاشد في جامع اياصوفيا حيث ألقى فيه )بديع الزمان( خطبة رائعة. ولم يكن من مؤسسي الجمعية وإنما من الداعين إليها والمناصرين لها.

حادثة 31 مارت سنة 1325 رومي:

كتب الكثيرون عن هذه الحادثة محللين أسبابها فالذين كتبوا بعد عزل السلطان )عبد الحميد( يعزون أسباب هذه الحادثة إلى السلطان عبد الحميد ويعتبرونها محاولة لحركة انقلابية دبرها السلطان للإطاحة بالاتحاد والترقي.

ولكن الكُتب التاريخية المتأخرة بعد ظهور كثير من الوثائق والمذكرات الشخصية للذين عاصروا تلك الحركة تنفي هذه التهمة وتسلط الأضواء على الأسباب الحقيقية لهذه الحادثة الدموية، وتتهم الاتحاد والترقي بتدبيرها أو استغلالها للإطاحة بالسلطان عبد الحميد.

والمرجّح أن هذه الحركة حدثت نتيجة تشابك عدة أسباب منها: إحساس الشعب ببُعد جمعية الاتحاد والترقي عن الدين وعلاقتهم الوطيدة بالماسونيين واليهود، ومنها أن جمعية الاتحاد والترقي أشاعت جواً من الإرهاب في البلد، إذ اُغتيل )حسن فهمي بك( - صاحب جريدة (سربستي ( الذي كان يهاجم جمعية الاتحاد والترقي بمقالات عنيفة - فوق جسر )غلطة( ولم يُعثَر على قاتله، كما اغتيل إسماعيل ماهر باشا. وشاع في البلد بأن جمعية الاتحاد والترقي سوف تسرّح جميع الضباط الذين ترقوا عن طريق الخدمة الطويلة في الجيش ولن يبقى في الجيش سوى المتخرجين من الكلية العسكرية، كما شاع بين الناس بأن جمعية الاتحاد والترقي قد باعت (البوسنة ( و(الهرسك ( وجزيرة (كريت ( من البلقان.

في مثل هذا الجو المتوتر والمشحون ضد جمعية الاتحاد والترقي وقعت هذه الحادثة، إذ نشب عصيان بين أفراد الطابور العسكري الذي كان قد اُرسل من قبل الاتحاديين من مدينة (سلانيك ( إلى استانبول لحماية المشروطية وكان مقره في )طاش قشلة( فقد ثار الجنود وحبسوا ضباطهم في القشلة. [24] واجتمعوا في منتصف ليلة 31 مارت 1325 رومي الموافق 13 نيسان 1909م في ساحة (السلطان احمد ( حيث انضم إليهم بعض الجنود من المعسكرات الأخرى معلنين عصياناً دام أحد عشر يوماً، راح ضحيته بعض الأشخاص... وساد جو من الهرج والمرج وإطلاق الرصاص عبثاً، وكان الجنود يهتفون:

- نريد الشريعة.. نريد الشريعة..

انتهت هذه الحادثة بوصول جيش الحركة [25] إلى استانبول في (23 نيسان ( حيث سيطر على الوضع وعزل السلطان عبدالحميد في (27 نيسان 1909 ( [26] كما أعلنت الأحكام العرفية وشكلت محكمة عسكرية لمحاكمة المسؤولين عن هذه الحادثة.

محاكمة:

وكان )سعيد النورسي( من بين الذين قدموا إلى أعواد المشانق، علماً بأن دور بديع الزمان سعيد النورسي في هذه الحادثة كان دوراً مهدئاً، إذ كان ينصح الجنود بالعودة إلى ثكناتهم واحترام أوامر ضباطهم.. وقد خطب في الجنود عدة خطب بهذا المعنى.. ولكن الظاهر أن المحكمة كانت تتهمه لكونه كان يكتب فيمن يكتب في جريدة )وولقان( (أي البركان ( التي نشرت مقالات عنيفة ضد الاتحاد والترقي.

وفي المحكمة - ومنظر جثث خمسة عشر من المشنوقين تُشاهد عبر النافذة - بدأ الحاكم العسكري )خورشيد باشا( بمحاكمة بديع الزمان قائلاً له:

- وأنت أيضاً تدعو إلى تطبيق الشريعة؟ إن مَن يطالب بها يُشنق هكذا (مشيراً بيده إلى المشنوقين)..

فقام بديع الزمان سعيد النورسي وألقى على سمع المحكمة كلاماً رائعاً نقتطف منه ما يأتي:

)إنني طالب شريعة، لذا أزن كل شئ بميزان الشريعة. فالإسلام وحده هو ملّتي، لذا أُقوّم كل شئ وانظر إليه بمنظار الإسلام.

وإنني إذ أقف على مشارف عالم البرزخ الذي تدعونه )السجن( منتظراً في محطة الإعدام ، القطار الذي يقلني إلى الآخرة اشجب وانقد ما يجري في المجتمع البشري من أحوال ظالمة غدارة. فخطابي ليس موجهاً إليكم وحدكم وإنما اُوجهه إلى بني الإنسان كلهم في هذا العصر. فلقد انبعثت الحقائق من قبر القلب عارية مجردة بسر الآية الكريمة: (يوم تبلى السرائر ( (الطارق: 9 ( فمن كان أجنبياً غير محرَم فلا ينظر إليها. إنني متهيئ بكل شوق للذهاب إلى الآخرة، ومستعد للرحيل إليها مع هؤلاء المعلقين على المشانق. تصوروا مبلغ اشتياقي إليها بهذا المثال:

قروي مغرم بالغرائب سمع بعجائب استانبول وغرائبها وجمالها ومباهجها، كم يشتاق إليها؟

فأنا الآن مثل ذلك القروي مشتاق إلى الآخرة التي هي معرض العجائب والغرائب.

لذا فان إبعادي ونفيي إلى هناك لا يُعدّ عقاباً لي. ولكن إن كان في قدرتكم وفي استطاعتكم تعذيبي وإيقاع العقاب عليّ فعذّبوني وجداناً، فدونه ليس عذاباً ولا عقاباً بل فخراً وشرفاً.

لقد كانت هذه الحكومة تخاصم العقل أيام الاستبداد. إلاّ أنها الآن تعادي الحياة بأكملها. فان كانت الحكومة على هذا الشكل والمنطق؛ فليعش الجنون وليعش الموت، ولتعش جهنم مثوىً للظالمين.

لقد كنت آمل أن يهيئ لي موضع لأبيّن فيه أفكاري. وها قد أصبحت هذه المحكمة العرفية خير مكان لأبث منها أفكاري.

في الأيام الأولى من التحقيق سألوني مثلما سألوا غيري:

)وأنت أيضاً قد طالبت بالشريعة(!

قلت: لو كان لي ألف روح، لكنت مستعداً لأن أضحي بها في سبيل حقيقة واحدة من حقائق الشريعة، إذ الشريعة سبب السعادة وهي العدالة المحضة وهي الفضيلة. أقول: الشريعة الحقة لا كما يطالب بها المتمردون.[27]

وفي جلسة واحدة فقط صدر حكم ببراءة بديع الزمان سعيد النورسي من تلك المحكمة الرهيبة التي شنقت العشرات.

بعد براءة بديع الزمان من المحكمة العرفية، غادر مدينة استانبول متوجهاً إلى (وان ( سنة 1910م.. حيث بدأ يلقى دروسه ومحاضراته متجولاً بين القبائل والعشائر يعلمهم أمور دينهم ويرشدهم إلى الحق.

وهناك ألّف كتابه )المناظرات( الذي طبع في استانبول سنة 1913م.

إلى الشام:

وفي شتاء سنة 1911م (1327 هجرية ( زار ديار الشام حيث كانت أخته هناك، وألقى خطبة باللغة العربية في الجامع الأموي في دمشق مخاطباً العلماء وجمعاً غفيراً من المصلين، وقد طبعت خطبته هذه في كراسة تحت عنوان )الخطبة الشامية( التي شخّص فيها أمراض الأمة الإسلامية وعلاجاتها، منها:

1- اليأس والقنوط الذي مازال يجد أسباب الحياة في نفوسنا.

2- موت الصدق في حياتنا الاجتماعية والسياسية.

3- حب العداوة.

4- تجاهل الرابطة الروحية التي تربط المؤمنين بعضهم ببعض.

5- ذيوع الاستبداد، ذيوعَ الأمراض المعدية المختلفة.

6- حصر الهمة في المنفعة الشخصية، دون الالتفات إلى النفع العام. [28]

ثم بيّن الدواء لكلّ مرض من الأمراض المذكورة مبتدءاً بـ)الأمـل(..

ومن دمشق ذهب إلى بيروت ومنها سافر إلى استانبول عن طريق البحر للسعي مرة أخرى وراء تحقيق غايته في إنشاء )مدرسة الزهراء( فقابل السلطان )محمد رشاد( واشترك في السياحة التي قام بها السلطان إلى )روم ايلي( [29]

وقد أخذ وعداً من السلطان، ومن جمعية الاتحاد والترقي بفتح دار للفنون الإسلامية (جامعة إسلامية ( في الشرق، إلاّ أن أحداث الحرب العالمية الأولى قضت على هذا المشروع. [30]

بديع الزمان قائداً ومفتياً:

كان بديع الزمان من أنصار الصلح المنفرد، و معارضاً لدخول الحرب إلاّ أن الحرب عندما اندلعت ودخلت فيها الدولة العثمانية، حمل السلاح وأسرع إلى جَبهة القتال.

وبعد أن شارك في إصدار فتوى الجهاد رجع إلى مدينة )وان( وهناك شكّل من طلابه ومن المتطوعين المدنيين فرقاً للجهاد وبدأوا التدريب على القتال وقد خاطب طلابه قائلاً لهم:

)تهيأوا واستعدوا... إن زلزالاً شديداً أوشك على الأبواب(.

واشتهر طلابه بدقة التصويب والجرأة الكبيرة، حتى أن عصابات الأرمن المتعاونة مع القوات الروسية كانت تتهيب لقاء هؤلاء المجاهدين.[31]

في الحرب العالمية الأولى:

كانت معارك دامية تجري في جبهة )القفقاس( في الحرب العالمية الأولى، وكانت روسيا تحاول الاندفاع نحو الأناضول. وفي (16 شباط سنة 1916م ( استطاعت الجيوش الروسية - التي كانت ثلاثة أضعاف الجيش العثماني - الدخول إلى مدينة ارضروم..

وفي أثناء هذه المعارك كان )سعيد النورسي( يقاتل هو وطلابه الجيش الروسي بكل ما أوتوا من جُهد. وفي هذه المعارك وفي خنادق القتال ألّف تفسيره القيّم )إشارات الإعجاز في مظان الإيجاز( باللغة العربية فكان يملي وتلميذه )الملا حبيب( يكتب وعندما دخل الجيش الروسي إلى مدينة )بتليس( كان هو وطلابه يدافعون عن المدينة ببسالة نادرة حيث جرى قتال شديد في شوارع المدينة وأزقتها، إلاّ أن القوة الروسية كانت متفوقة إلى درجة كبيرة على القوة الصغيرة المدافعة عن البلدة.

وخلال المعركة جرح جرحاً بليغاً وسقط في بركة للماء تحت أحد الجسور مع أحد طلابه. وبقي في تلك الحالة ثلاثين ساعة مغشياً عليه نتيجة استمرار النـزف. وعندما رأى تلميذه أن النـزف المستمر والبرد الشديد سيقضيان على أستاذه، ذهب وأخبر الجنود الروس بالأمر.

وهكذا أسر )سعيد النورسي( من قبل الروس وأرسل إلى أحد معسكرات الأسر في )قوصترما( في )شرقي روسيا(.[32]

عزة المؤمن الأسير:

وذات يوم قدم هناك إلى المحكمة الحربية بتهمة إهانة القيصر والجيش الروسي.

أما قصة ذلك فهي كما يذكرها المحامي )عبد الرحيم زابصو(: [33]

)عندما جُرحت واُسرتُ في موضع )بتليس( في الحرب العالمية الأولى، وقع بديع الزمان أيضاً في اليوم نفسه أسيراً. فاُرسل إلى اكبر معسكر للأسرى في سيبريا، واُرسلتُ إلى جزيرة )نانكون( التابعة )لباكو(.

ففي يوم من الأيام عندما يزور نيقولا نيقولافيج المعسكر المذكور للتفتيش - يقوم له الأسرى احتراماً - وعندما يمر من أمام بديع الزمان لا يحرك ساكناً ولا يهتم به، مما يلفت نظر القائد العام، فيرجع ويمر من أمامه بحجة أخرى، فلا يكترث به أيضاً . وفي المرة الثالثة يقف أمامه، وتجري بينهما المحاورة الآتية بوساطة مترجم:

- أما عرفني؟

- نعم لقد عرفته انه نيقولا نيقولافيج، خال القيصر والقائد العام لجبهة القفقاس.

- فِلمَ إذن قَصَد الإهانة؟

- كلا! معذرة. إنني لم استهن به. وإنما فعلت ما تأمرني به عقيدتي.

- وما ذا تأمر العقيدة؟

- إنني عالم مسلم احمل في قلبي الإيمان، فالذي يحمل الإيمان في قلبه أفضل ممن لا يحمله. فلو إنني قد قمت له احتراماً لكنت إذن قليل الاحترام لعقيدتي. ولهذا لم أقم له.

- إذن فهو بإطلاقه صفة عدم الإيمان عليّ يكون قد أهانني وأهان جيشي وأهان أمتي والقيصر فليشكّل حالاً محكمة عسكرية للنظر في استجوابه.

وتتشكل محكمة عسكرية بناء على هذا الأمر، ويأتي الضباط الأتراك والألمان والنمساويون للإلحاح على بديع الزمان بالاعتذار من القائد الروسي وطلب العفو منه إلاّ انه أجابهم بالآتي: )إنني راغب في الرحيل إلى دار الآخرة والمثول بين يدي الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم . فأنا بحاجة إلى جواز سفر فحسب للآخرة. ولا أستطيع أن اعمل بما يخالف إيماني...(

وتجاه هذا الكلام يؤثر الجميع الصمت منتظرين النتيجة.

وتنهي المحكمة أعمالها بإصدار قرار الإعدام بموجب مادة إهانة القيصر والجيش الروسي. وتحضر مفرزة يقودها ضابط روسي لأخذه إلى ساحة الإعدام. ويقوم بديع الزمان إلى الضابط الروسي قائلاً له بابتهاج: اسمحوا لي خمس عشرة دقيقة فقط لأؤدي واجبي.

فيقوم إلى الوضوء وفي أثناء أدائه الصلاة، يحضر نيقولا نيقولافيج ويخاطبه:

ـ أرجو منك المعذرة. كنت أظن أنكم قمتم بعملكم هذا قصد إهانتي، فاتخذت الإجراءات القانونية بحقكم، ولكن الآن أدركت أنكم تستلهمون هذا العمل من إيمانكم، وتنفذون ما تأمركم به عقيدتكم. لذا أبطلت قرار الحكم بحقكم. إنكم تستحقون كل تقدير وإعجاب لصلاحكم وتقواكم. أرجو المعذرة فقد أزعجتكم. واكرر رجائي مراراً: أرجو المعذرة.

إن هذه العزة الدينية،وهذه السجية الرفيعة التي هي قدوة حسنة للمسلمين جميعاً أخبر عنها أحد أصحابه في معسكر الأسر، وهو برتبة نقيب، وكان شاهد عيان للحادثة.

وأنا ما إن عرفت هذا حتى اغرورقت عيناي بالدموع دون اختيار مني ( [34]

ذكريات الأسر:

وبعد أن مكث سعيد النورسي في الأسر مدة سنتين وأربعة اشهر وأربعة أيام، استطاع الهرب منه إثر حدوث الثورة البلشفية وما تبعها من اضطراب وفوضى، فوصل إلى ألمانيا حيث أُستقبل هناك استقبالاً كبيراً ومنها توجه إلى استانبول.

وسجل سعيد النورسي ذكرياته عن أيام أسره هذا قائلاً:

)كنت أسيراً أثناء الحرب العالمية الأولى في مدينة قصية، في شمال شرقي روسيا تدعى )قوصترما(. كان هناك جامع صغير للتتار على حافة نهر )فولغا( المشهور.. كنت ضجراً من بين زملائي الضباط الأسرى، فآثرت العزلة، إلاّ أنه لم يكن يسمح لي بالتجوال في الخارج دون إذن ورخصة، ثم سمح لي بأن أظل في ذلك الجامع بضمانة أهل حيّ التتار وكفالتهم، فكنت أنام فيه وحيداً، وقد اقترب الربيع، وكانت الليالي طويلة جداً في تلك البقعة النائية..

كان الأرق يصيبني كثيراً في تلك الليالي الحالكة السواد، المتسربلة بأحزان الغربة القاتمة، حيث لا يُسمع إلاّ الخرير الحزين لنهر )فولغا(، والأصوات الرقيقة لقطرات الأمطار، ولوعة الفراق في صفير الرياح.. كل ذلك أيقظني - مؤقتاً - من نوم الغفلة العميق..

ورغم أنني لم اكن اعدّ نفسي شيخاً بعدُ، ولكن من يرى الحرب شيخ، حيث أيامها يشيب من هولها الولدان، وكأن سراً من أسرار الآية الكريمة (يَوماً يَجعلُ الوِلدانَ شيباً ( (المزمل: 17 ( قد سرى فيها. ومع أنني كنت قريباً من الأربعين إلاّ أنني وجدتُ نفسي كأنني في الثمانين من عمري..

في تلك الليالي المظلمة الطويلة الحزينة، وفي ذلك الجو الغامر بأسى الغربة، ومن واقعي المؤلم الأليم، جثم على صدري يأس ثقيل نحو حياتي وموطني، فكلما التفتُّ إلى عجزي وانفرادي انقطع رجائي وأملي. ولكن جاءني المدد من القرآن الكريم..

فردد لساني: (حسبنا الله ونعم الوكيل ( (آل عمران: 173 (

وقال قلبي باكياً:

أنا غريب.. أنا وحيد.. أنا ضعيف.. أنا عاجز.. انشد الأمان.. اطلب العفو.. اخطب العون.. في بابك يا الهي.

أما روحي التي تذكرت أحبابي القدامى في بلدي، وتخيلت موتي في هذه الغربة، فقد تمثلت بأبيات نيازي المصري، [35] وهي التي تبحث عن صديق:

مررت بأحزان الدنيا، وأطلقت جناحي

للحرمان

طائراً في شوق، صائحاً في كل لحظة:

صديق!.. صديق..!

على أي حال.. فقد اصبح عجزي وضعفي في تلك الليالي المحزنة الطويلة والحالكة بالفرقة والرقة والغربة وسيلتين للتقرب إلى عتبة الرحمة الإلهية، وشفيعين لدى الحضرة الإلهية، حتى أنني لا أزال مندهشاً كيف استطعت الفرار بعد أيام قليلة. واقطع بصورة غير متوقعة مسافة لا يمكن قطعها مشياً على الأقدام إلاّ في عام كامل، ولم اكن ملمّاً باللغة الروسية. فلقد تخلصت من الأسر بصورة عجيبة محيّرة، بفضل العناية الإلهية التي أدركتني بناء على عجزي وضعفي، ووصلت استانبول ماراً بـ)وارشو( و)فينا(. وهكذا نجوت من ذلك الأسر بسهولة تدعو إلى الدهشة، حيث أكملت سياحة الفرار الطويل بسهولة ويسر كبيرين، بحيث لم يكن لينجزها أشجع الأشخاص وأذكاهم وأمكرهم وممن يلمّون باللغة الروسية. .( [36]

في دار الحكمة الإسلامية:

وفي استانبول عُين عضواً في )دار الحكمة الإسلامية( [37] تقديراً له في (13 أغسطس 1918 ( دون علمه حيث كانت عضوية الدار لا توجَّه إلاّ للأشخاص والعلماء البارزين، إذ كان من أعضائها: الشاعر المعروف )محمد عاكف(، والعالم )إسماعيل حقي(، والمفسر المعروف )حمدي آلماللى( وشيخ الإسلام )مصطفى صبري( و)سعد الدين باشا( وغيرهم.

ولم يُشارك سعيد النورسي في اجتماعات دار الحكمة لما كان يحس به من حاجة حقيقية إلى الراحة، بعد ما قاساه من عناء أيام الأسر. وعندما تكرر غيابه، أرسل طلبا يرجو إعفاءه من هذه العضوية.

وفي هذه الفترة كانت الحكومة قد خصصت له مرتّباً ولم يأخذ من هذا المرتب سوى ما يقيم به أوده والباقي طبع به بعض الرسائل، وأمر بتوزيعها مجاناً على المسلمين.

يقول ابن أخيه )عبد الرحمن( [38] الذي كان يعيش معه في هذه الفترة في رسالة بعث بها إلى عَمه عبدالمجيد:

)إنني مُحتار من أحوال عمّي (سعيد ( فقد أطفأ عندي جميع الآمال الدنيوية، فالحكومة تعطيه مرتّباً جيداً، وأنا أقوم بادّخار ما يفضل عن مصاريفنا، وقد ألف كتباً عدة واستدعاني مرة قائلاً: اذهب واستدع مدير المطبعة الفُلانية. ذَهبت، وعندما قدّم مؤلفاته إلى المدير قال لي: يا عبدالرحمن! هات ما ادّخرته من نقود، وادفعها للسيد المدير . فنفّذت له ما أراد، وعندما ذهب المدير أمتلأت عيناي بالدموع، ولكنّي بدأت أعزي نفسي قائلاً:

هذه الكتب ستطبع وستباع، وان النقود سترجع وسأدخرها. ولكن بعد عدة أيام أرسلني مرة أخرى لاستدعاء المدير. في هذه المرة قال للمدير:)أرجو أن تكتب على كتبي بأنها توزع مجاناً على الأمة الإسلامية.

عندما خرج المدير شعرتُ بان الرابطة الروحية التي كنت أحسها تجاه عمي الكبير قد تزعزعت، ولم استطع أن أتمالك نفسي عن البكاء. فقلت له: يا عمي! كنتُ ادّخر بعض النقود لكي أقوم بتعمير بيتنا الذي خّربته الحرب، والآن فقد قتلت ذلك الأمل.. أيجوز ذلك؟

وابتسم عمي قائلاً لي:

- يا ابني.. يا عبدالرحمن! إن الحكومة كانت تعطينا مرتّباً كبيراً وليس لي أن آخذ منه إلاّ كفاف النفس، أما ما زاد عن ذلك، فيجب أعادته إلى بيت المال، لذا فإنني قمت بإعادته إلى المسلمين، ولا اعتقد بأنك ستفهم هذا ولكن اعلم بان الله إن شاء فسيعطيك بيتاً في أي مكان كان من هذا الوطن (. [39]

نذير الصحوة:

وعندما تتوالى المصايب والهزائم على الدولة العثمانية، وتدخل جيوش الدول الاستعمارية تركيا وتعقد معاهدة )سيفر( يحس سعيد النورسي بهذه الطّعنات وكأنها توجه إلى قلبه:

)لقد كنت أحس بان هذه الضربات التي وجهت إلى العالم الإسلامي كأنها وجهت إلى أعماق قلبي(.[40]

ويكتب عن هذه الفترة من حياته قائلاً:

)عندما رجعت من الأسر، كنت أسكن مع ابن أخي )عبد الرحمن( في قصر على قمة )جاملجة( في استانبول. ويمكن أن تعتبر هذه الحياة التي كنت أحياها حياة مثالية من الناحية الدنيوية بالنسبة لأمثالنا؛ ذلك لأنني قد نجوت من الأسر، وكانت وسائل النشر مفتوحة أمامي في )دار الحكمة الإسلامية( وبما يناسب مهنتي العلمية، وان الشهرة والصيت والإقبال عليّ تحفّ بي بدرجة لا استحقها، وأنا ساكن في اجمل بقعة من استانبول )جاملجة(، وكل شيء بالنسبة لي على ما يرام، حيث أن ابن أخي )عبد الرحمن( _ رحمه الله _ معي، وهو في منتهى الذكاء والفطنة، فهو تلميذ ومضحّ وخادم وكاتب معاً، حتى كنت أعدّه ابناً معنوياً لي.

وبينما كنت أحس بأني أسعد إنسان في العالم، نظرت إلى المرآة، ورأيت شعيرات بيضاء في رأسي وفي لحيتي، وإذا بتلك الصحوة الروحية التي أحسست بها في الأسر في جامع )قوصترما( تبدأ بالظهور. فأخذتُ أنعم النظر وأفكر مدققاً في تلك الحالات التي كنت ارتبط بها قلبياً، وكنت أظنها أنها هي مدار السعادة الدنيوية. فما من حالة أو سبب دققت النظر فيه، إلاّ رأيت أنه سبب تافه وخادع، لا يستحق التعلق به، ولا الارتباط معه. فضلاً عن ذلك وجدت في تلك الأثناء عدم الوفاء وفقدان الصداقة من صديق حميم، يُعدّ من أوفى الأصدقاء لي، وبشكل غير متوقع وبصورة لا تخطر على بال.. كل ذلك أدى إلى النفرة والامتعاض من الحياة الدنيا، فقلت لقلبي:

يا تُرى هل أنا منخدع كلياً؛ فأرى الكثيرين ينظرون إلى حياتنا التي يُرثى لها من زاوية الحقيقة نظر الغبطة؟ فهل جُنَّ جنون جميع هؤلاء الناس؟ أم أنا في طريقي إلى الجنون، لرؤيتي هؤلاء المفتونين بالدنيا مجانين بلهاء؟! وعلى كل حال.. فالصحوة الشديدة التي صحوتها برؤية الشيب جعلتني أرى أولاً: فناء ما ارتبط به من الأشياء المعرّضة للفناء والزوال!!

ثم التفتّ إلى نفسي، فوجدتها في منتهى العجز!.. عندها صرختْ روحي وهي التي تنشد البقاء دون الفناء وتشبثت بالأشياء الفانية متوهمة فيها البقاء، صرخت من أعماقها: )مادمتُ فانية جسماً فأي فائدة أرجوها من هذه الفانيات؟ وما دمتُ عاجزة فماذا انتظر من العاجزين؟.. فليس لدائي دواء إلاّ عند الباقي السرمدي، عند القدير الأزلي فبدأت أبحث وأستقصي..( [41]

وفي هذه الأثناء وقوات الاحتلال الإنكليزي تحتل استانبول (16 مارت 1920 ( ألّف بديع الزمان كتابه: )الخطوات الست( واخذ ينشره سراً بمساعدة طلابه وأصدقائه.. يهاجم بديع الزمان في هذا الكتاب الإنكليز بلهجة قوية رادعة ويفحم الشبهات التي أثيرت آنذاك ببراهين قاطعة مفنداً حججهم ويلفت أنظار المسلمين إلى أطماعهم ويحارب اليأس الذي تسلط على كثير من النفوس ويشدّ العزائم. [42]

ومن سلسلة المؤامرات على الإسلام، وجّه الإنكليز عن طريق كنيسة )انكليكان( ستة أسئلة إلى المشيخة الإسلامية لتجيب عنها بستمائة كلمة. فوجهت المشيخة هذه الأسئلة إلى بديع الزمان وكان جوابه )إن هذه الأسئلة لا يُجابُ عنها بستمائة كلمة، ولا بست كلمات.. ولا بكلمة واحدة.. بل ببَصقة واحدة على الوجه الصفيق للإنكليزي اللعين(.[43]

وبعد أن انهارت الدولة العثمانية ومزقت، ظهرت رغبة عند بعض المثقفين الأكراد في إنشاء دولة كُردية في الولايات الشرقية من تركيا، ولكون سعيد النورسي كردي الأصل وذا منـزلة كبيرة في نفوس أهالي الولايات الشرقية أرسل إليه أحد الصحفيين رسالة يطلب فيها الانضمام إلى الداعين لتكوين هذه الدولة، وقد أجابه سعيد النورسي برسالة مطوّلة قال فيها:

)يا رفعت بك.. سأكون معك إن حاولت أحياء الدولة العثمانية.. وأنا مستعد للتضحية بنفسي في هذا السبيل. أما تكوين دولة كردية.. فلا!(.

وكذلك تسلّم الاقتراح نفسه والطلب من السيد عبدالقادر رئيس جمعية )تعالي الأكراد( فكان جوابه هو الرفض أيضاً.[44]

فتوى:

بدأت حركة المقاومة ضد الاحتلال الأجنبي في الأناضول، فاصدر شيخ الإسلام عبدالله أفندي تحت ضغط المحتلين الإنكليز فتوى ضد هذه الحركة والقائمين بها، ولكن سرعان ما قام ستة وسبعون مفتياً مع ستة وثلاثين عالماً واحد عشر نائباً بإصدار فتاوى مضادة، حيث أيدوا تلك الحركة وشجعوا على قتال المحتلين، وكان بديع الزمان أحد هؤلاء العلماء حيث قال:

)إن فتوى تصدر عن مشيخة وإدارة هي تحت ضغط الإنكليز وإمرتهم لابد أن تكون غير سليمة، ولا يجوز الانصياع لها، ذلك لان الذين قاموا بمقاومة احتلال الأعداء لا يمكن اعتبارهم عصاة، لذا يجب سحب هذه الفتوى(.[45]

مع مصطفى كمال:

ولاشتهار بديع الزمان بعدائه للمحتلين، فقد دُعي إلى أنقرة - مركز حركة المقاومة - من قبل مصطفى كمال للانضمام إليهم، إلاّ انه رفض الدعوة قائلاً:

)إنني أريد أن اُجاهد في أخطر الأمكنة، وليس من وراء الخنادق، وأنا أرى أن مكاني هذا أخطر من الأناضول(.[46]

ولكن الدعوة تكررت، فذهب إليها سنة 1922 قبيل عيد الأضحى، حيث استقبل في المحطة استقبالاً حافلاً، إلاّ أنه لم يسعد في أنقرة كثيراً، إذ لاحظ بأسف بالغ أن معظم النواب لا يؤدون الصلاة، كما أن تصرفات مصطفى كمال وسلوكه المعادي للإسلام أحزنه كثيراً، لذلك فقد قرر أن يطبع بياناً في 19/1/1923 يتضمن عشرة مواد موجهاً إلى النواب يعظهم ويذكّرهم بالإسلام مستهلاً بـ:

)يا أيها المبعوثون.. إنكم لمبعوثون ليوم عظيم(.[47]

وكان من نتيجة هذا البيان الذي وزّع بين النواب، وتولّى إلقاءه الجنرال كاظم قره بكر (القائد الأول لحركة الاستقلال ( إن ما يقارب ستين نائباً من النواب قد استقاموا على التدين وأقاموا الصلاة، حتى أن مسجد بناية المجلس لم يعد كافياً للمصلين، فانتقلوا إلى غرفة اكبر.

لم يرض مصطفى كمال عن هذا البيان، فاستدعى بديع الزمان وحدثت بينهما مشادّة عنيفة، وكان مما قاله مصطفى كمال:

- لا ريب أننا بحاجة إلى أستاذ قدير مثلك، لقد دعوناك إلى هنا للاستفادة من آرائك المهمة، ولكن أول عمل قمتَ به لنا هو الحديث عن الصلاة، لقد كان أول جهودكم هنا هو بث الفرقة بين أهل هذا المجلس.

فأجابه بديع الزمان مشيراً إليه بإصبعه في حدة:

)باشا.. باشا.. إن اعظم حقيقة تتجلى بعد الإيمان هي الصلاة، وان الذي لا يصلي خائن وحكم الخائن مردود..([48]

لذلك فكّر مصطفى كمال بإبعاده عن أنقرة بحجة تعيينه واعظاً عاماً للولايات الشرقية وبمرتّب مُغرٍ، ولكن سعيد النورسي رفض هذا الطلب.

آثاره في هذه الفترة:

نرى انه خلال هذه الفترة أي بعد مجيئه من الأسر وطوال مكوثه في استانبول مع فترة بقائه في أنقرة نشر رسائل وكتباً باللغتين التركية والعربية.

فأول ما نشره باللغة العربية هو )إشارات الإعجاز( ثم في سنة )1921م( )قزل إيجاز في المنطق(.وفي أنقرة ألّف: ذيل الذيل - حباب وأجزاء أخرى من المثنوي العربي النوري.

أما باللغة التركية فنشر في سنة )1923( )السنوحات(. وفي سنة )1921(كان قد نشر الرسائل الآتية:

)رموز، إشارات، طلوعات، لمعات، شعاعات من معرفة النبي صلى الله عليه وسلم، نقطة من معرفة الله جلّ جلاله(.

وقد أورد في هذه الرسائل دلائل قاطعة على وجود الله ووحدانيته، محاولاً بذلك التصدي لموجة الشك والإلحاد والبعد عن الدين التي ظهرت بين أوساط المفتونين بالغرب، حيث يصف هذه الحالة في مقدمة )رسالة الطبيعة(:

)دعيتُ لزيارة )أنقرة( سنة 1338(1922م ( وشاهدت فرح المؤمنين وابتهاجهم باندحار اليونان أمام الجيش الإسلامي، إلاّ أنني أبصرتُ - خلال موجة الفرح هذه - زندقة رهيبة تدب بخبث ومكر، وتتسلل بمفاهيمها الفاسدة إلى عقائد أهل الإيمان الراسخة بغية إفسادها وتسميمها.. فتأسفتُ من أعماق روحي، وصرختُ مستغيثاً بالله العلي القدير ومعتصماً بسور هذه الآية الكريمة :(قَالتْ لَهُم رُسُلُهُمْ أفِي الله شَكٌ فَاطِرِ السَّمــواتِ وَالاَرْضِ)(إبراهيم: 10 ( من هذا الغول الرهيب الذي يريد أن يتعرض لأركان الإيمان، فكتبت برهاناً قوياً حاداً يقطع رأس تلك الزندقة، في رسالة باللغة العربية واستقيت معانيها وأفكارها من نور هذه الآية الكريمة لإثبات بداهة وجود الله سبحانه ووضوح وحدانيته، وقد طبعتها في مطبعة)يَني كون( في أنقرة.. إلاّ أنني لم ألمس آثار البرهان الرصين في مقاومة الزندقة وإيقاف زحفها إلى أذهان الناس. وسبب ذلك كونه مختصراً ومجملاً جداً، فضلاً عن قلة الذين يُتقنون العربية في تركيا وندرة المهتمين بها آنذاك، لذا فقد انتشرت أوهام ذلك الإلحاد واستشرت في صفوف الناس مع الأسف الشديد، مما اضطرني إلى إعادة كتابة تلك الرسالة ببراهينها بالتركية، مع شئ من البيان والتوضيح فكانت هذه الرسالة..([49]

رحلة إلى )وان( 1923:

غادر أنقرة بعد أن لمس عن كثب وشعر بالنوايا الخفية السيئة التي كان يكنّها للإسلام الكثير من المسؤولين، أصابه حزن عميق جعله يكثر من التهجد والعبادة والشكوى إلى الله مما آلت إليه حالة المسلمين، فقضى الكثير من أوقاته في )وان( قرب إحدى خرائب مهجورة قديمة على جبل )أرك( واستمر على الاعتكاف والانـزواء، وكأن الله يهيئه لمواجهة الخطوب الهائلة والأعاصير المدمّرة التي أوشكت أن تهب على الإسلام [50]. ويقول عنه أحد طلابه:

)كان يقوم لصلاة التهجد كل ليلة، وكُنت أحياناً أراه وهو يصلي، فلا أستطيع النوم. وعندما كان يراني مستيقظاً يقول لي: )مادمت مستيقظاً فتعال وشاركني في الدعاء( ولكني كنت اجهل قراءة أي دعاء، فكان يقول لي: سأدعو أنا وردد أنت بعدي: آمين(.

وكنت أغفو أحياناً أثناء الدعاء، فكان ينظر إلي ويقول:

- لقد كنت أنا أيضاً مثلك.. ولكنك ستتعود(.[51]

ثورة الشيخ سعيد بيران:

نشبت ثورة في الأقاليم الشرقية في تركيا بقيادة )الشيخ سعيد بيران( الذي كان شيخا للطريقة النقشبندية وزعيماً بارزاً بين العشائر الكردية، وكانت هذه الثورة موجّهة ضد سياسة مصطفى كمال الذي أثار نقمة الشعب باتجاهه المعادي للدين الإسلامي.

وقُبيل اندلاع الثورة أرسل الشيخ )سعيد بيران( رسائل إلى الأستاذ سعيد النورسي يطلب منه الاشتراك معه في الثورة ضد حكومة أنقرة، فرفض لعدم رغبته في إهراق دم المسلمين الأبرياء في حركة لا أمل فيها.

ونسجل هنا حواراً جرى بينه وبين )حسين باشا( رئيس إحدى العشائر الكردية:

حسين باشا:أريد أن أستشيرك في أمر، إن جنودي حاضرون والخيول موجودة، وكذلك الأسلحة والذخائر، وأنا انتظر أمراً منكم.

سعيد النورسي: ماذا تقول؟ ما الذي تنوي فعله؟ ومَن ستحارب؟

حسين باشا: سنحارب مصطفى كمال.

سعيد النورسي: ومَن هُم جنود مصطفى كمال؟

حسين باشا: ماذا أقول.. انهم جنود!!

سعيد النورسي: إن جنوده هم أبناء هذا الوطن، هم أقرباؤك وأقربائي. فمَن تقتل؟ ومَن سيقتلون؟ فكّر.. وافهم! انك تريد أن يقتل الأخ أخاه..

حسين باشا: إن الموت لأفضل من مثل هذه الحياة.

سعيد النورسي: وما ذنب الحياة؟ إذا كُنت قد ملَلْتَ حياتك، فما ذنب المسلمين المساكين؟

حسين باشا: (متحيراً ( لقد أفسدت عليّ عزيمتي ورغبتي ولا ادري كيف سأقابل عشيرتي التي هي بانتظار عودتي وسيظنون أنني جبنت. لقد أضعت قيمتي بين العشيرة.

سعيد النورسي: وماذا لو كانت قيمتك صفراً بين الناس، وكنت مقبولاً عند الله تعالى؟

وعندما قال له )حسين باشا( بأنه يريد من ثورته تطبيق الشريعة الإسلامية.. قال له سعيد النورسي: أتريد تطبيق الشريعة الإسلامية؟ إن تطبيق الشريعة لا يكون بهذه الطريقة. فلو قلت لك:

يا حسين باشا تعال مع جنودك الثلاثمائة لتطبيق الشريعة، فان جنودك وهم في طريقهم إلى هنا سيقومون بنهب وسلب وقتل كل من يمرون عليهم في الطريق.. وهذا مخالف للشريعة(.[52]

وهذا يدل على أن الأستاذ سعيد النورسي - مع عدم رغبته في إهراق دماء المسلمين - لم يكن يثق في هؤلاء الأشخاص ومدى وعيهم الإسلامي ومدى قدرتهم على تمثيل الإسلام.

ولكن موقفه هذا لم ينجه من غضب حكومة أنقرة إذ بدأت الحكومة - بعد إخفاق حركة شيخ سعيد بيران - بالقبض على رؤساء العشائر الكردية وزعمائهم ونقلهم ونفيهم إلى مدن أخرى ووضعهم تحت المراقبة، وبالرغم من كون الأستاذ سعيد النورسي متفرغاً للعبادة في أطلال مهجورة على قمة جبل فان الحكومة أرسلت مفرزة لاعتقاله، علماً بان عشائر مدينة )وان( - التي كان الأستاذ سعيد النورسي موجوداً فيها- لم تشترك في هذه الحركة بتأثير منه كما سبق آنفاً.

اعتقال ونفي 1925:

صعدت المفرزة إلى الجبل واعتقلت العالم المنقطع للعبادة ونقل إلى استانبول عن طريق )ارضروم( فـ)طرابزون( وتمت الرحلة على زحافات تجرّها الخيول فوق الثلوج التي كانت تغطي الجبال في ذلك الشتاء القارس.

بقي في استانبول تحت الحراسة مدة عشرين يوماً حيث صدر الأمر بنقله إلى مدينة (بوردور ( التي بقي فيها سبعة اشهر، وطوال مدة إقامته تلك تفرغ للعبادة، وفي تأليف رسالة )المدخل إلى النور( وهي عبارة عن دورس قرآنية . استنسخت باليد فيما بعد وتداولها طلابه ومحبوه، ومن ثم نقل إلى )إسبارطة( حيث بقي فيها عدة اشهر.

إلى ) بارلا( على متن زورق:

ولم يدعوه هنا أيضاً، إذ صدرت الأوامر بنفيه هذه المرة إلى ناحية )بارلا( النائية.

ويقص )شوكت دميرآي( وهو الجندي المكلّف بنقل الأستاذ النورسي إلى ناحية )بارلا( ذكرياته فيقول:

)كُنتُ في مدينة )اغريدير( عندما استدعوني إلى مركز البلدية صباح أحد الأيام.. فذهبت إليه وكان هناك القائمقام وآمر الجندرمة مع أعضاء هيئة البلدية وشخص معمم في العقد الرابع من عمره يلبس جبّة وله هيئة وقورة.

خاطبني آمر الجندرمة قائلاً:

- اسمع يا بني، عليك أن تأخذ شيخنا هذا المعروف ببديع الزمان إلى )بارلا(. إن وظيفتك هذه مهمة جداً، وعندما تسلّمه إلى المخفر هناك دعهم يوقعوا على الأوراق الرسمية ثم اخبرنا بذلك. قلت له :حسناً يا سيدي.

خرجت مع الشيخ وفي الطريق قلت له:

- يا شيخنا أنت بمثابة والدي وان هذه وظيفة كلّفتُ بها فأرجو أن لا تستاء منّي.

ثم يستمر في وصف الرحلة بالقارب الشراعي فيقول:

)كان الجو بارداً، فالفصل شتاء ومياه البحيرة متجمدة هنا وهناك وأحد جذافي القارب يكسر الثلوج بعصاً طويلة في يده ويفتح بذلك طريقاً للقارب الشراعي.

بدأ الشيخ بديع الزمان بتوزيع بعض الزبيب اليابس وبعض الحلوى علينا، كنت أتفحصه بدقة فوجدته هادئاً كل الهدوء إذ كان يتأمل في البحيرة والجبال المحيطة بنا..

ولكون النهار قصيراً فقد أزف وقت صلاة العصر بسرعة . أراد أن يصلي واقفاً فوجّهنا القارب باتجاه القبلة . سمعت صوتاً يقول:

- الله اكبر!.. لم اكُن قد سمعت في حياتي كلّها تكبيرة بهذه الرهبة والخشوع، شعرت بان الشعرَ في أجسادنا قد وقف. لم تكن حركاته وأطواره تشبه أطوار الشيوخ الذين عرفناهم..

كُنا نحاول جهدنا أن نبقى على القارب باتجاه القبلة وعندما أنهى الشيخ صلاته، التفتَ إلينا قائلاً:

- شكراً لكم يا اخوتي، لقد أتعبتكم!

كان شخصاً متواضعاً ودمث الأخلاق.[53]

[1] كان قواد حرب الاستقلال خمسة وهم: كاظم قره بكر، رأفت باشا، علي فؤاد جبسوي، مصطفى كمال، رؤوف أورباي. (من كتاب Bilinmeyen Tarihimiz للمؤرخ التركي جمال قوطاي 1/5.

[2] Bilinmeyen Taraflariyle Bediuzzaman Said Nursi لنجم الدين شاهين أر/4

[3] الشعاعات / 277_ 278

[4] كان أبناء (ميرزا) سبعة وهم: درية- خانم- عبدالله- سعيد- محمد- عبدالمجيد- مرجان.

[5] المقصود شرح ألفية ابن مالك للسيوطي.

[6] كتاب مشهور في النحو.

[7] سيرة ذاتية/ 52

[8] يروي أحد تلاميذه القدامى – وهو مصطفى صونغور- عن أستاذه النورسي حول هذا الموضوع ما يأتي: "كنت اكرر في "وان" حفظاً لـ "80-90" كتاباً التي كنت قد حفظتها سابقاً وكانت هذه الكتب واسطة للوصول إلى حقائق القرآن". Bilinmeyen Taraflariyle Bediuzzaman Said Nursi لنجم الدين شاهين أر/57

[9] سيرة ذاتية /64

[10] نفسه/66

[11] الخان وهي الفنادق التي كانت توجد سابقاً في المدن أو على الطرق بين المدن.

[12] شاعر إسلامي من ابلغ شعراء الترك (1873-1936) اصبح عضواً في دار الحكمة الإسلامية اشتهر بديوانه صفحات. نظم نشيد الاستقلال.

[13] لم يُرَ منه أن سأل أحداً شيئاً طوال حياته. لرؤيا رأى فيها الرسول الأكرم r في صباه، بقيت محفورة في ذاكرته حتى أواخر حياته، رأى كأن القيامة قد قامت بكل أهوالها وحشر الناس جميعاً، فتملكته رغبة قوية في رؤية النبي r.. ولكن كيف يستطيع ذلك وأين يلقاه في مثل هذا الزحام؟!.. وبينما هو يفكر في ذلك ويجيل طرفه في الناس خطرت له فكرة الذهاب إلي الصراط المستقيم.. نعم لا شك أن الرسول الكريم r سيمر من هناك.. أسرع إلى الصراط المستقيم ووقف ينتظر.. مرّ به الأنبياء الكرام- صلوات الله وسلامه عليهم- فقبّل أيديهم كلهم، ثم أقبل الرسول الكريم r فهوى سعيد الصغير على يديه يقبلهما ثم طلب منه "العلم" فقال له r:" سيوهب لك علم القرآن شريطة ألاّ تسأل أحداً من أمتي سؤالاً" Bilinmeyen Taraflariyle Bediuzzaman Said Nursi لنجم الدين شاهين أر/52. سيرة ذاتية /45

[14] اصبح فيما بعد عضواً في هيئة الإشارة للشؤون الدينية التي تقابل وزارة الأوقاف في البلدان العربية.

[15] كانون الأول 1964/ Uhuvvet Gazetesı

[16] Bilinmeyen Taraflariyle Bediuzzaman Said Nursi لنجم الدين شاهين أر/69-70

[17] كان سعيد النورسي يطلق على السلطان عبدالحميد "السلطان المظلوم" ويصفه بأنه ولي من أولياء الله وخليفة المسلمين (انظرSon Şahitler لنجم الدين شاهين أر) (أي الشهود الأواخر) ص 219.

[18] يلدز: هو القصر الذي كان يسكنه السلطان عبدالحميد الثاني، والذي كان يدير منه شؤون الدولة.

[19] سيرة ذاتية / 74

[20] Bilinmeyen Taraflariyle Bediuzzaman Said Nursiلنجم الدين شاهين أر/ 88

[21] وهي التي تقضي إعلان الدستور وانتخاب مجلس نواب تكون الوزارة مسؤولة أمامه.

[22] وهو الشيخ محمد بخيت بن حسين المطيعي الحنفي مفتي الديار المصرية ومن كبار فقهائها. ولد في بلدة (المطيعة) التابعة لمحافظة أسيوط من صعيد مصر، وتعلم في الأزهر واشتغل بالتدريس فيه، وانتقل إلى القضاء الشرعي سنة (1297هـ ) واتصل بالسيد جمال الدين الأفغاني، ثم عين مفتياً للديار المصرية سنة 1333 هـ ، وله كتب قيمة، وتوفي سنة 1354 هـ انظر"الأعلام للزركلي" (6/274).

[23] سيرة ذاتية / 84

[24] القشلة بمعنى الثكنة العسكرية.

[25] وهو الجيش الذي وجّهه الاتحاديون من مدينة سلانيك حيث كانت مركز قوتهم، بقيادة "محمود شوكت باشا" لقمع العصيان وإعادة سلطة الاتحاديين.

[26] الموافق ليوم 6 ربيع الآخر 1327 الساعة 32-1 زوالية فرغم أن الحاميات الموجودة ي استانبول وخاصة حامية قصر يلدز كانت أقوى بكثير من جيش الحركة إلا أن السلطان عبدالحميد رفض بشدة طلب قواده تشتيت هذا الجيش لئلا تراق الدماء من أجله (من كتاب "تاريخ الدولة العثمانية" لإسماعيل دانشمند ج 4/375 (Osmanlı Tarihi Kronolojisi)

[27] صيقل الإسلام /439-440

[28] صيقل الإسلام – الخطبة الشامية/ 492

[29] المناطق العثمانية الواقعة في قارة أوروبا.

[30] سيرة ذاتية / 507

[31] Bilinmeyen Taraflariyle Bediuzzaman Said Nursi لنجم الدين شاهين أر/ 148

[32] سيرة ذاتية / 122

[33] هذا المقال نشر في مجلة "أهل السنة" الصادرة باستانبول في 15 تشرين الأول 1948 بقلم صاحبها المحامي.

[34] الشعاعات / 571

[35] نيازي المصري: شاعر تركي صوفي (1618-1694م)، ولد في قرية قريبة لولاية "ملاطية". اكمل دراسته في الأزهر الشريف فلقّب بـ "المصري"، له ديوان شعر ومؤلفات منها: رسالة الحسنين، موائد العرفان وعوائد الإحسان، هداية الإخوان. تولّى الإرشاد في مدارس استانبول العلمية.

[36] اللمعات ص 359

[37] وهي هيئة علمية تابعة للمشيخة الإسلامية للدولة العثمانية. يروي المؤرخ (إسماعيل حقي) انه استفسر أستاذه مصطفى صبري (شيخ الإسلام) عن سبب ضم النورسي إلى دار الحكمة، فأجابه: لأنه ضليع بعلم الحديث النبوي، وأبدى آخرون السبب نفسه لانضمام الأستاذ إلى دار الحكمة Aydınlar Konusuyur( المنورون يتكلمون) ص 303 لنجم الدين شاهين أر.

[38] هو عبدالرحمن بن عبدالله، ابن شقيق الأستاذ النورسي ولد سنة 1903 في نورس وتوفي سنة 1928 ودفن في قرية (ذو الفضل) في انقرة. كتب تاريخ حياة الأستاذ حتى عام 1918 ونشره بكتاب طبع في استانبول..

[39] سيرة ذاتية / 135

[40] نفسه / 137

[41] اللمعات /366

[42] Bilinmeyen Taraflariyle Bediuzzaman Said Nursi لنجم الدين شاهين أر/ 212

[43] سيرة ذاتية / 145

[44] Bilinmeyen Taraflariyle Bediuzzaman Said Nursi لنجم الدين شاهين أر/ 210-211

[45] نفسه/232

[46] سيرة ذاتية / 144

[47] ونصه في المثنوي العربي النوري/ 200

[48] سيرة ذاتية / 186

[49] اللمعات/267

[50] يروي أحد طلابه "مصطفى صونغور": أن الأستاذ كان يقضي خمس ساعات كل ليلة دون استثناء في الدعاء والعبادة حتى الثمانين من عمره، ولكن بعد هذا العمر كن يقضي ساعتين من الليل في التهجد، ويقرأ ادعيته نهاراً.

[51] سيرة ذاتية / 520

[52] سيرة ذاتية / 207

[53] سيرة ذاتية / 218