المقارنة بين .. الإسلام والنصرانية واليهودية 6

النبي الذي أُنزل عليه القرآن، ورسالته العالمية

لقد تحدثنا في النقطة السابقة عن مصداقية القرآن الكريم الذي أُنزل على النبي محمد r، والتي قد ثبتت (مصداقية القرآن الكريم) بالأدلة الدامغة والبراهين القاطعة، مما يُدلّل ويبرهن على صدق النبي الذي أنزل عليه هذا القرآن، وصدق رسالته، ومصداقيته في دعوته.

وإذا ما أردنا أن نوجز حديثًا عن هذا النبي الخاتم الأمين محمد r ورسالته العالمية الخاتمة في هذه النقطة، فإننا فقط نقوم بالردّ على ادّعاء بعض أعداء الإسلام الحاقدين، في إشارة عاجلة موجزة إلى عالمية رسالته وختامها للرسالات السابقة، ونُحيل من أراد المزيد من الحديث عن هذه النقطة إلى كتاب/ محمد رسول الله حقًّا وصدقًا.

بداية: نوضح أن التصديق بنبي مُرسل من الله تعالى، داعيًا إليه، هاديًا للبشرية إلى الصراط الحقّ المستقيم، الذي لا اعوجاج فيه، أقرب إلى العقل السليم والفطرة النقية من تكذيبه، فما بالنا إذا جاء هذا النبي المُرسل بما يشهد لنبوته ورسالته من معجزات وخوارق، تأييدًا من الله سبحانه وتعالى له.

فالنبي محمد r قد جاء بالمعتقد السليم الصافي، الذي لا شائبة فيه ولا عكرات، وقد جاء بالكثير والكثير من المعجزات والخوارق، وأعظمها معجزة القرآن الكريم، الذي قد أشرنا إلى جانب من إعجازه في النقطة السابقة، تأييدًا من الله عز وجل لنبوته r ورسالته.

ولقد جاء النبي محمد r بالشرع القويم، الذي فيه علاج لكافّة المشكلات القديمة والحديثة، في الشرق والغرب.

ولقد جاء r بالعبادات الهادية والمعاملات الكريمة والأخلاق الرفيعة، والتعاليم السامية.

ولقد حفظ الله سبحانه وتعالى السيرة الطيبة العطرة لخاتم أنبياءه ورسله محمد r، تأييدًا منه تبارك وتعالى له، لتكون شاهدًا على صدق دعوته ورسالته r.

فالله سبحانه وتعالى أعلم حيث يجعل رسالته، فكما أنه سبحانه وتعالى قد اختار نبيه موسى، وقد كان هاربًا من قوم الرجل الذي كان قد قتله عن غير قصد، إضافة إلى تعثّره في الكلام، وكما أنه سبحانه وتعالى قد اختار نبيه المسيح، وكان قومه يشكّون في نسبه، وفقًا لما يقوله كتاب النصرانية (لوقا 3: 23)، كذلك فإن الله سبحانه وتعالى قد اختار نبيًّا أميًّا لأمة أميّة لا تعرف القراءة والكتابة، مع بلاغتها وفصاحتها، ونبوغها في فنون الشعر والنثر والأدب([1]). ولكنه r قد تخرج من مدرسته (مدرسة النبوة) العلماء في شتى مجالات الحياة، والفقهاء، والمحدثين، .... إلى غير ذلك.

وفي ذلك يقول (توماس كارلايل) أحد المفكرين، في محاضرة ألقاها يوم الجمعة الموافق (الثامن من مايو 1840م)، وكانت المحاضرة بعنوان: (عندما يكون البطل نبيًّا)، وكان المستمعون من الانجليكان، وهم المسيحيون الانجليز، الآتي:

«قوم رعاة أغنام فقراء، هائمون على وجوههم في صحراء، مجهولون، لا يعبأ بهم أحد منذ فجر التاريخ، أُرسل إليهم نبي بطل بوحي، فآمنوا به، انظر المغمورين، أصبحوا أفذاذًا بارزين، الفئة الصغيرة أصبحت عالمًا كبيرًا، وفي غضون قرن واحد وصلت العروبة إلى غرناطة بأسبانيا من جهةٍ، وإلى دلهى من جهة أخرى....، إن العقيدة هي الدافع القوي للحياة، تاريخ أمة أصبح مُثمرًا، روحها ارتفعت وارتقت بمجرد أن أصبحت صاحبة عقيدة».

وفي شأن النبي محمد r، يقول الفيلسوف البريطاني (جورج برناردشو):

«إنني أعتقد أن رجلًا مثل محمد لو تسلّم زمام الحكم المطلق في العالم بأجمعه لتمّ له النجاح في حكمه، ولقاد العالم بأسره إلى الخير وحل المشاكل على وجه يحقق للعالم السلام والسعادة المنشودة».

ومن العجيب: أن نجد من يسعى جاهدًا بغير أدنى بصيرة، في الهجوم على رسالة النبي محمد r، بادّعاءه اختلاق رسالة النبي محمد r من اليهودية والنصرانية.

ويُرَدّ على مثل ذلك الافتراء بصفعة صاعقة لمُدّعية، وذلك أن:

1- وقت رسالة النبي محمد r ونزول الوحي عليه بالقرآن الكريم، لم يكن الكتاب المقدس للنصرانية بمحتواه من عهد قديم (التوراة التي يؤمن بها اليهود) وعهد جديد (الإنجيل ورسائل أخرى) قد ترجم إلى اللغة العربية بعد.

والتساؤل المهم:

فمن أين يأتي الاختلاق إذن، والقرآن الكريم الذي أُنزل على النبي محمد r إنما هو باللغة العربية؟!

لذلك، فإن القول باختلاق رسالة النبي محمد r من اليهودية أو النصرانية، إنما هو ادّعاء كاذب، وافتراء باطل.

2- أن رسالة النبي محمد r قد تعرّضت للقضية الأكثر خطورة لدى النصرانية وهي اعتقادها بألوهية المسيح، حيث جاءت (رسالة النبي محمد r) بنقض ذلك المعتقد تمامًا.

وأيضًا فإن رسالة النبي محمد r قد تعرّضت لنفس القضية بالنسبة لليهودية، والتي تُعدّ من أكثر القضايا خطورة لديها، وهي: سبَّها (سب اليهودية) للمسيح، وسبِّها لوالدته، وتكذيبها له، وادّعاء ولادته بطريقة غير شرعية، حيث جاءت (رسالة النبي محمد r) بنقض تلك الادّعاءات والافتراءات تمامًا.

ففي الوقت الذي تقول فيه النصرانية بألوهية المسيح، وأنه ابن الله، وأنه ثالث ثلاثة، وفي الوقت الذي تُكذّب فيه اليهودية برسالة المسيح، وتنسبه إلى الولادة بغية، وتنسب والدته إلى الزنا والفجور، في ذلك الوقت جاء النبي محمد r بالقول الوسط الصحيح، والمعتقد الصافي السليم، الذي لا إفراط فيه ولا تفريط، جاء (النبي محمد r) بالوحي الذي أوحاه إليه ربه تبارك وتعالى، وهو:

أن المسيح عليه السلام إنما هو عبد الله ورسوله، وأن ولادته كانت آية معجزة من الله جلّ وعلا، وأن ما ظهر على يديه من معجزات إنما هي بقدرة الله عز وجل، كغيرها من المعجزات والخوارق التي أجراها تبارك وتعالى على يدي نبيه محمد r، والأنبياء من قبله، تأييدًا من الله تعالى لهم، كدلالة بيّنة وشهادة واضحة على صدق دعوتهم ورسالتهم.

وكذلك الأمر بالنسبة للسيدة مريم، حيث تزعم النصرانية بأنها والدة الله، وعلى النقيض تمامًا تنسبها اليهودية إلى الزنا والفجور، ومن ثم كانت ولادتها للمسيح، في ذلك الوقت جاء النبي محمد r بالقول الوسط الصحيح، والاعتقاد الصافي السيلم، الذي أوحاه إليه ربه تبارك وتعالى، دون إفراط أو تفريط، وهو:

أن السيدة مريم ليست بوالدة الله، ولكنها في الوقت ذاته الطاهرة العفيفة، التقيّة النقيّة، التي قد أتت بولدها (المسيح عليه السلام) بإرادة من الله تعالى وحكمة منه، والتي (السيدة مريم) قد أيّدها ربها تبارك وتعالى بمعجزة كلام وليدها في المهد، تبرءة لها وتمهيدًا لرسالته.

لقد أُكرمت السيدة مريم في القرآن الكريم الذي جاء به خاتم النبيين والمرسلين محمد r، تكريمًا عظيمًا، لم تحظ (السيدة مريم) بمثله في الكتاب المقدس للنصرانية نفسه، من بين 66 كتابًا لطائفة البروتستانت النصرانية و 73 كتابًا لطائفة الكاثوليك النصرانية، وأكثر من ثمانين كتابًا لطائفة الأرثوذوكس النصرانية، ولا أدلّ على ذلك من أن الله سبحانه وتعالى قد اختصّها (السيدة مريم) في كتابه العظيم (القرآن الكريم) بسورة تسمّى باسمها، وهي (سورة مريم)، دون غيرها من نساء العالمين.

3- أن رسالة النبي محمد r قد جاءت بخير تشريع للعالمين، للناس كافة، على اختلاف فئاتهم، مناقضة تمامًا لما عليه اليهودية والنصرانية الآن من تشريعات تم تحريفها وتبديلها وتغييرها.

4- أن رسالة النبي محمد r قد جاءت ناقضة لما قد تضمنته التوراة بعد تحريفها والتي بأيدي اليهود اليوم وكذلك الكتاب المقدس للنصرانية، من أكاذيب وافتراءات باطلة على أنبياء الله ورسله، مُكذِّبة لها، وناقضة لتلك القصص الفاحشة المُنكرة، والتي ينسبها كلا من اليهود والنصارى إلى كلام الله، ومن ثم يؤمنون بها.

لذلك: فإن من هذه الأسباب المشار إليها، وغيرها، يتبيّن بطلان مثل تلك الدعوى الواهية باختلاق القرآن من اليهودية والنصرانية، وأنها ما هي إلا محض ادّعاء كاذب، وافتراء باطل.

عالمية رسالة النبي محمد r

لقد بينّا في الردّ على دعوى اختلاق القرآن من اليهودية أو النصرانية، ما جاء به النبي محمد r من معتقد صاف سليم، لا غلو فيه ولا تفريط، ولا فحش فيه ولا نكارة، مناقض لكل من افتراءات اليهودية والنصرانية، إضافة إلى ما جاء به r من تشريع قويم مُناقض لما حرّفته كلا من اليهودية والنصرانية، وإضافة إلى ما جاء به r من تعاليم سامية وعبادات هادية ومعجزة باقية (القرآن الكريم) إلى قيام الساعة، وفي ذلك كله برهان على عالمية رسالته r.

ولمزيد من الاستفاضة في هذه النقطة يمكن الرجوع إلى كتاب/ الإله الخالق ما بين تعظيم المسلمين وافتراءات النصارى والكاذبين وإنكار الملحدين.

ويمكن أيضًا بيان عالمية رسالة النبي محمد r، بتوضيح الآتي:

أن النبي محمد r بعد ما آمن الناس بدعوته ورسالته، وقيامه r بتأسيس الدولة الإسلامية على أسس الخير والفضيلة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قام بإرسال الرسائل إلى ملوك وأمراء الدول الخمس المجاورة له، داعيًا إياهم أن يقبلوا الإسلام دينًا من عند الله ربّ العالمين.

ومن هذه الدول التي قام النبي محمد r بإرسال الرسائل إليها: الفرس والروم، وهما أكبر امبراطوريتين في ذلك الوقت، إضافة إلى إرساله r الرسائل إلى ملك مصر، وإلى ملك اليمن، وإلى نجاشي الحبشة.

ثم جاءت الفتوحات الإسلامية لكل من تلك الدول وغيرها بما فيها امبراطوريتي الفرس والروم، وذلك في عهد أصحاب النبي محمد r، ومَن بعدهم، حيث انتشر الإسلام انتشارًا عظيمًا، ولاقى قبولًا واسعًا شمالًا وجنوبًا، شرقًا وغربًا، في آسيا وإفريقيا وأوروبا ودخل الناس فيه أفواجا.

وكل ذلك مما يؤكد ويبرهن على عالمية رسالة النبي محمد r، وأنها للناس كافة في كل مكان وزمان، حيث قد حفظها الله تبارك وتعالى من أهواء ومطامع الحاقدين.

ونُدلّل على مصداقية رسالة النبي محمد r ومن ثم عالميتها بما قد أوحاه إليه ربه تبارك وتعالى:

حيث إن أول آية بفاتحة الكتاب (القرآن الكريم) الذي جاء به النبي محمد r هي: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الفاتحة: 1]، وليست الحمد لله ربّ المسلمين.

أي أن من صفات الإله الذي جاء النبي محمد r يدعوا إلى وحدانيته، أنه جل وعلا ربّ للعالمين، وليس ربًّا لفئة معينة مثلما تدّعي اليهودية (حيث تزعم أن الربّ هو ربّ بني إسرائيل) أو غيرها.

ولو أن محمدًا r كان مُدعيًا للنبوة، مُعلنًا رسالته عنادًا لليهودية أو النصرانية أو غيرهما، لكان من الممكن أن يأتي بدلًا من الآية السابقة بقول: الحمد لله ربّ المسلمين، أو ما شابه ذلك، ولكن حاشاه r.

فالنبي محمد r لم يتكلم إلا بما قد أوحاه إليه ربّه تبارك وتعالى، ولم يكن إعلانه لرسالته عنادًا لليهودية أو النصرانية، أو ما شابه ذلك، وإنما كان إعلانه r لرسالته بتكليف من الله عز وجل له، إعلانًا للحقّ وإظهارًا له، ودحرًا للباطل وإزهاقًا له.

ومن ثم يتبين بجلاء عالمية رسالة النبي محمد r من خلال دعوته إلى وحدانية الإله الخالق، ربّ البشر أجمعين وربّ العالمين، كما أوضحنا ذلك من خلال الآية الكريمة السابقة.

نماذج ممن شهد لهذا النبي الخاتم الأمين محمد r

لقد شهد الكثير والكثير من العلماء الغربيين في شتى المجالات للنبي محمد r، وحيث إنه لا يتسع إدراج هذه الشهادات في هذه النقطة القصيرة، فإننا بمشيئة الله تعالى سوف نوضح فقط بعضًا من هذه الشهادات، للتعرف على جانب من الأسباب التي جعلت مثل هؤلاء الغربيين من أصحاب المكانة والمنزلة في مجتمعاتهم، أن يشهدوا لهذا النبي الخاتم الأمين محمد r، على الرغم من نشأتهم وسط مجتمعات معادية للإسلام.

ونبدأ بـ:

1- ماسيرمان: وهو مُحلل نفسي أمريكي، وأستاذ في جامعة شيكاغوا، إضافة إلى أنه يهودي.

فهو (ماسيرمان) يعطي الأسس التي يبنى عليها اختياره للقائد الأعظم لجميع الأزمنة، وفقًا لرؤيته، وهي:

أ- يجب أن يتوفر في القائد التكوين السليم للقيادة.

ب- يجب أن يوفر القائد نظامًا اجتماعيًا يشعر فيه الناس بالأمن والطمأنينة.

ج- يجب أن يوفر لشعبه مجموعة واحدة من المعتقدات.

ثم يقول بعد شرح لهذه الأسس: «لعل أعظم قائدًا على مر العصور هو محمد (r) الذي جمع الأعمال الثلاثة، وقد فعل موسى (عليه السلام) نفس الشيء بدرجة أقل»([2]).

2- مايكل هارت: وهو مؤرخ وعالم رياضيات.

حيث نجده، يضع النبي محمد r في المرتبة الأولى بكتابه (الخالدون المائة)، وهو كتاب يقوم بتصنيف أكثر الأشخاص تأثيرًا في التاريخ.

3- جون وليم درايو: وهو طبيب، ودكتور في الحقوق.

حيث نجده يقول بكتابه (تاريخ التطور الفكري الأوروبي) في شأن النبي محمد r، مضمونًا: أن النبي محمد r وُلِد في مكة، في جزيرة العرب سنة 569 بعد الميلاد، وبعد سنوات صار الرجل الذي كان أعظم تأثير على الجنس البشري من بين جميع الرجال.

4- الموسوعة البريطانية:

حيث نجدها تكتب عن النبي محمد r:

«أنه الأكثر نجاحًا من بين كل الشخصيات الدينية».

وغير ما ذكرنا الكثير والكثير من شهادات الغرب وغيرهم، لهذا النبي الخاتم الأمين محمد r، الذي جاء بالإسلام هدى ورحمة للعالمين.

ونكتفي بما قد أشرنا إليه في هذه النقطة، وذلك للانتقال بمشيئة الله تعالى إلى نقطة أخرى بخصوص موضوع هذا الكتاب.

الإسلام ونور العلم

لقد شاء الله عز وجل أن يكون خاتم أنبياءه ورسله نبيًّا أميًا، وأن تكون بداية دعوته وسط قومه أميّين، لا يعرف أكثرهم القراءة والكتابة، مع بلاغتهم وفصاحتهم، ونبوغهم في الشعر والنثر وشتى فنون الأدب العربي، فكانت مشيئة الله تعالى وفقًا لعلمه الشمولي وحكمته البالغة سبحانه وتعالى.

فمع أن النبي محمد r كان أميًّا، وبُعث وَسَط أناس أغلبهم أميّين (العرب قبل البعثة) وسَط قوم يسودهم الجهل ويعمّهم الظلام، ولا يعبأ بهم أحد، إلا أنه قد تخرج من مدرسته r العلماء والفقهاء المحدثين...، وتخرج من مدرسته r قادة العالم في شتى المجالات العلمية (فلك ، طب ، هندسة ، جيولوجيا، جغرافيا، تاريخ...)، والقيادية العسكرية، .... إلى غير ذلك.

ولم لا!، وقد كان أول ما أنزله الله تبارك وتعالى عليه r من آيات القرآن الكريم، هو قوله تعالى: ﴿إقرأ...﴾ [سورة الأعلى: 1].

وذلك على الرغم من أميّته r، وعدم معرفته بالقراءة أو الكتابة، مما يؤكد على أن الإسلام هو دين العلم، والنهوض بالأفراد والمجتمعات إلى أعلى مستوى من مستوياته (العلم).

فإذا ما كان أول ما أنزله الله تبارك وتعالى على النبي محمد r، هو الدعوة والحث على العلم، فإن ذلك يعني:

أن نفس هذه الدعوة، والحث على العلم أيضًا لأمته r، حيث إنها تقتدي بنبيها r.

إضافة، إلى أن القرآن الكريم، وهو الكتاب المُنزّل من ربّ العالمين على خاتم الأنبياء والمرسلين محمد r، نجده مُتضمّنًا للكثير والكثير من الحقائق العلمية المُبهرة المُكتشفة حديثًا، في شتى المجالات العلمية (فلك، طب ، جيولوجيا، ...)، والتي لم يكن لأحد أدنى معرفة بها وقت بعثة النبي محمد r وتنزّل القرآن عليه من الله تبارك وتعالى، ليكون هذا الكتاب المُحكم المُبين (القرآن الكريم) شاهدًا على صدق دعوته r ورسالته العالمية، ودعوته إلى العلم النافع في شتى المجالات، وتوظيفه في النهوض والرقيّ بالمجتمعات البشرية إلى أسمى مكانة وأرفع منزلة.

وشاهد ذلك واقعيًا: أن العرب لم يعرفوا الحضارة ولم يعرفوا العلم والنور، إلا بعد اعتناقهم للإسلام دينًا، ورضوا بنبيه (نبي الإسلام) r رسولًا، وبالكتاب المُنزّل عليه (القرآن الكريم) دستورًا ووحيًا من الله تعالى، مهيمنًا على جميع الكتب السابقة.

فالعرب قبل الإسلام، وقبل بعثة النبي محمد r، كانوا في جاهلية مظلمة، وفي تخلف عظيم.

ولنتطرق إلى نموذج آخر غير الإسلام، كي يتبيّن لنا الفارق العظيم بين الإسلام وغيره، في هذا الموضوع الذي نحن بصدده (العلم)، وليكن ذلك النموذج مُتمثل في الكنيسة، التي هي رمز للنصرانية، حيث نجد:

أن الكنيسة كانت عقبة كبيرة في طريق العلم، وشاهد ذلك:

أنها (الكنيسة) كانت عائقًا كبيرًا في التطور الصناعي بأوروبا، طوال فترة تسلطها، وذلك على مدى قرون.

فنجد أن الكنيسة قد أحرقت ما يزيد على 3000 عالمًا من علماء النصارى ممن تلقّوا علومهم في الجامعات الإسلامية لا سيما بالأندلس (وقت ازدهار علم وحضارة المسلمين)، والتي كانت آنذاك مصدرًا للنور والعلم، ومن أبرز هؤلاء العلماء الذين أحرقتهم الكنيسة: جاليليو وبرونوا، .... إلى غير ذلك.

ونجد أن الكنيسة أرادت أن تضاد المعلومة الإسلامية، التي سبق إليها علماء المسلمين، حيث قالوا بأن الأرض كروية، وليست مسطحة كما ادّعى فلاسفة اليونان من قبل، وورثته عنهم (فلاسفة اليونان) الكنيسة، وغير ذلك الكثير والكثير.

لذلك، فإن أوروبا كان يطلق عليها أوروبا المظلمة وقت ونتيجة الحكم الكنسي (حكم الكنيسة) لها، فلم يبدأ عصر التنوير بأوروبا إلا حينما تسارع النصارى إلى جامعات المسلمين لتلقي علومهم، ثم العودة بعد ذلك إلى بلادهم بهذه العلوم المأخوذة من علماء المسلمين.

فإذا كان العرب لم يعرفوا الحضارة إلا بالإسلام، ولم تعرف أوروبا الحضارة إلا من المسلمين، بعد أن نُبِذَت وطُرِحت علوم الكنيسة جانبًا، فعلى أي شيء يدل ذلك؟!

الجواب، الذي لا مرية فيه ولا بديل له، هو: لاشك أن الإسلام هو دين النور والعلم.

فالإسلام يحث على تعلم العلم النافع، داعيًا إلى حسن استغلاله وتوظيفه، نهوضًا ورقيًّا بالمجتمعات إلى أسمى مكانة وأرفع منزلة من الرقيّ والحضارة.

الإسلام وحل المشكلات التي عجزت عن حلها اليهودية والنصرانية،

ومن ثم عالميته

لقد جاء النبي محمد r بالإسلام دينًا ، داعيًا إليه، مشتملًا على الحق، متضمّنًا لكافة أنواع الخير.

ومن الخير الذي جاء به الإسلام: حل جميع المشكلات على اختلاف أنواعها، بما فيها المشكلات التي قد عجزت عن حلّها اليهودية والنصرانية، ونموذج ذلك:

1- حلّ المشكلة العقدية: والتي تتعلق بتأليه النصرانية للمسيح، ومن ثم الاعتقاد بالتقاء الطبيعة الإلهية مع الطبيعة البشرية، والاعتقاد بأن السيدة مريم هو والدة الإله، في حين مناقضة اليهودية تمامًا للنصرانية في الإعتراف بالمسيح، حيث تُكذّب (اليهودية) بنبوته ورسالته (بنبوة ورسالة المسيح)، بل وتنسب أمّه إلى الفجور، ومن ثم فهي تنسب المسيح إلى الولادة بُغية، بطريق غير شرعي.

وفي ظلّ مثل تلك المعتقدات بين الإفراط والتفريط، جاء الإسلام بالقول الحقّ الوسط، الذي لا إفراط فيه ولا تفريط، جاء بالمعتقد الصحيح السليم، الذي تُقرّه الفطر النقية والنفوس الزكية، العقول الرشيدة، ولا تقبل غيره.

فالإسلام قد جاء بالقول الفصل، وهو: أن المسيح عيسى عليه السلام هو عبد الله ورسوله، وأن السيدة مريم العذراء (والدة المسيح) هي الطاهرة العفيفة، وأن حملها بالمسيح عليه السلام، كان بكلمة من الله تعالى (كن فيكون)، وفقًا لعلمه وحكمته سبحانه وتعالى وإرادته ومشيئته، فكما خلق سبحانه وتعالى آدم من غير أب ولا أم، فقد شاء سبحانه وتعالى أن تكون ولادة المسيح من غير أب.

ولقد جاء الإسلام بأن ميلاد المسيح عليه السلام، كان ميلادًا معجزًا، مُؤيّدًا بكلامه (المسيح) في المهد، تبرءةً لأُمّه مما قد نسبته اليهود إليها، وتمهيدًا لرسالته.

وأن الله تعالى قد رفع المسيح عليه السلام إلى السماء، وحال بين صلبه وقتله من أعداءه، ومن ثم فإن الإسلام قد جاء نافيًا تمامًا الادّعاء الذي تزعمه النصرانية، في إهانته وصلبه وتعذيبه وقتله، تكفيرًا لذنوب البشر، حيث إن مثل ذلك المعتقد إنما هو من أحطّ مراتب الكفر، وسبٌ عظيم للذكاء الإنساني.

فالكتاب المقدس للنصرانية، يقول: «عن ابنه (تقصد النصرانية: ابن الإله) الذي صار من نسل داود من جهد الجسد» (رسالة إلى أهل رومية 1 : 3).

وتزيد النصرانية على مثل ذلك المعتقد الفاسد، أن أدخلت في نسل إلهها المزعوم المتجسّد في صورة بشرية، ما ينص كتابها على أنهم أولاد زنا (فارض وزارح ، من ثامار)، مُعتقدة (النصرانية) أن السيدة مريم قد حملت بذلك الإله المتجسد، ومرّت بجميع مراحل الحمل، وأنها عند ولادتها له كانت تصرخ متمخضة ومتوجعة من أجل أن تلد، كما في إنجيل (لوقا 2: 6)

و(يوحنا 12: 2).

ولا شك أن الإسلام قد جاء ناقضًا تمامًا لمثل تلك الافتراءات والأكاذيب على الله تعالى.

ولقد جاء الإسلام نافيًا تمامًا ما تفتريه اليهودية على المسيح عليه السلام، ووالدته السيدة مريم، حيث تزعم اليهودية أن السيدة مريم قد ارتكبت الفاحشة، ومن خلال ذلك جاءت بولدها المسيح، ومن ثم فإن اليهودية لا تؤمن بنبوة المسيح وتكذّب برسالته، وتزعم أن (المسيح) قد صُلب وقتل.

فالإسلام قد جاء مُقرًّا لنبوة ورسالة المسيح عليه السلام، وأنه (المسيح) قد جاء داعيًا إلى وحدانية الله تعالى كشأن سائر الأنبياء والمرسلين، وأنه (المسيح) كان مؤيدًا بكثير من المعجزات الشاهدات على نبوته ورسالته، بما فيها معجزة كلامه في المهد، تبرءة لأُمّه السيدة مريم العذراء، وتمهيدًا لنبوته ورسالته.

ومما سبق يتبيّن لنا عظمة دين الإسلام في حلِّه لأكبر مشكلة في الاعتقاد بين أصحاب الشرائع السماوية، وتوحيده لهم في ظلّ معتقد صحيح سليم تُقرّه الفطر النقية والنفوس الزكيّة والعقول السويّة، وتتوافق وتنسجم معه أشدّ ما يكون التوافق والانسجام.

ولتمام الفائدة، نوضح:

أن الآذان في الإسلام، إعلان بدخول وقت عبادة الصلاة لإقامتها، وفيه يقول المؤذن:

أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدًا رسول الله

والشقّ الأول من الشهادة (أشهد أن لا إله إلا الله) يعني: توحيد الله تعالى في ألوهيته وربوبيته، وأسماءه وصفاته، وأنه لا شريك له في العبادة، وهذا هو الذي جاءت تدعوا إليه جميع الأنبياء والرسل.

والشقّ الثاني من الشهادة (أشهد أن محمدًا رسول الله)، مما يعنيه: استبعاد أن يكون محمد r مشاركًا للإله تعالى في ألوهيته، فيكون ذلك بمثابة التحذير مما قد وقعت فيه النصرانية من تأليه للمسيح وإشراكه للإله في ألوهيته.

ومما يعنيه الشق الثاني في الشهادة أيضًا: أنه لا شريك للنبي محمد r في الاتباع، ومن ثم فعلى الجميع أن يتبع النبي محمد r في هديه وسنته.

ومما سبق يتبيّن لنا شمولية الإسلام وعالميته، وختام رسالة النبي محمد r لجميع الرسالات السابقة.

فتشريع الإسلام للآذان مشتملًا على ما أوضحناه من معان، يكون بمثابة عمل الأنبياء والمرسلين، حيث الدعوة إلى توحيد الله تعالى في ألوهيته وربوبيته وأسماءه وصفاته، وأنه لا شريك له سبحانه وتعالى في العبادة، وذلك على مدار اليوم بأكمله حيث الآذان والإقامة لخمس صلوات متفرقات بالليل والنهار، وفي شتى بقاع الأرض حيث المساجد الكثيرة في مختلف الأقطار والبلدان. فالإسلام هو دين الله عز وجل، الذي قد وعد سبحانه وتعالى بحفظه.

2- حلّ الإسلام لمشكلة العنصرية، والقضاء على الكِبْر.

إننا نجد اليهود يُفضِّلون أنفسهم على غيرهم من البشر في عنصرية عجيبة مقيتة، حيث يُصوّرون أنفسهم بأنهم أبناء الله وأحباؤه بلا أدنى دليل أو برهان، وأن غيرهم قد خُلقوا لخدمتهم، أي أن اليهود يجعلون أنفسهم فوق البشر جميعًا، ويزعمون أنهم شعب الله المختار.

والأعجب من ذلك: أنهم (اليهود) ينسبون تلك العنصرية إلى إلههم، حيث يقولون بأن الربّ هو ربّ بني إسرائيل.

وإذا كان الأمر كذلك مثلما يزعم اليهود، فماذا عن غيرهم من البشر؟!

لا شك، أن الفطر النقية والعقول السويّة لا يمكن أن تقبل أيًّا من تلك الادّعاءات التي يزعمها اليهود.

ونجد أيضًا، أن النصارى ينسبون الألوهية إلى المسيح، وأنه كان متجسدًا في صورة بشرية، في ملامح أشبه ما تكون بشاب انجليزي أو ألماني ، ذي بشرة بيضاء، وعين زرقاء، وشعر أصفر. ... إلى غير ذلك.

ولا شك، أن تلك الصورة (المواصفات) المنسوبة إليها الألوهية، إنما تكون سببًا في نشأة العصنرية، حيث حدوث الفجوة الكبيرة بين الأوروبيين وغيرهم من الأجناس الأخرى التي تنتسب إلى النصرانية، من أصحاب البشرة السمراء أو غيرهم ممن هم على غير تلك المواصفات التي يوصف بها إله النصرانية، المزعوم تجسده في صورة بشرية.

وعلى نقيض اليهودية والنصرانية، فإننا نجد:

أن الإسلام هو الوحيد المتصدّي لمثل تلك المشكلة، مشكلة العنصرية، والتي قد انغمست في وحلها اليهودية والنصرانية وغيرهما.

فالمعيار الذي يُقاس به المرء في الإسلام هو تقواه لله عز وجل، وليس اللون أو الجنس.

ولنتعرف على موجز من كيفية تصدّي الإسلام لمشكلة العنصرية، من خلال التشريع الحكيم، الذي قد جاء به، وليكن أول ما نُشير إليه من هذا التشريع الحكيم:

أ- الصلاة: فالإسلام يوجب على المسلم الإلتقاء 5 مرات في اليوم مع إخوانه من المسلمين في الصلاة بالمسجد، الأبيض مع الأسود، والغني مع الفقير.

فالمسلمون على اختلاف جنسياتهم وتباين ألوانهم ومراتبهم يصطفّون مُتحازين كتفًا لكتف في أثناء الصلاة.

ويكون الاجتماع بين المسلمين على نطاق أوسع في يوم الجمعة، حيث يجتمع المسلمون في صلاة الجمعة بالمساجد الكبيرة الجامعة، على نطاق أوسع وأكبر.

ويجتمع المسلمون في تجمع أوسع وأشمل مرتين في العيدين، حيث يستحب ويستحسن أن تكون صلاة العيدين في الخلاء، مما يُتيح شعورًا أكبر بالأخوة الإسلامية، حيث التجمع الكبير للمسلمين([3]).

ب- الحجّ: وفوق ما أشرنا إليه من تجمع المسلمين على اختلاف جنسياتهم وألوانهم ومراتبهم في الصلاة، اللقاء الأكبر في رحاب الكعبة المشرفة مرة واحدة على الأقل في العمر لمن استطاع إلى ذلك سبيلًا، وهذا هو اللقاء العالمي لكل مسلمي العالم على اختلاف جنسياتهم وألوانهم وأعمارهم ووظائفهم، لا سيما عندما يلبسون ثياب الحج الواحد.

والتساؤل المهم:

هل يوجد مثل هذه المساواة في أي شعيرة أخرى لأي دين آخر؟؟

الجواب: قطعًا، لا.

فالقاعدة الأساسية في المفاضلة بين بني البشر كما أُعلن عنها في كتاب الله عز وجل، هي: التقوى والعمل الصالح، والتخلّق بالأخلاق الكريمة، وحسن التعامل مع الله (آداء حقه جل وعلا) ومع الناس، وليس اللون أو الجنس أو المال([4]).

فهذا هو بلال الحبشي (من الحبشة) ذو البشرة السوداء، يختاره النبي r من بين أصحابه الكرام للقيام بمهمة الآذان، بينما يقف هو r في الإمامة.

فبعد أن كان العرب شديدي التفاخر بالأنساب قبل بعثة النبي محمد r، نجد هذه المساواة العجيبة والمؤاخاة الصادقة بين كل منهم بعد بعثته r، والدخول في دين الله (الإسلام) أفواجا. وهذا هو أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في شأن بلال الحبشي الذي كان من أوائل من أسلموا، وقد كان عبدًا فأعتقه أبو بكر، يقول: أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا.

وأيضًا، نجد أن المسلمين فور وصولهم إلى أرض أسبانيا (الأندلس الإسلامية) أصدروا مرسومًا يُطمئنوا فيه الجميع، ويؤكدوا أن لجميع الرعايا ذوي الأجناس المختلفة تمتعهم بالحريّة دون تمييز بين الأجناس.

مما سبق يتبيّن لنا عالمية الإسلام، فهو المظلّة التي يتساوى تحتها الجميع، فلا فرق بين أبيض وأسود إلا بتقوى الله عز وجل.

فالإسلام يُقرّر مبدأ المساواة ، وأن الناس سواسية، وأنهم خُلقوا جميعًا من نفس واحدة، وأنه لا تفاضل بين الأجناس والأعراق والشعوب إلا بالتقوى والعمل الصالح.

3- قضاء الإسلام على الرِقّ

ونوجز هذه الجزئية في:

أننا نجد، أن في الشريعة اليهودية جُعل جزاء السارق أن يُسترق ويُصبح ملكًا للمسروق، ومن المعلوم أن الكتاب المقدس للنصرانية متضمن لكتاب اليهودية تحت ما يُسمى بالعهد القديم، ولكننا نجد أن الشرعية الإسلامية التي جاءت ناسخة للشرائع السابقة، قيّدت نظام الرقّ وعملت على إلغاءه بالتدريج، ومثال ذلك:

أن جعلت كفّارة بعض الذنوب تحريرًا لرقاب العبيد والإماء، ونموذج ذلك:

قتل المسلم للمسلم عن غير قصد، بحيث يجب على القاتل (عن غير قصد) حينئذ دفع الديّة لأهل المقتول، مع تحرير رقبة، مع بعض التفصيلات من الناحية الفقهية الإسلامية.

ونجد أن الشريعة الإسلامية جعلت عتق العبيد والإماء من أكبر أعمال البرّ التي يأجر الله تعالى عليها أجرًا كبيرًا.

فالشريعة الإسلامة هي الشريعة الخاتمة لجميع الرسالات السابقة، ومن ثم فإنه ولابد أن تكون متكاملة في كل نواحيها، بحيث تلائم مختلف الأزمنة، مع مرورها وتقادمها.

4- قضاء الإسلام على شرب الخمر.

ونوجز الحديث في هذه الجزئية بأن نشير إلى:

أن المسيحية لا تجد غضاضة في شرب المسكرات والخمور، بل إن قديسها (بولس) الذي تُنسب إليه القداسة يدعوا إلى ذلك، وقد أوضحنا ذلك في السابق.

وعلماء النصرانية (المسيحية) يقبلون جميع شواهد كتابهم المقدس الذي يزعمون قدسيته المتعلقة بالمسكرات والخمور باعتبارها كلام الله المعصوم، ومن ثم يتبيّن لنا كيف وصلت تلك الإحصاءات لشاربي الخمور والمسكرات في العالم المسيحي إلى تلك النسبة المفجعة، حيث إن الملايين والملايين من العالم المسيحي من شاربي الخمور ومدمنيها.

بل إننا نجد أن الآلاف والآلاف من القساوسة المسيحيين يدمنون شرب الخمور، لا سيما بعد مشاركتهم في الشعيرة الكنسية التي يدعونها بالعشاء الإلهي أو الربّاني.

ولقد اكتشف العالم الحديث أن المسكرات والخمور والكحوليات تسبب الكثير والكثير من الأمراض الخطيرة والخبيثة، وقد أشرنا إلى ذلك سابقًا.

ومن هنا يتبيّن بطلان كلام قديس النصرانية (بولس)، ومن ثم بطلان الادّعاء بقداسته.

وعلى نقيض ما قد انغمست فيه النصرانية، نجد أن:

الإسلام هو من يُحرم جميع المسكرات والخمور بأنواعها المختلفة، سواءً كانت كثيرة أو قليلة.

ومن ثم تتضح مصداقية الإسلام في تشريعاته الإلهية الحكيمة، والتي قد جاء بها خاتم الأنبياء والرسل محمد r.

5- قضاء الإسلام على الرّبا

فنجد أن الإسلام قضى على تلك المشكلة من جذورها، حيث قام بتحريم الربّا كليّة، سواء كان كثيرًا أم قيلًا، وذلك لما له من أضرار جسيمة فادحة على الأفراد والمجتمعات.

ولذا فقد قرّرت إحدى الدول الكبرى في هذا الزمان انتهاج نهج الشريعة الإسلامية، بأن جعلت نسبته الفائدة صفرًا، لما شاهدته من انهيار في بورصة الكثير من الدول الكبرى بسبب تعاملاتها الربوية.

6- كيفية تعامل الإسلام مع زيادة نسبة مواليد الإناث عن الذكور، وحلّ مشكلة زيادة عدد الزوجات عن الأزواج

ففي حين أن النصرانية تقول بعدم السماح للزوج بأن يتزوج أكثر من امرأة، نجد أن الشريعة الإسلامية قد جاءت بالتشريع الحكيم المتكامل الذي فيه حلّ جميع المشكلات، آخذة في الحسبان المشاكل المستقبلية الناتجة عن زيادة معدل مواليد الإناث عن الذكور، حيث أجازت للرجل أن يتزوج من أربع زوجات، إذا وجد في نفسه القدرة على ذلك، شريطة أن يعدل بينهن، ومن ثم معالجة مشكلة زيادة عدد الزوجات عن الأزواج.

وقد حاولت ألمانيا دراسة شريعة الزواج في الإسلام، لإمكانية الاستفادة منها كعلاج لزيادة عدد النساء عن الرجال إلى حدّ كبير.

ولمزيد من إلقاء الضوء على شريعة تعدد الزوجات في الإسلام، يمكن الرجوع إلى كتاب: تعدد زوجات النبي محمد r كدليل نبوة وصدق رسالة.

وغير ما أشرنا إليه الكثير من المشكلات التي قد عجزت عن حلّها اليهودية والنصرانية، والتي لم يأت بالحلّ الأمثل لها سوى الإسلام.

ونختم هذه النقطة بإلقاء الضوء على ثلاثةٍ من الأمور العظيمة في الإسلام، والتي يتصور الكثير من الغرب عن الإسلام نقيضها، وذلك نتيجة توظيف الحاقدين على الإسلام للوسائل الإعلامية ضدّه، لتشويه صورته والصدّ عنه، وليكن أول ما نبدأ به:

1- رحمة الإسلام في ساحة القتال

لقد كانت أوامر النبي محمد r للمجاهدين واضحة ومحدّدة، فقد أوصاهم r بالإلتزام للآداب الإنسانية، حتى في قتل العدوّ.

فأوصاهم r بعدم التمثيل بجثث القتلى أو تشويهها.

وأوصاهم r بعدم قتل النساء والولدان.

وأوصاهم r بعدم قتل الشيخ الفاني (الكبير في السنّ، الذي لم يُقاتل).

وأوصاهم r بعدم قتل أصحاب الصوامع (الرهبان في الأديرة).

وأوصاهم r بعدم قتل عمّال العدوّ الذين يستخدمهم بالأجر في غير القتال.

كما أمرهم r بعدم الغدر، وعدم الاختلاس من الغنائم([5]).

وتاريخ الجهاد الإسلامي يؤكد ذلك كله، وشاهد عليه.

2- الصفح عند المقدرة

ويتضح ذلك جليًّا عند فتح النبي محمد r لمكة المكرمة، حيث دخلها النبي r في عشرة آلاف مقاتل، وأحاطها، وظنّ أهل مكة آنذاك الهلاك المبين.

وقد كان يحقّ لرسول الله r الثأر من القرية التي عذّبته هو وأتباعه، وأخرجتهم منها، ولكن لم يكن من نبي الرحمة r إلا الرحمة والصفح والعفو عن أهلها([6]).

ومن ثم إقرار هذا المبدأ (الرحمة والصفح والعفو) كمبدأ إسلامي، وأحد تعاليمه السامية.

وبمقارنة هذا المبدأ العظيم (الرحمة والصفح والعفو) في الإسلام، مع مبدأ الأنبياء الفاتحين الوارد ذكرهم في اليهودية والنصرانية، بعدما لوثت الأيدي الخفية سيرتهم([7])، نجد أنهم:

«قد استولوا على مدينة أريحاء، وأبادوا سكانها عن آخرهم، الرجال والنساء والأطفال والشيوخ والبقر والغنم والحمير بحدّ السيف، وأحرقوا ثم أحرقوا المدينة بكل ما فيها» (يشوع 6: 0، 21، 24).

وهذا هو سرّ الهمجية التي يقوم بها مقاتلي اليهود والنصارى تجاه ما سواهما، ومن خالفهما، لا سيما المسلمين العُزّل من أقل ما يُحتاج إليه للقتال، وبخاصة في هذا العصر الحديث الذي قد تطورت فيه الوسائل الحربية بشكل كبير، والحروب الصليبية التي قامت بها النصرانية، ولا تزال، لاجتياح أراضي المسلمين وسرقة ثرواتها دليل ذلك، وأيضًا ما يقوم به اليهود من مذابح جماعية للعُزّل على أرض فلسطين برهان على ذلك.

حيث إنهم (مقاتلي اليهود والنصارى) قد استمدوا تلك الهمجيّة والوحشية من كتبهم التي بين أيديهم، بعد تحريفها والتغيير والتبديل فيها، وفقًا للأهواء وما يتماشى مع مطامعهم وأغراضهم.

3- تسامح الإسلام

فالتسامح هو أحد المبادئ العظيمة للإسلام، لا سيما تجاه أهل الكتاب (اليهود والنصارى)، حيث إنه لا إكراه في الدين.

والتسامح، هو مبدأ إسلامي معروف، فقد أمر الإسلام بحسن معاملة الناس أيًّا كانت عقائدهم، وأمر أتباعه بمجادلة أهل الكتاب (لتبيان الحقّ لهم) ومحاورتهم بالحسنى، ومطالبتهم بالبرهان على صدق دعواهم، فلم يأمر الإسلام بقتال أهل الكتاب حتى يسلموا([8]).

فالإسلام هو الرسالة العالمية للناس كافة.

فقد كانت الرسالات السابقة للإسلام رسائل خاصة لأقوام بعينهم، أما رسالة الإسلام فهي رسالة عالمية للناس كافة، من أجناس وشعوب مختلفة، رسالة عالمية يقبلها أناس ذو مستويات متباينة من العلم والثقافة، رسالة عالمية يفهمها أناس بسطاء وعلماء.

فبينما نجد أسفار اليهودية والنصرانية مليئة بأمثلة وصفية مثيرة للصور الذهنية، لما قد انتابها من تناقضات وتعقيدات، نجد أن الإسلام رسالة عالمية واضحة لا غموض فيها ولا أسرار، رسالة عالمية يسيرة مُيسِّرة، لا تكلِف نفسًا إلا وسعها.

لماذا أسلم هؤلاء ؟

لقد تبيّن لنا مما سبق أن الإسلام هو دين الله عز وجل الذي أرسل به جميع أنبياءه، ورسله للدعوة إليه خاتمًا لهم بمحمد r نبيًا ورسولا، مُنزِّلًا عليه المعجزة الكبرى، ألا وهو كتابه الباقي (القرآن الكريم) مُهيمنًا على جميع الكتب السابقة، فليس بعد نزول القرآن الكريم أي كتاب سماوي آخر.

ولقد امتنّ الله تبارك وتعالى على الكثير والكثير بتوفيقهم وهدايتهم إلى الإسلام دينا، والتصديق بمحمد r نبيًّا ورسولًا، والإيمان بمصداقية القرآن الكريم المُنزّل عليه، وقد أوضحنا ذلك في السابق، فالإسلام هو الأسرع نموًا في العالم وذلك وفقًا للإحصاء العالمي.

وبمشيئة الله تعالى سوف نوضح بعض النماذج من هؤلاء الكثيرين الذين هداهم الله تعالى للإسلام، مُبيِّنين كيف أحسن هؤلاء استخدام وتوظيف ما قد وهبهم الله تعالى من نعمة العقل.

ومن هؤلاء الذين قد أسلموا لله تبارك وتعالى:

1- عالم الرياضيات والمنصّر السابق، الدكتور: جاري ميلر.

يقول: لقد جذبني لهذا الدين وضوح العقيدة، ذلك الوضوح الذي لا أجده في عقيدة سواه.

قصة أسلامة:

لقد أراد جاري ميلر في أحد الأيام أن يقرأ القرآن بقصد أن يجد فيه بعض الأخطاء التي تُعزّز موقفه عند دعوته المسلمين للدخول في النصرانية...، وكان يتوقع أن يجد القرآن كتابًا قديمًا مكتوبًا منذ 14 قرنًا، يتكلّم عن الصحراء وما إلى ذلك، لكنه ذُهل مما وجده فيه، بل اكتشف أن هذا الكتاب يحتوي على أشياء لا توجد في أي كتاب آخر في هذا العالم.

فكان يتوقع أن يجد فيه بعض الأحداث العصيبة التي مرت على النبي محمد r، مثل وفاة زوجته خديجة رضي الله عنها، أو وفاة بناته وأولاده، لكنه لم يجد شيئًا من ذلك، بل الذي جعله في حيرة من أمره:

أنه وجد سورة كاملة في القرآن تُسمّى بسورة مريم، وفيها تشريف لمريم عليها السلام،

لا يوجد مثيله في كتاب النصارى ولا في أناجيلهم.

ولم يجد سورة باسم عائشة زوجة النبي محمد r، أو فاطمة ابنته رضي الله عنهما، وكذلك وجد أن المسيح عيسى عليه السلام ذُكر بالاسم 25 مرّة في القرآن، في حين أن النبي محمد r لم يُذكر إلا في 4 مرات فقط.

مما يُدَلّل على أن هذا القرآن إنما هو وحيٌ من عند الله تبارك وتعالى، وليس اختلاقًا منه، ومن ثمّ مصداقية دعوة ورسالة من أتى به، وهو النبي محمد r، وصدق الإسلام الذي جاء يدعوا إليه.

2- فانسان مونتيه

يقول: إن القرآن الكريم أوضح لي أيضًا فهم التاريخ المسيحي، فالمسيحيون الأوائل لم يكونوا بعيدين عن المفهوم الإسلامي، ولم يكن المسيح إلهًا إلا في مُجمع (نيقية) الذي انعقد سنة 325 للميلاد، وفيه تقرّر بزيادة صوت واحد فقط من المُقترعين أن المسيح إله، ولو نقص هذا الصوت لبقي المسيح في النصرانية بشرًا تمامًا كما يقول الدين الإسلامي الحنيف.

3- محمد أسد (ليوبولد فايس)

يقول: أصابتني الحيرة حين شاهدت صلاة تتضمّن حركات آلية، فسألت الإمام:

هل تعتقد حقًّا أن الله ينتظر منك أن تُظهر إيمانك بتكرار الركوع والسجود؟

ألا يكون من الأفضل أن تنظر إلى داخلك، وتصلّي إلى ربّك بقلبك وأنت ساكن؟

فأجاب: بأي وسيلة تعتقد أننا يمكن أن نعبد الله؟ ألم يخلق الروح والجسد معًا؟

وبما أنه خلقنا جسدًا وروحًا، ألا يجب أن نصلي بالجسد والروح؟

ثم مضى يشرح المعنى من حركات الصلاة، وكان ذلك أول باب لدخوله في الإسلام.

وغير ما ذكرنا الكثير والكثير من الذين أسلموا لله تعالى ربّ العالمين، مُحسنين الاستخدام والتوظيف لما قد وهبهم الله تعالى من نعمة العقل.

ونكتفي بموجز ما أشرنا إليه، على أنه يمكن الاستفاضة في هذه النقطة بالرجوع إلى المكتبة الإسلامية المتخصصة في ذلك.

فالحمد لله تعالى على نعمة الإسلام والهداية والتوفيق، ونسأل الله تعالى أن يشرح صدور عباده أجمعين للإسلام، واتباع خير الأنام، خاتم الأنباء والرسل، محمد r.

مقارنة بين الإسلام والنصرانية واليهودية،

وما توصل إليه العلم الحديث

لقد تبين بجلاء مدى التخبط الذي تقع النصرانية واليهودية، وذلك بعد التقدم المذهل في شتى المجالات العلمية، وبين ما توصل إليه العلم الحديث من حقائق ومعلومات، تتناقض مع الكتاب المقدس للنصرانية وكذلك كتاب اليهودية، في حين توافقها (الحقائق العلمية والمعلومات) مع ما أشار إليه القرآن الكريم وأخبر به، مع سبق (القرآن الكريم) في ذلك منذ أكثر من 1400 عام.

وبمشيئة الله تعالى سوف نوضح جزءً من التناقض الجليّ، بين ما ينص عليه كتاب النصرانية وكذلك كتاب اليهودية، وبين ما شهد به العلم الحديث وأثبته، من خلال نقطتين نكتفي بالإشارة إليها على النحو التالي:

أولًا: عمر الأرض.

فنجد في سفر التكوين أحد أسفار كتاب اليهودية، وكذلك أسفار الكتاب المقدس للنصرانية المتضمن له، (تحت ما يسمى بالعهد القديم) قد نصّ على:

أن الله قد خلق الأرض في اليوم الأول، والشمس في اليوم الرابع، والإنسان في اليوم السادس، وأنه لا فترة زمنية بين عمر الأرض وعمر الإنسان عليها.

ونجد أن المدة الزمنية من خلق آدم إلى ميلاد المسيح باعتبار التوراة العبرانية (4004) سنة، وباعتار التوراة السامرية (4700) سنة، وباعتبار الترجمة اليونانية (5872) سنة.

ويتبيّن ذلك جليًّا من موقع الموسوعة الكاثوليكية، الذي يوضح الاختلافات الزمنية بين نسخ التوراة المختلفة، والمدة الزمنية من لدن آدم وحتى ميلاد المسيح، والتي تقدر بـ (5000) سنة.

وإذا ما أضيف إلى تلك المدة 2000 سنة منذ ولادة المسيح وحتى سنة 2000 ميلادية، يكون عمر الأرض، وعمر الإنسان عليها هو (7000) سنة (لأنه كما أوضحنا، فإنه لا توجد فترة زمنية بين عمر الأرض وعمر الإنسان عليها، وفقًا لما ينص عليه سفر التكوين).

ومن ثم يتبيّن التناقض مع ما قد اكتشفه العلم الحديث، وتوصل إليه، حيث:

إن العمر المقبول للأرض وباقي المجموعة الشمسية هو حوالي 4550 مليون سنة، وليس (7000) سنة كما تزعم النصرانية واليهودية.

ويتبين أيضًا: وجود الفارق الزمني بين خلق الشمس والأرض والإنسان، وأنه ليس كما تدّعي النصرانية واليهودية من عدم وجود ذلك الفارق الزمني.

ثانيًا: شكل الأرض:

ونجد أن الكتاب المقدس للنصرانية (المتضمن لكتاب اليهودية) ينص، واصفًا شكل الأرض، بأن لها 4 أركان أو زوايا، وذلك على النحو الآتي:

أ- «... ويضم مشتتي يهوذا من أربعة أطراف الأرض» (سفر إشعيا 11: 12).

ب- «النهاية قد أزفت على زوايا الأرض الأربع» (سفر حزقيال 7: 2).

ج- «ورأيت بعد ذلك أربعة ملائكة واقفين على زوايا الأرض الأربع» (سفر الرؤيا 7 : 1).

وفي ذلك إشارة إلى: أن الأرض عبارة عن مسطح رباعي، له أربع زوايا، وأربعة أركان.

د- «ثم أخذه أيضًا إلى جبل عالٍ جدًا وأراه جميع ممالك الأرض ومجدها» (متى 4 : 8).

أي أن الشيطان قد أسر المسيح (الإله المتجسد في صورة إنسان، عند النصرانية)، وأخذه على جبل عال ليريه ممالك الأرض.

ومع رفض الفطر النقية والعقول السوية، وعدم قبولها لمثل تلك الافتراءات على الله تعالى، والتي تزعمها النصرانية في النص السابق، نوضح تعارض وتناقض (النص السابق) مع قد اكتشفه العلم الحديث، وتوصل إليه، على النحو الآتي:

فالأرض لا يمكن رؤيتها كاملة، حتى وإن كانت تلك الرؤية من مكان عال، وذلك:

لأن الأرض كروية الشكل، وبمعنى أدق، فإنها بيضاوية الشكل.

ومن ثم، فإنه بفرض قوة الرؤية، والإرتقاء إلى مكان عالي لتسهيل عملية الرؤية، فإن ما يُرى من الأرض ليس بجميع ممالك الأرض، وإنما هو جزء منها، ويبقى أجزاء أخرى منها لا يمكن رؤيتها من نفس ذلك المكان، نظرًا لكرويتها وعدم تسطحها.

ولإتمام الفائدة، نوضح:

أنه إذا ما زعمت النصرانية بأن المقصود من الأربع زوايا للأرض، التي ينص عليها كتابها، هو: الاتجاهات الأربعة، خروجًا من ذلك المأزق، فإنه يُردّ عليها، بأن:

النص الإنجليزي يوضح بجلاء أن المقصود بزوايا الأرض الأربع هو: الأربعة أركان، وليس الاتجاهات، حيث يقول (4 corners) .

وأن الاتجاهات الأربعة قد ذُكرت في فقرة أخرى، وهي: «في الجهات الأربع كان البوابون في الشرق والغرب والشمال والجنوب» (1 أخبار 9 : 24).

توضيح آخر، وهو: أن النص الوارد ذكره في (سفر إشعياء 40: 22)، والذي يقول: «الجالس على كرة الأرض وسكانها كالجندب» إنما هو إشارة قبل أي شيء إلى التحريف البيّن الذي ينال الكتاب المقدس للنصرانية، من خلال التلاعب بالألفاظ، وتغييرها وتبديلها، في أدنى ظهور لأي فرصة، يتم من خلالها ذلك.

حيث إنه بمراجعة الترجمات الأجنبية للنص السابق، يتبيّن أن لفظ (كرة) لا وجود له في التراجم الانجليزية، ولكن ما حدث هو:

أن المترجم العربي أراد إيهام القارئ باحتواء الكتاب المقدس النصرانية على إعجاز علمي، فأضاف كلمة (كرة) لتساير ما تم اكتشافه.

ويشهد لما ذكرنا: أن الترجمة السبعينية، وترجمة الملك جيمس، والترجمة الأمريكية القياسية.

حيث جاء بها بدلا مما يشير إلى لفظ كرة (الذي ابتكره المترجم العربي تلاعبًا بالألفاظ، عند ترجمته)، ما يعني عند ترجمته لفظ (دائرة).

حيث إن المذكور بالانجليزية في تلك الترجمات، هو: (The circle of Earth)، ويعني: دائرة الأرض.

ومن ثم يتبيّن التلاعب والتحريف البيِّن الذي ينال الكتاب المقدس للنصرانية، عند ظهور أي فرصة لذلك، كالتلاعب الحادث في ترجمة (The circle of Earth)، كما أشرنا.

وبمقارنة ما أشرنا إليه، بما قد أوضحه القرآن الكريم (كتاب الإسلام)، وأشار إليه (دون غموض أو تلاعب) من حقائق علمية في شتى المجالات، منذ أكثر من 1400 عام، يتبيَّن كمال مصداقيته، وأنه لا يمكن إلا أن يكون كلام الإله الخالق، الذي لا يعتريه أي خلل أو سوء أو نقصان.

ولتوضيح هذا الجانب من الإعجاز العلمي للقرآن الكريم، نذكر نموذجًا منه، ولكن: نوضح أولًا الإشارة القرآنية الكريمة إلى وصف الأرض التي نحيا عليها بلا أدنى غموض أو التباس، وذلك بموجز من اللفظ ودقة في الوصف.

فالله تبارك وتعالى يقول في كتابه المحكم (القرآن الكريم) واصفًا الأرض بما عليها بعد خلقها:

﴿ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ ....﴾ [سورة الزمر: آية 5].

ومن الآية الكريمة السابقة، يتبين وصف الليل بأنه يُكوَّر على النهار، ووصف النهار بأنه يُكوَّر على الليل.

وفي ذلك إشارة دقيقة إلى وصف الأرض بشكل عام، وهو: كرويتها، لأنه لولا ذلك لما أمكن تكوير الليل على النهار أو تكوير النهار على الليل.

ويقول الله تعالى، في آية أخرى: ﴿ وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا ﴾ [سورة النازعات: آية 30].

وفي هذه الآية الكريمة السابقة، وصف دقيق لشكل الأرض، وذلك باستخدام فريد، لكلمة واحدة، كإعجاز لغوي، قبل أن يكون إعجاز علمي.

حيث إن كلمة (الدحية) تعني: بيضة النعام في لغة العرب.

وهذا يعني أن الله تعالى قد جعل الأرض بيضاوية الشكل، كبيضة النعامة، وهذا هو ما قد اكتشفه العلم الحديث مؤخرًا، وهو: أن الأرض ليست كروية تمامًا، وإنما هي مُفلطحة عند الجانبين، منبعجة (متباعدة الجنبين)، كالدحية (بيضة النعام) تمامًا.

وكما ذكرنا، فإننا بمشيئة الله تعالى، سوف نشير في هذه النقطة إلى نموذج من الإعجاز العلمي للقرآن الكريم، ليكون شاهدًا على مصداقيته، وأن الإسلام هو دين الله الحق، الذي ارتضاه للعالمين.

يقول الله تعالى في كتابه المحكم (القرآن الكريم):

﴿ وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ﴾ [سورة الذاريات: آية 47]

ونوضح الإعجاز العلمي في هذه الآية الكريمة من سياق حديث الدكتور/ زغلول النجار، بتصرف يسير.

فهذه الآية الكريمة السابقة يسمعها العربيّ قديمًا، في زمن الرسول r، ويتفهم معناها بأنه يقول في نفسه (مثلًا) السماء شاسعة الاتساع والذي خلقها بهذا الاتساع، قادر على أن يجعلها أكثر اتساعًا.

وفي مطلع القرن العشرين بدأ العلماء دراسة هذه النجوم (التي بالسماء)، ووسيلة دراسة هذه النجوم يكون عن طريق الضوء القادم من هذه النجوم.

فنحن نستطيع أن نعرف كل شيء عن النجم عن طريق ضوءه، حيث نعرف درجة حرارته، كتلته، درجة لمعانه، تركيبه الكيميائي، سرعة دورانه حول محوره، سرعة دورانه في مداره.

والعلماء أدركوا أن طيف النجم ينحاز إلى الطيف الأحمر، ومن ثم فقد احتار العلماء في تفسير ذلك، هل معنى هذا أن النجوم تتباعد عنا؟!

وإذا كانت تتباعد عن بعضها البعض، فأين تذهب الجاذبية التي تمسك بأطراف النجوم، بإرادة الله سبحانه وتعالى؟

واحتار العلماء لفترة طويلة، حيث ثبت أن الذي يتباعد ليست النجوم في المجرة الواحدة، بل إن المجرات تتباعد عن بعضها البعض بسرعة كبيرة جدًا، وتصل أحيانًا إلى ما يقترب من سرعة الضوء 300 ألف كيلو متر في الثانية.

لذلك، فقد ثبت للعلماء أن من صفات كوننا أنه دائم الاتساع، وهذا هو ما أوضحته الآية الكريمة: ﴿ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ، منذ أكثر من 1400 عام، حيث لم يكن لأحد أدنى معرفة بهذه الحقيقة الكونية.

ومن ثم، فإن الومضة القرآنية المبهرة (بهذه الآية الكريمة، التي نحن بصددها) كإعجاز لغوي وعلمي، شهادة حق على مصداقية القرآن الكريم (الذي جاء به النبي محمد r، داعيًا إلى دين الله الحق – الإسلام-)، وأنه كلام الله تبارك وتعالى الذي قد أوحاه إلى خاتم أنبياء ورسله محمد r .

وغير هذا النموذج الذي قد أشرنا إليه في إيجاز، الكثير والكثير من الإعجازات العلمية في القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة.

ولمزيد من النماذج في هذا الموضوع، يمكن الرجوع إلى:

1- من آيات الإعجاز العلمي في القرآن الكريم (السماء، الأرض، الحيوانات، النباتات) للدكتور/ زغلول النجار.

2- من آيات الإعجاز العلمي في السنة النبوية، للدكتور/ زغلول النجار.

3- موسوعة الإسلام والعلم الحديث، الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، للدكتور/ زغلول النجار.

4- إعجاز القرآن في ما تخفيه الأرحام، أ/ كريم نجيب الأعز.

5- هيئة الإعجاز العلمي بمكة المكرمة.

يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء

الكلمة السواء التي يدعوا إليها الإسلام، وفقًا لقول الله تعالى:

﴿ قُلْ يَا أَهْل الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ ﴾ [آل عمران: 64]

إن الدين الإسلامي الحنيف يدعوا أهل الكتاب من اليهود والنصارى، أن يتفقوا مع المسلمين على الكلمة التي قد اتفق عليها الأنبياء والمرسلين، والتي لم يخالفها إلا المعاندون والضالّون، وهي (الكلمة التي يدعوا الإسلام إلى الاتفاق عليها) ليست مختصة بأحد دون آخر، ولكنها مشتركة بين الجميع من المسلمين وأهل الكتاب من اليهود والنصارى، وهذا من العدل في المقال والإنصاف في الجدال([9])، وهذه الكلمة متمثلة في:

1- إفراد الله تعالى وحده بالعبادة، ومن ثم تخصيصه سبحانه وتعالى بالحبّ له، والخوف والرجاء منه.

2- ألا نشرك بالله تعالى شيئًا، فلا نعبد ولا ندعوا سواه، ولا نلجأ إلا إليه، فلا يُصرَف الدعاء أو العبادة لغيره جل وعلا، وإن كان نبيًّا أو وليًّا أو صنمًا أو وثنًا أو حيوانًا أو جمادًا، إلى ما شابه ذلك.

3- ألا تكون الطاعة إلا لله تعالى ولأنبياءه ورسله، لأنهم (الأنبياء والرسل) هم المُبلّغين عن الله سبحانه وتعالى لخلقه من الإنس والجنّ، فالرسل إنما هم من البشر، وأما الجنّ فيكون منهم منذرين إلى قومهم تبعًا لما جاءت به الرسل.

4- ألا نطيع المخلوقين في معصية الإله تعالى الخالق، لأن ذلك يجعل مثل هؤلاء المطاعون في معصية الله تعالى، في منزلة الربوبية التي لا يتصف ولا يختص بها سوى الله تبارك وتعالى.

وإذا ما اتفق أهل الكتاب من اليهود والنصارى على هذه الكلمة الزكيّة التقيّة العَدْل، والتي هل محل اتفاق بين الجميع، وتجرّدوا من الأهواء والأحقاد، والعصبيات والحميّات لتلك المكتسبات الدخيلة على الفطرة من عقائد المجتمعات التي قد نشأوا فيها، وإذا ما صدقت نياتهم، وأخلصوا وجههم لله تعالى، متبعين لأنبياءه ورسله، لقادهم ذلك إلى الاتفاق مع المسلمين على:

الإيمان بما جاء به خاتم الأنبياء والمرسلين من توحيد كامل وشامل لله سبحانه وتعالى، وعقيدة صافية، وتشريع قويم، وعبادات هادية، ومعاملات كريمة، وأخلاق رفيعة، ومن ثم الإيمان به r كخاتم لأنبياء الله تعالى ورسله، والإيمان بالكتاب الذي أُنزل عليه r، وهو القرآن الكريم، مهيمنًا على جميع الكتب السابقة، والذي قد حفظه الله تعالى من أيدي العابثين، والذي قد أوضحنا جانبًا من مصداقيته التامّة بإيجاز في إحدى النقاط السابقة.

فالإسلام هو دين الله عز وجل الذي لا يقبل سواه، وفقًا لقوله تعالى:

﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾

[سورة آل عمران: 85].

والإسلام بإيجاز يعني: الاستسلام التام لله جل وعلا، ومن ثم الإيمان بجميع أنبياءه ورسله، فيكون الإيمان بنبي الله موسى عليه السلام، والإيمان بنبي الله المسيح عليه السلام، والإيمان بخاتم أنبياء الله ورسله محمد r.

الاختيار بين الإسلام والنصرانية (المسيحية) واليهودية

لقد امتنّ الله تبارك وتعالى علينا بنعمة العقل، وبه فضل الإنسان على غيره من كثير من المخلوقات، في اختبارٍ من الله عز وجل في كيفية استخدامنا لهذه النعمة العظيمة، فهل نحسن استخدامها وتوظيفها فيما يرتضيه سبحانه وتعالى، ومن ثم الفوز بثوابه ونعيمه، أم نُسئ استخدامها ، ومن ثم توظيفها فيما يُسخطه جل وعلا ويُوجب عقابه وعذابه؟

تمامًا كغيرها (كغير نعمة العقل) التي أنعم الله سبحانه وتعالى علينا بها، من صحة في أجسادنا، ومال رزقنا الله تعالى إياه، وأَمْن من كثير من المهلكات في تلك الدنيا التي نحياها، وأوقات فراغ بين الحين والحين، ... إلى غير ذلك من النعم، هل نُحسن استخدامها وتوظيفها في طاعته تبارك وتعالى، أم نُسيء استخدامها ومن ثم توظيفها في معصيته جلّ وعلا؟

لذلك، فإننا مسئولون عن هذه النعمة العظيمة (نعمة العقل، التي منحنا الله تبارك وتعالى إياها، هل أحسنّا استخدامها وتوظيفها في التعرف على الحق واتباعه، تجرّدا من الأهواء والعصبيات والحميّات، أم لا؟

وقبل أن نشير إلى كيفية استخدام العقل وتوظيفه فيما يتعلق بموضوعنا، وهو الاختيار بين الإسلام والنصرانية (المسيحية) واليهودية، نوضح:

أن الإسلام هو دين الله عز وجل الذي أرسل به جميع أنبياءه ورسله، وإن اختلفت الشرائع كالنصرانية واليهودية وغيرهما، فالإسلام يعني الاستسلام والخضوع التام للقلب والجوارح لله سبحانه وتعالى، والذي يتمثل في: الاتباع لأوامره، والاجتناب لنواهيه، والاحتكام إلى شرعه، والرضا به .... وهكذا، وكل ذلك مع الحب التامّ لله تبارك وتعالى، ولم لا!! وهو الإله الخالق من العدم، الواهب لجميع النعم، الأحد الذي ليس له شريك في ألوهيته، ولذلك فهو المستحق وحده بالعبادة، والاستسلام والخضوع التام له جل وعلا.

ومن رحمة الله تعالى بنا أن بعث إلينا الأنبياء والرسل، مؤيدين منه تبارك وتعالى بما يشهد بصدق دعوتهم ورسالتهم من أجل إيضاح وتبيان الحقّ لنا، والذي هو بمثابة موضع هجوم من أهل الباطل عليه على الدوام.

ولذلك، كان من حكمة الله تعالى أن يبعث الأنبياء عقب الأنبياء مؤيدين منه تبارك وتعالى بالمعجزات والخوارج، لدعوة الناس وهدايتهم إليه تبارك وتعالى، وتحذيرهم من الإنحراف عن صراط الله المستقيم إلى سُبل أهل الزيغ والضلال، تبعًا لسوء استخدام وتوظيف العقول، وانقيادًا واتباعًا خلف الأهواء والشهوات.

ومن ثم فإنه يلزم الناس الإيمان بأنبياء الله تعالى ورسله إذا ما تبيّن صدق دعوتهم، الموافقة للفطر النقيّة والنفوس الزكيّة والعقول السويّة، مؤيِّدة بالمعجزة التي قد اختارها الله تعالى لكل منهم، وفقًا لحكمته ومشيئته.

ولا يجوز لأحد أن يُكذّب برسالة أي نبي من الأنبياء، حتى وإن كان قد آمن بسائر الأنبياء الذين من قبله أو بعده.

فالأنبياء دينهم واحد، وما أتوا إلا بدين واحد، وهو الإسلام، وإن اختلفت الشرائع التي قد بُعثوا بها إلى أقوامهم، وفقًا لمشيئته الله تعالى وإرادته وحكمته.

ولكن إذا ما أُرسل نبيين من الله تعالى، نبي إثر (عقب) نبي، على فترة من الزمن وليكن نموذج ذلك نبي الله موسى ونبي الله المسيح عليهما السلام، بأن أرسل الله تعالى نبيه موسى منزّلًا عليه التوراة، ثم بعد فترة كبيرة من الزمن أرسل نبيّه المسيح عيسى منزِّلًا عليه الإنجيل، وكان الناس خلال هذه الفترة الكبيرة بين رسالة موسى وبين رسالة المسيح، يتبعون شريعة نبي الله موسى

عليه السلام، حيث لم تأت رسالة المسيح بعد، ثم جاءت رسالة المسيح عليه السلام وفقًا لمراد الله تعالى وعلمه وحكمته، فإنه يلزم الجميع الإتباع للشريعة التي قد جاء بها المسيح، ولا يجوز لأحد رفض الإتباع للشريعة التي قد جاء بها المسيح بزعم اتباعه للشريعة التي جاء بها موسى.

وإذا ما كان حكم ما بالشريعة التي جاء بها المسيح مُغاير لحكم سابق في الشريعة التي جاء بها موسى، فإنه يكون ناسخًا لذلك الحكم السابق، ومن ثم فإنه يلزم الجميع الاتباع لهذه الشريعة التي جاء بها نبي الله المسيح، والناسخة لما قبلها، إلى أن تأتي شريعة أخرى بعدها.

وننوه إلى: أنه من المعلوم أن المسيح لم يرسل إلا لقوم بني إسرائيل، وذلك ثابت أيضًا في الكتاب المقدس للنصرانية، حيث تنسب (النصرانية) إلى المسيح قوله:

«لم أُرسل إلا لخراف بيت إسرائيل الضالّة» (إنجيل متى 15 : 22 – 26).

وتبعًا لما قد أوضحنا، فإنه بعد فترة أيضًا من الزمان قد جاءت رسالة النبي محمد r من الله تعالى، متضمنة لشريعة ناسخة لما قبلها، مُنزِّلًا سبحانه وتعالى عليه القرآن الكريم، وفقًا لمشيئته جلّ وعلا وعلمه وحكمته، بعد التحريف والتبديل والتغيير الذي قد نال كلا من التوراة التي جاء بها موسى، والإنجيل الذي جاء به المسيح عليهما السلام.

لذلك، فإنه يلزم كلا من اليهود والنصارى الاتباع للشريعة التي قد جاء بها النبي محمد r من الله تعالى.

فلا يجوز ليهودي رفض الشريعة التي قد جاء بها المسيح عليه السلام بزعم الاتباع للشريعة التي قد جاء بها موسى عليه السلام.

وكذلك فلا يجوز لنصراني رفض الشريعة التي قد جاء بها النبي محمد r بزعم الاتباع للشريعة التي جاء بها المسيح عليه السلام.

ومن ثم فإنه لا يجوز ليهودي رفض الشريعة التي قد جاء بها النبي محمد r بزعم الاتباع للشريعة التي جاء بها موسى عليه السلام أو حتى الاتباع للشريعة التي جاء بها المسيح عليه السلام.

وبما أن رسالة النبي محمد r عامة، للناس كافّة في كل مكان وإلى قيام الساعة، فإنه يلزم الجميع الإتباع للشريعة التي قد جاء بها r من الله عز وجل، والتصديق بدعوته، والإيمان بالكتاب الذي أُنزل عليه (القرآن الكريم) محفوظ من الله تعالى كمعجزة باقية إلى قيام الساعة، مهيمنًا على جميع الكتب السابقة.

وننوه إلى: أن التكذيب بنبي أو رسول واحد من أنبياء الله تعالى ورسله، بعدما يتبيّن صدق دعوته المُوافِقة للفطر النقية والنفوس الزكيّة والعقول السويّة، والمُؤيدة بالمعجزة الربّانية، يكون خروجًا بالكليّة عن الإسلام، الذي أوضحنا أنه دين الله عز وجل، والذي جاءت به جميع الأنبياء والمرسلين، وإن اختلفت الشرائع التي بعثوا بها.

ومن ثم فإن ذلك التكذيب يكون مُوجِبًا لعقاب الله عز وجل والخلود في عذابه.

ولتوضيح ذلك، نفترض مثالًا:

أنه إذا آمن شخص ما بالنبي محمد r ثم قال لا أؤمن بنبوة المسيح (مثلًا)، فإن ذلك الشخص بذلك يخرج كليّة عن دائرة الإسلام، ولا ينفعه الإيمان بالنبي محمد r، لأنه يلزمه الإيمان بجميع أنبياء الله ورسله، وألا يُكذِّب أحدًا منهم.

وما دام أن ذلك الشخص (الذي افترضناه مثلًا) قد آمن بالنبي محمد r، وبالكتاب الذي أُنزل عليه (القرآن الكريم) فإنه يلزمه الإيمان بنبوة المسيح عليه السلام، لأن القرآن الكريم قد أثبت هذه النبوة للمسيح، وكذلك لموسى عليهما السلام.

وموجز ذلك: أن ذلك الشخص (الذي افترضناه مثلا) يلزمه الإيمان بنبوة ورسالة كل من أقرّ لهم القرآن الكريم النبوة والرسالة، لأن تكذيب نبوة أو رسالة أحدهم يُعدّ تكذيبًا للقرآن الذي قد أثبت النبوة والرسالة لهم.

وبالمثل، فإنه إذا آمن يهودي بموسى عليه السلام، ثم قال لا أؤمن بنبوة المسيح أو نبوة محمد، فإن إيمانه بنبوة موسى لا ينفعه بشيء، ومن ثم يصير بذلك مستحقًا لعقاب الله عز وجل، والخلود في عذابه.

وأيضًا، إذا آمن شخص نصراني بالمسيح عليه السلام، ثم قال ولكني لا أؤمن بنبوة محمد أو بنبوة فلان (غيره r من الأنبياء)، فإن إيمانه بنبوة المسيح لا ينفعه بشيء، ومن ثم يصير بذلك مستحقًا لعقاب الله عز وجل، والخلود في عذابه، فالإيمان لا يتجزأ.

ولتمام الفائدة: فإنه يُقاس على ذلك الذي أشرنا إليه، الإيمان بالملائكة، فلا يجوز التكذيب ولو بملك واحد من الملائكة، ما دام قد أثبتت له الكتب السماوية المنزّلة على الأنبياء والرسل هذه الصفة.

ويقاس على ذلك أيضاً: أنه يلزم الجميع بالله تعالى ووحدانيته، والإيمان بملائكته، والإيمان بأنبياءه ورسله، والإيمان بالكتب السماوية المُنزّلة على الأنبياء والرسل، والإيمان باليوم الآخر (يوم الحساب)، والإيمان بالقدر (أن كل ما يحدث إنما هو بقدر الله تعالى وإرادته وفقاً لحكمته مَعلُوم لله تعالى قبل حدوثه)، فلا يجوز التكذيب بأيٍ ممّا ذكرنا، وإلا خرج ذلك الإنسان المُكذّب (ولو بواحدة مما ذكرنا) عن دائرة الإيمان ومن ثم الإسلام الذي يوجب عليه الإيمان بما قد ذكرنا، ومن ثم صار ذلك التكذيب موجبًا لعقاب الله عز وجل، والخلود في عذابه.

ومما ذكرنا، يتضح: أن الإسلام الذي جاء به النبي محمد r هو دين الله عز وجل، الذي جاءت به أيضًا جميع الأنبياء والمرسلين، ومن ثم فإنه لا يُقبل سواه.

ويتضح أن رسالة النبي محمد r هي أعمّ وأشمل من رسالة المسيح ورسالة موسى عليهما السلام، إذ أن رسالة نبي الله موسى ونبي الله المسيح عليهما السلام، لم تكونا إلا لبني إسرائيل، في حين أن رسالة النبي محمد r إنما هي للبشرية كافة في كل مكان وإلى قيام الساعة، ومعجزة القرآن الكريم الباقية الخالدة برهان ذلك.

ويتضح أن الشريعة التي جاء بها النبي محمد r ناسخة لما قبلها، بحيث يلزم الجميع الاتباع لها.

ولتمام الفائدة، نوجز بعض من أسباب الاختيار للإسلام دينًا، ومن ثم اختيار رسالة النبي محمد r على كل من النصرانية واليهودية، على النحو الآتي:

1- أن الإسلام هو دين الله عز وجل الذي جاء يدعوا إليه جميع الأنبياء والمرسلين.

2- أن بالإسلام يكون الإيمان بجميع أنبياء الله ورسله، ومن بينهم نبي الله موسى، ونبي الله المسيح عليهما السلام، ويكون الإيمان بآخرهم وخاتمهم نبي الله محمد r.

3- أن بالإسلام يكون الإيمان بجميع الكتب السماوية المُنزّلة على أنبياء الله ورسله، ومن بينها التوراة التي أُنزلت على نبي الله موسى عليه السلام، وذلك قبل تحريفها وضياعها، ويكون الإيمان بالإنجيل الذي أُنزل على نبي الله المسيح عليه السلام، وذلك قبل تحريفه وضياعه، وكذلك يكون الإيمان بالقرآن الكريم، الذي هو آخر الكتب السماوية والمهيمن عليها جميعًا، والذي قد أُنزل على النبي محمد r.

4- أن بالإسلام يكون الإيمان بجميع الشرائع السابقة التي قد جاء بها النبيون والمرسلون، ومن بينها الشريعة التي جاء بها نبي الله موسى وأيضًا التي جاء بها نبي الله المسيح عيسى عليهما السلام، وكذلك يكون الإيمان بالشريعة الخاتمة، ومن ثم الناسخة لما قبلها، والتي قد جاء بها النبي محمد r.

5- أن بالإسلام يكون الإيمان برسالة النبي محمد r، وذلك يعني الإيمان برسالة نبي الله موسى وكذلك رسالة نبي الله المسيح عليهما السلام، وغيرهما من الأنبياء، ولكن الاختيار للنصرانية على رسالة الإسلام، يعني التكذيب برسالة النبي محمد r، والاختيار لليهودية على رسالة الإسلام يعني التكذيب برسالة النبي محمد r وكذلك برسالة المسيح عليه السلام، ولا شك أن التكذيب ولو برسالة نبي واحد فقط يُعدّ كفرًا، لأنه يلزم الإيمان والتصديق بجميع الأنبياء ورسالاتهم.

6- أنه قد تضافرت الشواهد والدلائل الدامغة، والبراهين القاطعة على نبوة النبي محمد r والتصديق برسالته أكثر من أي نبي آخر، وللاستفاضة في هذا الموضوع يمكن الرجوع إلى كتاب: محمد رسول الله حقا وصدقا.

ونشير إلى هذه النقطة بموجز على النحو الآتي:

أ- فالنبي محمد r قد جاء بالمعتقد السليم الصافي، الذي لا شائبة فيه ولا عكرات، والذي يتوافق مع الفطر النقية والنفوس الزكية والعقول السوية، من الوحدانية الكاملة المطلقة لله تعالى، والإيمان بكمال عظمته وطلاقة قدرته جل وعلا، والإيمان بملائكته وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره ..... إلى غير ذلك.

ب- ولقد جاء r داعيًا إلى الإيمان بنبوة المسيح عليه السلام والتصديق برسالته على الرغم من تكذيب اليهود له (للمسيح) وسبِّه، وسب والدته السيدة مريم.

ج- ولقد جاء r بتبرءة المسيح عليه السلام من تهمة ادّعاءه للألوهية، تلك المنزلة التي رفعها إليه الُغلاة من أصحاب العقول المريضة الفاسدة، حيث لا يمكن أن يوصف بالألوهية سوى الإله الخالق، وهو الله سبحانه وتعالى.

د- ولقد جاء r بتبرءة السيدة مريم مما قد نسبته اليهودية إليها، من ارتكابٍ للفاحشة والرذيلة، ليس هذا فحسب، بل جاء r بتكريمها، والشهادة بتقواها وعفافها.

هـ- ولقد جاء r بإقرار وإثبات الميلاد المعجز للمسيح عليه السلام من غير أب، وإقرار وإثبات معجزة كلامه (المسيح) في المهد، تبرءة لأمه (السيدة مريم)، وتمهيدًا لنبوته ورسالته.

و- ولقد جاء r بالدعوة إلى العبادات الهادية، والتشاريع القويمة، والمعاملات الكريمة، والأخلاق الرفيعة والتعاليم السامية .... إلى غير ذلك.

ي- ولقد جاء r بالكثير والكثير من المعجزات والخوارق التي تشهد بمصداقية دعوته، وصدق دعوته ورسالته، وفي مقدمتها معجزة القرآن الكريم، وهي المعجزة الباقية إلى قيام الساعة، شاهدة بعالمية رسالته r، وختامها لجميع الرسالات السابقة.

7- مصداقية القرآن الكريم التي قد بيّناها بجلاء، وفقدان غيره (من التوراة التي بين أيدي اليهود اليوم، والكتاب المقدس للنصرانية) لهذه المصداقية، بعد التغيير والتبديل، والإضافات والتحريفات، التي نالت منهما، وقد أشرنا إلى بعض من البراهين القاطعة على ذلك.

8- الشريعة القويمة السمحاء التي قد جاء بها النبي محمد r، والتي تُقرّها الفطر النقية، وتقبلها العقول الرشيدة، ومن ثم فلا يمكن لأي من شريعة اليهودية أو النصرانية اليوم بعدما طرأ عليها من التغيير والتحريف أن تُقارنا بها (شريعة الإسلام، القويمة السمحاء).

ولقد أوضحنا في بعض من النقاط نماذجًا لمثل تلك التشريعات في اليهودية والنصرانية، والتي لا يمكن لعاقل سليم الفطرة أن يتقبلها على أنها وحي من الله عز وجل.

وغير ما اشرنا إليه الكثير من أسباب اختيار الإسلام على كل من اليهوديةوالنصرانية، وغيرهما، ولكن نختم بهذا السبب (من كتاب إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان)، هو:

9- أنه لا يكن البتة أن تؤمن اليهودية بنبوة موسى عليه السلام إن لم تؤمن بنبوة محمد r، ولا يمكن البتة أن تؤمن النصرانية بالمسيح عليه السلام إلا بعد إقرارها بنبوة محمد r([10]).

حيث يُقال لكل من اليهودوالنصارى: أنتم لم تشاهدوا هذين الرسولين موسى والمسيح عليهما السلام، ولا شاهدتم آياتهما ومعجزاتهما وبراهين نبوتهما، ثم نقوم بتخصيص سؤال لكلتا الأمتين (اليهود والنصارى)، وهو:

بأي شيء عرفتم نبوة موسى عليه السلام وصدقه، وأنتم لم تشاهدوا معجزاته وبراهين نبوته؟

الجواب الأول: أن يقولوا آباؤنا أخبرونا بذلك.

فنقول لهم: ومن أين علمتم صدقهم فيما أخبروكم به؟

فيلجأوا للجواب الثاني، وهو: أن يقولوا التواتر وشهادات الناقلين بمعجزاته وآياته، والبراهين التي جاء بها حقّق ذلك عندنا.

وبالمثل يكون التساؤل موجهًا لأمة النصارى، وهو:

بأي شيء عرفتم المسيح عليه السلام وصدقه، وآمنتم به وأنتم لم تشاهدوا معجزاته وآياته؟

فيكون الردّ أيضًا: أحد الجوابين السابقين.

الجواب الأول: أن يقولوا آباؤنا أخبرونا بذلك.

فنقول لهم: ومن أين علمتم صدقهم فيما أخبروكم به؟

فيلجأوا إلى الجواب الثاني، وهو: أن يقولوا التواتر وشهادات الناقلين بمعجزاته وآياته، والبراهين التي جاء بها حقّق ذلك عندنا.

فنقول لهم:

إذًا يلزمكم الإيمان بأن محمدًا r الذي جاء داعيًا إلى الإسلام، هو رسول الله حقًّا وصدقًا، لأن من المعلوم أن الناقلين لمعجزات محمد r، وآياته وبراهين نبوته أضعاف أضعافكم بكثير([11])، ولأن الله عز وجل جمع له r بين نوعيّ المعجزات، المعنوية والحسيّة، فما أعطى الله نبيًّا شيئًا إلا وأعطى خاتم أنبياءه وسله محمدًا r ما هو أكثر منه، لا سيما وأن الرسالة التي قد جاء بها النبي محمد r هي الرسالة العالمية الخاتمة.

ولما أشرنا، فإنه لا يسع المرء سوى اختيار الإسلام وقبوله دينًا، ومن ثم الإيمان بمحمد r، نبي الإسلام، ورسالته العالمية الخاتمة، والإيمان بالكتاب الذي أنزله الله تبارك وتعالى عليه، ألا وهو القرآن الكريم، المحفوظ من الإله الخالق العظيم، ربّ العالمين.

([1]) محمد صلى الله عليه وسلم الخليفة الطبيعي لعيسى عليه السلام، بتصرف، للشيخ/ أحمد ديدات.

([2]) محمد صلى الله عليه وسلم الأعظم، للشيخ/ أحمد ديدات.

([3]) محمد صلى الله عليه وسلم الخليفة الطبيعي لعيسى عليه السلام، للشيخ/ أحمد ديدات، بتصرف يسير.

([4]) نفس المصدر السابق.

([5]) العنصرية، للشيخ/ أحمد ديدات، بتصرف يسير.

([6]) نفس المصدر السابق.

([7]) نفس المصدر السابق.

([8]) العنصرية، للشيخ/ أحمد ديدات.

([9]) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، للشيخ/ عبد الرحمن السعدي.

([10]) إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان، للعلامة/ ابن قيم الجوزية.

([11]) إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان، للعلامة/ بن القيم الجوزية.