اللغة العربية - الكفاف - 5

القراءة (من أحكامها)

¨ قاعدة كلية لا تتخلف: لا يُبدأ في العربية بساكن، ولا يوقَف على متحرِّك. فما كان متحرك الآخر كنحو: [شربَ - يشربُ - لن يشربَ - كيفَ - أينَ] تُسكِّن آخرَه إذا وقفتَ عليه، فتقول: [شربْ - يشربْ - لن يشربْ - كيفْ - أينْ] وهكذا...

¨ الهاء في آخر الكلمة، تُمَدّ في حالة واحدة، وذلك إذا سبقها متحركٌ ولاقاها متحرك. وعلى ذلك تقول عن خالد مثلاً: [لَهُو عِلْمٌ]. ولا تمدّ في غير هذا، بل تقول مثلاً: [لَهُ اْلفضل، وجاءني منْهُ كتابٌ](1).

¨ تُلفظ التاء المربوطة هاءً عند الوقف، يقال مثلاً: [قطف حمزةُ وفاطمةُ ثمرةَ العلم]، فإذا وقفتَ على تاءات هذه العبارة، لفظتها هاءاتٍ فقلت: [حمزهْ - فاطمهْ - ثمرهْ].

¨ هاء السكت هاءٌ ساكنة تُزاد في آخر الكلمة، إذا وُقِف عليها. وتَرِد زيادتها هذه في حالات أكثرُها لا يستعمل اليوم، ويندر أن ترى ذلك حتى في النصوص القديمة - ولكنْ هاهنا حالة من تلك الحالات تجب زيادتها فيها، نوردها لك فيما يلي، لتنجوَ بنفسك من الوقوع في خطأ الاستعمال:

الفعل المعتل الآخر، نحو: مشى - دعا - خشي، يجوز عند الوقف أن تزاد هاء السكت في آخر أمره، ومضارعه المجزوم، لما يعتريه من الحذف بسبب البناء والجزم. فيقال مثلاً: [اِمْشِهْ - لم تمشِه. اُدعُهْ - لم تدعُهْ. اِخشَهْ - لم تخشَهْ] ولكنّ زيادة هذه الهاء تصبح واجبةً في فعل الأمر، إذا آل الحذف إلى بقاء حرف واحد منه، نحو: [نفسك قِهْ] و[بعهدك فِهْ].

¨ إذا جُرَّت [ما] الاستفهامية، بحرف جرّ، وجب حذف ألفها، فيقال: [عمَّ - فيمَ - حتّامَ - إلامَ - علامَ].

¨ ضمير المتكلم [أنا]، تُحذف الألف لفظاً من آخره. تَكتُب مثلاً: [أنا عربيّ] وتَلفظ: [أنَ عربيّ](2).

¨ إذا وُصِف العَلَم بكلمة [ابن]، امتنع تنوينه. ولذلك يقال مثلاً: [سافر خالدُ ابنُ محمد].

¨ إذا التقى ساكنان وجب التخلص من التقائهما، بحذف الأول أو تحريكه. (انظر التقاء الساكنين).

(87/1)

* * *

1- لا التفات هنا إلى ما يجاز في الشعر، فقد يتخطّى الشاعر أحياناً هذه القاعدة، فيمدّ في غير موضع المدّ - أي حيث لا يسبق الهاءَ متحرك - فيقول مثلاً: [لنا منْهو كِتابٌ كلَّ عامٍ]، ولو كان الكلام نثراً لقيل: [لنا منهُ كتاب] بغير مدّ، على المنهاج.

2- يتخطى الشاعر أحياناً هذه القاعدة، فيلفظ الألف.

(87/2)

الصفة المشبهة(1)

الصفة المشبهة: هي اسم يُشتَق من الفعل الثلاثي اللازم، للدلالة على صفة، يغلِب في كثير من الأحوال(2) أن تتطاول مع الزمن وتستمر، نحو: [أخضر - سكران - عطشان - فَرِح...]، وقد تدل أحياناً على صفة دائمة، نحو: [أعرج - أعمى - قصير - طويل...].

صيغها: لها صيغة قياسية واحدة هي: (أفعل)، ومؤنثها (فعلاء) تدل على لون أو حلية، فاللون نحو: [أبيض - أسود - أحمر...]، والحلية نحو: [أعرج - أكحل - أحمق...].

وأما صيغها الأخرى فكثيرة، دونك أشهرها:

فَعْلان

ومؤنثها

فَعْلى:

سكران - شبعان - عطشان...

فَعِل

ومؤنثها

فَعِلَة:

تعِب - مرِح - قلِق...

فَعِيل

ومؤنثها

فَعِيلَة:

كريم - جميل - بخيل...

الأحكام:

ليس للصفة المشبهة إعراب خاصّ، فهي تعرب على حسب موقعها من الكلام. غير أن الاسم بعدها قد يكون فاعلاً لها، نحو: [خالدٌ جميلٌ وجهُه]. (وجهُه: فاعل)، أو مضافاً إليه، نحو: [خالدٌ جميلُ الوجهِ]، (الوجهِ: مضاف إليه). أو تمييزاً، نحو: [خالدٌ جميلٌ وجهاً]، (وجهاً: تمييز).

* * *

شاهدان فصيحان من الصفة المشبهة، ثم ثلاثة أمثلة:

1- الشاهدان:

· قالت الشاعرة الخرنق بنت هفان من بني قيس:

لا يَبْعَدَنْ قومي الذين هُمُ سَمُّ العُداةِ وآفَةُ الجُزْرِ

النازِلُونَ بكلّ مُعْتَرَكٍ والطَّيِّبُونَ مَعاقِدَ الأُزْرِ

[لا يبعدن: لا يهلكن؛ تدعو لقومها ألاّ يهلكوا. وسَمّ العداة: تريد أنهم يقضون على أعدائهم قضاء السمّ. والجُزْر: الإبل، جمع جزور، وهم آفتها لكثرة ما ينحرون منها للأضياف. والطيبون معاقد الأزر: كناية عن عفتهم].

[معاقد]: معرفة، بإضافته إلى [الأزر]، و[الطيبون]: صفة مشبهة، نَصَبَتْ [معاقد] على التمييز.

· وقال المتنخّل الهذلي يرثي ابنه:

لقد عَجِبتُ وما في الدهر مِن عَجَبٍ أَنَّى قُتِلْتَ وأنتَ الحازمُ البَطَلُ

السالكُ الثغرةَ اليقظان سالِكُها مشيَ الهلوكِ عليها الخَيْعَلُ الفُضُلُ

(88/1)

[الثغرة: كل ثَنيّة في الطريق يُخاف فيها الأعداء، ومشيَ الهلوك: أي يمشي مشي المرأة المتهتكة، والخيعل: قميصٌ بغير كمين، لا إزار تحته. وإنما أراد من ذلك، بيان زهوه ببطولته، واستهانته بما يخشاه سواه].

[اليقظان]: صفة مشبهة، [سالكُها]: سالك، فاعل للصفة المشبهة مرفوع بالضمة، و[ها] مضاف إليه.

2- الأمثلة الثلاثة:

وننبّه على أننا أتينا بها عمداً - في كل مثال من الأمثلة الثلاثة - مرة مع [ألـ]، ومرة بدون [ألـ]، لنبين أن دخول هذه الأداة على [الصفة المشبهة] وعدم دخولها، لا يغير شيئاً من إعرابها، ولا إعرابِ ما بَعْدَها من الأسماء:

· بعدَ [الصفة المشبهة] مضافٌ إليه:

[رأيت رجلاً جميلَ الوجهِ، ورأيت الرجلَ الجميلَ الوجهِ]. فـ [الوجه] في الموضعين مضاف إليه.

· بعدها تمييز:

[مررت برجلٍ جميلٍ وجهاً، ومررت بالرجلِ الجميلِ وجهاً] أو [مررت برجلٍ جميلٍ وجهَه، ومررت بالرجل الجميلِ وجهَه]. فكلمة [وجه] في هذه المواضع الأربعة تمييز.

· بعدها فاعل:

[رأيت رجلاً جميلاً وجهُه، ورأيت الرجلَ الجميلَ وجهُه]، فكلمة [وجه] في الموضعين فاعل مرفوع للصفة المشبهة.

* * *

1- يسميها النحاة [الصفة المشبهة باسم الفاعل المتعدي لواحد]. ورأَينا في [مجموعة القرارات العلمية في خمسين عاماً / 303] اقتراحاً في المادة 18: أن تسمى [الصفة الثابتة]. وإننا لَمَعَ هذا الاقتراح، فإنه أقرب إلى حقيقة هذه الصفة، غير أن المصطلح المستقرّ يؤدّي تبديله إلى بلبلة وتشويش.

2- إنما قلنا [يغلب في كثير من الأحوال] لأن بعض ذلك لا يستمرّ، بل يزول ببطء نحو: [غضبان - سكران...]، أو بغير بطء نحو: [فرِح - حَزِن - قَلِق...]، ولكنه يعود فيتكرر أو يتجدد.

(88/2)

التحذير والإغراء

أولاً: التحذير، وهو أسلوبٌ تُنَبِّه به مَن تخاطبه ليحترز. وهو نوعان:

آ: أن تحذّر المخاطَب بضمير النصب المنفصل: [إيّاك]، وأخواته(1)، نحو:

إيّاك النارَ، [وإذا أكّدت كرّرت: إيّاك إيّاك النارَ].

إيّاك والنارَ.

إيّاك من النارِ.

ب: أنْ تحذِّر المخاطَبَ بلفظ المحذَّر منه، نحو:

النارَ !! [وإذا أكّدت كررت: النارَ النارَ].

النارَ والغرقَ !! [وذلك إذا حذَّرتَ من شيئين فتعطف بالواو، دون غيرها].

ثانياً: الإغراء، وهو دعوة المخاطَب إلى الأخذ بما يُرغَب فيه. وليس للإغراء أحكامٌ خاصّة به، بل أحكامه هي أحكام التحذير نفسها المذكورة آنفاً في الفقرة [ب]. وعلى ذلك تقول:

الوفاءَ !! [وإذا أكّدت كررت: الوفاءَ الوفاءَ].

الوفاءَ والأمانةَ !! [وذلك إذا أَغريتَ بشيئين. فتعطف بالواو، دون غيرها].

ملاحظة:

تقول كتب الصناعة: إنّ المحذَّر منه، والمغرى به، هما صنفان من صنوف المفعول به، يُنصَبان بفعل مضمَرٍ وجوباً(2) معناه التحذير في الأول، والإغراء في الثاني.

* * *

نماذج فصيحة مِن التحذير والإغراء

· ]ناقةَ الله وسُقْياها[ (الشمس 91/13)

في الآية أسلوب تحذير. يدل عليه استعمال كلمة [ناقة] منفردةً، قائمةً برأسها، منصوبة بغير ناصب يُرى. وكذلك كلمة [سقياها]. ولو لم يكن الأسلوب أسلوب تحذير، لأُظهر الفعل فقيل مثلاً: [احذروا ناقةَ الله، وذَرُوا سقياها].

وذلك أن أسلوب التحذير لا يظهر فيه الفعل، فإذا ظهر فيه، فاعلم أن الأسلوب ليس أسلوب تحذير، وإن كان المعنى معنى تحذير. ومما يفرّق بينهما: أنّ التحذير يكون بالفعل كنحو قولك: اِحذرِ النارَ وباعدِ الكذبَ وتجنّب الحفرة، وأما أسلوب التحذير فيكون بالمفعول به وحده، لا بالفعل !! كنحو قولك: النارَ، والكذبَ، والحفرةَ.

ولما كان المحذَّر منه في الآية شيئين، فقد عطف الثاني على الأول بالواو، إذ لا يكون العطف في هذا الأسلوب إلاّ بالواو حصراً، دون أدوات العطف الأخرى.

(89/1)

· قال الفضل بن عبد الرحمن القرشيّ لابنه:

فإيّاكَ إيّاكَ المِراءَ فإنّه إلى الشرِّ دَعّاءٌ، ولِلشرِّ جالبُ

في البيت مسائل:

الأولى: أن الأسلوب أسلوبُ تحذير، بضمير النصب المنفصل: [إيّاك]. والفعل فيه مضمَرٌ على المنهاج.

الثانية: أنه كان يكفي لتحقق التحذير أن يُذكَر الضميرُ: [إيّاك] مرة واحدة، غير أنّ الشاعر لما أراد التوكيد كرر فقال: [إيّاكَ إيّاكَ].

الثالثة: أنّ فريقاً من النحاة يوجب أن يقال: [إيّاك والمراءَ]، أي: يوجب الإتيان بواوٍ بين [إ يّاكَ] و[المراء]، والحقّ أنّ ذلك ليس بالواجب، بل يجوز هذا ويجوز ذاك. والبيت شاهد على ذلك.

· قال مسكين الدارمي:

أخاكَ أخاكَ، إنّ مَن لا أخا له كساعٍ إلى الهيجا بغير سلاحِ

في البيت أسلوب إغراء. يدلّك على ذلك استعمال كلمة [أخاكَ] منفردةً قائمةً برأسها منصوبةً بغير ناصب يُرى. وإنما أراد الشاعر: [اِلزَمْ أخاكَ]، لكنه لما أراد أن يعبّر عما في نفسه بأسلوب الإغراء، أضمر الفعل. وقد كرر المُغْرى به: [أخاكَ أخاكَ]، إذ أراد التوكيد.

· ]قُوْا أنفسَكم وأهليكم ناراً[ (التحريم 66/6)

في الآية أمرٌ للمؤمنين بوقاية أنفسهم وأهليهم من النار. والتحذير فيها جليٌّ، مستغنٍ عن كل إيضاح. ومع ذلك لا بدّ من توجيه النظر، إلى أنّ ما في الآية هو [تحذير]، [لا أسلوب تحذير] !! وبين هذا وذاك فرقٌ: فمتى أُظهِر الفعل الناصب (أي: المحذَّرُ به، وهو هنا: قُوْا)، فقد لزم أن يكون الكلام [تحذيراً]، وبطل أن يكون أسلوب تحذير، لأنّ أسلوب التحذير لا ظهورَ للفعل فيه.

(89/2)

وقد يتّجه ذهن القارئ، إلى أنّ مادّة الفعل ذات تأثير في المسألة، وأنها لو لم تكن مِن [وقى - يقي] كما هي الحال هنا في الآية، بل كانت من [حذر - يحذر] لاختلف الأمر!! ونقول: لا شأن للمادّة اللغوية في المسألة أصلاً، وكيف يكون لها شأن فيها، والمحذَّرُ به (أي: الفعل الناصب) لا يجوز أن يظهر في أسلوب التحذير مهما يكن لفظه، ومهما تكن مادّته؟!

ومع ذلك، ولقطع الشكّ باليقين، نورد للاستئناس - لا للحصر - آيتين تدلاّن على ذلك هما: ]يعلم ما في أنفسكم فاحذروه[ (البقرة 2/235)، و]إنّ من أزواجكم وأولادكم عدوّاً لكم فاحذروهم[ (التغابن 64/14). ففي الآيتين استعمالٌ لمادّةِ [حذر - يحذر]، ومع ذلك ليس فيهما أسلوب تحذير.

ولقد كنا عرضنا في مطلع هذه النماذج، لقوله تعالى ]ناقةَ الله وسقياها[ وقلنا: إنّ مما يفرّق بين التحذير وأسلوب التحذير، أنّ التحذير يكون بذكر الفعل، وأما أسلوب التحذير فيكون بذكر المفعول به وحده، لا بالفعل. وهذا ضابط كالشمس في رائعة النهار، ولكنّ كتب الصناعة تهمل ذكره !!

· قال الشا عر:

اِتّقِ الأحْمَقَ، أنْ تَصحَبَهُ إنما الأحْمَقُ كالثوب الخَلَقْ

كلَما رقَّعْتَ منهُ جانباً حَرَّكتْهُ الريحُ وهْناً فانخرَقْ

وفي قوله: [اتّقِ الأحمقَ]، تحذير واضح، ومادّة الفعل هنا، هي نفسها، مادة [قُوْا] في الآية المتقدم ذكرها آنفاً. وكلّ ما قيل هناك يقال هو نفسه هنا، فلا نكرر، ولكن ندعو إلى التأمل، ونوجّه النظر، إلى أن التحذير شيء، وأسلوب التحذير شيء. والفرق بين الاستعمالين لا لقاء معه أبداً!!

* * *

1- أخواته: [إ يّاكِ - إيّاكما - إيّاكم - إيّاكنّ].

2- بناءً على هذا، لا يكون الأسلوبُ أسلوبَ تحذيرٍ ولا إغراء، إذا كان الناصب فعلاً مظهراً. فليس من أسلوب التحذير قولُك مثلاً: [اِحذرِ النارَ]، لأنّ الفعل الناصب مُظهَر لا مُضمر.

(89/3)

التعجّب

التعجب هو استعظامُ فِعْلِ فاعِل، وله صيغتان قياسيتان هما: [ما أَفْعَلَهُ] و[أَفْعِلْ بِه](1). مثال استعمالهما قولك في التعجب من حُسن الربيع: [ما أَجْمَلَ الربيعَ] و[أَجْمِلْ بالربيع]. فإذا تعذّر صوغ هاتين الصيغتين أمكن التوصل إلى التعجب بأن يُؤتى بمصدرٍ، بعد [أَكْثَر] أو [أَعْظَم] ونحوهما. فيقال مثلاً: [ما أَعْظَمَ إنسانيّةَ زهير، وأَعْظِمْ بإنسانيته]، و[ما أَكْرَمَ استقبالَه، وأَكْرِم باستقباله].

أحكام:

¨ لا تَعَجُّبَ إلا من معرفة، وأما النكرة فلا يتعجب منها، فلا يقال مثلاً: ما أجمل ربيعاً، ولكن إذا تخصّصتْ جاز ذلك. نحو: [ما أجمل ربيعاً تَكْثُر أزهارُه].

¨ صيغتا التعجب هما هما، لا تغيير فيهما، ولا تقديم ولا تأخير. تقول:

يا رجل ويا رجلان ويا رجال أَجْمِلْ بالربيع

يا امرأة ويا امرأتان ويا نساء أَجْمِلْ بالربيع

¨ الفعل المضعّف مثل: عزّ وحبّ وشدّ وعدّ وقلّ... يُفَكّ إدغامه في صيغة [أفعِلْ به]، فيقال: أَعْزِز وأَحْبِبْ وأشدد وأعدد وأقلل...

¨ في صيغتي التعجب تُصَحَّح عينُ المعتلّ، نحو: [ما أطْوَلَ ليلَ المريض، وأطوِلْ به].

تذييل:

قد يكون التعجب من الشيء بواسطة [يا]، في تراكيب ثلاثة، لا تتغيّر ولا تتبدّل. مثالها أن تتعجّب من روعة البحر فتقول: يا بَحر، يا لَلْبحرِ، يا بَحْرا.

وقد يستعمل العربي في تعجّبه، كلمةَ [العجَب] نفسها، فيقول:

[يا عَجَبَا] و[يا لَلْعَجَب].

* * *

نماذج فصيحة من استعمال التعجب

· قال جميل بثينة (الديوان /179):

وتثاقلتْ لمّا رأتْ كلفي بها أَحْبِبْ إليَّ بذاك مِن مُتَثاقِلِ

(90/1)

[أَحْبِبْ]: الصيغة هذه صيغة أمر. والأمر إذا كان مبنياً على السكون - كما ترى هنا - جاز فيه وجهان: الفكّ والإدغام، أي: [أحبِب وأَحِبَّ]. لكنّ المُجمَعَ عليه، أن صيغة التعجب: [أفعِلْ به] من الفعل المضعّف نحو: [عزّ وحبّ وشدّ إلخ...] لا يجوز فيها إلا الفكّ. فيقال: [أعزِزْ وأَحبِبْ وأشْدِدْ إلخ...]. وعلى ذلك قول جميل: [أحببْ]. فالإدغام إذاً هنا ممتنع، وإن كان في غير صيغة التعجب جائزاً. ومنه قول عليّ كرم الله وجهه وقد رأى عمارَ بن ياسر - أبا اليقظان - صريعاً يوم صفين (همع الهوامع 5/61): [أَعْزِزْ عَلَيَّ - أبا اليقظان - أن أراك صريعاً مُجَدَّلاً].

· وقال رضي الله عنه (نهج البلاغة - د. الصالح /277): [ما أَطْوَلَ هذا العناءَ وأبعد هذا الرجاءَ].

[ما أطوَلَ]: هاهنا مسألة إعلالية، إذ القاعدة أن حرف العلة إذا وقع في حشو الكلمة، نُقلت حركته إلى الحرف الساكن الصحيح قبله. ولكن يستثنى من هذه القاعدة صيغتا التعجب: [ما أَفعلَه وأفعِلْ به] فلا تُعَلاّن. ولولا تصحيح الواو في قوله: [ما أطول...] لقُلبت ألفاً فقيل: ما أطال هذا العناء...!!

· قال الطغرائي:

أُعَلِّل النفسَ بالآمال أَرقُبُها ما أضيقَ العيشَ لولا فُسحةُ الأَمَلِ

يقال هاهنا ما قيل آنفاً في قول عليّ، ولولا تصحيح الياء لقيل: ما أضاق...!!

· قال امرؤ القيس (الديوان /69):

أرى أُمّ عمروٍ دمعُها قد تحدّرا بكاءً على عمروٍ، وما كان أَصْبَرا

[ما كان أصبرا] فيه مسألتان:

الأولى: زيادة [كان] بين [ما] التعجبية وصيغة [أفعل]. وقد عالجنا ذلك في بحث [كان وأخواتها]، وذكرنا جوازه.

والثانية: أن الشاعر حذف المتعجب منه وهو الضمير [ها]، إذ الأصل: [وما كان أصبرها]، وإنما حذفه لدلالة السياق عليه، وحذفُ ما يعلم جائز.

ومنه قول عليّ كرّم الله وجهه:

جزى اللهُ قوماً قاتَلوا في لقائهم لدى الرَّوع قوماً ما أعزّ وأكرما

(90/2)

فقد حذف المتعجب منه مرتين وهو الضمير [هم]، إذ الأصل: [ما أعزهم وأكرمهم].

* * *

1- قد يكون التعجب بواسطة [يا]، ونبين ذلك بعد قليل.

(90/3)

تعليق شبه الجملة (الظرف والجار والمجرور)

تبيين للشداة وغير المتخصّصين:

إذا لم يَرْبِط شبهَ الجملة: (الظرف والجارّ والمجرور)، رابطٌ معنويٌّ، بما قبلَه أو بعدَه، كان شبه الجملة في العبارة لغواً أو إحالة(1).

فمِن اللغو والإحالة أن يقال مثلاً: [شَرِبَ خالدٌ بالقلم]. وذلك أنّ [بالقلم] لا يربطهما بـ [شرب] ولا بـ [خالد] رابطة معنوية. إذ الشُّرب لا يكون بالقلم.

وليس كذلك قولك: [كتب خالد بالقلم]، فهاهنا ارتباط معنوي بين [كتب] و[بالقلم]، وذلك أن الكتابة تتحقق بواسطة القلم. ومن هنا أن المعربين يقولون: [بالقلم: جار وجرور متعلّقان بكتب].

ومن اللغو أيضاً والإحالة أن يقال: [نام سعيدٌ تحت الماء]، وذلك أن [تحت الماء] لا يربطه بـ [نام] رابط معنوي، إذ النوم لا يكون تحت الماء.

وليس كذلك قولك: [نام سعيدٌ تحت السقف]، فهاهنا ارتباطٌ معنوي، لأنّ النوم ممكنٌ تحقُّقُه تحت السقف. ولذا يقول المعربون: [تحت: ظرفُ مكان متعلقٌ بنام].

فإذا قيل: إن العربي يقول: [خالد في البيت]، وشبه الجملة هنا لا يرتبط معنويّاً بخالد. وليس هاهنا كلمة أخرى يرتبط بها.

ففي الجواب نقول: إنّ شبه الجملة لما كان - في هذه الحال - هو الذي أتمّ معنى المبتدأ، استقلّ بنفسه فاستغنى عن التعلّق والارتباط بسواه. فشبه الجملة إذاً يفتقر إلى رابط معنوي، في نحو: [كتبت بالقلم] لأن الكتابة تتحقق بالقلم، وأما إذا كان شبه الجملة في موضع الخبر فتمّ به معنى المبتدأ، في نحو: [خالدٌ في البيت] أو [الكتاب على الطاولة]، فإنّ شبه الجملة هو نفسه، يكون الخبر.

وأمّا موضع التعليق (أي: بمَ نعلّق شبه الجملة؟) ويسمّيه النحاة: [المتعَلَّق]، فإنه إدراك عقليّ؛ وصحّةُ المعنى وحدَها، هي الحَكَمُ والفَيْصَلُ، في تعيينه.

البحث

(91/1)

¨ تعليق شبه الجملة (الظرف والجارّ والمجرور)، هو ربطٌ معنويّ بما قبله أو بعده في العبارة، نحو: [خالدٌ جالسٌ فوق السطح (التعليق بجالس)، يستدفئ بحرارة الشمس (التعليق بيستدفئ)، وبعد قليل يذهب إلى السوق (التعليق بيذهب)].

¨ إذا كان شبه الجملة في موضع الخبر، كان هو نفسه الخبر، فاستغنى عن التعليق، نحو: [العلم في الصدور] و[الجنة تحت أقدام الأمهات].

* * *

نماذج من تعليق شبه الجملة لمزيد من الإيضاح:

يقال مثلاً في نَقْد ممثِّل، لا يؤثِّر دورُه في حركته ولا في نُطْقه: [فلانٌ خشبةٌ على المسرح]: شبه الجملة [على المسرح] يتعلّق بـ [خشبة].

وتقول مثلاً في حديثك عن سفرك بالطائرة:

أُفٍّ للسيارة (التعليق باسم الفعل أفّ)،

فقد سافرتُ بالطائرة (التعليق بالفعل سافرت)،

فكانت مُتْعَة سفري عليها (التعليق بالمصدر سَفَر)،

كمتعة إنسان على بساط الريح (التعليق بإنسان)،

أو طفل في المهد (التعليق بطفل)، وهكذا...

ويتبين من هذه الأمثلة أنّ التعليق (الربط)، مسألةُ فهمٍ وإدراكٍ للمعنى، وليس شيئاً وراءَ ذلك.

* * *

1- الإحالة: التكلم بالمستحيل.

(91/2)

التمييز

التمييز: اسمٌ نكرةٌ فضلةٌ منصوب، يرفع إبهامَ ما تقدّمه مِن مفرد نحو: [عندي رِطلٌ - عسلاً]، أو جملة نحو: [حَسُنَ خالدٌ - خُلُقاً] (1).

وهو نوعان:

الأول: أن يتقدّم المضافُ إليه على المضاف، فيصير المضاف إليه فاعلاً أو مفعولاً به، ويصير المضافُ تمييزاً. وذلك نحو: ]واشتعل الرأسُ - شَيباً] (2) والأصل: [اشتعل شيبُ الرأس](3). و ]وفجّرنا الأرضَ - عيوناً] (4) والأصل: [فجّرنا عيونَ الأرض](5).

والنوع الثاني: أن تحتاج الكلمة المفردة، أو الجملة، إلى تبيينٍ يُزيل ما فيهما من الإبهام، فيؤتى باسم هو التمييز، يرفع ذلك الإبهام ويُزيله، نحو:

عندي مِتْرٌ - جوخاً:

لو اجتزأنا بـ [عندي مترٌ]، لكان كلامنا من الوجهة الصناعية تامّاً، إذ هو مؤلف من مبتدأ وخبر. ولكن الإبهام هاهنا يعتري قولنا، فلا يُدرَى: أمتر حرير هذا المتر، أم متر كتان، أم متر حديد تُقاس الأطوال به؟

فإذا أُتِيَ بالتمييز، فقيل: [جوخاً]، زال الإبهام، واتضح القصد.

لي قصبةٌ - أرضاً:

ما قلناه في المثال الأوّل، يقال هنا. فقولنا: [لي قصبةٌ]، كلام تامّ، إذ هو من الوجهة الصناعية، مؤلف من مبتدأ وخبر. ولكن الإبهام يعتريه، فلا يُدرَى: أهذه القصبة قصبةٌ مما تُنبت الأرض، أم قصبة مما يُكتَب به، أم قصبة تقاس بها الأراضي عند مسحها؟ فإذا أتينا بالتمييز، فقلنا: [أرضاً]، زال الإبهام، واتضح القصد.

خالدٌ أكبر منك - سِنّاً:

قولنا: [خالدٌ أكبر منك]، هو من الوجهة الصناعية،كلام تامّ، مؤلّف من مبتدأ وخبر. ولكنّ الإبهام يعتريه، فلا يُدرَى أخالدٌ أكبر منك حجماً، أم عُمراً، أم قَدْراً ؟ فإذا أُتِيَ بالتمييز، فقيل: [سِنّاً]، زال الإبهام، واتّضح القصد.

امتلأ قلبُ زهير - سروراً:

(92/1)

جملة: [امتلأ قلب زهير]، تصدق على أشياء كثيرة يمتلئ بها القلب، من فرح وسعادة وحُزن وغبطة إلخ... وذلك مدعاةُ إبهام، وللتبيين والإيضاح، أُتِيَ بكلمة [سروراً]، فأوضحتْ وفسّرتْ، وأزالت الإبهام، وبيّنتْ أنّ قلب زهير إنما امتلأ بالسرور، لا بغيره مما يمتلئ به في الحالات المختلفة.

وقس على ذلك قولَك: [عندي ذراعٌ - حريراً]، و[لك قنطارٌ - عسلاً]، و[أعطِ الفقير صاعاً - قمحاً]، و[ما في السماء قَدْرُ راحةٍ - سحاباً]، و[عندي جَرَّةٌ - ماءً]، و[لنا مثل ما لكم - خيلاً، ولنا غير ذلك - غنماً]، و[عندي خاتمٌ - ذهباً]، و[كفى بالشيب - واعظاً]، و[عَظُمَ عليٌّ - مقاماً]، و[ارتفع سعيدٌ - رتبةً]، و[ملأتُ بيتي - كتباً]، و[سموتَ - أدباً]، و[ما أكرمكَ - رجُلاً]، و[أَكرِمْ بسليم - خطيباً] إلخ...

تنبيهات:

1- قد يتقدّم التمييز على فعله، نحو: [نفساً يطيب خالدٌ]، إلاّ أن يكون فعلاً جامداً نحو: [ما أحسنه فارساً]، فيمتنع ذلك.

2- لا يتقدّم تمييز المفرد على المميَّز، قولاً واحداً. فلا يقال مثلاً: [نجح طالباً عشرون].

3- التمييز اسمٌ جامد، ولكن قد يكون مشتقاً نحو: [لله درّه فارساً].

فوائدُ تجلوها مقابلةُ الحالِ بالتمييز:

الحال

التمييز

الأصل في الحال أنها مشتقّة

الأصل في التمييز أنه جامد

الحال على معنى [في]

التمييز على معنى [مِن]

قد تحذَف الحال فيفسد المعنى

يُحذَف التمييز فلا يفسد المعنى

الحال تفسِّر هيئة صاحبها

التمييز يفسِّر ما انبهم من مفرد أو جملة

الحال تكون اسماً وجملة وشبه جملة

التمييز لا يكون إلاّ اسماً

* * *

نماذج فصيحة من استعمال التمييز

· ]رأيتُ أحدَ عشَرَ كوكباً[ (يوسف 12/4)

(92/2)

[أحدَ عشرَ كوكباً]: تجري كتب الصناعة على أنْ تُعرِب الاسم المنصوب [أي: المعدود]، بعد العدد تمييزاً، من الأحد عشر إلى التسعة والتسعين. وترى نموذج ذلك في كلمة [كوكباً] مِن الآية، فإنها المعدود بعد العدد: [أحد عشر] فتُعرَب تمييزاً منصوباً(6).

ومثل ذلك، قوله تعالى: ]إنّ هذا أخي له تسعٌ وتسعون نعجةً[ (ص 38/23)، فالتمييز هنا هو: [نعجةً]. وقوله أيضاً ]فانفجرت منه اثنتا عشْرةَ عيناً[ (البقرة 2/60)، فالتمييز هنا هو: [عيناً].

· قال الشاعر:

إذا المرء عيناً قرَّ بالعيش مُثرِياً ولم يُعْنَ بالإحسان، كان مذمَّما

[المرءُ عيناً قرّ]: الأصل في التركيب هو: [قرّتْ عينُ المرءِ]، ثم يُقدّم المضاف إليه [المرء]، فيكون فاعلاً لـ [قرّ]، ويؤخَّر المضاف [عين] فيكون تمييزاً. هذا هو الأصل؛ لكنّ الشاعر قدّم كلمة [عيناً] على الفعل فقال: [عيناً قرّ]. والتمييز يجوز أن يتقدم على فعله، إلاّ أنْ يكون فعلاً جامداً فيمتنع ذلك.

· قال المتنبي (الديوان 2/75):

فهنَّ أَسَلْنَ دماً مُقلتِيْ وعذَّبن قلبيْ بطول الصدودِ

[أسلنَ دماً مقلتي]: الأصل في التركيب هو: [هنّ أسلْنَ مقلتي دماً]، غير أنّ الشاعر قدّم التمييز وهو: [دماً]، فأتى به بين الفعل ومفعوله. ولقد قدّمنا آنفاً أنّ التمييز يجوز أن يتقدم على فعله، وإذا جاز تقديمه على الفعل، فتقديمه على المفعول أحرى.

· ومن تقديم التمييز أيضاً قول الشاعر:

أنَفْساً تطيب بنَيْلِ المنى وداعِيْ المَنُون ينادي جِهارا

[أنفساً تطيب]: الأصل في التركيب هو: [أتطيب نفساً؟]، غير أنّ الشاعر قدّم التمييز وهو: [نفساً]، على الفعل. وذلك جائز كما ذكرنا آنفاً.

· ومن التقديم أيضاً قول الشاعر:

ولستُ - إذا ذَرْعاً أَضِيقُ - بضارعٍ ولا يائس عند التعسُّرِ من يُسْرِ

(92/3)

البيت بعد حلِّه يصير إلى: ((إذا ضقتُ ذرعاً، فلست بضارعٍ (لست بمتذلّل)، ولا يائسٍ من يُسرٍ عند التعسّر)). والذي نريده من البيت هو [ذرعاً أضيق]، فإنّ الأصل تأخير التمييز، فيقال: [أضيق ذرعاً]. غير أنّ الشاعر قدّمه فقال: [ذرعاً أضيق]، وقد كررنا القول: إنّ ذلك جائز.

· ]قُلْ لو كان البحرُ مداداً لكلمات ربي لنفِدَ البحرُ قبل أنْ تنفَدَ كلمات ربي ولو جئنا بمثله مدداً[ (الكهف 18/109)

تعبِّر كتب الصناعة عن مجيء كلمة [مثل] وكلمة [غير] مبهمتين في الكلام، بقولها: [ما دلَّ على مماثلة، وما دلّ على مغايرة]. فأما المماثلة فمنها ما نحن بصدده، وهو قوله تعالى: [جئنا بمثله مدداً]، وذلك أنّ كلمة [مِثل] يعتريها الإبهام، فإذا سمعك امرؤ تقول: [خالدٌ مثل الجبل] لم يدرِ أهو مثله في التَوَطُّد أم الثبات أم الارتفاع إلخ... حتى إذا أتيتَ بالتمييز فقلتَ: [مثل الجبل ثباتاً]، ارتفع الإبهام واتّضح القصد.

وقُل الشيءَ نفسه في الآية. فإنّ المرء لا يدري أمماثلةُ البحر هنا بالكميّة، أم بسهولة الاستمداد، أم بالاتّساع؟ فلما قيل: [مدداً]، ارتفع الإبهام واتّضح القصد.

وكذلك الشأن - طِبقاً - في استعمال [غير]. تقول مثلاً لمن تحدّثه: [عندي خيلٌ وغير ذلك]، فلا يدري ما الذي عندك غير الخيل، حتى إذا أتيت بالتمييز فقلت: [وغير ذلك غَنَماً] ارتفع الإبهام واتّضح القصد.

· قال جرير (الديوان /89):

ألستم خيرَ مَن ركب المطايا وأندى العالمين بطونَ راحِ

قول الشاعر: [ألستم....أندى العالمين] - من الوجهة الصناعية - كلامٌ تامّ، غير أنّ الإبهام يعتريه، إذ لا يُعرَف بمَ كانوا أندى العالمين، أَهُمْ أنداهم نباتاً (مِن نَدِيَ النبات إذا أصابه الندى)؟ أم هم أنداهم صوتاً، (مِن نَدِيَ الصوتُ إذا علا وامتدّ)؟ حتى إذا أتى الشاعر بالتمييز فقال: [بطونَ راح] ارتفع الإبهام وتبيّن أنّ الشاعر أراد: ألستم أندى الناس كفّاً؟ (مِن النَدى، أي: الكَرَم).

(92/4)

· ]فلن يُقبَل مِن أحدهم مِلءُ الأرض ذهباً[ (آل عمران 3/91)

[لن يُقبلَ ملءُ الأرض]: الكلام مِن الوجهة الصناعية تامّ، مؤلَّف من فعل ونائب فاعل، غير أنّ الإبهام يعتريه، فلا يُدرى: أهذا الذي لن يُقبَل هو ملءُ الأرض نحاساً أم فضةً أم جواهرَ إلخ... حتى إذا جيء بالتمييز فقيل: [ملْءُ الأرض - ذهباً]، زال الإبهام واتّضح القصد.

* * *

1- كلمة [رطل]: تصدق على كل ما يوزَن، كالملح والخبز والسمن والتفاح إلخ... كما تصدق على الأداة التي يوزَن بها. ومن هنا ينشأ الإبهام. وللتبيين والإيضاح، يُؤتى باسم منصوب بعدها يَرفع الإبهام، ويُطلقون عليه اصطلاحاً [التمييز]، وهو في مثالنا، كلمة [عسلاً]. وأما ما يُرفَع إبهامُه، فيطلقون عليه اصطلاحاً [المميَّز].

ومثل ذلك جملة: [حَسُنَ خالدٌ]، فإنها تصدق على أشياء كثيرة، كأن يكون حُسْنُه في وجهه أو طوله إلخ... وللتبيين والإيضاح يُؤتَى بكلمةٍ تُزيل ما في الجملة من الإبهام، يُطلق عليها [التمييز]، وهي في مثالنا كلمة: [خُلُقاً]، وقد أزالت ما في جملة [حَسُنَ خالدٌ] من الإبهام، وبيّنت أنّ حُسْنه حُسْنُ أخلاق، لا سواه من صنوف الحُسْن الأخرى.

2- مريم 19/4

3- قُدِّم المضاف إليه: [الرأس] فكان فاعلاً، وأُخِّر المضاف: [شَيب] فكان تمييزاً.

4- القمر 54/12

5- قُدِّم المضاف إليه: [الأرض]، فكان مفعولاً به، وأُخِّر المضاف: [عيون] فكان تمييزاً.

6- نرى مِن المفيد التنبيه، على أنّ الكلام من الوجهة الصناعية، يتمّ بالفعل والفاعل: [رأيتُ]، وأنّ الذي نحن بصدده هنا، محصور في العدد ومعدوده.

(92/5)

التنازع

التنازع: أنْ يطلب المعمولَ عاملان تقدّما عليه. نحو قولك: [سافر وعاد خالدٌ]. فكلٌّ من الفعلين المتقدمَيْن: [سافر ورجع] يطلب فاعلاً هو كلمة: [خالدٌ]. ونحو الآية: ]آتوني أُفْرِغْ عليه قِطْراً[ (الكهف 18/96) فكلٌّ من الفعلين المتقدمين: [آتوني وأفرغ] يطلب مفعولاً به، هو كلمةُ [قِطراً]: (القِطر النحاس الذائب).

الحكْم:

لك أن تُعمِل في الاسم الظاهر أيَّ العاملين شئت، فيكون العامل الآخرُ عاملاً في الضمير(1).

* * *

نماذج مشروحة من التنازع!!

(النماذج هنا والتعليق عليها مقبوسان من شرح ابن عقيل)

ظنَّني وظننتُ زيداً قائماً إيّاه - ظننتُ وظنّنيهِ زيداً قائماً.

ظننتُ وظنّني إيّاه زيداً قائماً - أظنُّ ويظنّاني زيداً وعمراً أخوين.

ولقد رأى ابن عقيل - أثابه الله- أنّ ما صاغه ابن مالك ومثّل له، في باب التنازع، محتاج إلى شيءٍ !! من الشرح، وهو قولُه:

وأظهرِ انْ يكن ضمير خَبَرا لغير ما يطابق المفسَّرا

نحو: أظنُّ ويظنّاني أخَا زيداً وعمراً أخوين في الرَخا

فانبرى يشرح ذلك فقال ما نصّه: (1/555)

[يجب أنْ يُؤتى بمفعول الفعل المهمل ظاهراً إذا لزم من إضماره عدمُ مطابقته لما يفسِّره، لكونه خبراً في الأصل عما لا يطابق المفسِّر، كما إذا كان في الأصل خبراً عن مفرد ومفسِّرُهُ مثنى، نحو (أظن ويظناني زيداً وعمراً أخوين) فـ (زيداً) مفعول أوّل لأظُنُّ، و(عمراً) معطوف عليه، و(أخوين): مفعول ثانٍ لأظنُّ، والياء: مفعول أوّل ليظنّان، فيحتاج إلى مفعول ثانٍ. فلو أتيت به ضميراً فقلت: (أظنّ ويظناني إيّاه زيداً وعمراً أخوين)، لكان (إيّاه) مطابقاً للياء، في أنهما مفردان، ولكن لا يطابق ما يعود عليه وهو (أخوين)؛ لأنه مفرد، و(أخوين) مثنى؛ فتفوت مطابقة المفسِّر للمفسَّر، وذلك لا يجوز].

وتابع ابن عقيل شرحه وتبيينه فقال (1/556):

(93/1)

[وإن قلت: (أظنُّ ويظنّاني إيّاهما زيداً وعمراً أخوين) حصلت مطابقة المفسِّر للمفسَّر؛ وذلك لكون (إيّاهما) مثنى، و(أخوين) كذلك، ولكن تفوت مطابقة المفعول الثاني - الذي هو خبر في الأصل - للمفعول الأول، الذي هو مبتدأ في الأصل، لكون المفعول الأول مفرداً، وهو الياء، والمفعول الثاني غير مفرد، وهو (إيّاهما)، ولابدّ من مطابقة الخبر للمبتدأ، فلما تعذّرت المطابقة مع الإضمار وجب الإظهار؛ فتقول: (أظنّ ويظنّاني أخا زيداً وعمراً أخوين). فـ (زيداً وعمراً أخوين): مفعولا أظنّ، والياء مفعول يظنان الأول، و(أخا) مفعوله الثاني، ولا تكون المسألة - حينئذٍ - من باب التنازع لأن كلاً من العاملَين عمل في ظاهر].

وإنّ من أيسر اليسير، أنْ نقبس من مطولات كتب الصناعة، شيئاً كثيراً من هذا المعجن، نحو: [كنتُ وكان زيدٌ صديقاً إيّاه]، و[أظنّ ويظنّانني أخاً الزيدين أخوين] إلخ... ولكننا أعرضنا عن ذلك، إذ بعض الشيء يغني عن كله، إذا كان هذا هذا.

* * *

1- قال ابن هشام: [لاخلاف في جواز إعمال أيِّ العامِلَين أو العوامل شئت] (قطر الندى 198). وقال ابن عقيل: [ولا خلاف بين البصريين والكوفيين أنه يجوز إعمال كلِّ واحدٍ من العامِلَيْن في ذلك الاسم الظاهر] (شرح ابن عقيل على الألفية 1/548)

(93/2)

التصغير

¨ التصغير لغةً، هو: جَعْلُ الشيء صغيراً. وهو عند النحاة: تغيير في بناء الاسم، للدلالة على معان شتى. منها: التحقير، نحو: شُوَيْعِر، والتقليل، نحو: دُرَيْهِمات، والتصغير، نحو: كُتَيِّب، والتقريب، نحو: بُعَيْد الظهر...

والتصغيرُ للأسماء فحسب، وما جاء مصغَّراً من فعل أو حرف فشاذّ.

¨ للتصغير أوزانٌ ثلاثة هي:

1- فُعَيْل: ويُصَغَّر عليه كل اسم ثلاثي، نحو: جبل وقمر، فيقال في تصغيرهما: جُبَيْل وقُمَيْر.

2- فُعَيْعِيل: ويُصَغّر عليه كل اسم من خمسة أحرف، رابعُها حرفُ علّة. ففي تصغير نحو: قنديل وعصفور وقرطاس، يقال: قُنَيْدِيل وعُصَيْفِير وقُرَيْطِيس.

3 - فُعَيْعِل: ويصغَر عليه كل اسم رباعي الأحرف، نحو: درهم وجعفر (من أسماء النهر)، فيقال في تصغيرهما: دُرَيْهِم وجُعَيْفِر. فإن كانت حروفه أكثر من أربعة، تعذّر تصغيره، حتى تُصيِّره بالحذف أربعة - كما ذكرنا في بحث جموع التكسير(1).

فمن: سفرجل وفرزدق مثلاً، تحذف الحرف الخامس، ثم تصغّر فتقول: سُفَيْرِج وفُرَيْزِد.

ومن: غضنفر وفَدَوْكَس مثلاً، تحذف النون من الأول، والواو من الثاني، لأنهما زائدان - وذلك أنّ الزائد أولَى بالحذف - ثم تصغّر فتقول: غُضَيْفِر وفُدَيْكِس. ومن مستخرج، تحذف السين والتاء، لأنهما أقلّ قيمة من الميم، فتقول: مُخَيْرِج.

ومن: عندليب وخندريس، تحذف الخامس والسادس، ثم تصغِّر فتقول: عُنَيْدِل وخُنَيْدِر وهكذا...

أحكام:

¨ ما خُتِم من الأسماء بحرف زائد على الأصل، أو أكثر، لا يعتدّ - عند تصغيره - بزوائده، كعلامة التثنية وجمع السلامة وياء النسب وتاء التأنيث وألف التأنيث الممدودة والألف والنون الزائدتين، فتبقى الزيادة على حالها لا تُمَسّ، ويجري التصغير على ما قبلها. ودونك من ذلك نماذج، فَصَلْنا بين كلماتها، وبين الأحرف الزائدة عليها بثلاث نقاط، هكذا [...] لمزيد إيضاح:

الكلمة

تصغيرها

الكلمة

تصغيرها

الكلمة

تصغيرها

تمر...ة

(94/1)

تُمَيرة

حنظل...ة

حُنَيْظلَة

خضر...اء

خُضَيْراء

زعفر...ان

زُعَيْفران

عبقر...يّ

عُبَيْقريّ

عثم...ان

عُثَيْمان

عَطْش...ان

عُطَيْشان

سكر...ان

سُكَيران

كاتب..ان

كُوَيْتِبان

كاتب..ون

كُوَيْتِبون

كاتب..ات

كُوَيْتِبات

...

...

ولا يستثنى من هذه القاعدة، إلا الألف المقصورة، فإنها تثبت إن كانت رابعةً، وتُحذَف إن وقعت خامسةً فصاعداً. ففي تصغير نحو: [حبلى]، تثبت فيقال: [حُبَيْلَى]، وفي تصغير نحو: [خَوْزَلَى]: (مشية في تثاقل)، تُحذَف فيقال: [خُوَيْزِل]...

¨ كل اسم ثلاثي مؤنث، خالٍ من تاء التأنيث، إذا صغّرته ألحقتها به:

ففي تصغير: عين وأذن وسن ودار وشمس وهند، تقول: عيينة وأذينة وسنينة ودويرة وشميسة وهنيدة.

¨ يجوز التعويض عن المحذوف:

ما تَحذف منه لتصيّره أربعة أحرف، يجوز أن تزيد قبل آخره ياءً للتعويض عن المحذوف. مثال ذلك [سفرجل]، وبالحذف [سفرج]، ثم بالتصغير [سُفَيْرِج]، ثم بزيادة الياء جوازاً [سفيريج]. ومثله: [عندليب]، فبالحذف [عندل]، ثم بالتصغير [عُنَيْدِل]، ثم بزيادة الياء جوازاً [عنيديل]...

إذا صغّرت اسماً منتهياً بحرفٍ منقلبٍ عن أصل، فأَعِدْه عند التصغير إلى أصله. وذلك نحو: [المَلْهَى]، فإن الألف في الآخر، أصلها الواو: [المَلْهَو]، لأنه من [اللهو]، وتصغيرُه: [المُلَيْهِو]، ولكن الواو تطرّفت بعد كسرة، فقُلِبت ياءً، فصارت [المُلَيْهِي]، فإذا نكّرت ونوّنت قلت: [مُلَيْهٍ].

وكذلك [الأعمى]، فإنّ الألف في آخره أصلها الياء، لأنه من [عمِي]، فتعاد عند تصغيره ياءً على الأصل أي [الأُعَيْمِي]. فإذا نكّرت ونوّنت قلت: [أُعَيْمٍ].

¨ إذاصغَّرت اسماً ثانيه حرف علّة، قلبته واواً في الحالات الأربع الآتية دون غيرها:

أ- إذا كان زائداً نحو: شاعر وخاتم، فتقول في تصغيرهما: شويعر وخويتم.

ب- إذا كان أصله واواً نحو: باب وميزان، فتقول في تصغيرهما: بويب ومويزين.

(94/2)

ج- إذا كان مجهول الأصل نحو: عاج وصاب، فتقول في تصغيرهما: عويج وصويب.

د- إذا كان مبدوءاً بمدّة نحو: آدم وآخر، فتقول في تصغيرهما: أويدم وأويخر.

وأما في غير ذلك، فليس إلا قلب حرف العلة ياءً بغير تردد في كل حال، مهما يكن موقع حرف العلة من الكلمة، ومهما يكن أصله.

ودونك من هذا نماذج، نذكر فيها: الاسم ثم تصغيره ثم شيئاً من التعليق لمزيد إيضاح:

الاسم

تصغيره

ملاحظات

ناب

نُيَيب

وقع حرف العلة ثانياً، لكنّ أصله الياء لا الواو، بدليل جمعه على أنياب، فيقلب ياءً.

عصا

عُصيّة

حرف العلة أصله الواو (عُصَيْوَة)، بدليل تثنيته على عَصَوَيْن، لكنه وقع ثالثاً لا ثانياً، فيُقلب ياءً.

ظَبي

ظُبَيّ

حرف العلة ياء، وقد وقع ثالثاً لا ثانياً، فظلّ ياءً على الأصل، وأُدغم في ياء التصغير.

جَمِيل

جُميّل

وقع حرف العلة - وهو الياء - ثالثاً لا ثانياً، فظلّ ياءً، وأدغم في ياء التصغير.

منشار

مُنَيْشِير

وقع حرف العلة - وهو الألف - رابعاً لا ثانياً - فقلب ياءً.

أرجوحة

أُرَيْجِيحة

حرف العلة واو، لكنه وقع رابعاً لا ثانياً، فقلب ياءً.

قنديل

قُنيديل

وقع حرف العلة - وهو الياء - رابعاً لا ثانياً، فظلّ ياءً على الأصل.

¨ ما حُذف من الاسم، يُرَدّ عند تصغيره:

مثال ذلك: زِنة ولُغة وعِدة، فـ [زِنة] محذوف منها واو، إذ الأصل [وزن]، و[لغة] محذوف منها واو أيضاً إذ الأصل [لغو]، و[عدة] محذوف منها واو كذلك، إذ الأصل [وعد]. فعند تصغيرها، يعاد إليها ما حُذف منها فيقال: [وُزَيْنَة - لُغَيَّة(2) - وُعَيْدَة]...

تصغير الجمع

- في العربية أربعة جموع تُصَغَّر على لفظها:

أوزانها: أَفْعُل وأَفْعال وأَفْعِلَة وفِعْلَة

وأمثلتها: أنفُس وأصحاب وأعمِدة وغِلْمَة (جمع غلام)

وتصغيرها: أُنَيْفس وأُصَيْحاب وأُعَيْمدة وغُلَيْمة

وأما غيرها من الجموع، فيؤخَذ مفرده، فيُصغَّر، ثم يُجمع جمع سلامة. ودونك نماذج:

- تصغير جمعِ مذكرٍ عاقل:

الجمع

المفرد

التصغير

(94/3)

جمع السلامة

رجال

رجل

رُجَيْل

رُجَيْلون

كُتّاب

كاتب

كُوَيتِب

كُوَيْتِبون

شعراء

شاعر

شُوَيْعِر

شُوَيْعِرون

- تصغير جمْعِ مؤنثٍ أو غير عاقل:

الجمع

المفرد

التصغير

جمع السلامة

كاتبات

كاتبة

كُوَيْتِبة

كُوَيْتِبات

شواعر

شاعرة

شُوَيْعِرَة

شُوَيْعِرات

دراهم

درهم

دُرَيْهِم

دُرَيْهِمَات

عصافير

عصفور

عُصَيْفِير

عُصَيْفِيرات

- تصغير الترخيم:

وهو تصغير الاسم بعد تجريده من كل حرف زائد؛ فإن كان ثلاثي الأصول، صُغّر على [فُعَيْل]، فأبلق ومنطلق ومحمود ومعطف، تُجرَّد من كلّ زيادة فتغدو: بلق وطلق وحمد وعطف. ثم تصغَّر على: بُلَيْق وطُلَيْق وحُمَيْد وعُطَيْف... فإن أردت التأنيث زدتَ في آخر ما تصغّره تاء التأنيث، فتقول مثلاً: حُمَيدة وعُطَيفة...

وإن كان الاسم رباعي الأصول، صُغّر على [فُعَيْعِل] نحو: قِنديل وقِرطاس وعصفور، فهذه إذا حُذِفت زياداتها غدت: قندل وقرطس وعصفر، ثم تُصّغَّر على: قُنَيْدِل وقُرَيْطِس وعُصَيْفِر...

* * *

1- فصّلنا في بحث جموع التكسير، قواعدَ حذف الحروف، سواء منها ما كان أصلياً أو زائداً، وبيّنّا أحكام ذلك، وما يتعلق بتسلسل قيم ومراتب الحروف الزائدة، وإذ قد كانت هذه القواعد والأحكام مشتركة بين جموع التكسير، والتصغير، فقد أغنى ذكرها هناك عن إعادة ذكرها هنا. فمن شاء رجع إليها في بحث جموع التكسير.

2- لغيّة: الأصل فيها [لغيوة]، وقلبت واوها ياءً، على المنهاج في الإعلال، فقيل: [لغيّة].

(94/4)

التوكيد

¨ التوكيد: تكرير اللفظ لتثبيته في النفس، اسماً كان أو فعلاً أو حرفاً أو ضميراً. ويتبع في إعرابه إعرابَ المؤكَّد قبله، رفعاً ونصباً وجرّاً، ويسميه النحاة اصطلاحاً: [التوكيد اللفظي]. ودونك الأمثلة: [جاء خالدٌ خالدٌ، وجاء جاء خالدٌ، ونعمْ نعمْ، وسافرتَ أنتَ، وسنسافر نحن].

¨ وقد يكون التوكيد بإحدى الكلمات السبع التالية، وهي: [العين، والنفس، وجميع، وعامّة، وكُلّ، وكِلا، وكِلتا] ويسمّونه: [التوكيد المعنويّ]. ودونك الأمثلة: [جاء الضيفُ عينُه، والزائرةُ نفسُها، والجيرانُ جميعُهم، ونظرنا إلى الطلاّبِ عامّتِهم، ثم كرَّمْنا الناجحِين كلَّهم، وصفّقنا للمتقدِّمَيْن كليهما، والمتقدِّمَتَيْن كلتيهما].

¨ قد يراد توكيد التوكيد وتقويته، فيؤتى بكلمة [كلّ]، وبعدها إحدى أربع كلمات هي - على حسب الحال -: [أجمع، أو جمعاء، أو أجمعون، أو جُمَع]، ودونك الأمثلة: [جاء المعهدُ كلُّه أجمعُ، يصحب الهيئة الإداريةَ كلَّها جمعاءَ، مع الطالباتِ كلِّهنَّ جُمَعَ، والطلاّبِ كلِّهم أجمعين](1).

أحكام:

· التوكيد خاصّ بالمعارف، غير أنّهم أكّدوا النكرات إذا كانت محدودة المقدار، كاليوم والشهر والسنة، نحو: [غبتُ سنةً كلَّها].

· المُظهَر يؤكَّد بمُظهَر نحو: [سافر خالدٌ نفسُه]، وأما الضمير فيؤكَّد بمضمَرٍ ومظهَر، نحو: [سافرنا نحن، وسلّمنا عليكَ نفسِك].

· إذا أكّدتَ ضمير الرفع بالنفس والعين، فلا بدّ من أنْ تقوّيه أوّلاً بضميره المنفصل، نحو: [سافرتُ أنا نفسي، وسافروا هم أنفسُهم، وخالدٌ نجح هو عينُه...].

· المؤكَّد، يؤكَّد بمثله، إلاّ المثنى فيؤكَّد بمثله وبالمفرد وبالجمع أيضاً، نحو: [جاء الرجلان نفساهما، أو نفسهما، أو أنفسُهما].

* * *

نماذج فصيحة من التوكيد

· ]فسجد الملائكةُ كلُّهم أجمعون[ (الحجر 15/30)

(95/1)

[أجمعون]: توكيد لكلمة [كلُّ]، التي هي أصلاً توكيدٌ لكلمة [الملائكةُ]، فهاهنا -كما ترى - توكيدٌ للتوكيد، والغرض من ذلك التقوية. فإذا لم تُرَد التقوية،لم تسبقها [كلّ]. ونذكّر بأنّ ما يؤتى به لتوكيد التوكيد أربع مفردات هي: أجمع وجمعاء وجُمَع، وأجمعون التي نحن بصددها.

· ]لأُغويَنَّهم أجمعين[ (ص 38/82)

[أجمعين]: اسمٌ منصوب، لأنه توكيد للضمير [هم] الذي هو في محل نصب مفعول به. وكلمة [أجمعين]، هي من الكلمات الأربع التي قلنا آنفاً: إنها يُؤتى بها مسبوقةً بـ[كل]، إذا أريدَ توكيد التوكيد (للتقوية). فإذالم تسبقها [كل] أفادت التوكيد فقط، كما ترى في الآية.

· ]هيهات هيهات لما توعَدون[ (المؤمنون 23/36)

[هيهات هيهات]: هيهات الثانية، توكيدٌ للأولى، وهو توكيد يسميه النحاة: [التوكيد اللفظي]، لأنه يكون بتكرير اللفظ. والغرض من تكريره وإعادته، تثبيتُه في النفس. وتلاحظ أنّ المؤكَّد هاهنا اسم فعل، ولكنْ قد يكون فعلاً، واسماً، وحرفاً، وضميراً،كما ترى بعدُ.

· قال جميل بثينة (الديوان /79):

لا لا أبوحُ بحبّ بَثْنَةَ إنها أخذتْ عليَّ مواثقاً وعهودا

[لا لا]: هاهنا توكيدٌ لفظيّ، وهو من توكيد الحرف بالحرف، بإعادة الأول بلفظه.

· قال الكميت بن زيد (الهاشميات /31):

فتلك وُلاةُ السوءِ قد طال ملكُهم فحتّامَ حتّامَ العناءُ المطَوَّلُ

[حتّامَ حتّامَ]: حتّامَ الثانية توكيدٌ لفظيّ للأولى، وهو من توكيد الجارّ والمجرور بجارّ ومجرور. الأصل: [حتى ما؟] ثم حذفت ألف [ما] الاستفهامية، على المنهاج في حذفها كلما دخل عليها حرف جرّ.

· قال الشاعر (شرح المفصل 2/25):

فإيّاكَ إيّاكَ المراءَ فإنّهُ إلى الشرّ دعّاءٌ وللشرّ جالبُ

[إيّاكَ إيّاكَ]: توكيد لفظيّ، وهو من توكيد الضمير بضمير، بإعادة الأول بلفظه.

· قال قطريّ ابن الفجاءة (شرح ديوان الحماسة: التبريزي 1/50):

فَصَبْراً في مَجال الموت صَبراً فما نَيْلُ الخُلودِ بمستطاعِ

(95/2)

[صبراً صبراً]: توكيد لفظي، وهو من توكيد الاسم الظاهر باسم ظاهر، بإعادة الأول بلفظه.

· قال النابغة للنعمان (الديوان /26):

مهلاً فداءً لكَ الأقوامُ كلُّهمُ وما أُثَمِّرُ من مالٍ ومن ولدِ

[كلُّهُم]: توكيدٌ لـ [الأقوامُ]، ويسميه النحاة اصطلاحاً: [التوكيد المعنويّ]. وهو توكيد يكون بكلمة من سبع كلمات هي: [العين والنفس وجميع وعامّة وكِلا وكِلتا، وكلّ: التي نحن بصددها هاهنا في البيت].

· ]يا آدمُ اسكنْ أنتَ وزوجُكَ الجنّة[ (البقرة 2/35)

[اسكنْ أنتَ]: هاهنا فعل أمر: [اسكنْ]، فاعله ضمير مستتر وجوباً. وأما الضمير [أنتَ] الظاهر، الذي تراه، فهو توكيد للضمير المستتر. وهذا صنف من صنوف التوكيد اللفظي، إذ هو تكرير للضمير المستتر، وإعادة له.

· قال الشاعر (الخزانة 5/168): يذْكر مرضعاً وابنها:

[إذاً ظلِلْتُ الدهرَ أبكي أجمعَا]

[الدهرَ... أجمَعا]: كلمة [أجمع] توكيد لـ [الدهر]، وهي واحدة من أربع كلمات يؤتى بها بعد [كلّ]، لتوكيد التوكيد، إذا أريد تقويته، هي: [جمعاء وجُمَع وأجمعون وأجمع (التي نحن بصددها)]. ويتوجّه النظر هاهنا، إلى أنّها لم تُسبَق بـ [كل]، ولذلك تكون في استعمال الشاعر للتوكيد، لا لتوكيد التوكيد (التقوية). وقد وجّهنا النظر آنفاً، إلى أنّ ذلك وارد في كلامهم. وأوردنا له شاهداً قوله تعالى: ]لأُغْوِيَنَّهمْ أجمعين[.

· ]وإنّ جهنمَ لَموعدُهم أجمعين[ (الحجر 15/43)

[أجمعين]: توكيد مجرور، للضمير المتصل: [هم] الذي هو في محلّ جرّ. وقد ذكرنا آنفاً أنّ [أجمعون] من الكلمات الأربع التي يُؤتى بها للتوكيد، إلاّ إذا سبقتها [كلّ] فتكون لتقويته. ولما كانت هنا في الآية غير مسبوقة بـ [كلّ] كانت للتوكيد فقط، لا لتقويته.

* * *

1- هذه الكلمات الأربع، قد لا تسبقها [كل]، فتكون عند ذلك للتوكيد فقط، لا لتقويته.

(95/3)

توكيد الفعل بالنون

يؤكَّد الفعل بالنون لتقوية معناه في نفس المستمع. ودونك أحكام ذلك في أحواله الثلاث:

1 - أما الفعل الماضي فلا يؤكد بالنون مطلقاً.

2- وأما فعل الأمر فلك الخيار - بغير قيد - إن شئت لم تؤكده، وإن شئت أكدته. وعلى ذلك تقول: [اذهب أو اذهبنّ، واكتب أو اكتبنّ]. قال عبد الله بن رواحة:

فأَنزلنْ سكينةً علينا وثبّتِ الأقدامَ إن لاقينا

وتلاحظ التوكيد مرة: [أنزلنْ]، وعدمَه مرة: [ثبت].

3- وأما الفعل المضارع فتوكيده بالنون ذو فرعين:

الفرع الأول: أن يكون هذا الفعل جواباً لقسم متصلاً باللام. ولا مناص في هذه الحال من توكيده. [توكيده واجب]. ومنه الآية: ]تالله لأكيدنّ أصنامكم[ (الأنبياء 21/57) فالمضارع [لأكيدنّ] واجبٌ توكيده لأنه جواب لقسم: [تالله]،لم تُفصَل اللام عنه.

فإذا لم تتصل به اللام، لم يؤكَّد بحال من الأحوال: (توكيده ممنوع). ومنه الآية: ]ولسوف يعطيك ربك فترضى[ (الضحى93/5) وقد فصلتْ [سوف] بين اللام وجواب القسم [يعطيك] فامتنع التوكيد. ولولا هذا الفصل لوجب التوكيد، فقيل: [ليعطينّك ربك].

ومن بديع الشواهد والأمثلة في هذا الباب، قوله تعالى: ]لئن أُخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم لَيُوَلُّنَّ الأَدبار[ (الحشر59/12) ففي الآية -كما ترى - ثلاثة أجوبة للقسم.

فأما الأول والثاني، أي: [لا يخرجون] و[لا ينصرونهم]، فلم تتصل بهما اللام، فامتنع توكيدهما، وأما الثالث وهو: [ليولُّنَّ]، فقد اتصلت به اللام فوجب توكيده.

والفرع الثاني: ألاّ يكون المضارع جواباً لقسم؛ وفي هذه الحال يجوز توكيده، وعدم توكيده: [لك الخيار]. تقول: [ألا تسافرُ وألا تسافرنَّ، ولا تتأخرْ ولا تتأخرنَّ]...

ولا يستثنى من ذلك إلا الفعل الذي تُنْبِئ به مخاطبك نبأً ما، نحو: [يشرب خالد، وينام سعيد، ويلعب محمد...] فهذا لا يؤكده العربي(1).

أحكام:

(96/1)

1- تُحذَف من المضارع الذي يراد توكيده بالنون: ضمّةُ الرفع في المفرد، ونونُ الرفع في الأفعال الخمسة.

2- يجوز تثقيل النون وتخفيفها في كل موضع، إلاّ بعد ألف التثنية ونون النسوة، فليس إلاّ التثقيل، نحو: [تشربانّ وتشربنانّ].

3- إذا وقفتَ على النون الخفيفة جاز أن تقلبها ألفاً نحو: [يا زهيرُ سافِرَنْ = يا زهير سافِرَاْ].

4- يعامَل فعل الأمر عند توكيده، كما يعامل الفعل المضارع.

تطبيق على توكيد الفعل مقترناً بفاعله:

¨ فاعلُه: مفرد مذكَّر (نحو: تسافر): يُبنى على الفتح:

واللّه لَتُسافِرَنَّ ولَتسعَيَنَّ ولَتَدعُوَنَّ أصدقاءَك ولَتقضِيَنَّ حَقَّهم

سافِرَنَّ واسعَيَنَّ وادعُوَنَّ أصدقاءَك واقضِيَنَّ حَقَّهم

¨ فاعلُه: مثنى (نحو: تسافران): تُكسَر نون توكيده:

واللّه لَتُسافِرانِّ ولَتسعَيَانِّ ولَتَدعُوَانِّ أصدقاءَكما ولَتقضِيَانِّ حَقَّهم

سافِرانِّ واسعَيَانِّ وادعُوَانِّ أصدقاءَكما واقضِيَانِّ حَقَّهم

¨ فاعلُه: جمع مذكّر (نحو: تسافرون): تُحذَف واو الجماعة إلاّ مع المعتلّ بالألف:

واللّه لَتسافِرُنَّ ولَتسعَوُنَّ ولَتدعُنَّ أصدقاءَكم ولَتقضُنَّ حَقَّهم

سافِرُنَّ واسعَوُنَّ وادعُنَّ أصدقاءَكم واقضُنَّ حَقَّهم

¨ فاعلُه: مفردة مخاطَبَة (نحو: تسافرين): تُحذَف الياء إلاّ مع المعتلّ بالألف:

واللّه لَتسافِرِنَّ ولَتسعَيِنَّ ولَتدْعِنَّ صديقاتك ولَتقضِنَّ حَقَّهن

سافِرِنَّ واسعَيِنَّ وادعِنَّ صديقاتك واقضِنَّ حَقَّهنّ

¨ فاعلُه: جمع مؤنث (نحو: تسافرْنَ): الفعل هو هو، لكنْ يُزاد بعده ألِف:

واللّه لَتُسافِرْنانِّ ولَتسعَيْنانِّ ولَتَدعُونانِّ صديقاتكنّ ولَتقضِينانِّ حَقَّهنّ

سافِرْنانِّ واسعَيْنانِّ وادعُونانِّ صديقاتكنّ واقضِينانِّ حَقَّهنّ

* * *

نماذج فصيحة من توكيد المضارع بالنون وجوباً، وامتناع ذلك،

وجواز توكيده وعدمه

· قال النابغة:

فلَتأتِيَنْكَ قصائدٌ ولَيَدفَعَنْ جيشٌ إليكَ قوادمَ الأَكوارِ

(96/2)

(الأكوار للإبل بمنْزلة السروج للخيل. يتوعّده بجيش يأتيه على الإبل، حتى إذا حلّ بساحته نزل الأبطال عنها وامتطوا الخيل). وللبيت رواية أخرى: [جيشاً إليك قوادمُ].

[لَتَأْتِيَنْ]: فعل مضارع، واجبٌ توكيده، لأنه جواب قسم (القسم محذوف) وقد اتصلت به اللام، فتحقق شرط الوجوب. ومثله: [لَيَدفعَنْ]: والنون في كليهما هي الخفيفة(2).

· ]والقمرِ إذا اتّسق لَتركبُنَّ طبقاً عن طبق[ (الانشقاق84/18-19)

[لتركَبُنَّ] فعل مضارع واجبٌ توكيده، لأنه جواب قسم اتصلت به اللام؛ والنون هي الثقيلة.

· قال امرؤ القيس (الديوان/134):

والله لا يذهبُ شيخي باطلا حتى أُبيرَ مالكاً وكاهِلا

القاتِلينَ الملكَ الحُلاحِلا خيرَ مَعَدٍّ حَسَباً ونائِلا

(أبير: أُهلِك، الحلاحل: الشريف).

فهاهنا قسم: (والله)، وجواب القسم: (لا يذهبُ). وتوكيده بالنون ممنوع؛ وإنما امتنع ذلك مع أنه جوابُ قسم، لأن شرط التوكيد الذي لا بد منه، وهو اتصال لام القسم بالفعل، لم يتحقق. ومن هذا تعلم أن المسألة ليست مركوزة في القَسَم، وإنما هي مركوزة في اتصال اللام بجواب القسم!!

· وقال الشاعر:

فحالِفْ، فلا والله تَهبطُ تَلْعَةً من الأرض، إلا أنتَ للذلّ عارِفُ

(يقول الشاعر: حالفْ مَنْ تَعِزُّ بِحِلْفه، وإلا عرفت الذل حيث توجهت من الأرض).

قوله: (تهبط) جواب للقسم: (والله)، وتوكيده ممنوع، وإنما امتنع لأن شرط التوكيد، الذي لابد منه، وهو اتصال لام القسم بالفعل،لم يتحقق(3).

· ]واتّقُوا فتنةً لا تُصِيبَنَّ الذين ظلموا منكم خاصّة[ (الأنفال8/25)

[لا تصيبَنَّ]: تلاحظ توكيد المضارع بالنون. ولولا أن النص قرآني لجاز أن يقال: [لا تصيبُ الذين...]. وذلك أن المضارع ليس جواباً لقسم، فجاز التوكيد وعدمه.

· وقال الأعشى (الديوان /137):

وذا النُّصُبَ المنصوبَ لا تَنْسُكَنَّهُ ولا تَعبدِ الأوثانَ والله فاعْبُدَا(4)

(96/3)

[تنسكَنَّ]: مضارع سبقته [لا] الناهية، وهو مؤكَّد بالنون، ولكن لو قيل: (لا تنسُكْه) لجاز. وقد أوضحنا سبب ذلك في الشاهد السابق، إذ قلنا إن المضارع إذا لم يكن جواباً للقسم، جاز توكيده وعدم توكيده.

ومن ذلك أيضاً، الآية: ]ولا تقولَنَّ لشيء إني فاعل ذلك غداً[ (الكهف 18/23) فلولا أن النص قرآني لجاز عدم التوكيد، أي: (ولا تقلْ...). وذلك أن المضارع ليس جواباً لقسم.

ومن هذه النماذج أيضاً قول امرئ القيس (الديوان /358):

قالت فُطَيْمَةُ: حَلِّ شِعرَكَ مَدحَهُ أَفَبَعْدَ كندةَ تَمْدَحَنَّ قَبيلا

[تمدحنَّ]: مضارع ليس جواباً للقسم، فيجوز فيه التوكيد وعدمه، ولو قيل: [أفبعد كندة تمدحُ] لجاز.

· ومثل ذلك قول الشاعر:

فهل يمنعنّي ارتيادي البلا دَ مِن حَذَرِ الموتِ أنْ يَأْتِيَنْ

[يمنعنّي]: مضارع ليس جواباً للقسم، وقد أُكّد بالنون، ولو لم يؤكَّد فقيل: [فهل يمنعُنِي] لجاز.

وقس على ذلك ألا يكون جواباً للقسم، فيجوز فيه الوجهان:

نحو: لِيُسافرَنَّ، فيجوز: لِيُسافِرْ

ونحو: ألا تسافرَنَّ، فيجوز: ألا تسافِرُ

ونحو: هلاّ تسافرَنَّ، فيجوز: هلاّ تسافِرُ

ونحو: ليتك تسافرَنَّ، فيجوز: ليتك تسافِرُ

ونحو: لعلك تسافرَنَّ، فيجوز: لعلك تسافِرُ

ومن هذه النماذج أيضا، أن يكون المضارع، مسبوقاً بـ [ما] الزائدة، ومنه قول الشاعر:

إذا مات منهم ميِّتٌ سَرَق ابنُهُ ومِنْ عِضَةٍ ما يَنْبُتَنَّ شَكيرُها

(يريد إذا مات منهم ميت سرق ابنه مساوئه، فكان شبيهاً به، فمن رأى هذا ظنه ذاك. و[العضة]: واحدة [العضاه]، وهو شجر عظام. و[الشكير]: صغار الورق والشوك).

[ينبتَنَّ]: مضارع ليس جواباً للقسم، وقد أُكّد بالنون، وسبقته [ما] الزائدة، ولو قيل: [ما ينبتُ] لجاز.

· ومن ذلك غير قليل من أمثال العرب:

(96/4)

منها قولهم (مجمع الأمثال 1/100): [بعينٍ ما أَرَيَنَّكَ] . ولو قالوا: [بعينٍ ما أراك] لجاز. [المعنى: اعمل كأني أنظر إليك، يُضرب في الحثّ على ترك البطء، و (ما) زائدة].

وقولهم (مجمع الأمثال1/107): [بألَمٍ ما تُخْتَنَنَّ]. ولو قالوا: [بألمٍ ما تختَنُ] لجاز.

وقولهم (مجمع الأمثال 1/102): [بسلاحٍ ما يُقْتَلَنَّ القتيل]. ولو قالوا: [بسلاحٍ ما يُقتَلُ] لجاز.

· ومنه الآية: ]إمّا يبلغَنَّ عندك الكبرَ أحدُهما أو كلاهما[ (الإسراء17/23)

[إما = إنْ الشرطية+ما الزائدة]، [يبلغَنَّ]: مضارع ليس جواباً للقسم، مؤكدٌ بالنون، ولو لم يكن النص قرآنياً لجاز: [إما يبلغْ].

· ومثل ذلك الآية: ]فإمّا تَرَيِنَّ من البشر أحداً[ (مريم 19/26)

ولولا أن النص قرآني لجاز: [إما تَرَيْ].

· ومما جاء من هذا غيرَ مؤكد بالنون قول الشاعر:

يا صاح إما تجدْني غير ذي جِدَةٍ فما التخلّي عن الخِلاّنِ من شِيَمِي

[إما تجدْني]: مضارع ليس جواباً للقسم، غير مؤكد بالنون، سبقته [ما] الزائدة، ولو أُكِّد بالنون فقيل: [إما تجدَنِّي] لجاز.

* * *

1- لا يؤكد العربي الفعل في هذه الحال، لأن المستمع يكون خالي الذهن من الخبر، غير متردد فيه، ولا منكر له. مما ينفي الحاجة إلى توكيده؛ وقد نص الأئمة على ذلك صراحة، فقال الرضي: [النون لها مواضع... ولا تجيء في الخبر الصرف، نحو: تضربنَّ زيداً]. (شرح الكافية 4/318)

2- تأتي هذه النون خفيفة: (نْ) للتوكيد، وثقيلة: (نَّ) لمزيد توكيد، وقد اجتمعتا في الآية: ]ليُسجَنَنَّ ولَيكونَنْ من الصاغرين[ (يوسف12/35)

(96/5)

3- في البيت فائدة عظيمة القيمة، وهي أن العربي قد يحذف (لا) النافية من جواب القسم، مع أنه يريد النفي. قال سيبويه - هارون 3/105: (تحذف لا وأنت تريد معناها، وذلك قولك: والله أفعل ذلك أبداً، تريد: والله لا أفعل ذلك أبداً) ثم استشهد بالبيت الذي نحن بصدده. وعلى ذلك فالأصل قبل الحذف: (والله لا تهبط... إلا). ومنه الآية: ]تالله تفتأ تذكر يوسف[ (يوسف12/85)، أي: تالله لا تفتأ تذكر يوسف. ومنه قول امرئ القيس: فقلت يمينُ الله أَبرحُ قاعداً ولو قطعوا رأسي لديكِ وأوصالي

أي: يمين الله لا أبرح. وكل هذا يمتنع توكيده مع أنه جواب للقسم. وذلك أنه لم يتحقق له شرط التوكيد، وهو اتصال اللام بجواب القسم.

4- قوله: [اعبدا] فعل أمر مؤكد بالنون الخفيفة. والأصل فيه [اعبدَنْ]، غير أن النون الخفيفة يجوز أن تقلب في الوقف ألفاً، فيقال مثلاً: [اضربنْ = اضربا واذهبْن = اذهبا واحفظنْ = احفظا].

(96/6)

ظرف الزمان، وظرف المكان (المفعول فيه)

الظرف: اسم منصوب، يقع الحدَث فيه، فيكون كالوعاء له؛ ثم إن دلّ على زمان، سُمّي: [ظرف زمان]، أو على مكان، سُمّي: [ظرف مكان]؛ مثال الأول: [سافرت يومَ العطلة]، ومثال الثاني: [جلست تحتَ الشجرة].

مِن ظروف الزمان: [حين - صباح - ظُهر - ساعة - سنة - أمس...].

ومِن ظروف المكان: [فوق - تحت - أمام - وراء - حيث - دون...].

حكمان:

¨ إذا لم يُستعمل الظرف وعاءً للحدث، بل استعمل كما تستعمل سائر الأسماء، أُعرِب على حسب موقعه مِن العبارة كسائر الأسماء: فاعلاً أو مفعولاً، أو مبتدأً أو خبراً... ويقال له عند ذلك اصطلاحاً: [ظرف متصرف]، نحو: [أقبل يومُ العيد] (فاعل). [أُحِبّ يومَ العيد] (مفعول به). [يومُ العيد بهيجٌ] (مبتدأ)...

¨ يحتاج الظرف إلى متَعَلَّق يتعلَّق به، وإلاّ كان لغواً(1).

ألِف العربي الاختصار والإيجاز في استعمال الظروف في مواضع من كلامه(2)، حتى غدت هذه الاستعمالات قواعد قياسية في كتب النحو واللغة.

وعلى ذلك:

- يحذِف العربيُّ الظرفَ ويجتزئ بصفته، فيقول مثلاً: [صبرت طويلاً = صبرت زمناً طويلاً].

- ويحذفه ويجتزئ بالمصدر الذي يكون بعده، فيقول: [سافرتُ طلوعَ الشمس = سافرت وقتَ طلوع الشمس].

- ويحذفه ويجتزئ بعَدَدِه، فيقول مثلاً: [صُمْتُ عشرين يوماً = صُمْتُ زمناً مدته عشرون يوماً].

مسائل أربع:

1- إذا أُشير إلى الظرف، نحو: [سهرت هذه الليلة]، عُدّ اسم الإشارة هو الظرف.

2- إذا أريد من الظرف كليّةٌ أو بعضيةٌ، نحو: [سهرت كلَّ الليل، نمت بعض الليل، كتبت نصفَ ساعة، قرأت ربعَ ساعة...]، عُدَّ اللفظُ الكليّ أو البعضيّ هو الظرف.

3- مِن الظروف ما هو مبنيّ، نحو: [إذا - متى - أيّانَ - إذ - أمسِ - الآنَ - مذْ - منذُ - قطُّ - بينا - بينما - ريثما - لمّا - حيث - هنا - ثَمَّ - أيْنَ - أنّى - لدُنْ - لدى...].

(97/1)

4- [قبل وبعد] و[الجهات الستّ]: يمين، فوق، تحت، أمام (ومثلها قُدّام)، وراء (ومثلها خلف)، يسار (ومثلها شِمال)، تُبنى على الضمّ إذا قُطعت عن الإضافة. تقول مثلاً: [سافرت قبلَ الفجرِ، ووقفت قدّامَ الطاولةِ]، فإذا قُطع الظرف عن الإضافة بُني على الضم فقيل: [سافرت قبلُ - وقفت قدّامُ].

* * *

نماذج فصيحة من استعمال ظرف الزمان وظرف المكان

· ]فأوحى إليهم أنْ سبِّحوا بكرةً وعشيّاً[ (مريم 19/11)

[بكرةً]: ظرف زمان منصوب، متعلق بـ [سبِّحوا]. إذ البكرة وعاء زمني [ظرف] يحدث فيه التسبيح.

· ]قال آيتُك ألاّ تُكلّم الناس ثلاثَ ليالٍ سويّاً[ (مريم 19/10)

[ثلاثَ]: ظرف زمان منصوب، متعلق بـ [تكلّم]. وأصل المعنى: [ألاّ تُكلم الناس زمناً مدّته ثلاث ليالٍ]، ولكن الآية جرت على سَنَن العرب في الإيجاز، فحذفت الظرف واجتزأت بعدده.

· ]ومن الليل فسبِّحهُ وإدبارَ النجوم[ (الطور 52/49)

[إدبارَ]: ظرف زمان منصوب، متعلّق بـ [سبِّح]. وهو مصدرُ [أدبَرَ - يُدْبِر]. والأصل: سبِّحه وقت إدبار النجوم، أي وقت غروبها، ولكن الآية جرت على سَنَن العرب في الإيجاز، فحذفت الظرف واجتزأت بالمصدر.

· قال يزيد بن الصَّعِق، ويعزى لغيره (الخزانة 1/429):

فساغ ليَ الشرابُ وكنتُ قبلاً أكاد أَغَصُّ بالماء الفُراتِ

[قبلاً]: ظرف زمان منصوب، والشاعر بنصبه له وتنوينه، قد أشعر القارئ أنْ ليس بعد هذا الظرف مضاف إليه محذوف. إذ لو كان بعده مضاف إليه محذوف، وكان الأصل قبل الحذف هو مثلاً: [وكنت قبل كذا أكاد...]، لقال: [وكنت قبلُ]، فيُبنى الظرف في هذه الحال على الضم. وهو ما نبّهنا عليه في البحث إذ قلنا: [إذا قُطع الظرف عن الإضافة بُني على الضمّ].

· قال الشاعر (همع الهوامع 3/196):

لَعَنَ الإلهُ تَعِلَّةَ ابنَ مسافرٍ لَعْناً يُشَنُّ عليه مِنْ قُدّامُ

(97/2)

[قدّامُ]: ظرف، والظرف إذا قُطِع عن الإضافة (أي: حُذِف المضاف إليه بعده)، يُبنى على الضمّ، وذلك ما فعله الشاعر إذ قال: [من قدامُ]، وهو ما نوّهنا به في البحث إذ قلنا: [إذا قُطِع الظرف (قبل وبعد والجهات الست) عن الإضافة بُنِيَ على الضمّ].

· قال الشاعر (همع الهوامع 3/188):

اليوم أعلمُ ما يجيء بهِ ومضى بفضل قضائه أمسِ

[أمسِ]: اسم يدلّ على الزمان. ويبنى على الكسر، إذا أريد به اليوم الذي قبل يومك الذي أنت فيه. ولم يُستعمل في البيت ظرفَ زمان، يقع فيه الحدث فيكون وعاءً له، بل استعمل كما تُستعمل سائر الأسماء، فهو هاهنا فاعل لفعل: [مضى]. وهذا معنى قولهم: [ظرف متصرف].

· ومنه قول المعريّ:

أمسِ الذي مرّ على قربه يعجز أهل الأرض عن ردّهِ

فكلمة: [أمسِ]، في البيت، استُعملت استعمال ظرفٍ متصرف، يُعرب على حسب موقعه من العبارة كسائر الأسماء. فهي هنا: اسمٌ مبني على الكسر، في محل رفع مبتدأ، خبره جملة [يعجز أهل الأرض عن ردّه].

· ]يوفون بالنذر ويخافون يوماً كان شرّه مستطيراً[ (الإنسان 76/7)

[يوماً]: لم يستعمل في الآية ظرفاً يقع فيه الحدث فيكون وعاءً له، بل استعمل غير ظرف. أي استعمل كما تستعمل سائر الأسماء، فمحلُّه إذاً من الإعراب في الآية، مفعول به منصوب. ويقول عنه النحاة في هذه الحال: [ظرف متصرف].

· قال عبد الله بن الدمينة (الديوان /103):

أَحقّاً عبادَ اللهِ أنْ لستُ صادراً ولا وارداً إلاّ عليَّ رقيبُ

قوله: [أحقاً... أنْ لست...] تركيب عربي فصيح، يُستَعمل كما جاء، بدون تغيير ولا تبديل. تقول: أحقّاً أنك منطلق، أحقّاً أنك مسافر، أحقّاً أنّ الأمر الفلاني سيحدث...

(97/3)

ولقد زعمت كتب الصناعة، زعماً يفتقر إلى منطق محكَم، أنّ [حقّاً] منصوب على الظرفية الزمانية؛ والأقرب إلى المنطق اعتدادُه منصوباً على نزع الخافض، وأن الأصل: [أفي حقٍّ]. ونوجّه النظر، إلى أن التركيب هو هو، لا يتغير في كل حال. وإنما الذي يتغير هو الإعراب. وما أهون أن يختلف الإعراب ويسلم التركيب.

· ومثل ذلك قول المفضَّل النُّكري (الأصمعيات /231):

أَحقّاً أنّ جيرتنا استقلّوا فنيَّتُنا ونيَّتُهمْ فريقُ

· قال عبد الله بن الدمينة (الديوان /88):

نهاري نهارُ الناسِ حتى إذا بدا ليَ الليلُ هزّتني إليكِ المضاجعُ

[نهاري نهار]: لم يستعمل الشاعر هذين الاسمين على أنهما ظرفان يقع فيهما الحدث، فيكونان وعاءً له، بل استعملهما على أنهما ظرفان متصرفان، أي: اسمان كسائر الأسماء، فإعرابهما إذاً، على حسب موقعهما في العبارة. فالأول هنا مبتدأ، والثاني خبر.

* * *

1- الظرف والجارّ والمجرور شأنهما في التعليق سواء، والحديث عن أحدهما في هذا منطبق على الآخر. ولقد خصصنا هذه المسألة ببحث قائم برأسه، عنوانه [تعليق شبه الجملة (33)]، فمن شاء رجع إلى ذلك في موضعه.

2- ينفر العربي من الثرثرة في عامة تعابيره، ويميل إلى الإيجاز والاختصار، ما استقام المعنى. وما نرى وَعْدَ الله المؤمنين جنةً ]لا يسمعون فيها لغواً[، إلاّ استكمالاً لمتعها!!

(97/4)

عَلَى

¨ [على]: من حروف الجرّ، ولها معان أشهرها:

* الاستعلاء وهو أصل معناها، نحو: ]وعليها وعلى الفلك تُحمَلون[ (المؤمنون 23/22)

* المصاحَبة بمعنى [مع]، نحو: ]وإنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرةٍ للناس على ظُلمهِم[ (الرعد 13/6) أي مع ظلمهم.

* التعليل، نحو: ]وَلِتُكبِّرُوا اللهَ على ما هداكم[ (البقرة 2/185)

* الظرفية بمعنى [في]، نحو: ]ودَخلَ المدينَةَ على حين غَفْلَةٍ مِنْ أَهلِها[ (القصص 28/15) أي في حين غفلة.

* الاستدراك، ومنه قول ابن الدُمَينة:

بكلٍّ تداوَيْنا فلم يُشْفَ ما بنا على أنّ قُرْبَ الدار خيرٌ مِنَ البُعْدِ

¨ تكون اسماً بمعنى [فوق]، إذا دخل عليها حرف الجرّ [مِن]، وذلك نحو قولك: [نزلت مِن على المنبر]، و[سقط زيدٌ مِن على السطح].

* * *

(98/1)

عَنْ

¨ حرف جرٍّ، لها معانٍ أشهرها:

* المجاوزة، نحو: سِرتُ عن المدينة.

* معنى [بَعد]، نحو: ]عَمَّا قليلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمين[ (المؤمنون23/40)

* معنى [على]، نحو: ]وَمَنْ يَبخَلْ فإنما يَبْخَلُ عن نَفْسه[ (محمد 47/38)

* معنى [مِن]، نحو: ]وهو الذي يَقبَلُ التَّوبةَ عن عِبَاده[ (الشورى42/25)

* معنى البدلية، نحو: ]واخْشَوا يوماً لا يَجْزِي والدٌ عن وَلَدِه[ (لقمان31/33)

* معنى التعليل، نحو: ]وما نحن بِتارِكِي آلِهَتِنا عن قَوْلِك[ (هود11/53)

¨ وتكون بمعنى [جانب]، إذا سبقتها [مِن]، نحو قول قَطَرِيّ ابن الفُجاءة:

فلقد أراني للرماح دَريئةً مِنْ عَنْ يميني مرةً وأَمامي

* * *

(99/1)

عَدَا

أداةٌ يستثنى بها، لتضمّنها معنى [إلاّ]. والاسمُ بعدها يجوز جرُّه ونصبُه(1).

* فمن الجرّ قول الشاعر (الدرر اللوامع 1/197):

أَبَحْنا حَيَّهُمْ قَتْلاً وأَسْراً عَدا الشَّمْطاءِ والطفلِ الصغيرِ

[الشمطاء]: من خالط سوادَ شعرها بياضُ الشيب.

* ومن النصب قول الشاعر (همع الهوامع 3/284):

عَدا سُلَيْمَى وعَدَا أباها(2)

* فإذا اقترنت بها [ما] وجب النصب، وامتنع الجرّ، ومنه قول مروان بن أبي حفصة (الديوان /74):

ما عدا المُجْتَدَى أباكَ وما مِنْ راغبٍ يَنْتديه إلاّ اجتداكا

وقولُ الشاعر (الدرر اللوامع 1/197):

تُمَلُّ النَّدامَى ما عَدانِي فإنني بكلِّ الذي يَهْوى نَدِيمي مولَعُ(3)

* * *

1- يذهب النحاة إلى أن [عدا] في حالة الجرّ حرفُ جرّ، وفي حالة النصب فعل.

2- ذكر صاحب الدرر 1/196 أنه لم يقف على تتمة هذا الشاهد ولا نسبته.

3- الياء مِن [عداني] في محلّ نصب، وليس لها وجه آخر. وذلك أنّ نون الوقاية لا تدخل على ضمير مجرور.

(100/1)

أَجَلْ

حرف جواب، مثل نَعَمْ.

* * *

(101/1)

[ألـ]

· [ألـ]: تأتي على وجهين، مُعَرِّفةً وزائدة:

* المعرِّفة: تدخل على الأسماء فتفيدها التعريف. نحو: [الكتاب والقلم والمسطرة](1). ثمّ إن دلّ سياق الكلام على أنّ الاسم الذي تَعرّف بها مقصودٌ به جميع أفراد جنسه نحو: ]وخُلِق الإنسان ضعيفاً[ (النساء 4/28)، سمَّوها: [جنسية]، أو أنّ المقصود به معهود(2) نحو: [ابتدأت العطلة]، سمَّوها: [عهديّة].

* الزائدة: وهي التي تصحب الأعلام(3)؛ ثمّ إذا كانت تصحبها فتلزمها فلا تفارقها نحو: [اللات والعزّى ولفظ الجلالة...]. قيل: زيادتها (لازمة)، وإذا كانت تصحبها مرة وتفارقها أخرى نحو: [الحسن - الحسين - العباس - الرشيد...] قيل: زيادتها (غير لازمة).

* * *

1- [كتاب وقلم ومسطرة] نكرات لا تدلّ على معيَّن، فإذا أريدَ تعريفُها أُدخلت عليها [ألـ] فقيل: [الكتاب والقلم والمسطرة] فتتعرّف بذلك وتتعيّن. وذلك كأنْ تسأل صديقاً لك شراءَ قلمٍ ما على غير تعيين (وهذا نكرة)، ثم تقول له من بعدُ: [هل اشتريت لي القلم ؟]، أي: هل اشتريت لي القلم الذي كان موضوعَ حديثنا من قبل؟ (وهذا معرفة).

2- قد يكون [المعهود] حاضراً، أو سبق ذكرُه في الكلام، أو معيَّناً في الذهن نحو: [جاء الفائز].

3- ويقول بعض النحاة إنها زائدة أيضاً في كلمتين هما: الاسم الموصول نحو [الذي...]، وكلمة [الآن].

(102/1)

أَلاَ

تأتي على وجهين:

الأول: حرف استفتاح وتنبيه، وضابطها صحة الكلام بدونها. وتُكسر همزة [إنّ] بعدها، وتدخل على الجملة الاسمية والفعلية، نحو: ]ألا إنهم هم السفهاء[ (البقرة 2/ 13) و]ألا ساء ما يَزِرُون] (1) (الأنعام 6/31)

والثاني: العرض والتحضيض، وتختص بالأفعال، نحو: ]ألا تحبون أن يغفر اللهُ لكم[ (النور 24/22) و ]ألا تقاتلون قوماً نكثوا أيمانَهم[ (التوبة 9/13)

* * *

1- ساء: فعل متعدٍّ متصرّف، و [ما] اسم موصول، فاعل (البحر المحيط 4/107)، و يزرون: من الوِزْر، أي: الحمل.

(103/1)

الأَلِف

لها وجوه:

الأول: ضمير الاثنين، وتتّصل بالفعل نحو: [قلتُ لزهيرٍ وسعيدٍ: سافِرا، فسافَرا وسيعودان].

الثاني: علامة التثنية، نحو: [عندي كتابان].

الثالث: علامة نصب الأسماء الخمسة، نحو: [زُرْنا أخاكَ].

الرابع: الزائدة، المتّصلة بالظرف [بين]، نحو: [بينا كنت أقرأ إذ قُرِعَ الباب].

الخامس: الزائدة لمدّ الصوت، في الندبة والاستغاثة والتعجّب، نحو:

[وا حسيناْ - يا زهيراْ - يا عجباْ].

السادس: ألِف الإطلاق، وهي التي تلحق القوافي، نحو:

أَقِلّي اللومَ عاذل والعِتابا

السابع: الفاصلة بين نون النسوة ونون التوكيد، نحو: [واللهِ لَتَذْهبْنانّ = لَتَذْهَبْنَ + الألف الفاصلة + نِّ].

الثامن: المبدلَة من نون التوكيد، نحو: ]لَنَسْفَعَنْ[ = لَنَسْفَعَا، أو مِن تنوين النصب عند الوقف، نحو: [زرت زهيرنْ = زُرت زهيراْ].

* * *

(104/1)

الباء

- الباء من حروف الجرّ، أصل معانيها الإلصاق نحو: [أمسكت بيدك]، و[مررت بدارك]. ومهما تختلف معانيها الأخرى فإن الإلصاق لا يفارقها؛ فمن ذلك:

* الاستعانة: كتبت بالقلم، أي مستعيناً به.

* السببية والتعليل: ]فكلاًّ أخذنا بذنبه[، (أي: بسبب ذلك).

* التعدية: ]ذهب اللهُ بنورهم[ أي: أذهب الله نورَهم.

* العِوَض: خذ الكتاب بدينار. أي: هذا عِوَضٌ من ذاك وبدلٌ منه.

* الظرفية: ]ولقد نصركم اللهُ ببدر[، (أي: نصركم في بدر)

* المصاحبة: اشتريت البيت بأثاثه، أي: مع أثاثه.

* القَسَم: باللهِ العظيم لأسافرنّ. ويجوز إظهار فعل القسم معها فيقال: أقسم بالله العظيم لأسافرنَّ.

- قد تأتي الباء في الكلام زائدة، ويطّرد ذلك قياساً في الخبر المنفيّ، نحو: [ليس الجهل بنافع] أي: ليس نافعاً. و[ما الطيش بمحمود]، أي: ما الطيش محموداً. وأما في غير الخبر المنفي، فزيادتها محصورة في تراكيب معينة مع كلمات لا تتغيّر، دونك بيانها:

* بعد [ناهيك] نحو: [ناهيك بخالدٍ بطلاً = ناهيك خالدٌ...].

* بعد [إذا الفجائية] نحو: [خرجتُ فإذا بخالدٍ يصيح = فإذا خالدٌ...].

* بعد [كيف] نحو: [كيفَ بِكَ إذا كان كذا وكذا = كيفَ أنتَ...].

* بعد [كفى] نحو: [كفى بزهير معلّماً = كفى زهيرٌ معلّماً].

* قبل [حَسْب] نحو: [بحَسْبِكَ دينارٌ = حسْبُكَ دينارٌ].

* قبل [النفس والعين] في باب التوكيد نحو: [زارنا خالدٌ بعينه وبنفسه = زارناخالدٌ عينُه ونفسُه].

* * *

نماذج فصيحة من استعمال الباء

· قال امرؤ القيس (الديوان /33):

وليس بذِي رُمحٍ فيطعنَنِي بِهِ وليس بِذي سَيْفٍ، وليس بِنَبّالِ

تزدحم الباءات في بيت الشاعر، وهي صنفان:

الأول قوله: [يطعنني به (أي: الرمح)] والباء فيه للاستعانة، أي: يطعنني مستعيناً به.

(105/1)

والثاني قوله: [ليس بذي رمح - وليس بذي سيف - وليس بنبّال] والباءات الثلاث حروف جرّ زائدة، جاءت - على المنهاج - في أخبار منفية، أي: ليس ذا رمح، وليس ذا سيف، وليس نبالاً. وقد ذكرنا في المتن أنّ زيادة الباء في الخبر المنفي زيادة قياسية مطّردة.

· ]وما ربك بظلاّم للعبيد[ (فصّلت 41/46)

[ما... بظلاّم]: الباء في الآية زائدة زيادة قياسية مطّردة، وذلك أنها جاءت - على المنهاج - في الخبر المنفي، أي: وما ربُّكَ ظلاّماً.

· ]كَفَى بالله شَهيدًا[ (الرعد 13/43)

[كفى بالله]: الباء في الآية زائدة، وقد جاءت بعد الفعل الماضي: [كفى]. وهي إحدى الزيادات المحصورة، في تركيب معيّن، مع كلمة لا تتغير، هي الفعل الماضي [كفى]. أي: كفى اللهُ شهيداً.

· قال الأشعَرُ الرَّقبانُ الأسديّ (نوادر أبي زيد /289):

بِحَسْبِكَ في القومِ أنْ يَعلَموا بأنّكَ فيهمْ غَنِيٌّ مُضِرّ

[بحسبك]: الباء زائدة، وقد دخلت على كلمةِ [حسْب]. وهذه الزيادة هي إحدى الزيادات المحصورة، في تركيب معيّن، مع كلمة لا تتغيّر، هي كلمة [حسْب]. أي: حسبك أن يعلموا.

· قال ذو الرمة (الديوان 2/778):

وقفنا فقلنا إِيهِ عن أُمِّ سالمٍ وكيف بتكليمِ الديار البلاقعِ

[كيف بتكليم...]: الباء زائدة، وقد جاءت بعد [كيف]. وهذه إحدى الزيادات المحصورة في تركيب معين، مع كلمة لا تتغير هي كلمة [كيف]. أي: كيف تكليمُ الديار.

* * *

(105/2)

الفاء

تَرِد الفاء على ثلاثة وجوه:

¨ الوجه الأول: العاطفة. وتفيد [الترتيب مع التعقيب] نحو: [دخل خالدٌ فزهيرٌ]. فالترتيب: دخول خالدٍ أولاً؛ والتعقيب: دخول زهيرٍ عقب خالد بلا مهلة(1). وقد تفيد معهما [التسبيب]، وذلك أن يكون ما قبلها سبباً فيما بعدها نحو: ]فوكزه موسى فقضى عليه] (2) (القصص 28/15)

حُكْم: قد يكون قبل الفاء المفيدة للتسبيب نفيٌ أو طلب، فينتصب الفعل المضارع بعدها، نحو: [لا تُقَصِّرْ فتندَمَ]. وتُسمّى في هذه الحال: [فاء السببية](3).

¨ والوجه الثاني: الرابطة لجواب الشرط، نحو: ]إنْ تُعذّبْهم فإنّهم عبادُك] (4) (المائدة 5/118)

¨ والوجه الثالث: الزائدة، ويكون دخولها في العبارة كخروجها، نحو: [أنت فاكتمْ ما حدّثتك به = أنت اكتمْ ...]، ومن مواضع ذلك: دخولُها على خبر المبتدأ، إنْ كان المبتدأ مما يتضمن معنى الشرط، نحو: [الذي يأتي فله درهمٌ] و [كلّ صادقٍ فهو محترم].

تنبيه: قد تكون الفاء للاستئناف، وذلك إذا تمّ الكلام، وأُتِي بعد تمامه بكلام مستأنَف، قد يتّصل بالسابق من جهة الموضوع، ولكنْ لا صلةَ له به من الوجهة الإعرابية، نحو: [جعلوا لله شركاء، فتعالى الله].

* * *

1- تعمد كتب الصناعة إلى التفصيل في الترتيب والتعقيب، فتجعل الترتيب ترتيبين معنويّاً وذِكريّاً. فالمعنويّ نحو: [دخل خالدٌ فزهيرٌ]. والذِّكْريّ - وهو عطفُ مفصّلٍ على مجمَل - نحو: [سافر عليٌّ، فركب السيارة والطائرة]. وتجعل التعقيب تعقيبين، بلا مهلة نحو: [أكل فشبع]، وبمهلة نحو: [تزوَّج فوُلِد له]. وأما ابن هشام فيقول: [التعقيب، هو في كل شيء بحسبه] (المغني /174).

2- في الآية: ترتيب وتعقيب وتسبيب. فالترتيب من أنّ [الوكْز كان أولاً]، والتعقيب من أنّ [القضاء على العدوّ كان بعد الوكْز بلا مهلة]، والتسبيب من أنّ [الوَكْز كان سببَ الموت].

(106/1)

3- انظر أحكام ما قبل فاء السببية وما بعدها، في بحث [نصب الفعل المضارع (92)]. واعلَم أنّ بين فاء التسبيب (كما يسمّيها المالقيّ) وبين فاء السببية، اتّفاقاً وافتراقاً. فهما يتّفقان في أنّ ما قبلهما كليهما سببٌ فيما بعدهما، ويفترقان في أنّ التي بعدها مضارعٌ منصوبٌ هي فاء السببية، وأنّ ما عدا ذالك هو فاء التسبيب.

4- انظر أحكام ربط جواب الشرط بالفاء، في بحث [جزم الفعل المضارع (40)].

(106/2)

الهاء

على وجوه:

الأول: ضميرٌ للغائب، نحو: [فلانٌ حَسَدُهُ يقتلُه].

الثاني: حرف يلازم الضمير [إيّا]، للدلالة على الغيبة، نحو: [إيّاهُ أَعنِي](1).

الثالث: هاء السَّكْت، وهي هاء ساكنة يُؤتَى بها إذا وُقِفَ على آخر الكلمة مما يأتي:

* الاسم المندوب، نحو: [وا خالداهْ].

* كلّ فعلٍ حُذِفَ حرفُه الأخير، نحو: [عِ، لم يَعِ، لم يُوقَ](2)، فيقال عند الوقف: [عِهْ - لم يَعِهْ - لم يُوقَهْ].

* ياء المتكلِّم نحو: [هذا قلَمِيَهْ، قرأتُ كتابِيَهْ].

* ثلاثة ضمائر هي: [أنا - هو - هي] يقال في الوقف على آخرها:

[أَنَهْ - هُوَهْ - هِيَهْ].

* [ما]: الاستفهامية إذا حُذِفَت ألفُها لدخول حرف جرٍّ عليها، نحو:

[لِمَهْ - بِمَهْ - مِمَّهْ].

* * *

نماذج فصيحة من استعمال هاء السَّكْت

· قال حسّان بن ثابت (الديوان /422):

إذا ما تَرَعرَعَ فينا الغلامُ فما إنْ يُقالُ لهُ: مَنْ هُوَهْ؟

[هُوَهْ]: الهاء المتصلة بهذا الضمير هي هاء السكت؛ وذلك أنّ ثلاثة ضمائر تُزاد هاءُ السكت في آخرها، هي: [أنا - هو - هي]، فيقال في الوقف على آخرها: [أَنَهْ - هُوَهْ - هِيَهْ].

· وقال أيضاً، زاعماً أنّ له شيطانَ شعرٍ من بني (الشَّيْصَبان) إحدى قبائل الجنّ (الديوان /423):

ولِي صاحبٌ مِن بني الشَّيْصبانِ فطَوْراً أقولُ، وطوْراً هُوَهْ

والاستعمال في هذا البيت هو الاستعمال نفسه في البيت السابق، فلا حاجة إلى الإعادة.

· ]يا ليتني لمْ أُوْتَ كتابِيَهْ. ولَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ[ (الحاقة 69/25-26)

تُزاد هاء السكت، بعد ياءِ المتكلّم إذا وُقِفَ عليها، وقد تحقق ذلك في الكلمتين: [كتابيَهْ] و [حسابيَهْ].

· ]ما أَغْنَى عنّي مالِيَهْ. هَلَكَ عني سُلطانِيَهْ[ (الحاقة 69/28-29)

يُقال في هاتين الآيتين، ما قيل آنفاً في الآيتين السابقتين، فلا حاجة إلى التكرار.

· ]وما أدراكَ ما هِيَهْ[ (القارعة 101/10)

(107/1)

[هِيَهْ]: الهاء المتصلة بهذا الضمير هي هاء السكت؛ وقد كُنَّا قلنا آنفاً: إنّ ثلاثة ضمائر تُزاد هاءُ السكت في آخرها، هي: [أنا - هو - هي]، فيقال في الوقف على آخرها: [أَنَهْ - هُوَهْ - هِيَهْ]. والآية شاهدٌ على ذلك، إذ جاءَتْ هاءُ السكت هاهنا في آخِر الضمير: [هي]. ومن المعجن نفسه القول: [هكذا فَصْدِي أَنَهْ] فإنّ الهاء هاهنا هاء السكت. وقد أورد ذلك المالقيّ، نموذجاً لزيادتها، بدلاً من ألف الوقف في آخر الضمير [أنا]، فقيل: [أَنَهْ].

* * *

1- مِن ملازمة الهاء لهذا الضمير، أجازوا إعرابهما معاً كلمةً واحدة. ومثل ذلك: إياك وإيانا و...

2- لولا الحذف لقيل: [عِيْ ويعِي ويُوْقَى]. انظر: هاء السكت، في بحث: القراءة (من أحكامها) (65).

(107/2)

الهمزة

للهمزة ثلاثة وجوه:

الأول: أداة نداء، نحو قول امرئ القيس:

أفاطمُ مهلاً بعضَ هذا التدلّلِ وإن كنتِ قد أزمعتِ صَرمي فأجملِي

الثاني: أن تكون للتسوية: وتقع بعد: (سواء، وما أبالي، وما أدري، وليت شعري، ونحو ذلك). وتؤَوَّل هي وما بعدها بمصدر نحو: ]سواءٌ عليهم أأنذرتهمْ أم لم تنذرهم لا يؤمنون[، أي: سواء عليهم إنذارُكَ وعدمُ إنذارك.

الثالث: أداة استفهام: نحو: [أأنت خالدٌ؟]، [أيسافر زهيرٌ؟]. وفي استعمالها وجوه:

* قد تُحذَف، في الإثبات وفي النفي. فمن الإثبات قول عمَر بن أبي ربيعة (الديوان / 258):

فواللهِ ما أدري وإني لحاسِبٌ بسبعٍ رميتُ الجمرَ أم بثمانِ؟

أي: أبسبعٍ؟

ومن النفي قولُه تعالى: ]ألم نشرح لك صدرك[.

* لها الصدارة أبداً، ومن ذلك تقدمُها على حروف العطف: (الواو والفاء وثُمّ). نحو: ]أوَلَم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض[ ]أفلم يسيروا فينظروا[ ]أَثُمَّ إذا ما وقع آمنتم به[.

¨ من أحوال الهمزة:

1- يُقلب حرف العلة (الواو والياء) همزةً، إذا تطرّف وسبقته ألف زائدة. كنحو: سماء ودُعاء وبنّاء وسقّاء. فإن الأصل: سَماو ودُعاو وبَنّاي وسقّاي(1).

2- يُقلب حرف العلة همزةً في اسم الفاعل، الذي تُعَلّ عين فعله، كنحو: قائل وبائع وجائز(2) فإنّ أفعالها قبل الإعلال: قول وبيع وجوز. ثم بعد إعلالها: قال وباع وجاز.

3- الألف والواو والياء، إن وقعت ثالثة زائدة ساكنة في اسم مفرد، قُلبت همزةً في جمعه على فَعَاْئِلْ، نحو: [رسالة - رسائل، عجوز - عجائز، صحيفة - صحائف].

4- إن اجتمعت همزتان، أولاهما متحركةً، والثانية ساكنة، قلبت الثانية حرف مدّ يجانس حركة الأولى، كنحو: آمَنَ - أُومِنُ - إِيمان - آدم - آخر، والأصل: أَأْمن - أُأْمن - إِإْمان - أَأْدم - أَأْخر.

(108/1)

5- إن كانت الهمزة حشواً في الكلمة، ساكنةً بعد حرف صحيح، نحو: [رأْس] أو متحركةً بالفتح، نحو: [ذئاب]، أو تطرّفت نحو [القارِئ، الوضوْء]، جاز أن تُقلَب فتجانس ما قبلها من حركة أو حرف، على حسب الحال. ودونك نماذج من الصنفين:

أوّلاً: قلبُ الهمزة حرفاً يُجانس حركةَ ما قبلها:

قَرَأ (متطرّفة) = قَرَاْ (قلبت الهمزة ألفاً لتجانِس فتحةَ الراء)

يَقْرَأ (متطرّفة) = يَقْرَاْ (قلبت الهمزة ألفاً لتجانِس فتحةَ الراء)

القارِئ (متطرّفة) = القارِيْ (قلبت الهمزة ياءً لتجانس كسرة الراء)

رأْس (حشو) = رَاْس (قلبت الهمزة ألفاً لتجانس فتحة الراء)

الملأ (متطرّفة) = الملاْ (قلبت الهمزة ألفاً لتجانس فتحة اللام)

سُؤْل (حشو) = سُوْل (قلبت الهمزة واواً لتجانس ضمة السين)

بِئر (حشو) = بِيْر (قلبت الهمزة ياءً لتجانس كسرة الباء)

ذِئاب (حشو) = ذِياب (قلبت الهمزة ياءً لتجا نس كسرة الذال)

جُؤار(3) (حشو) = جُوار (قلبت الهمزة واواً لتجانس ضمة الجيم)

ثانياً: قلبُ الهمزة حرفاً يُجانس حرفاً قبلها:

وضوء(متطرفة) = وضوو (قلبت الهمزة واواً لتجانس الواو) = وضوّ (بعد الإدغام)

هنيء (متطرفة) = هني ي (قلبت الهمزة ياءً لتجانس الياء) = هنيّ (بعد الإدغام)

سوء (متطرفة) = سوو (قلبت الهمزة واواً لتجانس الواو) = سوّ (بعد الإدغام)

شَيْء (متطرفة) = شي ي (قلبت الهمزة ياءً لتجانس الياء) = شيّ (بعد الإدغام)(4)

¨همزة الوصل:

همزة الوصل: همزة زائدة في أول الكلمة، يؤتى بها: مفتوحةً أو مضمومةً أو مكسورة - على حسب الحال - لِيُتَخَلَّص من البدء بحرف ساكن(5). وأما في الحَدْر والدَّرْج فتنتفي الحاجة إليها فيُسقطها العربيُّ من لفظه. بيان ذلك أنه لا يقول في الأمر مثلاً: [قْرأْ]، بل يقول: [اِقْرأْ]. فإذا حدر قال: [اِقرأ، واقْرأ واقْرأ، ثم اكْتُبْ](6).

الأحكام: مواضعها وحركاتها:

في الأفعال:

(108/2)

كل فعل غير رباعي (ثلاثي - خماسي - سداسي)، فالهمزة الزائدة في أوّله وأوّل مصدره، هي همزة وصلٍ مكسورة. نحو: [اِشربْ، اِفتحْ، اِنطَلَقَ - اِنطَلِقْ - اِنطِلاق، اِستَخْرَجَ - اِستَخْرِجْ - اِستِخْراج].

ولا تُضَمّ إلا في الأمر الذي عينُ مضارعه مضمومةٌ نحو: [يدخُل - اُدْخُلْ، يكتُب - اُكْتُبْ]، والماضي الخماسي أو السداسي المبني للمجهول(7) نحو: [اُنْطُلِقَ - اُسْتُخْرِج].

في الأسماء:

وهي سبعة: [اثنان واثنتان - وابن(8) - وابنة - وامرؤ وامرأة - واسم(9)]. وهمزاتها مكسورة أبداً.

في الحروف:

وذلك في حرف واحد هو: [ألـ]. والهمزة فيه مفتوحة أبداً.

فائدة:

يُدخِل العربي همزة الاستفهام على [ألـ]، فينشأ من التقائهما مَدَّة: [آ]. ففي نحو: [ أ + الكتاب خيرُ صديق؟ ]، يقال: [آلكتاب خيرُ صديق؟]. ومنه قوله تعالى: ]آللهُ أَذِنَ لكم أم على اللهِ تفترون[

* * *

1- لا يغيّر من القاعدة شيئاً أن تلحق الكلمةَ تاءٌ مربوطة للتأنيث، نحو: [بنّاءة وسقّاءة...].

2- يقولون: إن صحّت العين في الفعل، صحّت في اسم الفاعل، ولكن ليس عندهم من هذا إلاّ فعلان هما (عَيِن وعَوِر)!!

3- الجُؤار: رفع الصوت بالدعاء.

4- الإدغام في الكلمات الأربع - ونظائرها - على المنهاج في الإدغام.

5- في النطق بالعربية قاعدتان مطلقتان: [لا يُبْدَأ بساكن]، فلا يقال مثلاً: [جْلِسْ]، بل يقال: [اِجْلِسْ]. و[لا يُوقَفُ على متحرك]، فلا يقال مثلاً في الوقف: [سافر خالدٌ]، بتنوين الآخر، بل يقال: [سافر خالدْ] بتسكينه. ولا يقال في الوقف: [حفظ الطالب الدرسَ] بتحريك الآخر، بل يقال: [حفظ الطالب الدرسْ] بتسكينه.

6- إذا كانت الهمزة مما يُلفظ في البدء والحدر جميعاً، سمّوها: [همزة قطع]، نحو: [أنا أُحِب أنْ أقرأ الأدب الأمويّ]. فكل همزة في هذه الكلمات الستّ همزة قطع.

(108/3)

7- لا يستثنى من هذا الحكم، إلا الخماسي الذي قبل آخره حرف مدّ، فتُكسَر في أوّله، نحو: [اِعتادَ - اِعتِيد، اِقتادَ - اِقتِيد].

8- يعدّ النحاة كلمة [ابنم] اسماً من هذه الأسماء قائماً بنفسه، وإنما هي [ابن] زيد في آخرها ميم.

9- [ايمن] كلمة موضوعة للقسم. كانوا يقولون (وايمن الله لأفعلَنّ كذا)، والأئمة مختلفون في همزتها، أهي قطع أم وصل. وبسبب اختلافهم فيها وعدم استعمالها في عصرنا، اطّرحنا ذكرها هنا.

(108/4)

الكاف

على وجوه ثلاثة:

الأول: اسم يفيد التشبيه، معناه معنى [مِثْل] ولذلك يُعرَب إعرابه، إذ هو بمنْزلته(1). وبعده مضاف إليه أبداً. ففي قولك: [خالدٌ كالأسد]:

[خالد]: مبتدأ. و[الكاف]: خبر المبتدأ في محل رفع. و[الأسد]: مضاف إليه.

الثاني: كاف الضمير، وتتّصل بالأسماء والأفعال، نحو: [رآك خالدٌ وكتابُكَ بيدكَ].

الثالث: كاف الخطاب، وهي حرف لا محل له من الإعراب، يلحق أسماء الإشارة نحو: [ذلكَ - ذلكِ - ذلكما...]، وضميرَ النصب المنفصل نحو: [إيّاكَ - إيّاكُما - إيّاكُم...].

* * *

نماذج فصيحة من استعمال الكاف

· قال المتنبي:

وما قَتَلَ الأحرارَ كالعفوِ عنهمُ ومَنْ لكَ بالحُرِّ الذي يَحْفَظُ اليَدا

[كالعفو]: الكاف اسم بمنْزلة [مثل]، فاعل لـ [قتل] في محل رفع. و [العفوِ]: مضاف إليه.

· قال تعالى: ]أَخْلُق لكم مِن الطّين كَهَيْئَةِ الطّير فأَنفُخ فيه فيكونُ طيراً[ (آل عمران 3/49)

[كهيئة]: الكاف اسم بمنْزلة [مثل]، مفعول به في محل نصب، و[هيئةِ]: مضاف إليه.

· قال العجاج (الخزانة 10/166):

يَضْحَكْنَ عَنْ كالبَرَدِ المُنْهَمِّ (الذائب)

[كالبردِ]: الكاف اسم بمنْزلة [مثل]، في محل جرّ بـ [عن]، و[البَرَدِ]: مضاف إليه.

· قال ذو الرّمة (الديوان 2/1210-1211):

أَبِيتُ على مَيٍّ حزيناً، وَبَعْلُها على كالنَّقا مِن عالجٍ يَتَبَطّحُ

(النقا: الكثيب من الرمل، عالج: موضع معروف).

[على كالنقا]: الكاف اسم بمنْزلة [مثل]، في محل جرّ بـ [على]، و[النقا]: مضاف إليه.

· قال النابغة الذبياني (الديوان /38):

فإنّكَ كالليلِ الذي هو مُدْركي وإنْ خِلْتُ أنَّ المُنْتَأى عنْكَ واسِعُ

[كالليل]: الكاف اسم بمنْزلة [مثل]، في محل رفع خبر [إنّ]، و[الليل]: مضاف إليه.

* * *

(109/1)

1- تسير كتب الصناعة على اعتداد الكاف مرةً حرف جر، ومرة اسماً بمعنى [مِثل]. ولما كان اعتدادها حرفاً يصدق في حال دون حال، وكان اعتدادها اسماً يصح ويصدق في كل حال، اطّرحنا حرفيّتها وأخذنا باسميتها. فهي اسم بمعنى [مِثل]، في كل موضع ترد فيه.

(109/2)

اللام

حرفٌ كثير المعاني، ذكر لها بعض النحاة نحواً من أربعين معنى. ولها أقسام هي:

1- الجارّة: وأشهر معانيها:

* الاختصاص، نحو: [الجنة للمؤمنين]. وقيل: هو أصل معانيها.

* التقوية: وتزاد بعد المشتق تقويةً له، نحو: ]وَمَا رَبُّكَ بِظَلاّمٍ لِلْعَبِيد] (1) والأصل: [وما ربّك بظلامٍ العبيدَ]. كما تزاد أيضاً على المفعول به، إذا تقدم على فعله، نحو: ]هُم لِرَبِّهِم يَرْهَبون] (2)، والأصل قبل التقديم: [هم يرهبون ربَّهم].

* التعليل: نحو: [حزنت لفراق زهير].

* انتهاء الغاية: نحو: ]كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمَّى] (3)

* الاستغاثة: نحو: [يا لَلَّهِ].

* التعجب: [لِلّهِ دَرُّك].

* الصيرورة: نحو:

لِدُوا لِلموت وابْنوا لِلخرابِ فكُلُّكُمُ يصير إلى ذهابِ

* الظرفية: نحو: [كان ذلك لسبعٍ خَلَوْنَ مِن شهر شعبان]. أي عند ...

* التبليغ: نحو: [قلت له، أذنت له، فسّرت له، ذكرت له، إلخ...].

2- لام الجحود: تختصّ بالنفي، وينتصب الفعل المضارع بعدها. وتقع بعد [ما كان ولم يكن] نحو: ]وما كان الله ليعذّبهم وأنت فيهم[ (الأنفال 8/33) و]لم يكن الله ليغفرَ لهم[ (النساء 4/137)

3- لام التعليل: وينتصب الفعل المضارع بعدها نحو: [أدرسُ لأنجحَ] (انظر بحث نصب الفعل المضارع).

4- الجازمة(4): وتجزم الفعل المضارع نحو: [لِيَحمِلْ كلُّ عاملٍ تَبِعَةَ عملِه] (انظر جزم الفعل المضارع).

5- الزائدة(5): وتفيد التوكيد نحو: ]يَدعو لَمَنْ ضَرُّهُ أقربُ مِن نفعه[ (أي: يدعو مَن).

6- لام الابتداء: وتفيد التوكيد، وتدخل على المبتدأ وما حلّ محلّه، نحو: [لأنت أقوى من خالد، لأن تدرسَ خيرٌ لك]، وعلى الماضي الجامد: [لبئس ما فعلت]. وإذا دخلت [إنّ] على المبتدأ المقترن بلام الابتداء، زُحلِقت فأُخِّرَت. ويسمونها عند ذلك [اللام المزحلقة](6).

7- الفارقة(7): وتأتي وجوباً بعد [إِنْ] المخفَّفة مِن [إنّ] نحو: [إِنْ نظنُّ زيداً لَمِن المسافرين].

(110/1)

8- الرابطة لجواب [لو] و[لولا] و[القسَم]، نحو: [لو زارنا لأكرمناه - لولا وطْأة العمل لسافرت - والله لَتذهبَنَّ].

9- الموطّئة: وهي التي تقترن بـ [إنْ]، مؤذِنةً بمجيء جواب القسم بعدها نحو: ]لئن شكرتم لأَزيدَنَّكم] (8) (إبراهيم 14/7)

10- لام البعد: نحو: ]ذلك الكتاب[ (البقرة 2/2)

* * *

1- فُصّلت 41/46

2- الأعراف 7/154

3- الرعد 13/2

4- يسمّونها أيضاً: (لام الأمر).

5- بين النحاة اختلافٌ في زيادتها قياساً، حتى لقد اختلفوا في كونها زائدة في الآيةيدعو لَمَن ...

6- بيان حقيقة هذه الزحلقة: أنّ [إنّ] ولام الابتداء لا تلتقيان، فلا يقال مثلاً: [إنّ لَخالداً مسافر]، فإذا التقتا زُحلِقت اللام فأُخِّرَت فقيل: [إنّ خالداً لمسافر]. وعلى هذا يصحّ أن يقال: [اللام المزحلقة هي أصلاً لام الابتداء]. انظر [إنّ] في قسم الأدوات.

7- انظر: [إنّ] في قسم الأدوات.

8- اللام المقترنة بـ [إنْ الشرطية] هي الموطِّئة، واللام المقترنة بجواب القسم: [أزيدنَّكم] هي الرابطة للجواب.

(110/2)

علٍُ

اسم يفيد الدلالة على العلوّ، ومعناه: [فوق]، ولا يأتي في الكلام إلاّ مسبوقاً بـ [مِنْ].

* يُبنى على الضمّ إذا دلّ على علوٍّ معيّن، ومنه قول الفرزدق يهجو جريراً:

ولقد سدَدْتُ عليك كلَّ ثَنِيَّةٍ وأَتَيْتُ فوقَ بَنِي كُلَيْبٍ مِنْ عَلُ

(الثنيّة: الطريق في الجبل).

فالعلوّ في البيت علوٌّ معيَّن، لا علوّ مطلق. وإنما عيّنه قولُ الشاعر: [فوق بني كليب]، وعلى ذلك كان بناؤه على الضم.

* ويُعرب إذا دلّ على علوّ غير معيّن. ومنه قول امرئ القيس يصف جواده:

مِكَرٍّ مِفَرٍّ مُقبِلٍ مُدبِرٍ معاً كَجُلمودِ صَخرٍ حَطَّهُ السيْلُ مِنْ عَلِ

فالعلوّ في البيت علوٌّ غيرُ معيّن، إذ المعنى: أنّ السيل حطّ هذا الجلمود من مكان عالٍ، أي مكانٍ ما من الأمكنة، بغير تقييد ولا تحديد ولا تعيين. وعلى هذا جُرَّ بالكسرة. وكان الأصل أن ينوَّن فيقال: [مِن علٍ]، ولكن الشاعر حَذَفَ التنوين مراعاة للشعر فقال: [من علِ].

* * *

(111/1)

الواو

على وجوه أشهرها:

¨ العاطفة: ومعناها مطلق الجمع، فتعطف الشيء على مصاحِبِه، وسابقِه ولاحقِه، من غير دلالة على الترتيب أو عكسه أو المصاحبة. ففي نحو: [سافر زهيرٌ وسعيدٌ] يُحتمَل أن يكون كلٌّ منهما سافر قبل صاحبه، كما يُحتَمل أن يكونا سافرا معاً.

وتمتاز الواو من سائر أحرف العطف - عدا ما تقدّم - بأحكام، أشهرها:

* اقترانها بـ [إمّا] نحو: ]إمّا شاكراً وإمّا كفوراً[.

* اقترانها بـ [لا] إن سُبقت بنفي، نحو: [ما سافر زهيرٌ ولا سعيدٌ].

* اقترانها بـ [لكنْ] نحو: ]ما كان محمّدٌ أبا أحدٍ مِن رجالكم ولكنْ رسولَ الله[.

* عطفُ الصفات المفرَّقة، مع اجتماع منعوتها، نحو: [سلّمت على رجُلَين نحيفٍ وسمين](1).

* عطفُ ما لا يُستغنى عنه، نحو: [تَقاتَل زيدٌ وعمرو](2).

¨ الاستئنافية: نحو: ]لنبيِّنَ لكم ونُقِرُّ في الأرحام ما نشاء] (3)

¨ الاعتراضية: وتقع بين مُتَطالِبَيْن: (كالمبتدأ والخبر - الفعل وفاعله - الفعل ومفعوله - الموصوف وصفته) نحو:

إنّ الثمانين - وبُلِّغْتَها - قد أَحْوَجَتْ سَمْعي إلى تَرجُمانْ

¨ الحاليّة: وتدخل على الجملة الاسمية والفعلية نحو: [سافرت والمطر منهمر، وعدت وقد انقطع].

¨ واو المعية: وينتصب بعدها الفعل المضارع، لعطفه على اسمٍ صريح أو مؤوَّل.

* فالصريح نحو:

ولُبسُ عباءةٍ وتقرَّ عيني أحبُّ إليَّ مِن لُبسِ الشُّفوفِ

* والمؤوَّل، شرطُه أن تُسبَق الواوُ بنفيٍ أو طلب:

- فالنفي نحو: ]أم حسبتم أنْ تدخلوا الجنّة ولمّا يعلمِ اللّهُ الذين جاهدوا منكم ويعلمَ الصابرين[

- والطلب نحو:

لا تنهَ عن خُلُقٍ وتأتيَ مثلَهُ عارٌ عليكَ إذا فعلتَ عظيمُ

¨ واو المفعول معه: نحو: [سرت والجبلَ](4).

¨ واو القسَم: وهي حرفُ جرٍّ، نحو: ]والتينِ والزيتون] (5).

¨ واو ربَّ: ولا تدخل إلاّ على اسمٍ نكرة مجرور بـ [ربَّ] محذوفة(6) نحو:

وليلٍ كموجِ البحر أَرْخَى سدولَهُ عليَّ بأنواعِ الهمومِ ليبتلي

(112/1)

¨ ضمير رفع، في نحو: [كانوا سافروا، وقد يعودون].

¨ علامة رفع، في الأسماء الخمسة، وجمع المذكّر السالم، نحو: [سافر أخوك ومعلّموه].

¨ زائدة، نحو أن تُسْألَ: [أسافرت؟] فتجيب: [لا وعافاك الله].

* * *

1- هما رجل نحيف ورجل سمين، وقد اجتمع المنعوتان: [رجلين]، وتفرّقت الصفتان: [نحيف وسمين].

2- بيان ذلك أنّ نحو: [تقاتل وتخاصم وتسابق ...] أفعال لا تكون إلاّ بالمشاركة بين اثنين فأكثر، فلا يقال مثلاً: [تقاتل سعيدٌ] حتى يقال: [وزهيٌر]. وقُل الشيء نفسه في [تَخاصَم وتَسابَق إلخ...].

3- لو كانت الواو هاهنا عاطفة لانتصب فعْل [نقرُّ].

4- انظر [المفعول معه].

5- الواو الأولى واو القسم، والثانية حرف عطف.

6- استعمال واو [ربّ] مقصور على الشعر دون النثر.

(112/2)

أَمْ

تأتي على وجهين:

¨ الوجه الأول: أن تكون حرف عطف، ويسمّونها اصطلاحاً: [المتّصلة، أو المعادِلة(1)، ولا بدّ في هذه الحال مِن أن تسبقها إحدى همزتين:

* همزة استفهام، نحو: [أزهيرٌ أم سعيدٌ عندك؟]، ويكون الجواب بالتعيين: [زهير] أو [سعيد].

* أو همزة تسوية(2)، وتقع [أم] في هذه الحال بين جملتين نحو: [سواءٌ عليّ أغضبتَ أم رضيت] تؤوَّلان بمفردَين، أي: [غضبُك ورضاك سواء](3).

¨ والوجه الثاني: أن تكون حرف استئناف بمعنى: [بل]، فلا يفارقها معنى الإضراب، ويسمّونها اصطلاحاً: [المنقطعة، أو المنفصلة](4)، وتقع بين جملتين مستقلّتين، نحو: ]تنْزيلُ الكتابِ لا ريبَ فيه مِن ربِّ العالمين. أم يقولون افتراه[ (السجدة 32 / 2-3)

مسألة ذات خطر:

جرى الاستعمال، على أن يكون العطف بـ [أم] بعد [سواء]. ومن هنا تخطئةُ مَن يقول: [سواء كان كذا أو كذا]. وقد وقف النحاة عند هذا مرةً بعد مرّة، فصحّح العطفَ بـ [أو] فريقٌ، وخطّأه فريق. ثمّ جاء العصر الحديث، فنظر مجمعُ اللغةِ العربية بالقاهرة في المسألة، ومال فيها إلى التيسير، فأصدر قراراً شموليّاً، نصّ فيه على صحة استعمال [أم] و[أو] بعد [سواء] بغير قيد، مع وجود همزة التسوية وبغير وجودها.

ونورد نص القرار مقبوساً من [كتاب في أصول اللغة الدورات 29-34 /227] وهو:

[يجوز استعمال (أم) مع الهمزة، وبغيرها، وفاقاً لما قرّره جمهرة النحاة. واستعمال (أو) مع الهمزة وبغيرها كذلك، على نحو التعبيرات الآتية: (سواء عَليَّ أحضرتَ أم غبت)، (سواء عليّ حضرت أم غبت)، (سواء عَليَّ أحضرتَ أو غبت)، (سواء عليّ حضرت أو غبت). والأكثر في الفصيح استعمالُ الهمزة و(أم) في أسلوبِ (سواء)].

* * *

(113/1)

1- هي في الاصطلاح متّصلة، لأنّ ما قبلها وما بعدها، لا يَستغني أحدهما عن الآخر. وهي معادِلة، بسبب ما يتحقَّق من تعادُلِ ما قبلها وما بعدها. قال ابن الشجري: [جُعِلَت الهمزة مع أحد الاسمين المسؤول عنهما، وجُعِلَت (أم) مع الآخر. فهذا هو المعادلة].

2- سُمِّيَتْ بهمزة التسوية لوقوعها بعد كلمة [سواء]، أو ما يشبهها في الدلالة، نحو [لا أُبالي].

3- لا تقتضي [أم] هاهنا جواباً، لأنّ همزة التسوية لا يُستفهَم بها أصلاً.

4- يسمّونها اصطلاحاً: [منقطعة، أومنفصلة]، لانقطاع الكلام بعدها وانفصالِه، عن الكلام قبلها؛ ومن هنا قولهم: إنّ معنى الإضراب لا يفارقها. وذلك أنّ الإضراب في الأصل، تحوّلٌ وانتقال. وما انقطاعُ الكلام ثم استئنافه، إلاّ هاذان.

(113/2)

أَمَا

تأتي [أَمَا] على وجهين:

الأول: حرف استفتاح، تُكسَر بعدها همزة [إِنَّ]، نحو: [أمَا إنه ليجتهد] وتكثر قبل القسم [أمَا - والله - إنه لصادق].

الثاني: حرف عَرْض، فلا يكون بعدها إلاّ الفعل، نحو: [أمَا تقوم - أمَا تقعد]، وذلك إذا عرضت عليه فعل القيام والقعود لترى أيفعلهما، أوْ لا.

* * *

(114/1)