المفصل في صنعة الإعراب 1

المفصل في صنعة الإعراب

القسم الأول:

الأسماء

اسم الجنس واسم العلم

معنى الكلمة والكلام الكلمة هي اللفظة الدالة على معنى مفرد بالوضع. وهي جنس تحته ثلاثة أنواع: الأسم والفعل والحرف. والكلام هو المركب من كلمتين أسندت إحداهما إلى الأخرى. وذاك لا يتأتى إلا في إسمين كقولك: زيد أخوك، وبشر صاحبك . أو في فعل وإسم نحو قولك: ضرب زيد، وانطلق بكر. وتسمى الجملة.

الأسم هو ما دل على معنى في نفسه دلالة مجردة عن الإقتران. وله خصائص منها جواز الإسناد إليه، ودخول حرف التعريف والجر والتنوين والإضافة.

ومن أصناف الأسم اسم الجنس، وهو ما علق على شيء وعلى كل من أشبهه. وينقسم إلى اسم عين، واسم معنى. وكلاهما ينقسم إلى اسم غير صفة، واسم هو صفة. فالأسم غير الصفة نحو رجل وفرس وعلم وجهل. والصفة نحو راكب وجالس ومفهوم ومضمر.

أنواع العلم

ومن أصناف الأسم العلم، وهو ما علق شيء بعينه غير متناول ما أشبهه. ولا يخلو من أن يكون اسماً كزيد وجعفر، أو كنية كأبي عمرو وأم كلثوم، أو لقباً كبطة وفقة. ينقسم إلى مفرد ومركب ومنقول ومرتجل.

فالمفرد نحو زيد وعمرو، والمركب إما بالجملة نحو برق نحوه تأبط شراً وذري حباً وشاب قرناها ويزيد في مثل قوله:

ظُلماً علينا لهمُ فَـديدُ

نُبّئْتُ أخوالي بني يَزيدُ

وأما غيرُ جملة إسمان جعلا إسماً واحداً نحو. معد يكرب وبعلبك وعمرويه ونفطويه . أو مضاف ومضاف إليه كعبد مناف وامرئ القيس والكني. والمنقول على ستة أنواع، ومنقول عن اسم عين كثور وأسد، ومنقول عن اسم معنى كفضل وإياس، ومنقول عن صفة كحاتم ونائلة، ومنقول عن فعل إما ماض كشمر وكعسب، وإما مضارع كتغلب ويشكر، وإما أمر كاصمتْ في قول الراعي:

بوحش إصمِت في أصلابها أوَدُ

أشلى سَلقتةً باتَتْ وبـات بـهـا

وأطرقا في قول الهذلي:

إلا الثمام وإلا العصـي

على أطْرِقا بالياتُ الخيامِ

تومنقول عن صوت كببة، وهو نبز عبد الله بن الحارث بن نوفل، ومنقول عن مركب وقد ذكرناه . والمرتجل على نوعين قياسي وشاذ.

فالقياسي نحو غطفان وعمران وحمدان وفقعس وحنتف، والشاذ نحو مجب وموهب وموظب ومكوزة وحيوة.

إضافة الأسم إلى اللقب: وإذا اجتمع للرجل اسم غير مضاف ولقب أضيف اسمه إلى لقبه فقيل هذا سعيد كرز، وقيس قفة، وزيد بطة. وإذا كان مضافاً أو كنية أجري اللقب على الأسم فقيل هذا عبد الله بطة وهذا أبو زيد قفة.

أعلام الحيوانات الأليفة: وقد سموا ما يتخذونه ويألفونه من خيلهم وإبلهم وغنمهم وكلابهم وغير ذلك بأعلام كل واحد منها مختص بشخص بعينه يعرفونه به كالأعلام في الأناسي، وذلك نحو أعوج ولاحق وشدقم وعلينان وخطة وهيلة وضمران وكساب.

أعلام الحيوانات غير الأليفة للجنس: وما لا يتخذ ولا يؤلف فيحتاج إلى التمييز بين أفراده كالطير والوحوض وأحناش الأرض وغير ذلك فإن العلم فيهب للجنس بأسره ليس بعضه أولى به من بعض. فإذا قلت أبو براقش ، وابن دأيه، وأسامة، وثعالة، وابن قترة، وبنت طبق، ف:أنك قلت الضرب الذي من شأنه كيت وكيت. ومن هذه الأجناس ماله اسم جنس واسم علم كالأسد وأسامة والثعلب وثعالة، وما لا يعرف له اسم غير العلم نحو ابن مقرض، وحمار قبان.

أسماء وكنى الحيوانات: وقد صنعوا في ذلك نحو صنيعهم في تسمية الأناسي، فوضعوا للجنس اسماً وكنية، فقالوا للأسد أسامة وأبو الحرث، وللثعلب ثعالة وأبو الحصين، وللضبع حضاجر وأم عامر، وللعقرب شبوة وأم عريط ومنها ما له اسم ولا كينة له كقولهم قثم للضبعان، وما له كنية ولا اسم له كأبي براقش وأبي صبيرة وأم رباح وأم عجلان.

أسماء وكنى المعاني: وقد أجروا المعاني في ذلك مجرى الأعيان فسموا التسبيح بسبحان، والمنية بشعوب وأم قشعم، والغدر بكيسان، وهو في لغة بني فهم. قال:

إلى الغدر أدنى من شبابهم المرد

إذا ما دعوا كيسان كانت كهولهم

ومنه كنوا الضربة بالرجل على مؤخر الإنسان بأم كيسان، والمبرة ببرة والفجرة بفجار، والكلبة بزوبر. قال الطرماح:

بها جرب عدت علي بزوبرا

إذا قال غاوٍ من تنوخ قصيدةً

وقالوا في الأوقات لقيته غدوة وبكرة وسحر وفينة وقالوا في الأعداد ستة ضعف ثلاثة وأبرعة نصف ثمانيةً.

أوزان بعض الأعلام: ومن الأعلام الأمثلة التي يوزن بها في قولك فعلان الذي مؤنثة فعلى، وأفعل صفة لا ينصرف، ووزن طلحة وإصبعٍ فعلة وأفعل.

العلم اسم شائع: وقد يغلب بعض الأسماء الشائعة على أحد المسمين به فيصير علماً له بالغلبة. وذلك نحو ابن عمر وابن عباس وابن مسعود، غلبت على العبادلة دون من عداهم من أبناء آبائهم، وكذلك ابن الزبير غلب على عبد الله دون غيره من أبناء الزبير، وابن الصعق وابن كراع وابن رألان غالبة على يزيد وسويد وجابر بحيث لا يذهب الوهم إلى أحد من إخوتهم.

أعلام يدخلها أل التعريف: وبعض الأعلام يدخله لام التعريف وذلك على نوعين لازمٍ وغير لازم فاللازم في نحو النجم للثريا والصعق وغير ذلك مما غلب من الشائعة. الا ترى إنهما كهذا معرفين بالام إسمان لكل نجم عهده المخاطب والمخاطب ولكل معهود ممن أصيب بالصاعقة ثم غلب النجم على الثريا والصعق على خويلد بن نفيل بن عمرو بن كلاب. فاللام فيهما الإضافة في ابن رألان وابن كراع مثلان في انهما لا تنزعان. وكذلك الدبران والعيوق والسماك والثريا لأنها غلبت على الكواكب المخصوصة من بين ما يوصف بالدبور العوق والسموك والثروة. وما لم يعرف باشتقاق من هذا النوع فملحق بما عرف. وغير اللازم في نحو الحرث العباس والمظفر والفضل والعلاء وما كان صفة في أصله أو مصدراً.

وقد يتأول العلم بواحد من الأمة المسماة به فلذلك من التأول يجري مجرى رجل وفرس فيجترأ على إضافته وإدخال اللام عليه. قالوا مضر الحمراء وربيعة الفرس وأنمار الشاة. وقال:

بأبيض ماضي الشفرتين يمان

علا زيدنا يوم النقا رأس زيدكم

وقال أو النجم:

حراس أبوابٍ على قصورها

باعد أم العمرو من أسيرهـا

وقال الآخر:

شديداً بأحناء الخلافة كاهله

رأيت الوليد بن اليزيد مباركاً

وقال الأخطل:

أبو جندلٍ والزيد زيد المعارك

وقد كان منهم حاجب وابن أمه

وعن أبي العباس إذا ذكر الرجل جماعة اسم كل واحد منهم زيد قيل له فما بين الزيد الأول والزيد الآخر، وهذا الزيد أشرف من ذاك الزيد، وهو قليل.

وكل مثنى أو مجموع من الأعلام فتعريفه باللام نحو أبانين وعمايتين وعرفات وأذرعات. قال:

عميد بني جحوان وابن المضلل

قلبي مات الخالدان كلاهـمـا

أراد خالد بن نضلة وخالد بن قيس بن المضلل: وقالوا لكعب بن كلاب وكعب بن ربيعة، وعامر بن مالك بن جعفر عامر بن الطفيل، وقيس ابن عتاب وقيس بن هرمة، الكعبان والعامران والقيسان. وقال:

أنا ابن سعد أكرم السعدينا

وفي حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه، هؤلاء المحمدون بالباب.

وقالوا طلحة الطلحات، وابن قيس الرقيات. وكذلك الأسامتان والأسامات، ونحو ذلك.

وفلان وفلانة وأبو فلان كنايات عن أسامي الأناسي وكناهم.

وقد ذكروا أنهم إذ كنوا عن أعلام البهائم أدخلوا اللام فقالوا الفلان والفلانة وأما هن وهنة فللكناية عن أسماء الأجناس.

الاسم المعرب

موقعه: الكلام في المعرب، وإن كان خليقاً من قبل إشتراك الأسم والفعل في الإعراب بأن يقع في القسم الرابع، إلا أن اعتراض موجبين صوب إيراده في هذا القسم: أحدهما أن حق الإعراب للأسم في أصله والفعل إنما تطفل عليه فيه بسبب المضارعة. الثاني أنه لا بد من تقدم معرفة الإعراب للخصائص في سائر الأبواب.

تحديد الاسم المعرب

والاسم المعرب ما اختلف آخره باختلاف العوامل لفظاً بحركة أو بحرف، أو محلاً.

فاختلافه لفظاً بحركة في كل ما كان حرف إعرابه صحيحاً أو جارياً مجراه كقولك جاء الرجل ورأيت الرجل ومررت بالرجل.

واختلافه لفظاً بحرف في ثلاثة مواضع في الأسماء الستة مضافة وذلك نحو جاءني أبوه وأخوه وحموها وهنوه وفوه وذو مال، ورأيت أباه ومررت بأبيه وكذلك الباقية.

وفي كلا مضافاً إلى مضمر تقول: جاءني كلاهما ورأيت كليهما ومررت بكليهما.

وفي التثنية والجمع على حدها تقول: جاءني مسلمان ومسلمون ورأيت مسلمين ومسلمين ومررت بمسلمين ومسلمين.

واختلافه محلاً في نحو العصا وسعدى والقاضي في حالتي الرفع الجر هو في النصب كالضارب.

النوع الأول

المنصرف وغير المنصرف

والأسم المعرب على نوعين:نوع يستوفي حركات الأعراب والتنوين كزيد ورجل ويسمى المنصرف. ونوع يختزل عنه الجر والتنوين لشبه الفعل.

ويحرك بالفتح في موضع الجر كأحمد ومروان إلا إذ أضيف أو دخله لام التعريف ويسمى غير المنصرف. واسم المتمكن يجمعهما. وقد يقال للمنصرف الأمكن.

والأسم يمتنع من الصرف متى اجتمع فيهب اثنان من أسباب تسعة أو تكرر واحد منها. وهي العلمية؛ والتأنيث اللازم لفظاً أو معنى في نحو سعاد وطلحة؛ ووزن الفعل الذي يغلبه في نحو أفعل فإنه فيه أكثر منه في الأسم أو يخصه في نحو ضرب إن سمي به؛ والوصفية في نحو أحمر؛ والعدل من صيغة إلى أخرى في نحو عمر وثلاث لأن فيه عدلاً ووصفية؛ وأن يكون جمعاً في نحو منازل ومصابيح، إلا ما اعتل آخره نحو جوار فإنه في الرفع والجر كقاض وفي النصب كضوارب، وحضاجر وسراويل في التقدير جمع حضجر وسروالة؛ والتركيب في نحو معد يكرب وبعلبك؛ والعجمة في الأعلام خاصة؛ والألف والنون المضارعتان لألفي التأنيث في نحو سكران وعثمان.

إلا إذا اضطر الشاعر يصرف وأما السبب الواحد فغير مانع أبداً. وما تعلق به الكوفيون في إجازة منعه في الشعر ليس بثبت. وما أحد سببيه أو أسبابه العلمية فحكمه الصرف عند التنكير كقولك رب سعادٍ وقطامٍ لبقائه بلا سبب أو على سبب واحد، إلا نحو أحمر فإن فيه خلافاً بين الأخفش وصاحب الكتاب وما فيه سببان من الثلاثي الساكن الحشو كنوح ولوط منصرف في اللغة الفصيحة التي عليها التنزيل لمقاومة السكون أحد السببين. وقوم يجرونه على القياس فلا يصرفونه وقد جمعهما الشاعر في قوله:

دعد ولم تسق دعد في العلب

لم تتلفع بفضـل مـئزرهـا

وأما ما فيه سبب زائد كماه وجور فإن فيهما ما في نوح ولوط مع زيادة التأنيث فلا مقال في امتناع صرفه، والتكرر في نحو بشرى وصحراء ومساجد ومصابيح نزل البناء على حرف تأنيث لا يقع منفصلاً بحال، والزنة التي لا واحد عليها منزلة تأنيث ثان وجمع ثان.

النوع الثاني

المرفوعات ووجوه الإعراب

وجوه الإعراب هي الرفع والنصب والجر وكل واحد منها علم على معنى: قالرفع علم الفاعلية والفاعل واحد لي إلا . وأما المبتدأ وخبره وخبر إن وأخواتها ولا التي لنفي الجنس واسم كان وأخواتها واسم ما ولا المشبهتين بليس فملحقات بالفاعل على سبيل التشبيه.

وكذلك النصب علم المفعولية. والمفعول أضرب: المفعول المطلق والمفعول فيه والمفعول معه ولمفعول له. والحال التمييز والمستثنى المنصوب والخبر في باب كان والأسم في باب إن والمنصوب بلا التي لنفي الجنس وخبر ما ولا المشبهتين بليس. ملحقات بالمفعول.

والجر علم الإضافة.

وأما التوابع فهي رفعها ونصبها وجرها داخلة تحت أحكام المتبوعات ينصب عمل العامل على القبيلين انصبابةً واحدة.

وأنا أسوق إليك هذه الأجناس كلها مرتبة مفصلة بعون الله وحسن تأييده.

الفصل الأول:

الفاعل

الفاعل هو ما كان المسند إليه من فعل أو شبهه مقدماً عليه أبداً كقولك بضرب زيد وزيد ضارب غلامه وحسن وجهه. وحقه الرفع. ورافعه ما أسند إليه. والأصل فيه أن يلي الفعل لأنه كالجزء منه فإذا قدم عليه غيره كان في النية مؤخراً ومن ثم جاز ضرب غلامه زيد وامتنع ضرب غلامه زيداً.

إضمار الفاعل: ومضمره في الإسناد إليه كمظهره تقول ضربت وضربنا وضربوا وضربن وتقول زيد ضرب فتنوي في ضرب فاعلاً وهو ضمير يرجع إلى زيد شبيه بالتاء الراجعة إلى أنا وأنت في أنا ضربت وأنت ضربت.

ومن إضمار الفاعل قولك ضربني وضربت زيداً، تضمر في الأول اسم من ضربك وضربته إضماراً على شريطة التفسير، لأنك لما حاولت في هذا الكلام أن تجعل زيداً فاعلاً ومفعولا فوجهت الفعلينب إليه استغنيت بذكره مرة. ولما لم يكن بد من إعمال أحدهما فيه أعملت الذي أوليته إياه. ومنه قول طفيل الغنوي أنشده سيبويه:

جرى فوقها واستشعرت لون مذهب

وكمتا مدمـاة كـأن مـتـونـهـا

وكذلك إذا قلت ضربت وضربني زيد رفعته لإيلائك إياه الرافع، وحذفت مفعول الأول استغناء عنه. وعلى هذا اعمل الأقرب أبداً فتقول ضربت وضربني قومك. قال سيبويه ولو لم تحمل الكلام على الآخر لقت ضربت وضربوني قومك. وهو الوجه المختار الذي ورد به التنزيل قال الله تعالى: :"آتوني أفرغ عليه قطرا" " وهاؤم آقرؤا كتابيه" وإليه ذهب أصحابنا البصريون وقد يعمل الأول وهو قليل ومنه قول عمر بن أبي ربيعة:

تنخل فاستاكت به عود إسحل

وعليه الكوفيون. وتقول على المذهبين قاما وقعد أخواك وقام وقعد أخواك وليس قول امرئ القيس:

كفاني ولم أطلب قليل من المال

من قبيل ما نحن بصدده إذ لم يوجه فيه الفعل الثاني إلى ما وجه إليه الأول. ومن إضماره قولهم إذا كان غداً. فائنني أي إذا كان ما نحن عليه غداً.

إضمار عامل الفاعل: وقد يجيء الفاعل ورافعه مضمر. يقال من فعل؟ فتقول زيد، بإضمار فعل ومنه قوله تعالى: "يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال" فيمن قرأها مفتوحة الباء أي يسبحه رجال وبيت الكتاب.

ومختبط مما تطيح الطوائح

ليبك يزيد ضارع لخصومة

أي ليبكه ضارع. والمرفوع في قولهم: هل زيد فاعل فعل مضمر يفسره الظاهر. وكذلك في قوله تعالى: " وإن أحد من المشركين استجارك" وبيت الحماسة:

إن ذو لوثة لانا

وفي مثل العرب لو ذات سوار لطمتني وقوله عز وجل" ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم" على معنى ولو ثبت . ومنه المثل الأحظية فلا ألية أي إن لا تكن لك في النساء حظية فإني في غير أليةٍ.

الفصل الثاني:

المبتدأ والخبر

تعريفهما: هما الإسمان المجردان للإسناد نحو قولك زيد منطلق. والمراد بالتجريد اخلاؤهما من العوامل التي هي كان وإن وحسبت وأخواتها، لأنهما إذا لم يخلوا منها تلعبت بهما وغصبتهما القرار على الرفع. وإنما اشترط في التجريد أن يكون من أجل الإسناد لأنهما لو جردا للإسناد لكانا في حكم الأصوات التي حقها أن ينعق بها غير معربة لأن الإعراب لا يستحق إلا بعد العقد والتركيب. وكونهما مجردين للإسناد هو رافعهما لأنه معنى قد تناولهما معاً تناولاً واحداً من حيث أن الإسناد لا يتأتى بدون طرفين مسند ومسند إليه.

ونظير ذلك أن معنى التشبيه في كأن لما اقتضى مشبهاً ومشبهاً به كانت عامله في الجزءين وشبههما بالفاعل أن المبتدأ مثله في أنه مسند إليه والخبر في أنه جزء ثان من الجملة.

أنواع المبتدأ

والمبتدأ على نوعين معرفة وهو القياس، ونكرة إما موصوفة كالتي في قوله عز وجل: "ولعبد مؤمن" وإما غير موضوفة كالتي في قولهم أرجل في الدار أم امرأة، وما أحد خير منك، وشر أهر ذا ناب، وتحت رأسي سرج،

أنواع الخبر

أنواع الخبر والخبر على نوعين مفرد وجملة. فالمفرد على ضربين خال عن الضمير ومتضمن له وذلك زيد غلامك وعمرو منطلق. والجملة على أربعة أضرب فعليه واسمية وشرطية وظرفية. وذلك زيد ذهب أخوه، وعمرو أبوه منطلق، وبكر أن تعطه يشكرك ، وخالد في الدار.

ولا بد في الجملة الواقعة خبراً من ذكر يرجع إلى المبتدأ وقولك في الدار معناه استقر فيها. وقد يكون الراجع معلوماً فيستغنى عن ذكره وذلك في مثل قولهم الكربستين، والسمن منوان بدرهم. وقوله تعالى: " ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور".

تقدم الخبر على المبتدأ:

ويجوز تقديم الخبر على المبتدأ كقولك تميمي أنا، ومشنؤ من يشنؤك، وكقوله تعالى: " سواء محياهم ومماتهم" وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم" ، المعنى سواء عليهم الإنذار وعدمه. وقد التزم تقديمه فيما وقع فيه المبتدأ نكرةً والخبر ظرفاً وذلك قولك في الدار رجل.

وأما سلام عليك وويل لك وما أشبههما من الأدعية فمتروكة على حالها إذا كانت منصوبة منزلة منزلة الفعل. وفي قولهم أين زيد وكيف عمرو ومتى القتال.

حذف المبتدأ أو الخبر

ويجوز حذف أحدهما. فمن حذف المبتدأ قول المستهل: الهلال والله، وقولك وقد شممت ريحاً: المسك والله، أو رأيت شخصاً فقلت: عبد الله وربي. ومنه قول المرقش:

غارات إذ قال الخميس نعم

لا يبعد الله التلـبـب وال?

ومن حذف الخبر قولهم خرجت فإذا السبع، وقول ذي الرمة:

وبين النقا آأنت أم أم سالـم

فيا ظبية الوعساء بين جلاجل

ومنه قوله تعالى: " فصبر جميل" يحتمل الأمرين أي فأمري صبر جميل أو فصبر جميل أجمل. وقد التزم حذف الخبر في قولهم لولا زيد لكان كذا لسد الجواب مسدة. ومما حذف فيه الخبر لسد غيره مسده قولهم أقائم الزيدان، وضربي زيداً قائماً، وأكثر شربي السويق ملتوتاً، وأخطب ما يكون الأمير قائماً وقولهم كل رجل وضيعته.

وقد يقع المبتدأ والخبر معرفتين كقولك زيد المنطلق، والله إليهنا، ومحمد نبينا. ومنه قوله أنت أنت وقول أبي النجم:

أنا أبو النجم وشعري شعري

ولا يجوز تقديم الخبر هنا بل أيهما قدمت فهو المبتدأ

تعدد الخبر

وقد يجيئ للمبتدأ خبران فصاعداً منه قولك هذا حلو حامض. وقوله تعالى: " وهو الغفور الودود ذو العرش المجيد فعال لما يريد".

دخول الفاء على الخبر

إذا تضمن المبتدأ معنى الشرط جاز دخول الفاء على خبره، وذلك على نوعين الأسم الموصول والنكرة الموصوفة إذا كانت الصلة أو الصفة فعلاً أو ظرفاً كقوله تعالى: " الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم" وقوله: " فما بكم من نعمة فمن الله" وقولك كل رجل يأتيني أو في الدار فله درهم. وإذا أدخلت ليت أو لعل لم تدخل الفاء بالإجماع. وفي دخول إن خلاف بين الإخفش وصاحب الكتاب.

الفصل الثالث:

خبر إن وأخواتها

سبب رفع خبر إن

هو المرفوع في نحو قولك إن زيداً أخوك، ولعل بشراً صاحبك.

وارتفاعه عند أصحابنا بالحرف لأنه أشبه الفعل في لزومه الأسماء والماضي منه في بنائه على الفتح فألحق منصوبه بالمفعول ومرفوعه بالفاعل. ونزل قولك إن زيداً أخوك منزلة ضرب زيداً أخوك. وكأن عمراً الأسد منزلة فرس عمراً الأسد. وعند الكوفيين هو مرتفع بما كان مرتفعاً به في قولك زيد أخوك ولا عمل للحرف فيه.

وجميع ما ذكر في خبر المبتدأ من أصنافه وأحواله وشرائطه قائم فيه، ما خلا جواز تقديمه إذا وقع ظرفاً كقولك إن في الدار زيداً، ولعل عندك عمراً، وفي التنزيل: "إن إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم"

حذف خبر إن

وإن عمراً أي إن لنا وقال الأعشى:

وإن في السفر اذ مضوا مهلا

إن محـلا وإن مـرتـحـلا

وتقول إن غيرها إبلا وشاء أي إن لنا. وقال:

يا ليت أيام الصبى رواجعا

وقد حذف في قولهم إن مالا وإن ولدا عدداً أي إن لهم مالاً.

ويقول الرجل للرجل هل لكم أحد من الناس عليكم فيقول إن زيداً أي ياليت لنا. ومنه قول عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه لقرشي مت إليه بقرابة: فإن ذاك. ثم ذكر حاجته فقال: لعل ذاك. أي فإن ذاك مصدق ولعل مطلوبك حاصل. وقد التزم حذفه في قولهم ليت شعري.

الفصل الرابع:

خبر لا التي لنفي الجنس

هو في قول أهل الحجاز لا رجل أفضل منك ولا أحد خير منك، وقول حاتم:

ولا كريم من الولدان مصبوح

يحتمل أمرين: أحدهما أن يترك فيه طائيته إلى اللغة الحجازية، والثاني أن لا يجعل مصبوحاً خبراً ولكن صفة محمولة على محل لا مع المنفي وارتفاعه بالحرف أيضاً لأن لا محذوبها حذو إن من حيث أنها نقيضتها ولازمة للأسماء لزومها.

حذف خبر لا: ويحذفه الحجازيون كثيراً فيقولون: لا أهل، ولا مال، ولا بأس، ولا فتى إلا علي ولا سيف إلا ذو الفقار. ومنه كلمة الشهادة ومعناها لا إله في الوجود إلا الله. وبنو تميم لا يثبتونه في كلامهم أصلاً.

الفصل الخامس:

اسم ما ولا المشبهتين بليس

هو في قولك ما زيد منطلقاً ولا رجل أفضل منك. وشبههما بليس في النفي والدخول على المبتدأ والخبر إلا أن ما أوغل في الشبه بها لاختصاصها بنفي الحال، ولذلك كانت داخلة على المعرفة والنكرة جميعاً فقيل ما زيد منطلقاً، وما أحد أفضل منك. ولم تدخل لا إلا على النكرة فقيل لا رجل أفضل منك، وامتنع لا زيد منطلقاً. واستعمال لا بمعنى ليس قليل ومنه بيت الكتاب:

فأنا إبن قيس لا براح

من صد عن نيرانهـا

أي ليس براح والمعنى لا أبرح بموقفي.

النوع الثالث

المنصوبات

الفصل الأول: المفعول المطلق

تعريفه

المفعول المطلق هو المصدر سمي بذلك لأن الفعل يصدر عنه.

ويسميه سيبويه الحدث والحدثان وربما سماه الفعل. وينقسم إلى مبهم نحو ضربت ضرباً. وإلى مؤقت نحو ضربت ضربةً وضربتين.

نائب المفعول المطلق: وقد يقرن بالفعل غير مصدره مما هو بمعناه؛ وذلك على نوعين: مصدر وغير المصدر. فالمصدر على نوعين: ما يلاقي الفعل في اشتقاقه كقوله تعالى: " والله أنبتكم من الأرض نباتاً"، وقوله تعالى: " وتبتل إليه تبتيلاً". وما لا يلاقيه فيه كقولك قعدت جلوساً، وحبست منعاً. وغير المصدر كقولك ضربته أنواعاً من الضرب، وأي ضرب، وأيما ضرب. ومنه رجع القهقري، واشتمل الصماء، وقعد القرفصاء، لأنها أنواع من الرجوع والإشتمال والقعود. ومنه ضربته سوطاً.

أنواع المفعول المطلق الذي اضمر فعله

والمصادر المنصوبة بأفعال مضمرة على ثلاثة أنواع : ما يستعمل إظهار فعله وإضماره، وما لا يستعمل إظهار فعله، وما لا فعل له أصلاً. وثلاثتها تكون دعاء وغير دعاءٍ فالنوع الأول كقولك للقادم من سفره خير مقدمٍ ولمن يقرمط في عداته. مواعيد عرقوب وللغضبان غضب الخيل على اللجم. ومنه قولهم سقياً ورعياً وخيبة وجدعاً وعقراً وبؤساً وبعداً وسحقاً وحمداً وشكراُ لا كفراً وعجباً وافعل ذلك وكرامة ومسرة ونعم ونعمة عين ونعام عين ولا أفعل ذلك ولا كيداً ولا هما ولا فعلن ذلك ورغماً وهواناً. ومنه إنما أنت سيراً سيراً وما أنت إلا قتلاً قتلاً وإلا سير البريد وإلا ضرب الناس وإلا شرب الإبل.

ومنه قوله تعالى: " فغما منا بعد وإما فداء" ومنه مررت به فإذا له صوت صوت حمار، وإذا له صراخ صراخ الثكلى، وإذا له دق دقك بالمنحاز حب القلقل. ومنه ما يكون توكيداً إما لغيره كقولك هذا عبد الله حقاً، والحق لا الباطل، وهذا زيد غير ما تقول، وهذا القول لا قولك، وأجدك لا تفعل كذا، أو لنفسه كقولك له علي ألف درهم عرفاً، وقول الأحوص:

قسماً إليك مع الصدود لأميل

إني لأمنحك الصدود وإننـي

ومنه قوله تعالى صنع الله، ووعد الله، وكتاب الله عليكم، وصبغة الله، وقولهم الله أكبر دعوة الحق.

ومنه ما جاء مثنى وهو حنانيك ولبيك وسعديك ودواليك وهذاذيك.

ومنه ما لا يتصرف نحو سبحان الله ومعاذ الله وعمرك الله وقعدك الله.

والنوع الثالث نحو ذفراً وبهراً وأفة وتفة وويحك وويسك وويلك وويبك.

وقد تجري اسماء غير مصادر ذلك المجرى وهي على ضربين: جواهر نحو قولهم ترباً وجندلاً وفاهاً لفيك، وصفات نحو قولهم هنيئاً مريئاً وعائذاً بك وأقائماً وقد قعد الناس وأقاعداً وقد سار الركب.

إضمار المفعول المطلق:

ومن إضمار المصدر قولك عبد الله أظنه منطلق، تجعل الهاء ضمير الظن كأنك قلت عبد الله أظن ظني منطلق. وما جاء في الدعوة المرفوعة واجعله الوارث منا محتمل عندي ان يوجه على هذا.

الفصل الثاني:

المفعول به

هو الذي يقع عليه فعل الفاعل في مثل قولك ضرب زيد عمراً وبلغت البلد. وهو الفارق بين المتعدي من الأفعال وغير المتعدي . ويكون واحداً فصاعداً إلى الثلاثة على ما سيأتيك بيانه في مكانه إن شاء الله تعالى. ويجيء منصوباً بعامل مضمر مستعملٍ إظهاره أو لازمٍ :إضماره المنصوب بالمستعمل إظهاره هو قولك لمن أخذ يضرب القوم، أو قال أضرب شر الناس زيداً بإضمار أضرب؛ ولمن قطع حديثه حديثك، ولمن صدرت عنه أفاعيل البخلاء: أكل هذا بخلاً، بإضمار هات وتفعل.

ومنه قولك لمن ركنت أنه يريد مكة: ورب الكعبة. ولمن سدد سهماً القرطاس والله. وللمستهلين إذا كبروا: الهلال والله، تضمر يريد ويصيب وأبصروا، ولرائي الرؤيا: خيراً وما سر، وخيراً لنا وشراً لعدونا أي رأيت خيراً. ولمن يذكر رجلاً. أهل ذلك وأهله أي ذكرت أهله. ومنه قوله:

ولها في مفارق الرأس طيباً

لن تراها ولو تـأمـلـت إلا

أي وترى لها. ومنه قوله كاليوم رجلاً، بإضمار لم أر. قال أوس:

كاليوم مطلوباً ولا طلبا

حتى إذا الكلاب قال لها

قال سبيويه وهذه حجج سمعت من العرب. يقولون اللهم ضبعاً وذئباً.

وإذا قيل لهم ما يعنون، قالوا اللهم اجعل فيها ضبعاً وذئباً. وسمع أبو الخطاب بعض العرب وقيل له لم افسدتم مكانكم؟ فقال الصبيان بأبي أي لم الصبيان. وقيل لبعضهم أما بمكان كذا وجذ؟ فقال بلى وجاذا أي أعرف به وجاذا.

الفصل الثالث:

المنادى

ومن المنصوب باللازم إضماره المنادى لأنك إذا قلت يا عبد الله فكأنك قلت يا أريد أو أعنني عبد الله. ولكنه حذف لكثرة الإستعمال وصاريا بدلاً منه.

ولا يخلو من أن ينتصب لفظاً أو محلاً. فانتصابه لفظاً إذا كان مضافاً كعبد الله أو مضارعاً له كقولك يا خيراً من زيد ويا ضارباً زيداً ويا مضروباً غلامه ويا حسناً وجه الأخ ويا ثلاثة وثلاثين . أو نكرة كقوله:

تداماي من نجران ألا تلاقيا

فيا راكباً إما عرضت فبلغا

وانتصابه محلاً إذا كان مفرداً معرفة كقولك يا زيد ويا غلام ويا أيها الرجل. أو داخلة عليه لام الإستغاثة أو لام التعجب كقوله:

وأبي الحشرج الفتى النفاح

يا لعطافنـا ويا لـلـرياح

وقولهم يا للماء ويا للدواهي. أو مندوباً كقولك يا زيداه.

حكم توابع المنادى:

توابع المنادى المضموم غير المبهم إذا أفردت حملت على لفظه ومحله كقولك يا زيد الطويل والطويل، ويا تميم أجمعون وأجمعين، ويا غلام بشر وبشراً، ويا عمرو الحارث والحارث، وقرئ والطير رفعاً ونصباً إلا البدل، ونحو زيد وعمرو من المعطوفات فإن حكمهما حكم المنادي بعينه، تقول يا زيد زيد ويا زيد وعمرو بالضم لا غير وكذلك يا زيد أو عمر ويا زيد لا عمرو أو إذا أضيفت كقولك يا زيد ذا الجمة وقوله:

فقد عرضت أحناء أمر فخاصم

أزيد أخا ورقاء كـنـت ثـائراً

ويا خالد نفيسه، ويا تميم كلهم، ويا بشر صاحب عمرو، ويا غلام أبا عبد الله ويا زيد عبد الله.

والوصف بابن وابنة كالوصف بغيرهما إذا لم يقعا بين علمين فإن وقعا أتبعت حركة الأول حركة الثاني كما فعلوا في ابن وامرئ تقول يا زيد ابن أخينا ويا هند ابنة عمنا ويا زيد بن عمرو ويا هن ابنة عاصم. وقالوا في غير النداء أيضاً إذا وصفوا هذا زيد بن أخينا وهند ابنة عمنا، وهذا زيد ابن عمرو، وهند ابنة عاصم، وكذلك النصب والجر. فإذا لم يصفوا فالتنوين لا غير وقد جوزوا في الوصف التنوين في ضرورة الشعر كقوله:

جارية من قيسٍ بن ثعلبة

المنادي المبهم:

والمنادي المبهم شيئان أي واسم الإشارة. فأي يوصف بشيئين بما فيه الألف واللام مقحمة بينهما كلمة التنبيه، وباسم الإشارة، كقولك يا أيها الرجل، ويا أيهذا. قال ذو الرمة:

لشيء نحته عن يديه المقادر

ألا أيهذا الباخع الوجد نفسـه

واسم الإشارة لا يوصف إلا بما فيه الألف واللام كقولك يا هذا الرجل ويا هؤلاء الرجال. وأنشد سيبويه لخزز بن لوذان.

يا صاح يا ذا الضامر العنس

ولعبيد ابن الأبرص:

حجرٍ تمني صاحب الأحلام

يا ذا المخوفنا بمقتل شيخـه

وتقول في غير الصفة يا هذا زيد وزيداً ويا هذان زيد وعمرو وزيداً وعمراً وتقول يا هذا ذا الجمة على البدل.

حكم المنادي المعرف بأل:

ولا ينادي ما فيه الألف واللام إلا الله وحده لأنهما لا تفارقانه كما لا تفارقان النجم مع انهما خلف عن همزة إله. وقال:

وأنت بخيلة بالوصل عني

من اجلك يا التي تيمت قلبي

حكم المنادي المكرر:

وإذا كرر المنادي في حال الإضافة ققيه وجهان أحدهما أن ينصب الإسمان معاً كقول جرير:

يلقينكم في سوءةٍ عمر

يا تيم تيم عدي أبا لكـم

وقول بعض ولده:

تطاول الليل عليك فأنزل

يا زيد زيد اليعملات الذبل

والثاني أن يضم الأول:

حكم المنادي المضاف إلى ياء المتكلم:

وقالوا في المضاف إلى ياء المتكلم يا غلامي ويا غلام ويا غلاماً وفي التنزيل" يا عباد فاتقون" وقرئ يا عبادي. ويقال يا رباً تجاوز عني. وفي الوقف يا رباه غلاماه. والتاء في يا أبة ويا أمة تاء تأنيث عوضت عن الياء ألا تراهم يبدلونها هاء في الوقف. وقالوا يا ابن أمي ويا ابن عمي ويا ابن أم ويا ابن عم ويا ابن أم ويا ابن عم. وقال أبو النجم:

ألم يكن يبيض لو لم يصلـع

يا ابنة عما لا تلومي واهجعي

جعلوا الأسمين كاسم واحد.

حكم المندوب:

ولا بد لك في المندوب من أن تلحق قبله يا أووا. وأنت في إلحاق الألف في آخره مخير فتقول وازيد. والهاء اللاحقة بعد الألف للوقف خاصة دون الدرج. ويلحق ذلك المضاف إليه فيقال وا أمي للمؤمنيناه. ولا يلحق الصفة عند الخليل فلا يقال وازيد الظريفاه. ويلحقها عند يونس. ولا يندب إلا الأسم المعروف فلا يقال وارجلاه ولم يستقبح، وامن حفر بئر زمزماه لأنه بمنزلة واعبد المطلباه.

ويجوز حذف حرف النداء عما لا يوصف به أي. قال الله تعالى: " يوسف أعرض عن هذا" وقال: " رب أرني أنظر إليك". وتقول أيها الرجل وأيتها المرأة، ومن لا يزال محسناً أحسن إلي. ولا يحذف عما يوصف به أي فلا يقال رجل ولا هذا. وقد شذ قولهم أصبح ليلن وفتد مخنوق، وأطرق كراً.

وجاري لا تستنكري عذيري

ولا عن المستغاث والمندوب وقد التزم حذفه في اللهم لو قوع الميم خلفاً عنه.

الأختصاص:

وفي كلامهم ما هو على طريقة النداء ويقصد به الإختصاص لا النداء، وذلك قولهم أما أنا فأفعل كذا أيها الرجل، ونحن نفعل كذا أيها القوم، اللهم اغفر لنا أيتها العصابة. جعلوا أياً مع صفته دليلاً على الإختصاص والتوضيح، ولم يعنوا بالرجل القوم والعصابة إلا انفسهم وما كنوا عنه بأنا ونحن والضمير في لنا. كأنه قيل أما أنا فأفعل كذا متخصصاً بذلك من بين الرجال، ونحن نفعل متخصصين من بين الأقوام، واغفر لنا مخصوصين من العصائب. ومما يجري هذا المجرى قولهم إنا معشر العرب نفعل كذا.

ونحن آل فلان كرماء. وإنا معشر الصعاليك لا قوة بنا على المروة. إلا أنهم سرغوا دخول اللام ههنا فقالوا نحن العرب أقرى الناس للضيف. وبك الله نرجو الفضل. وسبحانك الله العظيم. ومنه قولهم الحمد الله الحميد. والملك لله أهل الملك. وأتاني زيد الفاسق الخبيث. وقرئ حمالة الحطب. ومررت به المسكين والبائس. وقد جاء نكرة في قول الهذلي:

وشعثاً مراضيع مثل السعالي

ويأوي إلى نسوةس عـطـل

وهذا الذي يقال فيه نصب على المدح والشتم والترحم.

الترخيم:

ومن خصائص النداء الترخيم إلا إذا اضطر الشاعر فرحم في غير النداء. وله شرائط إحداهها أن يكون الأسم علماً. والثانية أن يكون غير مضاف. والثالثة أن لا يكون مندوباً ولا مستغاثاً. والرابعة أن تزيد عدته على ثلاثة أحرف إلا ما كان في آخره تاء تأنيث فإن العلمية والزيادة على الثلاثة فيه غير مشروطتين. يقولون يا عاذل، ويا جاري، لا تستنكري، ويا ثب اقبلي، ويا شا ارجني، وأما قولهم يا صاح وأطرق كراً فمن الشواذ.

والترخيم حذف في التقدير وهو الكثير، أو يجعل ما بقي كأنه اسم برأسه فيعامل بما تعامل به سائر الأسماء. فيقال على الأول يا حار، ويا هرق، ويا ثمو، ويا بنو في المسمى ببنون. وعلى الثاني يا حار، ويا هرق ويا ثمى، ويا بني.

ولا يخلو المرخم من أن يكون مفرداً أو مركباً فإن كان مفرداً فهو على وجهين أحدهما أن يحذف منه حرف واحد كما ذكرت لك. والثاني أن يحذف منه حرفان. وهما على نوعين إما زيادتان في حكم زيادة واحدة كاللتين في أعجاز أسماء ومروان وعثمان وطائفي. وإما حرف صحيح ومدة قبله وذلك في نحو منصور وعمار ومسكين. وإن كان مركباً حذف آخر الأسمين بكماله فقيل يا بخت ويا عمرو ويا سيب ويا خمسة في بخت نصر وعمرويه وسيبويه، والمسمى بخمسة عشر. وأما نحو تأبط شراً وبرق نحره فلا يرخم.

حذف المنادي.

وقد يحذف المنادي فيقال يا بؤس لزيد بمعنى يا قوم بؤس لزيد وم أبيات الكتاب:

والصالحون على سمعان من جار

يا لعنة اللـه والأقـوام كـلـهـم

وفي التنزيل " ألا يا اسجدوا"

الفصل الرابع: التحذير

ومن المنصوب باللازم إضماره قولك في التحذير إياك والأسد، أي إتق نفسك أن تتعرض للأسد أن يهلكك. ونحوه رأسك والحائظ، وماز رأسك والسيف. ويقال إياي والشر، وإياي وأن يحذف أحدكم الأرنب، أي نحني عن الشر، ونح الشر عني، ونحني عن مشاهدة حذف الأرنب، ونح حذفها عن حضرتي ومشاهدتي، والمعنى النهي عن حذف الأرنب. ومنه شأنك والحج، أي عليك شأنك مع الحج، وامرأ ونفسه أي دعه مع نفسه.

وأهلك والليل، أي بادرهم قبل الليل. ومنه عذيرك أي أحضر عذرك أو عاذرك. ومنه هذا ولا زعماتك. وقولهم كليهما وتمراً أي إعطني وكل شيء ولا شتيمة حر أي إئت كل شيء ولا ترتكب شيتمة حر. ومنه قولهم انته أمراً قاصداً لأنه لما قال انته علم أنه محمول على أمر يخالف المنهي عنه قال الله تعالى:" انتهوا خيراً لكم" ويقولون حسبك خيراً لك، وواءك أوسع لك. ومنه من أنت زيداً أي تذكر زيداً أو ذاكراً زيداً. ومنه مرحباً وأهلاً وسهلاً، أي أصبت رحباً ضيقاً، وأتيت أهلاً لا أجانب، ووطئت سهلاً من البلاد لا حزناً. وأن تأتني فأهل الليل وأهل النهار أي فإنك تأتي أهلاً لك بالليل والنهار. ومنه قولهم كاليوم رجلاً بإضمار لم أر. قال أوس:

كاليوم مطلوباً ولا طلبا

حتى إذا الكلاب قال لها

ويقولون الأسد الأسد والجدار الجدار والصبي الصبي إذا حذروه الأسد والجدار المتداعي وإبطاء الصبي. ومنه أخاك أخاك أي إلزمه، والطريق الطريق أي خله وهذا إذ ثني لزم إضمار عامله وإذا أفرد لم يلزم.

الفصل الخامس: التفسير

ومن المنصوب باللازم إضماره ما أضمر عامله على شريطة التفسير في قولك زيداً ضربته، كأنك قلت ضربت زيداً ضربته. إلا أنك لا تبرزه استغناء عنه بتفسيره قال ذو الرمة:

فقام بفأس بين وصليك جازر

إذا ابن أبي موسى بلالاً بلغته

ومنه زيداً مررت به، وعمراً لقيت أخاه، وبشراً ضربت غلامه، بإضمار جعلت على طريقي ولا بست وأهنت قال سيبويه: النصب عربي كثير والرفع أجود.

النصب اختياراً ولزوماً:

ثم إنك ترى النصب مختاراً ولازماً. فالمختار في موضعين أحدهما أن تعطف هذه الجملة على جملةٍ فعلية كقولك لقيت القوم حتى عبد الله لقيته، ورأيت عبد الله وزيداً مررت به، وفي التنزيل: "يدخل من يشاء في رحمته والظالمين أعد لهم عذاباً أليماً". ومثله: " فريقاً هدى وفريقاً حق عليهم الضلالة". فأما إذا قلت زيداً لقيت أخاه وعمراً مررت به ذهب التفاضل بينب رفع عمرو ونصبه لأن الجملة الأولى ذات وجهين، فإن اعترض بعد الواوما يصرف الكلام إلى الإبتداء كقولك لقيت زيداً وأما عمر فقد مررت به، ولقيت زيداً وإذا عبد الله يضربه عمرو، وعادت الحال الأولى جذعة.

وفي التنزيل: "وأما ثمود فهديناهم". وقرئ بالنصب.

والثاني أن يقع موقعاً هو بالفعل أولى وذلك أن يقع بعد حرف الإستفهام كقولك أعبد الله ضربته:، ومثله آلسوط ضرب به عمرو، وآلخوان أكل عليه اللحم، وأزيداً أنت محبوس عليه، وأزيداً أنت مكابر عليه، وأزيداً سميت به. ومنه أزيداً ضربت عمراً وأخاه، وأزيداً ضربت رجلاً يحبه؛ لأن الآخر ملتبس بالأول بالعطف أو بالصفة. فإن قلت أزيد ذهب به فليس إلا بالرفع، وأن يقع بعد إذا وحيث كقولك إذا عبد الله تلقاه فأكرمه وحيث إلا بالرفع، وأن يقع بعد إذا وحيث كقولك إذا عبد الله تلقاه فأكرمه وحيث زيداً تجده فأكرمه، وبعد حرف النفي كقولك ما زيداً ضربته وقال جرير:

ولا جداً إذا ازدحم الجدود

فلا حسباً فخرت به لتـيم

وأن يقع في الأمر والنهي كقولك زيداً أضربه، وخالداً أضرب أباه، وبشراً لا تشتم أخاه، وزيداً ليضربه عمرو، وبشراً ليقتل أباه عمرو. ومثله أما زيداً فاقتله، وأما خالداً فلا تشتم أباه. والدعاء؟ بمنزلة الأمر والنهي، تقول اللهم زيداً فاغفر له ذنبه، وزيداً أمر الله عليه العيش. قال أبو الأسود الدؤلي:

فكلا جزاه الله عني بما فعل

وأما زيداً فجدعا له، وأما عمراً فسقياً له. واللازم أن تقع الجملة بعد حرف لا يليه إلا الفعل كقولك إن زيداً تره تضربه قال الشاعر:

لا تجزعي أن منفساً أهلكته

وهلا وألاً ولوما بمنزلة إن لأنهن يطلبن الفعل ولا يبتدأ بعدها الأسماء.

حذف المفعول به:

وحذف المفعول به به كثير. وهو في ذلك على نوعين: أحدهما أن يحذف لفظاً ويراد معنى وتقديراً. والثاني أن يجعل بعد الحذف نسياً منسياً كأن فعله من جنس الأفعال غير المتعدية كما ينسى الفاعل عند بناء الفعل به. فمن الأول قوله عز وجل " يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ". وقوله تعالى: " لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم". لأنه لا بد لهذا الموصول من أن يرجع إليه من صلته مثل ما ترى في قوله تعالى:" الذي يتخبطه الشيطان من المس" وقرئ قوله تعالى: "وما عملته أيديهم" وما عملت. من الثاني قولهم فلان يعطي ويمنع ويصل ويقطع. ومنه قوله عز وجل:" وأصلح لي في ذريتي" وقول ذي الرمة:

إلى الضيف يجرح في عراقيبها نصلي

وأن تعتـذر عـن ذي ضـروعـهـا

ومن حذف المفعول به حذف المنادي يقال يا بؤس لزيد بمعنى يا قوم بؤس لزيد ومن أبيات الكتاب:

والصالحون على سمعان من جار

يا لعنة اللـه والأقـوام كـلـهـم

الفصل السادس: المفعول فيه

هو ظرفا الزمان والمكان: وكلاهما منقسم إلى مبهم، ومؤقت، ومستعمل إسماً وظرفاً، ومستعمل ظرفاً لا غير. فالمبهم نحو الحين والوقت والجهات الست. والمؤقت نحو اليوم والليلة والسوق والدار.

والمستعمل إسماً وظرفاً ما جاز ان تعتقب عليه العوامل. والمستعمل ظرفاً لا غير ما لزم النصب نحو قولك وسرنا ذات مرةٍ وبكرة وسحر وسحيراً وضحى وعشاء وعشية وعتمة ومساء، إذا أردت سحراً بعينه وضحى يومك وعشيته وعشاءه عتمة ليلتك ومساءها. ومثله عند وسوى وسواء. ومما يختار فيه أن يلزم الظرفية صفة الأحيان، تقول سير عليه طويلاً وكثيراً وقليلاً وقديماً وحديثاً.

وقد يجعل المصدر حيناً لسعة الكلام. فيقال كان ذلك مقدم الحاج، وخفوق النجم، وخلافة فلان، وصلاة العصر؛ ومنه سير عليه ترويحتين، وانتظرنه نحر جزورين، وقوله تعالى: "وإدبار النجوم".

وقد يذهب بالظرف عن أن يقدر فيه معنى في اتساعاً، فيجرى لذلك مجرى المفعول به، فيقال الذي سرته يوم الجمعة وقال:

قليلٍ سوى الطعن النهال نوافله

ويومٍ شهدناه سليماً وعـامـراً

ويضاف إليه كقولك يا سارق الليلة أهل الدار، وقوله تعالى: " بل مكر الليل والنهار". ولولا الإتساع لقلت سرت فيه وشهدنا فيه.

إضمار عامل المفعول فيه:

وينصب بعامل مضمر كقولك في جواب من يقول لك منتى سرت؟ يوم الجمعة. وفي المثل السائر: أسائر اليوم وقد زال الظهر؟ ومنه قولهم لمن ذكر أمراً قد تقادم زمانه حينئذٍ: الآن، أي كان ذلك حينئذٍ. واسمع الآن.

ويضمر عامله على شريطة التفسير كما صنع في المفعول به. تقول اليوم سرت فيه وأيوم الجمعة ينطلق فيه عبد الله، مقدراً أسرت اليوم وأينطلق عبد الله يوم الجمعة.

الفصل السابع: المفعول معه

وهو المنصوب بعد الواو الكائنة يمعنى مع. وإنما ينصب إذا تضمن الكلام فعلاً كقولك ما صنعت وأباك، وما زلت أسير والنيل ومن أبيات الكتاب:

مكان الكليتين من الطحال

فكونوا أنتم وبني أبـيكـم

ومنه قوله عز وجل: "فأجمعوا أمركم وشركاءكم"، أو ما هو بمعناه نحو قولك مالك وزيداً، وما شأنك وعمراً، لأن المعنى ما تصنع وما تلابس وكذلك حسبك وزيداً درهم، وقطك وكفيك مثله لأنها بمعنى كفاك. قال:

وقد غصت تهامة بالرجال

فما لك والتلدد حول نجـدٍ

وقال:

فحسبك والضحاك سيف مهند

إذا كانت الهيجاء آنشقت العصا

وليس لك أن تجره حملاً على المكنى. فإذا جئت بالظاهر كان الجر الإختيار كقولك ما شأن عبد الله وأخيه يشستمه، وما شأن قيس والبر تسرقه، والنصب جائز.

وأما في قولك ما أنت وعبد الله وكيف أنت وقصعة من ثريد، فالرفع قال:

ما أنت ويب أبيك والفخر

يا زبرقان أخا بني خلـف

وقال:

فما القيسيب بعدك والفخار

وكنت هناك أنت كريم قيس

إلا عند ناس من العرب ينصبونه على تأويل ما كنت أنت وعبد الله، وكيف تكون أنت وقصعة من ثريد. قال سيبويه لأن كنت وتكون تقعان ههنا كثيراً وقال:

يبرح بالذكر الضابـط

فما أنا والسير في متلفٍ

وهذا الباب قياس عند بعضهم وعند آخرين مقصور على السماع.

الفصل الثامن: المفعول له

هو علة الإقدام على الفعل. وهو جواب لمه. وذلك قولك فعلت كذا مخافة الشر وإدخار فلان، وضربته تأديباً له، وقعدت عن الحرب جبناً، وفعلت ذلك أجل كذا؛ وفي التنزيل حذر الموت.

وفيه ثلاث شرائط أن يكون مصدراً، وفعلاً لفاعل الفعل المعلل، ومقارناً له في الوجود. فإن فقد شيء منها فاللام كقولك جئتك للسمن واللبن ولإكرامك الزائر، وخرجت اليوم لمخاصمتك زيداً أمس.

ويكون معرفة ونكرة وقد جمعهما العجاج في قوله:

مخافة وزعل المحبـور

يركب كل عاقر جمهـور

والهول من تهول الهبور

الفصل التاسع: الحال

شبه المفعول والظرف: شبه الحال بالمفعول من حيث أنها فضلة مثله جاءت بعد مضي الجملة. ولها بالظرف شبه خاص من حيث أنها مفعول فيها ومجيئها لبيان هيأة الفاعل أو المفعول وذلك قولك ضربت زيداً قائماً تجعله حالاً من أيهما شئت وقد تكون منهما ضربةً على الجمع والتفريق كقولك لقيته راكبين. قال عنترة:

روانف أليتيك وتستطـارا

متى ما تلقني فردين ترجف

ولقيته مصعداً ومنحدراً.

عوامل الحال: والعامل فيها إما فعل وشبهه من الصفات؛ أو معنى فعل كقولك فيهاب زيد مقيماً، وهذا عمرو منطلقاً، وما شأنك قائماً، وما لك واقفاً، وفي التنزيل: "وهذا بعلي شيخاً"،و "فما لهم عن التذكرة معرضين"؛ وليت ولعل وكأن ينصبها أيضاً لما فيها من معنى الفعل، فالأول يعمل فيها متقدمً ومتأخراً ولا يعمل فيها الثاني إلا متقدماً. وقد منعوا في مررت راكباً بزيد أن يجعل الراكب حالاً من المجرور.

وقد يقع المصدر حالاً كما تقع الصفة مصدراً في قولهم قم قائماً، وقوله: ولا خارجاً من في زور كلام وذلك قتلته صبراً، ولقيته فجاءه وعياناً كفاحاً، وكلمته مشافهة، وأتيته ركضاً وعدواً ومشياً، وأخذت عنه سمعاً، أي مصبوراً ومفاجئاً ومعايناً.

وكذلك البواقي وليس عند سيبويه بقياس وأنكر اتانا رجلة وسرعة، وأجازه المبرد في كل ما دل عليه الفعل.

والأسم غير الصفة والمصدر بمنزلتها في هذا الباب، تقول هذا بسراً أطيب منه رطباً، وجاء البر قفيزين وصاعين، وكلمته فاه إلى في، وبايعته يداً بيد، وبعت الشاء شاة ودرهما، وبينت له حسابه بابا بابا.

تنكير الحال: ومن حقها أن تكون نكرة، وذو الحال معرفة. وأما ارسلها العراك، ومررت به وحده، وجاؤا قضهم بقضيضهم، وفعلته جهدك وطاقتك، فمصادر قد تكلم بها على نية وضعها في موضع مالا تعريف فيه، كما وضع فاه إلى في موضع شفاهاً، وعنى معتركة، منفرداً وقاطبة وجاهداً. ومن الأسماء المحذور بها حذو هذه المصادر قولهم مررت بهم الجماء الغفير.

وتنكير ذي الحال قبيح إلا إذا قدمت عليه كقوله:

لعزة موحشاً طلل قديم

الحال المؤكدة: والحال المؤكدة هي التي تجيء على إثر جملة عقدها من اسمين لا عمل لهما لتوكيد خبرها وتقرير مؤداه ونفي الشك عنه، وذلك قولك ريد أبوك عطوفاً، وهو زيد معروفاً، وهو الحق بيناً، ألا تراك حققت بالعطوف الأبوة، وبالمعروف والبين أن الرجل زيد وأن الأمر حق، وفي التنزيل: " وهو الحق مصدقاً لما بين يديه" وكذلك أنا عبد الله آكلا كما يأكل العبيد، فيه تقرير للعبودية وتحقيق لها. وتقول أنا فلان بطلاً شجاعاً وكريماً جواداً فتحقق ما أنت متسم به وما هو ثابت لك في نفسك، ولو قلت زيد أبوك منطلقاً أو أخوك أحلت إلا إذا أردت التبني والصداقة. والعامل فيها أحق أو أثبت مضمراً.

الجملة الحالية:

والجملة تقع حالاً. ولا تخلو من أن تكون اسمية فعلية فإن كانت اسمية فالواو إلا ما شذ من قولهم كلمته فوه إلى في، وما عسى ان يعثر عليه في الندرة. وأما لقيته عليه جبة وشي، فمعناه مستقرة عليه جبة وشي. وإن كانت فعلية لم تخل من أن يكون فعلها مضارعاً أو ماضياً. فإن كان مضارعاً لم يخل من أن يكون مثبتاً أو منفياً. فالمثبت بغير واو: وقد جاء في المنفي الأمران. وكذلك في الماضي. ولا بد معه من قد ظاهرة أو مقدرة.

ويجوز إخلاء هذه الجملة عن الراجع إلى ذي الحال إجراء لها مجرى الظرف لانعقاد الشبه بين الحال وبينه، تقول أتيتك وزيد قائم، ولقيتك الجيش قادم، وقال:

بمنجرد قيد الأوابد هيكل

وقد أغتدي والطير وكناتها

إضمار عامل الحال:

ومن انتصاب الحال بعامل مضرم قولهم للمرتحل راشداً مهدياً ومصاحباً معاناً بإضمار إذهب وللقادم مأجوراً مبروراً أي رجعت. وإن أنشدت شعراً أو حدثت حديثاً قلت صادقاً، بإبضمار قال. وإذا رأيت من يتعرض لآمر قلت متعرضاً لعنن لم يعنه، أي دنا منه متعرضاً. ومنه أخذته بدرهم فصاعداً أو بدرهم فزائداً، أي فذهب الثمن صاعداً أو زائداً. ومنه أتميميا مرة وقيسياً أخرى، كأنك قلت أتحول. ومنه قوله تعالى: "بلى قادرين " أي نجمعها قادرين.

التمييز

تعريفه:

ويقالك له التبين والتفسير هو رفع الإبهام في جملة أو مفرد بالنص على أحد محتملاته. فمثاله في الجملة طاب زيد نفساً، وتصبب الفرس عرقاً، وتفقأ شحماً وأبرحت جاراً، وامتلآ الإناء ماء، وفي التنزيل: "واشتعل الرأس شيباً" " وفجرنا الأرض عيونا"، "ومن أحسن قولا"، "ومن أصدق من الله حديثاً". ومثاله في المفرد عندي راقود خلا، ورطل زيتاً، ومنوان عسلاً، وقفيزان براً، وعشرون درهماً، وثلاثون ثوباً، وملأ الإناء عسلاً، وعلى التمرة مثلها زبداً وما في السماء. وضع كف سحاباً. وشبه المميز بالمفعول أن موقعه في هذه الأمثلة كموقعه في ضرب زيد عمراً وفي ضارب زيداً وضاربان زيداً وضاربون زيداً وضرب زيدٍ عمراً.

عوامل التمييز: ولا ينتصب المميز عن مفرد إلا عن نام. والذي يتم به أربعة أشياء التنوين ونون التثنية ونون الجمع والإضافة. وذلك على ضربين زائل ولازم.

فالزائل التمام بالتنوين ونون التثنية لأنك تقول عندي رطل زيتٍ، ومنوا سمن. واللازم التمام بنون الجمع والإضافة لأنك لا تقول كلأ عسل ولا مثل زبد ولا عشرو درهم.

وتمييز المفرد أكثره فيما كان مقداراً كيلاً كقفيزان أو وزناً كمنوان أن مساحةً كموضع كف او عدد كعشرون أو مقياساً كملؤه ومثلها. وقد يقع فيما ليس إياها نحو قولهم ويحه رجلاً، ولله دره فارساًن وحسبك به ناصراً.

تقديم المميز وتأخيره عن عامله: ولقد أبى سيبويه تقدم المميز على عامله. وفرق أبو العباس بين النوعين فأجاز نفساً طاب زيد، ولم يجز لي سمناً منوان. وزعم أنه رأي المازني. وأنشد قول الشاعر:

وما كان نفساً بالفراق تطيب

أتهجر ليلي بالفراق حبيبهـا

أصل التمييز:

واعلم أن هذه المميزات عن آخرها أشياء مزالة عن أصلها. ألا تراها إذا رجعت إلى المعنى متصفةً بما هي منتصبة عنه ومنادية. على أن الأصل عندي زيت رطل، وسمن منوان، ودراهم عشرون، عسل ملء الإناء، وزبد مثل التمرة، وسحاب موضع كف. وكذلك الأصل وصف النفس بالطيب، والعرق بالتصبب، والشيب بالإشتعال، وأن يقال طابت نفسه، وتصبب عرقه، واشتعل شيب رأسي. لأن الفعل في الحقيقة وصف في الفاعل. السبب في هذه الإزالة قصدهم إلى ضرب من المبالغة والتأكيد.

الفصل العاشر: الإستثناء

أنواع المستثنى:

المستثنى في إعرابه على خمسة أضرب. أحدها منصوب أبداً وهو على ثلاثة أوجه: ما استثني بإلآ من كلام موجب وذلك جاءني القوم إلا زيداً، وبعدا وخلا بعد كل كلام. وبعضهم يجر بخلا وقيل بهما، ولم يورد هذا القول سيبويه ولا المبرد. فأما ما عدا وما خلا فالنصب ليس إلا. وكذلك ليس ولا يكون. وذلك جاءني القوم أو ما جاءني عدا زيداً وخلا زيداً ومن عدا زيداً وما خلا زيداً. قال لبيد:

وكل نعيمٍ لا مـحـالة زائل

ألا كل شيء ما خلا الله باطل

وليس زيداً ولا يكون زيداً. وهذه أفعال مضمر فاعلوها. وما قدم من المستثنى كقولك ما جاءني إلا أخاك أحد قال الكميت:

ومالي إلا مذهب الحق مذهب

وما لي إلا آل أحمـد شـيعة

وما كان استثناؤه منقطعاً كقولك ما جاءني إلا حماراً وهي اللغة الحجازية. ومنه قوله عز وجل: "لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم"، وقولهم ما زاد إلا ما نقص وما نفع إلا ما ضر.

والثاني جائز فيه النصب والبدل وهو المستثنى من كلام تامر غير موجب كقولك ما جاءني أحد إلا زيداً وإلا زيد. وكذلك إذا كان المستثنى منه منصوباً أو مجروراً.

والاختيار البدل قال الله تعالى:" ما فعلوه إلا قليل منهم". وأما قوله عز وجل: "إلا أمرأتك" فيمن قرأ بالنصب فمستثنى من قوله تعالى: "فأسر بأهلك".

والثالث مجرور أبداً وهو ما استثنى بغيرٍ وحاشاً وسوى وسواه. والمبرد يجيز النصب بحاشا.

والرابع جائز فيه الجر والرفع وهو ما استثني بلا سيما وقول امرئ القيس:

ولا سيما يوم بدارة جلجل

يروى مجروراً ومرفوعاً وقد روي فيه النصب.

والخامس جار على إعرابه قبل دخول كلمة الإستثناء وذلك ما جاءني إلا زيد، وما رأيت إلا زيداً وما مررت إلا بزيد. والمشبه بالمفعول منها هو الأول والثاني في أحد وجهيه وشبهه به لمجيئه فضلة. وله شبه خاص بالمفعول معه لأن العامل فيه بتوسط حرف.

حكم غير:

وحكم غير في بالإعراب حكم الأسم الواقع بعد إلا تنصبه في الموجب والمنقطع وعند التقديم وتجيز فيه البدل والنصب في غير الموجب. وقالوا إنما عمل فيه المتعدي لشبهه بالظرف لإبهامه.

الشبه في المعنى بين إلا وغير:

واعلم أن إلا وغيراً يتقارضان ما لكل واحد منهما. فالذي لغير في أصله أن يكون وصفاً يمسه إعراب ما قبله، ومعناه المغايرة وخلاف المماثلة. ودلالته عليها من جهتين: من جهة الذات ومن جهة الصفة. تقول مررت برجل غير زيد، قاصداً إلى أن مرورك كان بإنسان آخر أو بمن ليست صفته صفته، وفي قوله عز وجل:" لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله"، الرفع صفة للقاعدون والجر صفة للمؤمنين والنصب على الإستثناء. ثم دخل على إلا في الإستثناء وقد دخل عليه إلا في الوصفية. وفي التنزيل: "لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا". أي غير الله. ومنه قوله:

لعمر أبيك إلا الفرقدان

وكل آخٍ مفارقة أخـوه

ولا يجوز اجراؤه مجرى غير إلا تابعاً، لو قلت: لو كان فيهما إلا الله كما تقول لو كان فيهما غير الله لم يجز. وشبهه سيبويه بأجمعون.

وتقول ما جاءني من أحد إلا عبد الله وما رأيت من أحد إلا زيداً ولا أحد فيها إلا عمرو فتحمل البدل على محل الجار والمجرور لا على اللفظ، وتقول ليس زيد بشيء إلا شيئاً لا يعبأ به. قال طرفة:

إلا يداً ليست لها عضد

أبني لبينى لستـم بـيدٍ

وما زيد بشيءٍ لا يعباً به بالرفع لا غير.

حكم تقديم المستثنى على صفة المستثنى منه: وإن قدمت المستثنى على صفة المستثنى منه ففيه طريقان: أحدهما وهو اختيار سيبويه أن لا تكترث للصفة وتحمله على البدل. والثاني أن تنزل تقديمه على الصفة منزلة تقديمه على الموصوف، وذلك قولك ما أتاني أحد إلا أبوك خير من زيد، وما مررت بأحد إلا عمرو خيرٍ من زيد، أو تقول إلا أباك وإلا عمراً.

حمم تثنية المستثنى: وتقول في تثنية المستثنى ما أتاني إلا زيداً إلا عمراً أو إلا زيداً إلا عمرو ترفع الذي أسندت إليه الفعل وتنصب الآخر. وليس لك أن ترفعه لأنك لا تقول تركوني إلا عمرو. وتقول ما أتاني إلا عمراً إلا بشراً أحد، منصوبين لأن التقدير ما أتاني إلا عمراً أحد إلا بشر، على إبدال بشر من أحد فلما قدمته نصبته.

الفعل المستثنى:

وإذا قلت ما مررت بأحد إلا زيد خير منه كان ما بعد إلا جملة ابتدائية واقعة صفة لأحد، وإلا لغو في اللفظ معطية في المعنى فائدتها جاعلة زيداً خيراً من جميع من مررت بهم.

وقد أوقع الفعل موقع الأسم المستثنى في قولهم نشدتك بالله إلا فعلت، والمعنى ما أطلب منك إلا فعلك؛ وكذلك أقسمت عليك غلا فعلت. وعن ابن عباس: بالإيواء والنصر إلا جلستم. وفي حديث عمر: عزمت عليك لما ضربت كاتبك سوطاً بمعنى إلا ضربت.

حذف المستثنى:

والمستثنى يحذف تخفيفاً وذلك قولهم ليس إلا وليس غير.

الفصل الحادي عشر: الخبر والاسم في بابي كان وإن

لما شبه العامل في البابين بالفعل المتعدي شبه ما عمل فيه بالفاعل والمفعول.

ويضمر العامل في خبر كان في مثل قولهم الناس مجزيون بأعمالهم إن خيراً فخير وإن شراً فشر، والمرء مقتول بما قتل به أن خنجراً فخنجر وإن سيفاً فسيف، أي إن كان عمله خيراً فجزاؤه خير وإن كان شراً فجزاؤه شر.

والرفع أحسن في الآخر ومنهم من يرفعهما ويضمر الرافع أي أن كان معه خنجر فالذي يقتل به خنجر قال النعمان بن المنذر: قد قيل ذلك إن حقاً وإن كذباً ومنه الإطعام ولو تمراً وائتني بدابة ولو حماراً. وإن شئت رفعت بمعنى ولو يكون تمر وحمار، ادفع الشر ولو إصبعاً. ومنه أما أنت منطلقاً انطلقت، والمعنى لأن كنت منطلقاً، وما مزيدة معوضة من الفعل المضمر.

ومنه قول الهذلي:

أبا خراشة أما أنت ذا نفر

وروى قوله:

فالله يكلأ ما تأتي وما تذرا

إما أقمت وأما أنت مرتحلاً

بكسر الأول فتح الثاني.

النصوب بلا التي لنفي الجنس

حكم اسم لا

هي كما ذكر محمولة على إن فلذلك نصب بها الأسم ورفع الخبر، وذلك إذا كان المنفي مضافاً كقولك لا غلام رجل أفضل منه، ولا صاحب صدق موجود؛ أو مضارعاً له كقولك لا خيراً منه قائم هنا، ولا حافظاً للقرآن عندك، ولا ضارباً زيداً في الدار، ولا عشرين درهماً لك. فإذا كان مفرداً فهو مفتوح وخبره مرفوع كقولك لا رجل أفضل منك، ولا أحد خير منك.

ويقول المستفتح ولا إله غيرك. وأما قوله: لا نسب اليوم ولا خلة فعلى إضمار فعل، كأنه قال ولا أرى خلة كما قال الخليل في قوله: ألا رجلاً جزاءه الله خيراً كأنه قال ألا ترونني رجلاً وزعم يونس أنه نون مضطراً.

وحقه أن يكون نكرة. قال سيبويه واعلم أن كل شيء حسن لك أن تعمل فيه رب، حسن لك أن تعمل فيه لا. وأما قول الشاعر: لا هيثم الليلة للمطي وقول ابن الزبير الأسدي:

نكدن ولا أمية بـالـبـلاد

أرى الحاجات عند أبي خبيب

وقولهم لا بصرة لكم وقضية، ولا أبا حسن لها، فعلى التنكير. وأما لا سيما زيد فمثل لا مثل زيد.

وتقول لا أب لك. قال نهار بن توسعة اليشكري:

إذا افتخروا بقيسٍ أو تميم

أبي الإسلام لا أب لي سواه

ولا غلامين لك ولا ناصرين لك. وأما قولهم لا أبا لك ولا غلامي لك ولا ناصري لك فمشبه في الشذوذ بالملامح والمذاكير ولدن غدوة. وقصدهم فيه إلى الإضافة وإثبات الألف وحذف النون لذلك، وإنما أقحمت اللام المضيفة توكيداً للإضافة. لأألا تراهم لا يقولون لا أبا فيها، ولا رقيبلأ عليها، ولا مجيري منها، وقضاء من حق المنفي في التنكير بما يظهر بها من صورة الإنفصال. وقد شبهت في أنها مزيلة ومؤكدة بتيم الثاني في يا تيم تيم عدي. والفرق بين المنفي في هذه اللغة وبينه وبين الأولى أنه في هذا معرب وفي تلك مبني، فإذا فصلت فقلت لا يدين بها لك ولا أب فيها لك، امتنع الحذف والإثبات عند سيبويه وأجازهما يونس. وإذا قلت لا غلامين ظريفين لك لم يكن بد من إثبات النون في الصفة والموصوف.

حكم صفة اسم لا :

وفي صفة المفرد وجهان أحدهما أن يبنى معه على الفتح كقولك لا رجل ظريف فيها، والثاني أن تعرب محموله على لفظه أو محله كقولك لا رجل ظريفاً فيها أو ظريف، وإن فصلت بينهما أعربت . وليس في الصفة الزائدة عليها إلا الإعراب، فإن كررت المنفي جاز في الثاني الإعراب والبناء وذلك قولك لا ماء ماءً بارداً، وإن شئت لم تنون.

حكم معطوف اسم لا:

وحكم المعطوف حكم الصفة إلا في البناء.

قال: فلا أب وابناً مثل مروان وابنه وقال:

لا أم لي إن كان ذاك ولا أب

وان تعرف فالحمل على المحل لا غير كقولك لا غلام لك ولا العباس.

حكمه إذا كرر: ويجوز رفعه إذا كرر قال تعالى: "فلا رفث ولا فسوق"، وقال: "لا بيع فيه ولا خلة". فإن جاء مفصولاً بينه وبين لا أو معرفة وجب الرفع والتكرير كقولك لا فيها رجل ولا امرأة، ولا زيد فيها ولا عمرو. وقولهم لا نولك أن تفعل كذا كلام موضوع موضع لا ينبغي لك أن تفعل كذا وقوله:

حياتك لا نفع وموتك فاجع

وأنت امرؤ منا خلقت لغيرنا

وقوله:

ركائبها أن لا إلينا رجوعـهـا

قضت وطراً واسترجعت ثم آذنت

ضعيف لا يجيء إلا في الشعر. وقد أجاز المبرد في السعة أن يقال لا رجل في الدار ولا زيد عندنا.

إعراب لا حول ولا قوة إلا بالله: وفي لا حول ولا قوة إلا بالله ستة أوجه: أن تفتحهما، وأن تنصب الثاني، وأن ترفعه، وأن ترفعهما، وأن ترفع الأول على أن لا بمعنى ليس، أو على مذهب أبي العباس وتفتح الثاني، وأن تعكس هذا .

حذف اسم لا:

وقد حذف المنفي في قولهم لا عليك أي لا بأس عليك.

الفصل الثاني عشر: خبر ما ولا المشبهتين بليس

هذا التشبيهب لغة أهل الحجاز. وأما بنو تميم فيرفعون ما بعدهما على الإبتداء، ويقرؤن: ما هذا بشر، إلا من درى كيف هي في المصحف.

فإذا انتقض النفي بإلا أ تقدم الخبر بطل العمل فقيل: ما زيد إلا منطلق، ولا رجل إلا أفضل منك، وما منطلق زيد، ولا أفضل منك رجل.

ودخول الباء في الخبر نحو قولك ما زيد بمنطلق إنما يصح على لغة أهل الحجاز لأنك لا تقول زيد بمنطلق.

لات:

لات وهي لا التي يكسعونها بالتاء وهي المشبهة بليس بعينها ولكنهم أبوا إلا أن يكون المنصوب بها حيناً. قال الله تعالى: " ولات حين مناص" أي ليس الحين حين مناص.

النوع الرابع

المجرورات

لا يكون الأسم مجروراً إلا بالإضافة وهي المقتضية للجر، كما أن الفاعلية والمفعولية هما المقتضيان للرفع والنصب. والعامل ههنا غير المقتضي كما أن ثمة، وهو حرف الجر أو معناه في نحو قولك مررت بزيد، وزيد في الدار، وغلام زيد، وخاتم فضة.

الإضافة

وإضافة الأسم للأسم على ضربين: معنوية ولفظية. فالمعنوية ما أفاد تعريفاً كقولك دار عمرو، أو تخصيصاً كقولك غلام رجل. ولا تخلو في الأمر العام من أن تكون بمعنى اللام كقولك مال زيد وأرضه وأبوه وابنه وسيده وعبده، أو بمعنى من كقولك خاتم فضة وسوار ذهب وباب ساج.

واللفظية أن تضاف الصفة إلى مفعولها في قولك هو ضارب يد، وراكب فرس، بمعنى ضارب زيداً وراكب فرساً؛ وإلى فاعلها كقولك زيد حسن الوجه ومعمور الدار، وهند جاثلة الوشاح، بمعنى حسن وجهه ومعمورة داره وجائل وشاحهها. ولا تفيد إلا تخفيفاً في اللفظ والمعنى كما هو قبل الإضافة. ولا ستواء الحالين وصف النكرة بهذه الصفة مضافة كما وصف بها مفصولة في قولك مررت برجل حسن الوجه وبرجل ضارب أخيه.

تجريد المضاف من التعريف:

وقضية الإضافة المعنوية ان يجرد لها المضاف من التعريف وما تقبله الكوفيون من قولهم الثلاثة الأثواب والخمسة الدراهم فبمعزل عند أصحابنا عن القياس واستعمال الفصحاء. قال الفرزدق:

فسما وأدرك خمسة الأشبار

وقال ذو الرمة:

ثلاث الأثافي والديار البلاقع

وتقول في اللفظية مررت بزيد الحسن الوجه، وبهند الجائلة الوشاح، هما الضاربا زيد، وهم الضاربو زيد. قال الله تعالى: "والمقيمي الصلاة"، ولا تقول الضارب زيد، لأنك لا تفيد فيه خفة بالإضافة كما أفدتها في المثنى والمجموع، وقد أجازه الفراء. وأما الضارب الرجل فمشبه بالحسن الوجه.

المضاف إلى ضمير متصل:

وإذا كان المضاف إليه ضميراً متصلاً جاء ما فيه تنوين أو نون وما عدم واحداً منهما شرعاً في صحة الإضافة . لأنهم لما رقضوا يوجد فيه التنوين أو النون أن يجمعوا بينه وبين الضمير المتصل جعلوا ما لا يوجد فيه له تبعاً فقالوا الضاربك والضارباتك والضاربي بالضارباتي، كما قالوا لضارباك والضارباك والضاربوك والضاربي كما قال عبد الرحمن بن حسان:

إنما أنت في الضلال تهيم

أيها الشاتمي ليحسب مثلي

وقوله: هم الآمرون الخير والفاعلونه مما لا يعمل عليه.

الإضافة إلى غير ومثل وشبه:

وكل اسم معرفة يتعرف به ما أضيف إليه إضافة معنوية، إلا أسماء توغلت في إبهامها فهي نكرات وإن أضيفت إلى المعارف، وهي نحو غير ومثل وشبه. ولذلك وصفت بها النكرات فقيل مررت برجل غيرك ومثلك وشبهك ودخل عليها رب قال:

يا رب مثلك في النساء غريرةٍ

اللهم إلا إذا شهر المضاف بمغايرة المضاف إليه كقوله عز وجل: " غير المغضوب عليهم"، أو بمماثلته.

أنواع الأسماء المضافة:

والأسماء المضافة إضافة معنوية على ضربين: لازمة للإضافة وغير لازمة لها. فاللازمة على ضربين: ظروف وغير ظروف. فالظروف نحو فوق وتحت وأمام وقدام وخلف ووراء وتلقاء وتجاه وحذاء وعند ولدن ولدى وبين ووسط وسوى ومع ودون. وغير الظروف نحو مثل وشبه وغير وبيدٍ وقيد وقداً وقاب وقيسٍ وأي وبعض وكل وكلا وذو مؤنثة ومثناء ومجموعة وأولو وأولات وقد وقط وحسب.

وغير اللازمة نحو ثوب وفرس ودار وغيرها مما يضاف في حال دون حال.

حكم أي: وأي اضافته إلى اثنين فصاعداً إذا أضيف إلى المعرفة كقولك أي الرجلين وأي الرجال. عندك، وأيهما وأيهم وأي من رأيت أفضل، وأي الذين لقيت أكرم. وأما قولهم أيي وايك كان شراً فأخزاه الله، فكقولك اخزي الله الكاذب مني ومنك وهو بين وبينك، والمعنى أينا ومنا وبيننا. قال العباس بن مردس:

فقيد إلى المقامة لا يراها

فأيي ما وأيك كان شـراً

واذا أضيف إلى النكرة أضيف إلى الواحد والإثنين والجماعة كقولك أي رجل وأي رجلين وأي رجال، ولا تقول أيا ضربت وبأي مررت إلا حيث جرى ذكر ما هو بعض منه كقوله عز وجل: "أياً ما تدعوا فله الأسماء الحسنى" ولا ستيجابه الإضافة عوضوا منها توسيط المقحم بينه وبين صفته في النداء.

حكم كلا:

وحق ما يضاف إليه كلا أن يكون معرفة ومثنى أو ما هو في معنى المثنى، كقوله:

ويعلم أن سيلقاه كلانا

فإن الله يعلمني ووهباً

وقوله:

وكلا ذلك وجه وقبل

إن للخير وللشر مدى

ونظيره "عوان بين ذلك". ويجوز التفريق في الشعر كقولك كلا زيد وعمرو.

وحكمه إذا أضيف إلى الظاهر أن يجري مجرى عصا ورحا، تقول جاءني كلا الرجلين، ورأيت كلا الرجلين، ومررت بكلا الرجلين. وإذا أضيف إلى المضمر أن يجري مجرى المثنى على ما ذكر.

ومن العرب من يقر آخره على الألف في الوجهين.

حكم إضافة أفعل التفضيل:

وأفعل التفضيل يضاف إلى نحو ما يضاف إليه أي، تقول هو أفضل الرجلين وأفضل القوم، وتقول هو أفضل رجل، وهما أفضل رجلين، وهم أفضل رجال، والمعنى في هذا إثبات الفضل على الرجال إذا فضلوا رجلاً رجلاً واثنين اثنين وجماعة جماعة. وله معنيان: أحدهما أن يراد أنه زائد على المضاف إليهم في الخصلة هو وهم فيها شركاء، والثاني أن يؤخذ مطلقاً له الزيادة فيها إطلاقاً ثم يضاف لا للتفضيل على المضاف إليهم لكن لمجرد التخصيص، كما يضاف ما لا تفضيل فيه وذلك نحو قولك الناقص والأشج أعدلا بني مروان، كأنك قلت عادلا بني مروان. فأنت على الأول يجوز لك توحيده في التثنية والجمع وأن لا تؤنثه قال الله تعالى: " ولتجدنهم أحرص الناس على حياة"، وعلى الثاني ليس لك إلا أن تثنيه وتجمعه تؤنثه وقد اجتمع الوجهان في قوله عليه السلام" ألا أخبركم بأحبكم إلي وأقربكم مني مجالس يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً الموطؤن أكنافاً الذينب يألفون ويؤلفون ألا أخبركم بأبغضكم إلي وأبعدكم مني مجالس يوم القيامة أساوئكم أخلاقاً الثرثارون المتفيهقون ". وعلى الوجه الأول لا يجوز أن تقول يوسف أحسن أخوته، لأنك لما أضفت الأخوة إلى ضميره فقد أخرجته من جملتهم من قبل أن المضاف حقه أن يكون غير المضاف إليه، ألا ترى أنك إذا قلت هؤلاء إخوة زيد في عداد المضافين إليه، وإذا خرج من جملتهم لم يجز إضافة أفعل الذي هو هو إليهم، لأن من شرطه إضافته إلى جملة هو بعضها. وعلى الوجه الثاني لا يمتنع. ومنه قول من قال لنصيب أنت أشعر أهل جلدتك كأنه قال أنت شاعرهم:

إضافة الشيء إلى غيره:

ويضاف الشيء إلى غيره بأدنى ملابسة بينهما كقول أحد حاملي الخشبة لصاحبه خذ طرفك وقال:

إذا كوكب الخرقاء لاح بسحرةٍ

أضاف الكوكب إليهم لجدها في عملها إذا طلع وقال:

لتغني عني ذا إنائك أجمعا

إذا قال قدني قال بالله حلفة

لملابسة له في شربه وهو لساقي اللبن.

امتناع إضافة الشيء إلى نفسه:

والذي أبوه من إضافة الشيء إلى نفسه أن تأخذ الأسمين المعلقين على عين أو معنى واحد كالليث والأسد وزيد وأبي عبد الله والحبس والمنع ونظائرهن فتضيف أحدهما إلى الآخر فذلك بمكان من الإحالة. فأما نحو قولك جميع القوم وكل الدراهم وعين الشيء ونفسه فليس من ذلك.

عدم جولز إضافة الموصوف إلى صفته:

ولا يجوز إضافة الموضوف إلى صفته ولا الصفة إلى موصوفها وقالوا دار الآخرة وصلاة الأولى ومسجد الجامع وجانب الغربي وبقلة الحمقاء على تأويل دار الحياة الآخرة وصلاة الساعة الأولى ومسجد الوقت الجامع وجانب المكان الغربي وبقلة الحبة الحمقاء وقالوا عليه سحق عمامة وجرد قطيفة وأخلاق ثياب وهل عندك جائبة خبر ومغربة خبر على الذهاب بهذه الأوصاف مذهب خاتم وسوار وباب ومائة لكونها ومحتملة مثلها ليلخص أمرها بالإضافة كفعل النابغة في إجراء الطير على العائذات بياناً وتلخيصاً لا تقديماً للصفة على الموصوف حيث قال:

ركبان مكة بين الغيل والسنـد

والمؤمن العائذات الطير يمسحها

إضافة المسمى إلى اسمه: وقد أضيف المسمى إلى اسمه في نحو قولهم لقيته ذات مرة وذات ليلة ومررت به ذات يوم وداره ذات اليمين وذات الشمال وسرنا ذات صباح قال أنس بن مدركة الخثعمي:

لأمر ما يسود مـن يسـود

عزمت على إقامة ذي صباح

وقال الكميت:

نوازع من قلبي ظماء وألبب

إليكم ذوي آل النبي تطلعـت

وقالوا في نحو قول لبيد:

ومن يبك حولاً كاملاً فقد اعتذر

إلى الحول ثم اسم السلام عليكما

وفي قول ذي الرمة :

داعٍ يناديه باسم الماء مبغوم

وقوله:

تداعين باسم الشيب في متثلمٍ

أن المضاف يعنون الأسم مقحم خروجه ودخوله سواء وحكوا هذا حي زيد وأتيتك وحي فلان قائم وحي فلانة شاهد وأنشدوا:

قد كنت خائفة على الإحماق

يا قر إن إباك حي خـويلـدٍ

وعن الأخفش إنه سمع إعرابياً يقول في أبيات قالهن حي رباح بإقحام حي والمعنى هذا زيد وإن أباك خويلداً وقالهن رباح ومنه قول الشماخ:

ونفيت عنه مقام الذئب

أي الذئب.

إضافة أسماء الزمان والمكان:

وتضاف أسماء الزمان إلى الفعل قال الله تعالى:" هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم"، وتقول جئتك إذ جاء زيد، وآتيك :إذا احمر البسر، وما رأيتك منذ دخل الشتاء ومذ قدم الأمير. وقال:

حنت نوار ولات هنا حنت

وتضاف إلى الجملة الإبتدائية أيضاً كقولك أتيتك زمن الحجاج أمير، وإذ الخليفة عبد الملك. وقد أضيف المكان إليهما في قولهم اجلس حيث جلس زيد وحيث زيد جالس.

ومما يضاف إلى الفعل آية لقرب معناها من معنى الوقت قال:

كأن على سنابكها مداما

بآية يقدمون الخيل شعثاً

وقال آخر:

بآية ما يحبون الطعاما

ألا من مبلغ عني تميماً

وذو في قولهم اذهب بذي تسلم واذهبا بذي تسلمان واذهبوا بذي تسلمون. أي بذي سلامتك والمعنى بالأمر الذي يسلمك.

الفصل بين المضاف والمضاف إليه:

ويجوز الفصل بين المضاف والمضاف إليه بالظرف في الشعر. من ذلك قول عمرو بن قميئة:

لله در اليوم من لامها

وقول درنا:

هما أخوا في الحرب من لا أخا له

وأما قول الفرزدق: بين ذراعي وجبهة الأسد وقول الأعشى:

إلا علالةً أو بداهة سابحٍ

فعلى حذف المضاف إليه من الأول استغناء عنه بالثاني وما يقع في بعض بنسخ الكتاب من قوله:

زج القلوص أبي مزاده

فزججتـهـا بـمـزجةٍ

فسيبويه برئ من عهدته.

حذف المضاف:

وإذا امنوا الألباس حذفوا المضاف وأقاموا المضاف إليه مقامه وأعربوه بإعرابه. والعلم فيه قوله تعالى:" واسأل القرية" لأنه لا يلبس أن المسؤول أهلها لا هي. ولا يقولون رأيت هنداً يعنون رأيت غلام هند. وقد جاء الملبس في الشعر قال ذو الرمة:

قضى نحبه في ملتقى القوم هوبر

عشية فر الحارثـيون بـعـد مـا

وقال: بما أعي النطاسي حذيما أي ابن هوبر وابن حذيم. وكما أعطوا هذا الثابت حق المحذوف في الإعراب فقد أعطوه حقه في غيره قال حسان:

بردى يصفق بالرحيق السلسل

يسقون من ورد البريص عليهم

فذكر الضمير في يصفق حيث أراد ماء بردي وقد جاء قوله عز وجل: "وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتاً أو هم قائلون" . على ما للثابت والمحذوف جميعاً.

وقد حذف المضاف وترك المضاف إليه في إعرابه في قولهم ما كل سواء تمرة ولا بيضاء شحمةً. قال سيبويه كأنك أظهرت كل فقلت ولا كل بيضاء قال أبو دؤاد:

ونارٍ توقد بالليل نـارا

أكل امرء تحسبين امرأً

ويقولون ما مثل عبد الله يقول ذلك ولا أخيه. ومثله ما مثل أخيك ولا أبيك يقولان ذاك. وهو في الشذوذ إضمار الجار.

??حذق المضاف إليه:

وقد حذف المضاف إليه في قولهم كان ذلك إذ وحينئذ، ومررت بكل قائماً. وقال الله تعالى: " وكلاً آتينا حكماً وعلماً" وقال تعالى: " ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات"، وقال: "لله الأمر من قبل ومن بعد"، وفعلته أول يريدون إذ كان كذا وكلهم وبعضهم وقبل كل شيء وبعده وأول كل شيء.

حذف الإثنين: وقد جاء المحذوفين معاً في نحو قول أبي دؤاد يصف البرق:

أسال البحار فانتحى للعقيق

وقول الأسود:

وقد جعلتني من حزيمة إصبعا

قال الفسوي أي أسال سقياً سحابه وذا مسافة إصبع.

حكم المضاف إلى ياء المتكلم:

وما أضيف إلى ياء المتكلم فحكمه الكسر نحو قولك في الصحيح والجاري مجراه غلامي ودلوي، إلا إذا كان آخره ألفاً أو ياء متحركاً ما قبلها أو واواً أما الألف فلا يتغير إلا في لغة هذيل في نحو قوله:

سبقوا هوي وأعنقوا لهواهم

وفي حديث طلحة رضي الله عنه: فوضعوا اللج على قفي، يجعلونها إذا لم يكن للتثنية ياء، ويدغمونها. وقالوا جميعاً لدي ولديه كما قالوا علي وعليه وعليك. وياء الإضافة مفتوحة إلا ماجاء عن نافع محياي ومماتي وهو غريب. وأما الياء فلا تخلو من أن ينفتح ما قبلها كياء التثنية وياء الأشقين والمصطفين والمرامين والمعلين أو ينكسر كياء الجمع. والواو لا تخلو من أن ينفتح ما قبلها من ذلك فمدغم في ياء المتكلم ياء ساكنة بين مفتوحين، وما انكسر ما قبله من ذلك أو انضم فمدغم فيها ياء ساكنة بين مكسور مفتوح.

والأسماء الستة متى أضيفت إلى ظاهر أو مضمر، ما خلا الياء، فحكمها ما ذكرنا. فأما إذا أضيفت إلى الياء فحكمها حكمها غير مضافة، أي تحذف الأواخر، إلا ذو فإنه لا يضاف إلا إلى أسماء الأجناس الظاهرة وفي شعر كعب:

أبار ذوي أرومتها ذووها

صبحنا الخزرجية مرهفات

وللفم مجريان أحدهما مجرى اخواته وهو أن يقال فمي والفصيح في في الأحوال الثلاث. وقد أجاز المبرد أبي وأخي وأنشد:

وأبي مالك ذو المجاز بدار

وصحة محمله على الجمع في قوله: وفديننا بالابينا تدفع ذلك.

النوع الخامس

التوابع

هي الأسماء التي لا يمسها الأعراب إلا على سبيل التبع لغيرها وهي خمسة أضرب تأكيد وصفة وبدل وعطف بيان وعطف بحرف.

الفضل الأول:

التأكيد

التأكيد صريح وغير صريح:

هو على وجهين تكرير صريح وغير صريح. فالصريح نحو قولك رأيت زيداً زيدا. وقال أعشى همدان:

واثقاً أن تثيبنـي وتـسـرا

ما وجدناك في الحوادث غرا

مر إني قد امتدحتـك مـراً

مر يا مر مـرة بـن تـلـيدٍ

وغير الصريح نحو قولك فعل زيد نفسه وعينه والقوم أنفسهم وأعيانهم والرجلان كلاهما، ولقيت قومك كلهم والرجال أجمعين والنساء جمع.

جدوى التأكيد:

وجدوى التأكيد أنك إذا كررت فقد فررت المؤكد وما علق به في نفس السامع ونكنته في قلبه، وامطت شبهة ربما خالجته أو توهمت غفلة أو ذهاباً عما أنت بصدده فأزلته، وكذلك إذا جئت بالنفس والعين، فإن لظان أن يظن حين قلت فعل زيد أن اسناد الفعل إليه تجوز أو سهو أو نسيان. وكل وأجمعون يجديان الشمول والإحاطة.

التأكيد يشمل الأسم والفعل الحرف:

والتأكيد بصريح التكرير جار في كل شيء في الأسم والفعل والحرف والجملة والمظهر ولمضمر. تقول ضربت زيداً زيداً. وضربت ضربت زيداً، وإن إن زيداً منطلق، وجاءني زيد، وما أكرمني إلا أنت أنت.

تأكيد المضمر بالمضمر:

ويؤكد المظهر بمثله لا بالمضمر، والمضمر بمثله وبالمظهر جميعاً. ولا يخلو المضمران من أن يكونا منفصلين كقولك ما ضربني إلا هو هو، أو متصلاً أحدهما والأخر منفصلاً كقولك زيد قام هو وانطلقت أنت، وكذلك مررت بك أنت وبه هو وبنا نحن، ورأيتني أنا ورأيتنا نحن.

تأكيد المضمر بالمظهر:

ولا يخلو المضمر إذا أكد بالمظهر من أن يكون مرفوعاً أو منصوباً أن مجروراً. فالمرفوع لا يؤكد بالمظهر إلا بعد أن يؤكد بالمضمر، وذلك قولك زيد ذهب هو نفسه وعينه، والقوم حضروا هم أنفسهم وأعيانهم، والنساء حضرن هن انفسهن وأعيانهن، سواء في ذلك المستكن والبارز. وأما المنصوب والمجرور فيؤكدان بغير شريطة، تقول رأيته نفسه ومررت به نفسه.

التأكيد بنفس وعين: النفس والعين مختصان بهذه التفصلة بين الضمير المرفوع وصاحبيه، وفيما سواهما لا فصل في الجواز بين ثلاثتها. تقول الكتاب قرئ كله، وجاءني كلهم، وخرجوا أجمعون.

التأكيد بكل وأجمع: ومتى أكدت بكل وأجمع غير جمع فلا مذهب لصحته حتى تقصد أجزاءه، كقولك قرأت الكتاب كله، وسرت النهار كله وأجمع وتجرت الأرض وسرت الليلة كلها وجمعاء.

ولا يقع كل وأجمعون تأكيدين للنكرات. لا تقول رأيت قوماً كلهم ولا أجمعين وقد أجاز ذلك الكوفيون فيما كان محدوداً كقوله:

قد صرت البكرة يوماً أجمعاً

وأكتعون وأبتعون وأبصعون إتباعات لأجمعون لا يجئن إلا على أثره.

وعن ابن أيسان تبدأ بأيتهن شئت بعدها. وسمع أجمع أبصع وجمع كتع وجمع بتع وعن بعضهم جاءني القوم أكتعون.

الفصل الثاني:

الصفة

تعريفها:

هي الأسم الدال على بعض أحوال الذات وذلك نحو طويل وقصير وعاقل وأحمق وقائم وقاعد وسقيم وصحيح وفقير وغني وشريف ووضيع ومكرم ومهان.

الغاية من الصفة:

والذي تساق له الصفة هو التفرقة بين المشتركين في الأسم. ويقال إنها للتخصيص في النكرات وللتوضيح في المعارف.

وقد تجيء مسوقة لمجرد الثناء والتعظيم كالأوصاف الجارية على القديم سبحانه. أو لما يضاد ذلك من الذم والتحقير، كقولك فعل فلان الفاعل الصانع كذا. وللتأكيد كقولهم أمس الدابر وكقوله تعالى: "نفخة واحدة".

الوصف بأسماء الفاعل والمفعول والصفة المشبهة:

وهي في الأمر العام إما أن تكون اسم فاعل أو اسم مفعول أو صفة مشبهة. وقولهم تميمي وبصري على تأويل منسوب ومعزو. وذو مال وذات سوار متأول بمتمول ومتسورة أو بصاحب مال وصاحبة سوار. وتقول مررت برجل أي رجل وأيما رجل على معنى كامل في الرجولية. وكذلك أنت الرجل كل الرجل، وهذا العالم جد العالم وحق العالم يراد به البليغ الكامل في شأنه ومررت برجل رجل صدق وبرجل رجل سوءٍ كأنك قلت صالح وفاسد، والصدق ههنا بمعنى الصلاح والجودة، والسوء بمعنى الفساد والرداءة. وقد استضعف سيبويه أن يقال مررت برجل أسد على تأويل جرئ.

الوصف بالمصدر:

ويوصف بالمصادر كقولهم رجل عدل وصوم وفطر وزور ورضي، وضرب هبر، وطعن نثر، ورمي سعر، ومررت برجل حسبك وشرعك وهدك وهمك وكفيك ونحوك، بمعنى محسبك وكافيك ومهمك ومثلك.

ويوصف بالجمل التي يدخلها الصدق والكذب. وما قوله:

جاؤا بمذق هل رأيت الذئب قط

فبمعنى مقول عنده هذا القول لو رقته لأنه سمار. ونظيره قول أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه: وجدت الناس أخبر تقله، أي وجدتهم مقولاً فيهم هذا المقال. ولا يوصف بالجمل إلا النكرات.

وقد نزلوا نعت الشيء بحال ما هو سببه منزلة نعته بحاله هو، نحو قولك مررت برجل كثير عدوه وقليل من لا سبب بينه وبينه.

الصفة تتبع الموصوف:

وكما كانت الصفة وفق الموصوف في إعرابه فهي وفقه في الأفراد والتثنية والجمع والتعريف والتنكير والتأنيث، إلا إذا كانت فعل ما هو من سببه فإنها توافقه في الإعراب والتعريف والتنكير دون سواهما، أو كانت صفة يستوي فيها المذكر والمؤنث نحو فعول وفعيل بمعنى مفعول أو مؤنثة تجري على المذكر نحو علامة وهلباجةٍ وربعة ويفعةٍ.

وصف العلم:

والمضمر لا يقع موصوفاً ولا صفة، والعلم مثله في أنه لا يوصف به، ويوصف بثلاثة بالمعرف باللام وبالمضاف إلى المعرفة وبالمبهم. كقولك مررت بزيد الكريم وبزيد صاحب عمرو وصديقك وراكب الأدهم وبزيد هذا.

والمضاف إلى المعرفة مثل العلم يوصف بما يوصف به. والمعرف باللام يوصف بمثله وبالمضاف إلى مثله كقولك مررت بالرجل الكريم صاحب القوم. والمبهم يوصف بالمعرف باللام إسماً أو صفة. واتصافه باسم الجنس ما هو مستبد به عن سائر الأسماء وذلك مثل قولك أبصر ذاك الرجل وأولئك القوم ويا أيها الرجل ويا هذا الرجل.

ومن حق الموصوف أن يكون أخص من الصفة أو مساوياً لها ولذلك امتنع وصف المعرف باللام بالمبهم وبالمضاف إلى ما ليس معرفاً باللام لكونا أخص منه نحو جاءني الرجل صاحب عمرو.

جواز حذف الموصوف: وحق الصفة ان تصحب الوصوف إلا إذ ظهر أمره ظهوراً يستغنى تبع عن ذكره فحينئذ يجوز تركه وإقامة الصفة مقامه كقوله:

داود أو صنع السـوابـغ

وعليهما مسرودتان قضاهما

وقوله:

إلا السحاب وإلا الأوب والسبل

رباء شماء لا يساوي لقلتـهـا

وقوله تعالى: " وعندهم قاصرات الطرف عين" وهذا باب واسع ومنه قول النابغة:

يقعقع بين رجليه بشـن

كأنك من جمال بني أقيشٍ

أي جمل من جمالهم وقال:

يفضلها في حسب وميسم

لو قلت ما في قومها لم تيثم

أي ما في قومها أحد. ومنه:

أنا ابن جلا

أي رجل جلا. وقوله: بكفي كان من أرمي البشر

يعني بكفي رجل وسمع سيبويه بعض العرب الموثوق بهم يقول ما منهما مات حتى رأيته في حال كذا وكذا، يريد ما منهما واحد مات. وقد يبلغ من الظهور أنهم يطرحونه رأساً كقولهم الأجرع والأبطح والفارس والصاحب والأكب والأورق والأطلس.

الفصل الثالث:

البدل

أنواع البدل:

هو على أربعة أضرب: بدل الكل من الكل كقوله تعالى: " إهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم". وبدل البعض من الكل كقولك رأيت قومك أكثرهم وثلثيهم وناساً منهم، وصرفت وجوهها أولها. وبدل الإشتمال كقولك سلب زيد ثوبه، وأعجبني عمرو حسنه، وأدبه وعلمه، ونحو ذلك سلب زيد ثوبه، وأعجبني عمرو حسنه، وأدبه وعلمه، ونحو ذلك مما هو منه أو بمنزلته في التلبس به. وبدل الغلط كقولك مررت برجل حمار، أردت أن تقول بحمار، فسبقك لسانك إلى رجل، ثم تداركته. وهذا لا يكون إلا في بداية الكلام وما لا يصدر عن روية وفطانة.

الغاية منه:

وهو الذي يعتمد بالحديث. وإنما يذكر لنحو من التوطئة وليفاد بمجموعهما فضل تأكيد وتبيين لا يكون في الإفراد. قال سيبويه عقيب ذكره أمثلة البدل أراد رأيت أكثر قومك وثلثي قومك وصرفت وجوه أولها. ولكنه ثنى الأسم توكيداً. وقولهم إنه في حكم تنحية الأول إيذان منهم باستقلاله بنفسه ومفارقته التأكيد والصفة في كونهما تمتيناً لما يتبعانه لا أن يعنوا إهدار الأول واطراحه. إلا تراك تقول زيد رأيت غلامه رجلاً صالحاً فلو ذهبت تهدر الأول لم يسد كلامك.

والذي يدل على كون مستقلاً بنفسه أنه في حكم تكرير العامل بدليل مجيء ذلك صريحاً في قوله عز وجل:"الذين استضعفوا لمن آمن منهم" وقوله: " لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفاً من فضة". وهذا من بدل الإشتمال.

عدم تطابق المبدل والمبدل منه: وليس بمشروط أن يتطابق البدل والمبدل منه تعريفاً وتنكيراً بل لك أن تبدل أي النوعين شئت من الآخر قال الله تعالى: "إلى صراط مستقيم صراط الله" وقال: "بالناصية ناصية كاذبة" ، خلا أنه لا يحسن إبدال النكرة من المعرفة إلا موصوفة كناصية.

إبدال المظهر والمضمر:

ويبدل المظهر من المضمر الغائب دون المتكلم والمخاطب. تقول رأيته زيداً، ومررت به زيد وصفت وجوهها أولها. ولا تقول بي المسكين كان الأمر ولا عليك الكريم المعول والمضمر من المظهر نحو قولك رأيت زيداً إياه ومررت بزيد به والمضمر كقولك رأيتك إياك ومررت بك بك .

الفصل الرابع:

عطف البيان

تعريفه:

هو اسم غير صفة، يكشف عن المراد كشفها، وينزل من المتبوع منزلة الكلمة المستعملة من الغريبة إذا ترجمت بها. وذلك نحو قوله:

ما مسها من نقبٍ ولا دبر

أقسم بالله أبو حفصٍ عمر

أراد عمر بن الخطاب رضي الله عنه فهو كما ترى جار مجرى الترجمة حيث كشف عن الكنية لقيامه بالشهرة دونها.

الفرق بين عطف البيان والبدل:

والذي يفصله لك من البدل شيئان أحدهما قول المرار:

عليه الطير ترقبه وقوعا

أنا ابن التارك البكري بشرٍ

لأن بشراً لو جعل بدلاً من البكري والبدل في حكم تكرير العامل لكان التارك في التقدير داخلا على بشر. والثاني أن الأول ههنا هو ما يعتمد بالحديث، وورود الثاني من أجل أن يوضح أمره. والبدل على خلاف ذلك إذ هو كما ذكرت المعتمد بالحديث والأول كالبساط لذكره.

الفصل الخامس:

العطف بالحروف

هو نحو قولك جاءني زيد وعمرو. وكذلك إذا نصبت أو جررت يتوسط الحرف بين الاسمين فيشركهما في اعراب واحد. والحروف العاطفة تذكر في مكانها ان شاء الله تعالى.

والمضمر منفصله بمنزلة المظهر، يعطف ويعطف عليه، تقول جاءني زيد وأنت، ودعوت عمراً وإياك، وما جاءني إلا أنت وزيد، وما رأيت إلا إياك وعمراً. وأما متصله فلا يتأتى أن يعطف ويعطف عليه، خلا أنه يشترط في مرفوعه أن يؤكد بالمنفصل. تقول ذهبت أنت وزيد، وذهبوا هم وقومك، وخرجنا نحن وبنو تميم. وقال تعالى: "اذهب أنت وربك" وقول عمر بن أبي ربيعة:

قلت إذ أقبلت وزهر تهادى من ضرورات الشعر. وتقول في المنصوب ضربتك وزيداً ولا يقال مررت به وزيد، ولكان يعاد الجار وقراءة حمزةوالأرحام ليست بتلك القوية.

الباب الثالث

الاسم المبني

تعريفه:

وهو الذي سكون آخره وحركته لا بعامل. وسبب بنائه مناسبته مالا تمكن له بوجه قريب أو بعيد بتضمن معناه، نحو أين وأمس أو شبهه كالمبهمات، أو وقوعه موقعه كنزال، أو مشاكلته للواقع موقعه كفساق وفجار، أو وقوعه موقع ما أشبهه كالمنادي المضموم، أو إضافته إليه كقوله تعالى: "من عذاب يومئذ" ، وهذا يوم لا ينطقون" فيمن قرأها بالفتح، وقول أبي قيس بن رفاعة:

حمامة في غصون ذات أو قـال

لم يمنع الشرب منها غير أن تطقت

وقول النابغة:

علي حين عاتبت المشيب على الصبى

البناء على السكون هو القياس:

والبناء على السكون هو القياس. والعدول عنه إلى الحركة لأجل ثلاثة أسباب: الهرب من التقاء الساكنين في نحو هؤلاء. ولئلا يبتدأ بساكن لفظاً أو حكماً كالكافين التي بمعنى مثل والتي هي ضمير. ولعروض البناء وذلك في نحو يا حكم، ولا رجل في الدار، ومن قبل، ومن بعد، وخمسة عشر. وسكون البناء يسمى وقفاً. وحركاته ضماً وفتحاً وكسراً.

أهم الأسماء المبنية:

وأنا أسوق إليك عامة ما بنته العرب من الأسماء، إلا ما عسى أن يشذ منها. وقد ذكرناه في هذه المقدمة في سبعة أبواب وهي المضمرات وأسماء الإشارة والموصولات وأسماء الأفعال والأصوات وبعض الظروف والمركبات والكنايات.

الفصل الأول: المضمرات

أنواع الضمائر:

وهي على ضربين متصل ومنفصل. فالمتصل ما لا ينفك عن اتصاله بكلمة، كقولك أخوك وضربك ومربك. وهو على ضربين بارز ومستتر فالبارز ما لفظ به بالكاف في أخوك. والمستتر ما نوي كالذي في زيد ضرب. والمنفصل ما جرى مجرى المظهر في استبداده كقولك هو وأنت.

ولكل من المتكلم والخاطب والغائب مذكره ومؤنثه ومفرده مثناه ومجموعه ضمير متصل ومنفصل في أحوال الإعراب، ما خلا حال الجر فإنه لا منفصل لها. تقول في مرفوع المتصل ضربت ضربنا وضربت إلى ضربتن، وزيد ضرب إلى ضربن. وفي منصوبه ضربني ضربنا وضربك إلى ضربكن وضربه إلى ضربهن. وفي مجروره غلامي وغلامنا وغلامك إلى غلامكن وغلامه إلى غلامهن. وتقول في مرفوع المنفصل أنا نحن وأنت إلى أنتن وهو إلى هن وفي منصوبه إياي إيانا وإياك إلى إياكن وإياه إلى إياهن.

الحروف التي تلحق بالضمائر:

والحروف التي تتصل بأياً من الكاف ونحوها لواحق للدلالة على أحوال المرجوع إليه. وكذلك التاء في أنت ونحوها في أخواته ولا محل لهذه اللواحق من الإعراب، إنما هي علامات كالتنوين وتاء التأنيث وياء النسب. وما حكاه الخليل عن بعض العرب إذا بلغ الرجل الستين فإياه وايا الشواب مما لا يعمل عليه.

عدم تسويغ ترك المتصل إلى المنفصل:

ولأن المتصل أخصر لم يسوغوا تركه إلى المنفصل إلا عند تعذر الوصل. فلا تقول ضرب أنت ولا هو ضربت إياك إلا ما شذ من قول حميد الأرقط:

إليك حتى بلغت إياك

وقول بعض اللصوص:

إنما نقتل إيانا

كأنا يوم قرى

وتقول هو ضرب والكريم أنت وإن الذاهبين نحن وقال:

ما قطر الفارس إلا أنا

وجاء عبد الله وأنت وإياك أكرمت إلا ما أنشده ثعلب:

ألا يجـاورنـا إلاك ديار

وما نبالي إذا ما كنت جارتنا

حكم التقاء ضميرين

فإذا التقى ضميران في نحو قولهم الدرهم أعطيتكه، والدرهم أعطيتكموه، والدرهم زيد معطيكه، وعجبت من ضربكه، جاز أن يتصلا كما نرى، وأن يفصل الثاني كقولك أعطيتك إياه، وكذلك البواقي. وينبغي إذا أتصلا أن يقدم منهما ما للمتكلم على غيره، وما للمخاطب على الغائب، فتقول أعطنيك واعطانيه زيد والدرهم أعطاكه زيد وقال عز وجل: "أنلزمكموها".

وإذا انفصل الثاني لم تراع هذا الترتيب، فقلت أعطاه إياك وأعطاك إياي وقد جاء في الغائبين أعطاهاه وأعطاهوها ومنه قوله:

لضغمهماها يقرع العظم نابها

وقد جعلت نفسي تطيب لضغمة

وهو قليل؛ والكثير أعطاها إياه، وأعطاه إياها، والإختيار في ضمير خبر كان وإخواتها الإنفاصل كقوله:

عن العهد والإنسان قد يتغير

لئن كان إياه لقد حال بعدنـا

وقوله:

ك ولا نخشى رقيبا

ليس إياي وإيا

وعن بعض العرب عليه رجلاً ليسني وقال:

إذ ذهب القوم الكرام ليسي

والضمير المستتر يكون لازماً وغير لازم. فاللازم في أربعة أفعال إفعل وتفعل للمخاطب وافعل ونفعل. وغير اللازم في فعل الواحد الغائب وفي الصفات. ومعنى اللزوم فيه أن أسناد هذه الأفعال إليه خاصة لا تسند البتة إلى مظهر ولا إلى مضمر بارز، ونحو فعل ويفعل يسند إليه وإليهما في قولك عمرو قام وقام غلامه وما قام إلا هو. ومن غير اللازم ما يستكن في الصفة نحو قولك زيد ضارب، لأنك تسنده إلى المظهر أيضاً في قولك زيد ضارب غلامه، وإلى المضمر البارز في قولك هند زيد ضاربته هي، والهندان الزيدان ضاربتهما هما، ونحو ذلك مما أجريتها فيه على غير من هي له.

ضمير الفصل:

ويتوسط بين المبتدأ وخبره قبل دخول العوامل اللفظية وبعده إذا كان الخبر معرفة أو مضارعاً له في امتناع دخول حرف التعريف عليه كافعل من كذا أحد الضمائر المنفصلة المرفوعة، ليؤذن من أول أمره بأنه خبر لا نعت، وليفيد ضرباً من التوكيد. وتسميه البصريون فصلاً، والكوفيون عماداً. وذلك في قولك زيد هو المنطلق، وزيد هو أفضل من عمرو، وقال تعالى: "إن كان هذا هو الحق"، وقال تعالى: "كنت أنت الرقيب عليهم"، وقال: "ولا تحسبن الذين يبخلون بما أتاهم الله من فضله هو خيراً لهم"، وقال تعالى: "إن ترن أنا أقل منك مالاً وولداً". ويدخل عليه لام الإبتداء، تقول إن كان زيد لهو ظريف، وإن كنا لنحن الصالحون. وكثير من العرب يجعلونه مبتدأ وما بعده مبنياً عليه. وعن رؤبة أنه يقول أظن زيداً هو خير منك ويقرؤون: "ومن ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمون" "وأنا أقل".

ضمير الشأن:

ويقدمون قبل الجملة ضميراً يسمى ضمير الشأن والقصة. وهو المجهول عند الكوفيين. وذلك نحو قولك هو زيد منطلق أي الشأن والحديث زيد منطلق، ومنه قوله عز وجل: "قل هو الله أحد" ويتصل بارزاً في قولك ظننته زيد قائم، وحسبته قام أخوك، وأنه أمة الله ذاهبة، وأنه يأتنا نأته، وفي التنزيل: "وإنه لما قام عبد الله"، ومستكناً في قولهم ليس خلق الله مثله وكان زيد ذاهب، وكان أنت خير منه، وكاد تزيغ قلوب فريق منهم. ويجيء مؤنثاً إذا كان في الكلام مؤنث نحو قوله تعالى: "فإنها لا تعمى الأبصار"، وقوله تعالى: "أو لم تكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل". وقال:

على أنها تعفو الكلوم

والضمير في قولهم ربه رجلاً نكرة مبهم، يرمي به من غير إلى مضمر له، ثم يفسر العدد المبهم في قولك عشرون درهماً ونحوه في الأبهام والتفسير والضمير في نعم رجلاً.

وإذا كنى عن الأسم الواقع بعد لولا وعسى فالشائع الكثير أن يقال لولا أنت ولولا أنا وعسيت وعسيت قال تعالى: "لولا أنتم لكنا مؤمنين" وقال: "فهل عسيتم". وقد روى الثقات عن العرب لولاك ولولاي وعساك وعساني وقال يزيد بن أم الحكم:

بأجرامه من قلة النيق منـهـوي

وكم موطن لولاي طحت كما هوى

وقال:

لولاك هذا العام لم أحجج

وقال:

يا أبتا علك أو عساكا

وقال:

تنازعني لعلي أو عساني

ولي نفس أقول لها إذا ما

واختلف في ذلك: فمذهب سيبويه وقد حكاه عن الخليل ويونس أن الكاف والياء بعد لولا في موضع الجر، وإن لولا مع المكنى حالاً ليس له مع المظهر، كما أن للدن مع غدوة حالاً ليست له مع غيرها. وهما بعد عسى في محل النصب بمنزلتهما في قولك لعلك ولعلي. ومذهب الأخفش أنهما الموضعين في محل الرفع، وأن الرفع في لولا محمول على الجر، وفي عسى على النصب، كما حمل الجر على الرفع في قولهم ما أنا كأنت والنصب على الجر في مواضع.

نون الوقاية:

وتعمد ياء المتكلم إذا اتصلت بالفعل بنون قبلها صوناً له من أخي الجر، ويحمل عليه الأحرف الخمسة لشبهها به. فيقال إنني. وكذلك الباقية، كما قيل ضربني ويضربني. وللتضعيف مع كثرة الإستعمال جاز حذفها من أربعة منها في كل كلام. وقد جاء في الشعر ليتي لأنها منها قال زيد الخيل:

أصادفه وأفقد بعض مالي

كمنية جابر إذ قال ليتـي

وقد فعلوا ذلك في من وعن ولدن وقط وقد إبقاء عليها من أن تزيل الكسرة سكونها وأما قوله:

قدني من نصر الخبيبين قدي

فقال سيبويه لما اضطر شبهه بحسبي وعن بعض العرب مني وعني وهو شاذ ولم يفعلوه في علي ولدي لأمنتهم الكسرة فيها.

الفصل الثاني: أسماء الإشارة

تعدادها:

ذا للمذكر، ولمثناه ذان في الرفع وذين في النصب والجر، ويجيء ذان فيهما في بعض اللغات ومنه "إن هذا لساحران". وتا وتي وته وذه بالوصل وبالسكون. وذي بالمؤنث ولمثناه تان وتين، ولم يثن من لغاته إلا تا وحدها. ولجمعهما جميعاً أولاً بالقصر والمد، مستوياً في ذلك أولو العقل وغيرهم. قال جرير:

والعيش بعد أولـئك الأيام

ذم المنازل بعد منزلة اللوى

تلحقها كاف الخطاب:

ويلحق كاف الخطاب بأواخرها فيقال ذاك وذانك بتخفيف النون وتشديدها، قال تعالى: "فذانك برهانان من ربك"، وذينك وتاك وتيك وذيك وتانك وتينك وأولاك وأولئك ويتصرف مع المخاطب في أحواله من التذكير والتأنيث والتثنية والجمع، قال تعالى: " وكذلك قال ربك" وقال: "ذلكما مما علمني ربي"، وقال: "ذلكم الله ربكم" وقال: "فذلكن الذي لمتنني فيه".

الفرق بينهما:

وقولهم ذلك هو ذاك زيدت فيه اللام. وفرق بين ذا وذاك وذلك فقيل الأول للقريب والثاني للمتوسط والثالث للبعيد. وعن المبرد أن ذانك مشددة تثنية ذلك، ومثل ذلك في المؤنث تلك وتالك، وهذه قليلة.

تسبقها ها التنبيه:

وتدخل ها التي للتنبيه على أوائلها فيقال هذا وها ذاك وهذان وهاتا وهاتي وهذي وهاتيك وهؤلاء.

ومن ذلك قولهم إذا أشاروا إلى القريب من الأمكنة هنا وإلى البعيد هنا. وقد حكي فيه الكسر. وثم. وتلحق كاف الخطاب وحرف التنبيه بهنا وهنا فيقال هنالك كما يقال ذلك.

الفصل الثالث: الموصولات

تعدادها:

الذي للمذكر ومن العرب من يشدد ياءه. واللذان لمثناه ومن العرب من يشدد نونه واللذين. وفي بعض اللغات اللذون لجمعه. والأولى واللاؤن في الرفع. واللائين في الجر والنصب. والتي لمؤنثه. واللتان لمثناه. واللاتي واللات واللائي واللاء واللاي واللواتي لجمعه. واللام بمعنى الذي في قولهم الضارب أباه زيد أي الذي ضرب أباه. وما من في قولك عرفت ما عرفته ومن عرفته. وأيهم في قولك أضرب أيهم في الدار. وذو الطائية الكائنة بمعنى الذي في قول عارق:

لأنتحين للعظم ذو أنا عارقه

وذا في قولك ما ذا صنعت بمعنى أي شيء الذي صنعته؟.

صلة الوصل والراجع:

والموصول ما لا بدله في تمامه إسماً من جملة تردفه من الجمل التي تقع صفات، ومن ضمير فيها يرجع إليه. وتسمى هذه الجملة صلة، ويسميها سيبويه الحشو. وذلك قولك الذي أبوه منطلق زيد، وجاءني من عهده عمرو. واسم الفاعل في الضارب في معنى الفعل وهو مع المرفوع به جملة واقعة صلة للام ويرجع الذكر منها إليه كما يرجع إلى الذي. وقد يحذف الراجع كما ذكرنا. وسمع الخليل عربياً يقول ما أنا بالذي قائل لك شيئاً. وقريء تماماً على الذي أحسن بحذف شطر الجملة، وقد جاءت التي في قولهم بعد اللتيا والتي محذوفة الصلة بأسرها. والمعنى بعد الخطة التي من فظاعة شأنها كيت وكيت. وإنما حذفوا ليوهموا أنها بلغت من الشدة مبلغاً تقاصرت العبارة عن كنهه.

تخفيف الموصول:

والذي وضع وصلة إلى وصف المعارف بالجمل وحق الجملة التي يوصل بها أن تكون معلومة للمخاطب كقولك هذا الذي قدم من الحضرة لمن بلغه ذلك. ولا ستطالتهم إياه بصلته مع كثرة الإستعمال خفففوه من غير وجه فقالوا أللذ بحذف الياء ثم اللذ بحذف الحركة، ثم حذفوه رأساً واجتزؤا عنه بالحرف الملتبس به وهو لام التعريف. وقد فعلوا مثل ذلك بمؤنثه فقالوا أللت وأللت والضاربته هند أي التي ضربته هند. وقد حذفوا النون من مثناه ومجموعه قال الأخطل:

قتلا الملوك وفككا الأغلالا

أبني كليب إن عمي اللـذا

وقال:

وإن الذي حانت بفلج دماؤهم

وقال تعالى: "وخضتم كالذي خاضوا".

الذي أوسع استعمالاً من اللام:

ومجال الذي في باب الأخبار أوسع من مجال اللام التي بمعناه حيث دخل في الجملتين الأسمية والفعلية جميعاً، ولم يكن للام مدخل إلا في الفعلية، وذلك قولك إذا أخبرت عن زيد في قام زيد وزيد منطلق: الذي قام زيد، والذي هو منطلق زيد، والقائم زيد. ولا تقول الهو منطلق زيد. والإخبار عن كل اسم في جملة سائغ إلا إذا منع مانع. وطريقة الإخبار أن تصدر الجملة بالموصول وتزحلق الإسم إلى عجزها واضعاً مكانه ضميراً عائداً إلى الموصول. بيانه أنك تقول في الإخبار عن زيد في زيد منطلق: الذي هو منطلق زيد. وعن منطلق الذي هو زيد! هو منطلق. وعن خالد في قام غلام خالد: الذي قام غلامه خالد أو القائم غلامه خالد. وعن اسمك في ضربت زيداً: الذي ضرب زيداً أنا أو الضارب زيداً أنا. وعن الذباب في يطير الذباب فيغضب زيد: الذي يطير فيغضب زيد الذباب أو الطائر فيغضب زيد الذباب. وعن زيد الذي يطير فيغضب زيد أو الطائر فيغضب زيد. ومما امتنع فيه الإخبار ضمير الشأن لاستحقاقه أول الكلام، والضمير في منطلق في زيد منطلق، والهاء في زيد ضربته. ومنه في السمن منوان منه بدرهم، لأنها إذا عادت إلى الموصول بقي المبتدأ بلا عائد. والمصدر والحال في نحو ضربي زيداً قائماً، لأنك لو قلت الذي هو زيداً قائماً ضربي أعملت الضمير، ولو قلت الذي ضربي زيداً إياه قائم أضمرت الحال، والحال نكرة أبداً والإضمار إنما يسوغ فيما يسوغ تعريفه.

ما:

وما إذا كانت إسماً على أربعة أوجه موصولة كما ذكر. وموصوفة كقوله:

ر له فرجة كحل العقال

ربما تكره النفوس من الأم

ونكرة في معني شيء من غير صلة ولا صفة كقوله تعالى: "فنعما هي" وقولهم في التعجب ما أحسن زيداً. ومضمنة معنى حرف الإستفهام أو الجزاء كقوله تعالى: "وما تلك بيمينك يا موسى"، "وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله". وهي في وجوهها مبهمة تقع على كل شيء. تقول لشبح رفع لك من بعيد لا تشعر به ما ذاك، فإذا شعرت أنه إنسان قلت من هو. وقد جاء سبحان ما سخركن لنا، وسبحان ما سبح الرعد بحمده.

قلب ألف ما وحذفه:

ويصيب ألفها القلب والحذف. فالقلب في الإستفهامية جاء في حديث أبي ذؤيب: قدمت المدينة ولأهلها ضجيج بالبكاء كضجيج الحجيج أهلوا بالإحرام فقلت مه؟ فقيل هلك رسول الله عليه الصلاة والسلام. والجزائية وذلك عند إلحاق ما المزيدة بآخرها كقوله تعالى: "مهما تأتنا به من آية". والحذف في الإستفهامية عند إدخال حرف الجر عليها وذلك قولهم فيم وبم وعم ولم وحتام والام وعلام.

من:

ومن كما في أوجهها، إلا في وقوعها غير موصولة ولا موصوفة. وهي تختص بأولي العلم. وتوقع على الواحد والإثنين والجمع والمذكر والمؤنث. ولفظها مذكر والحمل عليه هو الكثير. وقد يحمل على المعنى. وقريء قوله تعالى: "ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحاً" بتذكير الأول وتأنيث الثاني. وقال تعالى: "ومنهم من يستمعون إليك" وقال الفرزدق:

نكن مثل من يا ذئب يصطحبان

وإذا استفهم بها الواقف عن نكرة قابل حركته في لفظ الذاكر من حروف المد بما يجانسها. تقول إذا قال جاءني منو، وإذا قال رأيت رجلاً منا، وإذا قال مررت برجل مني، وفي التثنية منان ومنين، وفي الجمع منون ومنين، وفي المؤنث منه ومنتان ومنتين ومنات. والنون والتاء ساكنتان. وأما الواصل فيقول في هذا كله من يا فتى بغير علامة وقد ارتكب من قال:

أتوا ناري فقلت منون أنتم

شذوذين إلحاق العلامة في الدرج وتحريك النون التي من حقها أن تكون ساكنة، لأن من مبني على السكون. ومنهم من لا يزيد إذا وقف على الأحرف الثلاثة وحد أو ثنى أم أنث أم جمع. وأما المعرفة فمذهب أهل الحجاز فيه إذا كان علماً أن يحكيه المستفهم كما نطق به فيقول لمن قال جاءني زيداً. من زيداً؟ ولمن قال مررت بزيد. من زيد؟ وإذا كان غير علم رفع لا غير، تقول لمن قال رأيت الرجل: من الرجل؟ ومذهب بني تميم أن يرفعوا في المعرفة البتة. وإذا استفهم عن صفة العلم إذا قال جاءني زيد. المنى؟ أي القرشي أم الثقفي، والمنيان والمنيون.

أي:

وأي كمن في وجوهها تقول مستفهماً أيهم حضر؟ ومجازياً أيهم يأتني أكرمه، وواصلا أضرب أيهم أفضل أيهم أفضل، وواصفاً يا أيها الرجل. وهي عند سيبويه مبنية على الضم إذا وقعت صلتها محذوفة الصدر كما وقعت في قوله تعالى: "ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد" وأنشد أبو عمر الشيباني في كتاب الحروف:

فسلم على أيهم أفضل

إذا ما أتيت بني عامر

فإذا أكملت فالنصب كقولهم عرفت أيهم هو في الدار وقريء أيهم أشد.

وإذا استفهم بها عن نكرة في وصل قيل لمن يقول جاءني رجل: أي؟ بالرفع، ولمن يقول رأيت رجلاً: أياً؟ ولمن يقول مررت برجل: أي؟ وفي التثنية والجمع في الأحوال الثلاث أيان وأيون وأيينِ وأيينَ. وفي المؤنث أية وأيات. وأما في الوقف فإسقاط التنوين وتسكين النون. ومحله الرفع على الإبتداء في هذه الأحوال كلها وما في لفظه من الرفع والنصب والجر حكاية وكذلك قولك من زيد ومن زيداً ومن زيد من والأسم بعده مرفوع المحل مبتدأ وخبراً. ويجوز إفراده على كل حال وأن يقال أياً لمن قال رأيت رجلين أو أمرأتين أو رجالاً أو نساء، ويقال في المعرفة إذا قال رأيت عبد الله أي عبد الله لا غير.

ولم يثبت سيبويه ذا بمعنى الذي إلا في قولهم ماذا وقد أثبته الكوفيون وأنشدوا:

أمنت وهذا تحملين طليق

عدس ما لعباد عليك إمارة

أي والذي تحملينه طليق. وهذا شاذ عند البصريين. وذكر سيبويه في ماذا صنعت بالرفع أحدهما أن يكون بمعنى أي شيء الذي صنعته وجوابه حسن بالرفع وأنشد للبيد:

أنحب فيقضي أم ضلال وباطل

ألا تسألان المرء مـاذا يحـاول

والثاني أن يكون ماذا كما هو بمنزلة اسم واحد كأنه قيل أي شيء صنعت وجوابه بالنصب وقرىء قوله تعالى: "ماذا ينفقون قل العفو" بالرفع والنصب.

الفصل الرابع: أسماء الأفعال والأصوات

أسماء الأفعال التي للأمر:

هي على ضربين ضرب لتسمية الأوامر وضرب لتسمية الأخبار. والغلبة للأول وهو ينقسم إلى متعد للمأمون وغير متعد له. فالمعتدي نحو قولك رويداً زيداً أي أروده وأمهله. ويقال تيد زيداً بمعنى رويد. وهلم زيداً أي قربه وأحضره. وهات الشيء أي أعطنيه. قال تعالى: "قل هاتوا برهانكم". وها زيداً أي خذه. وحيهل الثريد أي إئته. وبله زيداً أي دعه. وتراكها ومناعها أي اتركها وامنعها. وعليك زيداً أي الزمه. وعلي زيدً أي أولنيه. وغير المتعدي نحو قولك صه أي اسكت. ومه أي اكفف. وأيه أي حدث. وهيت وهل أي أسرع. وهيك وهيك وهيا أي أسرع فيما أنت فيه. قال:

فقد دجا الليل فهيا هيا

ونزال أي انزل.وقدك وقطك أي اكتف وانته. وإليك أي تنح، وسمع أبو الخطاب من يقال له إليك فيقول إلي كأنه قيل له تنح فقال أتنحى. ودع أي انتعش، يقال دعا لك ودعدعا. وأمين وآمين استجب.

أسماء الأفعال التي للماضي والمضارع:

وأسماء الأخبار: نحو هيهات ذاك أي بعد. وشتان زيد وعمر أي افترقا وتباينا. وسرعان ذا إهالة أي سرع. ووشكان ذا خروجاً. أي وشك. وأف بمعنى أتضجر. واوه بمعنى أتوجع. رويد: في رويد أربعة أوجه هو في أحدها مبني وهو إذا كان إسماً للفعل، وعن بعض العرب: والله لو أردت الدراهم لأعطيتك رويد ما الشعر. وهو فيما عداه معرب وذلك أن تقع صفة. كقولك ساروا سيراً رويداً ووضعه وضعاً رويداً، وكقولك للرجل يعالج شيئاً رويداً أي علاجاً رويداً، وحالا كقولك ساروا رويداً، ومصدر في معنى إرواد مضافاً كقولك رويد زيد. وسمع من بعض العرب رويد نفسه جعله مصدراً كضرب الرقاب.

هلم: مركبة من حرف التنبيه مع لم محذوفة منها ألفها عند أصحابنا، وعند الوفيين من هل مع أم محذوفة همزتها والحجازيون فيها على لفظ واحد في التثنية والجمع والتذكير والتأنيث. وبنو تميم يقولون هلما هلموا هلمي هلممن. وهي على وجهين متعدية كهات، وغير متعدية بمعنى تعال وأقبل. قال تعالى: "قل هلم شهداءكم" وقال: هلم إلينا وحكى الأصمعي أن الرجل يقال له فيقول لا أهلم: ها: ها بمعنى خذ، فتلحق الكاف فيقال هاك وتصرف مع المخاطب في أحواله. وتوضع الهمزة موضع الكاف فيقال هاء وتصرف تصريفها. ويجمع بينهما فيقال هاءك الهمزة على الفتح وتصريف الكاف. ومنهم من يقول هاء كرام ويصرفه تصريفه ومنهم من يقول هاء بوزن هب ويصرفه تصريفه.

حيهل:

حيهل مركب من حي وهل مبني على الفتح. ويقال حيهلاً بالتنوين وحيلاً بالألف، وذكر هذه اللغات سيبويه وزاد غيره حيهل وحيهلاً. وقد جاء معدي بنفسه وبالياء وبإلى وبعلي. وفي الحديث إذا ذكر الصالحون فحيهلاً بعمر. وقال:

أمام المطايا سيرها المتقاذف

بحيهلاً يزجون كل مـطـية

وقال الآخر:

يوم كثير تناديه وحـيهـلـه

وهيج الحي من دار فظل لهم

ويستعمل حي وحده بمعنى أقبل، ومنه قول المؤذن حي على الصلاة، وهلا وحده. قال:

ألا أبلغا ليلي وقولا لها هلا

بله: بله على ضربين اسم فعل ومصدر بمعنى الترك ويضاف فيقال بله زيد وكأنه قيل ترك زيد. وأنشد أبو عبيدة قول:

بله الأكف كأنها لم تخلق

منصوباً ومجروراً. وقد روى أبو زيد فيه القلب إذا كان مصدراً وهو قولهم بهل زيد. وقد استعملت بله بمعنى كيف فيرتفع الأسم بعدها.

فعال: فعال على أربعة أضرب التي في معنى الأمر كنزال وتراك وبراك ودراك ونظار وبداد أي ليأخذ كل منكم قرنه. ويقال جاءت الخيل بداد أي متبددة ونعاء فلاناً، ودباب للضبع أي دبي، وخراج لعبة للصبيان أي اخرجوا. وهي قياس عند سيبويه في جميع الأفعال الثلاثية. وقد قلت في الرباعية كقرقار في قوله:

قالت له ريح الصبا قرقار

وقال النابغة:

يدعو وليدهم بها عرعار

والتي في معنى المصدر والمعرفة كفجار للفجرة، ويسار للميسرة، وجماد للجمود، وحماد للمحمدة. ويقولون للظباء إذا ورت الماء فلا عباب، وإذا لم ترد فلا أباب، وركب فلان هجاج أي الباطل. ويقال دعني كفاف أي تكف عني وأكف عنك، ونزلت بوار على الكفار ونزلت بلاء على أهل الكتاب.

فعال المعدولة: والمعدولة عن الصفة كقولهم في النداء يا فساق ويا خباث ويا لكاع ويا رطاب ويا دفار ويا خضاف ويا خزاق ويا حباق؛ وفي غير النداء نحو حلاق وجباذ للمنية، وصرام للحرب، وكلاع وجداع وأزام للسنة، وحناذ وبراح للشمس، وسباط للحمى، وطمار للمكان المرتفع. يقال هوى من طمار وأبنا طمار ثنينان، ووقع في بنات طمار وطبار أي في دواء، ورماه الله ببنت طمار وسببته تكون لزام أي لازمة. ويقولون للرجل يطلع عليهم يكرهون طلعته: حداد حدية وكرار خرزة يؤخذن بها أزواجهن يقلن يا هصرة آهصريه ويا كرار كرته إن أدى فرديه وإن أقبل فسريه وفي مثل فشاس فشيه من استه إلى فيه. وقطاط في قوله:

قتلت سراتهم كانت قطاط

أطلت فراطهم حتى إذا ما

أي كانت تلك الفعلة كافية وقاطة لثاري أي قطعة له، ولا تبل فلاناً عندي بلال أي بالة. ويقال للداهية صمي صمام وكويته وقاع وهي سمة عل الجاعرتين. وقيل في طول الرأس من مقدمه إلى مؤخره قال:

دلفت له فأكـويه وقـاع

وكنت إذا منيت بخصم سوء

والمعدولةعن فاعله في الأعلام كحذام وقطام وغلاب وبهان لنسوة، وسجاح للمتنبئة، وكساب وخطاف لكلبتين، وقثام وجعار وفشاح للضبع، وخصاف وسكاب لفرسين، وعرار لبقرة يقال باءت عرار بكحل وظفار للبلد الذي ينسب إليه الجزع. ومنها قولهم من دخل ظفار خمر وملاع ومناع لهضبتين، ووبار وشراف لأرضين ولصاف لجبل.

والبناء في المعدولة لغة أهل الحجاز. وبنو تميم يعربونها ويمنعونها الصرف، إلا ما كان في آخره راء كقولهم حضار لأحد المحلفين وجعار فأنهم يوافقون فيه الحجازيون إلا القليل منهم كقوله:

فهلكت جهرة وبار

ومر دهر علي وبار

بالرفع.

هيهات:

هيهات بفتح التاء لغة أهل الحجاز، وبكسرها لغة أسد وتميم، ومن العرب من يضمها، وقرىء بهن جميعاً، وقد تنون على اللغات الثلاث، وقال:

فهيهات هيهات إليك رجوعها

تذكرت أياماً مضين من الصبى

وقد قرىء قوله:

هيهات من مصبحها هيهات

بضم الأول وكسر الثاني. ومنهم من يحذفها. ومنهم من يسكنها.

ومنهم من يجعلها نوناً. وقد تبدل هاؤها همزة. ومنهم من يقول أياك وأيهان وأيها. وقالوا أن المفتوحة مفردة وتاؤها للتأنيث مثلها في غرفة وظلمة ولذلك يقلبها الواقف هاء فيقول هيهاه. وألفها عن ياء لأن أصلها هيهية من المضاعف كزلزلة. وأما المكسورة فجمع المفتوحة وأصلها هيهيات فحذف اللام والوقف عليها بالتاء كمسلمات.

شتان:

المعنى في شتان تباين الشيئين في بعض المعاني والأحوال. والذي عليه الفصحاء شتان زيد وعمرو وشتان ما زيد وعمرو. وقال:

ويوم حسان أخي جـابـر

شتان ما يومي على كورها

وقال:

والمشرب البارد في ظل الدوم

شتان هذا والعنـاق والـنـوم

وأما نحو قوله:

يزيد سليم والأغر ابن حـاتـم

لشتان ما بين اليزيدين في الندى

فقد أباه الأصمعي ولم يستعبده بعض العلماء عن القياس.

أف

أف يفتح ويضم ويكسر، وينون في أحواله، وتلحق به التاء منوناً في الأحوال.

أنواع أسماء الأفعال من حيث التعريف والتنكير:

وهذه الأسماء على ثلاثة أضرب. ما يستعمل معرفة ونكرة، وعلامة التنكير لحاق التنوين كقولك إيه وإيه وصه ومه وغاق وأفِّ وأفٍّ. وما لا يستعمل إلا معرفة نحو بله وآمين. وما التزم فيه التنكير كإيهاً في الكف، وويهاً في الإغراء، وواهاً في التعجب، يقال واهاً له ما أطيبه. ومنه فداء له فلان بالكسر والتنوين أي ليفدك. قال:

مهلاً فداء لك الأقوام كلهم

ومن أسماء الفعل دونك زيداً أي خذه، وعندك عمراً أي إلزمه، وحذرك بكراً وحذارك ومكانك وبعدك إذا قلت تأخر أو حذرته شيئاً خلفه، وفرطك وأمامك إذا حذرته من بين يديه شيئاً أو امرأته أن يتقدم، ووراءك أي انظر إلى خلفك إذا بصرته شيئاً.

الأصوات:

ومن الأصوات قول المنتدم والمتعجب وي. تقول وي ما أغفله، ويقال وي لمه، ومنه قوله تعالى: "ويكأنه لا يفلح الكافرون"ز وضربه فما قال حس ولا بس، ومض أن يتمطق بشفتيه عند رد المحتاج قال:

سألتها الوصل فقالت مض

ومن أمثالهم أن في مض لمطمعا، وبخ عند الإعجاب وأخ عند التكره قال:

وصار وصل الغانيات أخا

ويروى كخا. وهلا زجر للخيل، وعدس للبغل، وقد سمي به، وهيد بفتح الهاء وكسرها للإبل، وهاد مثله، ويقال أتاهم فما قالوا له هيد ما لك إذا لم يسألوه عن حاله. وجه وده مثله ومنه الأده فلاده، وحوب وحاي وعاي مثله. وسع حث للإبل. وجوت دعاء لها إلى الشرب. وأنشد قوله:

كما رعت بالجوت الظماء الصواديا

دعاهن ردفي فارعوين لصـوتـه

بالفتح محكياً مع الألف واللام. وجيء مثلهز وحل زجر الناقة. وحب من قولهم للجمل حب لا مشيت. وهدع تسكين لصغار الإبل. ودوه دعاء للربع. ونخ مشددة ومخففة صوت عند إناخة البعير. وهيخ وأيخ مثله. وهس وهبح وفاع زجر للغنم. وبس دعاء لها. وهج وهجا خسيء للكلب.

قال:

فذكرت حين تبرقعت ضبارا

سفرت فقلت لها هج فتبرقعت

وهيج صوت يصوت به الحادي. وحج وعه وعيز زجر للضأن. وثيء دعاء للتيس عند السفاد. ودج صياح بالدجاجة. وسأوتشؤ دعاء للحمار إلى الشرب، وفي المثل إذا وقف الحمار على الردهة فلا تقل له سأ. وجاه زجر للسبع. وقوس دعاء للكلب. وطيخ حكاية صوت الضاحك. وعيط صوت للفتيان إذا تصايحوا في اللعب. وشيب صوت مشافر الإبل عند الشرب. وماء حكاية بغام الظبية. وغاق حكاية صوت الغراب. وطاق حكاية صوت الضرب. وطق حكاية صوت وقع الحجارة بعضها ببعض. وقب حكاية وقع السيف.

الفصل الخامس: الظروف

منها الغايات، وهي قبل وبعد وفوق وتحت وأمام وقدام ووراء وخلف وأسفل ودون ومن عل. ومن الغايات وابدأ بهذا أول. وقد جاء ما ليس بظرف غاية، نحو حسب ولا غير وليس غير. والذي هو حد الكلام وأصله أن ينطق بهن مضافات، فلما اقتطع عنهن ما يضفن إليه، وسكت عليهن، صرن حدودا ينتهي عندها، فلذلك سمين غايات. وإنما يبنين إذا نوي فيهن المضاف إليه. وإن لم ينو فالإعراب. كقوله:

أكاد أغص بالماء الفـرات

فساغ لي الشراب وكنت قبلاً

وقد قرىء "لله الأمر من قبل ومن بعد. ويقال أبدأ به أولاً، وجئته من عل؛ وفي معناه من عال ومن معال ومن علا. ويقال جئته من علو ومن علو ومن علو. وفي معنى حسب بجل. قال:

ردوا علينا شيخنا ثم بجل

حيث: وشبه حيث بالغايات من حيث ملازمتها الإضافة. ويقال حيث وحوث بالفتح والضم فيهما وقد حكى الكسائي حيث بالكسر. ولا يضاف إلى غير الجملة إلا ما روي من قوله:

أما ترى حيث سهيل طالعاً

أي مكان سهيل وقد روى ابن الأعرابي بيتاً عجزه:

حيث لي العمائم

ويتصل به ما فيصير للمجازاة.

منذ:

ومنها منذ، وهي إذا كانت إسماً على معنيين: أحدهما أول المدة كقولك ما رأيته منذ يوم الجمعة، أي أول المدة التي انتفت فيها الرؤية ومبدؤها ذلك اليوم. والثاني جميع المدة كقولك ما رأيته منذ يومان، أي مدة انتفاء الرؤية اليومان جميعاً. ومذ محذوفة منها. وقالوا هي لذلك أدخل في الأسمية. وإذا لقيها ساكن بعدها ضمت رداً إلى أصلها.

إذ وإذا: ومنها إذ لما مضى من الدهر، وإذا لما يستقبل منه. وهما مضافتان أبداً. إلا إذ تضاف إلى كلتا الجملتين، وأختها لا تضاف إلا إلى الفعلية. تقول جئت إذ زيد قائم، وإذا قام زيد، وإذ يقوم زيد، وإذ زيد يقوم. وقد استقبحوا إذ زيد قام. وتقول إذا قام زيد، قال الله تعالى: "والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى".

إذا الرجال بالرجال التفت

ارتفاع الأسم فيه بمضمر يفسره الظاهر. وفي إذا معنى المجازاة دون إذ إلا إذا كفت، كقول العباس بن مرداس:

حقاً عليك إذا اطمأن المجلـس

إذ ما دخلت على الرسول فقل له

وقد تقعان للمفاجأة كقولك بينا زيد قائم إذ رأى عمراً، وبينما نحن بمكان كذا إذا فلان قد طلع علينا، وخرجت فإذا زيد بالباب. قال:

إذا أنه عبد القفا واللهازم

وكنت زيداً كما قيل سيداً

وكان الأصمعي لا يستفصح إلا طرحهما في جواب بينا وبينما وأنشد:

معلق وفضة وزناد راعي

فبينا نحن نرقبـه أتـانـا

وأمثالاً له. ويجاب الشرط بإذا كما يجاب بالفاء، قال تعالى: "وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون".

لدى:

ومنها لدى والذي يفصل بينها وبين عند أنك تقول عندي كذا لما كان في ملك حضرك أو غاب عنك، ولدي كذا لما لا يتجاوز حضرتك. وفيها ثماني لغات: لدى ولدن ولدن ولد بحذف نونها، ولدن ولدن بالكسر لالتقاء الساكنين، ولد ولد بحذف نونهما. وحكمها أن يجر بها على الإضافة كقوله تعالى: "من لدن حكيم عليم". وقد نصبت العرب بها غدوة خاصة قال:

بقية منقوص من الظل قالص

لدن غدوة حتى ألاذ بخفـهـا

تشبيهاً لنونها بالتنوين لما رأوها تنزع عنها وتثبت.

الآن:

ومنها الآن وهو الزمان الذي يقع فيه كلام المتكلم. وقد وقعت في أول أحوالها بالألف واللام، وهي علة بنائها.

متى وأين:

ومتى وأين وهما يتضمنان معنى الإستفهام ومعنى الشرط، تقول متى كان ذاك؟ ومتى يكون؟ ومتى تأتني أكرمك؟ وأين كنت؟ وأين تجلس أجلس؟ ويتصل بهما ما المزيدة فتزيدهما إبهاماً. والفصل بين متى وإذا أن متى للوقت المبهم وإذا للمعين.

أيان:

وأيان بمعنى متى إذا استفهم بها.

لما وأمس:

ولما قولك لما جئت جئت، بمعنى حين وأمس، وهي متضمنة معنى لام التعريف، مبنية على الكسر عند الحجازيين، وبنو تميم يعربونها ويمنعونها الصرف، فيقولون ذهب أمس بما فيه وما رأيته مذ أمس، وقال:

عجائزاً مثل السعالي خمسا

لقد رأيت عجباً مذ أمـسـا

قط وعوض: وهما لزماني المضي والإستقبال على الإستغراق، تقول: ما رأيته قظ، ولا أفعله عوض. ولا يستعملان إلا في موضع النفي. قال الأعشي:

بأسحم داج عوض لا نتفرق

رضيعي لبان ثدي أم تقاسما

وقد حكي قط بضم القاف، وقط خفيفة الطاء وعوض مضمومة.

كيف وأنى:

وكيف جار مجرى الظروف. ومعناه السؤال عن الحال. تقول كيف زيد؟ أي على أي حال هو. وفي معناه أني قال الله تعالى: "فأتوا حرثكم أني شئتم". وقال الكميت:

أنى ومن أين أبك الطرب

ألا أنهم يجازون بأنى دون كيف قال لبيد:

فأصبحت أني تأتها تلتبس بها

وحكى قطرب عن بعض العرب أنظر إلى كيف يصنع.

الفصل السادس: المركبات

هي ضربان:

هي على ضربين: ضرب يقتضي تركيبه أن يبني الإسمان معاً، وضرب لا يقتضي تركيبه إلا بناء الأول منهما. فمن الضرب الأول نحو العشرة مع ما نيف عليها إلا أثني عشر، وقولهم وقعوا في حيص بيص، ولقيته كفة كفة، وصحرة بحرة، وهو جاري بيت بيت، ووقع بين بين، وآتيك صباح مساء ويوم يوم، وتفرقوا اشغر بغر وشذر مذر وخذع مذع، وتركوا البلاد حيث بيث وحاث باث ومنه الخاز باز والضرب الثاني نحو قولهم أفعل هذا بادي بدي، وذهبوا أيدي سبا، ونحو معد يكرب، وبعلبك، وقالي قلا.

والذي يفصل بين الضربين أن ما تضمن ثانية معنى حرف بني شطراه لوجود علتي البناء فيهما معاً أما الأول فلأنه تنزل منزلة صدر الكلمة من عجزها، وأما الثاني فلأنه تضمن معنى الحرف. وما خلا ثانيه من التضمن أعرب وبني صدره.

الأعداد المركبة:

والأصل في العدد المنيف على العشرة أن يعطف الثاني على الأول، فيقال ثلاثة وعشرة، فمزج الأسمان وصيرا واحداً، وبنيا لوجود العلتين. ومن العرب من يسكن العين فيقول أحد عشر إحتراساً من توالي الحركات في كلمة. وحرف التعريف والإضافة لا يخلان بالبناء، تقول الأحد عشر والحادي عشر إلى التسعة عشر والتاسع عشر، وهذا أحد عشرك وتسعة عشرك وكان الأخفش يرى فيه الإعراب إذا أضافه، وقد استرذله سيبويه. وإن سمى رجل بخمسة عشر كان فيه الإعراب والإبقاء على الفتح.

الأسماء المركبة:

وكذلك الأصل وقعوا في حيص وبيص، أي في فتنة تموج بأهلها متأخرين ومتقدمين. ولقيته كفة وكفة، أي ذوي كفتين كفة من اللاقي وكفة من الملقى، لأن كل واحد منهما في وهلة التلاقي كفا لصاحبه أن يتجاوزه. وصحرة وبحرة أي ذوي صحرة وبحرة، أي انكشاف واتساع لا سترة بيننا. وقال أخبرته بالخبر صحرة بحرة. ويقولون صحرة نحرة، فلا يبنون لئلا يمزجوا ثلاثة أشياء. وهو جاري بيت إلى بيت، أو بيت لبيت، أي هو جاري ملاصقاً، ووقع بين هذا وبين هذا. قال عبيد:

وبعض القوم يسقط بين بينا

وأتيته صباحاً ومساءً، ويوماً ويوماً، أي كل صباح ومساء وكل يوم. وتفرقوا شغراً وبغراً، أي منشرين في البلاد هائجين من اشتغرت عليه ضيعته إذا فشت وانتشرت، وبغراً النجم هاج بالمطر. قال العجاج:

بغرة نجم هاج ليلاً فانكدر

وشذراً ومذراً من التشذر وهو التفرق والتبذير، والميم في مذر بدل من الباء. خذعاً ومذعاً أي منقطعين منتشرين من الخذع وهو القطع. ومن قولهم فلان مذاع، أي كذاب يفشي الأسرار وينشرها. وحيثاً وبيثاً من قولهم فلان يستحيث ويستبيث، أي يستبحت ويستثير.

خاز باز:

وفي خاز سبع لغات، وله خمسة معان. فاللغات خاز باز، وخاز باز وخاز باز، وخاز باء، كقاصعاء وخز باز كقرطاس.

والمعاني ضرب من العشب قال:

والخاز باز السنم المجودا

وذباب يكون في العشب قال:

وجن الخاز باز جنوناً

وصوت الذباب وداء في اللهازم قال:

يأ خاز باز أرسل اللهازما

بادي بدي:

افعل هذا بادي بدي وبادي بدا أصله بادئ بدء وبادي بداء فخفف بطرح الهمزة والإسكان. وانتصابه على الحال. ومعناه مبتدئاً به قبل كل شيء. وقد يستعمل مهموزاً في حديث زيد بن ثابت أما بادئ بدء فإني أحمد الله.

أيدي:

ويقال ذهبوا أيدي سبا وأيادي سبا أي مثل أيدي سبأ بن يشحب في تفرقهم وتبددهم في البلاد حين أرسل عليهم سيل العرم. والأيدي كناية عن الأنباء والأسرة، لأنهم في التقوي والبطش بهم بمنزلة الأيدي.

معد يكرب:

في معد يكرب لغتان: إحداهما التركيب ومنع الصرف، والثانية الإضافة. فإذا أضيف جاز في المضاف إليه الصرف وتركه، تقول: هذا معد يكرب ومعد يكرب ومعد يكرب. وكذلك قالي قلا وحضرموت وبعلبك ونظائرها.

الفصل السابع: الكنايات

ألفاظها:

وهي كم وكذا وكيت وذيت. فكم وكذا كنايتان عن العدد على سبيل الإبهام وكيت وذيت كنايتان عن الحديث والخبر. كما كني بفلان وهن عن الأعلام والأجناس: تقول كم مالك؟ وكم رجل عندي؟ وله كذا وكذا درهماً، وكان من القصة كيت وكيت، وذيت وذيت.

كم:

وكم على وجهين: أستفهامية وخبرية. فالإستفهامية تنصب مميزها مفرداً كمميز أحد عشر، تقول كم رجلاً عندك؟ كما تقول عشر رجلاً. والخبرية تجره مفرداً أو مجموعاً كمميز الثلاثة والمائة، تقول كم رجل عندي وكم رجال، كما تقول ثلاثة أثواب ومائة ثوب.

إعراب كم:

وتقع في وجهيها مبتدأة، ومفعولة، ومضافاً إليها. تقول كم درهماً عندك وكم غلام لك، على تقدير أي عدد من الدراهم حاصل عندك، وكثير من الغلمان كائن لك، وتقول كم منهم شاهد على فلان، وكم غلاماً لك ذاهب، تجعل لك صفة للغلام، وذاهباً خبراً لكم. وتقول في المفعولية: كم رجلاً رأيت، وكم غلام ملكت، وبكم مررت، وعلى كم جذعاً بني بيتك. وفي الإضافة: رزق كم رجلاً وكم رجل أطلقت، وأنفس كم رجل أنقذت، وبكم رجل مررت.

حذف مميز كم:

وقد يحذف المميز فيقال كم مالك؟ أي كم درهماً أو ديناراً مالك، وكم غلمانك؟ أي كم نفساً غلمانك، وكم درهمك؟ أي كم دانقاً درهمك، وكم عبد الله ماكث؟ أي كم يوماً أو شهراً، وكذلك كم سرت؟ وكم جاءك فلان؟ أي كم فرسخاً وكم مرة أو كم فرسخ وكم مرة.

إفراد كم ومميزها:

ومميز الإستفهامية مفرد لا غير. وقولهم كم لك غلماناً؟ المميز فيه محذوف، والغلمان منصوبة على الحال بما في الظرف من معنى الفعل، والمعنى كم نفساً لك غلماناً.

فصل كم الخبرية عن مميزها:

وإذا فصل بين الخبرية ومميزها نصب، كقولك في الدار رجلاً قال القطامي:

كم نالني منهم فضلاً على عدم

وقال:

من الأرض محدودباً غارها

تؤم سـنـانـاً وكـم دونـه

وقد جاء الجر في الشعر مع الفصل قال:

ضخم الدسيعة ماجد نفـاع

كم في بني سعد بن بكر سيد

الضمير الراجع إلى المميز:

ويرجع الضمير إليه على اللفظ والمعنى، تقول كم رجل رأيته ورأيتهم، وكم امرأة لقيتها ولقيتهن، وقال تعالى: "وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئاً".

وتقول كم غيره لك، وكم مثله لك، وكم خيراً منه لك، وكم غيره مثله لك، تجعل مثله لغيره فتنصبه نصبه.

وقد ينشد بيت الفرزدق:

فدعاء قد حلبت علي عشاري

كم عمة لك يا جرير وخـالة

على ثلاثة أوجه: النصب على الإستفهامية، والجر على الخبر، والرفع على معنى كم مرة حلبت علي عماتك.

سبق كم الخبرية بمن:

والخبرية مضافة إلى مميزها عاملة فيه عمل كل مضاف في المضاف إليه، فإذا وقعت بعدها من وذلك كثير من استعمالهم منه قوله تعالى: "وكم من قرية"، "وكم من ملك". كانت منونة في التقدير كقولك كثير من القرى ومن الملائكة. وهي عند بعضهم منونة أبداً والمجرور بعدها بإضمار من.

كأين:

وفي معنى كم الخبرية كأين. وهي مركبة من كاف التشبيه وأي. والأكثر أن تستعمل مع من قال الله عز وجل: "وكأين من قرية". وفيها خمس لغات كأين، وكاء بوزن كاع، وكيء بوزن كيع، وكأي بوزن كعي، وكإ بوزن كع.

كيت وذيت:

وكيت وذيت مخففتان من كية وذية. وكثير من العرب يستعملونهما على الأصل ولا يستعملان إلا مكررتين. وقد جاء فيهما الفتح والكسر والضم والوقف على بنت وأخت.

الاسم المثنى

تعريفه:

وهو ما لحقت آخره زيادتان: ألف أو ياء مفتوح ما قبلها، ونون مكسورة، لتكون الأولى علماً لضم واحد إلى واحد، والأخرى عوضاً مما منع من الحركة والتنوين الثنتين في الواحد. ومن شأنه إذا لم يكن مثنى منقوص أن تبقى صيغة المفرد فيه محفوظة. ولا تسقط تاء التأنيث إلا في كلمتين خصيان وأليان قال:

كأن خصييه من التدلدل

وقال:

تربح ألياه ارتجاج الوطب

وتسقط نونه بالإضافة كقولك غلاماً زيد، وثوبي بكر، وألفه بملاقاة ساكن كقولك التقت حلقتا البطان.

قلب ألف آخر الاسم في التثنية:

ولا يخلو المنقوص من أن تكون ألفه ثالثة أو فوق ذلك. فإن كانت ثالثة وعرف لها أصل في الواو أو الياء ردت إليه في التثنية كقولك قفوان وعصوان وفتيان ورحيان، وإن جهل أصلهما نظر فإن أميلت قلبت ياء كقولك: متيان وبليان في مسمين بمتى وبلى، وإلا قلبت واواً كقولك: لدوان وإلوان في مسمين بلدي وإلى، وإن كانت فوق الثلاثة لم تقلب إلا ياء كقولك أعشيان وملهيان وحبليان وحباريان. وأما مذروان فلأن التثنية فيه لازمة كالتأنيث في شقاوة وعضاية.

قلب همزة آخر الأسم في الثنية:

وما آخره لا تخلو همزته من أن يسبقها ألف أو لا. فالتي تسبقها ألف على أربعة أضرب: أصلية كقراء ووضاء، ومنقلبة عن حرف أصل كرداء وكساء، وزائدة في حكم الأصلية كعلباء وحرباء، ومنقلبة عن ألف تأنيث كحمراء وصحراء فهذه الأخيرة تقلب واواً لا غير كقولك حمراوان وصحراوان. والباب في البواقي أن لا يقلبن وقد أجيز القلب أيضاً. والتي لا ألف قبلها فبابها التصحيح كرشإٍ وحدإٍ.

قلب آخر المحذوف العجز:

والمحذوف العجز يرد إلى الأصل ولا يرد، فيقال أخوان وأبوان ويدان ودمان وقد جاء يديان ودميان قال:

يديان بيضاوان عند محلم

وقال:

جرى الدميان بالخبر اليقين

ولو أنا على حجر ذبحـنـا

تثنية الجمع:

وقد يثنى الجمع على تأويل الجماعتين والفرقتين وأنشد أبو زيد:

لنا إبلان فيهما ما علمتم

وفي الحديث مثل المنافق كالشاة العائرة بين الغنمين وأنشد أبو عبيد:

عند التفرق في الهيجا جمالين

لأصبح الحي أو باداً ولم يجدوا

وقالوا لقاحان سوداوان. وقال أبو النجم:

بين رماحي مالك ونهشل

وتجعل الإثنان على لفظ الجمع إذا كانا متصلين كقولك ما أحسن رؤسهما وفي التنزيل: "فاقطعوا أيديهما". وفي قراءة عبد الله أيمانهما وفيه: فقد صغت قلوبهما.

وقال: ظهراهما مثل ظهور الترسين فاستعمل هذا والأصل معاً ولم يقولوا في المنفصلين أفراسهما ولا غلمانهما. وقد جاء وضعا رحالهما.

الباب الخامس

الاسم المجموع

أنواعه:

وهو على ضربين: ما صح فيه واحده، وما كسر فيه. فالأول ما آخره واو، أو ياء مكسور ما قبلها، بعدها نون مفتوحة، أو ألف أو تاء. فالذي بالواو والنون لمن يعلم في صفاته وأعلامه كالمسلمين والزيدين، إلا ما جاء من نحو ثبون وقلون وأرضون وأحرون وأوزون. والذي بالألف والتاء للمؤنث في أسمائه وصفاته كالهندات والتمرات والمسلمات. والثاني يعم من يعلم وغيرهم في أسمائهم وصفاتهم كرجال وأفراس وجعافر وظراف وجياد. وحكم الزيادتين في مسلمون نظير حكمهما في مسلمان: الأولى علم لضم الإثنين فصاعداً إلى الواحد، والثانية عوض عن الشيئين، وتسقط عند الإضافة. وقد أجرى المؤنث على المذكر في التسوية بين لفظي الجر والنصب، فقيل رأيت المسلمات ومررت بالمسلمات، كما قيل رأيت المسلمين ومررت بالمسلمين.

جمع القلة وجمع الكثرة:

وينقسم إلى جمع قلة وجمع كثرة. فجمع القلة العشرة فما دونها، وأمثلته افعل أفعال فعلة، كأفلس وأثواب وأجربة وغلمة. ومنه ما جمع بالواو والنون، والألف والتاء. وما عدا ذلك جموع كثرة.

وقد يجعل إعراب ما يجمع بالواو والنون في النون. وأكثر ما يجيء ذلك في الشعر، ويلزم الياء إذ ذاك. قالوا أتت عليه سنين. وقال:

لعبن بنا شيباً وشيبننا مردا

دعاني من نجد فإن سنينه

وقال سحيم:

وقد جاوزت حد الأربعين

وماذا يدري الشعراء مني

جمع الثلاثي المجرد:

وللثلاثي المجرد إذا كسر عشرة أمثلة: أفعال، فعال، فعول، فعلان أفعل فعلان، فعلة، فعلة فعل، فعل. فأفعال أعمها تقول أفراخ وأجمال وأركان وأحمال وأعجاز وأعناق وأفخاذ وأعناب وأرطاب وآبال. ثم فعال تقول زناد وقداح وخفاف وجمال ورباع وسباع. ثم فعول وفعلان وهما متساويان تقول فلوس وعروق وجروح وأسود ونمور ورئلان وصنوان وعيدان وخربال وصردان. ثم أفعل تقول أفلس وأرجل وأزمن وأضلع، ثم فعلان وفعلة وهما متساويان تقول بطنان وذؤبان وحملان وغردة وقردة وقرطة. ثم فعل تقول سقف وفلك. ثم فعلة وفعل تقول جيرة ونمر. وقد جاء حجلى في جمع حجل قال:

حجلى تدرج في الشربة وقع

وما لحقته من ذلك تاء التأنيث فأمثلة تكسيره فعال، فعول أفعل، فِعَل، فُعَل، فُعْل. نحو قصاع ولقاح وبرام ورقاب وبدور وحجوز وأنعم وأينق وبدر ولقح وتير ومعد ونوب وبرق وتخم وبدن.

جمع الصفات في الثلاثي:

وأمثلة صفاته كأمثلة أسمائه، وبعضها أعم من بعض. وذلك قولك أشياخ وأجلاف وأحرار وأبطال وأجناب وأيقاظ وأنكاد وأعبد وأجلف وصعاب وحسان ووجاع. وقد جاء وجاعي ونحو حباطي وحذاري وضيفان وأخوان ووغدان وذكران وكهول ورطلة وشيخة وورد وسحل ونصف وخشن. وقالوا سمحاء في جمع سمح.

والجمع بالواو والنون فيما كان من هذه الصفات للعقلاء الذكور غير ممتنع كقولكم صعبون وصنعون وحسنون وجنبون وحذرون وندسون. وأما جمع المؤنث منها بالألف والتاء فلم يجيء فيه غيره وذلك نحو عبلات وحلوات وحذرات ويقظات الأمثال فعلة فإنهم كسروه على فعال كجعاد وكماش وعبال. وقالوا علج في جمع علجة.

جمع المؤنث الساكن الحشو:

والمؤنث الساكن الحشو لا يخلو من ان يكون أسماً أو صفة. فإذا كان اسماً تحركت عينه في الجمع إذا صحت بالفتح في المفتوح الفاء كجمرات وبه، وبالكسر في المكسورها كسدرات وبه، وبالضم في المضمومها كغرفات، وقد تسكن في الضرورة في الأول، وفي السعة في الباقين في لغة تميم. فإذا اعتلت فالاسكان كبيضات وجوزات وديمات ودولات، إلا في لغة هذيل قال قائلهم:

أخو بيضات رائح متأوب

وتسكن في الصفة لا غير. وإنما حركوا في جمع لجبة وربعة لأنها كأنهما في الأصل اسمان وصف بهما كما قالوا امرأة كلبة وليلة غم.

وحكم المؤنث مما لا تاء فيه كالذي فيه تاء وقالوا أرضات وأهلات في جمع أهل وأرض. قال:

إذا أدلجوا بالليل يدعون كوثـرا

فهم أهلات حول قيس بن عاصم

وقالوا عرسات وعيرات في جمع عرس وعير قال الكميت:

عيرات الفعال والسؤدد العد إليهم محطوطة الأعكام

جمع المعتل العين:

وامتنعوا فيما اعتلت عينه من أفعل. وقد شذ نحو أقوس وأثواب وأعين وأنيب. وامتنعوا في الواو دون الياء من فعول. كما امتنعوا في الياء دون الواو من فعال. وقد شذ نحو فووج وسووق.

جمع المعتل اللام:

ويقال في أفعل وفعول من المعتل اللام أذل وأيد ودلي ودمي. وقالوا نحو وقنو. والقلب أكثر. وقد يكسر الصدر فيقال دلي ونحي. وقولهم قسي كأنه جمع قسو في التقدير.

جمع المحذوف العجز والمنتهي بتاء:

وذو التاء من المحذوف العجز يجمع بالواو والنون مغيراً أوله، كسنون وقلون، وغير مغير كثبون وقلون، أو بالألف والتاء مردوداً إلى الأصل كسنوات وعضوات، وغير مردود كثبات وهنات؛ وعلى أفعل كآم. وهو نظير آكم.

جمع الرباعي:

ويجمع الرباعي، إسماً كان أو صفة، مجرداً من تاء التأنيث أو غير مجرد، على مثال واحد وهو فعالل. كقولك ثعالب وسلاهب ودراهم وهجارع وبراثن وجراشع وقماطر وسباطر وضفادع وخضارم. وأما الخماسي فلا يكسر إلا على استكراه ولا يتجاوز به إن كسر هذا المثال بعد حذف خامسه كقولهم في فرزدق فرازد، في جحمرش جحامر، ويقال في دهثمون وهجرعون وصهصلقون وحنظلات وبهصلات وسفرجلات وجحمرشات.

جمع ما ثالثه مدة:

وما كان زيادته ثالثة مدة فلأسمائه في الجموع أحد عشر مثالاً: أفعلة، فعل، فعلان، فعائل، فعلان، فعلة، أفعال، فعال، فعول، أفعلاء، أفعل. وذلك نحو أزمنة وأحمرة وأغربة وأرغفة وأعمدة وقذل وخمر وقرد وكثب وزبر وغزلان وصيران وغربان وظلمان وقعدان وشمائل وأفايل وذنائب وزقان وقضبان وغلمة وصبية وأيمان وأفلاء وفصال وعنوق وأنصباء وألسن. ولا يجمع على أفعل إلا المؤنث خاصة نحو عناق وأعنق وعقاب وأعقب وذراع وأذرع. وأمكن من الشواذ. ولم يجيء فعل من المضاعف ولا المعتل اللام وقد شذ نحو ذب في جمع ذباب وأصله ذبب.

ولما لحقته من ذلك تاء التأنيث مثالان: فعائل وفعل، وذلك نحو صحائف ورسائل وحمائم وذوائب وحمائل وسفن.

ولصفاته تسعة أمثلة: فعلاء، فعل، فعال، فعلان، أفعال، أفعلاء، أفعلة، فعول. وذلك نحو كرماء وجبناء وشجعاء وودداء ونذر وصبر وصنع وكنز وكرام وجياد وهجان وثنيان وشجعان وخصيان وأشرف وأعداء وأنبياء وأشحة وظروف. ويجمع جمع التصحيح نحو كريمون وكريمات.

وأما فعيل بمعنى مفعول فبابه أن يكسر على فعل كجرحى وقتلى، وقد شذ قتلاء وأسراء، ولا يجمع جمع التصحيح، فلا يقال جريحون ولا جريحات. ولمؤنثها ثلاثة أمثلة: فعال، فعائل، فعلاء. وذلك نحو صباح وصبائح وعجائز وخلفاء.

جمع فاعل:

وما كان على فاعل إسماً فله إذا جمع ثلاثة أمثلة فواعل، فعلان، فعلان، نحو كواهل وحجران وجنان. ولمؤنثه مثال واحد فواعل نحو كوائب. وقد نزلوا ألف التأنيث منزلة تائه فقالوا في فاعلاء فواعل نحو نوافق وقواصع ودوام وسواب.

وللصفة تسعة أمثلة: فعل، وفعال، وفعلة، فُعلة، فعل، فعلاء، فعلان، فعال، فعول. نحو شهد وجهل وجهال وفسقة وقضاة. وتختص بالمعتل اللام وبزل وشعراء وصحبان وتجار وقعود. وقد شذ نحو فوارس.

ولمؤنثها مثالان فواعل وفعل نحو ضوارب ونوم ويستوي في ذلك ما فيه التاء وما لا تاء فيه كحائض وحاسر.

جمع ما رابعه ألف تأنيث:

وللأسم مما في آخره ألف تأنيث رابعة مقصورة أو ممدودة مثالان: فعالى فعال. نحو صحارى وإناث. وللصفة أربعة أمثلة: فعال، فُعْل، فُعَل، فعالى. نحو عطاش وبطاح وعشار وحمر والصغر وحرامي. ويقال ذفريات وحبليات والصغريات وصحراوات إذا أريد أدنى العدد، ولا يقال حمراوات. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: ليس في الخضروات صدقة فلجريه مجرى الاسم.

وإذا كانت الألف خامسة جمع بالتاء كقولكم حباريات وسمانيات.

جمع أفعل:

ولأفعل إذا كان أسماً مثال واحد: أفعال. نحو أجادل. وللصفة ثلاثة أمثلة: فعل، فعلان، أفاعل. نحو حمر وحمران والأصاغر. وإنما يجمع بأفاعل أفعل الذي مؤنثه فعلى ويجمع أيضاً بالواو والنون قال الله تعالى: "بالأخسرين أعمالاً" وأما قوله:

فيا عبد عمرو لو نهيت الأحاوصا

أتاني وعيد الحوص من آل جعفر

فمنظور فيه إلى جانبي الوصفية والاسمية.

جمع فعلان:

وقد جمع فعلان إسماً على فعالين نحو شياطين، وكذلك فُعْلان وفِعْلان نحو سلاطين وسراحين. وقد جاء سراح وصفة على فعال وفعالى، نحو غضاب وسكارى. ويقول بعض العرب كسالى وسكارى وغيارى وعجالى بالضم.

جمع فيعل:

وفيعل يكسر على أفعال وأفعلاء، نحو أموات وجياد وأنبياء. ويقال هينون وبيعات.

جمع فعّال فِعال وفعيل ومعفعول ومُفعَلْ:

وفعّال وفعال وفعيل ومفعول ومفعل ومفعل يستغنى فيها بالتصحيح عن التكسير فيقال شرابون وحسانون وفسيقون ومضروبون ومكرِمون ومكرَمون. وقد قيل عواوير وملاعين ومشائيم وميامين ومياسير ومفاطير ومناكير ومطافل ومشادن.

جمع الثلاثي الملحق بالرباعي:

وكل ثلاثي فيه زيادة للالحاق بالرباعي كجدول وكوكب وعثير، أو لغير الإلحاق وليست بمدة كأجدل وتنضب ومدعس، فجمعه على مثال جمع الرباعي تقول جداول وأجادل وتناضب ومداعس.

وتلحق بآخره التاء إذا كان أعجمياً أو منسوباً كجواربة وأشاعثة وسيابجة. والرباعي إذا لحقه حرف لين رابع جمع على فعاليل كقناديل وسراديح. وكذلك ما كان من الثلاثي ملحقاً به كقراويح وقراطيط. وكذلك ما كانت فيه من ذلك زيادة غير مدة كمصابيح وأناعيم ويرابيع وكلاليب.

ويقع الاسم المفرد على الجنس، ثم يميز منه واحده بالتاء، وذلك نحو تمر وتمرة، وحنظل وحنظلة، وبطيخ وبطيخة، وسفرجل وسفرجلة وإنما يكثر هذا في الأشياء المخلوقة دون المصنوعة ونحو سفين وسفينة ولبن ولبنة وقلنس وقلنسوة ليس بقياس. وعكس تمر وتمرة كمأة وكمء وجبأة وجبء.

ما شذ:

وقد يجيء الجمع مبنياً على غير واحدة المستعمل وذلك نحو أراهط وأباطيل وأحاديث وأعاريض وأقاطيع وأهال وليال وحمير وأمكن.

جمع الجمع:

ويجمع الجمع، فيقال في كل أفعل وأفعلة أفاعل، وفي كل أفعال أفاعيل، نحو أكالب وأساور وأناعم. وقالوا جمائل وجمالات ورجالات وكلابات وبيوتات وحمرات وجزرات وطرقات ومعنات وعوذات ودورات ومصارين وحشاشين.

اسم الجمع:

ويقع الاسم على الجمع لم يكسر عليه واحده، وذلك نحو ركب وسفر وأدم وعمد وخلق وخدم وجامل وباقر وسراة وفرهة وضأن وغزي وقؤام ورحال.

ويقع الاسم الذي فيه علامة التأنيث على الواحد والجمع بلفظ واحد وذلك نحو حنوة وبهمى وطرفاء وحلفاء.

جمع المعنى:

ويحمل الشيء على غيره في المعنى فيجمع جمعه نحو قولهم مرضى وهلكى وموتى وجربى وحمقى، حملت على قتلى وجرحى وعقرى ولدغى ونحوها مما هو فعيل بمعنى مفعول، وكذلك أيامي ويتامى محمولان على وجاعي وحباطي.

رد المحذوف عند التكسير:

والمحذوف يرد عند التكسير وذلك قولهم في جمع شفة وإست وشاة ويد شفاه وأستاه وأيد ويدي وشياه.

جمع المذكر الذي لم يكسر:

والمذكر الذي لم يكسر يجمع بالألف والتاء نحو قولهم السرادقات وجمالات سبحلات وسبطرات، ولم يقولوا جوالقات حين قالوا جواليق، وقد قالوا بوانات مع قولهم بون.

الباب السادس

الاسم المعرفة والنكرة

فالمعرفة ما دل على شيء بعينه. وهو على خمسة أضرب: العلم الخاص، والمضمر، والمبهم، وهو شيئان: أسماء الأشارة والموصولات، والداخل عليه حرف التعريف، والمضاف إلى أحد هؤلاء إضافة حقيقة. وأعرفها المضمر، ثم العلم، ثم المبهم، ثم الداخل عليه حرف التعريف. وأما المضاف فيعتبر أمره بما يضاف إليه. واعرف أنواع المضمر ضمير المتكلم، ثم المخاطب، ثم الغائب.

والنكرة ما شاع في أمته كقولك جاءني رجل وركبت فرساً.

الباب السابع

الاسم المذكر المؤنث

المذكر ما خلا عن العلامات الثلاث: التاء والألف والياء، في نحو غرفة وأرض وحبلى وحمراء وهذى. والمؤنث ما وجدت فيه إحداهن. والتأنيث على ضربين: حقيقي كتأنيث المرأة والناقة ونحوهما مما بازائه ذكر في الحيوان، وغير حقيقي كتأنيث الظلمة والنعل ونحوهما مما يتعلق بالوضع والاصطلاح. والحقيقي أقوى، ولذلك امتنع في حال السعة جاء هند، وجاز طلع الشمس، وإن كان المختار طلعت. فإن وقع فصل استجيز نحو قولهم حضر القاضي اليوم امرأة. قال جرير:

لقد ولد الأخيطل أم سوء

وليس بالوسع. وقد رده المبرد، واستحسن نحو قوله تعالى: "فمن جاءه موعظة من ربه، وقوله: "ولو كان بهم خصاصة". هذا إذا كان الفعل مسنداً إلى ظاهر الاسم، فإذا اسند إلى ضميره فالحق العلامة. وقوله:

ولا أرض أبقل إبقالها

متأول بالمكان.

تاء التأنيث:

والتاء تثبت في اللفظ وتقدر. ولا تخلو من أن تقدر في اسم ثلاثي كعين وأذن، أو في رباعي كعناق وعقرب. ففي الثلاثي يظهر أمرها بشيئين: بالإسناد وبالتصغير، وفي الرباعي بالإسناد فقط.

ودخولها على وجوه: للفرق بين المذكر والمؤنث في الصفة كضاربة ومضروبة وجميلة، وهو الكثير الشائع؛ وللفرق بينهما في الاسم كامرأة وشيخة وإنسانة وغلامة ورجلة وحمارة وأسدة وبرذونة، وهو قليل؛ وللفرق بين اسم الجنس والواحد منه، كتمرة وشعيرة وضربة وقتلة؛ وللمبالغة في الوصف كعلامة ونسابة وراوية وفروقة وملولة؛ ولتأكيد التأنيث كناقة ونعجة؛ ولتأكيد معنى الجمع كحجارة وذكارة وصقورة وخؤولة وصياقلة وقشاعمة؛ وللدلالة على النسب كالمهالبة والأشاعثة، وللدلالة على التعريب كموازجة وجواربة؛ وللتعويض كفرازنة وجحاجحة. ويجمع هذه الأوجه إنها تدخل للتأنيث وشبه التأنيث.

والكثير فيها أن تجيء منفصلة وقل أن تبنى عليها الكلمة ومن ذلك عباية وعظاية وعلاوة وشفاوة.

وقولهم جمالة في جمع جمال بمعنى جماعة جمالة، وكذلك بغالة وحمارة وشاربة وواردة وسابلة. ومن ذلك البصرية والكوفية والمروانية والزبيرية، ومنه الحلوبة والقتوبة والركوبة. قال الله تعالى: "فمنها ركوبهم" وقرئ ركوبتهم. وأما حلوبة للواحد وحلوب للجمع فكتمرة وتمر.

وللبصريين في نحو حائض وطامث وطالق مذهبان: فعند الخليل أنها على معنى النسب كلابن وتامر، كأنه قيل ذات حيض وذات طمث، وعند سيبويه أنه متأول بإنسان أو شيء حائض كقولهم غلام ربعة ويفعة على تأويل نفس وسلعة. وإنما يكون ذلك في الصفة الثابتة، فأما الحادثة فلا بد لها من علامة التأنيث، تقول حائضة وطالقة الآن أو غدا. ومذهب الكوفيين يبطله جري الضامر على الناقة والجمل، والعاشق على المرأة والرجل.

إستواء المذكر والمؤنث في بعض الأبنية:

ويستوي المذكر والمؤنث في فعول ومفعال ومفعيل وفعيل بمعنى مفعول ما جرى على الاسم. تقول هذه المرأة قتيل بني فلان ومررت بقتليهم. وقد يشبه به ما هو بمعنى فاعل، قال الله تعالى: "إن رحمة الله قريب من المحسنين" وقالوا: ملحقة جديد.

تأنيث الجمع:

وتأنيث الجمع ليس بحقيقي، ولذلك اتسع فيما اسند إليه إلحاق العلامة وتركها كما تقول فعل الرجال والمسلمات ومضى الأيام وفعلت ومضت. وأما ضميره فتقول في الاسناد إليه الرجال فعلت وفعلوا، والمسلمات فعلت وفعلن. وكذلك الأيام قال:

واستعجلت نصب القدور فملت

وإذا العذارى بالدخان تقنـعـت

وعن أبي عثمان المازني: العرب تقول الأجذاع انكسرت لأدنى العدد والجذوع انكسرت، ويقال لخمس خلون ولخمس عشرة خلت، وما ذاك بضربة لازب.

ونحو النخل والتمر مما بينه وبين واحده التاء يذكر ويؤنث قال الله تعالى: "كأنهم أعجاز نخل خاوية" وقال: "منقعر". ومؤنث هذا الباب لا يكون له مذكر من لفظه لالتباس الواحد بالجمع. وقال يونس فإذا أرادوا ذلك قالوا: هذه شاة ذكر وحمامة ذكر.

ألف التأنيث المقصورة:

والأبنية التي تلحقها ألف التأنيث المقصورة على ضربين: مختصة بها ومشتركة. فمن المختصة فُعلى وهي تجيء على ضربين: إسماً وصفة. فالأسم على ضربين غير مصدر كالبهمى والحمى والرؤيا وحزوى، ومصدر كالبشرى والرجعى. والصفة نحو حبلى وخنثى وربى، ومنها فعلى وهي على ضربين: اسم كأجلى ودفرى وبردى، وصفة كجمزى وبشكى ومرطى، ومنها فعلى كشعبى وأربى. ومن المشتركة فعلى. فالتي ألفها للتأنيث أربعة أضرب: إسم عين كسلمى ورضوى وعوى، واسم معنى كالدعوى والرعوى والنجوى واللومى، ووصف مفرد كالظمأى والعطشى والسكرى، وجمع كالجرحى والأسرى، والتي ألفها للألحاق نحو أرطى وعلقى لقولهم أرطاة وعلقاة، ومنها فعلى. فالتي ألفها للتأنيث ضربان: اسم عين مفرد كالشيزى والدفلى والذفرى فيمن لم يصرف، وجمع كالحجلى والظربى في جمع الحجل والظربان، ومصدر كالذكرى. والتي للألحاق ضربان: اسم كمعزى وذفرى فيمن صرف، وصفة كقولهم رجل كيصى وهو الذي يأكل وحده وعزهى عن ثعلب وسيبويه لم يثبته صفة إلا مع التاء نحو عزهاة.

ألف التأنيث الممدة:

والأبنية التي تلحقها ممدودة فعلاء، وهي على ضربين: اسم وصفة. فالأسم على ثلاثة أضرب: اسم عين مفرد كالصحراء والبيداء، وجمع كالقصباء والطرفاء والحلفاء والأشياء، ومصدر كالسراء والضراء والنعماء والبأساء. والصفة على ضربين: ما هو تأنيث أفعل، وما ليس كذلك. فالأول نحو سوداء وبيضاء. والثاني نحو امرأة حسناء وديمة هطلاء وحلة شوكاء والعرب العرباء، ونحو رحضاء ونفساء وسيراء وسابياء وعاشوراء وبراكاء وعقرباء وبروكاء وخنفساء وأصدقاء وكرماء وزمكاء. وأما فِعْلاء وفُعْلاء كعلباء وحرباء وسيساء وحواء ومزاء وقوباء فألفها للإلحاق.

الاسم المصغر

كيفية التصغير:

الأسم المتمكن إذا صغر ضم صدره وفتح ثانية والحق ياء ساكنة ثالثة، ولم يتجاوز ثلاثة أمثلة فعيل وفعيعل وفعيعيل، كفليس ودريهم ودنينير. وما خالفهن فلعلة، وذلك ثلاثة أشياء: محقر أفعال كأجيمال، وما في آخره ألف تأنيث كحبيلى وحميراء، أو ألف ونون مضارعتان ككسيران. ولا يصغر إلا الثلاثي والرباعي. وأما الخماسي فتصغيره مستكره كتكسيره لسقوط خامسه، فإن صغر قيل في فرزدق فريزد، وفي جحمرش جحيمر، ومنهم من يقول فريزق وجحيرش، بحذف الميم لأنها من الزوائد، والدال لشبهها بما هو منها وهو التاء. والأول الوجه، قال سيبويه لأنه لا يزال في سهولة حتى يبلغ الخامس، ثم يرتدع، فإنما حذف الذي ارتدع عنده، وقال الأخفش سمعت من يقول: سفيرجل متحركاً والتصغير والتكسير من واد واحد.

في التصغير ترد أسماء إلى أصلها وأسماء لا ترد:

وكل اسم على حرفين فإن التحقير يرده إلى أصله حتى يصير إلى مثال فعيل. وهو على ثلاثة أضرب: ما حذف فاؤه أو عينه أو لامه، تقول في عدة وشية وكل وخذ إسمين: وعيدة ووشية وأكيل واخيذ، وفي مذ وسل اسمين وسه: منيذ وسؤيل وستيهة، وفي دم وشفة وحر وفل وفم: دمي وشفيهة وحريح وفلين وفويه.

وما بقي منه بعد الحذف ما يكون به على مثال المحقر لم يرد إلى أصله. كقولهم في ميت وهار وناس: مييت وهوير ونويس. ولو رد لقيل مييت وهويئر وأنيس.

وتقول في اسم وابن: سمي وبني، فترد اللام الذاهبة، وتستغني بتحريك الفاء عن الهمزة. وفي أخت وبنت وهنة: أخية وبنية وهنية، ترد اللام وتؤنث وتذهب بالتاء اللاحقة.

والبدل غير اللازم يرد إلى أصله كما يرد في التكسير، تقول في ميزان مويزين، وفي معتد ومتسر مويعد ومييسر، وفي قيل وباب وناب قويل وبويب ونويب. وأما البدل اللازم فلا يرد إلى أصله، تقول في قائل قويئل، وفي تخمة تخيمة، وكذلكم تاء تراث وهمزة أدد، وتقول في عيد عييد لقولك أعياد.

تصغير الأسماء التي فيها واو ثالثة:

والواو إذا وقعت ثالثة وسطاً كواو أسود وجدول، فأجود الوجهين أسيد وجديل، ومنهم من يظهر فيقول من يظهر فيقول أسيود وجديول.

تصغير الأسماء التي لامها واو:

وكل واو وقعت لاماً صحت أو علت فإنها تنقلب ياء، كقولك عرية ورضيا وعشياء وعصية في عروة ورضوى وعشواء وعصا.

تصغير الأسماء التي تجتمع فيها ثلاث ياءات:

وإذا اجتمع مع ياء التصغير ياءان حذفت الأخيرة وصار المصغر على مثال فعيل، كقولك في عطاء وإداوة وغاوية ومعاوية وأحوري: عطي وأدية وغوية ومعية وأحي غير منصرف. وكان عيسى بن عمر يصرفه، وكان أبو عمرو يقول أحي ومن قال أسيود قال أحيو.

مصير تاء التأنيث في التصغير:

وتاء التأنيث لا تخلو من أن تكون ظاهرة أو مقدرة. فالظاهرة ثابتة أبداً. والمقدرة تثبت في كل ثلاثي إلا ما شذ من نحو عريس وعريب. ولا تثبت في الرباعي إلا ما شذ من نحو قديديمة ووريئة. وأما الألف فهي إذا كانت مقصورة رابعة تثبت نحو حبيلى، وسقطت خامسة فصاعداً كقولك جحيجب وقريقر وحويل في جحجبى وقرقرى وحولايا.

مصير الزوائد عند التصغير:

وكل زائدة كانت مدة في موضع ياء فعيعيل وجب تقريرها وإبدالها ياء إن لم تكنها، وذلك نحو مصيبيح وكريديس وقنيديل في مصباح وكردوس وقنديل. وإن كانت في اسم ثلاثي زائدتان ليس إحداهما إياها أبقيت أذهبهما في الفائدة وحذفت أختها، فتقول في منطلق ومغتلم ومضارب ومقدم ومحمر ومهوم مطيلق ومغيلم ومضيرب ومقيدم ومهيم ومحيمر، وإن تساوتا كنت مخيراً، فتقول في قلنسوة وحبنطي قلينسة أو قليسية وحبينط أو حبيط، وإن كن ثلاثاً والفضل لإحداهن حذفت أختاها فتقول في مقعنسس مقيعس. وأما الرباعي فتحذف منه كل زائدة ما خلا المدة الموصوفة، تقول في عنكبوت عنيكب وفي مقشعر قشيعر وفي إحرنجام حريجيم.

ويجوز التعويض وتركه فيما يحذف منه هذه الزوائد. والتعويض أن يكون على مثال فعيعل، فيصار بزيادة الياء إلى فعيعيل، وذلك قولك في مغيلم مغيليم وفي مقيدم مقيديم وفي عنيكب عنيكيب. وكذلك البواقي. فإن كان المثال في نفسه على فعيعيل لم يكن التعويض.

تصغير جمع القلة والكثرة:

وجمع القلة يحقر على بنائه كقولك في أكلب وأجربة وأجمال وولدة أكيلب واجيربة واجيمال ووليدة. وأما جمع الكثرة فله مذهبان: أحدهما أن يرد إلى واحده فيصغر عليه ثم يجمع على ما يستوجبه من الواو والنون أو الألف والتاء، أو إلى بناء جمع قلته إن وجد له وذلك قولك في فتيان فتيون أو فتية، وفي أذلاء ذليلون أو أذيلة، وفي غلمان غليمون أو غليمة، وفي دور دويرات أو أدير، وتقول في شعراء شويعرون، وفي شسوع شسيعات. وحكم أسماء الجموع حكم الآحاد، تقول قويم ورهيط ونفير وأبيلة وغنيمة.

تصغير على غير واحدة:

ومن المصغرات ما جاء على غير واحدة كانيسيان ورويجل، وآتيك مغيربان الشمس وعشيان وعشيشية، ومنه قولهم أغيلمة وأصيبية في غلمة وصبية.

وقد يحقر الشيء لدنوه من الشيء وليس مثله كقولك هو أصيغر منكم إنما أردت أن تقلل الذي بينهما وهو دوين ذلك، وفويق هذا، ومنه أسيد أي لم يبلغ السواد، وتقول العرب أخذت منه مثيل هاذياً ومثيل هاتياً.

تصغير الغعل:

وتصغير الفعل ليس بقياس. وقولهم ما أميلحه قال الخليل إنما يعنون تصفه بالملح، كأنك قلت زيد مليح شبهوه بالشي الذي تلفظ به وأنت تعني به شيئاً آخر، كقولك بنو فلان يطأهم الطريق وصيد عليه يومان.

أسماء جاءت مصغرة:

من الأسماء ما جرى في الكلام مصغراً وترك تكبيره لأنه عندهم مستصغر، وذلك نحو جميل وكعيت وكميت، وقالوا جملان وكعتان وكمت، فجاؤا بالجمع على المكبر كأنه جمع جمل وكعت وأكمت.

تصغير الأسماء المركبة:

والأسماء المركبة يحقر الصدر منها فيقال بعيلبك وحضيرموت وخميسة عشر وثنيا عشر.

تصغير الترخيم:

وتحقير الترخيم أن تحذف كل شيء زيد في بنات الثلاثة والأربعة حتى تصير الكلمة على حروفها الأصول ثم تصغرها كقولك في حارث حريث وفي أسود سويد وفي خفيدد خفيد وفي مقعنس قعيس وفي قرطاس قريطس.

أسماء لا تصغر:

ومن الأسماء ما لا يصغر كالضمائر وأين ومتى وحيث وعند ومع وغير وحسبك ومن وما وأمس وغدا وأول من أمس والبارحة وأيام الأسبوع والأسم الذي بمنزلة الفعل لا تقول هو ضويرب زيدا.

تصغير الأسماء المبهمة:

والأسماء المبهمة خولف بتحقيرها تحقير ما سواها بأن تركت أوائلها غير مضمومة، وألحقت بأواخرها ألفات. فقالوا في ذا وتا ذيا وتيا وفي أولى أولاء ألياء وألياء، وفي الذي والتي اللذيا واللتيا وفي الذين واللاتي اللذيون واللتيات.

الباب الثامن

الاسم المنسوب

تعريفه

هو الأسم الملحق بآخره ياء مشددة مكسور ما قبلها علامة للنسبة إليه، كما ألحقت التاء علامة للتأنيث، وذلك نحو قولك هاشمي وبصري. كما انقسم التأنيث إلى حقيقي وغير حقيقي، فكذلك النسب. فالحقيقي ما كان مؤثراً في المعنى. وغير الحقيقي ما تعلق باللفظ فحسب، نحو كرسي وبردي. وكما جاءت التاء فارقة بين الجنس وواحده، فكذلك الياء نحو رومي وروم ومجوسي ومجوس. والنسبة مما طرق على الأسم لتغييرات شتى لانتقاله بها من معنى إلى معنى وحال إلى حال. والتغييرات على ضربين: جارية على القياس المطرد في كلامهم، ومعدولة عن ذلك.

النسبة القياسية

فمن الجارية على قياس كلامهم حذفهم التاء ونوني التثنية والجمع، كقولهم بصري وهندي وزيدي في البصرة والهندان وزيدون اسمين، ومن ذلك قنسري ونصيبي ويبري فيمن جعل الأعراب قبل النون، ومن جعله معتقب الأعراب قال قنسريني. وقد جاء مثل ذلك في التثنية قالوا خليلاني وجاءني خليلان اسم رجل وعلى هذا قوله:

ألا يا ديار الحي بالسبعان

وتقول في نمر وشقر والدئل ونحوها مما كسرت عينه نمري وشقري ودؤلي بالفتح قياس متلئب، ومنهم من يقول يثربي وتغلبي فيفتح. والشائع فيه الكسر.

وقد تحذف الياء والواو من كل فعيلة وفعولة، فيقال فيهما فعلي نحو قولك حنفي وشناءي، إلا ما كان مضاعفاً أو معتل العين نحو شديدة وطويلة، فإنك تقول فيهما شديدي وطويلي. ومن كل فعيلة فيقال فيها فعلي نحو جهني وغفلي.

حذف الياء المتحركة من المثال:

وتحذف الياء المتحركة من كل مثال قبل آخره ياءان مدغمة إحداهما في الأخرى نحو قولك في أيد وحمير وسيد وميت أسيدي وحميري وسيدي وميتي. قال سيبويه ولا أظنهم قالوا طائي إلا فراراً من طيئى، وكان القياس طيئي ولكنهم جعلوا الألف مكان الياء، وأما مهيم تصغير المهموم فلا يقال فيه إلا امهيمي على التعويض، والقياس في مهيم من هيمه مهيمي بالحذف.

النسبة إلى المعتل اللام:

وتقول في فعيل وفعيلة وفعيل وفعيلة من المعتل اللام فعلي وفعلي كقولك غنوي وضروي وقسوي وأموي وقال بعضهم أمي. وقالوا في تحية تحوي، وفي فعول فعولي. كقولك في عدو عدوي. وفرق سيبويه بينه وبين فعولة فقال في عدوة عدوي، كما قالوا في شنوءة شنائي. ولم يفرق المبرد وقال فيهما فعولي.

النسبة إلى المنتهي بألف:

والألف في الآخر لا يخلو من أن تقع ثالثة، أو رابعة منقلبة أو زائدة، أو خامسة فصاعداً. والثالثة والرابعة المنقلبة تقلبان واواً كقولك عصوي ورحوي وملهوي ومرموي وأعشوي. وفي الزائدة ثلاثة أوجه الحذف وهو أحسنها كقولك حبلي ودنيي. والقلب نحو حبلوي ودنيوي، وإن يفصل بين الواو والياء بألف كقولك حبلاوي ودنياوي. وليس فيما وراء ذلك إلا الحذف كقولك مرامي وحباري وقبثري وجمزي في حكم حباري.

النسبة إلى المنتهي بياء قبلها مكسور:

والياء المسكورة ما قبلها في الآخر لا تخلو من أن تكون ثالثة أو رابعة أو خامسة فصاعداً. فالثالثة تقلب واواً كقولك عموي وشجوي. وفي الرابعة وجهان: الحذف وهو أحسنهما، والقلب كقولك قاضي وحاني وقاضوي وحانوي، قال:

دراهم عند الحانوي ولا نقـد

وكيف لنا بالشرب إن لم تكن لنا

وليس فيما وراء ذلك إلا الحذف كقولك مشتري ومستسقي. وقالوا في محي محوي ومحيي، كقولهم أموي وأميي.

النسبة إلى المنتهي بتاء بعد واو أو ياء:

وتقول في غزو وظبي غزوي وظبيي. واختلفوا فيما لحقته التاء من ذلك. فعند الخليل وسيبويه لا فضل. وقال يونس في ظبية ودمية وقنية ظبوي ودموي وقنوي، وكذلك بنات الواو كغزوة وعروة ورشوة. وكان الخليل يعذره في بنات الياء دون بنات الواو. وعلى مذهب يونس جاء قولهم قروي وزنوي في قري وبني زنية، وتقول في طي ولية طووي ولووي، وفي حية حيوي، وفي دو وكوة دوي وكوي.

وتقول في مرمى مرمِي تشبيها بقولهم في تميمي وهجري وشافعي تميمي وهجري وشافعي. ومنهم من قال مرموي. وفي بخاتي اسم رجل بخاتي.

النسبة إلى المنتهى بألف ممدودة:

ومما في آخره ألف ممدودة إن كان منصرفاً ككساء ورداء وعلباء وحرباء قيل كسائي وعلبائي، والقلب جائز، كقولك كساوي. وإن لم ينصرف فالقلب كحمراوي وخنفساوي ومعيوراوي وزكرياوي.

وتقول في سقاية وعظاية سقائي وعظائي، وفي شقاوة شقاوي، وفي راية رأيي وراوي، وكذلك في آية وثاية ونحوهما.

النسبة إلى ما هو على حرفين:

وما كان على حرفين فعلى ثلاثة أضرب: ما يرد ساقطه، وما لا يرد، وما يسوغ فيه الأمران. فالأول نحو أبوي وأخوي وضعوي ومنه ستهي في أست. والثاني نحو عدي وزني وكذا الباب إلا ما اعتل لامه نحو شية فإنك تقول فيه وشوي، وقال أبو الحسن وشيي على الأصل، وعن ناس من العرب عدوي ومنه سهي في سه. والثالث نحو غدي وغدوي ودمي ودموي ويدي ويدوي وحري وحرحي، وأبو الحسن يسكن ما أصله السكون، فيقول وغدوي ويدي ومنه ابني وبنوي واسمي وسموي، بتحريك الميم وقياس قول الأخفش إسكانها.

وتقول في بنت وأخت بنوي وأخوي عند الخليل وسيبويه، وعند يونس بنتي وأختي. وتقول في كلتا كلتي وكلتوي على المذهبين.

النسبة إلى الأسماء المركبة:

وينسب إلى الصدر من المركبة فتقول معدي وحضري وخمسي في خمسة عشر اسماً، وكذلك إثني أو ثنوي في إثني عشر إسماً، ولا ينسب إليه وهو عدد، ومنه نحو تأبط شراً وبرق نحره تقول تأبطي وبرقي.

النسبة إلى المضاف:

والمضاف على ضربين مضاف إلى اسم معروف يتناول مسمى على حياله كابن الزبير وابن كراع ومنه الكنى كأبي مسلم وأبي بكر، ومضاف إلى ما لا ينفصل في المعنى عن الاول كامرئ القيس وعبد القيس. فالنسب إلى الضرب الأول زبيري وكراعي ومسلمي وبكري. وإلى الثاني عبدي ومرئي قال ذو الرمة:

ويذهب بينها المرئي لغواً

وقد يصاغ منهما اسم فينسب إليه كعبدري وعبقسي وعبشمي.

النسبة إلى الجمع:

وإذا نسب إلى الجمع رد إلى الواحد كقولك مسمعي ومهلبي وفرضي وصحفي. وأما الأنصاري والأنباري والأعرابي فلجريها مجرى القبائل كأنماري وضبابي وكلابي، ومنه المعافري والمدائني.

النسبة غير القياسية:

ومن المعدولة عن القياس قولهم بدوي وبصري وعلوي وطائي وسهلي ودهري وأموي وثقفي وبحراني وصنعاني وقرشي وهذلي قال:

أباً هذلياً من غطارفة نجد

هذيلية تدعو إذا هي فاخرت

وفقمي وملحمي وزباني وعبدي وجذمي، في فقيم كنانة، ومليح خزاعة، وزبينة وبني عبيدة، وجذيمة. وخراسي وخرسي ونتاج خرفي وجلولي وحروري في جلولاء وحروراء. وبهراني وروحاني في بهاء وروحاء. وخريبي في خريبة. وسليمي وعميري في سليمة من الأزد وفي عميرة كلب. وسيلقي لرجل يكون من أهل السليقة.

وقد يبنى على فعال وفاعل ما فيه معنى النسب من غير الحاق الياءين كقولك بتات وعواج وثواب وجمال ولابن وتامر ودارع ونابل. والفرق بينهما أن فعالاً لذي صنعة يزاولها ويديمها، وعليه أسماء المحترفين. وفاعل لمن يلابس الشيء في الجملة. وقال الخليل إنما قالوا عيشة راضية أي ذات رضى، ورجل طاعم كاس على قياس ذا.

الباب التاسع

الاسم العدد

تعريفهما

هذه الأسماء أصولها إثنتا عشرة كلمة وهي الواحد والاثنان إلى العشرة، والمائة إلى الألف، وما عداها من أسامي العدد فمتشعب منها. وعامتها تشفع بأسماء المعدودات لتدل على الأجناس ومقاديرها كقولك ثلاثة أبواب، وعشرة دراهم، وأحد عشر ديناراً، وعشرون رجلاً، ومائة درهم، وألف ثوب، ما خلا الواحد والأثنين فإنك لا تقول فيهما واحد رجال ولا إثنا دراهم بل تلفظ بأسم الجنس مفرداً وبه مثنى كقولك رجل ورجلان، فتحصل لك الدلالتان معاً بلفظة واحدة. وقد عمل على القياس المرفوض من قال:

ظرف عجوز فيه ثنتا حنظل

تذكير العدد وتأنيثه دون العشرة

وقد سلك سبيل قياس التذكير والتأنيث في الواحد والأثنين فقيل واحدة واثنتان أو ثنتان. وخولف عنه في الثلاثة إلى العشرة فألحقت التاء بالمذكر وطرحت عن المؤنث، فقيل ثمانية رجال وثماني نسوة وعشرة رجال وعشر نسوة.

مميز العدد

والمميز على ضربين: مجرور ومنصوب. فالمجرور على ضربين: مفرد ومجموع. فالمفرد مميز المائة والألف، والمجموع مميز الثلاثة إلى العشرة. والمنصوب مميز أحد عشر إلى تسعة وتسعين. ولا يكون إلا مفرداً.

ومما شذ عن ذلك قولهم ثلاثمائة إلى تسعمائة، اجتزؤوا بلفظ الواحد عن الجمع كقوله:

فإن زمانكم زمن خميص

كلوا في بعض بطنكم تعفوا

وقد رجع إلى القياس من قال:

ردائي وجلت عن وجوه الأهاتم

ثلاث مئين للملوك وفي بـهـا

وقد قالوا ثلاثة أثواباً. وأنشد صاحب الكتاب:

فقد ذهب اللذاذة والفتاء

إذا عاش الفتى مأتين عاماً

وقوله عز من قائل: "ثلثمائة سنين" على البدل، وكذلك قوله عز وجل: "إثنتي عشرة أسباطاً". قال أبو إسحاق: ولو انتصب سنين على التمييز لوجب أن يكونوا قد لبثوا تسعمائة سنة.

وحق مميز العشرة فما دونها أن يكون جمع قلة ليطابق عدد القلة، تقول ثلاثة أفلس، وخمسة أثواب، وثمانية أجربة، وعشرة غلمة. إلا عند إعواز جمع القلة كقولهم ثلاثة شسوع، لفقد السماع في أشسع وأشساع. وقد روي عن الأخفش أنه أثبت أشسعاً. وقد يستعار جمع الكثرة في موضع جمع القلة كقوله عز وعلا: "ثلاثة قروء".

بناء الأعداد المركبة:

وأحد عشر إلى تسعة عشر مبني، إلا اثني عشر؛ وحكم آخر شطريه حكم نون التثنية، ولذلك لا يضاف إضافة أخواته فلا يقال هذه اثنا عشرك كما قيل هذه أحد عشرك.

تذكير الأعداد المركبة وتأنيثها:

وتقول في تأنيث هذه المركبات إحدى عشرة، واثنا عشرة، أو ثنتا عشرة، وثلاث عشرة، وثماني عشرة، تثبت علامة التأنيث في أحد الشطرين لتنزلهما منزلة شيء واحد، وتعرب الثنتين كما أعربت الأثنتين وشين العشرة، يسكنها أهل الحجاز ويكسرها بنو تميم وأكثر العرب على فتح الياء في ثماني عشرة، ومنهم من يسكنها.

ما لحق بآخره الواو والنون نحو العشرين والثلاثين يستوي فيه المذكر والمؤنث وذلك على سبيل التغليب كقوله:

من الأمر ما لا يفعل الأخوان

دعتني أخاها بعد ما كان بيننـا

إعراب الأعداد المعدودة:

والعدد موضوع على الوقف، تقول واحد اثنان ثلاثة، لأن المعاني الموجبة للأعراب مفقودة. وكذلك أسماء حروف التهجي وما شاكل، ذلك إذا عددت تعديداً. فإذا قلت هذا واحد ورأيت ثلاثة فالإعراب كما تقول هذه كاف، وكتبت جيماً.

والهمزة في أحد واحدى منقلبة عن واو. ولا يستعمل أحد وإحدى في الأعداد إلا في المنيفة.

تعريف الأعداد وتكبيرها:

وتقول في تعريف الأعداد ثلاثة الأثواب، وعشرة الغلمة، وأربع الأدور وعشر الجواري، والأحد عشر درهماً، والتسعة عشر ديناراً، والأحدى عشرة والأحد والعشرون ومائة الدرهم، ومائتا الدينار، وثلاثمائة الدارهم، وألف الرجل؛ وروى الكسائي الخمسة الأثواب. وعن أبي يزيد أن قوماً من العرب يقولونه غير فصحاء.

وتقول الأول والثاني والثالث، والأولى والثانية والثالثة إلى العاشر والعاشرة والحادي عشر والثاني عشر، بفتح الياء وسكونها، والحادية عشرة والثانية عشرة والحادي قلب الواحد والثالث عشر إلى التاسع عشر، تبني الأسمين على الفتح كما بنيتهما في أحد عشر.

وإذا أضفت إسم الفاعل المشتق من العدد لم يخل من ان تضيفه إلى ما هو منه كقوله تعالى: "ثاني اثنين" وثالث ثلاثة، أو إلى ما هو دونه كقوله عز وجل: "ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم"، وقوله سادسهم وثامنهم، فهو في الأول بمعنى واحد من الجماعة المضاف هو إليها، وفي الثاني بمعنى جاعلها على العدد الذي هو منه. وهو من قولهم ربعتهم وخمستهم. فإذا جاوزت العشرة لم يكن إلا الوجه الأول، تقول هو حادي إحدى عشر، وثاني إثني عشر، وثالث ثلاثة عشر إلى تاسع تسعة عشر. ومنهم من يقول حادي عشر أحد عشر وثالث عشر ثلاثة عشر.

الباب العاشر

الاسم المقصور والممدود

تعريفهما والفرق بينهما:

المقصود ما في أخره ألف نحو العصا والرحا. والممدود ما في آخره همزة قبلها ألف كالرداء والكساء. وكلاهما منه ما طريق معرفته القياس، ومنه ما لا يعرف إلا بالسماع. فالقياسي طريق معرفته أن ينظر إلى نظيره من الصحيح: فإن انفتح ما قبل آخره فهو مقصور، وإن وقعت قبل آخره ألف فهو ممدود.

فأسماء المفاعيل مما اعتل آخره من الثلاثي المزيد فيه، والرباعي نحو معطى ومشترى ومستلقى مقصورات، لكون نظائرهن مفتوحات ما قبل الأواخر كمخرج ومشترك ومدحرج، ومن ذلك نحو مغزى وملهى كقولك مخرج ومدخل، ونحو العشا والصدى وطوى، لأن نظائرها الحول والفرق والعطش، والغراء في مصدر غري فهو غر شاذ، هكذا أثبته سيبويه، وعن الفراء مثله، والأصمعي يقصره. ومن ذلكم جمع فعلة وفعلة نحو عري وجزي في عروة وجزية.

والأعطاء والرماء والاشتراء والاحبنطاء وما شاكلهن من المصادر ممدودات لوقوع الألف قبل الأواخر في نظائرهن الصحاح كقولك الأكرم والطلاب والإفتتاح والإحرنجام، وكذلك العواء والثغاء والدعاء والرغاء وما كان صوتاً كقولك النباح والصراخ والصياح. وقال الخليل مدوا البكاء على ذا، والذين قصروه جعلوه كالحزن والعلاج كالصوت نحو النزاء ونظيره القماص. ومن ذلك ما جمع على أفعالة نحو قباء وأقبية وكساء وأكسية، كقولك قذال وأقذلة وحمار وأحمرة وقوله:

في ليلة من جمادى ذات أندية

في الشذوذ كأنجدة في جمع نجد

وأما السماعي فنحو الرجى والرحا والخفاء والاباء وما أشبه ذلك مما ايس فيه إلى القياس سبيل.

الأسماء المتصلة بالأفعال

هي ثمانية أسماء: المصدر. اسم الفاعل، اسم المفعول، الصفة المشبهة، اسم التفضيل، وأسماء الزمان، والمكان، اسم الآلة.

الباب الحادي عشر

المصدر

أهم أبنيته في الثلاثي المجرد

أبنيته في الثلاثي المجرد كثيرة مختلفة يرتقي ما ذكره سيبويه منها إلى اثنين وثلاثين بناء. وهي فَعْل، فِعْل، فُعْل، فَعْلَة، فِعْلة، فُعلة فَعْلى فِعْلِى، فُعْلي، فَعْلان، فِعْلان، فُعلان، فَعَلان، فَعَل فِعَل، فَعِل فُعَل، فَعَلَة، فِعَلَة، فَعَال، فِعَال، فُعَال، فَعَول، فِعَالة، فُعُول، فَعِيل، فُعُولة، مَفْعَل، مَفْعِل، مَفْعِل،ومَفْعَلْة، ومَفْعِلْةْ؛ وذلك نحو: قتل وفسق وشغل ورحمة ونشدة وكدرة ودعوة وذكرى وبشرى وليان وحرمان وغفران ونزوان وطلب وخنق وصغر وهدى وغلبة وسرقة وذهاب وصراف وسؤال وزهادة ودراية ودخول وقبول ووجيف وصهوبة ومدخل ومرجع ومسعاة ومحمدة.

أبنيته في الثلاثي المزيد والرباعي:

وتجري في أكثر الثلاثي المزيد فيه والرباعي على سنن واحد. وذلك قولك في أفعل أفعال، وفي أفتعل افتعال، وفي انفعل انفعال، وفي استفعل استفعال، وفي افعل وافعال إفعلان وافعيلال، وفي افعول افعوال، وفي افعوعل افعيعال، وفي افعنلل افعنلال، وفي تفاعل تفاعل، وفي إفعلل افعلال. وقالوا في فعل تفعيل وتفعلة، وعن ناس من العرب فعال. وقالوا كلمته كلاماً، وفي التنزيل: "وكذبوا بآياتنا كذابا". وفي فاعل مفاعلة وفعال، ومن قال كلام قال قيتال. وقال سيبويه في فعال كأنهم حذفوا الياء التي جاء بها أولئك في قيتال ونحوها. وقد قالوا ماريته مراء وقاتلته قتالا. وفي تفعل تفعل وتفعال فيمن قال كلام. قالوا تحملته تحمالاً. وقال:

وحب تملاق وحب هو القتل

ثلاثة أحباب فحـب عـلاقة

وفي فعلل فعللة وفعلال. قال رؤبة:

أيما سرهاف

وقالوا في المضاعف قلقال وزلزال بالكسر والفتح، وفي تفعلل تفعلُل.

مصادر على وزن أسمي الفاعل والمفعول:

وقد يرد المصدر على وزن أسمي الفاعل والمفعول، كقولك قمت قائماً، وقوله:

ولا خارجاً من في زور كلام

وقوله:

كفى بالنأي من أسماء كاف

ومنه الفاضلة والعافية والكافية والدالة والميسور والمعسور والمرفوع والموضوع والمعقول والمجلود والمفتون في قوله تعالى: "بأيكم المفتون". ومنه المكروهة والمصدوقة والمأوية. ولم يثبت سيبويه الوارد على وزن مفعول والمصبح والممسي والمجرب والمقاتل والمتحامل والمدحرج. قال:

بالخير صبحنا ربي ومسانا

الحمد لله ممسانا ومصبحنا

وقال: وعلم بيان المرء عند المجرب وقال: فإن المندى رحلة فركوب وقال: إن الموقى مثلما وقيت وقال: أقاتل حتى لا أرى لي مقاتلا وما فيه متحامل وقال: كأن صوت الصنج في مصلصله

مصادر على وزن تفعال:

والتفال كالتهدار والتلعاب والترداد والتجوال والتقتال والتسيار، بمعنى الهدر واللعب والرد والجولان والقتل والسير، مما بني لتكثير الفعل والمبالغة فيه.

مصادر على وزن فعيلي:

والفعيلي كذلك، تقول كان بينهم رميا وهي الترامي الكثير، والحجيزي والحثيثي كثيرة الحجز والحث، والدليلي كثرة العلم بالدلالة والرسوخ فيها، القتيتي كثرة النميمة.

اسم المرة:

وبناء المرة من المجرد على فعلة تقول قمت قومة وشربت شربة. وقد جاء على المصدر المستعمل في قولهم أتيته إتيانة، ولقيته لقاءة. وهو مما عداه على المصدر المستعمل كالإعطاءة. والانطلاقة والابتسامة والترويحة والتقلبة والتغافلة. وأما ما في آخره تاء فلا يتجاوز به المستعمل بعينه تقول قاتلته مقاتلة واحدة، وكذلك الاستعانة والدحرجة.

اسم النوع:

وتقول في الضرب من الفعل هو حسن الطعمة والركبة والجلسة والقعدة، وقتلته قتلة سوء، وبئست الميتة، والعذرة والضرب من الاعتذار.

المصادر مما اعتلت عينه أو لامه:

وقالوا فيما اعتلت عينه من أفعل واعتلت لامه من فعل اجازة وإطاقة وتعزية وتسلية، معوضين التاء من العين واللام الساقطتين. ويجوز ترك التعويض في أفعل دون فعل قال الله تعالى: "وإقام الصلاة" وتقول أريته إراء، ولا تقول تسليا ولا تعزيا. وقد جاء التفعيل فيه في الشعر، قال:

كما تنزي شهلة صبيا

فهي تنزي دلوها تنزياً

عمل المصدر:

ويعمل المصدر أعمال الفعل مفرداً، كقولك عجبت من ضرب زيد عمراً، ومن ضرب عمراً زيد، ومضافاً إلى الفاعل أو إلى المفعول كقولك أعجبني ضرب الأمير اللص، ودق القصار الثوب، وضرب اللص الأمير، ودق الثوب القصار. ويجوز ترك ذكر الفاعل والمفعول في الإفراد والإضافة كقولك عجبت من ضرب زيداً، ونحو قوله تعالى: "أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيماً" ومن ضرب عمرو ومن ضرب زيد أي من ضرب زيد أو ضرب. ونحوه قوله تعالى: "وهم من بعد غلبهم سيغلبون". ومعرفاً باللام كقوله:

يخال الفرار يراخي الأجل

ضعيف النكـاية أعـداءه

وقوله:

كررت فلم أنكل عن الضرب مسمعا

وبيت الكتاب:

مخافة الأفلاس والليانا

قد كنت داينت بها حساناً

إنما نصب فيه المعطوف عليه لأنه مفعول، كما حمل لبيد الصفة على محل الموصوف في قوله:

طلب المعقب حقه المظلوم

أي كما يطلب المعقب المظلوم حقه.

ويعمل ماضياً كان أو مستقبلاً. تقول أعجبني ضرب زيد أمس، وأريد إكرام عمرو أخاه غداً.

ولا يتقدم عليه معموله قلا يقال زيداً ضربك خير له، كما لا يقال زيداً إن تضرب خير له.

الباب الثاني عشر

اسم الفاعل

يعمل عمل الفعل:

هو ما يجري على يفعل من فعله كضارب، ومكرم، ومنطلق، ومستخرج، ومدحرج. ويعمل عمل الفعل في التقديم والتأخير والإظهار والإضمار، كقولك زيد ضارب غلامه عمراً، وهو عمراً مكرم، وهو ضارب زيد وعمراً، أي وضارب عمراً. قال سيبويه وأجروا اسم الفاعل إذا أرادوا أن يبالغوا في الأمر مجراه إذا كان على بناء فاعل، يريد نحو شراب وضروب ومنحار وأنشد للقلاخ:

وليس بولاج الخوالف أعقلا

أخا الحرب لباساً إليها جلالها

ولأبي طالب:

ضروب بنصل السيف سوق سمانها

وحكي عن بعض العرب إنه لمنحار بوائكها وأما العسل فأنا شراب وأنشد:

كريم رؤوس الدارعين ضروب

وجوز هذا ضروب رؤوس الرجال وسوق الإبل.

جمعه ومثناه كمفرده في العمل:

وما ثني من ذلك وجمع مصححاً أو مكسراً يعمل عمل المفرد كقولك: هما ضاربان زيداً، وهم ضاربون عمراً، وهم قطان مكة، وهن حواج بيت الله، وعواقد حبك النطاق. وقال العجاج:

أوالفاً مكة من ورق الحمي

وقال طرفة:

غفر ذنبهم غير فخـر

ثم زادوا أنهم في قومهم

وقال الكميت:

ميص العشيات لا خور ولا قزم

شم مهاوين أبدان الجزور مخـا

يشترط في عمله أن يكون في معنى الحال أو الاستقبال:

ويشترط في إعمال اسم الفاعل أن يكون في معنى الحال أو الاستقبال، فلا يقال: زيد ضارب عمراً أمس، ولا وحشي قاتل حمزة يوم أحد، بل يستعمل ذلك على الإضافة إلا إذا أريدت حكاية الحال الماضية كقوله عز اسمه: "وكلبهم باسط ذراعيه"، أو أدخلت عليه الألف واللام كقولك الضارب زيداً أمس.

يشترط في عمله الاعتماد:

ويشترط اعتماده على مبتدأ، أو موصوف، أو ذي حال، أو حرف استفهام، أو حرف نفي، كقولك: زيد منطلق غلامه، وهذا رجل بارع أدبه، وجاءني زيد راكباً حماراً، وأقائم أخواك، وما ذاهب غلامك. فإن قلت بارع أدبه من غير أن تعمده بشيء وزعمت أنك رفعت به الظاهر، كذبت بامتناع قائم أخواك.

الباب الثالث عشر

اسم المفعول

هو الجاري على يفعل من فعله، نحو مضروب لأن أصله مفعل، ومكرم ومنطلق به ومستخرج ومدحرج. ويعمل عمل الفعل تقول: زيد مضروب غلامه؛ ومكرم جاره، ومستخرج متاعه، ومدحرج بيده الحجر. وأمره على نحو من أمر اسم الفاعل في إعمال مثناه ومجموعه واشتراط الزمانين والإعتماد.