اللغة العربية - الكفاف - 3

اسم صحيح الآخر غير مختوم بتاء التأنيث

أَفْعُل عَناق أعنق

أفْعِلة طعام أطعمة

فُعُل أتان أُتُن

فُعَال

اسم مؤنث

اسم (لا صفة)

أَفْعُل عُقاب أعقُب

فِعْلان غلام غلمان، غراب غربان

غراب أغرب (مذكّر)

تتمة جدول الصنف الثالث: آ- (من المفرد الثلاثي الأصول إلى الجمع)

وزن المفرد

شروطه

وزن جمعه والأمثلة

أشهر الشواذ/ملاحظات

فِعَال

اسم مؤنث

اسم صحيح الآخر غير مختوم بتاء التأنيث

أَفْعُل ذراع أذرع

فُعُل كتاب كتب، خِمار خُمُر

شهاب أشهب (مذكر)

فَعَل

كل اسم ثلاثي مطلقاً مهما تكن حركات أحرفه

أفعال

حَجَر أحجار، كبد أكباد،

حِمْل أحمال، باب أبواب،

ثوب أثواب، بيت أبيات،

وقت أوقات، عمّ أعمام،

عُنُق أعناق

فَعْل

اسم صحيح الأول والثاني غير مضاعف الثالث

اسم ليس ثانيه واواً

اسم ثانيه ألف أصلها الواو

اسم صحيح الثاني

أفعُل نفس أنفس، بحر أبحر

فُعُول قلب قلوب، ليث ليوث

فِعْلان جار جيران، نار نيران

فُعْلان ركْب رُكبان، عَبْد عُبدان

وجه أوجه (معتل الأول)

عين أعين (معتل الثاني)

كفّ أكفّ (مضاعف الثالث)

أسَد أسود، شجَن شجون

ضيف ضيفان، خيط خيطان

فَعْل وفَعْلة

اسم أو صفة ليس ثانيهما ياءً

فِعال

ثوب ثياب، كعب كعاب،

صعب وصعبة صعاب (صفة)

ضخم وضخمة ضخام (صفة)

ضيعة ضياع

أجاز مجمع القاهرة قياس جمع [فَعْلَة] على [فِعَل] نحو:

ضيعة ضِيَع

فَعَل

اسم صحيح الثاني

فُعْلان حَمَل حُملان، ذكر ذكران

شاب شبّان

فَعَل وفَعَلة

اسم صحيح اللام غير مضاعف

فِعَال جمل جمال، جبل جبال،

رقبة رقاب، ثمرة ثمار

تتمة جدول الصنف الثالث: آ- (من المفرد الثلاثي الأصول إلى الجمع)

وزن المفرد

شروطه

وزن جمعه والأمثلة

أشهر الشواذ/ملاحظات

فَعِل

اسم

فُعُول كَبِد كبود، نَمِر نمور

فُعْل

اسم ليس ثانيه واواً ولا ثالثه ياءً

اسم ثانيه واو

اسم غير معتل الثاني ولا الثالث ولا مضاعف

اسم صحيح اللام

فِعَال رمح رماح

فِعْلان حوت حيتان، عود عيدان، كوز كيزان

(54/4)

فُعُول برد برود، جند جنود

فِعَلَة دُبّ دببة

قِرد قِرَدة، ديك ديكة.

فُعْلة

اسم

فُعَل غرفة غرف، حجّة حُجج

فُعْلى

صفةُ مؤنث، وزن مذكّره (أفعل)

فُعَل كبرى كُبَر، صغرى صُغَر

فُعَل

اسم

فِعْلان جُرَذ جِرذان، صُرَد صِردان

فِعْل

اسم

اسم

فِعَال ذئب ذئاب، ظلّ ظلال

فُعُول حِمل حمول، عِطر عطور

فِعْلة

اسم

فِعَل قِطعة قطع، حِجة حِجج

فَعْلى

صفة

فِعَال عطشى عطاش

فَعْلان وفَعْلانة

صفة

فِعَال عطشان عطاش،

عطشانة عطاش

فُعْلان وفُعْلانة

صفة

فِعَال خُمصان خِماص،

خُمصانة خِماص

فَعُول

اسم رباعي مذكر قبل آخره حرف مدّ

اسم رباعي صحيح الآخر قبل آخره حرف مدّ غير مختوم بتاء التأنيث

أفْعِلة عمود أعمدة

فُعُل عمود عُمُد

تتمة جدول الصنف الثالث: آ- (من المفرد الثلاثي الأصول إلى الجمع)

وزن المفرد

شروطه

وزن جمعه والأمثلة

أشهر الشواذ/ملاحظات

فَعُول (بمعنى فاعل)

صفة

فُعُل صبور صُبُر، غيور غُيُر

فَعِيل

صفة تدل على هُلْك أو توجّع أو بلية...

اسم (لا صفة)

اسم مذكر

اسم مؤنث

صفة لامها معتلة أو مضاعفة

فَعْلى مريض مرضى، قتيل قتلى، جريح جرحى

فُعْلان قضيب قضبان،

رغيف رغفان

أَفْعِلة رغيف أرغفة

أَفْعُل يمين أيمن

أَفْعِلاء نبيّ أنبياء، وصيّ أوصياء، عزيز أعزاء

عزيز أعزّة، شحيح أشحة،

ذليل أذلة (صفات)

صديق أصدقاء، بريء أبرياء

فَعِيل (بمعنى فاعل)

صفةُ مذكرٍ عاقل صحيحة اللام غير مضاعفة دالة على سجية

فُعَلاء كريم كرماء، بخيل بخلاء

قتيل (= مقتول) قتلاء،

سجين (= مسجون) سجناء،

أسير (= مأسور) أسراء

فَعِيل وفَعِيلة

صفة صحيحة اللام

فِعَال كريم وكريمة كرام،

مريض ومريضة مراض

لم يجمعوا (أسير وجريح وقتيل) هذا الجمع!!

3- جدول الصنف الثالث: ب- (من الجمع إلى المفرد الثلاثي الأصول)

وزن الجمع

وزن المفرد

اسم / صفة

الشروط والأمثلة

أشهر الشواذ/ملاحظات

أَفْعُل

فَعْل

فَُِعال

فَعِيل

اسم

اسم

اسم

صحيح الأول والثاني، غير مضاعف: أنفس نفس، أبحر بحر

(54/5)

مؤنث: أعقب عُقاب، أعنق عَناق، أذرع ذراع

أيمُن يمين

أوجه وجه، أعين عين،

أكُفّ كفّ

أشهب شِهاب (مذكر)،

أعتد عَتاد (مذكر)،

أغرُب غُراب (مذكر)

أفعَال

ثلاثي

اسم

بغير قيد ما عدا وزن (فُعَل):

أكباد كبد، أثواب ثوب، أقفال قفل، أعناب عنب، أبحاث بحث، أنهار نهر

أرطاب رُطب،

أجلاف جِلْف (صفة)،

أشهاد شهيد (صفة)،

أعداء عدوّ (صفة)

أفْعِلة

فَُِعال

فعيل

فَعول

اسم

اسم

اسم

مذكر: أطعمة طَعام، أئمة إمام، أغلمة غُلام

أرغفة رغيف

أعمدة عَمود

أعْقبة عُقاب (مؤنث)

أعزّة عزيز (صفة)،

أشحّة شحيح (صفة)،

أذلّة ذليل (صفة)

أقفية قفا، أجوزة جائز

فِعْلة

اسم

وزن سماعي لا يقاس عليه، سُمع منه /13/ كلمة أشهرها: فِتية فتى، صِبية صبي، إخوة أخ، عِلْية عليّ، جِلّة جليل

فُعْل

أفعل

وفَعْلاء

صفة مشبهة

حُمْر أحمر وحمراء.

أُسْد أَسَد، بُزْل بازل.

تتمة جدول الصنف الثالث: ب- (من الجمع إلى المفرد الثلاثي الأصول)

وزن الجمع

وزن المفرد

اسم / صفة

الشروط والأمثلة

أشهر الشواذ/ملاحظات

فُعُل

فَعُول ( بمعنى فاعل)

فَِعال

فَعُول

فعيل

صفة

اسم

اسم

اسم

صُبُر صبور، غُيُر غيور

صحيح الآخر غير مختوم بتاء التأنيث: كتب كتاب، أُتن أتان

عُمُد عمود

قضب قضيب

نُذُر نذير، نُجُب نجيب ونجيبة، خُشُن خَشِن، خُشُب خشبة، صحف صحيفة

فُعَل

فُعْلة

فُعْلى

اسم

صفة

غرف غرفة، حجج حُجّة

مؤنث أفعل: كُبَر كبرى، صغر صغرى

رؤى رؤيا، قرى قرية، نوب نَوبة

فِعَل

فِعْلة

اسم

قطع قِطعة

أجاز مجمع القاهرة قياس جمع فَعْلة على فِعَل، نحو: ضيع ضيعة

فُعَلة

فاعل

صفة

مذكر عاقل معتلة اللام: هُداة هادٍ (الأصل هُدَيَة)،

قضاة قاضٍ (الأصل قُضَيَة)، غزاة غازٍ (الأصل غُزَوَة)

كُماة كمِيّ

فَعَلة

فاعل

صفة

مذكر عاقل صحيحة اللام: سحرة ساحر، بررة بارّ، باعة بائع (الأصل بَيَعَة)

سَرَاة سرِيّ

فَعْلى

فَعِيل

وغير فعيل بشروطه نفسها

صفة

(54/6)

تدل على هُلْك أو توجّع أو بلية أو آفة: مرضى مريض، قتلى قتيل، جرحى جريح، أسرى أسير

هلكى هالك، موتى ميّت، حمقى أحمق، سَكْرى سكران

تتمة جدول الصنف الثالث: ب- (من الجمع إلى المفرد الثلاثي الأصول)

وزن الجمع

وزن المفرد

اسم / صفة

الشروط والأمثلة

أشهر الشواذ/ملاحظات

فِعَلَة

فُعْل

اسم

صحيح اللام: دببة دُبّ

قِرَدة قِرد، هررة هِرّ، فيلة فيل، ديَكة ديك

فُعَّل

فاعل وفاعلة

صفة

صحيحة اللام: ركّع راكع راكعة، صائم صائمة صوّم

نُفَّس نُفَساء، عُزّل أعزل، خرَّد خريدة

فُعَّال

فاعل

صفة

صحيحة اللام: كتّاب كاتب، صوّام صائم

نُفّاس نُفَساء، سُلاّف سَلَف

فِعَال

1- فَعْل

وفَعْلَة

2- فَعَل

وفَعَلة

3- فِعْل

4- فُعْل

5- فَعيل

وفَعيلة

6- فَعْلان

وفَعلانة

فُعْلان

وفُعلانة

فَعْلى

اسم

أو صفة

اسم

اسم

اسم

صفة

صفة

ليس ثانيهما ياءً:

[اسم]: كعاب كعب، ثياب ثوب

[صفة]: صعاب صعب وصعبة، ضخام ضخم وضخمة

صحيح اللام غير مضاعف: جمال جَمَل

رقاب رقبة، ثمار ثمرة

ذئاب ذئب، ظلال ظلّ

ليس ثانيه واواً ولا ثالثه ياءً: رماح رمح

صحيحة اللام: كرام كريم وكريمة، طِوال طويل وطويلة

عِطاش عَطشان عَطشانة

خِماص خُمصان خُمصانة

عِطاش عَطشى

ضِياع ضيعة

لم يجمعوا (أسير وجريح وقتيل) هذا الجمع!!

عِجاف أعجف عجفاء،

إناث أنثى، سِباع سَبُع

تتمة جدول الصنف الثالث: ب- (من الجمع إلى المفرد الثلاثي الأصول)

وزن الجمع

وزن المفرد

اسم / صفة

الشروط والأمثلة

أشهر الشواذ/ملاحظات

فُعُول

1- فَعِل

2- فَعْل

3- فِعْل

4- فُعْل

اسم

اسم

اسم

اسم

كبود كبد، نمور نمر

ليس ثانيه واواً: قلوب قلب، ليوث ليث

حمول حِمل، فيول فيل

صحيح الثاني والثالث، غير مضاعف: برود برد، جنود جند

خصوص خُصّ، أُسُود أَسَد، ذكور ذَكَر، طُلول طَلَل، شجون شَجَن

فِعْلان

1- فُعَل

2- فُعْل

3- فَعْل

4- فُعال

اسم

اسم

اسم

اسم

جرذان جرذ، صردان صرد

ثانيه واو: حيتان حوت، عيدان عود

(54/7)

ثانيه ألف أصلها الواو: تيجان تاج، جيران جار

غلمان غلام، غربان غراب

خِرفان خروف، صبيان صبيّ

فُعْلان

1- فَعيل

2- فَعَل

3- فَعْل

اسم

اسم

اسم

قضبان قضيب، رغفان رغيف

صحيح الثاني: حُملان حَمَل، ذكران ذكر

صحيح الثاني: عبدان عبْد، ركبان ركب

جُدران جدار، شبّان شاب، شجعان شجاع، عميان أعمى، سودان أسود

فُعَلاء

1- فَعيل (بمعنى فاعل)

2- فاعل

صفة

صفة

مذكر عاقل، صحيحة اللام، غير مضاعفة، دالة على سجية: كرماء كريم، بخلاء بخيل

أو على مشاركة: شركاء شريك، خلطاء خليط

مذكر عاقل دالة على سجية: جهلاء جاهل، صلحاء صالح

قتلاء قتيل (= مقتول)،

سجناء سجين(=مسجون)،

أُسراء أسير (= مأسور)،

جبناء جبان

فقهاء فقيه

أفْعِلاء

فَعيل

صفة

لامها معتلة: أنبياء نبيّ، أولياء وليّ

أو مضاعفة: أعزّاء عزيز، أذلاّء ذليل

أصدقاء صديق، أبرياء بريء

* * *

1- ليس المقصود بـ[فَعَالِل] وزنَه الصرفي، بل المقصود إيقاعه. أي: مجرّد توالي الحركات والسكنات، فكل حرف متحرك يمثّله خط مائل [/]، وكل حرف ساكن تمثّله دائرة [5]. وعلى ذلك يكون - مثلاً - إيقاع [دراهم وملاعب وصياقل] هو [//5/5 = فَعَاْلِلْ]. وهو إيقاع ينطبق على أوزان صرفية كثيرة، يماثل إيقاعُها إيقاعَ [فعالل]، منها ما ترى: فعالل //5/5 دراهم فعاعل //5/5 سلالم أفاعل //5/5 أصابع

تفاعل //5/5 تجارب مفاعل //5/5 ملاعب يفاعل //5/5 يعامل

فواعل //5/5 كواكب فياعل //5/5 صياقل فعائل //5/5 ضمائر...

2- ماكان وزنه [أفعل] ولمذكره ومؤنثه جمعٌ واحد فلا يُجمَع هذا الجمع. نحو: [أحمر - حمراء: حُمْر، أعور - عوراء: عُور...]

3- يجوز في نحو: (حبالِي وذفارِي وصحارِي)، الفتح أيضاً، فيقال: (حبالَى وذفارَى وصحارَى). وننوه هنا بأننا - حرصاً على الوضوح - لم نلتزم في الاسم المنقوص - أحياناً - حذف يائه، ولو استحقّ ذلك، فقلنا مثلاً: صحاري ولم نقل صحارٍ.

(54/8)

4- لا يُحذَف حرفٌ أصليّ من الكلمة، حتى يُحذَف كلّ حرف زائد فيها، فغضنفر مثلاً، تحذف منها النون لا الراء: غضافر.

ونورد هنا نماذج من الحذف قد وقع على الأحرف الزائدة، دون الأحرف الأصلية، من ذلك: (مدحرج) مثلاً، تحذف منه الميم - و(متدحرج) تحذف منه الميم والتاء، ويُجمعان معاً على: دحارج؛ و(قرطبوس: الداهية) تحذف منه الواو والسين ثم يجمع على قراطب؛ ومن (غضنفر) تحذف النون، ويجمع على غضافر؛ و(فَدَوْكَس: الأسد) تحذف منه الواو ثم يجمع على فداكس. و(خَيْسَفُوْج: حبّ القطن) تحذف منه الياء والواو ثم يجمع على خَسافِج. وهكذا...

ولقد وضع العلماء للأحرف الزائدة قيماً ومراتب، من ذلك أن النون أَولى بالحذف من الميم، فإذا اجتمعا في كلمة يُقتضى حذف حرف واحد منها، فالنون يحذف؛ ففي جمع [منطلق] تقول: [مطالق]. والسين أولى بالحذف من التاء، فإذا اجتمعا في كلمة فالسين يحذف؛ ففي جمع [مستخرج] تقول: [مخارج] وهكذا...

ونورد هذه القيم والمراتب موجزة: فـ [الميم والياء والتاء والهمزة في أول الكلمة، أحقّ بالبقاء من أحرف الزيادة الأخرى. ثم يتلوها تاء الافتعال، في نحو: (اجتماع) والاستفعال في نحو: (استخراج) ونون الانفعال في نحو: (انطلاق). فإذا تكافأ في الكلمة حرفا زيادة، حذفتَ أيهما شئت. وإن فضل أحدهما الآخر حذفت المفضول].

5- لو أنعمت النظر لرأيت أنّ هذين الوزنين إنما هما عند التحقيق [//5/5 = فَعَاْلِلْ] أي: حركتان فسكون، فحركة فسكونُ الوقف (أو سكون الألف).

6- كتب النحو تقول: [كراسيّ وقماريّ وكراكيّ] وزنها [فعاليّ]. ولكنّ من ينعم النظر يجد وزنها [فعاليلْ]، لأنه عند التحقيق: [//5/55] أي: حركتان فسكون، فحركة فسكونان مدغمان، الأول سكون حرف العلة والثاني سكون الوقف.

(54/9)

7- منع قدماء النحاة أن يُجمع [مفعول] جمعَ تكسير على [مفاعيل]؛ فلا يجوز عندهم إذاً أن يقال، في جمع مشهور: مشاهير... بل يُجمع ما كان من هذا جمع سلامة، فيقال: مشهورون... غير أن البحوث اللغوية، في العصر الحديث، بيَّنت أن في العربية غيرَ قليل من الكلمات، وزنُها [مفعول] قد جُمعت على [مفاعيل]، وهي شواهد فصيحة، جاءت في استعمال من يُحتجّ بكلامهم من فصحاء العرب، نحو [مشؤوم: مشائيم، منسوب: مناسيب، مكسور: مكاسير، ملعون: ملاعين...] فثبت بذلك صحّة جمعِ [مفعول] على [مفاعيل] قياساً مطّرداً. وقد أقرّ ذلك مجمع اللغة العربية بالقاهرة فأصدر قراراً يقضي بصحة ذلك مطلقاً.

(54/10)

الجملة وإعرابها

الجملة: مبتدأ وخبر، أو فعل وفاعل. ثمّ إنْ كان صدرُها اسماً، سمّيت: [جملة اسمية]، نحو: [الشمس مشرقة - إنّ الشمس مشرقة - هل الشمس مشرقة؟]. أو كان صدرُها فعلاً سمّيت: [جملة فعلية]، نحو: [سافر عليٌّ - كان عليٌّ مسافراً - لن يسافر عليٌّ](1).

وليس من شروط الجملة أن تؤدّي معنى تامّاً. فقولك مثلاً: [إِنْ تجتهدْ]، جملة. مع أنّ المعنى لا يتمّ، إلاّ إذا أتيت بجواب الشرط فقلت: [إن تجتهدْ تنجحْ].

إعراب الجملة:

تمهيد لغير المتخصصين: كل جملة في العربية، يمكن أن يُستخلَص منها اسمٌ مفرد [مصدر، أو اسم فاعل، أو اسم مفعول...]. مثال ذلك: [كَتَبَ زهيرٌ]، فإنها جملة، ويمكن أن يُستخلص منها: [كتابة (مصدر)، وكاتب (اسم فاعل)، ومكتوب (اسم مفعول)...]. فإذا أردتَ أن تعرف ما إعراب جملة [كتب زهيرٌ]، فتغافلْ عنها موقّتاً، وضع محلَّها، الاسمَ المفردَ المستخلَص منها، فإنّ إعرابه هو إعرابها نفسه.

ليكن هذا المستخلص هو - مثلاً - المصدر [كتابة]. وانظر الآن ما إعرابه في قولك: [كتابةُ زهير]؟ تجده لا إعراب له، لأنّ المعنى ناقص. إذاً، جملة: [كتب زهيرٌ] لا إعراب لها، لأن الاسم المستخلص: [كتابة] لا إعراب له.

ودونك مثالاً آخر: [ودّعتُ خالداً حين سافَر]. فـ [سافَرَ]: جملة مؤلفة من فعل وضمير مستتر هو الفاعل، ويمكن أن يُستخلص منها: [المصدر: سَفَر...]. فإذا تغافلتَ موقتاً عن جملة [سافَرَ]، وأحللت محلَّها المصدر المستخلص، وهو [سَفَرُ خالد] فقلت: [ودّعت خالداً حين سَفَرِه]. وجدت أنّ كلمة [سفَرِه] مضاف إليه. إذاً، جملة [سافَرَ] مضاف إليه، لأنّ الاسم المستخلَص مضاف إليه. بعد هذا، دونك ثلاثة أمثلة على السريع:

[جاء سعيد يركض = راكضاً]. جملة [يركض] حالية في محل نصب، لأنّ [راكضاً] حال منصوب.

[الشمس مشرقة = إشراقها]. جملة [الشمس مشرقة] لا محلّ لها، لأنّ [إشراق الشمس] ليس كلاماً.

(55/1)

[المجتهد يفوز = فائز]. جملة [يفوز] خبرية في محل رفع، لأنّ [فائز] خبر مرفوع.

مما تقدّم، نخلص إلى أنّ الجمل صنفان: جمل لها محلّ من الإعراب، وجمل لا محلّ لها. وإليكها:

أوّلاً: الجمل التي لها محل من الإعراب:

¨ الواقعة خبراً: نحو: [العلم ينفع = العلم نافعٌ]، [إنّ الجهل يَقتل = إنّ الجهل قاتِلٌ]، [كان المطر ينهمر = كان المطر منهمراً].

¨ الواقعة مفعولاً به: نحو: [ظننت خالداً يحضر = ظننت خالداً حاضراً].

¨ الواقعة نعتاً: نحو: [نظرت إلى طفل يضحك = نظرت إلى طفل ضاحك].

¨ الواقعة حالاً: نحو: [جاء زهير يركض = جاء زهير راكضاً].

¨ الواقعة مضافاً إليه: نحو: [أودّع زيداً يومَ يسافر = يوم سفرِه].

¨ الواقعة جواباً لشرط جازم، إن اقترنت بالفاء، أو [إذا] الفجائية، كانت في محل جزم: نحو: [من يجتهدْ فلن يندمَ] و]وإنْ تُصبْهم سيّئةٌ بما قدّمت أيديهم إذا هم يقنطون] (2) (الروم 30/36)

¨ التابعة لجملة لها محلٌّ من الإعراب: نحو: [خالدٌ يجتهد وينجح = خالدٌ مجتهدٌ وناجحٌ].

ثانياً: الجمل التي لا محلّ لها من الإعراب:

¨ الابتدائية: وتقع في ابتداء الكلام: نحو: [الشمس مشرقةٌ].

¨ الاستئنافية: وتقع استئنافاً لكلام يسبقها، ولا علاقة إعرابية بينها وبينه، نحو: [اِقرأْ كتب العلم، إنها مفيدة].

¨ الاعتراضية: وتقع بين متلازمين، نحو: [عاشِرْ - أيّدك الله - العلماءَ].

¨ صلة الموصول: [يفوز مَن يجتهدُ].

¨ التفسيرية: وتُوضِح ما قبلها وتكشفه. وقد تكون مقرونة بأحد حرفَي التفسير: [أَنْ وأي]، وقد لا تكون، نحو: ]فأوحينا إليه أَن اصنع الفلك[ و: [أشرت إليه: أَي: اذهبْ]، و: ]هل أدلّكم على تجارةٍ تُنجيكمْ من عذاب أليم: تؤمنون بالله ورسوله[.

¨ الواقعة جواباً للقسم: نحو: ]تالله لأَكيدنَّ أصنامكم[

¨ الواقعة جواباً لشرط غير جازم: نحو: [إذا زرتنا أكرمناك]، [لو درست لنجحت]، [لولا الإتقان لفسد العمل].

(55/2)

¨ التابعة لجملة لا محلّ لها: نحو: [إذا درست نجحت وكُرِّمت].

* * *

1- لا اعتداد بالحروف الداخلة على الجملة، كأحرف الاستفهام، والنفي، و[إنّ] وأخواتها... ولا بالتقديم والتأخير...

2- (الروم 30/36) الجملة الواقعة جواباً لشرط جازم لا تخضع للقاعدة العامة في إعراب الجمل، أي: استخلاص مفرد وإحلاله محلّ الجملة. بل هي في محلّ جزم إذا اقترنت بالفاء، أو [إذا] الفجائية، كما رأيت في المثال والآية اللذين أوردناهما في المتن.

(55/3)

كان وأخواتها(1)

كان وأخواتها: أفعالٌ ترفع المبتدأ وتنصب الخبر. فيسمّى المبتدأ اسماً لها، ويسمّى الخبر خبراً لها، نحو: [كان خالدٌ مريضاً]. والأفعال الناقصة زمرتان: [كان وأخواتها] و[كاد وأخواتها]. فدونك ذلك:

1- الزمرة الأولى، كان وأخواتُها:

- منها ثمانٍ، هي: [كان، صار، أصبح، أضحى، أمسى، ظلّ، بات، ليس]. ليس لأحدها شرطٌ مقصورٌ عليه وحده(2).

- و[مادام]: وشرطها أنْ تسبقها [ما] المصدرية الظرفية، ويكون التأويل [مدّة دوام]، نحو: [أكرمه مادام مجتهداً = مدّة دوامه مجتهداً].

- و[ما برح، ما زال، ما فتئ، ما انفكّ]. وشرطها أن تسبقها أداة يصلح استعمالها للنفي، نحو: [ما زال خالدٌ مسافراً] و[لسنا نبرح نحترمك](3).

أحكامٌ ذات خطر:

¨ إن استُعمِل الناقص بمعنى التامّ، عُدَّ تامّاً، نحو [سأزورك غداً حين نُصبح، وأفارقك حين نُمسي](4). والعكس صحيح، فالتامّ إن كان بمعنى الناقص، عُدَّ ناقصاً، نحو: [عاد الحزنُ فرَحاً](5).

¨ يعمل الناقص سواء كان صفة (أي: مشتقّاً) أو فعلاً أو مصدراً نحو: [لستَ زائلاً محترماً (صفة)، فكُنْ مجتهداً (فعل)، فكونك كسولاً يُزري بك (مصدر)].

¨ قد يتقدّم خبر الأفعال الناقصة، عليها، وعلى أسمائها أيضاً، نحو: [غزيراً أصبح المطر، وأصبح غزيراً المطر]. ولكن يستثنى من ذلك [ليس] وما يقترن بـ [ما] فإن الخبر يتقدَّم على أسمائها فقط، ولكنْ لا يتقدّم عليها هي نفسها، فلا يقال مثلاً: [غزيراً ليس المطر]، ولا [أُكرِمُ زهيراً مجتهداً ما دام].

خصائص [كان]

تمتاز كان (بصيغة الماضي) من أخواتها بأمور، إليكها:

¨ قد تدلّ على الاستمرار والثبوت، نحو: ]إنّ الله كان عليكم رقيباً[.

¨ قد تزاد بين لفظين متلازمين، كالجارّ والمجرور، والصفة والموصوف، والمتعاطفين... وقد أوردنا أنماطاً من ذلك في [النماذج الفصيحة] فانظرها هناك.

(56/1)

¨ يكثر حذفها هي واسمها، بعد أداتين شرطيتين هما: [إنْ] و[لو]، كنحو قولك: [زهيرٌ ممتدَحٌ إنْ حاضراً وإنْ غائباً] و[اِلتمسْ ولو خاتماً من حديد](6).

· إذا جُزِم مضارعها بالسكون، جاز حذفُ نونه، نحو: [لم يكنْ مقصِّراً = لم يكُ مقصِّراً].

فائدة: في هذا البحث تركيب مهمَل، نورده لمن يريد استعماله والصوغ على قالبه، هو: [اِفعَلْ هذا إمّا لا]، ومعناه كما قالوا: اِفعلْه إن كنت لا تفعل غيرَه.

2- الزمرة الثانية، كاد وأخواتها:

ويُسمونها: أفعال المقاربة(7) وهي:

[كاد وأوشكَ: للمقاربة]، و[عسى: للرجاء]، و[جَعَلَ وطفِق وأخذ وأنشأ: للشروع](8).

وهي جميعها ترفع الاسم، وتنصب الخبر، كشأن سائر أخوات [كان]. غير أن أفعال المقاربة هذه تتفرّد بأنّ أخبارها لا تكون إلاّ أفعالاً مضارعة.

فأما المضارع بعد [كاد وأوشك وعسى]، فيجوز نصبه بـ [أنْ] ويجوز عدم نصبه بها، نحو: [كاد زهيرٌ أن يفوز = كاد زهيرٌ يفوز].

وأما المضارع بعد: [جعل وطفق وأخذ وأنشأ] فيمتنع نصبه بـ [أن] قولاً واحداً، نحو: [أخذ زهيرٌ يدرس].

حُكْمان:

· إذا جاءت أفعال المقاربة في الاستعمال، بمعنى التامّة، عُدَّت تامّة. فالفعل: [كاد] من قولك مثلاً: [كاد العدوّ لعدوّه] تامّ، لأنه من الكيد والمكيدة.

· تُعَدّ [عسى] تامّةً ترفع فاعلاً، إذا تجرَّدَت من اسم لها، ظاهر أو مضمر، نحو: [عسى أن نسافر]، ويكون المصدر المؤوّل من [أنْ والمضارع] فاعلاً لها.

* * *

نماذج فصيحة من استعمال الفعل الناقص

1- نماذج كان وأخواتها:

· ]وأوصاني بالصلاة والزكاة مادمتُ حيّاً[ (مريم 19/31)

(56/2)

[مادام]: شرط إعمال هذا الفعلِ عمل [كان]، أن تتقدّمه [ما] المصدرية الظرفية، ويكون التأويل: [مدّة دوام]. وهو ما تراه متحققاً في الآية، فـ [مدّة]: هو الظرف، و[دوام] هو المصدر، والتأويل: [وأوصاني بالصلاة والزكاة مدّةَ دوامي حيّاً]. فالاستعمال إذاً في الآية على المنهاج. والتاء: اسم [مادام]، و[حيّاً]: خبرها.

· ]إنّ الله كان غفوراً رحيماً[ (النساء 4/23)

[كان غفوراً]: من خصائص [كان] أنها - وإن كانت ماضويّة الصيغة - قد تدلّ على الثبوت والاستمرار، فتتجرّد من الدلالة الزمنية، فيكون زمانها متصلاً بغير انقطاع. وهو ما تراه في الآية، فإنّ المعنى: كان الله وما زال وسيظلّ غفوراً. ومنه قوله تعالى: ]كنتم خيرَ أُمَّةٍ أُخرجَت للناس[ (آل عمران 3/110)

· قال امرؤ القيس (الديوان /32):

فقلتُ يمينُ الله أبرح قاعداً ولو قطعوا رأسي لديكِ وأوصالي

[أبرح]: أحد أربعة أفعال هي [برح، زال، فتئ، انفكّ]، شَرْطُ إعمالها عملَ [كان]، أن يسبقها نفيٌ بـ [ما] أو غيرها، نحو: [لا ينفكّ يزورنا، وما نزال نرحّب به]. ولقائل أن يقول: إنّ فعل: [برح] في بيت امرئ القيس، قد عمل فنصب الخبر: [قاعداً]، ولم يسبقه نفي!! والجواب أنّ أداة النفي يجوز أن تُحذَف وتُقدَّر، إذا جاءت بعد قسَم، وذلك ما تراه في البيت. والأصل: [يمين الله لا أبرح قاعداً]. وقد جاء مثلُ ذلك في التنْزيل العزيز: ]قالوا تاللهِ تفتأ تذكر يوسف[ (يوسف 12/85). فـ [تالله] قسَم، وقد حُذِفت أداة النفي بعده وهي [لا]، على المنهاج. والأصل: [تالله لا تفتأ].

· ]لن نبرح عليه عاكفين[ (طه 20/91)

(56/3)

[لن نبرح]: هاهنا أداة نفي هي: [لن]؛ وتقدُّمُ النفي على الأفعال الأربعة: [برح، زال، فتئ، انفكّ] شرْطٌ في إعمالها عمَل [كان]، وعليه فإنّ [عاكفين] خبر [نبرح] منصوب على المنهاج. وفي الآية دلالة على أنّ النفي يكون بـ [ما] وغيرها، وهو هنا [لن]. ومن ذلك أيضاً قوله تعالى: ]ولا يزالون مختلفين[ (هود 11/118) فهاهنا فعلٌ ناقص هو [يزال]، واسمه واو الضمير في محل رفع، وخبره [مختلفين] منصوب. وذلك أنّ شرط إعماله عمَلَ [كان] قد تحقق، إذ تقدّمه نفيٌ.

· ]وكان حقّاً علينا نصْرُ المؤمنين[ (الروم 30/47)

[حقّاً]: خبر كان، مقدّم على اسمها، منصوب. واسمها مؤخر هو [نصرُ...]. والإجماع معقود على أنّ الأفعال الناقصة جميعها، يجوز أن تتقدّم أخبارُها على أسمائها، ومنه هذه الآية. بل يجوز أيضاً أن تتقدّم هذه الأخبار على الأفعال الناقصة نفسها، (ما عدا [ليس]، والأفعالَ التي تقترن بها [ما]، فلا يجوز أن تتقدّم أخبارها عليها). وعلى هذا، إنّ تقدّم خبر كان على اسمها، في الآية التي نحن بصددها، جاء على المنهاج.

· قال السموأل (شرح ابن عقيل 1/273):

سَلِي إنْ جهلتِ الناسَ عنّا وعنهمُ فليس سواءً عالمٌ وجهولُ

[سواءً]: خبر الفعل الناقص [ليس]، منصوب. وقد تقدّم على الاسم وهو: [عالمٌ]، إذ الأصل قبل التقديم والتأخير: [ليس عالمٌ وجهولٌ سواءً]. وقد جاء تقدّمُ الخبر، على المنهاج، إذ الأفعال الناقصة يجوز كما قلنا آنفاً، أن تتقدّم أخبارها على أسمائها، بل يجوز أن تتقدم أخبارها عليها نفسها أيضاً. وإنما الذي لا يجوز، هو أن تتقدّم هذه الأخبار على [ليس] والأفعال التي تقترن بـ [ما].

· ]فسبحان الله حين تُمسون وحين تُصبحون[ (الروم 30/17)

(56/4)

[تمسون وتصبحون]: فعلان لفظهما لفظ الناقص، ومعناهما معنى التامّ، ومن ثَمّ يُعَدّان تامَّين. وذلك أنّ معنى [تمسون]: تدخلون في المساء، ومعنى [تصبحون]: تدخلون في الصباح. ومتى كان معنى الفعل كذلك، لم يرفع اسماً وينصب خبراً، بل يكتفى بالمرفوع وحده، فيرفعه على أنه فاعل.

وعلى ذلك يقال في إعراب هذين الفعلين: إنهما فعلان تامّان، والواو في كل منهما في محل رفع فاعل. ومثل ذلك قوله تعالى: ]وإنْ كان ذو عُسْرة فنَظِرَةٌ إلى ميسَرَة[ (البقرة 2/280) فإنّ فعل [كان] في الآية فعلٌ تامّ يكتفي بمرفوعه، أي يكتفي بفاعله، وهو كلمة [ذو]. لأن معناه: إنْ وجِد ذو عسرة؛ ولو أنّ الفعل هنا كان فعلاً ناقصاً لقيل: [فإن كان المدينُ ذا عسرة فـ.....] !!

· قال الشاعر (شرح ابن عقيل 1/269):

وما كلُّ مَن يُبدي البشاشة كائناً أخاك، إذا لم تُلْفِهِ لكَ مُنْجِدا

[كائناً]: اسم فاعل مشتقّ من الفعل الناقص [كان]، وقد عمل عمله، فاسمُه ضمير مستتر (هو)، وخبره [أخاك]. وذلك أنّ الأفعال الناقصة بصيغها الثلاث: الماضي والمضارع والأمر، وما يُشتَقّ منها، ومصادرها أيضاً، ترفع الاسم وتنصب الخبر. وبتعبير آخر: ليس العمل مقصوراً على الفعل الناقص وحده، بل يعمل هو وصفته (أي: المشتقّ منه) ومصدره. ودونك من هذا أمثلة:

· ]فقلنا لهم كونوا قِرَدَةً خاسئين[ (البقرة 2/65)

[كونوا]: فعل ناقص، في صيغة الأمر. وواو الضمير اسمه، و[قِرَدَةً] خبره. ومثله طِبقاً الآية: ]كونوا حجارةً[ (الإسراء 17/50)، فالواو اسمه، و[حجارةً] خبره.

· قال الحسين بن مُطَيْر:

قضى اللّهُ يا أسماءُ أنْ لستُ زائلاً أحبّكِ حتى يُغمِض الجفنَ مُغمِضُ

[زائلاً]: اسم فاعل مشتقّ من الفعل الناقص [زال - يزال]، وقد تحقّق له شرط العمل، إذ سُبِق بـ [ليس]، وهي تفيد النفي. فاسم [زائلاً]: الضمير المستتر [أنا]، وخبره جملة [أحبّكِ]. ولقد قدّمنا آنفاً، أنّ المشتقّ من الفعل الناقص يعمل عملَه.

(56/5)

· قال الشاعر:

في لُجَّةٍ غَمَرت أباكَ بُحورُها في الجاهليّة - كان - والإسلامِ

[كان]: أتى بها الشاعر زائدةً بين لفظين متلازمين، هما المعطوف والمعطوف عليه.

· وقال الآخر (شرح ابن عقيل 1/291):

جِيادُ بَني أبي بكرٍ تَسامَى على -كان - المسوَّمةِ العرابِ

[كان]: أتت في البيت زائدة بين لفظين متلازمين، هما الجارّ والمجرور.

· وقال غيرُه:

ولبستُ سربالَ الشباب أزورُها ولَنِعْمَ - كان - شبيبة المحتالِ

[كان]: أتى بها الشاعر زائدةً بين لفظين متلازمين، هما نِعْمَ وفاعلها.

· وقال آخر:

في غُرَف الجنّة العُليا التي وَجَبَتْ لهمْ هناك بسعيٍ- كان - مشكورِ

[كان]: جيء بها زائدةً في البيت، بين لفظين متلازمين، هما الصفة والموصوف.

· قال الشاعر:

فإنْ لم تَكُ المرآةُ أبدَتْ وَسامةً فقد أبدَتِ المرآةُ جبهةَ ضيغَمِ

(الضيغم = الأسد). [لم تكُ]: هاهنا نونٌ محذوفة. والأصل قبل الحذف: [لم تكنْ]. وذلك في العربية جائز. والقاعدة أنّ [كان]، يجوز حذف نون مضارعها، إذا كان مجزوماً بالسكون.

· ]لم يكُنِ الذين كفروا... [ (البيّنة 98/1)

ليس في هذه القراءة ما نُدير الحديث حوله، لكنّ للآية قراءة أخرى هي غايتنا. فقد قرئت: [لم يكُ الذين...] بحذف النون. وذلك كما ذكرنا آنفاً، جائز في العربية. فمضارع الفعل الناقص [كان]، يجوز حذف نونه، إذا كان مجزوماً بالسكون.

· قال الشاعر:

ألم أكُ جارَكمْ ويكون بيني وبينكم المودّةُ والإخاءُ

[لم أكُ]: هاهنا فعلٌ مضارعٌ ناقص حُذِفت نونه، وماضيه [كان]. والأصل قبل الحذف: [لم أكنْ]. وذلك جائز في العربية. فمضارع [كان] يجوز حذفُ نونه، إذا كان مجزوماً بالسكون.

· ]ولم أكُ بغيّاً[ (مريم 19/20)

حذْف النون في هذه الآية، مِن آخر الفعل الناقص [أكنْ]، جاء على المنهاج. وليس هاهنا شيء يضاف إلى ما تقدّم من الشرح، في النماذج السابقة. وإنما أوردنا هذه الآية لمزيد من التبيين والتثبيت.

(56/6)

· قال الشاعر (شرح ابن عقيل 1/294):

قد قيل ما قيل إنْ صدقاً وإنْ كذباً فما اعتذارُكَ من قولٍ إذا قيلا

[إنْ صدقاً]: حذَف الشاعرمن الكلام [كان واسمَها]، وأبقى خبرها، والأصل: [إنْ كان المقولُ صدقاً]، وأعاد ذلك طِبقاً في قوله: [وإنْ كذباً]، إذ الأصل: [وإنْ كان المقول كذباً]. ويَكثُر ذلك بعدَ [إنْ] و[لو] الشرطيتين. وترى نموذجاً من هذا الحذف بعد [لو] في قول الشاعر(شرح ابن عقيل 1/295):

لا يَأمَنِ الدهرَ ذو بغيٍ، ولو مَلِكاً جنودُهُ ضاق عنها السهلُ والجبلُ

فقد حذف الشاعر من الكلام [كان واسمها]، وأبقى خبرها فقط. والأصل: [ولو كان ذو البغي ملكاً].

2- نماذج كاد وأخواتها:

· ]لا يكادون يفقهون حديثاً[ (النساء 4/78)

[يكادون]: من أفعال المقاربة، اسمه واو الضمير وخبره مضارع: [يفقهون]، غير مقترن بـ [أن]، ولو لم يكن الكلام قرآناً، واقترن بها لجاز. ومثل ذلك طِبقاً، قولُه تعالى ]فذبحوها وما كادوا يفعلون[ (البقرة 2/71)

· [ما كدتُ أن أصلّي العصر، حتى كادت الشمس أن تغرُب]. (حديث شريف)

[كدت أن] و[كادت أن]: خبر كل منهما مضارع مقترن بـ [أنْ]: [أن أصلي، أن تغرب]. وذلك جائز. ومثل ذلك البيت الآتي:

· قال الشاعر يرثي:

كادتِ النفس أن تفيض عليهِ إذ غدا حشْوَ رَيْطَةٍ وبُرودِ

(الرَّيْطَة: الملاءة إذا كانت قطعة واحدة، ويريد بذلك: الكفن).

[كادت النفس أن تفيض]: خبرُ كاد مقترن بـ [أنْ]، وذلك جائز، كما قدّمنا آنفاً.

· قال الشاعر:

ولو سُئِل الناسُ التُرابَ لأوشكوا - إذ ا قيل: [هاتوا] - أن يمَلّوا ويمنعوا

[أوشكوا أن...]: أوشك من أفعال المقاربة، اسمه واو الضمير، وخبره [أن يَمَلّوا]: مضارع مقترن بـ [أن]. وذلك جائز، كما أنّ عدم اقتران الخبر بها جائز أيضاً.

ومثلُه في اقتران خبر [أوشك] بـ [أن]، قول الشاعر:

إذا المرء لم يَغْشَ الكريهة أوشكت حبال الهُوَيْنى بالفتى أن تَقَطَّعا

(56/7)

[أوشكت]: اسمها: [حبال]، والخبر: [أنْ تقطّع]، مضارع مقترن بـ [أنْ].

· قال أميّة بن أبي الصلت:

يوشك مَن فرَّ مِن منيَّتِهِ في بعض غِرّاتهِ يُوافقُها

[يوشك مَن فرّ يوافق]: اسم يوشك هو [مَن]، وخبره [يوافق]: مضارع غير مقترن بـ [أن]. وجائزٌ اقتران المضارع بها - كما رأيت فيما تقدّم - وجائز أيضاً عدم اقترانه بها، كما ترى في هذا البيت الذي نحن بصدده.

· ]عسى ربُّكم أنْ يرحمكم[ (الإسراء 17/8)

[عسى... أن]: عسى مِن أفعال المقاربة، اسمُه: [ربّكم]، وخبره [أنْ يرحمكم]: مضارع مقترن بـ [أن]. ومثل ذلك طِبقاً، الآية: ]فعسى الله أن يأتي بالفتح[ (المائدة 5/52) [اللهُ]: لفظ الجلالة، اسم عسى، وخبره [أن يأتي]: مضارع مقترن بـ [أن]. ولكنْ جائزٌ عدم اقترانه بها أيضاً، ومنه قول هُدبة بن خشرم:

عسى الكَرْبُ الذي أمسيتَ فيهِ يكون وراءَه فَرَجٌ قريبُ

[الكربُ]: اسم عسى، وخبره [يكون]: مضارعٌ غير مقترن بـ [أنْ]. ومثل ذلك طِبقاً قول الشاعر:

عسى اللهُ يُغني عن بلاد ابن قادرٍ بمنهمِرٍ جَوْنِ الرَّبابِ سكوبِ

(أراد بالمنهمر: المطر الغزير، والجون: الأسود، والرباب: السحاب).

[الله] لفظ الجلالة، اسم عسى، وخبره [يغني]: مضارع غير مقترن بـ [أن]. ومثله قول البرج بن خنْزير التميمي:

وماذا عسى الحجّاجُ يبلغُ جهدُهُ إذا نحن جاوزنا حَفيرَ زِيادِ

(حفير زِياد: موضع على خمس ليالٍ من البصرة).

[الحجّاج] اسم عسى، وخبره [يبلغ]: مضارع غير مقترن بـ [أن]. ويتبيّن مما تقدّم من الشواهد، جوازُ اقتران المضارع بعد [عسى] بـ [أن]، وعدم اقترانه بها.

· ]وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم وعسى أن تحبّوا شيئاً وهو شرٌّ لكم[ (البقرة 2/216)

[عسى]: تكررت في الآية مرتين، وهي فيهما جميعاً فعل تامٌّ، فاعلُه المصدر المؤوّل: ففي الأولى [أن تكرهوا]، وفي الثانية [أن تحبوا].

(56/8)

وبيان ذلك، أنّ [عسى] إذا لم يكن بعدها اسم لها ظاهرٌ أو مضمر، عُدَّت تامّةً، وكان المصدر المؤوّل من [أنْ والمضارع] فاعلاً لها.

ومثلُ هذه الآية طِبقاً قوله تعالى: ]لا يسخرْ قومٌ من قومٍ عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكنّ خيراً منهنّ[ (الحجرات 49/11)

فـ [عسى] هاهنا في الموضعين من الآية تامّة، فاعلها المصدر المؤوّل: [أن يكونوا] في الموضع الأول، والمصدر المؤول [أن يكنَّ] في الموضع الثاني. وذلك أنّ [عسى] ليس بعدها في الموضعين، اسم لها ظاهر أو مضمر، ولذلك عُدَّت تامّة في الموضعين كليهما.

* * *

1- وتسمّى أيضاً [الأفعال الناقصة]، وإنما سمّيت ناقصة لأنها لا تكتفي بمرفوعها. أي: لا تتمّ الفائدة بها وبالمرفوع بعدها، بل تحتاج مع المرفوع إلى منصوب.

2- تذكير هذه الأفعال أو تأنيثها، لا يُخِلّ بصحة الاستعمال، فلكلٍّ وجهٌ في العربية ومسوِّغ.

3- مثال ذلك [لا]، في نحو قولنا: [لا تبرحْ مجتهداً]. فإنها هنا [لا] الناهية، لكنها في أحوال أخرى تصلح للنفي، نحو: [خالد لا يزورنا]. فهذا هو المراد من قولنا في المتن: [وشرطها أن تسبقها أداة يصلح استعمالها للنفي]. هذا، وقد تحذف أداة النفي جوازاً بعد القسم، ومنه قول امرئ القيس:

فقلتُ يمينُ الله أبرح قاعداً ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي

والأصل قبل الحذف: [لا أبرح].

4- الفعلان [نصبح ونمسى] في المثال، تامّان. إذ المعنى: [حين ندخل في الصباح، وحين ندخل في المساء].

5- فعلُ [عاد] في المثال، ناقص، إذ معناه هنا: [صار].

6- التقدير في المثال الأول: [إنْ كان حاضراً، وإن كان غائباً]. وفي الثاني: [ولو كان الذي تلتمسه خاتماً من حديد].

7- يسمونها جميعها: [أفعال المقاربة] تجوّزاً، وإن كان بعضها للمقاربة، وبعضها للشروع، وبعضها للرجاء.

(56/9)

8- في كتب الصناعة أربعة أفعال أخرى لا تُستعمَل في عصرنا، وهي: [كَرَبَ، حرى، اِخلَولَق، علق]، فأعرضنا عن ذكرها في المتن، واكتفينا بذكرها هنا.

(56/10)

اللازم والمتعدّي

الفعل صنفان: [لازم] لا ينصب مفعولاً به، و[مُتَعَدٍّ] ينصبه.

1- اللازم: نحو: [نام - ذهب - شبع...]، ويمكن نقله إلى متعدٍّ، بإحدى طريقتين:

الأولى: زيادة همزة في أوله، نحو: [أَذْهَبَ الاستجمامُ التعبَ](1).

والثانية: تضعيف حرفه الثاني، نحو: [عظَّمَ اللهُ العلمَ](2).

2- المتعدّي: وهو صنفان:

الأوّل: ما ينصب مفعولاً واحداً، نحو: [قرأ خالدٌ كتاباً].

والثاني: ما ينصب مفعولين، ومن ذلك - على سبيل المثال -: [أَعطى - أَلبس...]. يقال: [أعطى خالدٌ زهيراً كتاباً، وألبس سعيدٌ محمداً ثوباً].

ومما ينصب مفعولين، ما يسميه النحاةُ: [أفعال القلوب](3)، وتمتاز بأنّ أصل مفعوليها، مبتدأ وخبر، ومنها [ظَنَّ وعَلِمَ وحَسِبَ...]. يقال: [ظننت خالداً مسافراً، وعلمت زهيراً محبّاً للخير، وحسبت سعيداً غائباً](4).

وقد تأتي [أنّ] وصِلَتُها (أي: اسمها وخبرها)، بعد الفعل القلبي فتؤوَّل بمصدر يسدّ مسدّ المفعولَين، نحو: [ظننت أنّ خالداً مسافرٌ = ظننت سفرَه].

تنبيه: قد يتضمّن [القَولُ] معنى [الظنّ]، فيعمل عمله - فينصب المبتدأَ والخبرَ مفعولَين - جوازاً نحو: [متى تقول زيداً راجعاً من سفره؟] = [متى تقول زيدٌ راجعٌ من سفره].

* * *

يتّصل بأفعال القلوب مسألتان هما: الإلغاء والتعليق. ودونك بيانهما:

¨ الإلغاء: هو أن يتوسّط الفعلُ القلبيُّ مفعولَيه أو يتلوهما، فيجوز عند ذلك رفعُهما؛ ولكن يظلّ نصبهما جائزاً أيضاً.

فالرفع نحو: [خالدٌ - ظننت - مسافرٌ، وخالدٌ مسافرٌ، ظننت].

والنصب نحو: [خالداً - ظننت - مسافراً، وخالداً مسافراً، ظننت].

¨ التعليق: هو أن يلي الفعلَ القلبيَّ مانع يمنعه من نصب مفعوليه، فتكون الجملة في محل نصب تسدّ مسدّهما. وذلك إذا تلاه:

استفهام: [علمت أين الكتابُ]،

أو لام ابتداء: [تيقّنتُ لَلصدقُ فضيلة]،

أو لام قسم: [علمت ليسافرنّ خالد]،

(57/1)

أو إحدى الأدوات النافية: [ما، لا، إنْ] نحو: [حسبت ما خالدٌ مسافرٌ]، [علمت لا كاذبَ ممدوحٌ]، [ظننت إن زينبُ مسافرةٌ].

فائدة: قد ينصب الفعلُ القلبي مفعولَه الأول، وتسدّ الجملة مسدَّ الثاني: [علمتُ خالداً (مَن هو)].

ملاحظة: زعموا أنّ في اللغة أفعالاً تنصب ثلاثة مفاعيل، هي: [أرى - أعلم - أنبأ - نبّأ - أخبر - خبّر - حدّث]، وأنه يقال مثلاً: [أعلم سعيدٌ خالداً الأمرَ صحيحاً] و[خبّر زهيرٌ عليّاً الحديث تامّاً](5).

* * *

نماذج فصيحة من اللزوم والتعدّي

· ]لقد علمتَ ما هؤلاء ينطقون[ (الأنبياء 21/65)

[عَلِم]: فعلٌ قلبيّ ينصب مفعولين - في الأصل - ولم ينصبهما هاهنا، لأنه عُلِّق عن العمل، وذلك أنّ [ما] - حرف نفي له الصدارة - وقد تلا الفعلَ القلبي، فامتنع أن ينصب مفعوليه مباشرة، ومن ثم كانت جملة: [ما هؤلاء ينطقون](6)، في محلّ نصب، سدّت مسدَّ مفعولَين.

· ]إنّهم يرونه بعيداً[ (المعارج 70/6)

[يرونه]: (أي: العذاب)، فهاهنا - إذاً - في الأصل مبتدأ وخبر، هما: [العذاب بعيدٌ]. وقد نصبهما الفعل القلبي: [يرى]، على أنهما مفعولان له، فهاء الضمير مفعوله الأوّل، و[بعيداً] مفعوله الثاني.

· ]الذين يظنون أَنهم ملاقو ربّهم[ (البقرة 2/46)

[يظنّ]: فعلٌ قلبيٌّ ينصب مفعولين في الأصل، ولم ينصبهما هاهنا، لدخوله على [أنّ] المشبهة بالفعل وصلتها، (أي: اسمها وخبرها) فإنها هي وصلتها، سدّتا مسدّ مفعولَي: [يظنّ].

· ]أَذْهبتم طيِّباتِكم في حياتكم الدنيا[ (الأحقاف 46/20)

[ذَهَبَ]: فعلٌ لازم لا ينصب مفعولاً به. غير أنّ اللازم يُنقَل من اللزوم إلى التعدّي بإحدى طريقتين: الأولى: أنْ تُزاد همزة في أوله، كما جاء في الآية، إذ نُصِبت كلمة: [طيّبات]، على أنها مفعول به لفعل: [أذهب].

(57/2)

وفي القرآن آيات أخرى مطابِقات، منها: ]إنما يريد الله لِيُذْهِبَ عنكم الرجسَ أهلَ البيت[ (الأحزاب 33/33). فقد نُقِل فعلُ [ذهب] من اللزوم إلى التعدّي، بأن زيدت همزة في أوله: [أذهب - يُذهب]، فانتَصَبت كلمةُ [الرجس] على أنها مفعول به لـ [يُذْهِب].

وأما الطريقة الثانية، التي يُنقَل بها الفعل من اللزوم إلى التعدي، فهي أن يُضَعَّف حرفه الثاني. وذلك نحو قوله تعالى ]هو الذي يسيّركم في ظلمات البرّ والبحر[(يونس 10/22)، ففِعْل [يَسِيْر] لازم في الأصل لا ينصب مفعولاً به، ولكن ضُعِّف حرفه الثاني فقيل: [يُسَيِّر] فأصبح متعدّياً، فنَصَب الضميرَ: [كم]، على أنه مفعول به له.

· ]إنّا أعطيناك الكوثر[ (الكوثر 108/1)

[أعطى]: فعل ينصب مفعولَين، ليس أصلهما مبتدأ وخبراً. كاف الضمير هنا مفعوله الأول، و[الكوثر] مفعوله الثاني. ومثلُه فِعْلُ: [عَلَّمَ] في الآية: ]وما علَّمناه الشعرَ وما ينبغي له[ (يس 36/69). فالهاء مفعوله الأول، و[الشعرَ] مفعوله الثاني.

· قال الشاعر:

ظننتكَ-إنْ شبّتْ لظى الحرب-صالياً فَعَرَّدْتَ فِيمَنْ كان عنها مُعَرِّدَا

(عرَّدَ: انحرف وهرب). [ظنّ]: مِن أفعال القلوب، ينصب مفعولين أصلهما مبتدأ وخبر. فكاف الضمير هي المفعول الأول، و[صالياً] هو المفعول الثاني.

· ]ولقد علِموا لَمَن اشتراه ما له في الآخرة مِن خلاق[ (البقرة 2/102)

[علِم]: فعلٌ قلبيّ، ينصب مفعولين. غير أنه جاء في الآية معلَّقاً عن العمل، فلم ينصبهما، وذلك أنّ لام الابتداء تلته، وهي من الأدوات التي لها الصدارة، فكانت الجملة بعده في محلّ نصب، سدّت مسدّ مفعولين(7).

· ]وإنْ أدري أقريب أم بعيد ما توعدون[ (الأنبياء 21/109)

(57/3)

[درى]: فعلٌ قلبيٌّ، ينصب مفعولين أصلهما مبتدأ وخبر. غير أنه جاء في الآية معلَّقاً عن العمل، فلم ينصبهما، وذلك أنّ الهمزة مِن: [أقريبٌ] تلته، وهي حرف استفهام، والاستفهام له الصدارة، فكانت الجملة بعده في محلّ نصب، سدّت مسدّ مفعولين(8).

· ]لنعلم أيُّ الحزبين أحصى لما لبثوا أمداً[ (الكهف 18/12)

[علم]: فعل قلبيّ، ينصب مفعولين أصلهما مبتدأ وخبر. غير أنه جاء في الآية معلَّقاً عن العمل، فلم ينصبهما. وذلك أنّ: [أيّ] تلته، وهي اسم استفهام، والاستفهام له الصدارة، فكانت الجملة في محلّ نصب، سدّت مسدّ مفعولين(9).

· قال الشاعر:

ولقد علمتُ لَتَأْتِيَنَّ منيَّتي إنّ المنايا لا تطيش سِهامُها

[علم]: فعلٌ قلبي ينصب مفعولين، ولكنْ عُلِّق هاهنا عن العمل فلم ينصبهما، وذلك أنّ اللام المُشْعِرَة بالقسم تلته، وهي أداة لها الصدارة، فكانت الجملة في محلّ نصب، سدّت مسدّ مفعولين.

· وقال الشاعر:

رأيتُ اللهَ أكبرَ كلِّ شيءٍ محاولةً، وأكثرَهم جُنودا

(محاولةً: قوّةً). [اللهُ أكبرُ]: هما - في الأصل - مبتدأ وخبر. ولكن دخل عليهما فعلُ [رأى]: وهو فعلٌ قلبيّ، ينصب مفعولين أصلهما مبتدأ وخبر، فنُصِبا - على المنهاج - مفعولين له، فقيل: [رأيت اللهَ أكبرَ].

· ]ولَتَعْلَمُنَّ أيُّنا أشدُّ عذاباً[ (طه 20/71)

[أيُّنا أشدُّ]: مبتدأ وخبر، دخل عليهما فعلُ: [تعلم]، وكان الأصل أن ينصبهما مفعولين له. ولكنه عُلِّق هاهنا عن العمل، لأنّ المبتدأ: [أيُّ] اسمُ استفهام، والاستفهام - حرفاً كان أو اسماً - له الصدارة، ومتى تلا الفعلَ القلبيّ، علّقه عن العمل، فكانت جملتهما في محلّ نصب سدّت مسدَّ مفعولين.

· قال الشاعر:

أبالأراجيز-يا ابن اللؤم-توعدني وفي الأراجيز-خِلتُ-اللؤمُ والخَوَرُ

(57/4)

[خِلت]: فعل قلبي مِن [خال - يخال]، حقُّه إذا تقدّم، أن ينصب المبتدأَ والخبرَ مفعولين له. وأما إذا توسطهما - كما ترى في البيت - أو تأخر عنهما، فيجوز مع النصب الرفعُ، وقد آثر الشاعر هنا الرفعَ، فقال: [في الأراجيز - خلت - اللؤمُ].

والنحاة يسمّون ذلك: [الإلغاء]. ويريدون بذلك: إلغاءَ نصب الفعل القلبي للمبتدأ والخبر، إذا توسطهما أو تأخّر عنهما. ولو أنّ الشاعر قدّم هذا الفعل لما جاز إلاّ النصب، ولكان واجباً أن يقول: [خلت في الأراجيز اللؤمَ].

· وقال الشاعر:

القومُ في أثري ظننتُ، فإنْ يكن ما قد ظننتُ فقد ظفِرتُ وخابُوا

[القوم في أثري]: مبتدأٌ وخبر، وبعدهما فعل قلبيّ تأخر عنهما هو: [ظننتُ]. ولقد كان حقُّه لو تقدّم عليهما أن ينصبهما مفعولين له فيقول: [ظننتُ القومَ في أثري]. ولكنه تأخر عنهما فجاز مع النصب الرفعُ. وهو ما يسمّيه النحاة: [الإلغاء].

· ]وتظنّون إنْ لبثتم إلاّ قليلاً[ (الإسراء 17/52)

[تظنّون]: فعلٌ قلبيٌّ، ينصب مفعولين. ولكنه جاء في الآية معلَّقاً عن العمل، فلم ينصبهما. وذلك أنّ: [إنْ] هاهنا تلته ومعناها النفي، ولها الصدارة، وإذا كان ذلك امتنع أن ينصبهما، فكانت الجملة بعده في محلّ نصب، سدّت مسدّ مفعولَين.

· ]وسيعلم الذين ظلموا أيَّ منقلَبٍ ينقلبون[ (الشعراء 26/227)

[يعلم]: من أفعال القلوب، حقُّه أن ينصب مفعولين. غير أنه لم ينصبهما هاهنا، إذ جاء بعده ما يعلّقه عن العمل، وهو: [أيّ] الاستفهامية. وذلك أنّ الاستفهام اسماً كان أو حرفاً، له الصدارة، ومتى تلا الفعلَ القلبي، علّقه عن العمل، فكانت الجملة بعده في محل نصب، سدّت مسدّ مفعولين.

وقد يُظَنُّ أنّ [أيَّ] مفعول به لفعل [يعلم]، وليس هذا بصواب، بل هي مفعول مطلق لفعل [ينقلبون]، أي: ينقلبون أيَّ انقلاب.

· قال زهير بن أبي سلمى:

فقلت تَعَلَّمْ أنّ للصيد غِرَّةً وإلاّ تُضيِّعها فإنك قاتلُهْ

(57/5)

[تعلّمْ]: من أفعال القلوب، ينصب مفعولين. لكنه لم ينصبهما هاهنا، لدخوله على [أنّ المشبهة بالفعل وصلتها (أي: اسمها وخبرها)]. فإنها هي وصلتها سدّتا مسد مفعولَي [تعلَّمْ].

· قال عنترة يذكر جوادَه:

لو كان يدري ما المحاورةُ اشتكى ولكان لو علِم الكلامَ مكلِّمي

[درى]: من أفعال القلوب، ينصب مفعولين أصلهما مبتدأ وخبر، لكنه جاء في البيت معلَّقاً عن العمل، لأنّ [ما الاستفهامية] تلته، والاستفهام له الصدارة، ومتى تلا الفعلَ القلبي، علّقه عن العمل، كما ترى في البيت، فكانت جملةُ [ما المحاورةُ]، في محل نصب سدت مسدّ مفعولين. ولكثيّر عزّة، بيت مطابق بيتَ عنترة، هو:

وما كنت أدري قبل عزّة ما البكا ولا موجعات القلب حتى تولّتِ

فقد عُلِّق فعل [أدري] عن العمل - وهو فعل قلبي ينصب مفعولين أصلهما مبتدأ وخبر - وذلك أنّ [ما] الاستفهامية تلته فعلّقته عن العمل، فكانت جملةُ [ما البكا]، في محل نصب سدّت مسدّ مفعولين.

· ]قد نعلم إنّه ليَحْزُنكَ الذي يقولون[ (الأنعام 6/33)

[نعلم]: فعل قلبي ينصب مفعولين، ولكنه عُلِّق عن العمل فلم ينصبهما، لأنّ أداةً من أدوات الصدارة - هي لام الابتداء - تلته، فمُنع من العمل. فالجملة بعده في محل نصب سدت مسد مفعولين(10).

· قال هدبة بن خشرم:

متى تقول القُلُصَ الرَّواسِما يحملْنَ أمَّ قاسمٍ وقاسِما

[تقول]: فعلٌ قد يأتي بمعنى الظنّ، فيعمل عمله. (أي: ينصب مفعولين). وهو ما تراه في البيت، فكلمة [القلص](11) هي المفعول الأول لـ [تقول]، وجملة: [يحملن]، في محل نصب مفعول ثانٍ له.

· ]كذلك يُريهم اللهُ أعمالَهم حسراتٍ عليهم[ (البقرة 2/167)

في الآية ثلاث كلمات منصوبات. الأولى والثانية هما: الضمير [هم] المتصل بالفعل، و[أعمالَ] - وهاتان مفعولان لفعل: [يُري] - وأما الثالثة وهي: [حسراتٍ] فإنها حال من [أعمالهم](12).

* * *

(57/6)

1- ذَهَبَ: فعل لازم، لكن لما زيدت الهمزة في أوله، فقيل [أذهبَ]، انتقل إلى متعدٍّ، فنصب مفعولاً به هو: [التعبَ].

2- عَظُمَ: فعلٌ لازم، لكن لما ضُعِّف ثانيه، فقيل: [عظَّمَ] انتقل إلى متعدٍّ فنصب مفعولاً به هو: [العِلْمَ].

3- سمَّوها [أفعال القلوب]، لجَوَلان معانيها في القلب، وأشهرها: [علم-ظنّ-رأى-حسب-خال-عدَّ-زعم].

4- كانت هذه المفاعيل أصلاً في كلٍّ من الجمل المذكورة، مبتدأً وخبراً، أي: [خالدٌ مسافرٌ - زهيرٌ محبٌّ للخير - سعيدٌ غائبٌ]. لكنْ لما دخلت عليها أفعال القلوب، نصبتها مفاعيل لها.

5- نصْبُ بعض الأفعال ثلاثة مفاعيل مسألةٌ خلافية، يقول بها بعض النحاة، ويأباها بعض. وإننا لَمَعَ أُباتها، إذ لم نر لها - ما عدا بيتاً من الشعر أو بيتين - استعمالاً، لا في حديث ولا مثَل ولا شعر ولا نثر ولا في القرآن. وما ذكرناها في المتن إلاّ دفعاً لسؤالِ سائل عنها، حفِيٍّ بها، يفجعه أن يفتقد بَدرَها، وإن كان لا يستضيء بنوره!!

6- [هؤلاء] مبتدأ، وجملة [ينطقون] خبره.

7- اللام لام الابتداء، [مَن]: اسم موصول، مبتدأ، خبره جملة: [ما له مِن خلاق].

8- الهمزة للاستفهام، [قريب]: خبر مقدّم، و[ما]: اسم موصول مبتدأ مؤخّر.

9- [أيّ]: اسم استفهام، مبتدأ، خبره [أحصى]. وجملتهما في محل نصب، سدّت مسدّ المفعولين. ومن المفيد أن يلاحظ المرء أنّ الاستفهام في هذه الآية بالاسم: [أيّ]، وأنه في الآية السابقة بالهمزة، أي بالحرف: [أ]. ولا فرق في التعليق بالاستفهام بين اسم وحرف، فكلاهما له الصدارة، وكلاهما يعلِّق الفعل القلبي عن العمل.

10- يقول النحاة: إنّ لام الابتداء (163) تدخل في الأصل على المبتدأ للتوكيد، فإذا أُدخلت عليه [إنّ] وهي للتوكيد أيضاً، اجتمع مؤكِّدان، ولذلك تُزَحلق اللام إلى الخبر، كما رأيت في الآية، إذ زُحلقت إلى [يحزنك].

11- القُلُص: النوق، ووصفها بأنها رواسم، أي: مسرعات.

(57/7)

12- فريق من النحاة يعربها مفعولاً ثالثاً، إذ يجعل فعل [يري]، ناصباً ثلاثة مفاعيل. وهو تفريع يضرّ ولا ينفع.

(57/8)

المبني والمُعْرَب

¨ المبني: ما لا تتغيّر حركة آخره، اسماً كان أو فعلاً أو حرفاً. فكل كلمة لزمت حركةً واحدةً لا تتغير - مهما يكن موقعها من العبارة، ومهما تكن العوامل المؤثّرة فيها - فهي مبنية، نحو: [هذا - الذيْ - مَنْ - قدْ - رُبَّ - يسافرْنَ - لَتَذْهَبَنَّ إلخ...].

¨ والمعرَب: ما تتغيّر حركة آخره في الكلام ما بين ضمّة وفتحة وكسرة وسكون، على حسب تأثير العوامل فيه نحو: [سافر خالدٌ - رأيت خالداً - مررت بخالدٍ - يسافرُ خالد - لم يسافرْ خالد إلخ...].

تنبيه: الأسماء والأفعال المختومة بواو قبلها ضمّ، أو ياء قبلها كسر، يستثقل العربي لفظ الضمة والكسرة على آخرها، فيسقطهما استثقالاً. نحو: [يدعُوْ القاضِيْ بالجانِيْ فيقضِيْ عليه بما يستحقّ]. وكان الأصل لولا الاستثقال أن يقال: [يدعُوُ القاضِيُ بالجانِيِ فيقضِيُ عليه بما يستحقّ]!! ولكن العربيّ لا ينطق بذلك.

* * *

(58/1)

المفعول به

هو ما وقع عليه فِعْلُ الفاعل فنَصَبَه. نحو: [أكل خالدٌ رغيفاً]؛ وحقُّه أن يجيء - في الأصل - بعد الفاعل، ولكنْ قد يتقدّم عليه، نحو: [أكل رغيفاً خالدٌ]، بل قد يتقدم أحياناً عليه وعلى فِعله أيضاً، نحو: [رغيفاً أكل خالدٌ].

هذا على أنّ تقديم المفعول به وتأخيره، جائزان في كل الأحوال(1). ولا يستثنى من ذلك إلاّ حالتان يجب تقديمه فيهما:

الأولى: أن يتّصل الفاعلُ بضمير المفعول، فيُقَدَّ م وجوباً على الفاعل، نحو: [سكن الدارَ مالكُها]، و[ركب الفرسَ رائضُها].

الثانية: أنْ يقع بين [أمّا] وجوابها، فيُقدَّم وجوباً على الفعل والفاعل معاً، نحو: [فأمّا الجائعَ فأَطْعِمْ وأمّا الغريبَ فأكْرِمْ].

* * *

نماذج فصيحة من استعمال المفعول به

· قال عنترة (الديوان /143):

ولقد نزلْتِ فلا تظنّي غيرَه منّي بمنْزلة المحبّ المُكْرَمِ

فِعل [الظنّ] ينصب مفعولين، فأمّا الأول في البيت، فهو: [غيرَ]، وأما الثاني فقد حذفه الشاعر. وذلك جائز. وقد نظم ابن مالك في جواز الحذف عموماً، قاعدة كليّة فقال: [وحذف ما يُعلم جائز...]، ولو ذُكر المفعول المحذوف لقال الشاعر: [فلا تظنّي غيرَه واقعاً].

· ]أين شركائي الذين كنتم تزعمون[ (القصص 28/62)

فِعل [زعم] ينصب في الأصل مفعولين، وقد حُذِفا هاهنا جميعاً، ولو ذُكرا لقيل: [تزعمونهم شركائي]، فكان الأول يكون هو الضمير المتصل: [هم]، وكان الثاني يكون: [شركائي]، ولكنهما حُذِفا. وإنما جاز حذفهما للعلم بهما، وقد ذكرنا آنفاً قاعدة جواز الحذف التي نظمها ابن مالك.

· ]وإذِ ابتلى إبراهيمَ ربُّه[ (البقرة 2/124)

[إبراهيمَ]: مفعولٌ به، والفاعل: [ربُّ]. وقد قُدِّم المفعول على الفاعل كما ترى، وتقديمه هنا واجب، لاتّصال الفاعل بضمير المفعول.

(59/1)

والقاعدة العامّة أنّ [كل تقديمٍ أو تأخير للمفعول جائز، ماعدا موضعين اثنين فقط، يجب تقديمه فيهما. الأول: أنْ يتّصل الفاعل بضمير المفعول - كما جاء في هذه الآية - والثاني: أن يقع المفعول بين (أمّا) وجوابها].

· وقال حسّان بن ثابت يرثي مُطْعِمَ بن عديّ (الديوان /398):

ولو أنّ مجداً أَخْلَدَ الدهرَ واحداً مِنَ الناس، أبقى مجدُه الدهرَ مُطْعِما

وفي قوله هذا مخالفة لقاعدة كلية هي: أنّ الفاعل إذا اتصل بضمير المفعول، وجب تقديم المفعول. ولقد تحقق هذا الاتصال في البيت: فـ [مجدُه] فاعل لـ [أبقى]، والهاء المتصلة به هي ضمير المفعول به: [مطعماً]. وهذا يوجب إعمال القاعدة، أي: تقديم المفعول على الفاعل، فيقال: [أبقى مطعماً مجدُه](2). ولكنّ الشاعر لم يُعملها، فكان ذلك شذوذاً، تسمّيه كتب الصناعة: [ضرورة شعرية]. ونورد فيما يلي نظائر لهذا البيت ترسيخاً للقاعدة.

· فنظير ما تقدّم، قولُ أبي الأسود الدؤلي (الديوان /401):

جزى ربُّهُ عني عدِيَّ ابنَ حاتمٍ جزاءَ الكلابِ العاوياتِ وقد فَعَلْ

وفي قوله: [جزى ربُّه عديّاً]، تقدّم الفاعل [ربُّه]، واتّصلت به الهاء، وهي ضمير يعود إلى المفعول: [عديّاً]. وهذا يوجب إعمال القاعدة المذكورة آنفاً، أي: تقديم المفعول على الفاعل، فيقال: [جزى عديّاً ربُّه]. ولكن الشاعر لم يعملها، شذوذاً، وهو ما تسمّيه كتب الصناعة، كما قلنا: [ضرورة شعريّة].

· وقولُ الآخر (شرح ابن عقيل 1/495):

كَسَا حِلْمُهُ ذا الحِلْمِ أثوابَ سؤدُدٍ ورَقَّى نَداهُ ذا النَدى في ذُرَا المجدِ

(59/2)

وفي قوله: [كسا حلمُه ذا الحِلمِ]، تقدّم الفاعل: [حلمُه]، واتصلت به الهاء، وهي ضمير يعود إلى المفعول: [ذا الحلم]، وهذا يوجب تقديم المفعول على الفاعل، فيقال: [كسا ذا الحلم حلمُه]. ولكن الشاعر لم يلزم ذلك شذوذاً. وأعاد ذلك مرة أخرى في عَجُز البيت، وكان واجباً أن يقول للسبب نفسه: [رقّى ذا الندى نداه]، ولكنه لم يلزم ذلك شذوذاً(3).

· وقال سليط بن سعد (شرح ابن عقيل 1/497):

جزى بنوه أبا الغيلانِ عن كِبَرٍ وحُسْنِ فِعْلٍ كما يُجْزى سِنِمّارُ

وما قلناه فيما تقدّم يقال هنا. فلو أن الشاعر حكَّمَ القاعدة - وهي وجوب تقديم المفعول إذا اتّصل الفاعل بضمير المفعول - لقال على المنهاج: [جزى أبا الغيلان بنوه] فقدّم المفعول على الفاعل، ولكنه لم يلزم ذلك شذوذاً.

· ]مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فما له من هادٍ[ (الرعد 13/33)

[مَنْ]: اسم شرط، وهو مفعولٌ به لفعل: [يضلل]. وكتب الصناعة تقول: إنّ تقديمه على الفعل والفاعل واجبٌ هاهنا، لأن أسماء الشرط لها الصدارة. ونقول: نعم، هذا صحيح، ولكنّ طالب العلم في غنى عن حفظه واستظهاره، لأنه تحصيل حاصل. فاسم الشرط له صدر الكلام سواء كان مفعولاً به أو لم يكن. وليس في الدنيا عربي - مهما يبلغ لسانه من العجمة - يقول مثلاً: [يضللْ مَنِ اللهُ] أو [يضللِ الله مَن فما له...] أو [يضللِ الله فما له مَن مِن هاد]، هذا فضلاً على أنّ فعل الشرط: [يضلل] لا يُجزَم إذا لم تتقدَّم عليه أداة الشرط.

مما تقدم يتبيّن: أن من الإثقال غير المسوَّغ، أن تقف كتب الصناعة عند هذه المسألة، وتعتدّها صنفاً من صنوف تقديم المفعول وجوباً على الفعل والفاعل.

· وقل مثل هذا في قوله تعالى: ]فأَيَّ آياتِ الله تُنكِرون[ (غافر 40/81)

فإنّ كلمة: [أيَّ] اسم استفهام، وهو مفعول به لفعل: [تنكرون]. وكتب الصناعة تقول: إنّ تقديمه على الفعل والفاعل، واجبٌ هاهنا، لأنّ أسماء الاستفهام لها الصدارة.

(59/3)

ونقول: إنّ تقديم أسماء الاستفهام لا علاقة له بإعرابها، فإن لها الصدارة في كل حال، سواء كانت منصوبة أو غير منصوبة. هذا تحصيل حاصل، ولو استُغني عن جعله مسألة يؤخذ فيها ويُعطَى، عند البحث في تقديم المفعول وجوباً على الفعل والفاعل، لكان ذلك أجدى.

ولو جَرَّب المرء تغيير مكان [أيّ] في الآية، سواء كانت مفعولاً أو غير مفعول، لاستيقن فوراً أنّ ذلك غير عربي. فمَن ذا الذي يقول: [آيات الله أيّ تنكرون، أو: آيات الله تنكرون أيّ]؟ هذا في العربية لا يقال، فليت كتب الصناعة تعرّد عنه، وتَقْصر همَّها على ما يفيد في تعليم الناس لغةَ قومهم.

· ]فأمّا اليتيمَ فلا تقهر وأمّا السائلَ فلا تنهر[ (الضحى 93/9-10)

[تقهر]: فعلٌ، فاعلُه ضمير مستتر تقديره: [أنت].

[اليتيمَ]: مفعول به، تقدَّم - كما ترى - على الفعل والفاعل، وهو هنا تقديم واجب. وذلك أنّ المفعول يجوز تقديمه وتأخيره في جميع الأحوال ما عدا موضعين فقط، يجب تقديمه فيهما. الأول: أنْ يتصل الفاعل بضمير المفعول، والثاني: أنْ يقع بين [أمّا] وجوابها، كما جاء هنا في الآية، إذ وقع بين [أمّا]، وجوابِها [فلا تقهر]، فحقَّ أنْ يتقدّم وجوباً.

والشيء نفسه يقال في الآية التالية: ]وأمّا السائلَ فلا تنهر[ فإنّ المفعول: [السائلَ] وقع بين [أمّا] وجوابِها [فلا تنهر]، فكان تقديمه على الفعل والفاعل واجباً. فالحالتان في الآيتين متساويتان متطابقتان، وهذا يغني عن الإفاضة في التبيين.

· قال الشاعر (أوضح المسالك 1/363):

تزوَّدْتُ مِن ليلى بتكليم ساعةٍ فما زاد إلاّ ضعفَ ما بي كلامُها

[إلاّ]: أداة حصر، [ضعفَ]: مفعول به مقدَّم، [كلامُها]: فاعل مؤخَّر.

(59/4)

والتقديم والتأخير هاهنا جائزان، على المنهاج. وذلك أنّ تقديم المفعول، إنما يكون واجباً في حالتين فقط، هما أن يتّصل ضمير المفعول بالفاعل، أو أن يقع المفعول بين [أمّا] وجوابها. وليس في البيت أيّ من الحالتين. ودونك شواهد أخرى تؤيّد الجواز:

· قال دعبل الخزاعي (أوضح المسالك 1/362):

ولمّا أبى إلاّ جماحاً فؤادُه ولم يسلُ عن ليلى بمالٍ ولا أهلِ

[إلاّ]: أداة حصر، [جماحاً]: مفعول به مقدَّم، [فؤادُه]: فاعل مؤخّر.

وقد قدّم الشاعر المفعول به: [جماحاً]- وهو اسم محصور - على الفاعل: [فؤادُه]. إذ التقديم والتأخير جائزان. ولا يكون تقديم المفعول واجباً إلاّ في حالتين، لانملّ أنْ نكررهما: أنْ يتّصل ضمير المفعول بالفاعل، وأن يقع المفعول بين [أمّا] وجوابها.

· ودونك أخيراً شاهداً من هذه المسطرة، هو قول الشاعر (أوضح المسالك 1/369):

فلم يدْرِ إلاّ اللّهُ ما هيَّجتْ لنا - عشيَّةُ آناءِ الديارِ - وَشامُها(4)

فالمحصور في البيت، هو لفظ الجلالة: [الله]، والأصل: فلم يدْرِ ما هيَّجت لنا إلاّ اللهُ.

وقد قُدِّم الفاعل: [اللهُ]، على المفعول به وهو الاسم الموصول: [ما]. وجوازُ تقديم المفعول على الفاعل وتأخيرِه عنه، قاعدةٌ لا تتخلّف. وإنما يستثنى منها موضعان اثنان يجب فيهما تقديم المفعول، هما: أنْ يتّصل ضميرُ المفعول بالفاعل، أو أنْ يقع المفعول بين [أمّا] وجوابها.

· ]يومَ لا ينفع الظالمين معذِرتُهم[ (غافر 40/52)

[معذرتُهم]: فاعل مؤخّر، [الظالمين]: مفعول به مقدَّم.

وتقديم المفعول في الآية هاهنا على المنهاج. وذلك أنّ الفاعل: [معذرتُهم]، اتّصل به ضمير المفعول به. ومتى كان ذلك، وجب تقديم المفعول على الفاعل، كما رأيت. وهذه إحدى الحالتين اللتين يجب فيهما تقديم المفعول على الفاعل.

· ]ففريقاً كذَّبتم وفريقاً تقتلون[ (البقرة 2/ 87)

(59/5)

[فريقاً]: مفعول به، مقدَّم في الآية على الفعل والفاعل. وتقديمه عليهما أو على أحدهما جائز في كل موضع. وهذه قاعدة صلبة، لا تنكسر إلاّ في حالتين اثنتين يجب فيهما تقدّم المفعول على الفاعل، هما: أن يتصل ضمير المفعول بالفاعل، أو أنْ يقع المفعول بين [أمّا] وجوابها. وإذ لم يكن في الآية إحداهما، فقد تقدم المفعول في الآية مرتين - في صدرها وفي أثنائها - وذلك جائز. ولو لم يكن الكلام قرآناً، لجاز أن يقال: [فكذبتم فريقاً، وتقتلون فريقاً].

· ]وقذف في قلوبهم الرعبَ فريقاً تقتلون وتأسرون فريقاً[ (الأحزاب33/26)

في الآية شاهدان على جواز تقدّم المفعول وتأخّره. الأول: [فريقاً تقتلون]، وفيه تقدّم المفعول على الفعل والفاعل جميعاً. والثاني: [تأسرون فريقاً]، وفيه تأخر المفعول عن الفعل والفاعل جميعاً. وذلك أنّ تقدّمه على الفعل والفاعل أو على أحدهما، وتأخره عنهما أو عن أحدهما، جائز في كل موضع. ولا يستثنى من ذلك إلاّ حالتان، أكثرنا عن عَمْدٍ تكرارهما لنثبّتهما في الذاكرة.

* * *

1- ما يُزعَم من لبس قد يقع بسبب التقديم والتأخير، فسياق الكلام يزيله. من ذلك - مثلاً - أن يكون عيسى قاضياً، وموسى مجرماً، فإذا قيل: [عاقب موسى عيسى]، فُهِم من السياق أنَّ المعاقَب هو موسى.

2- لا يمنعنا العنوان: [نماذج فصيحة] أن نورد بيتاً فيه ضرورة شعرية، لنبين ما فيه من خروج على القاعدة.

3- في البيت ما فيه من المعاظلة والتراكب، مما يميل بالنفس إلى أنه مفتعل مصنوع.

4- الشام، جمع شامة وهي العلامة.

(59/6)

المفعول لأجله(1)

المفعول لأجله: مصدرٌ منصوب، يبيِّن عِلَّةَ وقوع الحَدَث، نحو: [وقفتُ إجلالاً للمعلِّم]. فالوقوف - وهو الحَدَث - ناشئ عن علّة، هي: الإجلال.

* * *

نماذج فصيحة من استعمال المفعول لأجله

· ]ولا تقتلوا أولادَكمْ خَشيةَ إملاق[ (الإسراء 17/31)

(الإملاق: الفقر). [خشيةَ]: مصدرٌ، تحقّقت له شروطُ نصبه مفعولاً لأجله. وذلك أنه مصدرُ [خشي-يخشى]، وقد بيّن علَّةَ قتل الجاهليين أولادَهم، وهي: خشية الإملاق.

· قال حاتم الطائيّ:

وأَغْفِرُ عَوراءَ الكَرِيمِ ادّخارَهُ وأُعْرِضُ عن شَتْمِ اللئيمِ تَكَرُّمَا

[تَكَرُّما]: مصدر تحققت له شروطُ نصبه مفعولاً لأجله. وذلك أنه مصدرُ [تَكَرَّمَ - يتكرَّم]، وقد بيَّن علَّةَ إعراض الشاعر عن شتم اللئيم، وهي: [التكرّم].

هذا، على أنّ في البيت مفعولاً لأجله آخر، هو: [اِدّخارَه]، فإنه مصدرٌ منصوب لفعْلِ: [اِدَّخَر - يدَّخِر]، وقد بيَّن علَّةَ غُفْرانِ الشاعرِ زَلَّةَ الرجلِ الكريمِ، وهي: ادِّخاره له أي: استبقاء مودّته.

· ]يجعلون أصابعهم في آذانهم مِن الصواعق حَذَرَ الموت[ (البقرة 2/19)

[حَذَرَ]: مصدر، تحقّقت له شروط نصبه مفعولاً لأجله. وذلك أنه مصدرُ [حَذِرَ - يحذَر]، وقد بيّن علَّةَ جعلِهم أصابعَهم في آذانهم، وهي: [الحذر من الموت].

· قال الحارث بن هشام (هو أخو أبي جهل):

فصفحتُ عنهمْ والأحبّةُ فيهمُ طمعاً لهمْ بعِقابِ يومٍ مُفْسِدِ(2)

[طمعاً]: مصدر: تحقّقت له شروط نصبه مفعولاً لأجله. وذلك أنه مصدرُ [طمِع - يطمَع]، وقد بيَّن علَّةَ صفحه عنهم، وهي: [الطمع بعقابهم بعدُ، في معركة يرجو النصر عليهم فيها].

هذا، ولم نرَ حاجةً إلى مزيد من عرض نماذج أخرى وتحليلها. وذلك لسهولة البحث، ولأن المفعول لأجله لا يخرج في كل حال، عن أن يكون مصدراً يبيّن علّة وقوع الحدَث.

* * *

1- يسمونه أيضاً: [المفعول له].

(60/1)

2- قال هذا معتذراً مِن فراره يوم معركة [بدر]، وقد قُتِل فيها أخوه أبو جهل.

(60/2)

المفعول معه

المفعول معه: اسم فضلة(1) منصوب، قبله واوٌ بمعنى [مع] للمصاحبة (لا للعطف والمشاركة) مسبوقة بجملة(2)، نحو: [مشى خالدٌ والجدارَ](3).

¨ حُكمان:

1- إذا كان الفعل مما يقع مِن متعدِّد، نحو: [تصافح وتشاجر وتشارك وتحاور...] امتنع النصب على المعيّة، وصحّ العطف، نحو: [تصافح خالدٌ وسعيدٌ، وتشاجر زهيرٌ وعليٌّ...].

2- إذا احتمل المعنى: المشاركة والمصاحبة، جاز وجهان تبعاً للمعنى المراد: العطف للمشاركة، نحو: [طلع القمرُ والنجمُ]، والنصب على المعيّة للمصاحبة، نحو: [طلع القمرُ والنجمَ](4).

¨ تراكيب مِن تراثنا اللغوي:

جاء عن العرب، بعد [كيف] و[ما] الاستفهاميّتين، صنفان من الاستعمال، تعالجهما كتب الصناعة في بحث المفعول معه وهما:

الأول قولهم: [كيف أنت وخالدٌ] أو [خالداً]، ومثله طِبقاً: [ما أنت وخالدٌ] أو [خالداً]، بالرفع والنصب، إذا كان قبل الواو ضمير منفصل.

والثاني قولهم: [ما لك وخالداً] بالنصب فقط، إذا كان قبل الواو ضمير متصل.

وبتعبير تقعيديّ نقول: بعد [كيف] و[ما] الاستفهاميتين: يجوز الرفع والنصب إذا سبق الواوَ ضمير منفصل، وأما إذا سبقها ضمير متصل، فليس إلا النصب.

* * *

نماذج فصيحة من المفعول معه

· قال الوليد بن عقبة بن أبي معيط، يُحَرّض معاوية على قتال عليٍّ كرّم الله وجهه:

فإنّكَ والكتابَ إلى عليٍّ كدابغةٍ وقد حَلِمَ الأديمُ(5)

[والكتابَ]: ليس [الكتاب] في البيت، مفعولاً معه. وذلك أنّ مِن شروط نصبِ الاسم على المعيّة، أنْ تسبق الواوَ جملةٌ. وهو شرط لم يتحقق في البيت.

بل انتصابه بالعطف على اسم [إنَّ] المنصوب، وهو الكاف. ولهذا نظائر كثيرة جدّاً، منها على سبيل المثال، قولُ كثيّر عزّة:

وإنّي وتَهياميْ بعَزّةَ بعدَ ما تَخَلَّيْتُ ممّا بينَنا وتَخَلّتِ

لكالمرْتجي ظِلّ الغَمامةِ كلَّما تَبَوَّأَ منها للمَقِيلِ اضمحَلَّتِ

(61/1)

فالواو مِن [وتهيامي] حرف عطْف، عطَف الاسم بعدَها، على اسم [إنّ]، وهو الياء. ومِن ثمّ ليست كلمة [تهيامي] منصوبة على المعية، لأنّ مِن شروط المفعول معه، أنْ تسبق الواوَ جملةٌ، وهو شرطٌ لم يتحقّق هاهنا.

· قال الشاعر:

فكونوا أنتمُ وبَنِي أَبِيكمْ مكانَ الكُلْيَتَيْنِ مِنَ الطِّحالِ

[وبني]: الواو بمعنى [مع]، والاسم بعدها منصوب على أنه مفعولٌ معه(6). (وإن كانت الجملة قبل الواو لم تتمّ) والشاعر لم يرفعْه بالعطف على اسم [كان] المرفوع، وهو واو الجماعة، أي لم يقل: [وبنو أبيكمْ]، لأنّ الرفع يُفسِد المعنى المراد. إذ يكون عند ذلك: [كونوا أنتم ولْيكنْ معكم بنو أبيكم أيضاً، في مكان الكليتين...]. وهذا غير مراد. وإنما المراد أمرُه لهم، أن يكونوا في صحبة بني أبيهم،كالكليتين من الطحال. ولذلك نصَب [بني] على المعية. والمسألة في البيت تستحق التأمّل.

· ]يا قومِ إنْ كان كبُرَ عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكّلتُ فَأَجْمِعوا أمرَكُم وشركاءَكُم[ (يونس 10/71)

[وشركاءَكم]: الواو بمعنى [مع]، و[شركاءَكم] اسم منصوب على أنه مفعولٌ معه. أي: أَجْمِعوا أمرَكم بصحبة شركائكم.

والعطف هاهنا غير وارد، لِعلّةٍ لغوية منعت مِن ذلك، نبيّنها فيما يلي:

يقال في العربية: [أجمِعوا أمرَكم] أي: اِعزموا على أمر، ولا يقال: أجمِعوا الشركاءَ، لأنّ فعل [أجمع] لاينصب مفعولاً به من الأشخاص والأعيان، ومَن أراد جمع الشركاء أو غيرهم مِن الأشخاص والأعيان قال مثلاً: [اِجمَعوا الناسَ] لا [أَجمِعوا الناسَ]. فبين [جَمَعَ] و[أَجْمَعَ] فرقٌ، مَن أغفله أفسَد المعنى.

· قال الشاعر يذكرُ إطعامه ناقتَه بعد رحلته عليها: ‍‍

لمَّا حَطَطْتُ الرَّحلَ عنها وارِداْ علَفْتُها تِبْناً وماءً بارداْ

(61/2)

[وماءً]: كلمة [ماء]، لا يصحّ أن تكون معطوفة على [تبناً]، لأنّ الناقة تُعلَف تبناً، ولا تُعلَف تبناً وماءً، إذ الماء لا يكون علفاً. ولا يصحّ أيضاً أن تكون منصوبةً على المعية، لأنّ المعيّة تقتضي المصاحبة في الزمان، والناقة لا تشرب الماء وتأكل التبن في وقت واحد.

ولقد شغل هذا البيتُ أكابرَ الأئمة، منهم على سبيل المثال: ابن هشام وابن عقيل والجرميّ واليزيديّ والمازني والمبرد وأبو عبيدة والأصمعي والفارسي والفراء... فالتَقَوا في تخريجه وافترقوا، ولكنّ معظمهم على أنّ فِعْل [علفتها] متضمّن معنى [قدّمت لها]، فيصحّ المعنى على ذلك إذ يكون: [قدمتُ لها تبناً وماءً](7).

· كتَب معاوية إلى عليّ كرّم الله وجهه، يحمّله تبعةَ قتْل عثمان. فأجابه عليّ: [ما أنتَ وعثمانُ؟ إنما أنت رجلٌ مِن بني أميّة، وبنو عثمان أَوْلى...].

[ما أنت وعثمان؟]: هاهنا تركيب، ليس فيه فعلٌ قبل الواو، بل فيه قبلها [ما] الاستفهامية. والقاعدة في هذه الحالة، أنّ الاسم الذي يأتي بعد الواو، يجوز فيه الرفعُ والنصبُ: [عثمانُ وعثمانَ]. إذا كان قبل الواو ضمير منفصل، كما رأيت في الشاهد. وأمّا إذا كان قبل الواو ضمير متّصل فيتعيَّن النصب وجوباً(8). ودونك مثالاً تطبيقياً على ذلك، هو قول مِسكين الدارميّ:

فما لك والتَلَدُّدَ حوْلَ نجدٍ وقد غَصَّتْ تِهامةُ بالرِّجالِ

[ما لك والتلدّدَ]: [ما] استفهامية، والواو - كما ترى - مسبوقة بضمير متّصل هو الكاف، وفي هذه الحال يتعيّن النصب وجوباً: [التلدّدَ].

هذا، واستعمال الرفع والنصب بعد [ما] الاستفهامية كثير في كلامهم، نورد مِنه النموذجين التاليين، لمزيد استئناس:

فمِن النصب قول الشاعر:

ما أنتَ والسيْرَ في مَتْلَفٍ (يريد بالمتلف: القفْر)

ومن الرفع قوله:

ما أنت - وَيْبَ أبيك - والفخْرُ (ويب = ويح)

* * *

1- ليس معنى (الفضلة) هنا، أنها يصحّ أن تُطرَح من الكلام!! بل المعنى أنها ليست عمدة في الجملة.

(61/3)

2- كان أحدُ زملاء الدراسة يعرِّف!! المفعول معه شِعراً، على سبيل النكتة، فيقول: [فعلٌ فواوٌ فهُوَهْ].

3- ليس بين الجدار وبين خالد مشاركة، إذ الجدارُ لا يمشي. بل بينهما مصاحبة، ولذا يُنصب على أنه مفعول معه.

4- معنى [طلع القمرُ والنجمُ] طلع القمرُ، وطلع النجمُ أيضاً. ومعنى [طلع القمرُ والنجمَ] طلع القمرُ بصحبة النجم.

5- الوليد - هذا - هو أخو عثمان بن عفان لأمّه. وكان ولاّه على الكوفة، فشرب الخمر، فأُقيم عليه الحدُّ، وتولّى ذلك عليٌّ بيده. يقول لمعاوية: إنما حالك مع مراسلة عليّ، كحال مَن يدبغ الجلدَ، وقد وقعت فيه (الحَلَمَة): وهي دودة تأكل الجلدَ، فإذا دُبِغ وَهَى.

6- علامة نصبه الياء لأنه ملحق بجمع المذكر السالم.

7- لقد أهمّتني القضية، فتساءلت وسألت: ما يمنع أن يكون الشاعر رطَّبَ التبن بالماء ثم علف ناقته إيّاهما معاً، كما يُفْعَل في علف الخيل، وهو شيء أعرفه بالتجربة، فتكون كلمة [ماء] منصوبة على المعية؟ ولكنّ جواب رعاة الإبل في البادية السورية والأردنية والسعودية، جاءني بعد شهور حاسماً يقول: إنّ التبن إذا رُطِّب بالماء كانت له رائحة تعافها الإبل، فإذا علفها رعاتُها، لم يخلطوهما!! وقد أذكرني جوابُهم هذا قولَ أبي نُواس:

تصفُ الطلولَ على السماع بها أفذو العيان كأنت في العِلْمِ؟!

وإذا وصفتَ الشيءَ مُتَّبِعاً لم تخلُ مِن زلَلٍ ومِن وَهْمِ!!

فاللهم عَلِّمنا.

8- كل ما نذكره هاهنا، ينطبق انطباقاً تامّاً على [كيف]،كما ينطبق على [ما]. وتمثِّل كتب الصناعة في العادة لـ [كيف] بمثال لا يتغير، هو قولها: [كيف أنت وقصعةٌ - أو قصعةً - من ثريد]؟

(61/4)

المفعول المطلق(1)

المفعول المطلق: مصدر منصوب، يُذكَر بعد فعلٍ - أو شبهه(2) - من لفظه فيؤكّده، نحو: [زحف الجيش زحفاً، فوثقت أنه منتصرٌ انتصاراً...].

ويشتمل البحث في المفعول المطلق على مسألتين هما: أن يُحذَف، أو يُحذَف فعلُه (عامله).

أوّلاً - أنْ يُحذَف:

يُحذَف المصدر (المفعول المطلق) في حالات شتّى. لكنها على اختلافها وتنوعها، يحكمها ضابط واحد. هو أنّ المصدر - وإن حُذِف - يظلّ في الكلام ملحوظاً مُلتَمَحاً، ودونك البيان:

رجع القهقرى = رجع رجوعَ القهقرى

أكل كثيراً = أكل أكلاً كثيراً

ضربه سوطاً = ضربه ضربَ السوطِ

ضربه ذاك الضربَ = ضربه الضربَ ذاك

قعد جلوساً = قعد قُعودَ جلوسٍ

ضربه ثلاثين ضربة = ضربه ضرباتٍ ثلاثين

شبع كلَّ الشِّبَع = شبع شبعاً كلَّ الشبع(3)

ثانياً - أنْ يُحذَفَ فِعْلُه:

إذا حذف الفعل وبقي المصدر، نشأ معنى لم يكن لينشأ لولا الحذف(4). فمن ذلك أنْ تريد:

- إلى الأمر مثلاً، فتحذف الفعل فتقول: [رَمَلاً](5).

- أو إلى النهي، فتحذفه فتقول: [رَمَلاً لا عَدْواً](6).

- أو إلى الدعاء، فتحذفه فتقول: [سقياً لوطني].

- أو إلى التوبيخ، فتحذفه فتقول: [أَلَعِباً، وقد جدّ الناس؟!](7).

- أو إلى تفصيلِ عاقبةٍ، فتحذفه فتقول: [أقْدِمْ: فإمّا النصرَ وإمّا الشهادةَ(8)].

¨ شذور من المفعول المطلق:

في اللغة كلمات كثيرة تُعرَب مفعولاً مطلقاً، دونك شذوراً منها:

- حقّاً: نحو: [خالدٌ صديقي حقّاً].

- قطْعاً: نحو: [هذا مذهبي قطْعاً].

- سمعاً وطاعةً: [أي: أَسمع وأُطيع].

- عجَباً: كلمةٌ، معروفة المعنى والاستعمال.

- لبَّيك: [أي: أُلَبّي].

- شُكراً: كلمةٌ، معروفة المعنى والاستعمال.

- حَنانَيْكَ: [أي: تحنَّنْ].

- دَوالَيْكَ: كلمةٌ، تقال للتعبير عن تنقّل الأمر بين كذا وكذا.

- هنيئاً: كلمةٌ، معروفة المعنى والاستعمال.

- يقيناً: نحو: [عرفته يقيناً]. أي: أُوقِنُها يقيناً.

(62/1)

- بتّةً: وبتّاً والبَتَّةَ وألبتّةَ. (البتّ: القطع)، [لا أفعله بَتَّةً]، أي: قطعاً.

- سبحان الله: أي: تنْزيهاً لله عما لا يليق به.

- معاذَ اللهِ: (عاذ: لجأ واعتصم)، أي: أعوذ بالله.

- تَبّاً له: أي: هلاكاً له.

- (ما وأيّ: الاستفهاميتان): إذا استُفهِم بهما عن المصدر:

نحو: [ما نمت؟] = أيَّ نومٍ نمتَ؟ ونحو: [أيَّ سفرٍ تسافرون؟].

- (ما وأيّ ومهما: الشرطيات):

نحو: [ما تجلسْ أجلسْ = أيَّ جلوسٍ تجلسْ أجلسْ].

ونحو: [أيَّ سيرٍ تسرْ أسرْ].

ونحو: [مهما تقرأْ تستفدْ].

* * *

نماذج فصيحة من استعمال المفعول المطلق

· قال مجنون بني عامر (الديوان /277):

وقد يجمع اللهُ الشَّتيتَين بعدما يَظنّان كلَّ الظنِّ أَنْ لا تلاقِيا

الأصل: يظنان ظنّاً كلَّ الظنّ، ثمّ حذف المصدر وهو: [ظناً]، ونابت كلمة [كلَّ] عنه، وأضيفت إلى المصدر، فكانت نائب مفعول مطلق.

· ]فلا تميلوا كلَّ المَيْل[ (النساء 4/129)

يقال في الآية ما قيل في [يظنان كلّ الظن]، من أنّ الأصل: لا تميلوا مَيلاً كلَّ الميل، ثم حذف المصدر وهو: [مَيلاً]...

· قال الشاعر (همع الهوامع 3/123):

لأَجهدنَّ فإمّا دَرْءَ مَفسدةٍ تُخشَى، وإمّا بلوغَ السُّؤْلِ والأَمَلِ

[درءَ]: في صدر البيت، مفعول مطلق، وكذلك [بلوغَ] في عجز البيت فإنه مفعول مطلق أيضاً. وقد حُذِف فِعلاهما وهما: [أدرأ وأبلغ]، لأنّ الشاعر ابتغى تفصيل عاقبةِ ما أقسم على بذله من الجهد. إذ قال: [فإما درءَ ... وإما بلوغَ...] وكان الأصل قبل الحذف هو: [فإما أدرأ درءَ مفسدة، وإما أبلغ بلوغَ السُّؤل]. والقاعدة: أنّ

الفعل يُحذَف، فينشأ معنى لم يكن لينشأ لولا الحذف، فلو لم يحذف الشاعر الفعلين بل قال: [أدرأ درء مفسدة، وأبلغ بلوغَ السؤل] لكان ما يتحصّل من قوله هو التوكيد، ولمّا كان لا يريد التوكيد بل يريد تفصيل عاقبةِ جهده، حَذف الفعل، فدلّ المصدر بعد حذف فعله على المعنى الذي أراد إليه الشاعر.

(62/2)

هذا، وترى الاستعمال نفسَه في القرآن الكريم، ففي سورة (محمّد 47/4) ]فشُدّوا الوَثاق فإمّا مَنّاً بعدُ وإمّا فداء[ ويقال هاهنا مثل الذي قيل في: [لأجهدنّ فإما... وإمّا...].

فبعد شدّ الوثاق، تُتَوَقَّع عاقبة، وقد أبانتها الآية تفصيلاً، إذ قالت: [فإما... وإما...] وهكذا جاء المصدر مفصِّلاً لمجملٍ قبله، ومبيناً لعاقبته ونتيجته، وما كان ذلك ليتحقق لولا حذف الفعل. فهاهنا مصدران منصوبان [منّاً وفداءً] حُذِف فعلاهما فأدّى حذفهما إلى معنى التفصيل وبيان العاقبة. ولو ذُكِرا فقيل: [فإما أن تمنوا منّاً وإما أن تفادوا فداءً]، لكان الذي يتحصل هو التوكيد.

· قال الشاعر (الجنى الداني /531):

وقد شفَّني ألاّ يزال يروعني خيالُكِ: إمّا طارقاً، أو مغادِيا

أوردنا هذا البيت شاهداً لصحة قول من يقول: [إمّا... أو...]، كما يصحّ قوله: [إمّا... وإمّا...]، فكلا التركيبين وارد وصحيح.

· قال قَطَريّ ابن الفجاءة (أوضح المسالك 2/39):

فصبراً في مجال الموت صبراً فما نَيْلُ الخُلودِ بمستطاعِ

[صبراً]: مصدر منصوب، ناب عن فعله المحذوف، والفعل هنا لا يُحذَف إلاّ لتحقيق معنى، لم يكن لينشأ لولا الحذف. وبيان ذلك، أنْ لو قيل: [اصبر صبراً] لكان المعنى المراد هو التوكيد. لكن لما حُذف الفعل فقال الشاعر: [صبراً]، عُرِف أنه أراد إلى الأمر بالصبر.

· ]واللهُ أنبتكم من الأرض نباتاً[ (نوح71 /17)

يلاحظ في الآية أنّ الفعل هو [أنبت - يُنبت] ومصدره قياساً، هو [إنبات]. ولكن المصدر الذي ورد في الآية هو: [نبات] لا [إنبات]. فدلّ ذلك على أنّ جَذْر المادة، هو ما يُنظر إليه في المفعول المطلق، لا وزن المصدر وقياسيته. وقل مثل ذلك في [سلّم سلاماً وتسليماً] فكلا المصدرين مفعول مطلق، وقل الشيء نفسه في قول القائل: [توضّأ توضُّؤاً ووضوءاً]، فكلا المصدرين هنا أيضاً مفعول مطلق.

(62/3)

ومن هذا قوله تعالى: ]وتبتّل إليه تبتيلاً[ (المزّمل 73/8) فالمفعول المطلق الوارد هنا في الآية هو:[تبتيل]، والتبتيل ليس مصدراً لـ [تبتّل]، بل مصدر تبتّل هو [تبتُّلٌ].

ويتبين من هذا: أنّ الفيصل المحكّم في المفعول المطلق، هو جذر المادة، لا وزنُ المصدر وقياسيته.

· قال العجّاج (الديوان 1/480):

أَطَرَباً وأنتَ قِنَّسْرِيُّ(9)؟!! والدَهْرُ بالإنسانِ دَوّارِيُّ؟!!

[أطرباً]: هاهنا مصدر منصوب (مفعول مطلق)، مسبوق بهمزة استفهام، وأما فعله فمحذوف. والأصل قبل الحذف والإتيان بالهمزة: [تطرب طرباً]، فيكون المصدر للتوكيد.

لكن الشاعر حذف الفعل؛ والفعل إذا حُذف وبقي المصدر، تحقق معنى لم يكن لينشأ لولا الحذف.

وقدّم على المصدر همزة استفهام يؤتى بها هاهنا إذا أريد التوبيخ، فدلّ ذلك على ما ابتغاه الشاعر وقصد إليه من إرادة التوبيخ.

· ولهذا الاستعمال نظير مماثلٌ من قول جرير، يهجو خالد بن يزيد الكندي (الديوان /650):

أَلُؤْماً لا أَبَاْ لَكَ واغترابا؟!!

فهاهنا مصدر منصوب (مفعول مطلق)، حُذف فعله، والأصل قبل الحذف: [تلؤم لؤماً]. وأتى بهمزة للاستفهام التوبيخي سبقت المصدر: [ألؤْماً]، فدلّ ذلك على أنّه إنما قصد إلى التوبيخ.

· ]وكلَّم اللهُ موسى تكليماً[ (النساء 4/164)

[تكليماً]: مصدر منصوب (مفعول مطلق)، جاء بعد فعلٍ من لفظه - على المنهاج - فأفاد التوكيد.

· ]فإنّ جهنم جزاؤكم جزاءً موفوراً[ (الإسراء 17/36)

[جزاءً]: مصدر منصوب (مفعول مطلق)، عامله الناصب له، مصدر أيضاً هو: [جزاؤكم]. وقد كنا ذكرنا في تعريف المفعول المطلق: أنه مصدر منصوب، يُذكَر بعد فعلٍ - أو شبهه - من لفظه. وشبه الفعل هنا هو: المصدر والمشتقات، مما يعمل عمله. واستكمالاً للمسألة، نورد قوله تعالى:

· ]والذاريات ذرواً[ (الذاريات 51/1)

(62/4)

فإنّ [ذرواً] في الآية، مصدر منصوب (مفعول مطلق)، عامله الناصب له، هو [الذاريات]. وهو اسم فاعل، ومن المعلوم أنّ اسم الفاعل يشبه الفعل، إذ يعمل عمله.

· ]فمَن يكفرْ بعدُ منكم فإني أعذّبه عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين[

(المائدة 5/115)

فعلُ [أعذّبه]، تكرر في الآية مرّتين، ومع كلّ فعل منهما ضمير متصل هو الهاء. فأما مع الفعل الأول فالضمير يعود إلى الذي يكفر، أي: [أعذب الذي يكفر]، فهو إذاً مفعول به. وأمّا مع الفعل الثاني فالضمير يعود إلى [عذاباً]، أي: [لا أعذب العذابَ]. وبتعبير آخر: [لا أُنزِل هذا العذابَ المذكورَ بأحد من العالمين]، فيكون الضمير مفعولاً مطلقاً، لا مفعولاً به كما يتبادر إلى الذهن أول وهلة.

· ]فاجلدوهم ثمانينَ جلدة[ (النور 24/4)

[ثمانين]: نائب مفعول مطلق منصوب. وقد حذف المصدر وأنيب عنه عدده، وظلّ المصدر المحذوف ملحوظاً ملتمحاً، على أنّ الأصل قبل الحذف: [فاجلدوهم جلداتٍ ثمانين].

* * *

1- كتب الصناعة تسمّي المفعول المطلق: (المصدر). ولقد جرى الاصطلاح على تسميته: [المفعول المطلق] لأنه مفعول لا يقيَّد بأداة، على حين تقيد المفاعيل الأخرى بذلك، فيقال: [المفعول به (81)، والمفعول معه (84)، والمفعول لأجله (82)، والمفعول فيه (50)].

2- شبه الفعل - كما ذكرنا من قبلُ مرّات - ما يعمل عمله، من اسم فاعل (11) واسم مفعول (15)...

3- كلّ ونصف وربع وبعض... جميعها في الحُكْم والاستعمال سواءٌ. تقول: [شبعتُ كلَّ الشبع ونصفَ الشبع ورُبعَ الشبع وبعضَ الشبع وهكذا...]، والنحاة إذا ذكروا: [كلّ] جمعوا إليها [بعض] و[أيّ] الكمالية، نحو: [اجتهدت بعض الاجتهاد] أو [أيَّ اجتهاد !!].

4- يصحب الفعلَ مصدرُه في الأصل للتوكيد نحو: [شربتُ شُرباً]. فإذا حُذف الفعل زال معنى التوكيد-بالضرورة- إذ المحذوف لا يؤكَّد. فينشأ من جرّاء ذلك معانٍ أخرى، مِن أمرٍ أو نهي أو توبيخ أو تفصيلِ عاقبة.

(62/5)

5- الرمَل: الهرولة، ومن المألوف أن يقول الضابط لجنوده في أثناء التدريب: [رَمَلاً]، فيفهموا - وقد حذف الفعل - أنه يأمرهم بالهرولة. ولو قال لهم: [ارملوا رملاً] لكان معنى الأمر ناشئاً من صيغة: [ارملوا] وكان المصدر [رملاً] لتوكيد الأمر. فإذا حذف الفعل وقال لهم: [رملاً]، أدّى المصدرُ معنى الأمر واستقلّ به. فهذا هو السر في حذف الفعل.

6- لا يأتي النهي هنا وحده مستقلاًّ، بل يأتي بعد الأمر، مصاحِباً له.

7- يلاحَظ أنّ المصدر - في حالة التوبيخ - يُسبَق بأداة استفهام.

8- بيان ذلك أنّ الإقدام في المعارك، له نتيجة وعاقبة، هما النصر أو الشهادة، وقد بيّنهما المثال [فإمّا... وإمّا...].

9- القِنَّسْريّ: الكبير المسنّ، الذي أتى عليه الدهر. والبيت للعجّاج والد رؤبة.

(62/6)

المعلوم والمجهول

¨ قد يكون مَنْ فَعَلَ الفعل معلوماً (مذكوراً في الكلام) مثل: [كَسَرَ خالدٌ الزجاجَ] فيسمّى الفعل: مبنياً للمعلوم.

وقد يكون مَنْ فَعَلَه مجهولاً (غير مذكور في الكلام) مثل: [كُسِرَ الزجاجُ]، فيسمى الفعل: مبنياً للمجهول.

¨ تتغير صورة الفعل المعلوم حين يُبنى للمجهول؛ كما يلي:

1- بناء الفعل الماضي، للمجهول:

يُبنَى الفعل الماضي للمجهول، بكسر ما قبل آخره، وضَمِّ كلِّ متحركٍ قبلَه نحو: [فتح - فُتِح، أطعم - أُطْعِم، تعلّم - تُعُلِّم، استغفر - اُسْتُغْفِر].

فإن كان قبل آخره حرف مدّ، قلب ياء قولاً واحداً، نحو: [أقام - أُقيم، أمال - أُميل، استعار - اُستعير]، إلا أن يكون الفعل الماضي ثلاثياً أو خماسياً، فيكسر كلُّ متحرّكٍ قبل هذه الياء، نحو:

[قال - قِيل، باع - بِيع، سام - سِيم، اعتاد - اِعتيد، اجتاح - اِجتيح، اقتاد - اِقتيد].

2- بناء الفعل المضارع، للمجهول:

يُبنَى الفعل المضارع للمجهول، بضَمِّ أوّله، وفتح ما قبل آخره، نحو: [يَكسِر - يُكسَر، يُكرِم - يُكرَم، يُدحرِج - يُدحرَج، يَستَمِع - يُستَمَع، يتقبّل - يُتَقَبَّل، يَستخرِج - يُستَخْرَج].

فإن كان قبل آخره حرف مدّ، قلب هذا الحرف ألفاً قولاً واحداً، نحو: [يقول - يُقَال، يبيع - يُبَاع، يميل - يُمَال، يستغيث - يُستَغَاث، يستميل - يُستَمَال، بستطيع - يُستَطاع].

* * *

(63/1)

الممنوع من الصرف

الممنوع من الصرف: اسمٌ لا يُنَوَّن نحو: [سافر إبراهيمُ]. وإذا جُرَّ جُرَّ بالفتحة نحو: [مررتُ بمدارسَ جديدةٍ]. غير أنه يُصرَف فيُجَرّ بالكسرة، إنْ عُرِّف بـ[ألـ]، أو تلاه مضاف إليه نحو: [مررت بالمدارسِ] و[مررت بمدارسِ البلدِ].

بعد هذه القاعدة الكلية، دونك الممنوعات من الصرف، وهي:

1- كل علَمٍ مؤنّث حروفه أكثر من ثلاثة (1)، نحو: خديجة وزينب...

فإذا كان ثلاثة أحرف ساكن الوسط عربياً، جاز صرفه ومنعه الصرف، نحو: [سافرت هنْدُ + هندٌ] و[رأيت هندَ + هنداً] و[مررت بهنْدَ + بهندٍ].

تنبيه ذو خطر: إنّ قصْد المتكلم هو الحَكَم - في صرف العَلَم ومنعه الصرف - كلما كان محتمِلاً للتذكير والتأنيث.

[نجاح وصباح] مثلاً، مما يسمى بهما المذكر والمؤنث، ولذلك تصرفهما إن أردت مذكراً فتقول: [جاء نجاحٌ وصباحٌ مسرعَيْن]، وتمنعهما الصرف إن أردت مؤنثاً فتقول: [جاءت نجاحُ وصباحُ مسرعَتَيْن].

وأسماء القبائل، نحو: [تميم وهُذَيْل...] تصرفها إن أردت جَدَّ القبيلة، فتقول مثلاً: [جاء بنو تميمٍ وبنو هذيلٍ]، وتمنعها الصرف إن أردت القبيلة، فتقول: [أقبلتْ تميمُ وهذيلُ].

وكذلك أسماء المواضع والبلدان: نحو [عكاظ]، تصرفها باعتبارها مكاناً فتقول: [مررت بعكاظٍ]، وتمنعها الصرف، باعتبارها بلدةً أو أرضاً، فتقول: [مررت بعكاظَ].

2- كل علَمٍ أعجميّ، حروفه أكثر من ثلاثة، نحو: إبراهيم ويوسف وأنطون...

3- كل علَمٍ مزيدٍ في آخره ألفٌ ونون، نحو: [عدنان] فإنّه من عَدَنَ بالمكان، (إذا أقام به). و[مروان] فإنه من [المرْو] (ضرْبٌ من الحجارة)(2).

4- كل علَمٍ مركب من كلمتين جُعِلَتا كلمةً واحدة، نحو: [بعلبك = بعل، بك]، و[حضرَمَوت = حضر، موت].

5- كل علَمٍ وزنُه مقصورٌ على وزنِ الفعل نحو: [يزيد]، أو مشتَرَكٌ بين الفعل والاسم وسُمِعَ استعماله ممنوعاً من الصرف، نحو: [أحمد](3) .

(64/1)

6- كلمة: [أُخَرُ] جمعاً لِ [أُخرى] نحو: [سافرت المعلمات ونساءٌ أُخَرُ].

7- /15/علَماً، على وزن: [فُعَل]، ليس في العربية سواها، وأكثرها لا يستعمل اليوم، هي: [عُمَر - مُضَر - قُزَح - جُحَى - زُحَل - زُفَر - بُلَع - هُذَل - هُبَل - ثُعَل - جُشَم - جُمَح - دُلَف - عُصَم - قُثَم].

8- كل اسمٍ(4) مزيدٍ في آخره ألفٌ مقصورة، أو ألفٌ ممدودة:

فالمقصورة، نحو: [تؤلمني ذكرى امرأةٍ حبلى رأتْ جرحى وقتلى](5).

والممدودة، نحو: [زارنا علماءُ عظماءُ، رأوا شعراءَ وأطبّاءَ، معهم أصدقاءُ لهم، يمرّون مِن صحراءَ إلى بيداءَ](6).

9- ماكان من الأسماء وزنُه: [أَفْعَل](7)، سواء كان:

صفةً، نحو: [أحمر وأخضر وأزرق].

أو علَماً، نحو: [أحمد وأسعد وأكرم].

أو اسمَ تفضيل، نحو: [أفضل وأكرم وأحلم].

10- كل اسمٍ وزنُه مفاعل أو مفاعيل(8):

فمن الأول: [مدارس - شواطئ - روائع]. ومن الثاني: [مفاتيح - عصافير - دواوين].

11- وزْن مَفْعَل وفُعال:

وهما وزنان منعتهما العرب من الصرف، واستغنت بهما عن تكرار الأعداد - مِن واحد إلى عشرة - مرّتين، واستعملتهما كما ترى في الأمثلة الآتية:

سافر الناس أُحادَ أو مَوْحَدَ أي: واحداً واحداً.

= = ثُناءَ أو مَثْنَى أي: اثنين اثنين.

= = ثُلاثَ أو مَثْلَثَ أي: ثلاثةً ثلاثةً.

وهكذا... حتى عُشارَ ومَعْشَرَ، أي: عشرةً عشرةً. وقد يكررون فيقولون: مثنى مثنى، وثُلاث ثُلاثَ، إلخ...

* * *

نماذج فصيحة من استعمال الممنوع من الصرف

· قال مجنون ليلى (الديوان /227):

فلو كان واشٍ باليمامة دارُهُ وداري بأعلى حضرموتَ اهتدى ليا

[حضرموتَ]: علَمٌ مركَّبٌ تركيباً مزجيّاً من كلمتين، هما في الأصل: [حضر، موت]، وقد مُنِع من الصرف لذلك، فجُرّ بالفتحة، وهو في البيت مضاف إليه.

· وقال جميل بثينة (الديوان /113):

أبوكَ حُبابٌ سارقُ الضيفِ بردَهُ وجَدِّيَ يا حجّاجُ فارسُ شَمَّرا

(64/2)

[شمّر]: علمٌ، وزنُه [فعَّل]، وهو أحد الأوزان المقصورة على الفِعْل، وقد مُنع من الصرف لذلك، فجُرّ بالفتحة. وهو في البيت مضاف إليه.

· وقال جرير (الديوان /1021):

لم تتلفّع بفضل مئزرها دعدٌ، ولم تُسقَ دعدُ بالعلبِ

[دعْد]: علمٌ عربي مؤنث، ثلاثيّ ساكن الوسط، فيجوز فيه وجهان: صرفُه ومنعُه الصرف. وقد جاء به الشاعر على المنهاج: مرةً مصروفاً: [دعْدٌ]، ومرةً ممنوعاً من الصرف: [دعْدُ].

· ]ونادى نوحٌ ربّه فقال ربِّ إنّ ابني من أهلي[ (هود 11/ 45)

[نوحٌ]: علم أعجميّ منوّن مصروف، وإنما صُرِف وهو أعجميّ، لأنه ثلاثيّ الأحرف. والعلم الأعجميّ إنما يُمنع من الصرف إذا كان زائداً على ثلاثة أحرف.

· قال العباس بن مرداس (الديوان /112):

وما كان حصنٌ ولا حابسٌ يفوقان مِرداسَ في مَجْمَعِ

[مرداسَ]: علمٌ، حقُّه أن يُصرَف فيُقال هنا: [مرداساً]، لأنه في البيت مفعولٌ به. وإنما منعه الشاعرُ من الصرف، فقال: [مرداسَ] خروجاً على القاعدة، لضرورة شعرية كما يقولون. ولو قال: [مرداساً] لانكسر الوزن.

· ]وقال الذي اشتراه من مصرَ لامرأته أكرمي مثواه[ (يوسف 12/21) ومثل ذلك ]وقال ادخلوا مِصرَ إن شاء الله آمنين[ (يوسف 12/99)

[مصرَ]: مُنعت من الصرف في الآيتين، على أنها علمٌ على موضع: مدينةٍ أو بلدةٍ أو محلّةٍ أو منطقةٍ... ولو أريد بها بلدٌ ما، من البلدان، أو مصرٌ ما من الأمصار، أو إقليم ما من الأقاليم، لصُرِفت فقيل: [مِن مِصرٍ] و[ادخلوا مصراً]. ومن هذا أنك تقول: زُرتُ أمصاراً شتى، مصراً بعدَ مصرٍ، فكان أعجب ما شاهدتُ أهرام مصرَ.

· ]إنْ هي إلاّ أسماءٌ سمّيتموها أنتم وآباؤكم ... [ (النجم 53/23)

(64/3)

[أسماءٌ]: اسم مصروف، منوَّن، وذلك أنّ الهمزة في آخره غير زائدة، بل أصلها الواو، أي: [أسماو]. وليس كذلك شأن [كرماء] مثلاً، فإنّ الهمزة فيه زائدةٌ، ولذلك يُمنَع من الصرف فلا ينوّن. وتلخيص المسألة: أنّ ما كانت همزته زائدة نحو: [كرماء وشهداء...] يمنع من الصرف فلا ينوّن. وما كانت همزته غير زائدة، نحو: [أسماء وأعضاء...] والأصل: [أسماو، أعضاو...] يُصرَف فَيُنَوَّن.

· ]ومَن كان مريضاً أو على سفرٍ فعِدّةٌ من أيامٍ أُخَر[ (البقرة 2/185)

[أُخَر]: جمعٌ ممنوع من الصرف مفرده كلمة [أُخرى]. وليس في العربية صفةٌ، وزنها [فُعَل]، ممنوعة من الصرف، غيرها. ولذلك تحفظ وتستعمل كما جاءت. ودونك من ذلك آيةً أخرى:

· ]يوسفُ أيُّها الصدّيقُ أفتِنا في سبع بقرات سمانٍ يأكلهنَّ سبعٌ عجافٌ وسبعِ سنبلاتٍ خُضْرٍ وأُخَرَ يابسات[ (يوسف 12/46)

· قالت فاطمة الزهراء، ترثي أباها رسولَ الله صلى الله عليه وسلّم:

ماذا على مَن شمَّ تُربةَ أحمدٍ ألاّ يَشمَّ مدى الزمان غواليا(9)

[أحمدٍ]: علمٌ، صُرِف فنُوِّن، لضرورة شعرية، وكان حقُّه أن يُمنَع من الصرف لأن وزنه: [أَفْعَل]، وهو وزنٌ مشترَكٌ بين الفعل والاسم سُمِعت منه أعلام ممنوعة من الصرف، نحو: أسعد وأخطب وأيمن.

* * *

1- لا فرق في ذلك بين مؤنث حقيقي، نحو: [زينب وفاطمة]، ومؤنث لفظي، نحو: [طلحة وحمزة ومعاوية]، وبين عربي، نحو: [سعاد وسميّة]، وأعجميّ، نحو: [جولييت وكلود]. فالمؤنث ممنوع من الصرف، ما عدا نحو: هنْد ودعْد... فيجوز أيضاً صرفه، كما ذكرنا في المتن.

2- إن لم يكن علماً، نحو: عطشان وسكران وجوعان،كنتَ بالخيار: إنْ شئتَ صرفت وإن شئت لم تصرف.

(64/4)

3- وزْن الأعلام: [صالحٍ وسامرٍ وغالبٍ...] مشترك بين العلمية، وفعلِ الأمر: [صالحْ - سامرْ - غالبْ]، ومع ذلك لا تُمنَع هذه الأعلام ونحوُها من الصرف، فلا يقال مثلاً: [رأى صالحُ سامرَ في بيت غالبَ] بل يقال: [رأى صالحٌ سامراً في بيت غالبٍ] إذ لم يُسمع علمٌ وزنه: [فاعل]، مستعملاً ممنوعاً من الصرف.

4- نوجه النظر هنا، إلى ما بين العلم والاسم من فرق، فالعلم هو ما تسمّيك أمُّك به، نحو: خالد وسعيد ومحمد... وأما الاسم فهو ما ليس فعلاً ولا حرفاً، نحو: كتاب وقلم وسماء وأرض وطاولة وتلميذ ومعلم وشجرة وصديق...

5- إنما حكمنا بزيادة المقصورة هاهنا، لأن الأصل: ذكر - حبل - جرح - قتل. وأما نحوُ: [فتىً وعصاً] فليس ممنوعاً من الصرف، إذ الألف فيهما ليست زائدة، فالأصل في الأول [فتي] وفي الثاني [عصو]. يدلُّك على ذلك، قولك في تثنيتهما: [فتيان وعصوان].

6- حكمنا بزيادة الممدودة هاهنا، لأن الأصل: علم - عظم - شعر - طبب - صدق - صحر - بيد. ويحسن التنبيه على أن: [سماء ودعاء وبناء ونحوها...] ليست ممنوعةً من الصرف، إذ الهمزة فيها ليست زائدة، ففي [سماء ودعاء] أصلها الواو، أي: [سمو ودعو]. وفي [بِناء ومَشّاء] أصلها الياء، أي: [بني ومشي].

7- يستثنى من ذلك كلمتا [أربع] و[أرمل] فإنهما تُصْرَفان، فيقال مثلاً: مررت بنساءٍ أربعٍ ورجلٍ أرملٍ.

8- هكذا تقول كتب النحو، وأدقّ من ذلك أن يقال: [كل اسمٍ إيقاع وزنِه مفاعل //5/5 أو مفاعيل //5/55] لكي يدخل في التعريف، ما أوّلُه ميم، نحو: [مدارس وملاعب ومناشير ومسامير...]، وغير الميم، نحو: [شواطئ وروائع وعصافير ودواوين...].

9- الغوالي: جمعُ غالية، وهي أخلاطٌ من الطيب.

(64/5)