بسم الله الرحمن الرحيم
"وجعلناكم شعوبا وًقبائل لتعارفوا "
صدق الله العظيم
4
5
بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم
تؤدي الترجمة عامة والترجمة العلمية خاصة الى نقل
علوم ومعارف وثقافات الشعوب المختلفة بعضها الى البعض
الآخر، ولاشك أن الترجمة تكون أوسع بين الدول الأكثر رقيًا
وتقدمًا لما تملكه من قدرات علمية كبيرة ، وتقنيات ووسائل
وأساليب متقدمة في الترجمة ، والأهم من ذلك الرغبة الاكيدة
في مواكبة التطورات العلمية بهدف الإفادة منها في تعزيز
جهودها في التنمية والتقدم ، بعد أن أدركت الأمم والشعوب
المختلفة ان امتلاك المعرفة ، إنما يمثل أحد أهم مفاتيح التقدم
في عصرنا الراهن ، وان من يمتلك المعرفة ، إنما يمتلك في
حقيقة الأمر أحد أهم عناصر القوة .
6
فلاعجب أن نرى الدول المختلفة تسعى بجميع الوسائل الى
امتلاك المعرفة ، والى إحتكارها لمصلحتها في الكثير من
الأحيان .
وتعد الترجمة أحد أهم وسائل امتلاك المعرفة ، إذ انها
تسهم بنقل علوم وتقانات الدول الاكثر تقدما الى الدول الاقل
تقدما في المجالات العلمية المختلفة . وتشير تجارب الأمم
والشعوب أنه لايمكن تحقيق نهضة علمية حقيقية دون الإطلاع
على تجارب وعلوم وتقانات الامم الاخرى لاسيما في بدايات
إرساء مرتكزات نهضتها . ولأن الترجمة العلمية تسهم إسهامًا
فاعلا في نقل العلوم والمعارف ، لذا ينبغي إيلاءها ماتستحقه
من اهتمام وعناية فائقة لتحقيق نهضة بلادنا بأذن الله.
7
يتناول هذا الكتاب موضوع الترجمة العلمية في خمسة
فصول. يسلط الفصل الاول الضوء على واقع وتعريب التعليم
الجامعي في العراق وآفاقه. ويتناول الفصل الثاني واقع
تعريب التعليم الهندسي والتقني وآفاقه.اما الفصل الثالث فإنه
يتناول مواصفات ومتطلبات الكتب العلمية المترجمة . ويتناول
الفصل الرابع مواصفات المترجمين العلميين وسبل إعدادهم .
ويتناول الفصل الخامس الترجمة الآلية بوصفها الوسيلة
الحاسوبية التي قد توفر حلو لا عملية مناسبة للترجمة العلمية
في ضوء التدفق المعرفي الهائل في جميع العلوم.
ومن الله التوفيق
8
المحتويات
تقديم
الفصل الأول : واقع تعريب التعليم الجامعي وآفاقه
الملخص
مقدمة
واقع تعريب التعليم الجامعي
معوقات تعريب التعليم الجامعي
بعض سبل النهوض بالتعريب الجامعي
الخاتمة
المصادر
الفصل الثاني : واقع تعريب العلوم الهندسية
في جامعات العراق وافاقه
تاريخ التعليم الهندسي
واقع التعليم الهندسي
تعريب التعليم الهندسي
مقومات التعريب
مشكلات التعريب
9
الخاتمة
المصادر
الفصل الثالث : مواصفات الكتاب
العلمي المترجم ومتطلباته
مقدمة
واقع حال الترجمة
متطلبات الكتب العلمية المترجمة
مشكلات الترجمة
بعض سبل النهوض بالترجمة
الخاتمة
المصادر
الفصل الرابع: مواصفات المترجم
العلمي وسبل اعداده
الملخص
مقدمة
مواصفات المترجم العلمي
متطلبات الترجمة العلمية
النشر العلمي
10
الخاتمة
المصادر
الفصل الخامس : الترجمة الألية
مقدمة
الترجمة الآلية .. نبذة تأريخية
اللسانيات الحاسوبية
الخاتمة
المصادر
المؤلف في سطور
11
الفصل الاول
واقع وآفاقه تعريب التعليم الجامعي
. ندوة التعريب الجامعي وآفاقه، منشورات المجمع العلمي، 2004
12
13
الملخص
شهدت جامعات العراق ومؤسساته التعليمية في الربع الاخير
من القرن المنصرم نشاطا واسعا في مجالات تعريب التعليم
الجامعي المختلفة، وذلك بفضل القرار الصادر من مجلس التعليم
العالي والبحث العلمي الذي الزم الجامعات والمؤسسات التعليمية
بالتدريس باللغة العربية في جميع المراحل الدراسية ، مما نجم
عنه تأليف وترجمة الكتب على اوسع نطاق، وهو امر لم تألفه
الجامعات من قبل .
وفي الوقت الذي كان يفترض فيه تصاعد هذه النهضة المباركة
في التعريب في ضوء الخبرات الواسعة التي اكتسبها اعضاء الهيئة
التدريسية وشيوع التعريب والتدريس باللغة العربية في الاوساط
الجامعية ، الا ان العكس من ذلك تمامًا قد حصل في السنوات
الاخيرة ، اذ يشهد التعريب الجامعي حاليًا انحسارًا شديدًا وعودة
غير محمودة للتدريس ثانية باللغة الانكليزية في معظم التخصصات
العلمية، بدعاوى ترصين الحالة العلمية والحفاظ على جودة التعليم
ومواكبة مستجدات العلوم والمعارف المختلفة .
تسلط هذه الدراسة الضوء على واقع تعريب التعليم الجامعي
في العراق وتأشير بعض معوقاته واقتراح بعض سبل النهوض به
بأذن الله .
14
مقدمة
لا يخفى على احد اهمية اللغة العربية وآدابها ، ليس لكونها
لغة القرآن الكريم ولغة أهل الجنة فحسب ، بل لأنها أحد أهم
مقومات نهضة امتنا العربية، وأحد أهم مرتكزات وحدتها
العربية حاضرًا ومستقب لا، فبدون النهوض والأرتقاء باللغة
العربية وآدابها، لا يمكن لثقافتنا العربية والإسلامية أن تنهض
وتزدهر، لاسيما إنها تواجه تحديات العولمة والغزو الثقافي
متعدد الأشكال وسيء النيات، إذ إنه يستهدف إلغاء هويتنا
القومية وطمس معالمنا الحضارية وإرثنا الانساني التليد
بدعاوى زائفة من الإنفتاح والتناغم مع روح العصر
والتقدم التكنولوجي .
إن أخطر ما تواجهه أية أمة من الأُمم الإقلال من شان
لغتها القومية وإظهارها بمظهر العجز للأستجابة لمتطلبات
الحضارة المعاصرة واستيعاب مفردات التطور العلمي
والتكنولوجي ، وصو لا الى إنحطاطها وضعفها وتفككها
وجعلها لغة هامشية .
وتزداد الامور سوءًا إذا ما انبهر المتعلمون من أهل
هذه اللغة بلغات الاخرين الى حد غسل عقولهم بأن التقدم قرين
15
اللغات الاجنبية التي يطلقون عليها صفة اللغات الحية ، وكأنهم
بذلك يقصدون ان لغة أوطانهم لغة ميتة ، بينما نرى ان
الصهاينة الغاصبين لأرض فلسطين العربية يبذلون جهودًا
حثيثة لإحياء لغة ميتة تمامًا أكل عليها الدهر وشرب ، جاعلين
منها لغة عصرية في العلوم والتكنولوجيا .
برزت في السنوات الاخيرة ظاهرة عدم إقبال الطلبة لدراسة
اللغة العربية وآدابها في جامعاتنا بعامة وعدم إقبال ذوي
المواهب والقدرات الأدبية بخاصة، الأمر الذي ينذر بخطر
شديد على مستقبل الثقافة العربية ، مما يتطلب أن تتضافر
الجهود الخيرة بدءًا من المرحلة الابتدائية وحتى المرحلة
الجامعية لتنمية حس لغوي سليم وتذوق اللغة العربية وتحبيب
مفرداتها لدى الأطفال الصغار، والعمل على إبراز المواهب
اللغوية وتشجيعها بكل الوسائل الممكنة، وتخصيص الجوائز
للأدباء الشباب وكبار الأدباء والشعراء على السواء .
وان تسعى المدارس والجامعات الى تحديث مناهج
الدراسات اللغوية والأدبية، واعتماد طرائق التدريس الحديثة
المعتمدة بتدريس اللغات في جامعات العالم المتقدمة .
16
ولا بد ان تصاحب ذلك حملة وطنية وإعلامية شاملة
للتوعية بأهمية النهوض باللغة العربية وأدابها ، ذلك ان اللغة
مرآة الأمة التي تعكس حضارتها وثقافتها وإرثها الانساني
وتؤشر مدى تقدمها وإسهامها في الحياة الانسانية ، كما انها
تحافظ على هويتها الوطنية والقومية .
ولا شك ان لكل أمة من الأمم خصائص حضارية وثقافية
خاصة تعتمد على درجة رقيها وعمق ارثها الحضاري ،
فالشعوب البدائية مثلا لا تمتلك سوى ثقافات بدائية محدودة ،
وبالتالي تكون معرضة اكثر من سواها للغزو الثقافي من الأمم
الاكثر تحضرًا، وذلك عبر وسائل وأساليب شتى بدعاوى نقل
الحضارة والتمدن ونشر الثقافة والعلوم ، وقد ينجم عن ذلك ان
تفقد هذه الأمم خصائصها وهويتها الوطنية، وحتى لغتها بحيث
تكون لغة الأجنبي هي لغة التفاهم بين أبنائها، وقد تتغير
معتقداتها حتى الدينية منها أحيانًا .
أما الأمم العريقة ذات الأمجاد الحضارية والإرث الثقافي
التليد ، فأنه في الغالب يصعب اختراقها حضاريا لأمد طويل ،
إذ إنها قد تخترق هنا أو هناك في هذا الوقت أو ذاك ، ولكن
سرعان ما تستعيد مثل هذه الأمم العريقة هويتها عند أول
17
لحظة تتوفر لها الظروف المناسبة فيها، وهكذا كان شأن امتنا
العربية المجيدة عبر العصور والازمان ما ان تكبو لحظة
وتتعرض للغزو من هذا الطرف أو ذلك ، إلأ وتعود أقوى
عزيمة وأشد بأسًا وأكثر إصرارًا على امتلاك كل أسباب التقدم
والإزدهار .
ولكي تزدهر ثقافتنا العربية لا بد ان ترتكز على دعائمها
الاساسية المستندة الى جذورها الاسلامية وموروثها الحضاري
الأصيل من جهة، والأخذ بأسلوب التفكير العلمي السليم على
وفق التطورات العلمية والتقنية الحديثة من جهة اخرى ،
وكذلك التفاعل مع حضارات وثقافات الأمم والشعوب المختلفة،
ومواجهة الثقافات الوافدة الى بلادنا التي يحاول مروجوها
طمس معالمنا الحضارية والثقافية بذرائع شتى .
وباختصار شديد فأننا بحاجة شديدة جدا الى خلق البيئة
الثقافية الأصيلة المتفتحة والمتفاعلة مع ثقافات الشعوب
الأخرى والمستنيرة بالفكر العلمي الخلاق في إطار علاقات
إنسانية متكافئة بحيث تسهم ثقافتنا العربية إسهامًا فاعلا في
الثقافة الإنسانية المعاصرة أخذًا وعطاءًا، وان لا تكون هذه
الثقافة ثقافة هامشية تدور في فلك الثقافات الأخرى .
18
وفي جميع الاحوال لا بد أن تتسم الثقافة العربية بمحتواها
الإنساني وان تعبر عن آمال وطموحات امتنا وتطلعها
المشروع نحو ذرى التقدم ، وان تستجيب لمتطلبات بناء صرح
امتنا الحضاري على وفق رؤيتنا العربية الاسلامية وتعزيز
مكانة بلادنا في المنتديات العلمية والثقافية العالمية وإبراز
دورها المشرق .
لا بد إذن ان تأخذ ثقافتنا العربية بالأساليب العلمية والإفادة
من التطورات التقنية لنشر المعارف الانسانية المختلفة . إذ
انه لم يعد بأمكان اي شعب من الشعوب ان يعيش منغلقًا على
ذاته لا يؤثر أو يتأثر بما يجري حوله في عصرنا الراهن
ولأن قوة تأثير أي شعب إنما تعتمد بالدرجة الأساس على ما
يمتلكه من مقومات حضارية وإنسانية مستندة الى مرتكزات
علمية وتقنية قوية وعلى إدراكه السليم لأهمية دوره في الحياة
الانسانية المعاصرة ، والعكس صحيح ايضًا اي ان أي شعب
من الشعوب سيكون فريسة سهلة في حالة افتقاره الى
المقومات الحضارية والانسانية وتخلفه في امتلاك ناصية
العلوم وحلقات التقانة التي اصبحت تمثل عصب الحياة
المعاصرة ، فبدون امتلاك منظومات علمية وتقنية متطورة لا
يمكن ان يكون لأية أمة شأن يذكر في عالم اليوم شئنا ذلك أم
19
أبينا ، ولا يمكن لأي علم ان يكون نافعًا ما لم نكن قادرين
على توظيفه لمصلحة بلادنا بصورة فاعلة ومؤثرة ، الأمر
الذي يتطلب تحديد اتجاهات العلوم والتقانة الحديثة على وفق
احتياجات بلادنا والتي قد لا تكون بالضرورة متوافقة تمامًا مع
اتجاهاتها في بلدان اخرى في بعض الاحيان .
إن مستقبل الثقافة العربية إنما يعتمد بالدرجة الأساس على
العناية بلغتنا العربية لغة القرآن الكريم، ذلك ان اللغة
العربية هي أهم أداة ووسيلة للتعبير عن ثقافتنا العربية
والإسلامية حاضرًا ومستقب لا، وإنها أحد أهم وسائل التواصل
الحضاري بين أجيال أمتنا عبر عصورها التاريخية المختلفة
من جهة ، وبين ابناء وطننا العربي في أقطارهم المختلفة من
جهة أخرى . ويعود إليها الفضل في حفظ تراثنا
الحضاري والثقافي .
ولا عجب ان تسعى القوى المناهضة لتقدم بلادنا الى
الاساءة الى لغتنا العربية بدعاوى شتى ، تارة بالسعي الى
إبراز وتعزيز اللهجات المحلية في اقطارنا العربية بدعوى انها
اقدر عل التعبير عن مشاعر ووجدان وأحاسيس أبناء تلك
الاقطار ، وتارة بدعاوى إزالة الثنائية بين الفصحى والعامية
20
بدمجها في لغة واحدة بأسم اللغة المحلية السائدة نطقا وكتابة
في كل قطر من اقطارنا العربية واخرى بدعوى عدم إستجابة
الإبجدية العربية لمتطلبات التقانة الحديثة في منظومات
الأتصالات والمعلومات والتقانات المختلفة ، محاولين استبدالها
بحروف لاتينية كما فعلت بلدان اخرى اعتقادًا منها ان ذلك
مظهر من مظاهر التقدم العلمي والحضاري.
ويزعم آخرون ان اللغة العربية هي لغة أدب وشعر أكثر
منها لغة علم وتقانة ولا تستطيع مفردات هذه اللغة الإستجابة
لمتطلبات العلوم والتقانة الحديثة ليس بسبب افتقارها الى
المصطلحات العلمية فحسب ، بل انهم يزعمون عدم قدرتها
على التعبير الدقيق احيانًا لوصف الظواهر العلمية لدرجة ان
البعض منهم لا يمكنه تصور امكانية كتابة بحث علمي بلغة
غير اللغة الانكليزية او إحدى اللغات الاوربية . ولا شك ان
المؤسسات الثقافية الاجنبية تشجع مثل هذه التوجهات بكل
الوسائل الممكنة ليس لنشر ثقافتها فحسب ، بل ولطمس معالم
الثقافة العربية والاسلامية التي يرون فيها تهديدًا لمصالحهم .
ولأجل النهوض بثقافتنا العربية، لا بد ان نولي لغتنا
العربية جل اهتمامنا وفائق عنايتنا ، وكخطوة أولى على
21
هذه الطريق ان نهتم اهتماما بالغًا بتعريب التعليم الجامعي في
جميع تخصصاته واتجاهاته، وأن نرفض رفضًا قاطعًا أية
دعوات لتأجيل ذلك تحت أي مبررات او ذرائع ايا كانت
دوافعها، اذ لا يمكن لأمة تنشد التقدم والازدهار ان لا تعتني
بازدهار لغتها لتستوعب جميع مفردات العلوم والتقانة
المعاصرة، وإلا فأن الأمور قد تزداد تعقيدًا يصعب معها
مستقب لا التصدي لمعالجتها، ذلك ان العلوم والتقانة في تطور
دائم ومستمر ، وان إعداد المتعلمين بلغات أجنبية في تزايد
مستمرايضا ، وان البعض قد تترسخ لديهم قناعات للاسباب
التي اسلفنا ذكرها بقصور اللغة العربية عن تلبية متطلبات
العلوم والمعارف المختلفة كلما طال الزمن والحال على ما هو
عليه ، وبذلك تخلق حالة انفصام بين الثقافة العربية وثقافات
الشعوب الاخرى التي قد ينبهر بها البعض الى الحد الذي لا
يمكنه رؤية سواها ، وقد يعيش البعض منهم غرباء في
السلوك والتوجه وهم في وسط ابناء شعبهم، اذ تعيش جنبًا الى
جنب فئتان ، أحدهما مشبعة بالثقافة العربية الاسلامية، وأخرى
متأثرة بثقافات شعوب أخرى بدرجة او بأخرى .
ولا بد من تأكيد حقيقة هامة ان الدعوة لتعزيز ثقافتنا
العربية لا تعني الانغلاق على الثقافات الاخرى ، وانما ابراز
22
الثقافة العربية او لا وقبل كل شيء والإفادة من نتاجات الشعوب
الاخرى بما في ذلك تعلم لغاتها وترجمة نتاجاتها العلمية
والثقافية لتكون في متناول المتعلمين والمثقفين في بلادنا .