البلاغةُ الواضِحَةُ 1

البلاغةُ الواضِحَةُ

*-تعريفُ الفصاحةِ:

الفصاحةُ :الظهورُ والبيانً، تَقُولُ: أفْصح الصُّبْحُ إِذا ظَهَر. والكلامُ الفصيحُ ما كان واضحَ المعنى، سهل اللفظِ، جيِّدَ السَّبك. ولهذا وجبَ أن تكون كلُّ كلمة فيه جاريةً على القياس الصَّرفي [1]، بينةً في معناها، مفهومةً عَذْبةً سلِسةً. وإِنما تكونُ الكلمة كذلك إِذا كانت مأْلوفَةَ الاستعمال بَين النابهين من الكتاب والشعراءِ، لأنها لم تَتَداولها ألسِنتُهم، ولم تَجْرِ بها أقلامهم، إلا لمكانها من الحُسْن باستكمالها جميع ما تقدم منْ نُعوت الجوْدة وصِفات ِالجمال.

والذوقُ السليمُ هو العُمْدةُ في معرفةِ حُسنِ الكلمات وسَلاسَتِها، وتمييز ما فيها من وجوه البشاعة ومظاهر الاستكراه؛ لأنَّ الأَلفاظَ أصواتٌ ، فالذي يطْرَبُ لصوْت البُلبُل، وينْفِر من أصوات البُوم والغِرْبان، ينْبُو سمعُه عن الكلمة إذا كانت غريبةً مُتَنَافِرَةَ الحروف [2]. ألا ترى أن كلمتَي "المُزْنةِ"[3] و "الدِّيمةِ "[4] للسَّحابة المُمْطِرة، كلتاهما سَهلَة عذْبَةٌ يسكنُ إليها السمعُ، بخلاف كلمة "البُعَاقِ" التي في معناهما؛ فإنها قبيحةٌ تَصُكُّ الآذانَ. وأمثال ذلك كثير في مُفْردات اللغة تستطيع أَن تُدْركه بذَوْقكَ.

----------------

(1) ويشترطُ في فصاحةِ التركيب :- فوْقَ جريان كلماته على القياس الصحيح وسهولتِها -أنْ يسلمَ من ضَعفِ التأْليفِ، وهو خروج ُالكلام عن قواعد اللغة المطردة كرجوع الضميرِ على متأخر لفظاً ورتبةً في قول سيدنا حَسانَ [5]رضي الله عنه [6]:

ولو أّنَّ مَجدًا أخْلَدَ الدهْر واحِدًا … مِنَ النَّاسِ أبْقى مَجْدُهُ الدَّهْرَ مُطعِما [7]

فإنَّ الضميرَ في "مَجده" راجع إلى "مُطعِما" وهو متأَخرٌ في اللفظ كما ترى، وفي الرتبة لأَنه مفعول به، فالبيت غير فصيح.

(2) ويشترطُ أنْ يسلمَ التركيبُ من تنافر الكلماتِ[8]: فلا يكونُ اتِّصالُ بعضها ببعضٍ مما يُسبِّب ثِقَلَها على السمع، وصُعوبةَ أدائها باللسان، كقول الشاعر [9]:

وقبرُ حربٍ بمكانٍ قَفِر ... وليسَ قربَ قبْرِ حربٍ قبرُ [10]

قيلَ: إنَّ هذا البيتَ لا يَتَهيَّأُ لأحدٍ أن يُنْشدَهُ ثلاثَ مرات متوالياتٍ دونَ أن يَتَتَعْتَعَ [11]، لأَنَ اجتماعَ كلماته وقُربَ مخارجِ حروفها، يحدِثانِ ثِقلاً ظاهرًا، مع أَنَّ كلَّ كلمةٍ منه لو أُخذتْ وحدها كانت غيرَ مُستكْرهةٍ ولا ثقيلةٍ.

(3) ويجبُ أنْ يسلمَ التركيبُ من التَّعقيد اللفظيِّ[12]: وهو أنْ يكون الكلامُ خَفيَّ الدلالة على المعنى المراد بسبب تأْخيرِ الكلمات أو تقديمِها عن مواطنِها الأصليةِ أو بالفصل بين الكلمات التي يجبُ أن تتجاورَ ويتَّصِلَ بعضُها ببعضٍ، فإِذا قلتَ: "ما قرأ إِلاَّ واحدًا محمدٌ مع كتاباً أَخيه"

كان هذا الكلامُ غبرَ فصيح لضعْفِ تأليفهِ، إذ أصلهُ "ما قرأ محمدٌ مع أَخيه إلا كتاباً واحداً، فقُدِّمتُ الصفةُ على الموصوفِ، وفُصل بين المتلازمين، وهما أداةُ الاستثناء والمستثنى، والمضافُ والمضافُ إِليه. ويشبهُ ذلك قول أبى الطَّيب[13] المتنبي [14] :

أنَّى يكُونُ أبا البَرِيَّةٍ آدَمٌ ... وأبُوكَ والثَّقَلانِ أنتَ محَمَّدُ؟ [15]

والوضعُ الصحيحُ أن يقولَ: كيفَ يكونُ آدم أبا البرية، وأبوك محمد، وأنت الثقلان؟ يعنى أَنَّه قد جَمعَ ما في الخليقة من الفضل والكمال، فقد فَصَل بين المبتدأ والخبر وهما "أبوك محمد"، وقدَّم الخبر على المبتدأ تقديماً قد يدعو إلى اللبس في قوله "والثقلان أنت"، على أنه بعد التعسف لم يسلمْ كلامُه من سُخفٍ وهَذَر.

(4) ويجبُ أنْ يسلمَ التركيبُ من التعقيدِ المعنويِّ[16]: وهو أن يَعمدَ المتكلِّم ُ إلى التعبير عن معنًى فيستعمل فيه كلماتٍ في غير معانيها الحقيقية، فيسيء اختيار الكلمات للمعنى الذي يُريده، فيضطرب التعبير ويلتبس الأَمر على السامع. مثال ذلك أن كلمة اللسان تُطلَق أَحياناً ويُراد بها اللغة، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ.. } (4) سورة إبراهيم ، أي ناطقاً بلغة قومه، وهذا استعمالٌ صحيحٌ فصيحٌ، فإذا استعمل إِنسانٌ هذه الكلمة في الجاسوس، وقال: "بثَّ الحاكم ألسنته في المدينة" كان مخطئاً، وكان في كلامه تعقيدٌ معنويٌّ، ومن ذلك قول امرئ القيس [17] في وصْفِ فرَس [18]:

وأَرْكَبُ في الرَّوْع خَيفانةً … كَسا وجْهَهَا سَعفٌ مُنتشر [19]

الخيْفانةُ في الأصل الجرادةِ، ويريدُ بها هنا الفرس الخفيفة، وهذا لا بأْس به وإِن كان تشبيهُ الفرس بالجرادة لا يخلو من ضعفٍ، أمَّا وصفُ هذه الفرس بأنَّ شَعر ناصيتها طويلٌ كَسَعفِ النخل يُغطِّي وجهَها، فغيرُ مقبول؛ لأنَّ المعروف عند العرب أنَّ شعرَ الناصية إذا غَطَّى العينين لم تكنِ الفرسُ كريمةً ولم تكنْ خفيفةً. ومنَ التعقيدِ المعنويِّ قول أبي تمَّام [20] :

جَذَبتُ نَداهُ غدوة السَّبتِ جذْبةً … فخرَّ صريعاً بين أيدِي القصائد [21]

فإِنه ما سكتَ حتى جعل كرمَ ممدوحهِ يَخرُّ صريعاً وهذا من أقبح الكلامِ.

000000000000000000000

*-تعريفُ البلاغةِ:

البلاغةُ :هي تأْديةُ المعنى الجليل واضحاً بعبارة صحيحةٍ فصيحة، لها في النفس أَثرٌ خلابٌ، مع ملاءَمة كلِّ كلام للموطن الذي يُقالُ فيه، والأشخاصِ الذين يُخاطَبون.

فليستِ البلاغةُ قبلَ كل شيءٍ إلا فنًّا من الفنون يَعْتمِدُ على صفاء الاستعداد الفِطريِّ ودقة إدراك الجمالِ، وتبَينِ الفروقِ الخفيَّة بين صنوف الأَساليب، وللمرانةِ يدٌ لا تُجحَدُ في تكوين الذوق الفنِّي، وتنشيطِ المواهب الفاتِرة، ولا بدَّ للطالبِ- إلى جانب ذلك - منْ قراءَة ِطرائف الأَدبِ، و التَّمَلُّؤِ[22] من نَميره الفياض، ونقدِ الآثار الأدبية والموازنة بينها، وأنْ يكونَ له من الثقةِ بنفسه ما يدفعه إلى الحكمِ بحسن ما يراه حسناً وبقبْح ما يَعُدُّه قبيحاً.

وليسَ هناك من فرق بين البليغ والرَّسام إِلا أنَّ هذا يتناولُ المسموعَ من الكلام، وذلك يُشاكلُ يين المرْئيِّ من الألوان والأَشكالِ، أمَّا في غير ذلك فهما سواء، فالرَّسامُ إِذا همَّ برسم صورة فكَّر في الألوان الملائمة لها، ثم في تأْليفِ هذه الأَلوان بحيث تخْتَلِبُ الأَبصار وتُثير الوجدان، والبليغُ إِذا أَراد أَن يُنْشىءَ قصيدةً أَو مقالةً أو خطبةً فكَّر في أَجزائِها، ثم دعا إِليه من الأَلفاظ والأَساليب أَخفَّها على السمع، وأكثرها اتصالا بموضوعهِ. ثم أَقواها أثرًا في نفوس سامعيه وأروعَها جمالاً.

فعناصرُ البلاغة إذًا لفظٌ ومعنًى وتأليفٌ للأَلفاظ يَمْنَحُها قُوةً وتأْثيرًا وحُسْناً. ثم دقةٌ في اختيار الكلمات والأََساليب على حسب مواطن الكلامِ ومواقعه وموضوعاته، وحال السامعين والنَّزْعةِ النفسية التي تَتَملَّكهم وتُسَيْطِرُ على نفسوسهم، فَرُبََّ كلمةٍ حسُنتْ في موطنٍ ثم كانتْ نابيةً مُسْتكْرَهةً في غيره. وقديماً كرِه الأُدباء كلمة "أَيضاً" وعَدُّوها من أَلفاظ العلماء فلم تَجر بها أقلامهم في شعر أَو نثر حتى ظَهَرَ بينهم من قال [23]:

رُبَّ ورْقَاءَ هَتُوفٍ في الضُّحا … ذَاتِ شَجْوٍ صَدَحَتْ في فَنَنِ [24]

ذَكَرَتْ إلفاً ودهْرًا سَالِفاً … فَبَكَتْ حُزناً فَهاجتْ حَزَني [25]

فَبكائي رُبَّما أرَّقها … ... وبُكاها ربَّما أَرَّقَني [26]

ولَقدْ تَشْكو فَمَا أفْهمُها ….... …ولقدْ أشكو فَما تَفهمُني

غيْر أنِّي بالجوى أعْرِفُها … وهْي "أَيضاً" بالجوَى تعْرفُني [27]

فوَضع "أيضاً" في مكانٍ لا يتَطلب سواها ولا يتَقَبَّل غيرها، وكان لها من الرَّوْعة والحُسنِ في نفس الأديب ما يعْجِزُ عنها البيانُ.

ورُبَّ كلامٍ كان في نفسه حسناً خلَّاباً حتى إِذا جاء في غير مكانه، وسقَطَ في غير مسقَطِه، خرج عن حدِّ البلاغةِ، وكان غَرضاً لسهامِ الناقدينَ.

ومن أمثلة ذلك قولُ المتنبي لكافور الإخشيدى [28]في أَول قصيدة مدحه بها[29]:

كَفى بِكَ داءً أنْ نرى الموتَ شافيا… وحَسْبُ المنايا أَن يَكُنَّ أمانيا [30]

وقوله في مدحه [31]:

وَمَا طَرَبي لمّا رَأيْتُكَ بِدْعَةً لقد كنتُ أرْجُو أنْ أرَاكَ فأطرَبُ

قال الواحِدىُّ [32] : هذا البيتُ يشبهُ الاستهزاءَ فإنه يقول: طَرِبتُ عند رؤيتك كما يطرَبُ الإنسانُ لرؤية المضحكات. قال ابن جنيِّ [33] : لما قرأت على أبي الطيب هذا البيت قلتُ له: مَا زِدتَ على أنْ جعلتَ الرجل قِردًا، فضَحِكَ. ونَرى أن المتنبي كان يغْلي صدرُه حِقدًا على كافور وعلى الأَيام التي ألجأَته إِلى مدحه؛ فكانت تَفرُّمن لسانه كلماتٌ لا يستطيع احتباسها وقديماً زَلَّ الشعراءُ لمعنى أو كلمة نَفَّرتْ سامعيهم، فأَخرجتْ كلامَهم عن حدِّ البلاغة، فقد حكَوا أن أبا النجم [34] دخل على هشام بن عبد الملك وأنشده[35] :

صَفْراءُ قد كادتْ ولمَّا تَفعلِ …كأنَّها في الأُفقِ عيْنُ الأحولِ [36]

وكان هشامٌ أَحْولَ فأَمر بحبسِه.

ومدح جرير [37] عبْدَ الملك بْنَ مَرْوان بقصيدةٍ مطلعها[38]:

أتَصحو أم فؤادُك غيرُ صاحٍ ، عشِيَّة َ هَمَّ صَحْبكَ بالرّواحِ

فاستنكر عبدُ الملك هذا الابتداءَ وقال له: بلى فؤادكَ أَنتَ.

وَنَعَى علماءُ الأَدب على البُحْتُرى [39] أن يبدأَ قَصيدةً يُنشدها أَمام ممدوحه بقوله[40]:

لَكَ الْوَيْلُ مِنْ لَيْلٍ تقاصَرَ آخِرُه" ووشكٌ نوى حيٌّ تزمُّ أباعرهُ

وعابوا عن المتنبي قولَهُ في رثاء أمِّ سيف[41] الدولة [42] :

صَلاةُ الله خالِقِنا حَنُوطٌ على الوَجْهِ المُكَفَّنِ بالجَمَالِ [43]

قال ابْنُ وَكِيع [44] : إِن وصفَه أُمّ الملك بجمالِ الوجه غير مختار:

وفي الحقِّ أَنَّ المتنبي كان جريئاً في مخاطبةِ الملوك، ولعلَّ لعظمِ نفسهِ وعَبْقَريَّته شأْناً في هذا الشذوذ.

إذنْ لابدَّ للبليغ أولا من التفكير في المعاني التي تجيش في نفسه، وهذه يجب أَن تكون صادقةً ذاتَ قيمةٍ وقوة ،يظهر فيها أَثر الابتكار وسلامةِ النظر ودقة الذوق في تنسيق المعاني وحسن ترتيبها، فإذا تم له ذلك عَمدَ إِلى الأَلفاظ الواضحة المؤثرة الملائمة، فأَلف بينها تأْليفاً يكسبها جمالاً وقوّة، فالبلاغةُ ليست في اللفظ وحدَه، وليستْ في المعنى وحدَه، ولكنها أثرٌ لازمٌ لسلامةِ تأْليفِ هذين وحُسْن انسجامِهما.

--------

أنواعُ الأساليبِ

*-تعريفُ الأسلوب :

هو المعنَى المَصُوغُ في ألفاظ مؤَلفة على صورة تكونُ أَقربَ لنَيْل الغرض المقصود من الكلام وأفعل في نفوس سامعيه، وأَنواع الأساليب ثلاثة:

(1) الأُسلوبُ العلميُّ [45]

هو أهدأُ الأساليب،وأكثرها احتياجاً إِلى المنطق السليمِ والفكر المستقيمِ، وأَبعدُها عن الخيال الشِّعريِّ، لأَنه يخاطب العقلَ، ويناجي الفكر، ويَشرَح الحقائق العلمية التي لا تخلو من غموضٍ وخفاءٍ، وأظهرُ ميزات هذا الأُسلوب الوُضوحُ. ولا بدَّ أن يبدوَ فيه أثرُ القوة والجمالِ، وقوتُه في سطوعِ بيانهِ ورصانةِ حُجَجه، وجَمالهُ في سهولةِ عباراتهِ، وسلامةِ الذوق في اختيار كلماتهِ، وحُسنِ تقريره المعنى في الأَفهام ِمنْ أقرب ِوجوه الكلامِ.

فيجبُ أن يُعنَى فيه باختيار الأَلفاظ الواضحة ِالصريحة في معناها الخالية من الاشتراك، وأن تُؤلّفَ هذه الأَلفاظ في سهولة وجلاءٍ، حتى تكون ثوباً شَفًّا للمعنَى المقصود، وحتى لا تصْبحَ مثارًا للظنون، ومجالاً للتوجيه والتأْويل.

ويحسنُ التنَحِّي عن المجاز ومُحَسِّناتِ البديع في هذا الأُسلوبِ؛ إَلا ما يجيءُ من ذلك عفوًا ،من غير أن يَمَسَّ أصلاً من أصوله أو ميزةً من ميزاته. أمَّا التشبيه الذي يُقصدُ به تقريبُ الحقائق إِلى الأفهام وتوضيحُها بذكر مماثلها، فهو في هذا الأسلوبِ حسنٌ مقبولٌ.

ولسنا في حاجة إلى أَن نُلقيَ عليك أَمثلةً لهذا النوع، فكتُبُ الدراسة التي بين يديك تجري جميعُها على هذا النحو من الأساليب.

(2) الأُسلوبُ الأَدبيُّ [46]

الجمالُ أبرزُ صِفاته، وأظهرُ مُميِّزاته، ومَنشأُ جماله ما فيه من خيالٍ رائعٍ، وتَصْويرٍ دقيقٍ، وتلمُّسٍ لوجوه الشبهِ البعيدة بين الأشياءَ، وإِلباس المعنويِّ ثوبَ المحسوس، وإِظهارَ المحسوس في صورة المعنويِّ.

فالمتنبي لا يرَى الحُمَّى الراجعةَ -كما يراها الأَطباءُ- أَثراً لجراثيم تَدْخلُ الجسم، فترفعُ حرارته، وتُسببُ رِعْدة وقُشَعْرِيرةً. حتى إِذا فرغت نوْبَتها تَصبَّبَ الجسم عَرَقاً، ولكنه يُصوِّرها كما تراها في تراها في الأَبيات الآتية [47]:

وزَائِرتي كأَنَّ بها حياءً فلِيْس تَزُورُ إِلاَّ في الظَّلام [48]

بذَلتُ لَها المَطَارف والحَشَايَا فَعَافتها وباتتْ في عظامي [49]

يضيقُ الجلدُ عَنْ نَفسِي وعنها فَتُوسِعُهُ بِأَنواعِ السَّقام [50]

كأَنَّ الصبحَ يطْرُدُها فتجرى مَدَامِعُها بأَربعة سجام

أُراقِبُ وقْتَها مِنْ غَيْرِ شَوْقٍ مُرَاقَبَةَ المَشُوق الْمُسْتهَام [51]

ويصْدُقُ وعْدُهَا والصِّدْقُ شرٌّ إِذا أَلْقاكَ في الكُرَب العِظام [52]

أَبِنتَ الدَّهْر عِنْدِي كلُّ بنْتٍ فكيف وصَلتِ أَنتِ مِن الزِّحامِ [53]

والغُيُومُ لا يراها ابنُ الخياط [54] كما يراها العالمُ بخارًا مُترَاكِماً يَحُولُ إلى ماء إذا صادف في الجوّ طبقة باردة ولكنه يراها[55]:

كأن الغيومَ جُيُوش تَسُومُ منَ العدْل في كلِّ أرضٍ صلاحا [56]

إذا قاتل المحْل فيها الغَمامُ بصوبِ الرِّهام أجَادَ الكفاحا [57]

يُقَرْطِسُ بالطَّلِّ فيه السِّهامَ ويُشرِعُ بالوَبْلِ فيه الرِّماحا [58]

وسلَّ عَليْهِ سُيوفَ البرُوقِ فأثخَنَ بالضرْب فيهِ الجراحا [59]

تُرَى أَلْسُنُ النوْر تُثني علَيْهِ فَتَعْجَبُ منهن خُرْساً فِصَاحا [60]

وقد يتظاهرُ الأَديبُ بإنكار أسبابِ حقائق العلم، ويتَلمَّسُ لها من خياله أسباباً تُثبت دَعواهُالأَدبية وتُقوِّي الغرض الذي يَنشدُهُ، فَكَلَفُ البدرِ الذي يَظهرُ في وجهه ليَس ناشئاً عما فيه من جبالٍ وقيعانٍ جافةٍ -كما يقولُ العلماءُ- لأَنَّ المَعرِّى [61] يرى لذلك سبباً آخر فيقول في الرثاء[62]:

وما كلْفةُ البَدْر المُنير قديمةً ولكنها في وجْههِ أثرُ اللَّطم [63]

ولا بدَّ في هذا الأسلوبِ من الوضوحِ والقوةِ؛ فقولُ المتنبي [64]:

قفي تَغْرَمِ الأولى مِنَ اللَّحْظِ مُهجَتي ... بثانِيةٍ والمُتْلِفُ الشيءَ غارِمُه [65]

غيرُ بليغٍ؛ لأنه يريد أنه نظر إِليها نظرةً أتلفتْ مهجته، فيقول لها :قِفي لأنظركِ نظرة ًأخرى تردُّ إليَّ مهجتي وتُحييها، فإنْ فعلْتِ كانتِ النظرة غرْمَا لِمَا أتلفته النظرةُ الأُولى.

فانظرْ كيف عانينا طويلا في شرح هذا الكلام الموجزِ الذي سبَّبَ ما فيه من حذف وسوءَ تأْليفٍ شِدةَ جفائهْ وبُعْدَه عن الأَذهان، مع أنَّ معناهُ جميل ٌبديعٌ، فكرته مُؤيَّدةٌ بالدليل.

وإِذا أردتَ أن تَعْرف كيف تَظْهرُ القوةُ في هذا الأسلوب، فاقرأ قول المتنبي في الرثاء[66]:

مَا كُنْتُ آملُ قَبلَ نَعْشك أن أرى رضْوَى على أيْدى الرجالِ يَسيرُ [67]

ثم اقرأ قول ابن المعتز[68] في عبيد الله بن سليمان بن وهب [69]:

قدْ ذَهبَ الناسُ وماتَ الكمالْ وصاحَ صَرفُ الدَّهْر أين الرجالْ؟

هذا أبُو العَبَّاس في نَعْشِه قوموا انْظرُوا كيف تَسيرُ الجبالْ

تجدْ أنَّ الأُسلوبَ الأَولَ هادئٌ مطمئنٌ، وأَنَّ الثاني شديدُ المرَّةِ عظيمُ القوَّةِ، وربما كانت نهايةُ قوتهِ في قوله؛ "وصاحَ صَرْفُ الدهر أَينَ الرجال" ثم في قوله: "قوموا انظروا كيف تسيرُ الجبال".

وجملةُ القول : أنَّ هذا الأُسلوبَ يجب أنْ يكون جميلاً رائعاً بديعَ الخيالِ، ثم واضحاً قويًّا. ويظنُّ الناشئون في صناعة الأَدب أَنه كلما كثر المجازُ، وكثرتِ التشبيهاتُ والأخيلةُ في هذا الأُسلوب زادَ حسنُه، وهذا خطأٌ بيِّنٌ، فإنه لا يذهبُ بجمال هذا الأسلوبِ أكثر من التكلُّفِ، ولا يُفْسِدُه شرٌّ من تَعمُّدِ الصناعةِ، ونَعْتقدُ أنه لا يُعجبكَ قولُ الشاعر [70]:

فأمطَرَتْ لؤلؤاً من نرْجِسٍ وسقَتْ ... ورْداً وعضّتْ على العُنّابِ بالبَرَدِ [71]

هذا من السهلِ عليك أَن تَعْرِفَ أَنَّ الشعرَ والنثرَ الفنيَّ هما مَوْطِنا هذا الأسلوب ففيهما يزْدهِرُ وفيهما يبلغُ قُنَّة[72] الفنِّ والجمال.

(3) الأسلوبُ الخطابيُّ [73]

هنا تَبْرُزُ قوةُ المعاني والألفاظِ، وقوةُ الحجَّةِ والبرهانِ، وقوةُ العقل الخصيبِ، وهنا يتحدَّثُ الخطيبُ إلى إرادةِ سامعيه لإثارةِ عزائمهِم واستنهاضِ هممهم، ولجمالِ هذا الأُسلوبِ ووضوحهِ شأْنٌ كبيرٌ في تأْثيره ووصوله إلى قرارة النفوسِ، ومما يزيدُ في تأْثير هذا الأُسلوب منزلةُ الخطيب في نفوسِ سامعيه وقوةُ عارضته، وسطوعُ حجته، ونبَراتُ صوته، وحسنُ إِلقائه، ومُحْكَمُ إِشارته.

ومن أظهرِ مميزاتِ هذا الأُسلوب التكرارُ، واستعمالُ المترادفات، وضربُ الأمثال، واختيارُ الكلمات الجزلة ذات الرنين، ويحسنُ فيه أَنْ تتعاقبَ ضروبُ التعبير من إِخبارٍ إلى استفهام إلى تعجب إلى استنكار، وأَنْ تكونَ مواطنُ الوقف فيه قويةً شافيةً للنفس. ومن خيرِ الأَمثلة لهذا الأُسلوب خطبةُ على بن أَبي طالب [74] رضي الله عنه لمَّا أَغار سُفيانُ بنُ عوفٍ الأَسدِي [75] على الأَنبار [76] وقتل عامله عليها:

"هذا أَخُو غامدٍ قد بَلغتْ خيْله الأَنْبار وقَتلَ حَسَّانَ البَكريّ [77] وأَزال خَيْلَكمْ عنْ مَسَالِحِها [78] وَقَتل مِنْكم رجالاً صالِحِين. "وقدْ بَلغني أَنَّ الرَّجُل منهُمْ كان يَدْخُلُ على المْرأَةِ الْمُسْلمَةِ والأُخرى المعاهدة [79]، فَيَنْزعُ حِجْلَهَا [80]، وقُلْبَهَا [81]، ورِعاثَها [82]، ثم انْصَرفُوا وَافِرِين [83] ما نالَ رجلا منهم كَلمٌ [84] ، ولا أرِيقَ لهم دَمٌ، فلو أَن رجلاً مُسْلماً مات مِنْ بَعْدِ هذَا أَسَفاً، ما كان به ملُوماً، بلْ كان عِنْدى جديرًا.

"فَواعجَباً مِنْ جدِّ هؤُلاء في بَاطِلِهمْ، وفَشَلِكُمْ عنْ حقِّكُم. فَقُبْحاً لَكمْ حِين صِرْتُم غَرَضاً يُرْمَى [85] ، يُغار علَيْكمْ ولا تُغِيرُون، وتُغْزَوْن وَلا تغزونَ، ويُعْصى الله وترْضَوْن [86] ". فانظر كيف تدرج ابن أَبى طالب في إِثارة شعور سامعيه حتى وصل إِلى القمَّةِ فإنه أخبرهم بغَزْو الأَنْبار أَولا، ثم بقتل عامله، وأَنَّ ذلك لم يكْف سُفْيان بين عوف فأَغْمد سيوفه في نحور كثيرٍ من رجالهم وأَهليهم.

ثم توجه في الفقرة الثانية إِلى مكان الحميَّةِ فيهم، ومثار العزيمة والنخوة من نفسه كل عربي كريم، أَلا وهو المرأَة، فإِنَّ العربَ تبذل أَرواحها رخيصةً في الذود عنها، والدفاع عن خِدْرها. فقال: إِنهم استباحوا حِماها، وانصرفوا آمِنين.

وفي الفقرة الثالثة أظهر الدَّهَشَ والحَيْرَة من تمسك أعدائه بالباطل ومناصرته، وفشلِ قومه عن الحق وخِذْلانه. ثم بلغ الغيظ منه مبلغه فَعيَّرهم بالجُبن والخَوَر.

هذا مثال من أَمثلة الأُسلوب الخطابي نكتفي به في هذه العُجَالة[87]، ونرجو أَن نكونَ قد وُفقنا إِلى بيان أَسرار البلاغةِ في الكلام وأَنواع أَساليبه، حتى يكونَ الطالبُ خبيرًا بأَفانين القول، ومواطنِ استعمالها وشرائط تأْديتها، واللهُ الموفق.

***********

البابُ الأولُ- علمُ البيان[88]

التشبيهُ [89]

(1) أركانهُ

الأمثلةُ :

(1) قال المَعَرِّيُّ في الْمَديح [90]:

أَنْتَ كالشَّمْس في الضِّياءِ وإِن جا … …وَزْتَ كيوانَ فِى عُلُوّ المكان [91]

(2) وقال آخرُ[92]:

أَنْتَ كاللَّيْثِ في الشَّجَاعةِ والإقْدام وَالسَّيْفِ في قِراعِ الخُطوب [93]

(3) وقال آخرُ[94]:

كأَنَّ أَخْلاقَكَ فِي لُطْفِها … …ورقَّةٍ فِيها نَسِيمُ الصَّباحْ

(4) وقال آخرُ [95]:

كأَنَّما الْماءُ فِي صفاءٍ … …وَقَدْ جَرَى ذَائِبُ اللُّجَيْن [96]

----------------

البحثُ:

في البيت الأَول عَرفَ الشاعِرُ أَن مَمْدُوحَه وَ ضِيءٌ الوجهِ مُتَلألئُ الطلعة، فأَراد أن يأْتي له بمَثِيل تَقْوَى فيه الصفةُ، وهي الضياء والإشراقُ فلم يجد أقوى من الشمس، فضاهاه بها، ولبيان المضاهاة أتي بالكاف.

وفي البيت الثاني رأى الشاعر ممدوحه متصفاً بوصفَيْن، هما الشجاعة ومصارعة الشدائد، فَبحَث له عن نَظيرَيْن في كلٍّ منهما إِحدى هاتين الصفتين قويةً، فضاهاه بالأسدِ في الأولى، وبالسيف في الثانية، وبيَّن هذه المضاهاة بأَداة هي الكاف.

وفي البيت اِلثالث وجَدَ الشاعرُ أخلاق صَدِيقِه دمِثَةً لَطِيفَةً تَرتاحُ لها النفسُ، فَعملَ على أنْ يأْتي لها بنظير تَتَجَلَّى فيه هذه الصَّفة وتَقْوَى، فرأَى أنَّ نسيمَ الصباح كذلك فَعَقَدَ المماثلة بينهما، وبيَّن هذه المماثلة بالحرف "كأن".

وفي البيت الرابع عَمِل الشاعِرُ على أَنْ يَجدَ مثيلاً للماء الصافي تَقْوَى فيه صِفَةُ الصفاء، فرأَى أَنَّ الفضة الذائبةَ تَتجلَّى فيها هذه الصفةُ فماثل بينهما، وبيَّن هذه المماثلة بالحرف "كأنَّ".

فأَنتَ ترى في كل بيت من الأبيات الأَربعة أَنَّ شيئاً جُعِلَ مَثِيلَ شيء في صفةٍ مشتركة بينهما، وأَنَّ الذي دلّ على هذه المماثلة أَداةٌ هي الكاف أَو كأَن، وهذا ما يُسَمَّى بالتشبيه، فقد رأَيتَ أَن لا بدَّ له من أَركان أَربعة: الشيء الذي يراد تشبيهه ويسمَّى المشبَّه، والشيءَ الذي يُشَبَّه به ويُسمَّى المشبَّه به، (وهذان يسميان طرفي التشبيه)، والصفةُ المشتركة بين الطرفين وتسمَّى وجه الشَّبَه، ويجب أَنْ تكون هذه الصفةُ في المشَبَّه به أَقوى وأَشهَرَ منها في المشبَّه كما رأَيت في الأمثلة، ثم أداةُ التشبيه وهي الكاف وكأَن ونحوهما [97] .

ولا بدَّ في كل تشبيهٍ من وجود الطرفين، وقد يكون المشبَّه محذوفاً للعلم به ولكنه يُقَدَّرُ في الإِعراب، وهذا التقدير بمثابةِ وجوده كما إذا سُئِلت "كيفَ عليٌّ"؟ فقلت: "كالزهرة الذابِلةِ" فإِن "كالزهرة" خبرٌ لمبتدأ محذوف، والتقدير هو الزهرة الذابلةُ، وقد يحذف وجه الشَّبه، وقدْ تحذف الأداة. كما سَيُبَين لك فيما بعد.

القواعدُ

(1) التشْبيهُ:ْ بَيانُ أَنَّ شَيْئاً أَوْ أشْياءَ شارَكَتْ غيْرَها في صفةٍ أوْ أَكْثرَ، بأَداةٍ هِيَ الكاف أَوْ نحْوُها ملْفوظةً أَوْ ملْحُوظةً.

(2) أَركانُ التَّشْبيهِ أرْبعةٌ، هيَ: المُشَبَّهُ، والمشُبَّهُ بهِ، ويُسَمَّيان طَرَفَي التَّشبيهِ، وأَداةُ التَّشْبيهِ، وَوَجْهُ الشَّبَهِ، وَيَجبُ أَنْ يَكُونَ أَقْوَى وَأَظْهَرَ فِي الْمُشبَّهِ بهِ مِنْهُ فِي الْمُشَبَّهِ.

نَمُوذَجٌ

قال الْمعَريُّ [98]:

رُبَّ لَيْل كأَنَّه الصُّبْحُ في الْحُسـ … …ـن وإنْ كانَ أَسْوَدَ الطِّيْلَسان [99]

وسهيْلٌ كَوجْنَةِ الْحِبِّ في اللَّوْ … …نِ وقَلْبِ الْمُحِبِّ فِي الخفقان [100]

الجواب ُ

تمريناتٌ

(1) بَيِّنْ أَركان التشبيه فيما يأتي:

(1) أَنْت كالبحْر في السَّماحةِ والشَّمْـ … …ـسِ عُلُوًّا والْبدْر في الإِشراقِ [101]

(2) العُمْرُ مِثْلُ الضَّيْفِ أَوْ … …كالطِيْفِ لِيْس لَهُ إِقامةْ [102]

(3) كلامُ فلانٍ كالشَّهْدِ في الحلاوة [103] .

(4) الناسُ كأَسْنان المُشْطِ في الاستواء.

(5) قال أَعرابيٌّ في رجل: ما رأَيتُ في التوقُّدِ نَظْرةً أَشْبَهَ بِلَهيب النارِ من نظْرته.

(6) وقال أَعرابيٌّ في وصف رجلٍ: كانَ له عِلْمٌ لا يخالطه جَهْلٌ، وصِدْق لا يَشُوبه كَذِبٌ، وكان في الجُودِ كأَنهُ الوبْلُ عَنْد المحْلِ [104] .

(7) وقال آخرُ:

جاءُوا علَى خَيل كأَنَّ أَعْناقَها في الشُّهرة أَعلام [105] ،وآذانَها في الدِّقَّةِ أَطرافُ أَقلام، وفرْسانها في الجُرْأَةِ أُسُودُ آجام [106] .

(8) أَقوالُ الملوك كالسيوف المواضي في القَطع والبتِّ [107] في الأُمور.

(9) قلبُهُ كالحجارةِ قَسْوةً وصلابةً.

(10) جبِينُ فلانٍ كَصفْحةِ المِرْآة صفاءً وتلأْلؤًا.

(2) كَوِّن تشبيهاتٍ من الأَطراف الآتية بحيث تختارُ مع كلِّ طَرفٍ ما يناسبه:

العزيمةُ الصادقة، شجرةٌ لا تُثْمر، نَغَمُ الأَوْتار، المطَرُ للأَرض. الحديثُ المُمْتِع، السيفُ القاطع، البخيِلُ، الحياة تدِبُّ في الأَجسام.

(3) كوِّنْ تشبيهاتٍ بحيث يكون فيها كلٌّ مما يأْتي مُشبّهاً:

القِطار … - الهرمُ الأَكبر … - الكِتاب - الحصِان

المصابيح …- الصَّدِيق المُعلِّم ……-الدَّمع

(4)اجْعل كلَّ واحدٍ مما يأْتي مُشبَّهاً به:

بًحْر – أسَد - أُمُّ رؤُم [108] - نسيم عليل- مِرْآةٌ صافيةٌ - حُلْمٌ لذيذ

(5) اِجعل كلَّ واحد مما يأْتي وجْهَ شَبَهٍ في تشبيهٍ من إنشائك، وعيِّن طَرفي التشبيه:

البياضُ – السواد – المرارة - الحلاوة – البُطءُ – السْرْعة - الصلابة

(6) صف بإِيجاز سفينةً في بحر مائجٍ، وضمِّنْ وصفَك ثلاثة تشبيهات.

(7)اشرح بإِيجاز قول المتنبي في المديح. وبيِّن جمال ما فيه من التشبيه[109]:

كالبَدْرِ من حَيثُ التَفَتَّ رَأيْتَهُ يُهْدي إلى عَيْنَيْكَ نُوراً ثاقِبَا[110]

كالبَحْرِ يَقذِفُ للقَريبِ جَواهِراً جُوداً ويَبْعَثُ للبَعيدِ سَحائِبَا

كالشّمسِ في كَبِدِ السّماءِ وضَوْؤها يَغْشَى البِلادَ مَشارِقاً ومَغارِبَا

================ =

(2) أقسامُ التشبيهِ [111]

الأمثلةُ:

(1) أنا كالماءَ إِنْ رَضيتُ صفاءً وإذَا مَا سَخطتُ كُنتُ لهيبا[112]

(2) سِرْنا في ليلٍ بَهيم [113] كأَنَّهُ البَحْرُ ظَلاماً وإِرْهاباً.

(3) قال ابنُ الرُّوميِّ [114] في تأْثير غِناءِ مُغَنٍّ [115]:

فَكأَنَّ لذَّةَ صَوْتِهِ وَدَبيبَها… سِنَةٌ تَمَشَّى فِي مَفَاصِل نُعَّس [116]

(4) وقال ابنُ المعتزّ [117]:

وكأَنَّ الشمْسَ الْمُنِيرَةَ دِيـ… ـنارٌ جَلَتْهُ حَدَائِدُ الضَّرَّابِ [118]

(5) الجَوَادُ في السرعة بَرْقٌ خاطِفٌ.

(6) أَنْتَ نجْمٌ في رِفْعةٍ وضِياء تجْتَليكَ[119] الْعُيُونُ شَرْقاً وغَرْبا [120]

(7) وقال المتنبي وقدِ اعْتَزَمَ سيفُ الدولةِ سَفَرًا [121]:

أيْنَ أزْمَعْتَ أيُّهذا الهُمامُ؟ نَحْنُ نَبْتُ الرُّبَى وأنتَ الغَمامُ [122]

(8) وقال الْمُرَقَّش [123]:

النَّشْرُ مسكٌ والوُجُوهُ دَنا ... نيرُ وأطرافُ الأكفِّ عنمْ [124]

البحثُ:

يُشبه الشاعر نفسه في البيت الأَول في حال رضاه بالماء الصافي الهادئ، وفي حال غضبه بالنار الملتهبة، فهو محبوبٌ مخوف وفي المثال الثاني شُبِّه الليلُ في الظلمة والإِرهاب بالبحر. وإِذا تأَمَّلتَ التشبيهين في الشطر الأَول والمثال الثاني رأَيت أَداة التشبيه مذكورة بكل منهما، وكلُّ تشبيه تذكر فيه الأَداةُ يسمَّى مرسلاً. وإِذا نظرتَ إلى التشبيهين مرةً أخرى رأيت أَنَّ وجه الشبه بُيِّنَ وفُصِّلَ فيهما، وكلُّ تشبيهٍ يُذكر فيه وجهُ الشبه يسمَّى مفصَّلاً.

ويصف ابنُ الرومي في المثال الثالث حُسن صوت مُغنٍّ وجميلَ إيقاعه، حتى كأَنَّ لذة صوته تسري في الجسمٍ كما تسري أوائل النوم الخفيف فيه، ولكنه لم يذكر وجهَ الشبه معتمدًا على أنك تستطيع إدراكه بنفسك الارتياح والتلذذ في الحالين. ويشبِّه ابنُ المعتز الشمس عند الشروق بدينار مجلوّ قريب عهده بدار الضرب، ولم يذكر وجه الشبه أيضاً وهو الاصفرارُ والبريق، ويسمَّى هذا النوع من التشبيه، وهو الذي لم يذكرْ فيه وجهُ الشبه، تشبيهاً مجملاً.

وفي المثالين الخامس والسادس شُبِّه الجوادُ بالبرق في السرعة، والممدوحُ بالنجم في الرفعة والضياء من غير أَن تذكر أداةُ التشبيه في كلا التشبيهين، وذلك لتأكيدِ الادعاء بأَنَّ المشبَّه عينُ المشبَّه به، وهذا النوعُ يسمَّى تشبيهاً مؤكدًا.

وفي المثال السابع يسأَلُ المتنبي ممدوحه في تظاهر بالذعر والهلَع قائلا: أين تقصد؟ وكيف ترحل عنا؟ ونحن لا نعيشُ إلا بك، لأَنك كالغمام الذي يحيي الأَرض بعد موتها، ونحن كالنَّبتِ الذي لا حياة له بغير الغمامِ. وفي البيت الأخير يشبِّه المرقش النشر، وَهو طِيبُ رائحةِ منْ يصف، بالمسك، والوجوه بالدنانير، والأنامل المخضوبة بالعنم، وإذا تأَملت هذه التشبيهاتِ رأيت أنها من نوع التشبيه المؤكَّد، ولكنها جمعت إلى حذف الأداة حذفَ وجه الشَّبه. وذلك لأَنَّ المتكلم عمد إِلى المبالغة والإِغراق في ادِّعاء أنَّ المشبَّه هو المشبَّه به نفْسُه. لذلك أَهملَ الأَداة التي تدلُّ على أَنَّ المشبَّه أَضعفُ في وجه الشبه من المشبَّه به، وأَهملَ ذكرَ وجه الشبه الذي ينمُ عن اشتراك الطرفين في صفة أو صفاتٍ دون غيرها. ويسمَّى هذا النوع بالتشبيه البليغِ، وهو مظهرٌ من مظاهر البلاغة وميدان فسيحٌ لتسابق المجيدين من الشعراء والكتاب.

القواعدُ

(3) التشبيهُ الْمُرْسَلُ ما ذُكِرَتْ فِيه الأداةُ.

(4) التشبيهُ الْمُؤَكَّد ما حُذِفتْ منهُ الأَداة.

(5) التشبيهُ الْمُجْمل ما حُذِف منه وجهُ الشبهِ.

(6) التشبيهُ الْمُفَصَّلُ ما ذُكِرَ فيه وجهُ الشبهِ.

(7) التشبيه البليغُ ما حُذِفت منهُ الأَداةُ ووَجهُ الشبه [125]

نموذجٌ

(1) قال المتنبي في مدح كافور [126]:

إذا نِلْتُ مِنكَ الوُدّ فالمَالُ هَيّنٌ وَكُلُّ الذي فَوْقَ التّرَابِ تُرَابُ

(2) وصفَ أعرابيٌّ رجلاً فقال:كأنَّه النهار الزاهر والقمرُ الباهر الذي لا يخفى على كل ناظر.

(3) زرنا حديقةً كأنها الفِرْدوْسُ في الجمال والبهاء.

(4) العالِمُ سِراجُ أُمَّته في الهِداية وَتبديدِ الظلاَم.

الإجابةُ

تمريناتٌ

(1) بيِّن كلَّ نوع من أَنواع التشبيه فيما يأْتي:

قال المتنبي [127]:

إنّ السّيُوفَ معَ الذينَ قُلُوبُهُمْ كقُلُوبهنّ إذا التَقَى الجَمعانِ [128]

تَلْقَى الحُسامَ على جَرَاءَةِ حدّهِ مثلَ الجَبانِ بكَفّ كلّ جَبَانِ [129]

(2) وقال في المديح [130]:

فَعَلَتْ بنَا فِعْلَ السّماءِ بأرْضِهِ خِلَعُ الأميرِ وَحَقّهُ لم نَقْضِهِ [131]

(3) وقال أيضاً [132]:

وَلا كُتْبَ إلاّ المَشرَفيّةُ عِنْدَهُ وَلا رُسُلٌ إلاّ الخَميسُ العَرَمْرَمُ [133]

(4) وقال أيضاً [134]:

إذا الدّوْلَةُ استكفَتْ بهِ في مُلِمّةٍ كفاها فكانَ السّيفَ والكَفّ والقَلْبَا [135]

(5)و قال صاحبُ كليلةٍ ودمنةٍ [136]:

الرجُل ذو المروءَة يُكْرمُ على غير مال كالأسد يُهابُ وإِن كان رابضاً [137] .

(6) لكَ سِيرةٌ كَصحِيفَة الْـ …ـأَبْرار طاهِرةٌ نَقِيَّهْ [138]

(7) المالُ سَيْفٌ نَفْعاً وضَرًّا.

(8) قال تعالى: {وَلَهُ الْجَوَارِالْمُنشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ } (24) سورة الرحمن[139].

(9) قال تعالى: {. فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} (7) سورة الحاقة [140].

(10) قال البُحْتُرِيُّ في المديح [141]:

ذَهَبَتْ جِدّةُ الشّتَاءِ وَوَافا نا شَبيهاً بكَ الرّبيعُ الجَديدُ

وَدَنَا العِيدُ، وَهوَ للنّاسِ، حَتّى يَتَقَضّى، وأنتَ للعيدِ عِيدُ

(11) قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء (24)تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26)[142]} سورة إبراهيم .

(12) وقال تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}[143] (35) سورة النــور.

(13) القلوبُ كالطير في الأُلفَةِ إِذَا أنِستْ.

(14) مدحَ أعْرابيٌّ رجلاً فقال [144]:

له هِزَّة كهزَّة السيف إذا طَرِب، وجُرْأة كجرأة الليثِ إذا غضِب [145] .

(15) ووصفَ أعرابيٌّ أخاً له فقال:كان أخي شَجراً لا يخلَفُ ثَمرُه، وبحْرًا لا يُخَافُ كَدرُه[146].

(16) وقال البحْتُريُّ [147] :

قُصُورٌ كالكَوَاكِبِ، لاَمِعَاتٌ، يَكَدْنَ يُضِئنَ للسّارِي الظّلامَا

(17) رأيُ الحازم ميزانٌ في الدّقَّة.

(18) وقال ابن التعاوِيذي [148] :

إِذا ما الرَّعد زَمْجَر خِلْتَ أُسْدًا غِضاباً في السحاب لها زَئيرُ [149]

(19) وقال السَّريُّ الرَّفَّاء [150] يصفُ شمعةً[151]:

مَفْتُولَةٌ مجدُولةٌ … …تَحْكى لنا قَدَّ الأَسَلْ [152]

كأَنَّها عُمْرُ الْفتى … …والنارُ فِيها كالأَجْلْ

(20) وقال أَعرابيٌّ في الذمِّ [153]:

لقد صغَّر فلاناً في عيني عِظمُ الدنيا في عينه، وكأنما يَرى السائلَ إذا أتاهُ مَلَكَ الموتِ إذا رآهُ.

(21) وقال أَعرابيٌّ لأمير [154]: اجْعلْني زِماماً من أَزِمَّتِكَ التي تَجُرُّ بها الأَعداءَ [155]

(22) وقال الشاعر [156]:

كَمْ وُجُوهٍ مِثْلِ النَّهارِ ضِياءً … …لِنُفُوسٍ كالليْلِ في الإِظلامِ

(23) وقال آخر [157]:

أَشْبَهْتِ أَعْدائِي فَصِرْتُ أُحِبُّهُمْ ... إذْ كانَ حَظِّي منكِ حَظِّيَ مِنْهُمُ

(24) وقال البحتري في المديح [158]:

كالسّيْفِ في إخْذامِهِ، وَالغَيْثِ في إرْهَامِهِ، وَاللّيْثِ في إقْدامِهِ [159]

(25) وقال المتنبي في وصف شعره [160]:

إنّ هَذا الشّعرَ في الشّعْرِ مَلَكْ سارَ فَهوَ الشّمْسُ وَالدّنيا فَلَكْ [161]

(26) وقال في المديح[162]:

فَلَوْ خُلِقَ النّاسُ منْ دَهرِهِمْ لَكانُوا الظّلامَ وَكنتَ النّهارَا

(27) وقال في مدح كافور[163]:

وَأمْضَى سِلاحٍ قَلّدَ المَرْءُ نَفْسَهُ رَجَاءُ أبي المِسْكِ الكَريمِ وَقصْدُهُ

(28) فلانٌ كالمئْذنَة في استقامة الظاهر واعْوجاج الباطن.

(29) وقال السَّريُّ الرَّفَّاء[164]:

بِرَكٌ تحلَّتْ بالكواكبِ أرضُها فارتْدَّ وجهُ الأرضِ وهوسماءُ [165]

(30) وقال البُحْتُرِيُّ[166] :

بِنْتَ بِالفَضْلِ والعُلُوّ فأصْبَحْـ ـتَ سَمَاءً، وأصْبَحَ النّاسُ أرْضَا [167]

(31) وقال في روضة [168]:

وَلَوْ لَمْ يسْتَهِلَّ لَها غَمامٌ … …بِريِّقِهِ لكنْتَ لَها غَمامَا [169]

(32) الدنيا كالمِنْجَلِ استواؤها في اعوجاجها [170]

(33) الحِمْيةُ من الأَنامِ، كالحِمْيةِ من ا لطعام [171] .

(34) وقال المعري [172]:

فَكأَنِّي ما قُلْتُ واللَّيْلُ طِفْلٌ … …وشَبابُ الظَّلْماءِ في عُنْفُوانِ [173]

لَيْلتِي هذِهِ عَرُوسٌ مِن الزَّنْـ … …ـج عليْها قلاَئدٌ مِنْ جُمَان [174]

هرب النَّوْمُ عنْ جُفُونِي فيهَا … …هرب الأَمْن عَنْ فؤادِ الجبانِ

(35) وقال ابن التعاويذي [175]:

رَكِبُوا الدَّيَاجِيَ وَالسُّرُوجُ أَهِلَّة ٌ وَهُمُ بُدُورٌ وَالأَسِنَّة ُ أَنْجُمُ [176]

(36) وقال ابن وكِيع [177]:

سُلَّ سيْفُ الْفجْر مِن غمْدِ الدُّجى…وتعرَّى اللَّيْلُ مِنْ ثَوْب الغلَسْ [178]

(2) اجعلْ كلَّ تشبيهٍ منَ التشبيهين الآتيين مفصَّلاً مؤكَّدًا ثم بليغاً(قال الشاعر )[179]:

فكأنَّ إيماضَ السيوفِ بَوارِقٌ وعَجاجَ خَيلِهمُ سَحابٌ مُظلِمُ [180]

(3) اِجعلْ كلَّ تشبيهٍ منَ التشبيهين الآتيين مرسلاً مفصلاً ثم مرسلاً مجملاً [181]:

أنَا نَارٌ فِي مُرْتقَى نفسِ الحا… …سِدِ مَاءٌ جارٍ مَع الإخْوَان [182]

(4) اِجعلِ التشبيهَ الآتي مؤكدًا مفصَّلاً ثم بليغاً، وهو في وصف رجلين اتفقا على الوشاية بين الناس[183]:

كَشِقَّيْ مقصٍّ تجمَّعْتما … …على غَيْرِ شَيْءِ سِوى التَّفْرقةْ [184]

(5)كوِّنْ تشبيهاتٍ مرسلةً بحيثُ يكون كلٌّ مما يأْتي مشبَّهاً.

الماءُ – القلاعُ [185] – الأزهارُ – الهلالُ – السيارةُ – الكريمُ – الرعدُ - المطرُ

(6) كَوِّنْ تشبيهاتٍ مؤكدةً بحيثُ يكونُ فيها كلٌّ مما يأْتي مشبَّهاً به:

نسيمٌ ، ماءٌ زُلال ، جنَّةُ الخُلْدِ ، بُرْجُ بَابلٍ ، دُرٌّ ،زهرةٌ ناضرةٌ ، نارٌ مُوقَدةٌ ، البدرُ المتألِّقُ

(7)كوِّنْ تشبيهاتٍ بليغةً يكونُ فيها كلٌّ مما يأْتي مشبَّهاً:

اللسانُ – المالُ – الشرفُ – الأبناءُ – الملاهي – الذليلُ - ا لحسدُ - التعليمُ

(8)اشرحْ قول ابن التعاويذي بإيجاز في وصف بِطِّيخَةٍ وبيِّنْ أنواعَ التشبيه فيه[186]:

حُلْوةُ الريق حلاَلٌ … …دمُها فِي كلِّ مِلَّةْ

نِصفُها بدْرٌ وإِنْ قسَّم… …ـمْتها صَارتْ أهِلَّةْ

(9)وازنْ بين قوليْ أَبي الفتح كُشاجم [187] في وصف روضتين ثم بيِّن نوع كلِّ تشبيهٍ بهما[188]:

ورَوْضٌ عنْ صنِيعِ الغيثِ رَاضٍ …كما رَضيَ الصَّدِيقُ عَنِ الصَّدِيقِ

يُعِيرُ الرِّيح بالنَّفَحات رِيحاً ….. …كأَنَّ ثَراهُ مِنْ مِسْك فَتِيق [189]

كأَنَّ الطَّلَّ مُنْتشِراً علَيْهِ ….... …بقايا الدَّمْعِ في الْخَدِّ الْمشُوق

00000000000000000

وقال أيضاً :

غَيثٌ أَتانا مُؤْذِناً بالخَفْضِ … …مَتَّصِل الْوَبْل سريعُ الرَّكض [190]

فالأَرْضُ تُجْلى بالنَّباتِ الغَضِّ … في حليها المُحْمرِّ والمُبْيَضِّ [191]

وأَقْحوان كاللجيْن المحْضِ … …ونرْجس زَاكِي النَّسِيمِ بضِّ [192]

مِثْلِ العُيُون رُنِّقَت لِلْغمْضِ … …تَرْنو فيغشاهَا الْكرى فتُغضي [193]

(10) صِفْ بإيجازٍ ليلةً مُمْطِرَةً، وهاتِ في غضونِ وصفكَ تشبيهين مرسلين مجملين، وآخرين بليغين..

=================

(3) تَشْبيهُ التّمثيلِ [194]

الأَمثلةُ

(1) قال البُحْتُريُّ [195]:

هُوَ بَحْرُ السّماحِ، والجُودِ، فازْدَدْ مِنْهُ قُرْباً، تَزْدَدْ من الفَقْرِ بُعْدا [196]

(2) وقال امْرُؤُ الْقَيْس [197]:

وَلَيْلٍ كَمَوْجِ البَحْرِ أَرْخَى سُدُولَهُ ... عليَّ بأنواع الهُمومِ ليبتَلي [198]

(3) وقال أبو فراس[199] الحمداني [200]:

والماءُ يفصلُ بينَ زهـ رِ الروضِ ، في الشَّطَّينِ، فَصْلا [201]

كَبِسَاطِ وَشْيٍ، جَرّدَتْ أيْدِي القُيُونِ عَلَيْهِ نَصْلاَ [202]

(4) وقال المتنبي في سَيْفِ الدولة [203]:

يَهُزُّ الجَيشُ حَوْلَكَ جانِبَيْهِ كمَا نَفَضَتْ جَناحَيْها العُقابُ [204]

(5) وقال السَّريُّ الرَّفَّاءُ [205]:

وكأنَّ الهِلالَ نونُ لُجَينٍ عرِقَتْ في صحيفة ٍ زَرقاءِ

البحثُ:

يُشَبّهُ البحتري ممدوحَه بالبحر في الجود والسماح، وينصح للناس أن يقتربوا منه ليبتعدوا من الفقر، ويشبه امرؤ القيس الليل في ظلامه وهوْله بموج البحر، وأنَّ هذا الليل أرخَى حُجُبَهُ عليه مصحوبةً بالهموم والأحزان ليختبر صبْرَهُ وقوة احتماله. وإِذا تأملت وجْه الشبه في كل واحد من هذين التشبيهين رأيتَ أنه صفةٌ أو صفاتٌ اشتركتْ بين شيئين ليس غيرُ، هي هنا اشتراك الممدوح والبحر في صفة الجودِ، واشتراكُ الليل وموجِ البحرِ في صفتين هما الظلمةُ والروعةُ. ويسمَّى وجه الشبه إذا كان كذلك مفردًا، وكونه مفردًا لا يمنع من تعدد الصفات المشتركة، ويسمَّى التشبيهُ الذي يكون وجه الشَّبه فيه كذلك تشبيهاً غير تمثيل.

اُنظر بعد ذلك إلى التشبيهاتِ التالية:

يشبِّهُ أَبو فِراس حال ماء الجدول، وهو يجري بين روضتين على شاطئيه حلَّاهما الزَّهْر ببدائع ألوانه مُنْبثًّا بين الخُضرة الناضرة، بحال سيفٍ لماعٍ لا يزال في بريقِ جدَّته، وقد جرّدَه القُيُونُ على بساطٍ من حريرٍ مُطَرَّزٍ. فأَينَ وجهُ الشبهِ؟ أتظنُّ أَنَّ الشاعر يريد أنْ يَعْقِدَ تشبيهين: الأَولُ تشبيهُ الجدول بالسيفِ، والثاني تشبيهُ الروضة بالبِساط الْمُوَشّى؟ لا، إِنّه لم يرد ذلك، إِنما يريد أَنْ يشبّه صورةً رآها بصورة تخيلها، يريدُ أنْ يشبِّه حال الجدول وهو بين الرياض بحالِ السيف فوق البساط الموشَّى، فوجهُ الشبه هنا صورةٌ لا مفردٌ، وهذه الصورةُ مأخوذةٌ أَو مُنْتَزَعَةٌ من أَشياء عدَّة، والصورة المشتركةُ بين الطرفين هي وجود بياضٍ مستطيلٍ حوله اخضرار فيه أَلوان مختلفةٌ.

ويشبِّه المتنبي صورةَ جانبي الجيش: مَيْمَنَتِه ومَيْسَرَتِه، سيفُ الدولة بينهما، وما فيهِما من حركة واضطرابٍ.. بصورةِ عُقَابٍ تَنفُض جَناحَيْها وتحرِّكُهما، ووجهُ الشَّبه هنا ليس مفردًا ولكنه مُنْتَزَعٌ من متعددٍ وهو وجودُ جانيين لشيءٍ في حال حركةٍ وتمَوُّجٍ.

وفي البيت الأَخير يشبِّهُ السَّريُّ حال الهلال أَبيضَ لمَّاعاً مقوّساً وهو في السماءِ الزرقاءَ، بحال نونٍ من فضةٍ غارقةٍ في صحيفةٍ زرقاءَ، فوجهُ الشبه هنا صورةٌ منتزعةٌ منْ متعددٍ، وهو وجود شيءٍ أبيضَ مقوَّسٍ في شيءٍ أَزرقَ. فهذه التشبيهاتُ الثلاثةُ التي مرت بك والتي رأيتَ أنَّ وجهَ الشَّبهِ فيها صورةٌ مكوَّنةٌ من أشياءَ عِدَّةٍ يسمَّى كلُّ تشبيهٍ فيها تمثيلاً.

القاعدةُ

(8) يُسمَّى التشبيهُ تمثيلاً إِذا كان وجهُ الشَّبه فيهِ صورةً مُنْتَزَعَةً منْ متعددٍ، وغيْرَ تَمْثِيل إِذَا لم يَكُنْ وجْهُ الشَّبَهِ كذلك.

نَمُوذَجٌ

(1) قال ابن المعتز [206]:

قَدِ انقَضَتْ دولةُ الصيام وقَدْ ... بَشَّرَ سُقْمُ الهلالِ بالعيدِ

يَتلوُ الثريا كفَاغِرٍ شَرِهٍ ....... يفتحُ فاهُ لأكلِ عُنْقُودِ [207]

(2) وقال المتنبي في الرثاء[208]:

وما الموْتُ إلاّ سارِقٌ دَقّ شَخْصُهُ يَصولُ بلا كَفٍّ ويَسعَى بلا رِجْلِ [209]

(3) وقال الشاعر [210]:

وَتَرَاهُ في ظُلَمِ الوَغَى، فتَخالُهُ قَمَرً يَكر عَلى الرّجالِ بكَوْكَبِ

الإجابةُ

ب- تمريناتٌ

(1)بيِّنِ المشبَّهَ والمشبَّهَ به فيما يأتي:

(1) قال ابن المعتز يصف السماءَ بعد تقشُّع سحابة [211]:

كأَن سماءَها لما تجلَتْ ... خِلاَل نجومها عند الصباحِ

رياضُ بَنَفْسَج خَضِل ثراهُ ... تفَتح بينه نَوْرُ الأقاحِ [212]

(2) وقال ابن الرومي [213]:

ما أنْس لا أنس خَبَّازًا مَرَرْتُ به… يدْحُو الرُّقاقَة وشْكَ اللمْح بالبصر [214]

ما ببْنَ رُؤيتهَا في كَفِّهِ كُرَةً …... …وبَيْنَ رُؤيتِهَا قَوْراءَ كالقَمِر [215]

إِلا بمقدَار ما تَنْدَاحُ دائِرةٌ…. … في صفْحَةِ الماءِ تَرْمى فِيهِ بالحجر [216]

(3) وقال في المشيب:

أوَّلُ بدْءِ المشيبِ وَاحِدةٌ… … تُشعِلُ ما جاوَرَتْ منَ الشعَر

مِثلُ الحريق العَظِيم تَبْدؤه… … أولُ صوْلٍ صغيرَةُ الشَّرَر [217]

(4) وقال آخر:

تقَلَّدتْني الليالي وهْي مُدْبِرةٌ… … كأَنَّني صَارِمٌ في كَفِّ مُنْهَزِم [218]

(5) قال تعالى: {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}[219]. (24) سورة يونس

(6) وقال صاحب كليلة ودمنة:

يبْقَى الصَّالحُ من الرجال صالحاً حتى يُصاحِبَ فاسِدًا فإذا صاحبه فسدَ، مثلُ مياه الأَنهار تكون عذْبةً حتى تُخَالِط ماءَ البحر فإذا خالطته مَلحتْ.

وقال: منْ صَنَعَ معروفاً لِعاجِل الجزاءِ فهو كَمُلْقِي الحبَّ للطير لا لِيَنْفَعها بل لِيصِيدَها به.

(7) وقال البحتري [220]:

وَجَدْتَ نَفسَكَ مِنْ نَفسي بمَنزِلَةٍ، هي المُصَافَاةُ، بَينَ المَاءِ والرّاحِ [221]

(8) وقال أبو تمَّام في مُغَنِّيَةٍ تُغني بالفارسية [222]:

ومُسْمِعَةٍ تروقُ السمعَ حسناً ... ولم تصممهُ، لا يصممْ صداها!

لوتْ أوتارَها فشجتْ وشاقتْ ... فلوْ يسطيعُ حاسدُها فَدَاها

وَلَمْ أفْهَم مَعانِيهَا ولكن … ...…ورتْ كَبدِى فَلَمْ أَجْهل شجاها [223]

فبتُّ كأنَّني أعْمَى مُعنًّى ….... …يحبُّ الغانِياتِ ولا يراها [224]

9) وقال في صديق عاقّ [225]:

إنّي وَإِيَّاكَ كالصادى رَأى نَهَلاً… … ودُونَهُ هُوَّةٌ يخشَى بها التَّلَفَا [226]

رأى بعَيْنَيهِ ماءً عَزَّ مَورِدهُ… … ولَيْسَ يمْلِكُ دون الماءِ مُنْصرفَا

(10) وقال الله تَعالى: {مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (261) سورة البقرة.

(11) وقال تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}[227] (20) سورة الحديد.

(12) وقال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ}[228]. (39) سورة النــور

(2)ميِّزْ تشبيهَ التمثيل من غيره فيما يأتي:

(1) قال البوصيريُّ[229] في البردة[230] :

والنفسُ كالطفلِ إن تهملهُ شَبَّ على حُبِّ الرَّضاعِ وإنْ تَفْطِمْهُ يَنْفَطِم

(2) وقال في وصف الصحابة [231]:

كأنهمْ في ظهورِ الخيلِ نبتُ رُباً مِنْ شِدَّة ِ الحَزْمِ لاَ مِنْ شِدَّة ِ الحُزُم [232]

(3) وقال المتنبي في وصف الأَسد[233]:

يَطَأُ الثّرَى مُتَرَفّقاً مِنْ تِيهِهِ فكأنّهُ آسٍ يَجُسّ عَلِيلا [234]

(4) وقال في وصف بحيرة في وسط رياضٍ [235] :

كأنها في نهَارِها قَمَرُ ... حَفَّ بِهِ مِنْ جِنانِهَا ظُلَمُ [236]

(5) وقال الشاعر [237]:

رُبَّ ليلٍ قطعْتُهُ بِصدُودٍ ... أو فراقٍ ما كانَ فيه وَدَاعُ

موحشٍ كالثقيلِ تقذَى به العَينُ ... وتأبى حديثهُ الأسماعُ [238]

(6) وقال تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} (41) سورة العنكبوت.

(7) وقال ابن خَفاجة[239] الأندلسيّ [240]:

للهِ نَهْرٌ سال في بَطْحاءِ… … أَحْلَى وُرُودًا مِن لَمَى الحَسْناءِ [241]

مُتعطِّفٌ مِثلُ السِّوَار كأَنَّهُ … …والزهْرُ يكنُفُه مجرُّ سماءِ [242]

(8) وقال أعرابي في صف امرأَة:تَلكَ شمسٌ باهتْ بها الأَرضُ شمسَ السماءِ

(9) وقال تعالى: { فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (49) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (51) } [243] [المدثر/49-52]

(10) وقال الشاعر [244]:

في شجَر السرْو مِنْهُم مَثلٌ … …له رُواءٌ وما له ثَمر [245]

(11) وقال التهامي [246] :

فالعيْش نوْمٌ والمنِيَّة يقظَةٌ … …والمرْءُ بينهما خيالٌ سارِ[247]

(12) وقال آخر في وصف امرأَة تبْكي [248]:

كأَنَّ الدُّموعَ على خدِّها… … بقِيَّةُ طَلٍّ على جُلَّنَارْ [249]

(13) وقال تعالى: { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176) سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ (177) } [الأعراف/175-178] [250].

(14) وقال تعالى: { مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (17) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (18) أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ (19) يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20) } [البقرة/17-21][251].

(15) وقال أبو الطَّيب [252]:

أَغارُ مِنَ الزُّجاجةِ وهْي تجْرِي… … على شفةِ الأَمِير أِبي الحُسَيْنِ [253]

كأنّ بَياضَها والرّاحُ فيها بَياضٌ مُحْدِقٌ بسَوادِ عَيْنِ [254]

(16) وقال السريُّ الرَّفَّاء[255]:

والتَهَبَتْ نارُنا فمنظَرُها ... يُغنيكَ عن كُلِّ منظَر عجبِ

إذا رَمَت بالشَّرارِ واضطرَمتْ ... على ذرَاها مطارفُ اللَّهَبِ [256]

رأيتَ ياقوتَةً مُشبكَةً ... تَطيرُ منْها قُراضةُ الذَّهبِ [257]

(17) وقال السريُّ الرَّفَّاء أيضاً[258] في وصف دولابٍ [259] :

فانظُرْ إليه كأنه و كأنما كِيزانُهُ والماءُ منها ساكبُ

فَلَكٌ يدورُ بأنجمٍ جُعِلَت له كالعِقدِ فهي شَوارِقٌ وغَواربُ

(3) اجعل كلاًّ مما يأْتي مشبَّهاً في تشبيهِ تمثيلٍ:

(1) جيشٌ منهزمٌ يتْبَعهُ جيشٌ ظافرٌ.

(2) الرجلُ العالم ُبينَ منْ لا يعرفونَ منزلتهُ.

(3) الحازمُ يعملُ في شبابه لِكبرهِ.

(4) السفينةُ تجْري وقد تَرَكَتْ وراءَها أَثرًا مستطيلاً.

(5) المذنِبُ لا يزيدُه النُّصحُ إِلا تمادياً.

(6) الشَّمسُ وقد غَطَّاها السَّحابُ إِلا قليلاً.

(7) الماءُ وقد سطعتْ فوقه أَشعةُ الشمسِ وقتَ الأصِيلِ [260] .

(8) المترددُ في الأُمورِ يَجْذِبُه رَأيٌ هنا ورأْيٌ هناكَ.

(9) الكلِمةُ الطيبةُ لا تُثْمرُ في النفوسِ الخبيثةِ.

(10) المريضُ وقدْ أحسَّ دبيبَ العافيةِ بعد اليأْسِ.

(4)اجعل كلاًّ مما يأْتي مشبَّهاً به في تشبيهِ تمثيلٍ:

(1) الشعلةُ إِذا نُكِسَتْ زادتِ اشتعالاً.

(2) الشمسُ تحْتجِبُ بالغمامِ ثم تظهرُ.

(3) الماءُ يُسرعُ إلى الأَماكن المنخفضةِ ولا يصلَ إلى المرتفعةِ.

(4) الجزارُ يطعِمُ الغنمَ ليذبحَها.

(5) الأَزهارُ البيضاءُ في مروجٍ خضراءَ [261] .

(6) الجدْوَلُ لا تسمعُ له خريرًا وآثارُه ظاهرةٌ في الرياضِ.

(7) الماءُ الزلالُ في فمِ المريضِ.

(8) القمرُ يبدو صغيراً ثم يصير بدراً.

(9) الريحُ تُميلُ الشجيراتِ اللدْنَة وتقْصِفُ الأَشجارَ العاليةَ [262] .

(10) الحَمَلُ بينَ الذئابِ [263] .

(5) اجعل كلَّ تشبيهين مما يأْتي تشبيهَ تمثيلٍ:

1- الحوادثُ كبحرٍ مضطربٍ.…1- الناسُ كركابِ السفينةِ.

2- القتَامُ [264] كالليل. …2- الأَسنَّةُ كالنجومِ.……

3- القمرُ كوجهِ الحسناءَ. …3- الشعر الفاحم كالليل [265] .

4- الشَّيبُ كالصبحِ.4- البحيرةُ كالمرآة. …

(6)اشرح قول مسلم بن الوليد [266] وبين ما فيه من حُسْن وروعة[267]:

وإِنِّي وإِسْمَاعيل يَوْم وفاتِه … …لكالغمْد يوْمَ الرَّوْعِ فارَقهُ النّصْلَ [268]

فإِنْ أَغْشَ قوْماً بعْدَه أَو أَزُرْهمُ … …فكالْوحْش يُدْنيها منَ الأَنَسِ المَحْلُ [269]

(7) صف بإِيجاز حال قومٍ اجتَرفُ سيلٌ قريتَهم واعْملْ على أَن تأْتي بتشبيهيْ تمثيلٍ في وصفك.

==================

(4) التَّشْبيهُ الضمنيُّ [270]

الأَمثلةُ:

(1) قال أَبو تمّام [271]:

لاَ تُنْكِرِي عَطَلَ الْكَريم مِنَ الْغِنَى فالسَّيْلُ حرْبٌ لِلْمكانِ الْعالِي [272]

(2) وقال ابن الرومي [273]:

قَدْ يَشِيبُ الْفَتَى وَلَيْسَ عجيباً … أَنْ يُرَى النَّورُ في الْقَضِيبِ الرَّطيبِ

(3) وقال أَبو الطيبِ [274]:

مَنْ يَهُنْ يَسهُلِ الهَوانُ عليهِ ... ما لجرْحٍ بميتٍ إيلامُ

البحثُ:

قد يَنْحو الكاتبُ أو الشاعر منْحًى منَ البلاغة يوحي فيه بالتشبيه منْ غير أنْ يُصرِّحَ به في صورةٍ من صورهِ المعروفة [275] ، يفعلُ ذلك نُزوعاً إلى الابتكار، وإِقامةِ للدليل على الحكم الذي أَسندهُ إلى المشبَّه، ورغبةً في إخفاءِ التشبيه، لأَنَّ التشبيه كلما دقَّ وخَفيَ كان أبلغَ وأفعل في النفس.

اُنظر بيت أبي تمام فإنه يقول لمنْ يخاطبها: لا تستنكري خلوَّ الرجل الكريم منَ الغنى فإنَّ ذلك ليس عجيباً، لأَن قِمَمَ الجبال وهي أشرفُ الأَماكن وأعلاها لا يستقرُّ فيها ماءُ السيلِ. ألم تلمح هنا تشبيهاً؟ ألم تر أنه يشبِّهُ ضِمْناً الرجلَ الكريمَ المحرومَ الغِنى بِقمّة الجبل وقد خلت منْ ماء السيل؟ ولكنه لم يضَعْ ذلك صريحاً بل أتى بجملة مستقلةٍ وضمَّنها هذا المعنى في صورة برهانٍ.

ويقول ابن الروميِّ: إنَّ الشابَّ قد يشيبُ ولم تتقدمْ به السنُّ، وإنَّ ذلك ليس بعجيبٍ، فإنَّ الغصنَ الغضَّ الرطب قد يظهرُ فيه الزهر الأَبيضُ. فابنُ الرومي هنا لم يأْت بتشبيهٍ صريح فإنه لم يقل: إِنَّ الفتى وقد وَخَطَهُ الشيبُ كالغصنِ الرطيب حين إزهاره، ولكنه أتى بذلك ضمنًا.

ويقول أبو الطيب: إنَّ الذي اعتادَ الهوانَ يسهلُ عليه تحمُّلهُ ولا يتأَلم له، وليس هذا الادعاءُ باطلاً؛ لأَنَّ الميتَ إذا جُرحَ لا يتأَلمُ، وفي ذلك تلميحٌ بالتشبيه في غير صراحةٍ.

ففي الأبياتِ الثلاثة تجِدُ أركانَ التشبيهِ وتَلْمحُهُ ،ولكنك لا تجدُه في صورةٍ من صوره التي عرفتها، وهذا يسمَّى بالتشبيهِ الضمنيِّ.

القاعدةُ

(9) التشبيهُ الضِّمنيُّ: تشبيهٌ لا يُوضعُ فيه الْمُشَبَّهُ والمشبَّهُ بهِ في صورةٍ من صُورِ التشبيهِ المعروفةِ ،بَلْ يُلْمَحان فِي الترْكِيبِ. وهذا النوع يُؤْتَى به لِيُفيدَ أن َّالحُكم الذي أُسْنِدَ إلَى المشَبَّهِ مُمكنٌ.

نَمُوذَجٌ

(1) قال المتنبِّي[276]:

وأصْبَحَ شِعري منهُما في مكانِهِ وفي عُنُقِ الحَسْناءِ يُستَحسنُ العِقدُ [277]

(2) وقال أيضاً [278]:

كَرَمٌ تَبَيّنَ في كَلامِكَ مَاثِلاً ويَبِينُ عِتْقُ الخَيلِ في أصواتِهَا [279]

الإجابةُ :

تمرينات

(1)بيِّنِ المشبَّهَ والمشبَّهَ به ونوعَ التشبيه فيما يأْتي مع ذكر السببِ:

(1) قال البحتريُّ [280]:

ضَحوكٌ إلى الأبطالِ، وَهوَ يَرُوعُهم، وَللسّيفِ حَدٌّ حينَ يَسطو، وَرَوْنَقُ [281]

(2) وقال المتنبي [282]:

ومِنَ الخَيرِ بُطْءُ سَيْبِكَ عني أسرَعُ السُّحْبِ في المَسيرِ الجَهامُ [283]

(3) وقال أيضاً[284]:

لا يُعْجِبَنَّ مَضيماً حُسْنُ بِزّتِهِ وهَلْ تَرُوقُ دَفيناً جُودَةُ الكفَنِ [285]

(4) وقال أيضاً[286]:

وما أنا مِنْهُمُ بالعَيشِ فيهم ولكنْ مَعدِنُ الذّهَبِ الرَّغامُ [287]

(5) وقال أَبو فراس [288]:

سَيَذْكُرُني قَوْمي إذا جَدّ جدّهُمْ، " وفي الليلة ِ الظلماءِ ، يُفتقدُ البدرُ " [289]

(2)بينِ التشبيهَ الصَّريحَ ونوعَه والتشبيهَ الضمنيَّ فيما يأْتي:

(1) قال أبو العتاهية [290] :

تَرْجو النَّجاةَ ولَمْ تَسلكْ مسالِكَها … …إِنَّ السَّفينَةَ لا تجْري على اليَبَس [291]

(2) فال ابن الروميِّ في وصف المِدَاد [292]:

حِبْرُ أبي حفصٍ لعابُ الليلِ كأنهُ ألوانُ دُهْمِ الخيلِ [293]

يجري إلى الإخوانِ جَريَ السَّيلِ بغيرِ وزنٍ وبغير ِكيلِ

(3) وقال ابن الرومي أيضاً[294]:

ويْلاهُ إنْ نَظَرتْ وإن هِيَ أعْرضتْ وقْعُ السِّهام ونَزْعُهُنَّ أليم

(4) عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « الْمُؤْمِنُ مِرْآةُ الْمُؤْمِنِ .. » أخرجه أبو داود[295].

(5) وقال البحتريُّ في وصف أَخلاق ممدوحه [296]:

وَقَدْ زَادَهَا إفْرَاطَ حُسْنٍ جِوَارُهَا لأخَلاِقَ أصْفَارٍ مِنَ المَجْدِ، خُيَّبِ [297]

وَحُسنُ دَرَارِيّ الكَوَاكِبِ أنْ تُرَى طَوَالِعَ في دَاجٍ مِنَ اللَّيلِ، غَيهَبِ [298]

(3)حوّلِ التشبيهاتِ الضمنيةَ الآتيةَ إلى تشبيهاتٍ صريحة:

(1) قال ابن المعتزِّ [299]:

اصْبرْ على مَضَضِ الحسُو… د فإِنَّ صبْركَ قاتِلُهْ [300]

فالنّارُ تأكُلُ بَعضَها، إنْ لم تجدْ ما تأكلهْ

(2) وقال أبو تمام [301]:

ليسَ الحِجابُ بِمُقْضٍ عنكَ لي أملاً إنَّ السماءَ تُرَجَّى حينَ تحتَجبُ [302]

(3) وقال أبو الطيب [303]:

فإنْ تَفُقِ الأنامَ وأنْتَ مِنهُمْ فإنّ المسكَ بَعضُ دَمِ الغزالِ [304]

(4) وقال أيضاً[305]:

أعْيَا زَوالُكَ عَن مَحَلٍّ نِلْتَهُ لا تَخْرُجُ الأقمارُ عن هالاتِهَا [306]

(5) وقال أيضاً[307]:

أعاذَكَ الله مِنْ سِهَامِهِمِ وَمُخْطِىءٌ مَنْ رَمِيُّهُ القَمَرُ [308]

(6) وقال أيضاً [309]:

لَيسَ بالمُنكَرِ إنْ بَرّزْتَ سَبقاً، غيرُ مدفوعٍ عنِ السّبقِ العِرابُ [310]

(4)حوِّلِ التشبيهاتِ الصريحةَ الآتيةَ إلى تشبيهاتٍ ضمنيَّةٍ.

(1) قال مسلم بن الوليد في وصف الراح وهي تُصَبُّ من إِبريق [311]:

كأَنَّها وَحبابُ الماءِ يقْرَعُها… … دُرٌّ تَحدَّر في سِلكٍ مِنَ الذَّهَب [312]

(2) قال ابن النبيه [313] من قصيدة يمدح بها الخليفة الناصر لدين الله [314]:

واللَّيلُ تجري الدَّراري في مجرَّته ... كالرَّوضِ تطفو على نهرٍ أزاهرُهُ [315]

(3) وقال بشار بنَ بَرْد[316] في الفخر [317] :

كأنّ مُثارَ النَّقعِ فوقَ رُؤُّوسنا ... وأسيافَنا ليلٌ تهاوَى كواكبُه [318]

(5)كوِّنْ تشبيهاً ضمنيًّا منْ كلِّ طرفينِ مما يأْتي:

(1) ظهورُ الحقِّ بعد خفائهِ وبروزُ الشمسِ من وراءِ السحبِ.

(2) المصائبُ تُظهرُ فضلَ الكريمِ والنارُ تزيدُ الذهبَ نقاءً.

(3) وعدُ الكريمِ ثمَّ عطاؤُه والبرقُ يعْقُبهُ المطرُ.

(4) الكلمةُ لا يستطاعُ ردُّها ،والسهمُ يخرجُ من قوسهِ فيتعذرُ ردَّه.

(6)هاتِ تشبيهينِ ضمنيينِ، الأَولُ في وصفِ حديقةٍ، والثاني في وصفِ طيارةٍ.

(7)اشرحْ قولَ أَبي تمام في رثاءِ طفلين لعبد الله بن طاهر [319] وبيِّنْ نوعَ التشبيه الذي به [320]:

لهفي على تلك الشواهدِ فيهما لَوْ أُمْهِلَتْ حتَّى تكونَ شَمائِلا [321]

إنَّ الهلالَ إذا رأيتَ نموِّهُ أيقنتَ أنْ سيكونُ بدراً كاملا

==================

(5) أغراضُ التشبيهِ

الأمثلةُ:

(1) قال البحتريُّ [322]:

دانٍ على أيْدي العُفَاةِ، وَشَاسعٌ عَنْ كُلّ نِدٍّ في العلا، وَضَرِيبِ

كالبَدْرِ أفرَطَ في العُلُوّ، وَضَوْءُهُ للعُصْبَةِ السّارِينَ جِدُّ قَرِيبِ

(2) يقال النَّابغة الذُّبْيانيُّ[323] يمدح النعمان بن المنذر[324]:

فإِنَّكَ شَمْسٌ والمُلُوكُ كَواكِبٌ ... إِذا طَلَعَتْ لَمْ يَبْدُ مِنْهنَّ كَوْكَبُ

(3) قال المتنبي في وصف أسد [325]:

ما قُوبِلَتْ عَيْناهُ إلاّ ظُنّتَا تَحْتَ الدُّجَى نارَ الفَريقِ حُلُولا [326]

(4) وقال تعالى {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ} (14) سورة الرعد.

(5) وقال أَبو الحسن الأَنباريِّ [327] في مصلوبٍ [328]:

مَدَدْتَ يَدَيْكَ نَحْوَهُمُ احتِفاءً … …كَمَدّهِماَ إِلَيْهِمْ بالهباتِ [329]

(6) وقال أَعرابي في ذم امرأَته:

وتَفْتَحُ – لا كانتْ – فَماً لَو رَأَيْتَهُ … …توَهَّمْتَهُ باباً مِنَ النَّار يُفْتَحُ

البحثُ:

وصف البحتريُّ ممدوحَه في البيت الأول بأَنه قريبٌ للمحتاجين، بعيدُ المنزلة، بينه وبين نُظَرَائهِ في الكرم بَوْنٌ شاسعٌ. ولكنَّ البحتري حينما أَحسَّ أَنه وصف ممدوحَه بوصفين متضادينِ، هما القُربُ والبُعدُ، أَرادَ أَنْ يبينَ لك أَنَّ ذلك ممكنٌ، وأنْ ليس في الأمر تناقضٌ؛ فشبَّه ممدوحَه بالبدرِ الذي هو بعيدٌ في السماء ولكنَّ ضوءَه قريبٌ جدًّا للسائرين بالليل، وهذا أَحدُ أَغراض التشبيه وهو بيان إِمكانِ المشبَّه.

والنَّابغة يُشبِّهُ ممدوحَه بالشمس ويشبِّه غيره من الملوك بالكواكبِ، لأَنَّ سطوةَ الممدوح تَغُضُّ من سطوةِ كل ملكٍ كما تخفِي الشمسُ الكواكبَ، فهو يريد أَنْ يبين حالَ المدوح وحالَ غيره من الملوك، وبيانُ الحال منْ أَغراض التشبيه أَيضاً.

وبيتُ المتنبي يصفُ عيْني الأَسدِ في الظلام بشدةِ الاحمرار والتوقدِ، حتى إِنَّ من يراهما من بُعْدٍ يظنهما ناراً لقومٍ حُلول مقيمين، فلو لم يعْمدِ المتنبي إِلى التشبيه لقال: إِنَّ عَيْنَي الأَسدِ محمرتانِ ولكنه اضْطْرَّ إِلى التشبيه لِيُبَيِّنَ مقدارَ هذا الاحمرار وعِظَمه، وهذا منْ أغراض التشبيه أيضاً.

أمَّا الآيةُ الكريمة فإنها تتحدث في شأن مَنْ يعْبدونَ الأوثان، وأنهم إذا دعوا آلهتَهم لا يستجيبون لهم، ولا يرجعُ إليهم هذا الدعاءُ بفائدةٍ، وقدْ أرادَ الله جل شأْنه أنْ يُقرِّر هذه الحال ويُثَبتَها في الأَذهانِ، فشبَّهَ هؤلاءِ الوثنيينِ بمن يبسُط كفيهِ إلى الماء ليشربَ فلا يصلُ الماءُ إلى فمه بالبداهة؛ لأنه يَخْرُجُ من خلالِ أصابعه ما دامت كفاهُ مبسوطتينِ، فالغرضُ منْ هذا التشبيه تقريرُ حال المشبَّهِ، ويأْتي هذا الغرضُ حينما يكون المشبَّهُ أمرًا معنويًّا؛ لأَنَّ النفسَ لا تجزم بالمعنوياتِ جزمَها بالحسيَّات، فهي في حاجةٍ إلى الإقناعِ.

وبيتُ أبي الحسن الأنباري من قصيدةٍ نالتْ شهرةً في الأدب العربي لا لشيءٍ إلا أنها حسّنتْ ما أجمعَ الناسُ على قُبحه والاشمئزازَ منه "وهو الصَّلْبُ" فهو يشبّهُ مدَّ ذراعي المصلوبِ على الخشبة والناسُ حولَه بمدِّ ذراعيهِ بالعطاءِ للسائلينَ أيام حياتهِ، والغرضُ من هذا التشبيه التزيينُ، وأكثر ما يكون هذا النوع ُفي المديحِ والرثاء والفخر ووصفِ ما تميلُ إليه النفوسُ.

والأعرابيُّ في البيت الأخيرِ يتحدَّثُ عن امرأته في سُخط وألمٍ، حتى إِنه ليدعو عليها بالحرمانِ منَ الوجود فيقول: "لا كانتْ"، ويشبِّهُ فمها حينما تفتحُه ببابٍ من أبوابِ جهنَّم، والغرضُ من هذا التشبيه التقبيحُ، وأكثرُ ما يكونُ في الهجاءِ ووصفِ ما تنفِرُ منه النفسُ.

القاعدةُ

(10) أَغْرَاضُ التشبيهِ كثيرةٌ [330] منها ما يأْتي:

(أ) بيانُ إِمْكانٍ المشبَّه: وذلك حِينَ يُسْنَدُ إِليْهِ أمْر مُسْتغْرَبٌ لا تزول غرابتُه إلا بذكر شبيهٍ له.

(ب) بيانُ حالِهِ: وذلك حينما يكونُ المشبَّهُ غيرَ معروف الصفةِ قَبْلَ التشبيه فَيُفيدُهُ التشبيهُ الوصفَ.

(جـ) بيانُ مقدار حالِهِ: وذلك إذا كان المشبَّهُ معروفَ الصفةِ قَبْلَ التشبيهِ مَعْرفَةً إِجْماليَّةً وكان التشبيه يُبَيِّنُ مقدارَ هذه الصفةِ.

(د) تَقْريرُ حالِهِ: كما إذا كانَ ما أُسْنِدَ إِلى المشبَّه يحتاج إِلى التثبيت والإِيضاح بالمثال.

(هـ) تَزْيينُ الْمُشَبَّهِ أو تَقْبيحُهُ.

نموذجٌ

(1) قال ابن الرومي في مدح إسماعيل بن بُلْبُل [331]:

وكم أَبٍ قَدْ علا بِابْنٍ ذُرَا شَرفٍ … …كَمَا علا بِرسولِ الله عَدْنَانُ

(2) وقال أبو الطَّيب في المديح [332]:

أرَى كُلَّ ذي مُلْكٍ إلَيكَ مَصِيرُهُ كأنّكَ بَحْرٌ وَالمُلُوكُ جَداوِلُ

الإِجابةُ

تمريناتٌ

(1) بيِّنِ الغرضَ منْ كلِّ تشبيهٍ فيما يأتي:

(1) قال البحتريُّ[333]:

دَنَوْتَ تَوَاضُعاً، وَبَعدتَ قَدراً، فشَأناكَ انْحِدارٌ، وارْتِفَاعُ

كذاكَ الشّمسُ تَبعَدُ إنْ تَسامى، وَيَدْنُو الضّوْءُ مِنْهَا، والشّعاعُ

(2) قال الشريف الرضيُّ [334] في الغزل[335]:

أُحِبكِ يا لوْنَ الشَّبابِ لأنني … … رأيْتُكما في القلْبِ والعينِ تَوْءَما [336]

سَكَنْتِ سوادَ القَلْب إِذ كنْتِ شِبههُ … … فلمْ أدر منْ عِزٍّ من القَلْبُ منْكما

(3) وقال صاحبُ كليلةٍ ودمنة:

فضلُ ذي العلم -وإِنْ أخفاه ُ-كالمسكِ يُسْتر ثمَّ لا يَمْنَعُ ذلك رائحتَه أَنْ تفوح.

(4) وقال الشاعر [337]:

وأصْبَحْتُ مِنْ لَيْلَى الغَداة كقابضٍ … …عَلَى الماءِ خانَتْه فُروجُ الأَصابعُ

(5) وقال المتنبي في الهجاء[338]:

وَإذا أشَارَ مُحَدّثاً فَكَأنّهُ قِرْدٌ يُقَهْقِهُ أوْ عَجوزٌ تَلْطِمُ

(6) وقال السرِيُّ الرَّفاء[339]:

لي منزلٌ كَوِجارِ الضَّبِّ أَنزِلُه ضَنْكٌ تَقارَبَ قُطراهُ فقد ضاقَا [340]

أراه قَالَبَ جسمي حينَ أَدخُلُه فما أَمُدُّ به رجلاًو لا سَاقا

(7) وقال ابن المعتز [341]:

غديرٌ يُرَجْرِجُ أمواجَه هبوبُ الرياحِ ومرُّ الصَّبا [342]

إذا الشَّمسُ مِنْ فَوْقِهِ أَشرَقَتْ … …تَوَهَّمْتَه جَوْشَناً مُذْهَبا [343]

(8) وقال سعيد بن هاشم الخالدى [344] من قصيدة يصف فيها خادماً له [345]:

مَا هو عَبدٌ لكنَّهُ ولدُ ... خَوَّلَنيهِ الْمهْيمنُ الصَّمدُ

وَشدَّ أزرِي بحُسنِ خِدمتهِ .. فَهْو يَدِي والذراعُ وَالعضُدُ

(9) وقال المعري في الشيب والشباب [346]:

خَبِّرِيني مَاذَا كرهْتِ مِن الشَّيْـ … …ـبِ فَلاَ عِلْمَ لِي بِذَنْبِ الْمشِيبِ

أَضِياءُ النَّهارِ أِم وضَحُ اللؤْ … …لؤ أَمْ كوْنُه كثغْرِ الحبِيب؟ [347]

واذكُري لِي فَضْلَ الشبابٍ وما يجْـ … …ـمعُ مِنْ منْظَرٍ يَرُوقُ وطِيبِ

غدْرُهُ بِالخَلِيلِ أَم حُبُّه لِـ … …ـغَيِّ أَمْ أَنَّهُ كَعيْش الأَدِيبِ؟

(10) ومما ينسب إلى عنترة [348] :

وأَنا ابْنُ سوْداءِ الجبين كأَنَّها ضَبُعٌ تَرعْرَع في رُسومِ المنْزل

الساق منها مثلُ ساق نعامة ٍ والشَّعرُ منها مثْلُ حَبِّ الفُلْفُل [349]

(11) وقال ابن شُهيدٍ الأَندلسي [350] يصف بُرْغُوثاً:

أَسْودُ زَنجي، أَهليُّ وحشيٌ، ليس بِوانٍ ولا زُمّيل [351] ، وكأَنه جُزْءٌ لا يتجزأ من ليْل، أو نقطةُ مِداد، أو سويداءُ [352] فؤاد، شُرْبُهُ عبّ [353] ، ومشيهُ وثبٌ، يَكمنُ نهارهُ، ويسيرُ ليلَه، يُداركُ [354] بطعنٍ مؤلم، ويستحلُّ دم البريء والمجرمَ، مُساورٌ [355] للأساوِرة [356] ، ومُجرّدٌ نصْله [357] على الجبابرةِ، لا يُمْنعُ منه أميرٌ، ولا تَنفعُ فيه غيرةُ غيورٍ، وهو أحقرُ حقيرٍ، شرُّهُ مبعوثٌ [358] ، وعهدُه منكوث ٌ [359] ، وكَفى بهذا نقصاناً للإنسان، ودلالةً على قدرة الرحمن.

(2)(أجب عما يلي ):

(1) كوِّنْ تشبيهاً الغرضُ منه بيانُ حال النَّمِر.

(2) " " " " " " الكرةِ الأرضيةِ.

(3) " " " " " مقدارُ حالِ دواءٍ مرٍّ.

(4) " " " " " " " نارِ شبتْ في منزلٍ.

(5) " " " تقريرُ حالِ طائشٍ يرمي نفسه في المهالك ولا يدري.

(6) " " " " " منْ يعيشُ ظلامَ الباطلِ ويؤذيه نورُ الحقِّ.

(7) كوِّنْ تشبيهاً الغرضُ منه بيانُ إمكانِ العظيم من شيءٍ حقيرٍ.

(8) " " " " " " أنَّ التعبَ يُنتجُ راحةً ولذةً.

(9) " " لتزيينِ الكلبِ.

(10) " " " الشيخوخةِ.

(11) " " لتقبيحِ الصَّيفِ.

(12) " " " الشِّتاءِ.

(3) اِشرحْ بإيجازٍ الأبياتَ الآتيةَ وبيِّنِ الغرضَ منْ كلِّ تشبيهٍ فيها [360]:

وَقانا لَفْحَةَ الرَّمْضاءِ وادٍ … …سقاهُ مُضاعَفُ الغَيثِ العَميمِ [361]

نَزَلْنا دوْحَهُ فَحنَا عليْنَا … …حُنُوَّ المُرْضِعاتِ على الفَطِيم [362]

وأرْشَفَنا على ظمأٍ زُلاَلاً … …ألذَّ مِن المُدامةِ للنَّدِيم [363]

================