اللباب علل البناء والإعراب 7

اللباب علل البناء والإعراب

مسألة

الهمزةُ في إوزّة زائدةٌ وأصلُها إفْعَلة لأنَّ الهمزةَ بعدَها ثلاثةُ أحرف أصول وهو اسمٌ غيرُ صفةٍ فلا يمنع مجيئه على هذا البناء كما امتَنَع في إمَّعة ولا يجوز أن تكونَ الهمزةُ والواو أصلَيْن إذ ليس في الأصول وزّ ولا أنْ تكونَ الواو زائدةً لأنَّ ذلك يصيرُ إلى فَوْعَل ولا نظيرَ له

مسألة

الهمزةُ في إشْفَى زائدةٌ وهو اسمٌ من شَفَى يَشْفي والجمع أشافي وليسَ ذلك بشاذّ إنَّما الشذوذُ فيه إذا كان صفةً

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 238 ]

مسألة

أرْوَى فَعْلى والجمع أرَاويّ ولم تَنْصرف لألف التأنيث

مسألة إدْرَوْن إفْعول من الدَّرن لأنَّ معناه دُرديّ الزيت ويقال أيضاً فلان على إدرونه أي على أصله

مسألة

أُفْعُوان أُفْعُلان وأصلُ الكلمة من الفَعْو وهو السُّمّ وقيل هو مقلوب من فَوْعة الطيِّب أي حِدّته فالفاء والعين والواو أصول ووزن أفْعَى أفعل

مسألة

في وزن أرْطَى قولان

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 239 ]

أحدهما هو فَعْلى وألفُه للإلحاق بِجَعفر والدليلُ على ذلك قولهم أديمٌ مأروط أي مدبوغٌ بالأرطى ومأْروط مَفْعُول البتة

والثاني هو أفْعَل فهمزتُه زائدة والدليل على ذلك قولهم أديمٌ مَرْطيّ في لغةٍ صحيحة وقد قالوا أديمٌ مُؤرْطِي فيحتملُ أن يكونَ مُفَعْلِى فتكون الهمزةُ أصلاً وهو مثل مُسَلْفِى ومُجَعْبِى وأن يكونَ وزنُه مُفَعْلاً على القول الثاني والأوّل أقيسُ فإنْ سمَّيتَ به رجلاً مع الحكم بزيادةِ الهمزةِ لم تصْرِفه للوزنِ والتعريف

مسألة

أثفيّة فُعليّة عند قومٍ لأنَّهم أخذوه من تَأثَّف القومُ حولَه إذا أحاطوا به وأُفْعُولَة عند آخرين ودلَّ على ذلك قولُ الشاعر ( ... وصَالِياتٍ كَكَما يُؤثْفَيْن )

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 240 ]

ووزنه يُؤفْعَلن وقيل يُفَعْلَين فيخرّجُ القولانِ على المذهبين في الهمزة

مسألة

يقال عَجينٌ أنْبَجان وشيء أَخْطَبَان ووزنهما أفْعلان فالهمزةُ زائدةٌ ويدلُّ على ذلك وجود الشرط الذي ذكرناه من وقوعها مع ثلاثةِ أصُول ولأنَّ أنبجان من معنى النَّبْج وهو ما يخرج باليد من نفخٍ فكذلك العجين وأخْطبان من الْخُطْبة وهي لونٌ

مسألة إصْلِيت إفْعِيل من صَلَت وأصله السرعة

وإجْفِيل إفْعيل من جفَل وإخْرِيط من خَرط وشَرطُ زِياتها مذكورٌ موجودٌ على ما ذكرنا

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 241 ]

فصل

وأمَّا زيادةُ الهمزةِ حَشْواً فقليلٌ لا يُقدّم عليه إلاَّ بدليلٍ ظاهر ومهما أمكَنَ أن يكونَ أصْلاً لم يُحكَم بزيادتها وعلّةُ ذلك انَّ الهمزةَ ثقيلةٌ والزيادةُ في الحشْوِ والطَّرفِ تكون لمعنىً نحو التَّصْغير والتكسير والمدِّ والتأنيث وليست الهمزةُ من حروفِ هذه المعاني بخلافِ زيادتها أوّلاً فإنَّها تأتي لمعنىً وهو المبالغةُ والتعديةُ وما أشْبَههما فإنْ وجدتَها حَشْواً أوْ طرفاً فاحكم بأصالتِها إلاَّ أنْ يصحَّ دليلٌ على زيادتِها فمن الأصول زِئْبق وضِئْبِل

فصل

ومما جاءت فيه زائدةٌ وسطاً حُطَائِط وإنَّما عُلم ذلك بالاشتقاق ولأنَّ الحُطائط الصغيرُ فكأنَّه مَحْطُوط

ومن ذلك جَمَلٌ جُرائِض همزتُه زائدةٌ لوجهين

أحدهما قولُهم في معناه جِرْواض

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 242 ]

والثَّاني أنَّه الجملُ الكثيرُ اللحمِ العظيم فهو من الجَرَض وهو الغَصَص في الصدْرِ لأنَّ ذلك تطابقٌ وازدحام

ومنها النِئِدِلان هَمْزَتُه زائدةٌ وهو الكابوس لوجهين

أحدهما قولهم في معناه النَيْدُلان بالياء فقد ذهبت الهمزة

والثَّاني أنَّه من معنى النَدْل وهو أحْذُ الشيء بعدَ الشيء

ومنها شَمْأَل بزيادةِ الهمزة ثانيةً وثالثةً لأنَّها من شملت الريح والريح شَمْلٌ وشمول وشَمال بستِّ لغات

فصل

ومن زيادتِها أخيراً امرأةٌ ضَهْياء وضَهْيَاء بالمدِّ والقصر وهي التي لا تَحيض

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 243 ]

وقيلَ التي لا ثَدْيَ لها وقال الزّجاجُ همزتُها في القصرِ أصلٌ وحجَّةُ الأولين من ثلاثة أوجه

أحدهما أنَّ اشتقاقَها من المضاهاة وهي من الياء والمرأةُ التي هذه صِفتُها تضاهي الرجال

والثَّاني أنها لو كانت أصلاً لكانت الياءُ زائدةٌ فكانَ البناءُ لا نظيرَ له إذْ ليسَ في الكلام فَعْيَل بفتح الفاء فإن قيل لِمَ لا تكونُ الياءُ أصلاً أيضاً

قيل لأنَّ الياءَ لا تكونُ أصلاً مع ثلاثةِ أحرفٍ أصول

والثَّالثُ قولهم في معناها ضَهْيَاء بالمدّ وهذا قاطعٌ بزيادة الهمزة لأنَّ الهمزةَ هنا للتأنيث

فإنْ قيل لِمَ لا تكونُ أصلاً على وزنِ فَعْلال كناقة خَزْعال قيل لثلاثةِ أوجه

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 244 ]

أحدها أنَّ الياءَ لا تكونُ أصلاً مع ثلاثةِ أحرفٍ أصولٍ كما تقدَّم

والثَّاني أنَّها غيرُ مصروفةٍ ولا سببَ إلا همزةُ التأنيث

والثالث أنَّ فَعْلالاً ليس في كلامهم وخَزْعال لا يثبتُه البصريون وإذا ثبتَ كانَ شاذاً

مسألة

الهمزةُ في الغِرْقئ وهو قِشْر البيضةِ الأسفل أصلٌ وقال الزجّاجُ هي زائدةٌ قالَ لأنَّه من معنى الغَرَق لأنَّ تلك القِشْرةَ تغتَرِقُ ما تحوي عليه أي تُخْفِيه أو يغْتَرِقُها ما فوقها وقال ابن جنّي وغيرُه لا يُحكم بزيادةِ الهمزةِ غيرَ أوَّلٍ إلا بثَبَتٍ وما ذُكر من الاشتقاق فليسَ بقاطع لبُعْدِه من المعنى ولو قرب لم يكن حجّةً أيضاً إذ يجوزُ أن يكونَ معناهما واحداً والأصولُ مختلفة مثل دَمِث ودِمثر وسَبِط وسِبَطْر وأشْبَهُ شيءٍ مما نحن فيه قولُهم كَرَفَ الحِمارُ إذا تشمَّم البولَ ورفَع رأسه والكِرْفئ السَّحابُ المرتفع وهمزتُه أصلٌ ولا يقالُ هو من كَرَف الحمار وإنْ تقارَب معناهما

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 245 ]

مسألة

أُرْجُوان أُفْعُلان من معنى الرجا وهو صِبْغٌ أحمر لأنَّه يُرْجَى أي يُطلبُ لِحُسْنِه أو يُرجى بقاؤه لِشدَّتِه فالهمزةُ والنون زائدتان وقيل وَزْنُه أُفْعُوال من رَجَن إذا أقام فكأنَّ هذا الصِّبْغَ يدومُ وقيل فُعْلُوان من الأرَج وهو الرِّيحُ لأنَّ له ريحاً

مسألة

الهمزةُ في إصْطَبل وإرْدخل أصْلٌ لِوجهين

أحدهما أنَّ معها أربعةَ أحْرُفٍ أُصول ومثلُ هذا يحكمُ على حروفها كلّها بالأصالةِ لأنَّ الهمزةَ ثقيلةٌ والأرْبَعةَ مُسْتَثْقَلةٌ وليست زيادةُ الهمزةِ فيها لمعنىً فلا وجْهَ إذاً للزِّيادة

والثَّاني أنَّ الكلمةَ أعجميةٌ والأعجميُّ لا يُعرف له أصولٌ حتى يُحكم على بعض حروفه بالزِّيادة إلا في الألف فإنَّها لخفتها وكثرتها يحكُم عليها بالزيادة في

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 246 ]

الأعْجمية وعلى هذا قالوا همزة إبراهيم وإسماعيل وأبْريسم أصل

مسألة

الألفُ على أربعةِ أضْرب

أصْلٌ وذلك في الحروفِ والأسماءِ المُوغلةِ في شَبَهها

وبَدَلٌ من أصلٍ نحو الف ماء وقال وباع

وبدلٌ من زائد كألف مِعْزى وحَبَنْطَى فإنَّها بَدَلٌ من الياء التي للإلحاق

وزائدة للتأنيث كألفِ حُبْلى وزائدةٌ للتكثير كألفِ قَبَعْثَرى وليست للإلحاق إذْ ليسَ في الأسماء سداسيٌّ فتحلق به

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 247 ]

مسألة

الألفُ في مُوسى الحديد لامُ الكلمة في أحدِ القولين والميمُ زائدةٌ واشتقاقُه من أَوْسَيْتَ رأسَه إذا حلقته فَمُوسى مُفْعَل مثل مُعْطى فالحديدةُ مُفْعَل بها والرأسُ مَفْعَل به

والقولُ الثَّاني هي للتأنيث واشتقاقُه من ماسَ يَمِيسُ فكأنَّ الحديدةَ لكثرةِ تحرّكها في الحِلاق تَميسُ أي تضطرِبُ فوزنها فُعْلى

وأمَّا مُوسى وعِيسى عَلَمين فالألف فيهما لغير التأنيث ولذلك قال سيبويه إذا نكّرْتَهما صَرَفْتَهما لأنَّهما أعْجَميان فلا يُقْضى على ألفهما بالتأنيث

مسألة

الألفُ في قَطُوْطَى بدلٌ من الواو وأصلُ الكلمةِ من القَطَوان وقد

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 248 ]

كُرِّرت فيها العينُ واللام فأصلها من قَطَوطو فقلبت الواو الأخيرةُ الفاً لتحركها وانفتاحِ ما قبلها وقيلَ هي للتأنيثِ ووزنُها فَعَلاً فلامُها طاءٌ مكرَّرةٌ ولامُها الأولى واوٌ فهي مثل حَبَرْكى

وقيلَ الواوُ زائدةٌ والألفُ مُبْدَلةٌ من واوٍ ووزنُها فَعَوْلَلَ مثل فَدَوْكَس وسَرَوْمَط

وقيلَ وزنُها فَعَولا فألفُها للتأنيث وعلى هذين الوجهين تكونُ الكلمة من القطّ

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 249 ]

مسألة

الياء في يَرْبُوع ويَرْمَع ويَعْمَلة زائدةٌ لوجهين

أحدهما الاشتقاقُ فإنَّه من رَبَع ورَمَع وعَمِل

والثَّاني أنَّ بعدَها ثلاثةَ أحجرفٍ أصولٍ وذلك قاطعٌ بزيادتِها ومن هنا حُكمَ على ياءِ ضَيْغَم وخَفَيْدَد بالزِّيادة

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 250 ]

مسألة

الياءُ في يَسْتَعُور اصلٌ عُرف ذلك بالسبر وذلك أنَّ الواوَ فيها زائدةٌ بلا خلاف فبقيَ فيها من حُروف الزيادة الياءُ والسينُ والتَّاء ويمتنعُ أن تكونَ كلّها زائدةً لأنَّ الكلمةَ تبقى على حرفين والحَكم على أحدِ الثَّلاثةِ بالزِّيادة تحكّمٌ فإنْ قلتَ لِمَ لا تكونُ السِّينُ أصْلاً والآخرانِ زائدان من معنى سعر قيلَ لوجهين

أحدهما أنَّ جَعْلَ السينِ أصلاً دون الياء والتاء مع إمكان كونِه من يَعَر تَحكّمٌ

والثَّاني أنَّ مثالُ يَفْتَعُول معدومٌ فلا يُحْمَلُ عليه

مسألة

الواو في تَرْقُوة زادئةٌ لأمرين

أحدهما أنَّها مع ثلاثةِ أحرفٍ أصول

والثَّاني أنَّها لو كانت أصلاً لكانت على فَعْلُل ولا نظيرَ له فإنْ قيلَ لِمَ لا تكونُ التَّاء زائدةً والواو اصلاً قيلَ لوجهين

أحدهما أنَّ هذا تحكّم إذْ لا مُرَجّحَ

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 251 ]

والثَّاني أنَّ الحكمَ بزيادةِ الواو أوْلى لكثرة زيادَتِها ومثلُه عَرْقُوة وأمَّا قَلَنْسُوَة فواوها زائدةٌ أيضاً لأنَّ النونَ فيها زائدةٌ فتبقى الواوُ مع ثلاثةِ أحرفٍ أصولٍ

مسألة

الياءُ في يَأْجَج أصلٌ والكلمةُ من المُلْحق وإنَّما كان كذلك لأنَّها لو كانت زائدةً لأدغم الجيمُ في الجيم ولَمَّا لم تدغَم عُلِمَ أنَّه مُلْحَقٌ بجعفر ونظيرُه قَرْدَد

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 252 ]

باب زياة الميم

حكُم الميمِ إذا وقعتْ أوّلاً حكُم الهمزةِ إذا كانَ بعدَها ثلاثةُ أحْرُفٍ أصولٍ حكَم بزيادتها وإنْ كانَ مع أربعةِ أصولٍ فهي أصلٌ

فمنَ الأوَّل زيادتُها في اسمِ الفاعلِ والمفعولِ نحو مُكْرِم ومَضْرُوب ومِضْراب ومِنْحَار للمبالغة وتُزَادُ في أوَّل المصدرِ نحو مَضْرَب ومَدْخَل وفي أوَّل المكانِ نحو مَجْلِس وفي أوَّل الزمان نحو أتتِ الناقَةُ على مَنْتِجها أي وقت نِتاجها وهذا كلّه ظاهرٌ فإنَّ الاشتقاق يدلُّ عليه

ومن الثَّاني ميمُ مَرْزَجُوش الميمُ فيه أصلٌ لأنَّ أربعةَ أحرفٍ أصول والكلمةُ أعجمية أيضاً

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 253 ]

فصل

فأمَّا زيادتُها وسَطاً وآخراً فلا يُحكمُ به إلاَّ بدليلٍ ظاهرٍ كما ذكرنا في الهمزةِ

فَمِمَّا زيدت فيه وسَطاً لبنٌ قُمارِص أي قارص لأنَّه بمعناه من غير فَرْقٍ والفعلُ المأخوذُ منه قَرَص اللبن فذهابُ الميمِ من الفعل واسمِ الفاعل الذي هو الأصلُ دليلٌ زيادتِها هنالك

ومن ذلك أسدٌ هِرْماس لأنَّه من الهَرْس وهو الدقُّ وكأنَّ الكلمةَ قُوِّيت بالميمِ لتدلَّ على كثرةِ هَرْسِه

ومن ذلك دُلامِص لأنَّه مأخوذٌ من الدِّلاص وهو البرّاق ويُقال دَلْمَص بغيرِ الف ودَمْلص بتقديم الميم على الألفِ وحذفِها والتقديمُ والتأخيرُ دليلٌ على زيادَتِها لأنَّ الاصلَ لا يُتلاعبُ به

وقال المازنيّ الميمُ اصل كَدَمِث ودِمَثْر

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 254 ]

فصل

وممَّا زيدت الميمُ في آخرِه زُرْقُم وحُلْكُم بمعنى الأزْرق والحالك وفُسْحُم أي مُنْفَسح وناقة دِلْقَم من الاندلاق لأنَّها التي أسنّت حتى اندلقت أسنانُها ورجلٌ سُتْهُم لأنَّه العظيمُ الاست

مسألة

الميمُ في مَنْجَنِيق أصلٌ والنُّون الأولى زائدةٌ والدليل على ذلك أنَّهم جمعوه على مَجانيق فحذفوا النونَ ولا يجوزُ أنْ تكونَ المحذوفة أصلاً لأنَّ الأصليّ لا يُحذف وهو ثانٍ ولا يجوزُ أنْ تكونَ الميمُ زائدةً مع أصالةِ النون إذْ لو كان كذلك لَحُذِفت

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 255 ]

وبقيَ النون ولا يجوزُ أنْ يكونا زائدين إذ ليسَ في الأسماء ما هو كذلك إلا ما انبنى على الفعل نحو مُنْطَلق ومستخْرِج

فأمَّا إنْقَحْل فقيل حروفُه كلّها أصول مثل جِرْدَحْل ولا يَمْنَعُ ذلك كونُه من معنى القُحُولة لِما ذكرنا من نحو سَبِط وسِبَطْر والصحيحُ أنَّ الهمزةَ والنونَ زائدتان وهو شاذ ولم يأتِ منه إلاّ هذه الصفةُ

وقولُهم رَجُلٌ إنْزَهْوٌ وامرأةٌ إنْزهوَة وقولهم جَنَقُوهم شاذ على انَّه مشتقُّ بحذفِ بعضِ الأصول كما تقولُ حَوْلَق إذا قال لا حولَ ولا قوّةَ إلاّ بالله

مسألة

الميمُ في مَنْجَنُون وهو الدُّولاب أصلٌ وكذلك النّون الأولى والنونُ الأخيرةُ

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 256 ]

مكررةٌ ووزنُه فَعْلَلُول مثل عَضْرفُوط ودليلُ ذلك قولهم مَناجين فأثبتوا النونَ الأولى وحذفوا الأخيرة كما حُذفت الطَّاء من عَضَافير

مسألة

الميمُ في مِعْزى أصلٌ لقولهم ماعِز ومعيز ومَعْز وأمْعُز والألف للإلحاق

مسألة

الميمُ في مَأْجَج ومَهْدَد أصلٌ لأنَّها لو كانت زائدة لأُدغم المِثْل في المِثْل كما في مِكَرٌ ومِفَرٌ فلَمَّا أظهروا دلَّ على أنَّهم قصدوا الإلحاقَ بجعفر فإنْ قلتَ مَحْبَب كذلك وميمه زائدة قلنا الأصلُ محبّ إلاّ أنَّه غُيِّر كما تُغيّرُ الأعلامُ ولا يلزمُ مثلُه في مأجَج ومَهْدَد لأمرين

أحدهما الأصلُ عدم التغيير والزيادة

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 257 ]

والثَّاني أنَّ مَحْبباً ظاهرٌ في معنى الحُبّ وليسَ مأجَج ومَهْدَد ظاهرين في معنى أجّ وهدّ

مسألة

الميمُ في مَعدّ أصلٌ لقولهم تَمَعْدَدوا ووزنه تَفَعْلَلوا أي كُونوا على أخلاقِ معدّ فإنْ قلتَ قد جاءَ تَمَفْعَل نحو تمدرَع وتمندَل وتَمَسْكَن قيل هذا شاذٌّ لا يُقاسُ عليه على أنَّ الجيِّدَ فيه تندلّ وتدرّع وتسكّن

مسألة

الميمُ في مِرْعِزاء بكسرِ الميم والعين وإسكانِ الرّاء والمدّ والتخفيف زائدةٌ

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 258 ]

ودليلُ ذلك قولُهم فيه مَرْعِزّى بفتح الميمِ وإسكانِ الراء وكسر العين والتشديد والقَصْر لأنَّ الألفَ فيه زائدةٌ والزَّايَ مكررةٌ فيبقى مِرْعِز ولا نظيرَ له إذْ ليس في الكلام مثلُ جِعْفِر وإذا ثبتتْ زيادتُها في أحد البِناءين ثبتتْ في الآخر كما قالوا في تُرْتَب ولولا ذلك لكانت الميمُ أصلاً إذْ له في الكلام نظير وهو طِرْمِساء

مسألة

الميمُ في بُلْعُوم وحُلْقُوم زائدةٌ لأنَّهما من البَلْع والحلق ويخرجُ على قول المازنيّ أن يكون أصلاً كما قالوا في دُلامِص

مسألة

اختلفوا في ميم مَلك فذهب الجمهورُ إلى أنَّها زائدة ثمّ اختلفَ هؤلاء في الأصلِ فقال أكثُرهم أصلُها مَلأَكٌ وهو مَفْعَل واستَدلّوا على ذلك بقول الشّاعر من - الطويل -

( فَلَسْتُ لإنسيٍّ ولكنْ لِمَلأَكٍ ... تنزَّلَ من جوِّ السماءِ يَصُوبُ )

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 259 ]

وبقولهم ألكني إليها وهو أفِلْني وأصلُه ألئكني إلاّ أنَّهم ألْقَوا حركةَ الهمزةِ على اللاّم وحَذَفوها ويدلُّ عليه قولُهم في الجمع ملائك وملائِكة على وزن مَفَاعِلة ولو كانت غيرَ زائدةٍ لكانت فَعايلة الواحد فَعيلة وليس كذلك

ومنهم من قالَ هو من الألوكة وهيَ الرسالة ووزنُها فَعُولة وأصل مَلك على هذا مألك ثم حُذفت الهمزة

وقيل أصله من لاك يلوك إذا ردّد الشيءَ في فيه والرسالة كذلك إلاّ أنَّ عينَ الكلمة حُذفت تخفيفاً

وقال قومٌ الميمُ أصلٌ مأخوذٌ من الْمَلَكَة وهي القوّةُ وهذا بعيدٌ لأنَّ الجمعَ يُبْطِلُه إذْ لو إذْ كان جمع فعل لا يكون مَفَاعل فإن قيل فقد جاءَ فيه أملاك قيل هو شاذٌّ على أنَّه يحتمل أن يكون جُمع على اللفظ لا على الأصل

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 260 ]

بابُ زيادة النون

قد ذكرنا أنَّ النونَ من حروفِ الزيادةِ لِشَبهها بالواو وقد زيدت أولاً للمضارعةِ نحو نذهبُ وتدلُّ على المتكلِّمِ ومَنْ معه اثنين كانوا أو جماعةً وتكونُ للواحدِ العظيم لأنَّ الآمرَ إذا كان مطاعاً تُوبع على الفعل وتُزاد ثانيةً نحو انطلق وبابُها أن تجيء للمطاوعة كقَطَعْتُه فانقطع وأطلقته فانْطَلق ومعنى المطاوعة قَبُول المحلّ لأثرِ فِعْلِ الفاعل فيه فالانفعالُ اسمٌ لذلك الأثر وممَّا زيدت فيه ثانيةً عَنْسل للنَّاقة السريعة لأنَّه من العَسَلان وهو مشيُ الذئب لأنَّه سريعٌ ومن ذلك عَنْبَسٌ للأسد وهو من العُبوس والاسُد كَرِيهُ الوجه ومن ذلك خَنْفَقِيق لأنَّه من الخَفْق

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 261 ]

وهو الاضطراب والقافُ لام الكلمة مكررةً فأمَّا سُنْبُك فقيل النونُ فيه زائدةٌ وهو من السَّبْك وقيل لطرفِ الحافرِ ذلك لصلابته كأنه سُبك وأمَّا النونُ في سُنْبُل فقالَ ابن دريد هي زائدةٌ وهو من السَّبَل والإسْبال وهو من الاستطالةُ فكأنَّ السُّنْبُلَة لسبوغِها وانتشار أعْلاها مسبلةٌ كالإزار

فصل

وقد زيدتْ ثانيةً في كَنَهْبَل لأنَّها لو جُعِلتْ أصلاً لم يكنْ لها نظيرٌ في الأصول إذْ ليسَ في الأصول مثل سَفَرْجُل ولذلك تحذفُها في الجمعِ نحو

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 262 ]

كَهَابل وكذلك النونُ في قَرَنْفُل والنون في شَرَنْبث زائدةٌ لوجهين

أحدهما أنَّها ثالثة وقبلها حرفان وبعدَها حرفان وما كان كذلك حُكم بزيادتِها فيه لأنَّه موضعٌ تكثر فيه الزيادات كألفِ التكسير وياء التحقير والياءِ في سَمَيْدَع والواو في فَدَوْكَس

والثاني قولُهم في معناه شَرَابِث ومثل ذلك جحافِل ويؤكد زيادتَها فيه أنَّه من معنى الجَحْفَلة والجحفل وأمَّا النّونُ إذا كانت زائدةً ساكنةً ولم تخرج الكلمةُ بها عن الأصولِ فهي اصلٌ إلاَّ أنْ يَدُلَّ الاشتقاقُ على زيادتِها وذلك نحو حِنْزَقْر النون فيه أصلٌ لِمَا ذكرنا وعلّةُ ذلك أنَّ الثاني لم تكثر زيادتُه ككثرةِ زيادة الثالث وِممَّا دلَّ الاشتقاقُ على زيادته من هذا عَنْسل وعَنْبَس وقد ذُكرا ومنه

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 263 ]

قِنْفَخْرٌ النونُ فيه زائدةٌ لقولهم في معناه قُفَاخِريّة والنّونُ في عَرَنْتُن زائدةٌ لقولهم في معناه عَرَتُنٌ ومثله دودم ودوادم فالألف فيه كالنون في عَرَنْتُن لأنَّها سقطت كما سقطت والنُّونُ في العَفَرْنى زائدةٌ لأنَّها من العِفْر والعِفْريت والنُّون في العِرْضِنَة زائدةٌ لأنَّه من معنى الاعتراض والنونُ في بُلَهْنِية زائدةٌ لقولهم عَيْشٌ أبله وذلك أنَّ البَلَه قريبٌ من الغَفْلة والعيش الواسع يُغْفَل فيه والياءُ فيه أيضاً زائدةٌ لأنَّها لا تكونُ أصْلاً في بناتِ الأربعة والنُّونُ في نَرْجِس زائدةٌ إذْ

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 264 ]

ليس في الكلام فَعْلِل بفتح الأول وكسر الثالث وقد يُسُمِعَ فيه كَسْرُ الأوَّل وهذا له نظيرٌ وهو زِبْرِج إلاَّ أنَّ النونَ فيه أيضاً زائدةٌ قد ثَبَتت زيادتُها في اللغة الأولى فلا يجوزُ أن يُحكَم بأصالتها وزيادتها فإنْ قيلَ ألا حكمتَ بأصالتِها لمجيئِها مع الكسر على مثال الأصولِ قيلَ لا يصحُّ إذْ يلزمُ منه على اللغةِ الأُخْرى مخالفةُ الأصول وليس إذا حكمنا بزيادتِها مع الكسرِ ممّا يخالف الأصولَ والنونُ في سكران وعطشان وبابه زائدةٌ بدليل الاشتقاق والأصول

أمَّا الاشتقاقُ فظاهرٌ وأمَّ الأصولُ فإنَّه ليسَ في الكلام فَعْلال بالفتح فأمَّا عُثْمان وعِمران فتعرف زيادتُها فيهما بالاشتقاق وكذلك كلُّ هذا الباب وكذلك المصادر نحو الغَلَيان والشَّنآن والنون في جُنْدُب زائدةٌ على قول سيبويه لوجهين

أحدهما الاشتقاق لأنَّه من الجَدبِ لِصَوْلة الجُنْدب

والثَّاني عَدَمُ النَّظير

وعلى قولِ الأخْفش هي زائدةٌ للاشتقاق وحدَه

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 265 ]

وأمَّا قُنْبَر فكذلك لأنَّهم قالوا قُبّرة بغير نون ولعدم النظير أيضاً

وأمَّا عُرُنْد بضمِّ العين والرّاء وسكونِ النون فنونه زائدة لعدم النظير ولقولهم عُردٌّ جاء ذلك في الرجز والنّونُ في كِنْثَأْو وسِنْدَأو وقِنْدَأْو زائدةٌ أيضاً والأُصول الكاف والثاء والهمزة والسين والدال والهمزة والقاف والدال والهمزة والدليلُ على ذلك كثرةُ ما جاءَ من النّون في نظائرِه زائدةً والواو لا تكونُ مع ثلاثة أصولٍ أصلاً ويُحقّقُ ذلك عِنْدي أنّا لو جَعَلنا النونَ أصلاً لكانت الهمزةُ إمَّا

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 266 ]

أصْلاً فيكون الوزن فِعْلَلَوْ ولا نظير له وإمَّا أن تكونَ زائدةً وهو بعيدٌ لأنَّ زيادةَ النُّون أسهلُ من زيادةِ الهمزةِ حَشْواً ولا يصحُّ أن يُجعلَ الجميعُ أصلاً لعدم النظير

والنونُ في عُنْصَر وعُنْصَل زائدةٌ لعدم النظيرِ ولأنَّه من العَصْر والعَصَل وهو الاعوجاج ومَنْ ضمّ الضادَ حكَم بالزيادة أيضاً لثبوتِ الزيادةِ في المثال الآخر والاشتقاق

والنّونُ في رِعْشَن وضَيْفَن وخِلْبَن وخِلَفْنَة زائدةٌ للاشتقاق وقد زيدت النونُ علامةً للرفعِ في الأمثلة الخمسةِ لعلَّةٍ ذكرناها في باب الأفعال من هذا الكتاب فإنْ قيلَ فقد ذكرتم أشياءَ من الألفاظِ الأعجميةِ وحكمتم على بعض حروفِها بالزيادة مثل نَرْجِس ومن أين يُعلم ذلك وهي كالحروفِ في جمودها

قيلَ لَمّا تكلمت بها العربُ وصرّفوها في الجمعِ والتصغيرِ وغيرِهما أجْرَوْها مجرى العربيّ ومن هنا حكمنا على ألفِ لِجام وواوِ نَيْروز وياءِ إبراهيم بالزِّيادة لقولهم لُجُم ونواريز وأبارِهة أو بَراهمة

وأمَّا النونُ في جُنَعْدل فزائدةٌ لعدمِ النظير في قولِ مَنْ ضمَّ الجيمَ وفتح الدال

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 267 ]

والأكثرون على فتحهما وجعل النون أصلاً وأمّا جَنَدِل بفتح الجيم والنون وكسر الدال فالنون فيه زائدة لعدم النظير

وأمَّ النونُ في نَهشل فاصلٌ لأنه من نَهْشَلت المرأةُ إذا أسنَّت

وأمَّا نَهْصَر فقيلَ هي أصل كَجَعْفَر وقيلَ هي زائدةٌ لأنَّه من معنى الهصر

وأمَّا النُّون في عَنْتَر فأصلٌ عند البصريين لأنَّ له نظيراً وهو جَعْفَر ولم يقم دليلٌ على الزِّيادة من طريقِ الاشتقاق وقال غيرهم هي زائدةٌ لأنَّه مشتقٌّ من العَتْر وهي الشِّدة يقال عتر الرمحُ إذا اشتدَّ وعَتَر أيضاً اضطربَ ويجوزُ أن يكونَ من عتر إذا ذَبح ومنه العَتِيرة

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 268 ]

بابُ زيادة التَّاء

وقد زيدت التاءُ أوّلاً في المضارِع للخِطاب نحو أنتَ تقومُ وأنتِ تقومينَ وأنْتُما تقومانِ في خِطاب مذكَّر ومؤنَّثٍ تَغْليباً وللتأنيث هي تَقومُ وهما تقومان وأنتما تقومان للمؤنثين فأمَّا هنَّ يقمن فاستغْنيَ عن علامةِ التأنيث في الأوَّل لدَلالةِ الضميرِ عليه وأمَّا هُما يقومانِ لمذكَّر ومؤنَّث فبالياء تَغُليباً فأمَّا أنتنَّ تَقُمْنَ فللخطابِ لا غير

وقد زيدتِ التَّاءُ أوّلاً في الأسماء نحو تُرْتب وفيه ثلاثُ لغاتٍ فتحُ التَّاءِ الأولى وضَمُّ الثَّانية وضَمُّ التاءِ الأولى وفتحُ الثَّانية وضمُّهما فيلزمُ مثلُ ذلك في الثالثة والثَّاني أنَّه الشيءُ الرَّاتِبُ فاشْتِقاقُه من رتَب أي ثَبَتَ واطَّرد

والتَّاء في تَنْضُب زائدة لأمرين

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 269 ]

أحدهما عدم النَّظير إذْ ليسَ في الكلامِ فَعْلُلٌ بفتح الفاء وضمِّ اللاَّم

والثَّاني أنَّ تَنْضُباً شجرٌ طويلٌ دقيقُ الأغصانِ فهو من معنى نُضُوبِ الماءِ كأنَّ الماءَ بَعُدَ عنه ومثلُه الشوط وهو شَجَرٌ يُشْبِهه كأنَّ الماءَ شُحِطَ عنه

وأمَّا تَتْفُل ففيه ثلاثُ لُغاتٍ ضمُّ التَّاءِ والفاء وفَتْحُ التّاء وضمُّ الفاء وعكسُ ذلك والتَّاء الأولى زائدةٌ لأمرين

أحدهما زيادَتُها واجبةٌ في اللُّغة الوُسْطَى لعدمِ النَّظير وكذلك على اللغةِ الأخيرة في قول سيبويه وتلزمُ زيادَتُها على اللغة الأولى وهكذا إنْ دخلت عليه تاءُ التَّأْنيث لوجوبِ زيادتِها قبلها

والثَّاني أنَّه قريبٌ من معنى التَّفْل وهو البَصْقُ لأنَّ ولدَ الثعلب وهو التَّتْفُل يَجْري في مَشْيه بسهولةٍ كَرِقَّة البُصَاق أو كأنَّه يَقْذِفُ جَرْيَه كقَذْفِه البُصاق

وأمَّا التَّاءُ في تِنبال ففيها وجهان

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 270 ]

أحدهما هي أصلٌ والنونُ زائدةٌ لأنَّه القصيرُ وهو من التّبْل الذي هو القَطعُ إذ القصيرُ قِطْعَةٌ من الطَّويل

والثَّاني عَكْسُ ذلك واشتقاقُه من النَّبْلِ لأنَّه قصيرٌ مثله

وأمَّا التصدير فَتاؤه زائدةٌ لأنَّه من الصَّدر

فأمَّا التَّاء الأولى من تَرَبُوت فأصلٌ لأمرين

أحدهما أنَّ الأخيرةَ زائدةٌ فلو زيدَت الأُخْرى لم يبقَ ثلاثةُ أحرفٍ أصول

والثَّاني أنَّه من معنى ا لتُّرَاب فكأنَّ الناقةَ المُذَلَّلَةَ كالتراب في السُّهولة وقد أُبدلتِ التَّاءُ وإلا فقالوا ناقة دربوت أي مُدَرَّبةٌ ويجوزُ أن يكونَ ذلك أصلاً آخر

وأمَّا التّاء في تَوْلَج فبدلٌ من الواو

وأمَّا التَّاء في الرَّهَبُوت وبابِه فَزائدةٌ بدليل الاشتقاق وعدمِ النَّظير

وكذلك التَّاء في عنكبوت لقولهم عَناكِب

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 271 ]

وأمَّا التَّاء في تَدْرَأ فزائدةٌ لعدم النظيرِ والاشتقاق لأنَّه من الدَّرْء

وأمَّا التاءُ في سَنْبَتة وهي القطعة من الدَّهر فزائدة لقولهم في معناها سَنْبَةً

وقد اطَّردت زيادةُ التَّاء في الفعلِ للمعاني نحو تَفَعَّل وتَفَاعَل وافتعل وفي مصادرها وفي مصدر فَعّل نحو قطّع تَقْطيعاً فزيادةُ التّاء والياء عوضٌ من تَشْديد العينِ في الفعل ليدلَّ على التكثير والتوكيد وأمَّا التَّاء في الطَّاغوت فهي زائدةٌ وأمَّا الكلامُ على ألفها ووزنها فيأتي في البَدَل إنْ شاء الله تعالى

فصل

في تاء التأنيث

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 272 ]

قد زيدت تاءُ التأنيثِ آخرِاً في الفعل نحو ذَهَبَتْ وهي ساكنةٌ أبداً والغرضُ منها الدَّلالةُ على تأنيثِ الفاعل على ما نبيِّنه في بابه وفي الاسم نحو قائمةٌ وشَجَرةٌ وفي بعض الحروفِ نحو رُبَّت وثُمَّت أرادوا تأنيثَ الكلمة ويوقفَ عليها هاءٌ ومنهم مَنْ يقفُ على التَّاء حَمْلاً على الفِعْل إذ لم يُدلّ على تأنيثٍ في المعنى

وأمَّا لاتَ كقوله تعالى ( وَلاَتَ حِينَ مَناصٍ ) فهي لا زيدتْ عليها التَّاءُ وعَمِلتْ عملَ ليسَ وقد استوفيتُ ذلك في إعرابِ القرآن

وقد زيدت مع الألف في جمعِ المؤنَّثِ نحو مُسْلِمات وقد ذُكرَ في صَدْر الكتاب وأمَّا إبدالُ التَّاء هاءً فيذكرُ في حرفِ الهاء

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 273 ]

باب زيادة الهاء

قَدْ ذَكَرْنَا شَبَه الهاءِ بالألف في خَفَائها وقُرْبِها من مَخْرجها إلاّ أنّها في الْجُملة تقلُّ زيادتُها بحسب بُعْدِها من حُروفِ اللِّين وقد زيدت أوّلاً وحَشْواً وآخِراً

فمن الأوَّل هِرْكَوْلَة على قول الخليل لأنَّه أخَذَه من الرَكْل لأنَّه رأى أنَّ الهِرْكَوْلةَ المرأةُ العظيمةُ الأوْرَاك فهي تَرْكُل في مَشْيها أي تَرفَعْ وتضعُ بشدةٍ وقال غيرُه هو أصلٌ واحَتجَّ بأنَّ الأصلَ عدمُ زيادتها وهذا البناءُ يمكنُ أن تكونَ فيه أصْلاً وإنْ كان في معنى الثُّلاثي كما أنّ سَبِطاً وسِبَطْراً بمعنى

ومن ذلك هِبْلَع أُخِذَ من البَلْع لأنّه الرجلُ الكَثير البَلْعِ وهِجْرَع

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 274 ]

الكثيرُ الْجَرْع فَزِيادةُ الهاءِ تُنبّه على المبالغةِ في هذين الْمَعْنَيين وقال قومٌ هُمَا أصْلان

وقد زيدت ثانيةً في أهْراقَ لأنَّ أصلَ الكلمةِ من رَاق يريق والدليل عليه قولهم تريُّقُ الماءِ تَرَدُّدُه على وجه الأرض وهو من الياء إذْ لو كانَ من الواو لَقالوا تَروّقُ الماءِ تردّده وقال قومٌ هو منَ الواو من راقَ يَرُوق إذا ضفا وهو لازِمٌ فإذا أردتَ تعديَته زِدْتَ عليه الهمزة فقلت أرَقْتُه مثل باتَ وأَبَتُّه فإذا قالوا أهْرَقته فقد زَادُوا الهاءَ ومنهم مَنْ يقول هَرَقْتُ الماءَ فالهاءُ هنا بَدَلٌ من الهمزةِ فإذا بنيتَ منه اسمَ فاعلٍ قلتَ على الأوّل فهو مُهَرِيق والمفعول مُهَراق فالهمزةُ محذوفةٌ والهاءُ تحرّكت كما كانت في الفعل ونظيرُه من الصحيح أكرمَ إذا زدتَ عليه الهاءَ قلت أُهَكْرِم فهو مُهَكْرِم والأصلُ مؤهكرم فأمّا مَنْ أبدلَ الهمزة هاءً فقالَ هراق فاسم الفاِعل مُهَرِيق واصله مثل مُؤرِيق ثم نُقلتْ حَركةُ الياء إلى الرّاء وسكّنت الهاء فهو مثل مُقيم في الأصل من أقام إذ لو جعلتَ مكانَ الهَمزةِ هاءً فقلت مهقيم فأثبتَ الهاءَ ولم تَحْذِفْها كما حذفت الهمزة لأنّ العلّةَ في حذفِ الهمزةِ ما نَذْكُره في الحذفِ وذلك مخصوصٌ بها دون بَدَلها

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 275 ]

وقد زِيدت الهاءُ في أمّهات والأصل أمّ على فُعْل ولذلك قلتَ أمٍّ بَيّنةُ الأُمُومة وأمّ كلٍّ شيئ أصلُه ومنه قيل لمكّة أمُّ القرى ورئيسُ القوم أمُّهم وزيادة الهاء في أمّهات الناس للفرْق بينها وبين أمّات البهائم وقد جاءَ بغير هاء في الناس فقال من - المتقارب - ( ... فَرَجْتَ الظَّلامَ بأمّاتكا )

ومنهم مَنْ يقولُ أمَّهات البَهائم وهو قليلٌ كقلّةِ أمّات الناس وقال قومٌ الهاءُ في أمهات أصل وهو بعيد لوجهين

أحدهما أنّ الواحدَ لا هاءَ فيه وهو الأصل

والثَّاني أنَّ الأصلَ الذي يوجدُ منه على القولِ بِأصالةِ الهاء هو الأمَهُ وهو النِّسْيَان ولا معنى له ههنا

وقد زيدت الهاء آخراً للسكت ومعنى ذلك أن يكون الحرف الأخير خفيّاً فيبيّن

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 276 ]

بالوقف بالهاء نحو كِتابيَهُ وحِسَابيَهُ أو تكون حركة الحرفِ دالّةً على حرف محذوفٍ نحو لِمَ وبمَ فإنَّ فتحةَ الميم تدلُّ على الألفِ المحذوفة فلو وقفت عليها وسكّنتَ لم يبقَ على المحذوفِ دليلٌ وإنْ حرّكتَ لتدلَّ وقفتَ على الحركةِ فزادوا الهاءَ لتبقى الحركةُ ويكونَ الوقفُ على الساكن وإنَّما اختاروا الهاءَ لِضَعْفِها وخَفَائها وبذلك أشْبَهت حروفَ المدِّ

ومن ذلك اغْزُ وارْمَ واسْعَ واخْشَ إذا وقفتَ عليها ألحقتَها الهاء ويجوزُ أنْ تقفَ بغير هاءٍ في ذلك وهو الأصْلُ فأمَّا ما حُذِفتْ فاؤه ولامُه في الأمر من وقَى ووَفَى فأكثرهم يقفُ عليه بالهاء نحو قِهْ وفِهْ وعِهْ تقويةً للكلمةِ إذْ بقيتْ على حرفٍ واحدٍ ولاستحالة تَسْكِينها إذْ كانتْ مَبْدُوءاً بها موقوفاً عليها ومنهم مَنْ يُجوّز تركَ الزِّيادةِ ويقفُ على الحركةِ فأمَّا إنْ كانت الحركةُ حركةَ إعراب لم يُوقفْ عليها بالهاء كَضربَ ويرمي وإنْ كانَ السكونُ إعراباً فكذلك نحو لَمْ يضربْ ولم يرْمِ ولم يغزُ

وأجازَ قَوْمٌ في المجزومِ المعتلِّ الوقْفِ على الهاءِ نحو إنْ تَفِ أَفِهْ وإنْ ترمِ أرْمِهْ تشبيهاً له بالمبنيّ

ومِمَّا يُوقَفُ عليه بالهاء والنون بعد الواوِ والياء نحو مُسْلِمُونَهْ ومُسْلِمينَهْ وتتفكَّرونَهْ لأنَّ حركتَها حركةُ بناءٍ بعد حَرْفٍ ساكنٍ فَكَرِهُوا أنْ يَقِفُوا على السَّاكن بعد السَّاكن ولذلك أجازوا كَيْفَهْ لأنَّ حركةَ هذه الحروفِ كلِّها حركةُ بناءٍ بعدَ حَرْفٍ ساكن

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 277 ]

باب زيادة السين

وقد زيدت في الاسْتِفْعال وما تصرّفَ منه بمعنى الطَّلب نحو اسْتَسقَى الماءَ أي طلبَ أنْ يُسْقاه وقد جاءَ استفعلَ بمعنى فَعَلَ نحو استقرَّ بمعنى قرَّ وقد زيدت عِوَضاً في اسطاعَ وفي هذه الكلمةِ أربعُ لُغات أطاعَ وأسْطَاع بقطْع الهمزةِ واسْطَاعَ بوصلها واسْتَطَاعَ بالتَّاء ولغةٌ خامسة اسْتَاعَ

فأما ( أَطَاعَ ) فمثل ( أقَام ) فالألفُ بدلٌ من الواوِ لِمَا نذكُرُه في البَدل

وأمَّا اسْطَاع بوصلِ الهمزةِ فأصلُه استَطَاع فحذفت التاء لمجانستها الطَّاءَ كما يُحذف أحدُ المِثْلَيْن

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 278 ]

وأمَّا أسْطاعَ بقطع الهمْزَةِ وفتحها فالسِّينُ فيه بَدَلٌ من حركةِ لفظِ حركةِ الواو وذلكَ أنَّ أصلَه أطْوَعَ فنقلت حركةُ الواو إلى الطّاءِ على ما يوجبه القياسُ ثم أُبْدِلت السّينُ ممَّا ذكَرْنا والدليلُ على ذلك من وجهين

أحدهما أنَّ همزةَ أسْطاع مفتوحةٌ مقطوعةٌ مثلُ همزةِ أطَاع

والثَّاني أنَّ حرفَ المضارعةِ فيه مضمومٌ مثلُ يُطيع ولو كانت سينُ استفعلَ لم يكن كذلك وقال المبرّد هذا غلطٌ لأنَّ حركة الواو قد نقلت إلى الطَّاء فهي موجودةٌ فكيفَ تصحُّ دَعْوَى البَدل منها مِنْ موجودٍ

فالجواب عمَّا قال من وجْهين

أحدهما أنَّ الواوَ لَمَّا سُكِّنت قُلبتْ ألِفاً وتعرَّضت للحذفِ في الجزْم ولو كانت الحركةُ باقيةً في حكم الموجودِ لم يكنْ كذلك

والثاني أنَّ السينَ بدلٌ من الحركةِ الكائنة في الواوِ ونقلُها إلى غيرها لا يُخْرِجُها عن استحقاقِ الحركةِ وأنَّها ليست موجودةً فيها وقد زيدت السِّينُ في بعض اللُّغاتِ بعد كافِ المؤنث نحو رأيتكس ومررت بِكَس وبعضُهم يزيدُ الشين وهو شاذّ

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 279 ]

بابُ زيادة اللاّم

اعلمْ أنَّ زيادَتها بعيدةٌ في القياس لبُعْدِها من حروفِ المدِّ وإنَّما زيدت في حروفِ قليلةٍ قالوا في زيدٍ زَيْدَل وفي عَبْدٍ عَبْدل وقالوا في الأفْحَج فَحْجَل وقالوا في أولئك أولالك وهذا شاذ فأمَّا اللاَّم في ذلك فزائدةٌ لبُعْدِ المُشار إليه وقيلَ هي بَدَلٌ من ها التي للتَّنْبيه وكذلك هي زائدةٌ في تِلك وقد زيدتْ للتَّعريف على ما ذكرنا في باب المعرفةِ والنَّكرةِ

فصل

كلُّ حرفٍ مُشدَّدٍ في أصلٍ ثلاثيّ فالثّاني منهما زائدٌ وقد تكرَّر حرفانِ الفاءُ والعين نحو مَرْمَريس ومَرْمَريت ولا نظير لهما ووزنُه فَعْفَعيل

فأمَّا دَرْدَبيس فلا تكريرَ فيه لأنَّ الدَّال الثانية لم تتكرر معها الراُْءُ فوزنه فَعْلَلِيْل

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 280 ]

وأمَّا دَدن ودَدَى وَدَدٌ فلا يُقالُ الفاءُ مكررةٌ بل فاؤه وعينُه من موضعٍ واحد وقد يُفْصَل بين المثلين في مثلِ ذلك نحو كَوْكَب

فأمَّا أوَّل ففاؤه وعينه واوان وله موضعٌ يذكر

فصل

الأصلُ أنْ تكونَ الزيادةُ أخيراً لأنَّه موضعُ الحاجة إليها إذْ البَدْأَةُ بالاصول ممكنةٌ وإنَّما يقترض بعد إنفاق الحاصل إلاَّ أنَّه قد زيد أوَّلاً وحَشْواً على حسب المعنى

فصل

في الإلحاق

اعلم أنَّ القصدَ من الإلحاقِ أنْ تزيد على بناءٍ حتَّى يصيرَ مُساوياً لبناءِ أصْلِ أكثَر منه وهذا يُوجِبُ أنْ يُزَادَ على الاسم الثُّلاثيّ حتَّى يصيرَ رُباعياً وخُماسياً فقد تَلْحَقُه زيادتان لأنَّ أكثرَ أصولِ الأسماءِ خمسةٌ فأمَّا الفِعْلُ فَيُزادُ على الثُّلاثي واحدٌ فَيَلْحَقُ بالرُّباعي لأنَّ الفعلَ لا خماسيَّ فيه

واعلمْ أنَّ حرفَ الإلحاقِ لا يكونُ أوَّلاً لأنَّ الزيادةَ أوَّلاً تكونُ لمعنىً إذ حقُّ المعنى أنْ يُدلّ عليه من أوَّلِ الكلمة ليستقرَّ المعنى في النفس من أوَّلها فقد يكونُ حرفُ الإلحاقِ حَشْواً وآخراً

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 281 ]

واعلم أنَّ الإلحاقَ إذا كانَ آخِراً جازَ أن يكونَ بالحروفِ كلّها إذا كانَ الملحقُ من جنس اللاّم

وأمَّا الإلحاقُ إذا كانَ حَشْواً فيكون بالياء والواو والنّون فمثال الواو ثانية جَوْهَر ملحق بجعفر فالواو بإزاء العين والياءُ ثانيةً مثل خَيْفَق ومثالُهما ثالثةً جَدْوَل فالواوُ بمنزلةِ الفاء من جَعْفَر وعِثْيَر فالياءُ بإزاء الهاء من دِرْهَم

وأمَّا الألفُ فلا تكونُ للإلحاقِ حَشْواً لأنَّ ما فيها من المدِّ يُخْرِجُها عن مُساواة حروفِ الأصلٍ من غيره ويؤيِّدُ ذلك أنَّها لا تكونُ أصْلاً في الأسْماء المتمكِّنةِ والأفعالِ فلا يُقابَل بها أصْلٌ وأمَّا زيادتُها أخيراً للإلحاق فجائز

فصل

ويُسْتَدلُّ على الألف إذا كانت أخيراً أنَّها للإلحاقِ بثلاثةِ أشياء

أحدها أنْ لا تكونَ منقلبةً عن أصلٍ وأنْ تنوّنَ فالشرَّطُ الأوَّلُ يدلّ على أنَّها إنْ كانت منقلبةً عن أصْل لم تكن زائدةً ومن شَرْط حَرْفِ الإلحاق أن يكونَ زائداً وأمَّا التنوينُ فَيدُلّ على أنَّها ليست للتأنيث

والثَّاني أنْ تكونَ على بناءٍ غيرِ مُخْتَصّ بالتأنيث فَحُبْلى ونحوه من فُعلى

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 282 ]

لا يكونُ إلاّ للتأنيث ومن هُنا كانت ألفُ بُهْمى للتأنيث والألف في بُهْماة زائدةً للتكثيرِ وعلى قولِ الأخفش تكونُ للإلحاق بِجُخْدَب

والثَّالث أن تنقلبَ الألفُ في التصغير ياءً كما تنقلبُ المنقلبةُ إلى الياء نحو مِعْزى وتصغيرها مُعَيْز وأمَّا الهمزةُ في عِلْباء فَمُبْدَلةٌ من ألفٍ مُبْدَلةٍ من ياء زائدةٍ للإلحاق بسِرْداح ولذلك تقولُ في تصغيرها عُلَيْبيّ فتقلبُ ألفَ المدِّ ياءً لانكسارِ ما قبلَها وتعيدُ اللاّم إلى أصلها وقد جاءت ألفاظٌ تكونُ الألفُ في آخرها للإلحاقِ في لغةٍ وللتأنيثِ في أُخرى نحو ذِفْرى وتَتْرَى فمما جاءَ على الإلحاق

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 284 ]

بابُ البَدل

معنى البدل إقامةُ حرفٍ مَقامَ حرفٍ آخر والغرضُ منه التخفيفُ وموضعُ البَدَل موضعُ المبدَلِ منه بِخِلافِ العِوض فإنَّه في غيرِ مَوضعِ المعوَّض منه كتعويضهم تاء التأنيث في عِدّةٍ وزِنَةٍ من فاء الكلمة التي هي واوٌ وكالهمزة في اسمٍ فإنَّها عُوِّضت من لامِ الكلمةِ التي هي واوٌ فإنْ قيلَ لِمَ فَرَّقوا بينَ العِوَضِ والبدلِ فيما ذكرت البدلُ في اللغةِ من جِنْسِ المُبْدَلِ منه يُقام مقامَه والعوضُ جزاءُ الشَّيء وقد يكونُ من غَيْرِ جِنْسه ألا تَرى أنَّ الثَّوابَ والعِقَابَ على الفِعل تُسمَّى عِوَضاً ويُقال عَوَّضَه اللهُ من وَلَدِه مالا أوْ عِلْماً

فصل

والبَدَلُ على ضَرْبين مَقِيس وغيرُ مَقِيس

فَغَيرُ المقِيس كإبدالهم الياءَ من الباء في الأرانبِ فقد قالوا الأراني وإبدال

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 285 ]

من السين في سادس فإنهم قالوا سادي

وأمَّا المقيسُ فَضَرْبان أيضاًُ لازِمٌ مطَّرد ولازمٌ غير مطَّرد

فالأوَّل ما أُبْدِلَ لعلَّةِ فإنَّه لازمٌ حيثُ وُجدت العلّةُ ما لمْ يمنع منه مانعٌ كإبدالِ الواو والياء ألفاً لتحركهما وانفتاح ما قبلهما

واللازمُ غيرُ المطَّرِد نحو إبْدَالِ الياء من الواو في أعْياد

وأمَّا ما ليسَ بلازمٍ ولا مطَّرِد فهو الجائزُ كإبدالهم الواوَ همزةً في وِشاح ووِعاء فإنَّه جائزٌ غيرُ مطّرد ألا ترى أنهم إذا علَّلُوا الإبدالَ بكسر الواو بطلَ عليهم ب وِرْد وِقْر وغيرِ ذلك ممّا لا يجوزُ فيه الإبدال مع وجود العلَّة وعدمِ المانع

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 286 ]

فصل

في حروفِ البدل

وهي أحدَ عشرَ منها ثَمَانيةً من حروفِ الزِّيادة تُسقط منها السين واللام ويُزادُ عليها ثلاثةً من غيرها وهي الدَّال والطاءُ والجيمُ وسيَأْتي ذلك حَرْفاً فحرفاً إن شاء الله تعالى

فصل

في إبدال الهمزةِ

وقد أُبْدِلت الهمزةُ من خَمْسةِ أحْرُفٍ من الألفِ والواوِ والياء والهاء والعين

إبدالُها من الألف

مسألة

إذا وقَعتْ ألفٌ التأنيثِ بعدَ ألفِ المدِّ قُلبتْ همزةً البتة كقولك صَحْراء

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 287 ]

وحمْراء لأنَّ الألِفين التقتا ومُحالٌ اجتماعُهما وحذفُ الأولى وتحريكُها يُخِلّ انقلبت المدّ وحذفُ ألفِ التأنيث يُخِلُّ بالتأنيث فتعين تحريكُها وإذا حُرِّكت انقلبت همزةً لِقُرْبِ مَخْرج الهمزةِ منها ولا يُقال إنَّ الهمزةَ علامةٌ للتأنيثِ في الأصل لأنَّها لو كانت كذلك لجاءت للتأنيثِ من غيرِ عِلّة توجِبُ التغييرَ كما جاءت الألفُ والياء

مسألة

إذا وقعتِ الألفُ قبلَ الحرف المشدَّد نحو دابّة وابياضّ فمن العرب من يبدلها همزة وقد قاسَ ذلك النحويون ومنهم من لم يقسه وقال المبرّد للمازنيّ أتقيسُه قال لا ولا أقبله ومعنى ذلك أنَّه يستعِفُه لا أنَّه يردُّ الرواية به لأنَّها صحيحةٌ فاشيةً وعلّة القلبِ لأنَّ الألفَ ساكنةٌ وبعدها حرفٌ ساكنٌ فَحُرِّكتِ الألفُ كراهيةً لاجتماع الساكنين وانقلبت همزةً لِمَا تقدَّم وإنَّما ضَعُفَ هذا في القياس وقلَّ في السَّماع أنَّ الألفَ لامتداد صوتِها كأنَّها متحرِّكةٌ فلا جَمْعَ إذن بين ساكنين

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 288 ]

مسألة

حكى سيبويه عن بعضِ العربِ أنَّه يَقْلبُ ألفَ التأنيث في الوقْف هَمْزةً فيقول هذه حُبْلاً فكأنّه أرادَ أنْ يقفَ على السَّاكن المتحركٍ في الوَصْل فَعَدَل إلى ما يُتصوّر فيه ذلك وهي الهمزةُ لِقُربِها منها وحَصَل بذلك الفَرْقُ بين الوقفِ والوصل وكذلك أبدلَ من ألفِ التنوين همزةً كقولك رأيتُ رَجُلاً وكذلك في قولِك هو يَضرِبُها فإذا وصَل أعادَه إلى الأصل

مسألة

في قول - الراجز -

( مِنْ أيِّ يَوْمَيكَ مِنَ الموتِ تَفِرْ ... أيومَ لم يقدرَ أمْ يومَ قُدِرْ )

بفتح الراء ففيه لِلنَّحويين ثلاثةُ أوْجُهٍ

أحدها أنَّه حرَّكَ السَّاكنَ للضَّرورة

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 289 ]

والثَّاني أنَّه أرادَ النونَ الخفيفةَ فأبدلَ منها ألفاً ثم حذَفَها للوصلِ وهذا ضعيفٌ لأنَّ ذلك يكونُ لأجْلِ الساكن بعدَها

والثالث وقال أبو الفتح قدَّرَ الراءَ متحركةً بحركةِ الهمزةِ المجاورةِ لها كما هَمَزُا الواوَ السَّاكنة لانضِمام ما قبلها نحو لمؤقدان ومؤسى ثم همزة الألفَ لسكونها وسكونِ الميم بعدها قلت ولو قيل إنه ألقَى حركةَ الهمزةِ على الراء وأبدلَها ألفاً ثم عمِل ما ذكر كان أوْجَهَ لأنَّه أقلُّ عملاً

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 290 ]

والسُّؤق ثم أبدلَ من الهمزةِ ألفاً كما قال في المرأة مَرَاة وفي الكَمْأة كَمَاة

مسألة

الهمزةُ في قول الشَّاعر من - الرجز -

بالخيرِ خَيْراتٍ وإنْ شَرّاً فأا ... ولا أريدُ الشرَّ إلاَّ أن تأا )

وأصلها ألفٌ ويريدُ فشرّ فلمَّا ذكر الفاءَ وحدَها أشبعَها فنَشَأتِ الألفُ فأضافَ إليها ألفاً أُخْرى وحرِّكَها كالأولى لالتقاء السَّاكنين ومنهم مَنْ يرويه فا بألفٍ واحدةٍ

فصل

في إبدالِ الهمزةِ من الواو

وذلك على ضربَيْن جائزٌ ولازِمٌ فالجائزُ أنْ تنضمَّ الواوُ ضَمّاً لازِماً أوَّلاً كانتْ أوْ وسطاً فإنَّه يجوزُ قلبُها همزةً كقولك في وُعِد أُعِد وفي وُجوه أُجوه وفي

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 291 ]

أثْوُب أثؤب إنَّما كانَ كذلك لأنَّ الواوَ مقدَّرةٌ بضمّتين فإذا انضمّت ضمّاً لازِماً فكأنَّه اجتمعَ ثلاثُ ضمّات وكلُّ واحدٍ منها مُسْتَثْقَلٌ فَهُرِبَ منها إلى مالا يقدَّر بضمتين وهو الهمزةُ وكانت أوْلى من الياء لأنَّها مقدَّرةٌ بكسرتين فضمّها مستثقلٌ ولأنَّ الهمزة نظيرةُ الواو في المخرج لأنَّ الهمزةَ من أقْصى الحلقِ والواو من آخر الفم فهي محاذَّتُها فإن قيلَ فهلاّ كانَ قلبها لازماً قيل لوجهين

أحدهما أنَّ الضمّة في الواو مجانسةٌ لطبيعتها وإنْ كان مستثقلاً

والثاني أنَّ الأصل في الإبدال اللازم أنْ يكونَ لعلَّةِ ملازمة ولم يوجد

فصل

فإن كانت الواوُ مكسورةً نحو وِعَاء وِسادَة فقد هَمَزَها قومٌ وَوَجْهُهُ

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 292 ]

أنَّ طبيعةَ الواو الضمّ فكَسْرُها مخالفٌ لطبيعتها فكأنَّ الواوَ خالَطَتْها الياءُ وذلكَ شاقّ على اللسانِ فعُدِل عنها إلى الهمزةِ لِمَا ذَكَرْنا في المضمومةِ

فصل

فإنْ كانت مَفْتُوحةً لم تُقْلَب هَمْزَةً إلاَّ أن يُنْقَلَ ذلك لخفَّةِ الفتحةِ وأنَّ الواوَ المفتوحةَ أخفُّ من الهَمْزَةِ وقد جاءَ قلبُها همزةً في ثلاثة مواضعَ وهي أحَد في وَحَد كقوله تعالى ( قُلْ هُوَ اللهُ أحَد ) لأنَّه من الوَحْدة فأمَّا أحدٌ المستعملُ للعموم كقولك ما جاءني مِنْ أحدٍ فهي اصلٌ إذْ ليس معناها واحداً ومن ذلك امرأةٌ أناةٌ وأصلُها وَنَاةٌ لأنَّها المتثنيَّة في مشْيَتِها فهي مُشتَقّة من الوُنْية

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 293 ]

والتَّواني ومن ذلك قولهم أسْماء اسمُ امرأة واصلها وسْمَاء من الوَسَامة وهو الحُسْن وهذا لا يقاس عليه

فصل

إذا وقَعت الواوُ عَيْناً في فاعِل نحو قَائِل وجائِر قُلِبَت همزةً وفيه أسْوِلَةً

أحدُها لِمَ قُلبت والجَوابُ أنَّها لَمَّا اعتلّت في قَالَ وجَارَ اعتَلَّت في قائل لأنَّه من فروع فَعل والقلبُ هنا يُعرَفُ من عِلّة القَلْب في الفِعْل لأنَّ الواوَ هَنا متحرّكةً وقبلها فتحةُ القاف والحاجز بينهما غَيرُ حصين ولأنَّ الألفَ لاستطالتِها كالحرفِ المفتوح وكان قياسُ ذلك أن تُقْلَب ألفاً إلاَّ أنَّ قبلها ألفاً فلم يُجمع بين ساكنين

والسؤال الثاني لِمَ قُلِبتْ همزةً ففيه وجهان

أحدهما أن القياس أن تقلب ألفاً فلَمَّا تعذَّرَ ذلك قُلبت إلى أختِ الألف

والثَّاني أنَّها لو قُلبت ياءً لكانَ حُكْمُها حكمَ الواوِ في وُجوبِ إعلالها فقلبوها حَرْفاً لا يجبُ إعلالُه مع مشابهتِه حروفَ العِلّة

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 294 ]

فصل

إذا وقعت الواوُ طَرَفاً بعد ألفٍ زائدةٍ اصلاً كانت أو زائدةً قلبت ألفاً ثمَّ قُلبت الألفُ هَمْزَةً نحو كِسَاء فإنْ قيلَ لِمَ أُبْدِلت قيلَ لأنَّها تطرَّفت وتحرَّكت والواُوُ المتحرِّكةُ مُسْتَثْقَلة والطرفُ ضعيفٌ فلذلك قُلِبت وقَبْلَها ساكن ألا ترى أنّها صّحت في ( شقاوة ) و ( عَبَايَه ) لَمَّا لم يتطرَّفاَ فإنْ قيل فقدْ أبدَلَها ههنا بعضُ العرب هَمْزَةً فقالوا عَبَاءة وصَلاءة قيلَ هي لغةٌ ضعيفةٌ

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 295 ]

والوجْهُ فيها أنَّه أدخل الهاء بعد القلب فلم يُعِدها إلى أصْلها إذْ كانَ حرفُ التانيث زائداً والتأنيث فرعٌ فلم يتغيَّرْ بهما الاصل فإنْ قيلَ فلِمَ أُبْدِلت ألفاً ثمَّ همزةً قيل هو اشْبَهُ بالقياس لأنَّ حكْمَ الواو إذا تحرَّكت وانفتَح ما قبلها قُلبت ألِفاً وقد بَيَّنّا أنْ قبلَها فتحةً أو كالفتحة فَلَمَّا صارت ألفاً حُرِّكت فانقلبت هَمْزَةً لئلا يُحذفَ أحدُ السَّاكنين وكلٌّ منهما يجبُ أنْ يُراعى

فصل

إذا اجتمعَ واوان في أوَّلِ الكلمةِ أُبْدِلت الأولى منهما هَمْزَةً نحو الأولى وجمع واصِل وتصغيرُه أواصل وأُوَيْصل وإنَّما كانَ كذلك لأنَّ الواوَ مُسْتَثْقَلة لكونِها خارجةٌ من عُضوين وهي مقدَّرةٌ بضمَّتين فالواوان في تقديرِ أربعِ ضمّاتٍ ثم هُما من جنسٍ واحدٍ والنّطْق بالحرفِ بعدَ حرفٍ مثله شاقٌّ على اللسان حتى أوجبَ

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 296 ]

ذلك الإدغامَ إذا أمكن وهُنا لا يُمْكنُ لأنَّ المدغمَ الأوَّل يجبُ أن يكونَ ساكناً والأوَّل لا يمكن إسْكانُه فعند ذلك هُرِبَ إلى حرفٍ آخرَ وهو الهمزةُ لِمَا ذكرْنا من قبل

فصل

وأمَّا إبدالُها من الياء فقد جاءَ شَاذّاً في أيْدٍ قالوا قَطَعَ اللهُ أدَه وأدَيه وأُبدلت من الياءِ إذا وقعت عين فاعِل نحو بائع وسائر ومن الياءِ لاماً نحو قَضَاء ورِدَاء والعِلَّةُ في ذلك كلِّه ما تقدَّم قبلُ

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 297 ]

وقد أُبدلت من الياء الزائدة للإلحاقِ في نحو عِلْباء وحِرْباء فإنْ قيل مِنْ أينَ أعْلَمُ أنَّ أصلها ياءٌ لا واو قيل لوجهين

أحدهما أنَّهم لَمَّا ألحقوا الهاءَ هذا الحرفَ أظهروا الياءَ فقالوا دِرْحَاية ودِعْكاية ولم يأت فيه الواو

والثَّاني أنَّهم لَمَّا ارادوا الإلحاق زادُوا أخفَّ الحرفينِ وهو الياء فإنَّها أخفُّ من الواو

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 298 ]

مسألة

فإنْ سمَّيتَ رجلاً ب صحراء ونسبتَ إليه قلت صَحْراويّ فأبدلت الهمزةَ واواً فإنْ رخَّمته بعد النَّسب على مَنْ قال يا حارُ قلت يا صحراءُ فأبدلت الواو همزةً فهذه الهمزةُ مُبْدَلةٌ من واوٍ مبْدَلةٍ من هَمْزَةٍ مُبْدَلةٍ من ألفٍ

فصل

وأمَّا إبدالُ الهمزةِ من الهاء فقد جاءَ ذلك في حروفٍ ليستْ بالكثيرة والوَجْهُ في إبْدالها أنَّ مَخْرَجَيْهما مُتقاربان إلاَّ أنَّ الهاءَ خفيّةٌ والهمزةَ أبْيَنُ منها فأُبْدِلَ الخَفيُّ من البَيِّن فمن ذلك ماء والأصلُ فيه مَوَهٌ لقولك في جمعِه أمْوَاه ومِياه وماهتِ الركيّةُ تَمُوهُ فقد رأيتَ لامَ الكلمةِ كيفَ ظهرتْ هاءً في التَّصريف فأبْدَلوها همزةً والواو ألفاً وقد جاءت في الجمع أمْوَاء على الشّذوذ

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 299 ]

ومن ذلك آل والأصلُ أهْل فأُبدلت الهاءُ همزةً ثم أبدلت الهمزةُ ألفاً لاجتماع الهمزتين وسكونِ الثانية وانفِتاح الأولى مثل آدم وآخر فإنْ قيلَ لِمَ قلتَ إنَّها أُبدلتْ همزةً ثمَّ ألفاً دون أن تقولَ أُبدلت ألفاً من الابتداء قيلَ لوجهين

أحدهما أنّهَا لم نجدهم أبدلوا الهاءَ ألفاً في غير هذا

والثَّاني أنَّها لو كانت بَدَلاً من الهاء كانَ استعمالُ الاصلِ والبدلِ بمعنىً واحد كما في وُجوه وأجوه وليس كذلك وإنَّما خصُّوا البدلَ ببعضِ المواضع فيقال آلُ الملك يريدون أشرافَ قومه ولم يقولوا آل الخياط وآل الإسْكاف وهذا حكُم فَرْع الفَرْع ألا ترى أنَّ التَّاءَ في القَسَم لَمَّا كانت بَدَلاً عن بَدَلٍ خَصُّوها بأفضلِ الأسماء فقالوا تالله ولم يقولوا تربِّك ولا غيرَ ذلك

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 300 ]

فصل

في إبدالِ الهمزةِ من العين قد جاءَ ذلكَ في بعضِ الاستعمال فالوجهُ فيه أنَّ الهمزةَ والعينَ متجاورتان في المنخْرَج فمن ذلك قولهم في عُباب أُباب ويجوزُ أنْ تكونَ الهمزةُ أصلاً من قولهم أبَّ للشيء إذا تهيّأ له وعُبَاب البحر مُعْظَمه ومعنى التهيؤ موجودٌ فيه وقالوا عُفُرَّة الْحَرِّ وأُفُرَّتُه والهمزةُ بدلٌ من العين ويجوزُ أنْ تكون أصلاً من قولهم أفِر يأفِر أفْراً إذا إدا وأصلُ الكلمة من الشدِّة والمعنيان يجتمعان فيها ويُؤْنِّس بإبدال العينِ همزةً إبدالُ الهمزةِ عَيْناً في مثلِ قولِ الشَّاعر من - الطويل -

( أَعَنْ ترسَّمْت مِنْ خَرْقاءَ مَنْزِلةً ... ماءُ الصِّبابَةِ من عَيْنَيْكَ مَسْجُومُ )

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 301 ]

والوجْهُ فيه أنَّ العينَ تَقْرُب من مخرج الهمزةِ وهي أبْيَنُ من الهمزة ففرّوا إليها خُصوصاً عند اجتماعِ الهمزتين

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 302 ]

ذِكْرُ إبدال الألف

وقد أُبْدِلت من حُروفٍ عِدّةٍ فمن ذلك الوَاوُ واليَاءُ إذا تحركتَا وانفتحَ ما قبلَهما قُلِبا ألفين عينين كانتا أوْ لامَيْن وقد خرجَ عن هذا الأصل أشياءُ لم تُقْلَب فيها لعللٍ نذكرها إنْ شاءَ اللهُ تعالى وإنَّما كانَ الأصلُ القلبَ لأنَّ كلَّ واحدةٍ من الواوِ والياءِ مُقَدَّرَةٌ بحركَتين لِمَا ذُكِر في غير هذا الموضع فإذا انضمَّ إلى ذلك حَرَكَتُها وحركةُ ما قبلَها اجتمعَ في التقديرِ أربعُ حركاتٍ متوالياتٍ في كلمةٍ وذلكَ مُسْتَثْقَلٌ وقد تجنَّبوا ما هو دونَه في الثِّقل كاجتماعِ المِثْلين نحو مَدَّ وشدَّ واصله مَدَد وشَدَد فأدْغَموا فِراراً من ثِقَل التَّضْعيف وقيلَ إنَّ الياءَ والواو إذا تحركتا صارت كلُّ واحدةٍ منهما بمنزلة حرفِ مدٍّ وبعض حرف مدٍّ آخر أو بمنزلة حرفي مدٍّ قالوا والمفتوحةُ كواوٍ وألف والمكسورةُ كواوٍ وياء والمضمومةُ كواوين وهكذا حكم الياء واجتماعُ حروف المدِّ يُسْتَثْقَل النّطقَ به فلذلك قلبوهما إلى الألفِ

فإنْ قيل لِمَ شَرَطوا انفِتاحَ ما قبلَهما ولِمَ قلبُوهما ألِفاً دونَ غيرِه

قيل إنَّما كانَ كذلك لأنَّ الغرضَ قلْبُهما إلى حرفٍ يمتنعُ تحريكُه وليسَ إلا الألف إذْ لو كان القلبُ إلى حرفٍ متحرِّك لكانَ القلبُ عبثاً والألفُ لا يكونُ ما قبلها إلاَّ مفتوحاً ويترتَّب على هذا مسائل

مسألة

لا فَرْقَ فيما ذكرنا بين أن يكونَ الحرفان عينين أو لامين مثل بابٍ ودارٍ

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 303 ]

ونابٍ وعابٍ والعَصَا والرَّحى

فإنْ قيلَ إذا كانتِ الواوُ والياءُ لاماً كانت حركتُها عارضةً فلِمَ قلبتا

قيل حركةُ الإعرابِ لازمةٌ وإنَّما تُحذَفُ في الوقْف وهو عارضٌ والأصلُ الوَصْلُ فأمَّا الحركةُ العارضةُ على التحقيق فلا يُقْلَب الحرف لها كقولك ( وَلَو انَّهم ) في لَوْ أنَّهم ( ولا تَنْسَوُا الفَلْلَ الفضل بينكم ) و ( لَتَرَوُنَّها ) ( فَإِمَّا تَرَيِنَّ )

مسألة

إذا تحرَّكتِ الواوُ والياءُ وانكسرَ ما قبلَهما أو انضمّ نحو عِوَض وسُوَر لم تنقلبا لأنَّ شرطَ انقلابِها قد فُقِدَ وهو انفتاحُ ما قبلَهما لينقلبا ألفاً غذ لا فائدةَ في انقِلابهما إلى الياء والواوِ الْمُجَانِسَيْن لحركةِ ما قبلهما ولأنَّ القلبَ يُفْضي بهما إلى مَثْلِهما

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 304 ]

مسألة

إنَّما صحَّت الواوُ والياءُ في الغَلَيان والنَّزَوان لوجهين

أحدهما أنَّ ذلك يُفْضي إلى حَذْف إحدى الألفين لاجتماعهما فيبقى اللفظُ النَزان والغَلان فيلتَبِسُ بما نونُه أصلٌ كالأمان والضَّمان وكذلك الصَّمَيَان

والثَّاني أنَّ هذا البناءَ لا يُشْبِه أبنية الفعل والتَّغييرُ بابُه الأفعالُ فَمَا لا يُشْبِهُه يَخْرُج على الأصل وأمَّا الطَّوَفَان والْجَوَلان ممَّا عينُه معتلَّةٌ فصحَّت لوجهين

أحدهما أنَّ هذا البناءَ قريبٌ من بابِ الغَلَيان والنَّزَوان فحملت الصِّحَةُ عليه للوجْهَيْنِ المذكورين

والثَّاني أنَّ الواوَ لو قُلِبت ألفاً لاشتَبه فَعَلان بفاعال فاجْتُنب لذلك

مسالة

إنَّما صحَّت الواوُ والياءُ في غَزَوا ورَمْيَا لئلا تَنْقَلب ألفاً فتُحذَف إحدى الألِفَيْن فيصيرَ كلفظ فِعْل الواحدِ

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 305 ]

مسألة

إنَّما صحَّت الواوً في اجْتَوَرُوا وبابه لأنَّه في حْكم تجاوروا إذ لا فَرْق بينهما في المعنى ولا موجب للقلب في تجاوروا فَحُمل اجتوروا عليه وهكذا حَوِل وعَوِر لأنَّ الاصلَ احولّ واعورّ وهذا لم توجَد فيه علّةُ القلب فكانَ التصحيحُ دليلاً على هذا الأصل

مسألة

إنَّما صحَّت الواوُ في خَوَنه وحَوَكة لوجهين

أحدهما أنَّ تاءَ التأنيث بعدَّتْه من شبه الفعل فخرجَ على الأصل

والثَّاني أنَّ ذلك أُخْرِجَ على الأصل تنبيهاً على أنَّ أصلَ البابِ كلّه التصحيحُ وعلى ذلك جاء استحوذَ ووجهه وقد قالوا حاكَه وخانَه فأجروه على القياس

مسألة

إنَّما صحَّتِ الواوُ في الهَوَى والنَّوَى لئلا تُحذَفَ أحدُ الألفين فأمَّا صحتها في

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 306 ]

نَوَوِيّ فلئلاّ يتوالى إعلالان وذلك أنَّ أصل الواو الثانية ياءٌ أُبْدِلت ألفاً ثم أُبْدِلت واواً لأجل النَّسب ولأنَّها لو أُبْدِلت ألفاً لصارَ لفظُها فاعيلا فيلتبس ولأنَّها لو صحَّت قبل النَّسَبِ بقيت على صِحَّتها

مسألة

إذا سُكِّنت الواوُ والياءُ وانفتحَ ما قبلَهما لم تُقْلَبا لزوالِ الْمُوجِب للقلبِ وهو الحركةُ وقد جاء ذلك شاذاً قالوا في طيّء طائيّ وفي الحيرة حارِيّ وفي زِبْنِيَة زَبَانيّ لأنَّ الألفَ على كل حالٍ أخفُّ منهما وقد وقَعَ في زِبْنِية تغييران فتحُ الباء وقلبُ الياء فأمَّا دويَّة فقد قالوا فيها داويّة فقال قومٌ هي لغةٌ وقيل أُبْدِلت الواوُ الأولى ألفاً وقيل الألفُ زائدةٌ ووزنُها فاعيلة وفيه بُعْدٌ لأنَّ ذلك من أبنيةِ الأعجمي وممَّا صحَّت فيه الواوُ القَوَد والأوَد نُبّه بذلك على أصلِ الباب

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 307 ]

إبدالُ الألف من الهمزة

إذا اجتمعت همزتان وسُكِّنت الثانيةُ وانفتحتِ الأولى أُبْدِلت الثانيةُ ألفاً ألبتة نحو آدم وآخر وفي الفعل نحو آمن وآزر وإنما كانَ كذلك لأنَّ الهمزةَ إذا انفردت ثَقُل النُّطْقُ بها فإذا انضمَّ إليها أخرى تضاعَف الثِّقَلُ وإذا تَصَاقَبا وسُكِّنت الثانيةُ ازدادت الكُلْفة بالنّطق بهما لا سيّما إذا أراد النطقَ بواحدةٍ بعدَ أخرى ومن هنا وَجَب الإدغامُ في المثلين والإدغامُ هنا مستحيلٌ والحذفُ يُخلُّ بالكلمة فتعيّن المصيرُ إلى إبدالِ الثانية ألفاً لانفتاحِ ما قبلها ولا يصحّ تَلْيينها لأنَّ الهمزةَ المليَّنةَ في حكمِ الهمزةِ المحقَّقة ولا يصحّ إبدالُ الأولى ولا تَلْيينها لتعذُّرِ الابتداءِ بالألفِ وما يقْرُب منها وإذا صغّرتَ آدمَ أو جمعته أبدلت الألفَ واواً فقلت أُوَيْدم وأوادِم كما تقول

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 308 ]

في ضارب ضُويرب وضَوارب ولا يجوزُ تحقيقُ الثَّانية في التصغير والجمع لما ذكرنا من الثّقل وأنَّ حركتها عارضةٌ

مسألة

إذا سُكِّنت الهمزةُ وانفتحَ ما قبلَها وانفردت جازَ تحقيقُها نحو رأس وكأس ومأتَم وجاز إبْدالها ألفاً تخفيفاً إلاَّ أنْ يقعَ ذلكَ في الشّعر مقابلاً لرِدْفٍ فإنَّه يلزمُ إبدالُها ألفاً لتستقيمَ الأرداف مثلُ أنْ يقعَ في آخر البيت ناس وفي آخِرِ آخَرَ راس فالإبدال في رأس لازمٌ لما ذكرنا وإنْ وقعَ في آخرِ بيت درهم في آخِر آخَر مأتم فالجيّدُ تحقيق الهمزةِ وقال بعضُهم يجوزُ إبدالُها فيكونُ بيت مؤسَّساً وبيتٌ غيرَ مؤسس في قصيدةٍ واحدة

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 309 ]

مسألة

الألفُ في قولهم أإدني من فُلانٍ بمعنى أنْصِفْني بدلٌ من الهمزةِ وفي الهمزة المبْدَلِ منها وجهان

أحدهما بدلٌ من عَيْنٍ والأصلُ أعدني لأنَّهم قالوا ذلك وقالوا أيضاً استَأْدَيْت أي استَعْدَيت من العَدْوَى

والثاني هي بَدَلٌ من الهمزةِ ثُمَّ فيها وجهان

أحدهما هي أصلٌ من الأداة وهو ما يُسْتَعان به على العمل

والآخر هي بَدَلٌ من الياء في يدٍ لأنَّهم يقولون يَدَي وأدْيٌ وهذه الهمزة بدلٌ من الياء والمعنى كن أيداً عليه

وقال المبرِّد هي من الأيد والأد وهو القوّة وهذا لا يصحُّ إلاَّ أنْ يُدَّعى فيه القلب وهو تحويل الياءِ إلى ما بعد الدال فأمَّا من غير قَلْبٍ فلا يجوزُ لوجهين

أحدهما أنَّه لو ارادَ ذلك لقالَ أاْيدني كما يقول أطْيبني فتصَحَّحُ الياءُ

والثاني أنَّ الدال مكسورة فدلَّ على أنَّ لامَها معتلَّةٌ ولامُ الأيْد صحيحة

إبدالُ الألف من التَّنْوين والنُّون

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 310 ]

قد أُبْدلتِ الألفُ من التنوين في النَّصْبِ نحو رأيتُ زَيْداً والوجهُ في ذلك أنَّ التَّنْوين والنونَ غنّةٌ تُشْبه الواوَ فكأنَّ الواوَ وقعت بعدَ فتحةٍ فأُبْدِلت ألفاً وقًصِدَ بذلك الفَرْقُ بين النَّصْب وبينَ أخَويه وخَفَّ ذلكَ على ألسِنَتِهِم ودَلُّوا به على العناية بالتَّنْوين والإعْراب وقد أُبْدلت من النونِ الخفيفةِ في التوكيد نحو اضربَا في الوقف لأنَّها أَشْبَهت التنوينَ فس سُكُونِها وزِيادتِها وانفِتاح ما قبلَها واختصاصِها بالأفعال كما أنَّ تلك مختصّةٌ بالأٍسماء

وأُبْدِلت أيضاً من نون إذَن الناصبةِ للفعل تشبيهاً بالتنوين والنُّون الخفيفة وجوازِ الوقْفِ عليها وسواءٌ عَمِلت أو ألغيت وقال الفرّاء إذا أُعملت لم تُبْدَلُ لئلا نلتبسَ بإذا الزَّمانية وإنْ أُلغين جازَ إبدالُها لأنَّها في ذلك الموضعِ لا تلتبسُ بالزَّمانية

إبدال الياء

قد أُبْدِلت من حروفٍ كثيرة منها مَقيسٌ ومنها شاذٌّ ونحن نذكرها مُرَتَّبةً

فصل

في إبدالها من الهمزة

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 311 ]

إذا سُكِّنتِ الهمزةُ وانكَسَرَ ما قبلَها جازَ إبْدالُها ياءً ولم يلزمْ نحو ذِيب ووَجْهُ ذلك أنَّ الهمزةَ مستثقَلَةٌ ويَزْدادُ ثِقَلُها بانكسارِ ما قبلَها وهي من حروفِ البَدَل فأُبْدِل منها ما هو مُجانِسٌ لِمَا قبلَها وهو الياء وتَخْفيفُها كإبْدالها ههنا وهو جعلُها ياءً خالصة كما كانّ ذلك في آدم ومن ذلك جاءٍ الأصلُ فيه جايئ فأبدلت

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 312 ]

الهمزةُ لِما ذكرنا واختلفوا في كيفية ذلك فقال الخليل تُقدَّمُ الهمزةُ التي هي لامٌ على المُبْدَل من العين فتصيرُ على وزن فَالع ثم تصير الأخيرةُ ياءً وإنَّما قالَ ذلك لأنَّها ياءٌ في الأصل وقعتْ بعدَ الألف فَصُيِّرتْ همزةً فإذا وقعتْ طَرَفاً لم تُغَيَّر لعدمِ المُغيِّر ولو لم تُغيَّر لاجتمعَ همزتان وإذا أُخِّرَت لم تَجْتَمِعا ثم يلزمُ من عدم النَّقْلِ توالي إعْلاَلَيْن وهو إبْدال العينِ هَمْزَةً وإبدالُ اللامِ ياءً وإذا نُقِلَ لم يَلْزَم ذلك

وقال غيرُه تُبْدَلُ اللاَّمُ ياءً من غيرِ نَقْلٍ لأنَّه يلزمُ من النَّقْلِ تأخيرُ حَرْفٍ عن موضعِه وردِّه إلى أصله وذلك إعلالان أيضاً وإقرارُ الكلمة على نَظْمِها أوْلى وعلى هذا الخلافِ يترتبُ جمع جائي وجائية وقد أُبْدِلت الياءُ من الهمزةِ في إيمان وإيلاف لسكونها وانكِسار ما قبلها

إبدالُ الياء من الألف

إذا وقعتِ الألفُ في مَوْضعٍ ينكسرُ ما قبلها قُلبتْ ياءً لاستحالة بقائِها بعدَ

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 313 ]

الكسرةِ فقلبتْ إلى ما يُجانِسُ الكسرةَ نحو قِرْطاس وقَرَاطِيس فإنْ وقعت قبلها الياءُ السَّاكنةُ قُلبتْ أيضاً نحو تَصْغِير حِمار تقول فيه حُمَيِّر وههنا قد أُبْدِلت الألفُ ياءً وحُرِّكت الياءُ لسُكُونِها وسكونِ ياءِ التصغير قبلها

فصل

وقد أُبْدِلت الباءُ ياءً إذا تكررت نحو لبَّبَ تقول لبيتُ فالياء بَدَلُ الباء الثَّالثة وإنَّما فَعَلوا ذلك كراهيةً لاجتماعِ الأمثالِ

فأمّا لبيك ففيه قولان أحدهما هوَ من هذا البابِ وأصلُه من ألبّ بالمكانِ إذا أقام به

والثاني تثنيةُ لبّ

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 314 ]

والأوّلُ أقْوى والدليلُ على ذلك قولُهم في الفعل من لبّى تَلْبيةً وقد تُبْدَلُ الباءُ وإنْ لم تتكَرَّر ثلاثاً نحو تَلْبِيةً وأصلُها تَلْبِيَةً وكذلك جميعُ حُروفِ المعجم إذا تكرَّرت في نحو ما ذكرنا نحو شدّدت وشدّيت وتقضض البازي وتقضّيالبازِي وتظنّنت وتظنّيت فأمّا قَصّيت أظْفَاري ففيه وَجْهان

أحدهما الياءُ بَدَلٌ من الصَّاد على ما ذكرنا

والثَّاني أصلُها واو والمعنى تتَّبعتُ أقصاها وهذا كما تقول تقصَّيت الكلامَ إذا استقصيتَ أقسامَه وأمَّا قولهم تسرّيتُ في النِّكاحِ ففيه وجهان

أحدهما هو مِنْ هذا الباب وهو مأخوذٌ من الشِّرِّ وهو النِّكاحَ يقال للذّكِر سرّ

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 315 ]

والثَّاني هي تفعَّلتُ من سراة الشيء أي خياره وكلّ هذه الأشياء لا يلزمْ فيها البدَلْ بل هو جائزٌ

فصل

وقد أُبْدِلت الباءُ ياءً وإنْ لم تتكرر البتةَ في الشِّعْر شاذاًّ كقول الشَّاعر من - البسيط -

( لَهَا أشاريرُ مِنْ لَحْمٍ تُتَمِّرُه ... مِنَ الثَّعالي وَوَخْزٌ مِنْ أرَانِيها )

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 316 ]

يريدُ الثعالب والأرانب وقالوا ديباجٌ والاصل دِبّاج في قول مَنْ جَمْعَهُ على دَبابِيج وقد قالوا دَيَابِيج أيضاً فعلى هذا لا إبْدالَ وكذلك أبدلُوا السينَ ياءً في خَامِس وسَادِس فقالوا خَامي وسَادِي وهو شاذٌ وموضعه الشعر

فصل

في إبدالِ الياءِ من الرّاء قالوا قِيراط والأصلُ قِرّاط لقولهم قَرارِيط وقُرَيْرِيط والوجْهُ فيه ما تقدَّمَ من تَجَافي التَّكْرير ويزيدُه هنا حُسْناً أنَّ في الرَّاء

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 317 ]

في نفسِها ضَرْباً من التكرير فإذا كانت مُشَدَّدةٌ صارتْ في حكم أربعِ ياءات فازدَادَتْ ثِقَلاً ففرْ منه إلى ما هو أخفُّ

فصل

في إبدالِ الياءِ من النون قالوا دينار والأصل دِنَّار لقولهم دَنَانِير ودُنَيْنِير وشيء مُدَنّرٌ مَنْقُوشٌ على شَكْل الدّينار والوجهُ فيه ما تقدَّم ويؤكّدُه أنَّ النُّونَ تشبه الواوَ في غُنَّتها وتُثقّل بالتَّشْدِيد فيزدادُ ثِقَلُها فإذا انكسَر ما قبلَها حُوِّلت إلى الياء

مسألة

قد أُبْدِلت الياءُ من الواو إذا سُكِّنت وانكَسَر ما قبلها نحو مِيزان ومِيعاد والعلّةُ في ذلك أنَّ الواوَ من جنْسِ الضمَّةِ فإذا سُكِّنت ضَعُفَتْ قليلاً والكسرةُ قبلها من جِنْسِ الياءِ وتخليصُ الواوِ السَّاكنةِ بعد الكسرة ثقيلٌ جداً فجذبَتْها الكسرةُ إلى جِنْسها وكانَ ذلك أخفَّ على اللِّسان وهكذا إنْ وقعتْ عَيْناً نحو رِيح وَقِيل وَعِيد لأنَّ الأصلَ في الرِّيح الواو لأنَّها من الرَّوْح وهو السِّعَة ومنه رَاح يَرُوح رَوَاحاً إذا ذَهَب وجَمْعُها أرْوَاح وقد حُكي فيها شاذاً أرْيَاح وهو كالغلط فأمَّا رِياح فعلى

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 318 ]

القياس وهو من بابِ حَوْض وحِياض وذلك مما أُبْدِلت الياءُ فيه من الواوِ بخمس شرائط

أحدها أن تكونَ الواوَ ساكنةً في الواحد

والثَّاني أنْ تقعَ بعدَها الألفَ

والثَّالثُ أن تقعَ بعدَها الألفَ

والرَّابعُ أنْ يكونَ لامُ الكلمة صحيحاً

والخامسُ أنْ يَنْكَسِرَ فاءُ الكلمة

وإنّما شرطوا ذلك لمعانٍ تَقْتَضيه أمَّا الكَسْرَةُ فَلِبُعْدِها من الواو وقُرْبِها من الياء وأمَّا سكونُ الواوِ في الأصلِ فَلِبَيان ضَعْفِها وأمَّا اشتراطُ الجَمْعِ فلئلا يجتمعَ ثِقَلُ الواو مع ثِقَلِ الجَمْع وأمَّا اشتراطُ تعقّبِ الألف إيَّاها فَلأنَّ الألفَ أقربُ إلى الياء منها إلى الواو وأمَّا صِحَّةُ اللاَّمِ فَلِئلاّ يكثرَ الإعلالُ وعلى هذا صحّت في عَوَان لأنَّه واحدٌ ولم تَنْكَسِر الفاءُ وكذلك صَوْغ وصحّت في الجمعِ المعتلِّ اللامِ نحو رِواء جمع راوٍ من الماء

مسألة

الأصلُ في عِيد الواو لأنَّه من عَاد يعودُ عَوْداً فأُبدلت الواوُ ياءً لِمَا

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 319 ]

ذكَرْنا من قبلُ فإنْ قيلَ فقدْ قالوا في الجمع أعْيَاد لا غير فأعلّوا على خلاف أرْواح قيل جَعَلوا البدل لازِماً نفياً للّبْس لأنَّهم لو قالوا أعْوَاد لالتبسَ بجمع عُود وكذلك قالوا في التصغير عُيَيْد وفي تصغير عُود عُويد للفَرْقِ ولم يوجد مثلُ ذلك في رِيح

مسألة

إذا اجتمعتِ الواوُ والياءُ وسُبِقت الأولى بالسّكون أُبْدِلت ياءً وأُدغم الأول في الثاني نحو شَوَيتُ شَيّاً وطويتْ طيّاً والعلّة في ذلك أنَّ الياءَ أخفُّ من الواو وتخليصُ الواو ساكنةً عن الياء مُسْتَثْقَلٌ فأُبدلت الواوُ ياءً طلباً للتخفيف ولَمَّا اجتمعا وتماثَلا أُدْغِم الأوَّلُ في الثَّاني فحصَّلَ بذلك ضربٌ من التَّخفيف أيضاً

مسألة

قد أُبْدِلتِ الواوُ ياءً في أفْعِل مما لامُه واوٌ نحو دَلْوٌ وأدْلٍ وحَرْ وأجْرٍ

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 320 ]

والعلّةُ فيه أنْ خروجَه على الأصل مُسْتَثْقَل لاجتماعِ الضمّةِ والواو وكونِها طرفاً وطريقُ الإبدال أنْ أبدلوا من الضمّةِ كسرةً فوقعت الواوُ بعدَ الكَسْرَة فجذبتَها إلى جِنْسِها وهو الياء ومما جاءَ من المصادرِ من ذلك عُتَيّ والاصل عُتوّ فأبدلوا من الضمَّةِ كسرةً فانقلبتِ الواوُ ياءً لسُكُونِها وانكسارِ ما قبلَها ثمَّ وقعتِ الواوُ الثانيةُ بعدَ ياءٍ وكسرةٍ فأُبْدِلت ياءً وأدْغمت الأولى فيها ومن العربِ من يَكْسِر العينَ إتْباعاً وأما بُكيّ فجمعُ باكٍ والأصلُ بكُوْي فأبدلَ من الضمّة كسرةً ومن الواو ياءً ثم عمِل في ذلك ما تقدَّم

مسألة

الأصلُ في ياءِ غَازٍ وغَازيَةٍ ومَحْنِيةٍ الواوُ وإنَّما أُبْدِلت وإنْ كانت متحركةً لثلاثةِ أوجهٍ

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 321 ]

أحدها أنَّ حركتَها حركةُ إعرابٍ فهي كالحركةِ العَارضةِ ولذلك يُسَكّنُ أمثالُها في الوقْفِ والعارضُ غيرُ معتدّ به ولَمَّا تقررَ إبدالُها قبلَ دخول الهاءِ بقيت على حالِها لأنَّ تاءَ التَّأنيث في حكم المنفَصِل

الوجه الثاني أنَّ لامَ الكلمة موضعُ التغيير وفي الواو بعد الكسرة وإنْ تحرَّكت نوعُ ثِقَلٍ وذلك كافٍ لقلَبِها

والثَّالث أنَّ حركاتِ الإعْراب تَعْتَوِرُ على لامِ الكلمة فلو تُركت الواوُ لضُمَّت وكُسِرت وهما مُسْتَثْقلان بعدَ الكسرة ولذلك سُكِّنت ياءُ المنْقُوص فيهما وثِقَل الواو بذلك أكثر ثم حُمل الفتح عليهما

مسألة

قد أُبْدِلت الواوُ ياءً في عِصيّ وأصله عُصُوّ فأُبدلت من ضمّة الصاد كسرةً لتنقلبَ الواوُ ياءً ثم عُمِل في ذلك ما ذكرناه في عُتوّ ومنهم مَنْ يكسر العينَ إتْبَاعاً

مسألة

الأصلُ في قيل ضمّ القاف وكسرُ الواو مثل ضُرِب فاسْتُثْقِلت الكسرةُ على

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 322 ]

الواو بعد الضمَّة كما تُسْتَثْقَل ضمّةُ الياء بعد الكسرة فنقلت كسرةُ الواو إلى القافِ فسكِّنت الواوُ وانكسرَ ما قبلها فأُبْدِلت ياءً لما ذكرناه في ريح ومنهم مَنْ قال كُسِرت القافُ مِنْ غير نقلٍ إليها وسكِّنت الواو ومِنَ العربِ مَنْ يُشِمُّ القافَ شيئاً منَ الضمّ مع بقاءِ الياء تنبيهاً على الأصل ومنهم مَنْ يُبْقي الضمّةَ ويسكّن الواوَ فيقول قُوْل وهذا القائلُ يقلبُ الياءَ واواً فيقول بُوعَ لسكونِها وانضمامِ ما قبلها

مسألة

الأصلُ في دِيمة الواو يقال دوّمت السحابةُ إذا دام مطَرُها ثم عُمِل فيها ما عُمل في ريح

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 323 ]

مسألة

إذا كانت الواوُ مشدَّدةُ وانكسرَ ما قبلَها فالأصلُ صحّتُها لتَحَصُّنِها بالإدغام وقد شذَّتْ أشياءً فجاءت على الإبدال قالوا ديوان فأبْدَلُوا الواوَ الساكنةَ ياءً والأصلُ دِوَّان لقولهم دُوَيْوِين ودَوَاوين ودُوّن الشعر

مسألة

الياءُ في شيراز فيها اختلافٌ فقالَ قومٌ هي زائدةٌ عن بدلٍ وأصل

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 324 ]

من شرز ولهذا قالوا في الجمعِ شَياريز وفي التصغير شييريز وقال آخرون أصلها شرّاز فابدل من الراء الأولى ياءً كما فُعل ذلك في قيراط وقال آخرون أصلُها واوٌ ولأنَّهم قالوا شواريز وشُويريز ومن هؤلاء القائلين مَنْ قال الواوُ بدلٌ من الرّاء وليسَ بشيء إذْ لو كانت كذلك لرجعت في الجمعِ والتصغير وإنَّما الواو فيه زائدةٌ للإلحاق بِشِمْلال وليس لفظُ شيراز مصرحاً بها في كُتب اللغة ولكن يُمكن أن يكونَ لها أصلٌ وذلك أن الشَّرْزَ والشَّراسة غِلظُ الخلق والشيرازُ لبنٌ فيه غِلَظ

مسألة

الياء في ذُرِّيّة فيها ثلاثةُ أوجه

أحدها هي زائدةٌ من غيرِ بَدَل وهي فُعْليّة من الذرّ

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 325 ]

والثَّاني هي بدلٌ وفيما أُبدلت منه ثلاثةُ أوجه

أحدها من الرّاء وأصلها ذرّوة فأبُدلت الرّاءُ واواً ثم أُبدلت من الضمَّةِ كسرةً فانقلبت الواو الأولى ياءً والثانيةُ كذلك ثم أدغمَ الأوَّل في الثاني ويجوز أن يكون وزنها فُعْليلة ثم عِمل بمقتضى القياس

والثَّاني أنْ تكونَ من ذَرَا يذرو فيكونُ وزنُها فعّولة أو فعّيلة ثم عمل فيه بمقتضى القياس

والثَّالث أن يكونَ من ذَرَأ يَذْرَأ فيكونَ وزنُها فُعَّوْلة أو فُعَيْلة على ما تقدّم ثم

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 326 ]

أبدلتِ الهمزة واواً أو ياءً وعمل فيها بمقتضى القياس

مسألة

الياءُ في أَيْنَق وأيانِق بَدَلْ من الواو لأنَّ ألفَ ناقة مُبْدَلةً من واو لقولهم اسْتَنْوَقَ الجَمَلُ وخرجت في نِياقٍ مُبْدَلَةً من مَوْضِعها فأمَّا أيْنُق فأصلها أوْنق مقلوبة عن أنْوُق ووزنها أعْفُل وأُبْدِلت الواوُ السَّاكنةُ ياءً لاطِّرادِ البَدَل فيها وايانق جمع أيْنُق

فصل

في إبْدالِ الواو وقد أُبْدِلت منَ الياء والألفِ والهمزة

أمَّا الياء فإذا سُكِّنت وانضمَّ ما قبلَها أُبْدِلت واواً نحو مُوقِن ومُوسِر والأصلُ

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 327 ]

فيه الياءُ لأنَّه من اليَقين واليُسْر فإنْ تحرَّكت لم تُبْدل نحو مُيَيْقِن ومَيَاسر وإنَّما أُبْدِلت إذا سُكِّنت لأنَّها ضعفت بالسّكونِ ووُقُوعِها بعدَ الضمّةِ فتخليصُها عنها يشقّ على اللسان جداً فأُبْدِلت واواً لمجانستها الضمّة ومن ذلك الطُّوبى والكُوسى لأنَّهما من الطَّيب والكَيَس وهُما نظيرُ الرِّيح والقِيل

وأمَّا إبدالُ الواوِ من الألفِ فنحوُ قولِكَ في ضارب ضُوَيْرِب وفي ضاربة ضَوَارب وإنَّما أُبْدِلت في التَّصغير لانْضِمام ما قبلها والألف لا تقعُ بعدَ الضمَّةِ كما لا تقعُ بعد الكَسْرة وأُبْدِلت واواً لتُجانسَ الضمّةَ قبلها ثم حُمِل حَالُها في الجمعِ على التَّصْغِير لأنَّ التكسيرِ والتصغير من وادٍ واحدٍ ولأنك لو أبْدَلْتَها ياءً فقلت ضَيارب لالتبسَ بجمعِ ضَيْرَب وبابه فإنْ قُلتَ فلِمَ ابدلْتَها قيلَ لَمَّا زيد في الجمع ألفٌ لم يمكنْ إقرارُ ألفِ فاعلِ لسكونهما وحذفُ إحداهما يُخلُّ بمعناه فأُبْدِلت لهذا المعنى

ومن ذلك ألفٌ فاعلَ إذا بُني لَمَّا لَمْ يُسمَّ فاعِلُه نحو ضُوْرِب في ضَارَبَ وتُمودَّ الثوبُ في تَمَادّوا ومنه قوله تعالى ( ما وُورِيَ عَنْهُما )

وأمَّا إبْدالُها من الهمزةِ فإذا سُكِّنت الهمزةُ وانضمَّ ما قبلَها كقولِك في بُؤسٍ وَلُؤم بُوْسٌ ولُومٌ

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 328 ]

فصل

في إبدال الميم

قد أُبْدِلت من النّونِ الساكنةِ إذا وَقَعَتْ قبل الباء نحو عَنْبر وشَنْباء هي في اللفظ ميمٌ وفي الخطّ نُونٌ والعلّةُ في ذلك أنَّ الميمَ فيها غُنّةٌ تَتَّصل بالْخَيْشُوم إذا سُكِّنت كالنون إذا سُكِّنت فإذا وَقَعَتِ النونُ قبلَ الباءِ اتَّصلتْ غُنَّتُها لمخرجِ الباء فَيَشُقُّ إخراجُها ساكنةً بلفظِها فَجُعلت الميمُ بدلاً عنها لِشَبَهها بها ومُشاركَتِها الباء في المخرجِ فإذا تحرّكت النون صحَّت نحو الشَّنَب لأنَّها بِحركتِها تزول غُنَّتُها وتصيرُ من حروف اللّسان

وقد أُبْدِلت الميمُ مِنَ الواوِ في قَوْلهم فمّ واصله فَوْهٌ مثل فَوْز فَحُذِفت

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 329 ]

الهاءُ اعتباطاً فبقي فُو واستحقَّت الحركة الإعرابية فلو قُلبت ألفاً لَحُذِفت بالتنوين وبَقِيَ الاسمُ المعْرَب على حرفٍ واحدٍ فأبْدَلوا منها حرفاً من جِنْسِها يشبه الواوَ ويتصوّر تحريكه والدليلُ على أنَّ أصلَه فَوْهٌ ما نذكره في باب الحذف والميم والواُو من مَخْرجٍ واحدٍ فأمَّا قولُ الفرزدق من - الطويل -

( هُمَا نَفَثَا فِي فِيَّ مِنْ فَمَوَيْهما ... على النَّابحِ العَاوِي أشَدَّ رَجَام )

فقد جمعَ بين الميمِ والواوِ وفيه قولان

أحدهما أنَّه جمعَ بين البَدل والمبدلَ ومثلُ ذلك جائزٌ في البدَل دونَ العِوَض فوزنه الآنَ فمع

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 330 ]

والقولُ الثَّاني أنَّ الميمَ بَدَلٌ من الياء التي هي لامُ الكلمةِ ثم قدَّمتها على العين فوزنه الآن فَلْع وفيه بُعْدٌ لأنّ الميمَ لا تُشْبه الهاء إلاَّ أنَّها في الجُمْلةِ من حروفِ الزيادة وفيها خَفَاءٌ فساغَ له أن يُبْدِل منها حرفاً أبينَ منها يُشْبه ما يشبهها وهو الواو فإنَّ الميمَ تشبه الواوَ والواوُ تشبه الهاءَ ولهذا أُبْدِلت منها في مواضع

فأمَّا قول العجَّاج من - الرجز -

( خالَطَ مِنْ سَلْمَى خَيَاشِيمَ وَفَا ... )

ففيه وجهان

أحدهما أنَّه أقَرَّ ألفَ النَّصب مَعَ غيرِ الإضافة لأنَّ آخرِ الأبيات قد أُمِنَ فيه التَّنوين الحاذف للألف

والثَّاني أنَّه نَوَى الإضافة لِوُجُوبِ تَقْدِيرها فأراد في الحذف ما ثبت مع الإظهار

وقد أُبْدِلت الميمُ من لامِ الْمَعْرِفة قالوا في السَّفَر اِمْسَفَر وهو شاذّ وإنَّما جوَّزَه قربُ مخرج الميمِ منَ اللاّم

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 331 ]

فصل

في إبْدال النُّونِ

النُّون في صَنْعَاويّ بدل وفيما أبدلت عنه وجهان

أحدهما الواو في صنعاويّ لِشَبَه النُّون بالواو في الغُنَّة ولذلك أُدْغِمت فيها نحو

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 332 ]

وَّاقِد ومَنْ وّعد ورَعْد وّبَرْق وفي أنّ كلِّ واحدةٍ منْهما ضميرُ الجمع نحو قَاموا وَقُمْنَ وعلامةُ الجمع نحو قَامُوا إخْوَتُك وقُمْنَ جَوَاريك وهي علامةُ الإعراب كَنُونِ الأمثلة الخمسةِ نحو يَضْرِبان وأخواتها والواو في أبوه والزيدون فالنّون إذن بدلٌ من الواو والواُو بدلٌ من الهمزةِ والهمزةُ بدلٌ من ألفِ التَّأنيث

والقولُ الثَّاني النُّونُ بدلٌ من الهمزة لأنَّها أشْبهت ألف التَّأنيثِ في حمراء لأنَّ ألفَ المدِّ وألفَ التَّأنيث في صَنْعاء كالألفِ والنُّون في غَضْبان وسَكْران لاشْتِراكهما في مَنْع الصَّرْف واختصاص أحدهما بالتأنيث واختصاص الآخر بالتذكير وفيه بعدٌ وهذا القياسُ بعيدٌ لأنَّ النونَ لا تُشْبه الهمزةَ ولم تُبْدَل منها في موضعٍ آخر وهذا الأصلُ يُشير إلى مسألةٍ مختلفٍ فيها وهي نونُ سكران وبابه فعند قومٍ ليست بدلاً من شيءٍ بل زيدت ابتداءً كالألفِ التي قبلها وهذا هو الصحيحِ لِمَا تقدَّم

وقال آخرون هي بَدَلٌ من همزة التأنيث كحمراء وبابها لِمَا تقدّمَ من مشابهتِها لها في باب مالا ينصرف وهذا بعيدٌ لوجهين

أحدهما أنَّ إبْدال الحرفِ مِن الحرف إنَّما يكونُ مع بقاءِ معنى الأصل والهمزة للتأنيثِ ونون غَضْبان تختصّ بالمذكَّر وهما ضدَّان ومنع الصرف حكّم يُعلَّل بالشَّبَه لا بالإبدال

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 333 ]

والثَّاني أنَّ النُّونَ في حَمْدان وعِمْران تؤثِّر في مَنْع الصَّرْف وليست بَدَلاً بل زيدت ابتداءً كذلك ههنا

مسألة

قَدْ أُبْدلت النُّون من اللاّم في لعلَّ في لغة بني تميم فقالوا لعنّ وإنّما جاز ذلك لوجهين

أحدهما قربُ ما بين النونِ واللاّم

والثَّاني كثرةُ اللاّمات في لَعلَّ ففرّوا منها إلى النونِ وكانت النونُ ألينَ منها إذْ كانت تشبه حَرْفَ المدِّ

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 334 ]

مسألة

ذهبَ قومٌ في تُلُنَّة إلى أنَّ النُّونَ بدلٌ من اللاّم والأصل تُلَلَّة من قولهم تلّة إذا دَفَعه وهذا بعيدٌ لأنَّ التُّلُنَّة التمكّث والبقيةُ وذلك بعيدٌ من معنى الدفع والصحيحُ أنها أصلُ

وذهب قومٌ إلى أن النُّون في اللّغْنُون بدل من الدال في اللّغْدُود وهو بعيد والصحيحُ أنَّها لغةٌ

فصل

في إبدال التاء

قد أُبدلت منَ الواوِ إذا كانتْ فاءً ووقعتْ بعدَها تاءُ افتعل نحو اتَّعد واتَّزن والعلّةُ في ذلك أنَّ الواوَ هُنا ساكنةٌ بَعدَ كسرةٍ وبعدها تاء وبينَ التَّاءِ والواوِ

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 335 ]

مقاربةً لأنَّ التَّاء من طَرَفِ اللِّسان وأصولِ الثنايا وفيها نَفْخٌ يكاد يخرج من بين الثَّنايا إلى باطنِ الشِّفة والواو تخرجُ من بينِ الشفتين بحيثُ تكادُ تقربُ من باطنِ الشِّفة وإذا كان كذلك شقَّ إخْراجُ الواوِ ساكنةً قبْلَ التَّاء فحوّلت إليها وأُدْغمت

وهما أُبدل الواو منه تاء أسْنَتُوا والأصلُ أسْنوُوا لأنَّه من سَنَة الجدب والأصل فيها سنوة وهذا البدلُ غيرُ مطَّرد ألا ترى أنَّك لا تقول من أعْطُوا أعْطيوا

وقالَ بعضُهم أبدلتِ الواوُ ياءً ثم أُبدلت الياءُ تاءً على ما نذكره فأمَّا التَّاءُ في تُراث فَبَدَلٌ من الواوِ للعلّةِ التِّي ذكرنا من مقاربةِ التاء للواو ويدلُّ على ذلك

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 336 ]

أنَّه من ورثتُ والوراثة والموروث والوارث وكذلك تُخْمَة وهو من الوَخَامة وتُكَأة من توكأت وتُكلة من توكّلت ووَكَله ووكيل وتُهمة من الوَهْم لأنَّ المتَّهِم يبني الأمرَ على مجرَّد الوَهْم وقالوا تَوْلَج والأصلُ وَوْلَج فَوْعل من الولوج وقالوا تَيْقُور وهو فَيْعول من الوَقار

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 337 ]

تالله التاء بدلٌ من الواو وقد ذكرنا ذلك في باب القسم وقالوا هَنْتُ وهي من الواو لقولهم هَنَوات وفي التصغير هنيّة فالياء الثانية بدلٌ من الواو وقالوا بنْت وهي من البنوّة والأصل بِنْوَة فأبدلوا منها التاءَ وجعلوها على مثال جِذْع وعِدْل وخصّوا الإبدالَ بالتأنيث وليست التاءُ للتأنيث لأنَّها تَثْبُتُ في الوَقْفِ وقبلها ساكن وليست كذلك تاءُ التأنيث والتاءُ في

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 338 ]

أخْت بدلٌ من الواوِ لأنَّها من الأخوّة وتقولُ في الجمع إخْوة وإخوان ففعلوا فيها ما فعلوا في بنت ووزنها فُعْل مثل قُفْل فإنْ جمعتَ بنتاً قلت بَناتِ فحذفت لام الكلمة التي أبدلت في الواحدِ تاءً فوزنُها الآن فَعَات وإنْ جمعتَ أختاً قلتَ أخَوات فلم تَحْذفِ اللاَّمَ والفرقَ بينهما أنَّ كلَّ واحدٍ منهما بُنِي على مُذَكّره فمذكَّر بنات في الجمع بنون فلامُه محذوفة كذلك مؤنَّثِه والجمع في أخ إخوة من غير حذف كذلك مؤنَّثه

وتُبْدَل التاءُ من الواو في كِلْتا وأصلها كِلْوَى ووزنها فِعْلَى وقال الْجَرْميّ التاء زائدة ووزنها فِعْتَل

وحجَّةُ الأوّلين أنَّ الكلمةَ مؤنثةٌ لاختصاصها بتوكيد المؤنَّثِ والأصلُ أن يكونَ

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 339 ]

للتأنيث علامةٌ والألفُ هنا تصلح لذلك والتاء قبلَها لا تصلُح للتأنيث لأنها تكونَ حشواً وزيادتُها في هذا المثال لا نظيرَ له وقد احتجَّ الجرْميّ بأنَّ الألفَ لو كانت للتأنيثِ لم تقلبْ في الجرِّ والنصب ياءً وهذا ليس بشيء لوجهين

أحدهما أنَّ القلبَ ههنا استحسانٌ وحَمْلٌ على ألفِ على وإلى كما أُبدلت في المذكّر وهي لام الكلمة والمنقلبة في الجرَِّ والنصب لا تكون لاماً

والثَّاني أنَّهم قد قَلبوا ألفَ التأنيث ياءً فقالوا في سُعْدى سُعْدَيات لأجل الدَّليلِ المقتضى للقلبِ فكذلك هنا وقد ذهبَ قومٌ إلى أنَّ التاء فيها بدلٌ من الياء لأنَّ الإمالةِ في كلا جائزةٌ والأصل في مثل ذلك للياء

إبدال التاء من الياء

وهو قليلٌ لبُعْدِ مَخْرجِ الياء منها إلاَّ أنَّ بينهما مُشابهةً من وجهين

أحدهما أنَّ في التاء هَمْساً وفي الياء خَفَاءً والمعنيانِ متقاربان

والثَّاني أنَّ التَّاءَ تُشْبِهُ الواوَ من الوجه الذي ذكرْنا قبلُ وبين الياءِ والواوِ مُشابهةٌ في المدِّ والاعتلال وقلبِ كلِّ واحدةٍ منهما إلى الأُخرى ومرادَفَتِها إيَّاها في أرْداف الأبيات نحو سرحوت وتكريت وبين أُخْتَيهما وهما الضمَّةُ والكَسْرة تقاربُ بحيث جازَ وقوعُهما في الإقْواء في القصيدةِ الواحدة

فمن ذلك ثِنْتان والأصلُ ثِنْيان لأنه من ثَنَيْتُ وليس له واحدٌ من

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 340 ]

لفظه وتقول هذا ثِنْيُ هذا

ومن هذا ذَيت وكَيْت والأصلُ ذيّة وكيّة بتشديدِ الياء والهاء المبدلة من التاء في الوقف فأبدَلوا من الياءِ الثانيةِ تاءً ثانيةً وصلاً ووقفاً والكلمتانِ مبنيّتانِ على الفتحِ لأنَّهما كنايتان عن الحديث المتَّصل بعضه ببعض تقول كانَ من الأمرِ كَيْتَ وكيتَ كما تقول كان من الأمر كَذا وكذا إبدال التّاء من السِّين

وهو ضعيفٌ وقد جاءَ منه شيءٌ قليلٌ ووجهه أنَّ التَّاءَ تشاركُ السينَ في الهمسِ وقُرْب المخرج فمن ذلك طست والاصل طَسّ لقولهم في تصغيره طُسَيْس وفي الجمع طِسَاس وقالوا أطسّة

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 341 ]

وقد أُبْدِلت منها في ستٍّ والاصلُ سِدْس لقولهم سُدَيْسَةٌ وسُدَيْسٌ وأسْداس ثم أُبدلت الدَّالُ تاءً لقربها منها في المخرجِ وأنَّها هنا ساكنة يَعْسُر النُّطْقُ بها قَبْل التَّاء فإذا فصلت بينهما عُدْتَ إلى الأصل

وقالوا ناتٌ في ناس وأكياتٌ في أكْياس قال الشاعر من - الرجز -

( يا قَاتَلَ اللهُ بني السِّعْلاةِ ... عَمْرو بنَ يَرْبُوعٍ شِرَارَ النَّاتِ )

( غيرَ أعِفّاءَ ولا أكْياتِ )

يريد الناس ولا أكياس وحكى الأصمعيّ عن بعض العرب أنَّه قرأ ( قل أعوذ بربِّ النَّات ) في جميعها بالتَّاء

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 342 ]

وقد أُبدلت التاء من الصاد قالوا في لصّ لصْتٌ والأصل الصّاد لقولهم تَلصّص عليهم وهو من اللصوصية وقد تجاوز بعضُهم الحدِّ فأتى بها في الجمعِ قال الشَّاعرُ من - الكامل -

( فتركْنَ نَهْداً عُيّلاً أبْناؤها ... وبَني كِنانةَ كاللُّصُوتِ المرَّدِ )

وقد أبدلوها من الطاء فقالوا فُسْتَاط وأقرّوها في الجمع

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 343 ]

وأبدلوها بين الدال فقالوا ناقة تربوت والأصل الدال لأنَّها من الدُّرْبة

إبدالُ الهاءِ من الياءِ

قالوا هذه والأصلُ هذي لأنَّ الألفَ في ذا من الياء فمنهم مَنْ يُبْدِلُها في الوقْفِ ومنهم مَنْ يُبْدِلُها في الحالين ومنهم مَنْ يَصِلُها بياءٍ في الوصْل والوجهُ في إبْدالها منها اجتِماعُهما في الخفاءِ وقربِ الهاءِ من الألفِ الَّتي هي من حروفِ المدِّ وهي أختُ الياء في ذلك

وقالوا في دُهْدِيّة الْجُعَل دُهْدُوهة والأصل الياءُ لقولهم دَهْدَيْتُ الحجر

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 344 ]

إبدال الهاء من الهمزة

قالوا في إيّاك هِيّاك وفي إنّك هِنّك

وفي أردت هَرَدْتُ وفي اراق هَرَاق والوجه في ذلك أنَّ الهمزةَ ثقيلةٌ والهاءَ خفيفةٌ وهي مصاقِبُتها في المخرج ومما يترتبُ على هذا مسألةٌ وهي قولُ امرئ القيس من - المتقارب -

( وقَدْ رابني قولُها يا هَنَاهُ ... ويحَك ألحقت شرّاً بِشَرّ )

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 345 ]

وفي هذه الهاء أقوال

أحدها هي بدلٌ من الواو التي هي لامُ الكلمة ووزنُها فَعال وقالوا في الجمع هَنَوات كأنّه قال يا هَناو فأُبْدِلتْ ألفاً الواو هاءً لما تقدَّم في الياء ويُقوّي ذلكَ أن الواو حذفت قبلَ الإضافة وأبدِلت ألفاً في النَّصبِ وياءٌ في الجرِّ وذلك تصرّفٌ فيها وجعلُها هاءً تصرّفٌ

وقال آخرون أُبدلت الواوُ ألفاً لوقوعِها طَرَفاً بعد الفٍ زائدة ثم أُبدلت الألفُ هاءً لمشابهتها إيّاها في الْخَفَاء وقُربها منها في الْمَخْرج

وقال آخرون أُبدلتِ الألفُ همزةً لما ذكرنا في كساء ثم الهمزةُ هاءً وقال أبو زيد الهاءُ لمدِّ الصوت كما ألحقت في النّدبة أو للوقف والألفُ قبلها لام الكلمة وهذا المذهبُ ضعيفٌ لأنَّ ألفها تثبتُ في النَّصْبِ مع الإضافة ولا إضافة هنا إلاّ أنْ يُدْعى أنَّها أُتمّت كما جاء في أبٍ وهو قياس لو ساعدَه سماع وعندي فيها قولٌ حَسَنٌ وهو أن يكون هنّ أُضيفَ إلى ياءِ المتكلِّم فصارت هني مثل أبي ثم نادى فأبدلَ من الكسرةِ فتحةً وأبدلَ الياء ألفاً إمَّا لالتقاء السَّاكنين وإمَّا لتحركها وانفتاحِ ما قبلها كما ذكرنا في قولك يا غُلاماه وهذا شيءٌ لم أجِدْه عنهم وهو قياسُ قَوْلهم في نَظائره

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 346 ]

إبدال الهاء من الألف

قالوا في أنا أنهُ لقرب ما بين الهاء والألف في الخفاء والمخرج حتى قال الأخفشُ إنَّهما من مَخْرَجٍ واحدٍ وقالوا هُنَهْ والأصل هُنا

وقالوا الأصلُ في مَهْما مَامَا فأبْدَلوا من الألف الأولى هاءً في أحدِ القَوْلين وقد ذُكر في حروف الشَّرطِ وقد جاءَ في الشرطِ بعد مَهْ نريدُ بعدَ ما

وقد أبدلوا الهاءَ من تاء التأنيث في الاسماءِ نحو شَجَرة وقائمة ليفرقوا بين الوَصْل والوقْف

فصل

في إبدالِ الطّاء من التّاء

إذا كانت فاءُ افتعلَ حرفَ إطباقٍ وحروفُ الإطباق أربعةٌ الصَّادُ والضَّادُ والطَّاءُ

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 347 ]

والظَّاء قُلبت التاءُ طاءً فمنها ما ليس فيه إلاَّ لغةٌ واحدةٌ وهي الطّاء نحو اطَّلع ومنها ما فيه لغتان وهي الصَّاد نحو اصطلَح واصَّلح ومنها ما فيه ثلاثُ لُغات وهي الظَّاء نقول اظطلم اظلم واطّلم

وأمَّا الضَّادُ ففيها لغتان تقولُ في افتعلَ من الضَّرْبِ اضْطَرَبَ واضَّربَ والعلّةُ في قلبِ التّاء طاءً أنَّ حروفَ الإطباقِ مستعليةٌ مَجْهورةٌ والتَّاء مُتَسفِّلةٌ مهموسةٌ والجمع بينهما شاقٌّ على اللسانِ فحوَّلوا التاءَ طاءٌ لأنَّها من مَخْرجها والطّاءُ مجانسةٌ لبقيّة حروفِ الإطباقِ

فأمَّا مَنْ قالَ اصّلح فأبدلَ من الطاء صاداً وأدغم ليكونَ العملُ من وجهٍ واحدٍ ولم يمكنْ قلبُ الصّادِ تاءً لئلا تبطُلَ قُوّةُ المستعليةِ وجهرُها ولا طاءً لأمرين

أحدهما أنَّ الطَّاء أختُ التَّاءِ في الْمَخْرَج وقد تَجنَّبوا قلْبَها إليها فكذلك ما يقربُ منها

والثاني أنَّه كان يلتبِسُ بما فاؤه طاءٌ

وأمَّا اضْطَرب فالوجْهُ في قلبها طاءً أنَّها أقربُ إلى بقيّةِ حروف الإطباق لأنَّ الضَّادَ تليها والطاءَ بعيدةٌ منها فكانَ تحويلُ الطَّاءِ لقربها منها ومجانستِها لها وكذلك مَنْ قَلَبَها طاءً وأدغم وأمَّا ببيتُ زهير من - البسيط -

( ... ويَظْلِمُ أحْيَاناً فَيظَّلِمُ )

فَيَرُوىء الأوْجُه الثلاثةِ وبالنُّون أيضاً

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 348 ]

فصل

في إبدال الدّال

قد أبدلت من تاء افتَعَلَ إذا كانتِ الفاءُ دالاً أو زاياً وعلّةُ ذلك أنَّ هذه الحروف فيها صَفِيرٌ وجَهْرٌ وشِدَّة والتاءُ مهموسةٌ رِخْوةٌ فإذا سُكِّن الحرفُ القويّ وبعدَه ضعيفٌ كانَ في إخراجِ القويّ بصفتِه وسكونِه وإتباعِ الضعيفِ إيّاه بلا فصلٍ كُلفةٌ شديدةٌ فأُبدل من التَّاء حرفٌ يَقْرُب منها في المخرج ويقربُ من الحرف الآخر في الصِّفة وذلك هو الدَّالُ فإنَّها من مَخْرج التّاء فالدَّالُ في قولك دَرَأ ادَّرأ وأصله ادْتَرأ فقلبتَ التاءَ دالاً وأدْغمتَ الأولى فيها وأتيتَ بهمزةِ الوصْلِ لسكونِ الدال الأولى بسببِ الإدغام ولا يجوزُ قلبُ الدَّالِ هَنا تاءً وتركُ تاء الافتعال لئلا تبطلَ القوّةُ التي في الدَّال

وأمَّا الذالُ فكقولِك مِنْ ذَرَأَ اذَّرأ والأصلُ اذْتَرَأَ فقلبت التّاءُ دالاً والذَال دالاً لأنَّها قَرُبتْ منها وفُعل فيهما ما تقدَّم

وإنْ شئتَ قلبتَ التَّاءَ ذالاً لتجانس الذالَ تقول اذّرَأ وأمَّا افتعل من

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 349 ]

الذِّكرُ فأصله اذْتَكَر فَحَوَّلتَ التَّاءَ إلى الدَّالِ والذالَ إلى الدَّال وأتيتَ بهمزةِ الوَصْلِ لِمَا تقدَّم وإنْ شئتَ حوَّلتَ الثَّاني إلى الأَوْلِ فجعلْتَهما ذالاً مشدَّدةً والأوّلُ أقوى

وأمَّا الزَّايُ فكقولِك من زَجَر وزَانَ ازْدَجَر وازْدَان والأصل التَّاء فحوَّلت إلى الدَّالِ لِمَا تقدَّم ولو قلبتَ التاءَ زاياً وأدْغَمْتَ جازَ فقلت ازّجر ومثله ازّان والأوَّلُ أقوى ولا يجوزُ قلبُ الزَّاي تاءً لئلا يبطلَ ما في الزَّاي من زيادةِ الصفات على التَّاء

مسألة

قالوا في تَوْلَح دَوْلَج فأبْدَلوا من التَّاء دالاً لَمَّا كَثُرَ إبْدَالُها منها في المواضعِ التي ذكَرْنا ويضْعُف أن يكونوا أبْدَلوا الواوَ ابتداءً دالاً لبعدها منها

مسألة

يقال وتِد بكسر التاء ثم تُسكّن على مثال كتِف وكتْف ومنهم مَنْ يُبْدِل التاءَ دالاً ويُدْغِمها لِمَا تقدَّم

فصل

في إبْدالِ الجيم

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 350 ]

قد أُبدلت من الياء السَّاكنةِ في الشِّعر وهو كالضرورة وعلّةُ ذلك أنَّها من مَخْرجها والجيمُ أبْيَنُ منها وذلك كقول الشاعر من - الرجز -

( يا ربِّ إنْ كنت قبلتَ حِجّتجْ ... فلا يزالُ شَاحجٌ يأتيك بجْ ... أقْمَرُ نهّاتٌ يُنَزِّي وَفْرَتِج ... )

وأمَّا قولُ الآخر

( خَالي عَوَيْفٌ وأبو عَلجٍ ... المُطْعِمان اللحمَ بالعَشِجْ )

210 - ( وبالغداةِ فِلَقَ البَرْنجْ ... يقلع بالودّ وبالصيصج )

فإنَّه قدَّرَ الوقْفَ على الياءِ فسُكّنت ثمَّ أبدلَها جيماً مشدَّدةً ثم كسرَ بعد ذلك والقياسُ أنْ لا تبدَل المتحركةُ لأنَّها قويت وبانتْ بحركتها وأمَّا الصِّيصيّ فأصلها التخفيفُ لأنَّ الواحد صيصة خفيفة الياء وإنَّما شدَّد على لغة من يشدّد في الوقف نحو هذا خالدٌ ثم كسَرها لما تقدَّم وأمَّا قول العجاج

( حتَّى إذا ما أمْسَجَتْ وأمْسَجا )

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 351 ]

فالأصلُ أمستْ وأمسى فحذفت الألفُ من اللفظِ الأوَّلِ لسكونها وسكونِ التّاء بعدها فَلمَّا اضطُرّ عادَ إلى الأصلِ وهو الياءُ ولم يتركُها متحركةً لأنَّ حكمَها عندَ ذلك القلبُ فأبدلَها جيماً ليمْكِنه النطقُ بها فجمعَ بينَ أمرين

أحدهما ترك النطقِ بالياءِ المتحركةِ مع ما يقتضي قلبَها

وثانيهما الإتيانُ بحرفٍ من جنْسِ رويّ القصيدة ولا يلزم تغييرُه

فصل

في إبدال اللاّم

قد أُبْدِلت في أُصيلال والأصلُ أصيلان وإنَّما جازَ ذلك لقربِ مَخْرجها والمكبّرُ منه أصْلان والواحدُ أصيل ل مثل رَغِيف ورُغْفان وفيه أقوالٌ قد ذُكرت في باب التصغير فأمَّا إبدالُ لامِ التعريف إلى جِنْسِ الحرف بسببِ الإدغام فيُذْكَر في باب الإدغام

فصل

إذا أردتَ أنْ تزِنَ الكلمةَ بعد الإبدال ففيه قولان

أحدهما أنَّكَ تُعيدُها إلى الاصلِ ثم تزنُها على ذلك

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 352 ]

والثَّاني أنها أنك تَزِنُها على لفظِها بعد الإبْدال ومثالُ ذلك إذا قيلَ ما وزنُ ازْدَجَر فتقولُ على المذهبِ الأوّل افْتَعَلَ وعلى المذهب الثاني افْعَلَ وتقولُ في ادّرأ افْتَعل وعلى الثاني افَّعَل وتقولُ في ازْدَان افْتَعَل وعلى الثاَّاني افْعَل وتقولُ في وِدّ فِعل مثل كِتْف وعلى الثاني فِلّ بتشديد اللاّم لأنَّكَ قلبتَ العين إلى لفظ اللاّم

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 353 ]

باب الحذف

وهو على ضربين حَذْفٌ لعلّةٍ فيطّردُ أينَ وُجِدت وحذفُ لا لعلّةٍ فَيُقْتَصر فيه على المسموع

فالأوّل يكون في أحرف أحدُها الواوُ إذا وقعتْ بين ياءٍ مفتوحةٍ وكسرةٍ حُذفت كقولك في وَعد و وَزَن يَعِدُ ويَزِنُ وعلّة ذلك أنَّ الواوَ من جِنْسِ الضمّةِ وهي مقدَّرةٌ بضمَّتين والكسرة التي بعدها من جِنْس الياء التي قبلَها ووقوعُ الشيء بين شيئين يخالفانِه مُسْتَثْقَلٌ يُفَرّ منه لا سيّما إذا غلبَ الشيئانِ على الشيء الواحدِ وقد وُجِد ذلك ههنا لأنَّ الياءَ متحرِّكةٌ فهي كثلاثةِ حَركاتٍ والكسرةُ رابعةٌ والواو كحركتين والمُتَجانِسات أكثرُ فَغَلبتْ يدلُّ عليه أنَّهم استَثْقَلوا الخروجَ من كَسْرٍ إلى ضمٍّ لازمٍ وهذا في حُكْمِهِ ولا بدَّ في الحكم الذي ذكرناه من تقييد الياء وبالفتحةِ لأنَّ الياء إذا ضُمّت تثبت الواو ك يُوعِد ويُولدُ إذا سمّيت الفاعلَ

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 354 ]

وعلّةُ ذلك أنَّ الواوَ جانَسَها ما قبلَها وهو ضمٌُّ الياء فَقَوِيتْ لمجانستِها ولم يبقَ إلاّ الكسرةُ وحدَها فإنْ قيلَ فقد قال بعضُ العرب وَجَد يَجِدُ بضم الجيم وقد حذف قيلَ الأصْلُ الكَسْرُ وإنَّما ضُمّت الجيم على الشُذوذِ بعدَ أن استقرَّ الحذفُ فإنْ قيل فقد قالوا وهَبَ يَهَبْ ووسِعَ يَسَع فحذفوا مع انفتاح ما بعدَها قيلَ الفتحةُ عارضةٌ والأصلُ الكسرُ وإنَّما فَتَحوا من أجلِ حَرْفِ الحلْقِ والعارضُ يُعتدّ به فإنْ قيلَ فقدْ قالوا يُولَد فأثبَتُوها مع اجتماعِ الضمّةِ والواوِ إذا انفتحَ ما بعدَها فهلاّ استثقلوا الضمّاتِ قيل لا تَنَافُر بين المُتَجانِسات بلْ بينَ المتضادّات ولذلكَ لم يحْذِفوا الياءَ إذا وقعتْ بين ياءٍ وكسرة نحو يَسَرَ يَيْسِرُ ويَمَن يَيْمِنُ ويَئِسَ يَيْئَسُ وقد قال بعضهم يَئِسُ بياءٍ واحدةٍ بعدها همزةٌ وذلك شاذٌّ شَبَّهوا الياءَ فيه بالواوِ بسبب الهمزة

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 355 ]

فأمَّا ورِث يَرِثُ فلا يَنْقُضُ ما أصّلناه لأنَّ الواوَ قد وقعتْ بينَ ياءِ مفتوحةٍ وكسرةٍ وإنَّما الشُّذوذُ في مجيء فَعِل يَفْعِل بكسر العين فيهما ليسَ مِمَّا نحنُ فيه فإن قيلَ كيف حذفت الواو في أعد وتعد ونعد ولا علة إذ ليس قبل الواو ياء قيل فَعلوا ذلك ليطَّرد حكم الفعل المضارِع لاشتراكِ أنواعه وله نظائر فمنها أنهم حملوا نُكْرِمُ وتكرم ويُكْرِمُ على أُكْرِم فإنْ قيلَ الواو في يوعِد قد وقعتْ قبل الكسرةِ ولم تُحذف قيلَ عنه جوابان

أحدُهما ما تقدَّم من أنَّ قبلَها ضمةً

والثاني أن الأصلَ يُؤوْعِدُ بهمزةٍ وقد حُذفت فلو حذفت الواوُ لأُجْحِفَ

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 356 ]

بالكلمة فإنْ قيل فلمَ حذفت في يَذَرُ قيل كان القياسُ كَسْرُ الذالِ إلا أنها فُتحت حملاً على يَدَع وقد ذكرتُ العلّةَ فيه

فصل

فإنْ انفتحَ ما بعدَ الواو نَحْو وَجَل يَوْجَل لم تسقطْ لعدمِ العلّة ومن العربِ مَنْ يقلبُ هذه الواوَ ألفاً فيقول ياجَلُ وهو شاذّ والوجهُ فيه الفرارُ من ثِقَلِ الواوِ بعدَ الياء فقلبتْ حرفاً من جِنْسِ الفتحةِ قبلها ومنهم مَنْ يقلبُها ياءً ساكنةً لتُجانسَ ما قبلَها ومنهم من يكسر حرف المضارعة إتباعاً

فصل

كلُّ فعلٍ حُذفت واوه لوقوعِها بينَ ياءٍ وكسرةٍ حُذِفتْ في مَصْدره وعُوِّض منها تاءُ التأنيثِ نحو عِدَة وزِنة والأصل وِعْدَة فَحُذفت الواوُ هنا كما حُذفت في الفعل والوجْهُ في ذلك أنَّ الواوَ هنا مكسورةوقد أُعلّت في الفعل فأعلّتْ في المصدر ليلازِمَها وكانت الكسرةٌ فيها كالياء قبلَها في الفعلِ إلاَّ أنَّه عُوّض منها تاءُ التأنيثِ لئلا يدخلَ الوهنُ بالكلِّيَّةِ على الأسماءِ التي هي الأصولُ وليست موضِعاً للتصريف فإنْ حذفتَ التاءَ أعدتَ الواوَ مفتوحةً فقلت وَعْدٌ ووَزْنٌ لزوال عِلّة الحذفِ

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 357 ]

فإنْ قيل فقد قالوا وِجْهةٌ فجمعوا بين العِوض والمعوّضِ ففيه وجهان

أحدهما ليست مصدراً بل هي اسمٌ للجهة المتوجَّه إليها

والثاني يقدّر أنَّها مصدرٌ ولكنْ خرجت على الأصل تنبيهاً على أنَّ القياسَ الإتمام في الجميع وهذا كما قالوا القَوَد والأوَد واسْتَحْوَذَ فلم يعلّوا لِمَا ذكرنا

فصل

في حَذْفِ الهمزةِ

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 358 ]

فمن ذلك همزةُ أفْعَل إذا وقعتْ بعد همزةِ المضارَعةِ فإنَّها تُحذَفُ لئلاّ يُجْمَع بين همزتين خُصوصاً متحركتين فإذا كانوا لم يجمَعُوا بينَهما مع سُكُون الثَّانية فالحذفُ مع الحركةِ أوْلى وذلك نحو أَكْرَمْتُ أُكْرِمُ والأصْلُ أؤكرِمُ مثل دَحْرَجْتُ أُدَحْرِجُ فحُذِفت الثَّانيةُ لِمَا ذَكَرْنا ولم تُحْذَف الأولى لِدَلالتها على الاستقبال والمتكلّم فأمَّا اسمُ الفاعل والمفعول نحو مُكرِم ومُكْرَم فالهمزةُ فيه محذوفةٌ لبنائِه على الفعل واشتقاقِه منه وليس كذلك مصدرُه فإنَّها لا تُحذَف فيه نحو الإكْرام فَأمَّا بقيةُ الافعال المضارعة فتحذَفُ فيها الهمزةُ طَرْداً للباب وكذلك اسمُ الفاعل والمفعول نحو ونُكْرِمُ ويُكْرِمُ ومصدرها خارجٌ عن الأصل وهو أحدُ ما يدلُّ على أنَّ الفعلَ مشتقٌّ من المصدر إذْ لو كانَ بالعكسِ لَحُذفت همزتُه كما حُذفت في اسم الفاعل والمفعول وقد خرجَ ذلك على الأصل في ضرورةِ الشعر نحو يُؤكْرِمُ ويقوّى ذلك أنَّ العلّةَ في

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 359 ]

الأصلِ لم تُوجَد ههنا وهي اجتماعُ الهزتين ولذلك لم يأتِ في الضَّرورة أؤكرم

فصل

فإنْ كانتِ الهمزةُ أصلاً وضُوعِفتِ العينُ بعدَها أوْ أوْ لم تضعَّف نحو أسس وأخَذَ وأكَلَ أُبْدِلت مع همزةِ المتكلِّم واواً إذا انضمَّت وألفاً إذا انفتحت نحو أؤسِسُ وأاْخُذُ وأاْكُل أمَّا إبدالها واواً فللضمَّةِ قبلَها وإبدالُها ألِفاً للفتحةِ قبلها ولا يجوزُ جَعْلُها بينَ بينَ لأنَّ ذلك تقريبُ لها من الألفِ ولا يكونُ ما قبلَ الألفِ إلاَّ مفتوحاً وإنْ كانت بعدَ غيرَ الهمزة فَتَحْقِيقُها هو الوجهُ نحو نَأْكُل وتَأْكُل ويَأْكُل ويُؤسِّسُ وتخفيفُها جائزٌ بإبدالِها واواً خالصةً

فصل

وأمَّا ما يُحْذَف لِلْجَزْمِ فقد ذُكر في بابِ الْجَوازم مُسْتَوفى وكذلك ياءُ الْمنْقوص الساَّقطة لالتقاء السَّاكنين وألفِ المقصور

فصل

واختَلَفوا في واوِ مَفْعول ممّا عينُه معتلّة نحو مَقُول ومَبِيع وأصله مَقْوُول ومَبْيُوع وقد جاءَ منه على الأصلِ قالوا مِسْكٌ مَدْوُوفٌ وثوبٌ مَصْوُونٌ وهو

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 360 ]

في الياء أكثر وقد قالوا طَعَامٌ مَكْيُول ومَزْيُوت وتُفَّاحةٌ مَطْيُوبة فقال الخليل وسيبويه المَحْذُوفُ منه الواوُ الزائدةُ

وقا أبو الحسن الأخفش المحذُوفُ عينُ الكلمةِ وحُجَّة الأوَّلين من وجْهين

أحدهما أنَّ حَذْفَ الزائدِ أوْلى إذا لم يُخِلَّ حذفُه بمعنى وهنا لا يُخلّ بمعنى إذْ ليس في اللفظِ فَرْقٌ بينَ الحذفين وإنَّما ذلك أمرٌ تقديري حُكْميّ والمعنى مفهوم على التقديرين جَميعاً فإبْقاء الاصليّ على هذا أوْلى

والوجه الثَّاني أنَّ الأصْل في هذا المثال أنْ تَدلَّ الميمُ وحدَها مع حركة العينِ على معنى المفعول كما في اسم الفاعِل نحو مُقيم ومُكْرِم فكذلك يَجِبُ أن يكونَ في مفعول وإنَّما قصدُوا بالواو الفرقَ بين الثلاثي والرباعي نحو مُكْرَم ومضروب والفرقُ حاصلٌ بينهما سواء حذفت الأصليّ أو الزائد ويُقوّى ذلك أن المحذوفَ لو كانَ الأصليَّ لقُلْتَ مَبُوع إذْ لا حاجَة إلى قلبِ الواوِ ياءً إذْ كانَ في قلب الواو ياءً حَذْفُ أصْلٍ وقلبُ زائد وفي حَذْفِ الزائدِ إقرارُ الاصليّ فكانَ أولى وإذا تقررت هذه القاعدةُ فإنَّ الحذفَ على مذهب سيبويه أن تحذِفَ الزائدَ وتنقلَ حركةَ الواو إلى القافِ فوزنُه مَفْعَل بضم الفاء وإسكانِ العين وعلى قول الأخفش نُقِلت ضمةُ الواوِ الأولى

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 361 ]

إلى القافِ فاجتمعَ ساكنان فَحُذِفت الأُولى وأمَّا في مَبِيع فإنَّ ضمّةَ الياءِ تَقْلِبُ العينَ فاجتمعتِ الواوُ والياءُ ساكنين فَحُذِفت الواوُ وكُسِرت العينُ لئلاّ تنقلبَ الياءُ واواً لسكونِها وانضمام ما قبلها وحُجّةُ الأخفش أنَّ الزَّائدَ دخلَ لمعنىً فكانَ ما قبلَه المحذوفَ كياء المنقوصِ وألفِ المقصورِ إذا نوِّنا وما ذَكَرْناه في حُجَّة الأوَّلين جوابٌ عن هذه الشبهة

فصل

ومثلُ هذه المسألة الاستعانةُ والإرادة لأنَّ الأصلَ فيهما اسْتِعْوَانة وإرْوَادَة لأنَّهما مصدرُ استفعل وأفِعَل ونظيرُه من الصحيح استقبالة وإقْبالة إلاّ أنَّ الواوَ تحركت وانفتَح ما قبلها في الأصل فَقُلبت ألفاً فاجتمعت ألفان فَحُذِفت الثَّانيةِ عند سيبويه والأولى عند أبي الحسَن وعليهما ما تقدم وجعلت الهاءُ عوضاً من المحذوف وقد جاءت مع الإضافة بغير هاءٍ كقوله تعالى ( وإقامِ الصَّلوة ) فكانَ المضافَ إليه عِوضاً من الهاء أو من المحذوف

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 362 ]

باب ما حُذِفَ على خلاف القياس

اعلمْ أنَّ هذا البابَ يُقْتَصَر فيه على المسموع ولا يُقاس إذْ لا علّة تقتضي الحذفَ فيطّرد وهذا الحذفُ يكونُ في الحروفِ والحركاتِ فالحروفِ عشرة أوّلُها الهمزةُ وقد حُذِفَتْ فاءً وعَيْناً ولاماً

فالفاء قد حُذِفت في مواضعَ

الأوَّلُ قولُهم من أكَلَ وأخَذَ وأمَرَ كلْ وخُذْ ومُرْ والأصل اأْكلْ فالهمزةُ الأولى وصلٌ والثانيةُ فاءُ الكلمة إلاَّ أنَّهم حذفوا الثانيةَ تخفيفاَ لِثِقَل الجمعِ بينَ الهمزتين وكانَ القياسُ قلبُ الثانيةِ واواً لِسُكُونِها وانْضِمامِ ما قَبْلَها وقد جاءَ أومُرْ

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 363 ]

غيرِ حَذْفِ على الأصل فأمَّا مع واوِ العطْفِ فلم يأتِ إلا على الأصل كقوله تعالى ( وأمُرْ أهلَك بالصَّلاةِ ) وأمَّا أُخْتَاها فبالحذف على كلِّ حال فأمَّا أجر يأجِرُ وأسسَ يؤسس فلا يُحْذَفُ فيه وفي أمْثاله البتَة بل تقول أؤجره وأُوْسس لأنَّ السَّماعَ لم يَرِدْ إلاَّ في الامثلةِ الثَّلاثةِ ولا علَّةً تجوّزُ ذلك

الموضعُ الثَّاني ناس والأصلُ عند سيبويه أُناس فُعال من الإنْسِ فَحُذِفت الهمزةُ تَخْفيفاً فَوَزْنُ ناس على هذا عَالْ ولا تكاد تُسْتَعمل إلاّ بالألفِ واللاّم كأنَّهما عِوَضٌ من المحذوف

وقالَ آخرون لا حَذْفَ في ناس بل هو فَعَلَ من نَاسَ يَنُوس نَوْساً إذا تحرَّك فالنَّاسُ يتحركون في مُراداتِهم ولا يكاد أُناس يُسْتعمل بالألف واللام وقد جاء ذلك قليلاً قال الشاعر - مجزوء الكامل -

( إنَّ المَنَايا يطَّلِعْنَ ... عَلى الأُناسِ الآمِنِيْنَا )

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 364 ]

الموضعُ الثالث قولهم في إيتِ من أتى إذا جاء تِ قال الشاعر من - الطويل -

( تِ لي آلَ زيدٍ وانْدُهُمْ لي جَمَاعةٌ ... وَسَلْ آلَ زَيْدٍ أيُّ شَيءٍ يضيرُها )

والوجهُ في ذلك أنَّه شبَّه الهمزةَ التي هي فاءُ الكلمة بالواو في وَفَى إذْ كانتِ الهمزةُ تُقْلَب إلى الواو نحو صَحْرَاوَات والواو إلى الهمزةِ نحو أجوه فكما تُحذَف الفاءُ واللامُ هناك في الأمرِ كذلك تُحْذَفُ الهمزةُ والياء هنا وقيل شَبَّههُ ب كُلّ وفيه بُعْدٌ

الموضعُ الرَّابعُ اسمُ الله تبارك وتعالى وفي أصله قَوْلان

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 365 ]

أحدُهما لاه ثم أُدْخِلت عليه الألفُ واللاّمُ وفُخّمت اللاّمُ إلاَّ أنْ ينكسرَ ما قبلها ولا حذفَ فيه على هذا

والقولُ الثَّاني أصلُه إلاه وهو فِعَال من أله يَأْله إذا عبد فإلاه فِعَال بمعنى مَفعول أي مَعْبُود ثم أُلقيت حركةُ الهمزةِ على لام التعريف فالتقت اللاّمان فسُكّنتِ الأُولى وأُدْغِمت في الثّانية وفخمّت وقال أبو عليّ حُذِفت الهمزةُ من غيرِ نَقْلٍ وعلى هذا يكونُ العملُ أقلَّ لأنَّ لامَ التعريف تبقى على سُكونها ثم تُدْغَم فوزنُه الآن العال وصار لزوم الألفِ واللام عِوَضاً من المحذوف ولذلك جازَ قطعُ الهمزةِ في النداء والألفُ على القول الأوَّلِ بَدَلٌ من أصلٍ وهو ياء لأنَّهم قالوا في مَقْلُوبِه لهي أبُوك وعلى القول الثاني هي زائدة

فصل

وأمّا حذفُ الهمزةِ عَيْناً فقولُهم في مضارع رأى وأخواتها يَرَى والأصلُ يَرْأى فنُقِلت حركةُ الهمزةِ إلى الراءِ وحُذِفت فوزنُه الآنَ يَفَل وكذلك ما تصرّف منه

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 366 ]

نحو أرَى زيدٌ عَمْراً بكراً فهو مُرٍ والمفعول مُرَىً فأمَّا رائي اسمُ فاعلٍ من رأى يَرَى فهو خارجٌ على الأصْلِ مثل راعي وقد جاءَ في الشِّعر تاماً للضرورة فقال الشَّاعر وهو سُراقة البارقيّ من - الوافر - د

( أُرِي عَيْنَيّ ما لم تَرْأياهُ ... كِلانا عَالِمٌ بالتُّرُهَاتِ )

فصل

وممَّا حُذِفتِ الهمزةُ منه وهي لامٌ قولُهم سُؤته سوايةً والأصل سوائية مثل كراهيةٍ ورفاهية فحذفت الهمزةُ وهي لامٌ لأنَّه من ساءَ مثل ساع والياء زائدةٌ كما زيدت في كراهية

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 367 ]

مسألة

اختلف الناسُ في أشياء هل هي جمعُ شيءٍ أم لا على قولين

فقال بعضُهم هي جمعُ شيء مثل بَيْتٍ وأبيات وتُركَ صرفه لكثرةِ الاستعمال وهذا بعيدٌ جدّا لأنَّ كثرةَ الاستعمال لا تُوجِيُ منعَ الصَّرفِ عند الجميع

وقال آخرون جُمع على أشْياء شاذاً كما قالوا سَمْح وسُمَحاء فجاؤوا به على الشذوذ ثم حُذِفت الهمزةُ الأولى لاجتماعِ همزتين بينهما ألفٌ والألفُ تُشْبِه الهمزة كأنَّها ثلاثُ ألفات أو ثلاثُ همزات فوزنُه الآن أَفْعاء

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 368 ]

وقال الفرّاء أصله شيّئ مثل هيّن ثم جُمع على أشْيِيَاء وعُمِل به بعد تَخْفيف الواحدِ على ما ذكرنا على مذهب أبي الحسن

وقال الخليلُ وسيبويه أصلُها شَيْئَاء اسم الجنْس مثل حَلْفاء وقَصْبَاء فقُدِّمت الهمزةُ الأُولى لِمَا تقدَّم فوزنُه الآن لَفْعَاء

فصل

واعلم أنَّ شَيئاً على التَّحقيق مصدر شَاء يَشَاءُ شيئاً ثم جُعِلَ اسماً عامّاً لكلِّ موجودٍ ولكلِّ معدومٍ عند مَنْ قال المعدومُ شيء

فأمَّا على قولِ الآخرِين فليست مصدراً وهي على ثلاثةِ أقوال

أحدها أصلها شيئاء ثم قُدّمت الهمزةُ الأولى على ما ذُكر

والثاني أصلُها شيّئ مثلُ هيّن ثمّ جُمع على أشْيِئاء مثل أهْوِناء ثمَّ حُذفت الهمزةُ الأولى لما تقدَّم

والثالث شيّئ مثل صَديق واصْدِقاء ثم حُذفت الهمزة أيضاً

وفيها قولٌ رابعٌ أنَّ الواحدَ شَيْء ثم جمع على أشْيَاء شاذّاَ كما قالوا سمْح وسُمَحاء فأجْرَوا فُعَلاء مجرى فعيل في الجمع ك عليم وعُلماء

فإنْ قيلَ فقد قالوا في جمعِ أشياء أشَاوَى ولو كان واحِدُه على شيئاء لَمَا جُمع على ذلك قيلَ لَمَّا قُدِّمت الهمزةُ أو حُذِفت على القول الآخَر صارَ لفظُها على لفظ

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 369 ]

صَحْراء فالهمزةُ بإزاء الصَّاد والشِّينُ بإزاء الحاءِ والياءُ بإزاءِ الرّاء والألفُ فيهما زائدةٌ للمدِّ والهمزةُ الأخيرةُ مُبْدَلَةٌ من ألفٍ التأنيث وكما جُمعت صحراء على صَحَارى جُمِعَتْ أشْياء على أَشَاوى فالألِف الثالثة حادثةٌ للجمع والواوُ بدلٌ من الياءِ والالفُ الأخيرةُ بدل من ياء وكان القياسُ أَشَاوِي كما كانَ في صَحَارِي فالياءُ فيهما بدلٌ من ألفِ المدِّ والمبدَلةُ من ألف التأنيثِ محذوفةٌ وهذا مثلُ شِمْلال في أنَّ الألفَ تُقْلَبُ ياءً ثم أُبْدِلَ من كسرةِ الواو فتحةً فصارت الياءُ ألفاً فإنْ قيلَ لو كانت جَمْعاً لَمَا صَحَّت إضافة الثلاثة إلى العشرة إليها وقد صحَّتْ فدلَّ أنَّها أفْعَال كما يُقال ثلاثةُ أثْوَاب قيلَ لَمّا أصارَها التغيّرُ إلى مِثال أفْعَال جازَ ذلك فيها

فصل

في حذف الألف

القياسُ أن لا تُحذفَ لأنَّها في غايةِ الخِفَّة وهي جاريةٌ مَجْرى النَّفَس لا تَنْقَطِعُ على مَخْرج وقد حُذِفت في الشِّعر لإقامةِ الوزنِ والوَجْهُ في ذلك قِلَّةُ الاحتفال بها لِفَرْطِ خفّتها وأنَّ الفتحةَ تُغْني عنها وكأنَّها ليستْ حَرْفاً فمن ذلك قولهم المعل في

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 370 ]

الشعرِ يريدُ المعلّى ولهفَ في لهفى وقالَ قومٌ أمَ والله يريدونَ أمَا والله لأنَّها يُفْتَتَحُ بها الكلام مثل ألا وقيلَ معناها حَقّاً وفيه بُعْدٌ وقالوا يا أبتَ يريدونَ الألفَ المصرَّحَ به في قول الراجز

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 371 ]

( يَا أبَتَا علّكَ أو عَسَاكا ... )

وقالوا يا بنَ أمِّ والأصل يا بُنَ أمّا محوّلٌ عن يا بْنَ أمّي وكذلك يا بن عمَّ وقيلَ لا حذفَ هنا بل ابن مركب مع أمّ مثل خَمسةَ عَشَر وقالوا لِمَ وبِمَ فحذفوا الألفَ من ما الاستفهاميةِ معَ حرفِ الجرِّ فَرْقاً بينها وبين الخبريّة

فصل

في حَذْفِ الواو

قد حُذفت فاءً نحو يعِدُ وعدْ وعدة وقد ذُكر وحُذِفت عَيْناً فقالوا لوسَط الحوضِ ثُبة وأصلها ثُوْبة من ثاب يَثُوب لأنَّ الماءَ يَثُوب إلى ذلك

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 372 ]

الموضع أي يرجع ومنه الثَّواب والإِثابة والمثابةُ فأمَّا الثُّبَة بمعنى الجماعة فالمحذوفُ منها لامُها وهي واوٌ لقولهم تَثَبَّيْنا أي اجتمعنا وليسَ دليلاً على كونِها ياءً لأنَّها قد وقعت رابعةً ويدلُّ على أنَّها واوٌ أنَّ الأكثرَ في هذا الباب حذفُ الواو وقد حُذفت حذفاً صالحاً قالوا أبٌ والأصل أبوٌ لرجوعِ الواو في التثنيةِ والجمعِ والفعل قالوا ماله أبٌ يأبُوه وقالوا أبَوان وآباء والأصل في ابن بِنْوٌ لقولهم البنوّة ولم يُسْمع في شيء من اشتقاقه الياءُ وليس كذلك الفتى لأنَّهم قد قالوا الفِتْيان فلذلك لم تدلَّ الفُتُوَّة على الواو

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 373 ]

وقيلَ أصلُه بنيّ لأنَّه من بَنى يبْني فكأنّ الابنَ من بناء الأب لكونه متولّداً عنه

وقالوا أخٌ فحذفوا الواوَ لقولهم أخَوان والإخوة والإخوان

والأصل في هنٍ هَنَوٌ لقولهم هَنَوات

فأمَّا ذُو فأصلُها ذَوَيٌ لأنَّ باب طويتُ وشَويت أكثر من باب قُوّة وحوّة فالمحذوفُ منها الياء

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 374 ]

فأمَّا حَمْءٌ فالأكثرُ أنَّه من الواوِ لقولهم حَمَوان وفيه لُغة أخرى حَمٌ مثل غدٌ والأصلُ غدوٌّ لقولهم غدا يَغْدُو وقد جاء تامّاً

وقالوا قُلَةٌ والأصلُ الواوُ لقولهم قَلوتُ بالقُلَةِ وهي عُصَيّةٌ يَلْعَبُ بها الصّبيان

وقالوا ظُبَةٌ والأصلُ الواوُ

فأمّا كُرةٌ ففيها قولان

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 375 ]

أحدُهما المحذوفُ منها اللامُ وهي واوٌ لقولهم كَرَوتُ بالكُرَةِ وفي شعرِ المْسُيَّبِ بنِ عَلَس من - الكامل -

( كأنَّما تَكْرُو بِكَفِّيْ لاعِبٍ في صَاعِ

والقولُ الثَّاني المحذوفُ منها العين لأنَّها من كَارَ العِمَامةِ يكُورها كَوْرا إذا دَوَّرها والكرةُ كذلك

فصل

في حذفِ الياء

قد حُذِفت لاماً في يَدٍ ويدلُّ على أنَّ الأصلَ الياءُ قولك يَدِيتُ إليه يَدَاً إذا أسْدَيْتَ إليه نِعْمةً وسُمِّيت النعمةُ يداً لأنَّ الإنْعامَ بها يكون أوْ لأنَّها نِعْمةٌ إذا كانت آلة البطشِ وقد جاءَ في الشِّعر من - الكامل

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 376 ]

( يَدَيَانِ بَيْضَاوَانِ عند محلّم ٍ ... قد تَمْنَعانِكَ أنْ تذِلّ وتُضْهَدا )

وقد قالوا في الجمْعِ أيدٍ وهو أفعُل وذلك يدلُّ على سكونِ عَيْن الكلمةِ في الأصل لأنَّه مثلُ فلْس وأَفْلُس فأمَّا أيادٍ فأكْثرُ ما يَأتي في جَمْع يَدِ النعمةِ وقد جاءَ في الجَارِحة وإذا رجَعَ المحذوفُ فعند سيبويه بفتحِ الدَّال لأنَّ الحذفَ فيها كالأصل والتَّمامُ عارضٌ فأبقيت حركتها وعند أبي الحسن يردّ إلى السّكون الذي هو الأصلُ

وقد حُذِفت الياءُ من دمٍ واصله دَمْيٌ لقولهم في التثنية دَمَيان وقال بعضهم دَمَوان وقالوا في الفعل دَمِيت مَدْمي وهو محتملٌ الأمرين والأكثرُ

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 377 ]

الياء وقد جاءَ في الشَّعر دماً مثلُ عَصَا مقصوراً متمماً وهو أحدُ القولين في قوله من - الرَّمَل -

( فَإذا هِيْ بِعِظامٍ وَدَمَا ... )

وفي قول الآخر من - الطويل -

( ولكنْ على أقْدامِنا يَقْطُر الدَّما ... )

وقالوا في مِئْيَة مِئةَ فَحَذَفوا الياء وهو الأصل وقالوا في الفعل منه أمْأيتُ الدراهمَ وهو أفْعَلتُ من هذا الأصل وحكى الأخفش أخذت منه مِيئْيَة على التمام وحذف الياء أقل من حذف الواو لأنَّ الواوَ أثقلُ منها وحذفُ الأثْقَلِ أقربُ إلى القياس وحذفُ الياء أكثر من حذف الألف لأنها أثقل منها وإذا أشكل أمرُ اللامِ المحذوفةِ فاحكم على كونِها واواً عند أبي الحسن أخذاً بالأكثر وعلى كونِها ياءً عند سيبويه لِخَفائها وجعلها تبعاً للحركة في هاء الضميرِ ونحوِها

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 378 ]