فقه اللغة 16

42- فصل في الألفات

- منها ألف الوصل، وألف القطع، وألف الأمر، وألف الاستفهام، وألف التَّعجب، وألف التثنية، وألف الجمع، وألف التعدية، وألف لام المعرفة، وألف المخبر عن نفسه، في قوله: أدخُل واخرُج، وألف الحينونة، كما يقال: أَحْصَدَ الزَّرع: أي حان أن يُحصَدَ، وأَرْكَبَ المُهْرُ: أي حانَ أنْ يُركَبَ.

وألف الوجدان، كقوله: أجبَنْتُهُ: أي وجدته جبانا، وأكذَبتُهُ: أي وجدته كذابا. وفي القرآن: "فإنهم لا يُكَذِّبونَكَ": أي لا يجدونك كذاباً. ومنها ألف الإتيان، كقوله: أحسَنَ: أي أتى بفعل حسن، وأَقْبَحَ: أي أتى بفعل قبيح. ومنها ألف التحويل، كقوله: "لَنَسْفَعاً بالنَّاصية" فإنها نون التوكيد حوّلت ألفا. ومنها ألف القافية، كقول الشاعر:

يا رَبعُ لو كنتُ دَمعا فيكَ مُنْسَكِباً * قَضَيتُ نَحْبي ولم أقضِ الذي وجَبا

ومنها ألف النُّدبة، كقول أمَّ تأبَّطَ شرّأً: وابنَ اللَّيل. ومنها ألف التوجُّع والتأسُّف، وهي تقارب ألف النَّدبة نحو: وا قَلباه! وا كَرباه! وا حُزناه!

43-فصل في الباءات

- منها باء زائدة، وقد تقدّم ذِكرها، ويقال لبعضها: باء التبعيض، كما قال عزَّ وجلَّ: "وامسَحوا بِرُؤوسِكُم" أي بعضها. ومنها القَسَم، كقولهم: باللهِ، وبالبيتِ الحرامِ، وبحياتك. ومنها باء الإلصاق، كقولك: مَسَحتُ يَدَيَّ بالأرضِ. ومنها باء الاعتمال، كقولك: كَتَبْتُ بِالقَلَم، وضَرَبتُ بالسَّيف، وزَعَمَ قوم أنَّ.

ومنها باء المُصاحَبة، كما تقول: دخل فلان بثياب سفره، وركب فلان بسلاحه، وفي القرآن: "وقد دَخَلوا بِالكُفرِ وهُمْ قَدْ خضرضجوا بِهِ واللهُ أعْلَمُ بِما كانوا يَكتُمون".

ومنها باء السبب، كقوله تعالى: "وكانوا بِشُرَكائِهِمْ كافِرين" أي من أجل شُركائهم. وكما قال: "والذين هم بربِّهم لا يُشْرِكون" أي من أجله. ومنها الباء الدّاخلة على نفس المخبر والظاهر أنها لغيره، نحو: رأيتُ بِفلانٍ رجلا جَلْداً، ولَقيتُ بِزيد كَريماً، توهمُ أنك لقيتَ بزيدٍ كريماً آخر غير زيد، وليس كذلك وإنما أردت نفسه، كما قال الشاعر:

إذا ما تأمَّلتُهُ مُقْبِلا * رأيتَ بِهِ جَمْرَةً مُشعَلة

وفي القرآن: "فاسْأل بِهِ خَبيرا".

ومنها الباء الواقعة موقع (مِن وعَنْ) كما قال عزَّ وجلَّ: "سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِع" أي عن عذاب واقع، وكما قال: "عينا يَشْرَبُ بها عباد الله" أي منها.

ومنها الباء التي في موضع (في)، كما قال الأعشى:

ما بُكاءُ الكَبيرِ بالأطلالِ

أي في الأطلال، وقال الآخر:

ولَيلٍ كأنَّ نجومَ السَّماء * بِهِ مُقَلٌ رُنَّقَتْ للهُجُوعِ

ومنها الباء التي في موضع (على) كما قال الشاعر:

أَرَبٌ يَبولُ الثُّعلُبَانُ بِرأسهِ * لقَدْ ذَلَّ مَنْ بالتْ عليهِ الثَّعالبُ

أي على رأسه. ومنها باء البدل، كما تقول: هذا بذاك، أي عوض وبدل منه، كما قال الشاعر:

إنْ تَجْفُني فَلَطالَما وصَلتَني * هذا بذاك فَما عليك مَلَامُ

ومنها باء التعدية، كقولك: ذهبت ورجعت به. ومنها الباء بمعنى حيثُ، كقولهم: أنتَ بالمُجَرَّب، أي حيث التَّجريب. وفي كتاب الله عزَّ وجلَّ: "فلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ العَذابِ" أي حيث يفوزون.

44- فصل في التاءات

- منها ما يُزاد في الإسم، كما زيد في: تَنْضُبُ وتَتْفُلُ.

ومنها ما يزاد في الفعل، نحو: تَفَعَل، وتَفاعَل وافْتَعَلَ، واسْتَفْعَلَ.

ومنها تاء القَسَم، تقول: تالله لأفعلنَّ كذا، أي بالله. وفي القرآن: "وتاللهِ لأكيدنَّ أصْنامَكُمْ" ولا تستعمل هذه التاء إلا مع اسم الله عزَّ وجلّلأ.

ومنها التاء التي تزاد في رُبَّ وثُمَّ ولا، وتقدم ذكرها.

ومنها تاء التأنيث، نحو تَفْعَلُ وفَعَلْت، وتاء النَّفس، نحو فَعَلتُ، وتاء المخاطبة نحو فَعَلْتِ.

ومنها تاء تكون بدلا عن سين في بعض اللغات، كما أنشد ابن السكيت:

يا قاتلَ الله بني السَّعلاتِ * عمرو بن مسعود شِرار النَّاتِ

يعني شرار الناس.

45- فصل في السينات

- السين تزاد في استفعل، ويقال للتي في اسْتَهْدى واسْتَوهَبَ واسْتَعْظَمَ واسْتَسْقى، سين السؤال، وتُخْتَصرُ من سوف أفعل فيقال: سأفعل، ويقال لها: سين سوف.

ومنها سين الصيرورة كما يقال: اسْتَنْوَقَ الجَمَلُ، واسْتَنْسَرَ البِغاثُ، يُضربان مثلا للقويِّ يَضْعُف وللضَّعيف يقوى. وتقارب هذه السين سين استقدم واستأخر: أي صار متقدما ومتأخرا.

46- فصل في الفاءات

- منها فاء التعقيب كقولهم: مررت بزيدٍ فعمرو، أي مررت بزيد وعلى عقبه بعمرو، وكما قال امرؤ القيس: بِسِقطِ اللوى بينَ الدَّخول فَحَومَلِ

ومنها الفاء تكون جوابا للشرط كما يقال: إن تأتني فحسنٌ جميل، وإن لم تأتني فالعذرُ مَقبول، ومنه قوله تعالى: "والذين كفروا فَتَعْساً لَهُمْ"، وقال صاحب كتاب الإيضاح: الفاء التي تجيء بعد النفي والأمر والنهي والاستفهام والعرض والتمني ينتصب بها الفعل، فمثال النَّفي: ما تأتيني فأُعْطيك، ومنه قوله تعالى: "وما مِنْ حِسابِكَ عَليهِمْ مِن شيء فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكونَ مِنَ الظَّالِمين". ومثال آخر، كقولك: ائتني فأعرِفَ بك، ومثال النَّهي كقولك: لا تَنْقَطِعْ عنَّا فَنَجْفوَك. وفي القرآن: "ولا تَطْغَوا فيه فَيَحِلَّ عليكُمْ غَضَبي"، ومثال الاستفهام كقولك: أما تأتينا فتُحَدِّثَنا، ومثال العرض: ألا تنزِلُ عندنا فَتُصيبُ خَيراً، ومثال التمنِّي: ليتَلي مالا فَأُعطيكَ.

47-فصل في الكافات

-تقع الكاف في مخاطبة المذكّر مفتوحة، وفي مخاطبة المؤنَّث مكسورة، نحو قولك: لكَ ولَكِ. وتدخل في أول الإسم للتشبيه فتخفضه، نحو قولك: زيد كالأسد وهند كالقمر. قال الأخفش: قد تكون الكاف دالَّة على القرب والبعد، كما تقول: للشيء القريب منك: ذا وللشيء البعيد منك: ذاك.

وقد تكون الكاف زائدة كقوله عزَّ وجلَّ: "ليسَ كَمِثْلِهِ شيءٌ". وتكون للتّعجب كما يقال: ما رأيت كاليوم ولا جِلْدَ مُخَبَّأَةٍ.

48- فصل في اللامات

- اللام تقع زائدة في قولك: وإنَّما هو ذلك.

ومنها لام التأكيد، وإنّما يقال لهذه اللام لام الإبتداء نحو قوله عزّ وجلّ: "لأنْتُمْ أشَدُّ رَهْبَةً في صُدورِهِمْ مِنَ اللهِ".

ومنها في خبر إنَّ نحو قولك: إنَّ زيداً لقائم، وفي خبر الإبتداء، كما قال القائل:

أُمُّ الحُلَيسِ لَعَجوزٌ شَهْرَبَهْ

ومنها لام الاستغاثة (بالفتح) كقولك: يا للناس، فإذا أردت التعجب (فبالكسر). ومنها لام المُلك كقولك: هذه الدّار لزيد.

ولام المُلك كقوله تعالى: "إنما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ" أي من أجله. عن الكسائي. وكقوله عزّ وجلّ: "أَقِمِ الصلاةَ لِدُلوكِ الشمسِ إلى غَسَقِ اللَّيلِ" أي عند دلوكها.

ومنها لام (بَعْدَ)، كقوله صلى الله عليه وسلم: (صوموا لِرُؤيتِهِ وأفْطِروا لِرؤيته).

ومنها لام التخصيص كقولك: الحمد لله، فهذه لام مختصَّة في الحقيقة بالله ومثلها قوله تعالى: "والأمر يومئذٍ لله".

ومنها لام الوقت كقولهم: لِثَلاثٍ خَلَونَ من شهرِ كذا، أو لِأربع بَقينَ من كذا قال النَّابغة:

تَوَهَّمتُ آياتٍ لها فعرفتها * لِسِتَّةِ أعوام وذا العام سابعُ

ومنها لام التعجب كقوله: لله درُّهُ، ويقال: يا للعجب، معناه: يا قوم تعالوا إلى العجب، وقد تجتمع التي للنداء والتي للتعجب، كما قال الشاعر:

ألا يا لَقَوْمِي لطَيْفِ الخيالِ

ومنها لام الأمر، كما تقول: ليفعل كذا وليطلق كذا، وفي القرآن العزيز: "ثمَّ لِيَقضوا تَفَثَهُمْ وَلِيوفوا نُذورَهُمْ".

ومنها لام الجزاء كقوله عزَّ وجلَّ: "إنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتحاً مُبينا لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّم من ذَنبِكَ وما تأخَّرَ".

ومنها لام العاقبة، كما قال الله عزَّ وجلَّ: "فالتَقَطَهُ آلُ فِرعونَ لِيَكونَ لَهُمْ عدوَّاً وحَزَنا" وهم لم يلتقطوه لذلك، ولكن صارت العاقبة إليه. وقال سابق البربري:

ولِلموتِ تَغْزو الوالداتُ سِخالَها * كما لِخَراب الدَّهرِ تُبنى المساكِنُ

49- فصل في الميمات

- الميم تزاد في مِفعل ومَفعل ومُفاعلة وغيرها.

وتزاد في أواخر الأسماء للمبالغة، كما زيدت في زُرقم وسُتهُم وشدقم.

وقرأت في رساله الصاحب بن عباد، ولكن للتَّبَظْرم خفة. وفي (تبظرَم) زَعم غلام ثعلب أن البظر: الخاتم، وأن قولهم: (تبظرم) مشتق من ذلك وأحسبه حسب الميم تزاد في التصاريف، كما زيدت في زُرْقم وسُتْهُم.

50- فصل في النونات

- النون تزاد أولى وثانية وثالثة ورابعة وخامسة وسادسة.

فالأولى: في نَعْثَل.

والثانية: في قولهم: ناقة عَنْسَل.

والثالثة: في قَلَنْسُوة.

والرابعة: في رَعْشَن.

والخامسة: في صَلَتان.

والسادسة: في زَعْفران.

وتكون في أول الفعل للجمع نحو: نُخرج، وفي آخر الفعل للجمع المذكر والمؤنث، نحو يخرجون ويخرجن، وعلامة للرفع في نحو، يخرجان، وفي قولك الرجلان.

وتقع في الجمع نحو مسلمون، وتكون في فعل المطاوعة، نحو كسرته فانكسر، وقلبته فانقلب.

وتكون للتأكيد مخففة ومثقَّلة في قولك: اضربنْ واضربنَّ. وتكون للمؤنث نحو تفعلينَ.

51- فصل في الهاءات

- الهاء تزاد في زائدة ومدركة وخارجة وطابخة.

وهاء الاستراحة، كما قال الله تعالى: "ما أغنى عنِّي ماليَهْ. هَلَكَ عنِّي سُلطانيهْ".

وهاء الوقف، على الأمر من وشى يَشي، ووقى يَقي، ووعى يَعي، نحو شِه وعِه وقِهْ.

وهاء الوقف، على الأمر من اهتدى واقتدى كما قال الله عزَّ وجلَّ: "فَبِهُداهُمُ اقتَدِهْ".

وهاء التأنيث، نحو قاعدة وصائمة.

وهاء الجمع، نحو ذُكورة وحِجارة وفُهودة وصُقورة وعُمومة وخُثوله وصِبيه وغِلمة وبررة وفجَرَة وكَتَبه وفَسَقَه وكفَرة وولاة ورعاة وقضاة وجبابرة وأكاسرة وقياصرة وجحاجِحَة وتَبابِعَة.

ومنها هاء المبالغة، وهي الهاء الداخلة على صفات المذكَّر نحو قولك: رجل علَّامة، ونسَّبة وداهية وباقِعَة. ولا يجوز أن تدخل هذه الهاء في صفة من صفات الله عزَّ وجلَّ بحال وإن كان المراد بها المبالغة في الصفة.

ومنها الهاء الداخلة على صفات الفاعل لكثرة ذلك الفعل منه، ويقال لها هاء الكثرة، نحو قولهم نُكْحَةَ وطُلْقَةَ وضُحْكَةَ ولُمْنَةَ وسُخْرَةَ وفي كتاب الله: "ويلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ" أي لكل عَيَّبَة مُغتابَة.

ومنها الهاء في صفة المفعول به، لكثرة ذلك الفعل عليه، كقولهم: رجل ضُحكة ولُعنة وسُخرَة وهُتكَة.

ومنها هاء الحال في قولهم: فلان حسن الرَّكْبة والمشية والعِمَّة.

وهاء المرة كقولك: دخلت دخلة وخرجت خرجة. وفي كتاب الله عزّ وجلّ: "وفَعَلتَ فَعْلَتَكَ التي فَعَلتَ".

52- فصل الواوات

- لا تكون الواو زائدة في الأول وقد تزاد في الثانية نحو كوثر وثالثة نحو جَرْوَل ورابعة نحو قَرْنُوة وخامسة نحو قَمَحْدُوة.

ومن الواوات واو النسق وهو العطف كقولك: رأيت زيدا وعمرا.

وواو العلامة للرفع، كقولك: أخوك والمسلمون.

والواو التي في قولك: لا تأكل السمك وتشرب اللبن، وقول الشاعر:

لا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وتأتيَ مِثْلَهُ

وفي القرآن العزيز: "ولا تلبسوا الحقَّ بالباطل وتَكتُموا الحقَّ وأنتُمْ تَعْلَمون" ومنها واو القَسَم في قوله تعالى: "والنَّجم إذا هوى" "والسَّماءِ ذاتِ البُروجِ" "والشَّمْسِ وضُحاها".

ومنها واو الحال كقولك: جاءني فلان وهو يبكي، أي في حال بكائه، وفي القرآن: "تَوَلَّوا وأعْيُنُهُمْ تَفيضُ مِنَ الدَّمع حَزَناً أنْ لا يَجِدوا ما يُنْفِقونَ".

ومنها واو رُبَّ كقول رؤبةَ:

وقاتِمُ الأعماقِ خاوي المُخْتَرَقْ

أي وربَّ قائم الأعماق.

ومنها الواو بعنى مع، كقولك: استوى الماء والخشبة. أي مع الخشبة،ولو تُرِكَتْ وفصيلها لرضعها، أي مع فصيلها.

ومنها واو الصلة، كقوله تعالى: "إلا ولها كِتَابٌ مَعْلُومٌ"

ومنها الواو بمعنى إذ، كقوله عزَّ وجلَّ: "وطائِفَةٌ قد أَهَمَّتْهُمْ أنْفُسَهُمْ" يريد إذ طائفة، كما تقول: جئتُ وزيد راكب، تريد: إذ زيد راكب.

ومنها واو الثمانية، كقولك: واحد إثنان ثلاثة أربعة خمسة ستة سبعة وثمانية. وفي القرآن: "سيقولون ثلاثة رابعُهُم كَلبُهُم ويقولون خَمسةٌ سادِسُهُم كَلبُهُم رَجماً بالغيبِ ويقولون سَبعةٌ وثامِنُهُمْ كَلبُهمْ" وكما قال تعالى في ذكر جهنَّم: "حتَّى إذا جاؤوها فُتِحَتْ أبْوابُها" بلا واو، لأنَّ أبوابها سبعة. ولما ذكر الجنَّة قال: "حتى إذا جاؤوها وفُتِحَتْ أبوابُها وقال لهم خَزَنَتُها" فألحق بها الواو، لأنَّ أبوابها ثمانية وواو الثمانية مستعملة في كلام العرب.

53- فصل مجمل في وقوع بعض حروف المعنى مواقع بعض

-(أم): تقع موقع بل، كما قال عزّ وجلّ: "أم يقولونَ شاعِرٌ" أي بل يقولون شاعر. وقال سيبويه: أم تأتي بمعنى الاستفهام، كقوله تعالى: "أم تريدون أن تسألوا رسولكم" والله أعلم.

(أو): تأتي بمعنى واو العطف كما قال تعالى: "ولا تُطِعْ منهم آثِماً أو كَفورا" أي آثما وكفورا. وبمعنى بل كما قال تبارك وتعالى: "وأرسلناهُ إلى مِائةِألفٍ أو يَزيدون" أي بل يزيدون. وبمعنى إلى، كما قال امرؤ القيس:

فقلتُ لهُ لا تَبْكِ عَيْنُكَ إنَّما * تُحاوِلُ مُلكاً أو تَموتَ فَتُعذرا

وبمعنى حتى كما قال الراجز:

ضَرباً وطَعناً أو نموتَ الأعْجَلُ

أي حتى يموت.

(أنَّ): بمعنى لعلَّ، كما قال عزَّ وجلَّ: "وما يُشْعِرُكُمْ أنَّها إذا جاءَتْ لا يُؤمِنون" والمعنى: لعلها إذا جاءت.والله أعلم.

(إنِ- الخفيفة): بمعنى لقد، كما قال تعالى: "إنْ كنَّا عن عِبادَتِكُمْ لغافِلين"، أي ولقد كنا.

(إلى): بمعنى مع، كما قال تعالى: "مَنْ أنْصاري إلى الله؟" أي مع الله، وكما قال: "ولا تأكلوا أمْوالَهُم إلى أموالِكُم"، أي مع أموالكم، وكما قال عزّ ذكره: "فاغسِلوا وجوهَكُمْ وأيديكُم إلى المرافقِ" أي مع المرافق.

(إلا) بمعنى بل، كما قال عزّ وجلَّ: "طهَ ما أنْزَلْنا عَليكَ القرآنَ لِتَشْقى إلا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى" والمعنى بل تذكرة لمن يخشى، والله أعلم. وكما قال عزّ وجلَّ: "فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أليم إلا الذينَ آمَنوا وعمِلوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ أجرٌ غيرُ مَمْنون" معناه: بل الذين آمنوا وعملوا الصالحات.

(إلا): بمعنى لكن، كما قال الله عزّ ذكره: "لَسْتُ عَلَيكُم بِمُسَيطِرْ غلا مَنْ تَوَلَّى وكَفَرَ" معناه لكن من تولى وكفر، وقيل في معنى قول الشاعر:

وبَلدَةٍ ليسَ بها أنيسُ * إلا اليَعافِرُ وإلا العيسُ

أي ولكن اليعافر، على مذهب من ينكر الاستثناء من غير الجنس.

(إذ): بمعنى إذا كما قال عزَّ وجلَّ: "ولو ترى إذ فُزِعوا فلا فوْتَ" ومعناه: إذا فَزِعوا، وقال عزّ وجلَّ: "وإذ قال الله يا عيسى" والمعنى: وإذا قال الله يا عيسى، لأن إذا وإذ بمعنى واحد في بعض المواضع، كما قال الراجز:

ثمَّ جزاه الله عني إذا جزى * جَنَّاتِ عَدْنٍ في العلاليِّ العُلى

والمعنى إذا جزى، لأنه لم يقع بعد. فأما قوله عزَّ وجلّ: "ولو ترى إذ وُقِفوا على النَّارِ فقالوا يا ليتنا نُرَدُّ" فترى: مستقبل، وإذ للماضي، وإنما قال كذلك لأن الشيء كائن وإن لم يكن بعد، وهو عند الله قد كان لأن علمه به سابق وقضاؤه نافذ فهو لا محالة كائن.

(أنىَّ): بمعنى كيف كما قال تعالى: "أنَّى يُحيي هذه اللهُ بعد موتها" أي كيف يحيي وكما قال سبحانه عن حكاية مريم: "أنى يكون لي ولدٌ ولمْ يَمْسَسْني بَشَرٌ" أي كيف يكون.

(أيَّان): بمعنى متى، كقول الله سبحانه: "وما يَشْعُرونَ أيَّانَ يُبْعَثون" أي متى. وقال بعض أهل العربية: أصلها أي أوان، فحذفت الهمزة وجعلت الكلمتان كلمة واحدة، كقولهم: أيش، وأصله: أي شيء.

(بل): بمعنى إنَّ كقوله تعالى: "ص~ والقرآن ذي الذكرْ بلِ الذين كفروا في عِزَّةٍ وشِقاق" معناه إنَّ الذين كفروا في عزَّة وشقاق لأن القسم لابدَّ له من جواب.

(بَعْد): بمعنى مع، يقال: فلان كريم وهو بَعْدَ هذا أديب، أي مع هذا ويَتَأول قول الله عزَّ وجلَّ: "عُتُلٍ بَعْدَ ذلِكَ زَنيم" أي مع ذلك، والله أعلم.

(ثم): بمعنى واو العطف، كما قال تعالى: "فإلينا مَرجِعُهُمْ ثمَّ اللهُ شَهيدٌ على ما يَفْعَلون" أي والله شهيد على ما يفعلون.

(عن): بمعنى بعد، كما قال امرؤ القيس:

نَؤومُ الضُحى لم تَنْطِقْ عن تَفَضُّلِ

أي بعد تفضل.

(كَأيِّنْ): بمعنى كم، فيها لغتان بالهمزة والتشديد وبالتخفيف، قال جلَّ وعال: "وكَأيِّن من قرية عَتَـتْ عن أمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ" أي وكم من قرية عتت عن أمر ربها ورسله.

(لو): بمعنى إنِ الخفيفة، قال الفرَّاء: (لو) تقوم وقام إنِ الخفيفة كما قال عزَّ وجلَّ: "لِيُظْهِرَهُ على الدِّينِ كُلِّهِ ولو كَرِهَ المُشْرِكون" ولولا أنها بمعنى إنْ لاقتضت جوابا، لأن لو لا بدَّ لها من جواب ظاهر أو مضمون مضمر، كقوله تعالى: "ولو نَزَّلْنا عَليكَ كِتاباً في قِرطاسٍ فَلَمَسوهُ بأيديهِمْ لَقال الذينَ كَفَروا إن هذا إلا سِحْرٌ مُبينٌ".

(لولا): بمعنى هلَّا، كقوله عزّ وجلَّ: "فلولا إذ جاءهُم بأسُنا تَضَرَّعوا" أي فهلَّا، وقوله تعالى: "لو ما تأتينا بالملائكة إن كُنْتَ مِنَ الصَّادِقين" أي هل تأتينا؟ وما زيادة وصلة.

(لما): بمعنى لم لا تدخل إلا على المستقبل، كما تقول: جئتُ ولما يجيء زيد وكما قال عزَّ ذِكره: "بل لمّا يذوقوا عذابِ" أي لم يذوقوا، وكما قال عزّ ذكره: "كلَّا لمَّا يَقضِ ما أمَرَهُ" أي لم يقضِ.

فأمَّا لمَّا التي للزمان، فتكون للماضي نحو: قصدتُكَ لمَّا ورد فلان.

(لا): بمعنى لم كقوله عزَّ اسمه: "فلا صَدَّقَولا صَلَّى" أي لم يصدِّق ولم يُصلِّ.

وينشد:

إن تَغْفِرِ اللهُمَّ تَغْفِر جَمَّا * وأيُّ عَبدٍ لكَ لا ألَمَّا

أي وأيُّ عبد لك لم يُلِم بالذنب.

(لَدُن): بمعنى عند، كقوله تعالى: "قد بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرا" أي من عندي. وكقوله عزَّ وجلَّ: "وألْفَيا سَيِّدَها لَدى البابِ" أي عند الباب.

(ليسَ): بمعنى لا، تقول العرب: ضربت زيدا ليس عمرا، أي لا عمرا، وكما قال لبيد:

إنَّما ؟؟زيُّ الفتى ليسَ الجَمَلْ

أي لا الجمل.

(لعل): بمعنى كي، كما قال تعالى: "وأنْهاراً وسُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدون" يريد كي تهتدوا.

(ما): بمعنى مَنْ، كقوله تعالى: "وما خَلَقَ الذَّكَرَ والأنْثى" أي ومن خَلَق، وكذلك قوله تعالى: "والسَّماء وما بَناها" إلى قوله: "ونَفْسٍ و ما سَوَّاها: أي ومن سوَّاها، وأهل مكة يقولون إذا سمعوا صوت الرَّعد: سبحان ما سبحت له الرَّعد، أي من سبحت له الرعد.

(في): بمعنى على قال تعالى: "ولأُصَلِّبَنَّكُمْ في جُذُوعِ النَّخْلِ" لأنَّ الجذع للمصلوب بمنزلة القبر للمقبور. وينشد:

هُمُ صَلَّبوا العَبديَّ في جِذْعِ نَخْلَةٍ * فلا عَطَسَتْ شيبانُ إلا بِأجدَعا

(مِنْ): بمعنى على، قال تعالى: "ونَصَرْناهُ مِنَ القَومِ الذينَ كَذَّبوا بِآياتنا" أي على القوم.

(حتى): بمعنى إلى، كما قال تعالى: "سَلامٌ هي حتى مَطْلَعِ الفَجْرِ".

54- فصل في الأثنين ينسب الفعل إليهما وهو لأحدهما

- وقد تقدم في بعض الفصول ما يقاربه، قال الله تعالى: "فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما نِسيا حُوتَهُما" وكان النسيان من أحدهما لأنه قال: "فإني نسيت الحوت وما أنْسانيهُ إلا الشَّيطانُ". وقال تعالى: "مَرَجَ البَحْرينِ يَلْتَقيانِ" أي كلاهما يجتمعان، وأحدهما عذب والآخر ملح: "وبينهما بَرْزَخٌ" أي حاجز، ثم قال: "يَخْرُجُ مِنْهُما اللؤلؤُ والمرْجانُ" وإنما يخرج من الملح لا من العذب.

55- فصل في إقامة الإنسان مقام من يشبهه وينوب منابه

- من سنن العرب أن تفعل ذلك، فتقول: زيد عمرو، أي كأنه هو، أو يقوم مقامه ويسد مسده. وتقول أبو يوسف أبو حنيفة، أي في الفقه، والبحتري أبو تمام، أي في الشعر، وفي القرآن: "وأزواجه أمَّهاتُهُمْ" أي هنَّ مثلهن في التحريم، وليس المراد أنهنَّ والدات، إذ جاء في آيةٍ أخرى: "إنْ أمَّهاتُهُمْ إلا الللائي وَلَدْنَهُم"، فنفى أن تكون الأم غير الوالدة.

56- فصل في إضافة الفعل إلى ما ليس بفاعل على الحقيقة

- من سنن العرب أن تعرب عن الجماد بفعل الإنسان، كما قال الراجز:

امتَلَأ الحَوضُ وقال قَطْني

وليس هناك قول، وكما قال الشَّماخ:

كأني كسوتُ الرَّحلَ أحْقَبَ سَهْوَقا * أطاع لهُ مِنْ رامَتَينِ حَديقُ

فجعل الحديق مطيعا لهذا العير لما تمكن من رعيه، والحديق لا طاعة له ولا معصية، وفي كتاب الله عزَّ وجلَّ: "فَوَجَدا فيها جِداراً يُريدُ أنْ يَنْقَضَّ"، ولا إرادة للجدار، ولكنه من توسع العرب في المجاز والاستعارة، قال الصُّوليّ: ما رأيت أحداً أشَدَّ بَذَخا بالكفر من أبي فراس، ولا أكثر إظهارا له منه ولا أدوم تعبثا بالقرآن قال يوما ونحن في دار الوزير أبي العباس أحمد بن الحسين ننتظر مجيئه: هل تعرف للعرب إرادة لغير مميز؟ فقلت: إن العرب تعبر عن الجمادات بقول ولا قول لها، كما قال الشاعر:

امتلأ الحوضُ وقال قَطْني

وليس ثمَّ قول، قال: لم أرد هذا، وإنما أريد في اللغة إرادة لغير مميز، وإنما عرّض بقوله عزّ وجلّ: "فوجدا فيها جِدارا يريد أن ينْقَضَّ فأقامَهُ" فأيَّدني الله عزَّ وجلَّ بأن تذكرت قول الراعي:

في مَهْمَهٍ فُلِقَتْ بهِ هاماتُها * فَلْقَ الفُؤوسِ إذا أرَدْنَ نصولا

فكأني ألقمته الحجر، وسُرَّ بذلك من كان صحيح النيَّة، وسود الله وجه أبي فراس.

والعرب تسمي التهيؤ للفعل والاحتياج إليه إرادة. قال أبو محمد اليزيدي: كنت والكسائي عند العباس بن الحسن العَلَوي فجاء غلام له وقال يا مولاي، كنت عند فلان فإذا هو يريد أن يموت، فضحكنا، فقال ممَّ ضحكتما؟ قلنا من قوله: يريد أن يموت، وهل يريد الإنسان أن يموت؟ فقال العباس: قد قال الله تعالى: "فوجَدا فيها جِداراً يريد أن يَنْقَضَّ فأقامَهُ"، وإنما هذا مكان يكاد. فَتَنَبَّهنا. والله أعلم.

57- فصل في المجاز

- قال الجاحظ:

للعرب إقدام على الكلام، ثقة بفهم المخاطب من أصحابهم عنهم، كما جوَّزوا قوله: أكله الأسود،وإنَّما يذهبون إلى النَّهْشِ واللذع والعضِّ، وأكل المال، وإنَّما يذهبون إلى الإفناء، كما قال الله عزَّ وجلَّ: "إنَّ الذينَ يَأكلونَ أمْوال اليَتامى ظُلْماً إنَّما يأكُلونَ في بُطونِهِمْ ناراً وسَيَصْلَونَ سَعيراً".

ولعلَّهم شربوا بتلك الأموال الأنبذة، ولبسوا الحلل، وركبوا الهماليج، ولم ينفقوا منها درهما في سبيل الله، إنما أُكِلَ.

وجَوَّزوا: أكَلَتْهُ النَّار، وإنَّما أُبطلت عينه.

وجوَّزوا أيضاً أن يقولوا: ذُقت، لما ليس يُطعم، وهو قول الرجل إذا بالغ في عقوبة عبده: ذُق، وكيف ذقته؟ أي وجدت طعمه. قال الله عزّ وجلّ: "ذُقْ إنَّكَ أنتَ العَزيزُ الكَريمُ" وقال عزَّ من قائل: "فأذاقها اللهُ لِباسَ الجُوعِ والخَوفِ بِما كانوا يَصْنَعون" وقال تعالى: "فَذَاقوا وَبالَ أمْرِهِمْ". ثم قالوا: طَعِمتَ، لغير الطعام، كما قال المَرجيُّ:

فإن شئتُ حَرَّمْتُ النساء سِواكُمُ * وإن شِئتُ لم أطْعَم نُقاخاً ولا بَرْدا

قال الله تعالى: "فمَن شَرِبَ مِنه فَليسَ منِّي ومن لمْ يَطْعَمهُ فإنَّهُ منِّي" يريد: ومن لم يذق طعمه. ولما قال خالد بن عبد الله في هزيمة له: أطْعِموني ماء، قال الشاعر:

بَلَّ السَّراويلَ مِنْ خَوفٍ ومِنْ دَهَشٍ * واستَطْعَمَ الماء لما جَدَّ في الهَرَبِ

فبلغ ذلك الحجاج، فقال: ما أيسر ما تَعَلَّق فيه يا ابن أخي، أليس الله تعالى يقول: فَمَن شَرِب منه فليس منِّي ومن لم يَطعَمهُ فإنَّهُ منِّي".

قال الجاحظ: في قوله تعالى: "إنَّ الله لا يَسْتَحْيي أنْ يَضْرِبَ مَثَلا ما بَعوضَةً فما فوقَها" يريد فما دونها، وهو كقول القائل: فلان أسفل الناس، فتقول: وفوق ذلك، تضع قولك (فوق) مكان قولهم: هو شرٌ من ذلك. وقال الفَرَّاء: فما فوقها في الصِّغَر، والله أعلم.

قال المُبرد: من الآيات التي ربما يَغْلَط في مجازها النحويون قول الله تعالى: "فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلِيَصُمْهُ" والشهر لا يغيب عن أحد. ومجاز الآية: فمن كان منكم شاهد بلدة في الشهرَ فليصمه، والتقدير: فمن كان شاهدا في شهر رمضان فليصمه، ونصب (الشهرَ) للظرف، لا نصب المفعول.

58- فصل في إقامة وصف الشيء مقام اسمه

- كما قال الله عزَّ وجلَّ: "وَحَمَلْناهُ على ذاتِ ألواحٍ وَدُسُرٍ" يعني السفينة، فوضع صفتها موضع تسميتها.

وقال تعالى: "إذ عُرِضَ عليه بالعَشِيِّ الصَّفِناتِ الجِيادُ" يعني الخيل.

وقال بعض المتقدِّمين:

سألَتْ قُتَيْلةُ عن أبيها صَحْبَهُ * في الرَّوْع: هل رَكِبَ الأَغَرَّ الأَشْقَرا؟

يعني هل قُتِل، والأغرُّ الأشقرُ: وصف الدَّم فأقامه مقام اسمه.

وقال بعض المحدِّثين:

شِمْتُ بَرْقَ الوزير فانهلَّ حتّى * لم أجِدْ مَهْرَباً إلى الإعْدامِ

فكأنِّي وقد تقاصَرَ باعي * خابِطٌ في عُبابِ أخضَرَ طامي

يعني: البحر.

وقال الحجاج لإبن القَبَعْثَرَى: لأحْمِلَنَّك على الأدهم، يعني القيدَ، فتجاهل عليه، وقال: مِثْلُ الأمير يحمل على الأدهم والأشهب.

59- فصل في إضافة الشيء إلى الله جل وعلا

- العرب تُضيف بعض الأشياء إلى الله عزَّ ذكره وإن كانت كلها له. فتقول: بيت الله وظِلُّ الله وناقَةُ الله.

قال الجاحظ: كل شيء أضافه الله إلى نفسه فقد عظَّم شأنه، وفخَّم أمره، وقد فعل ذلك بالنار، فقال: "نارُ اللهِ الموقَدةُ".

ويُروى أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال لعتيبة بن أبي لهب: أكَلَكَ كَلْبُ الله، ففي هذا الخبر فائدتان، إحداهما أنه ثَبَتَ بذلك أن الأسد كلب، والثانية أن الله تعالى لا يضافُ إليه إلا العظيم من الأشياء في الخير والشر، أما الخير فكقولهم: أرضُ الله، وخليل الله، وزوَّار الله، وأما الشرّ فكقولهم: دَعْهُ في لَعنةِ الله وسَخَطِهِ وأليم عذابهِ وإلى نارِ الله وحرِّ سَقَرِه.

60- فصل في تسمية العرب أبناءها بالشَّنيع من الأسماء

- هي من سنن العرب، إذ تُسَمَّى أبناءها بِحَجَر، وكلب، ونَمِر، وذئب، وأسد، وما أشبهها، وكان بعضهم إذا وُلدَ لأحدهم ولد سمَّاه بما يراه ويسمعه، مما يتفاءل به، فإن رأى حجرا أو سمعه، تأوَّل فيه الشدَّة والصَّلابة، والصَّبر والبقاء، وإن رأى كلبا تأوَّل فيه الحراسة والألفة وبُعْدَ الصوت، وإن رأى نَمِرا تأوَّل فيه المَنَعة والقِّيَه والشكاسة، وإن رأى ذئباً تأوَّل فيه المهابة والقُدْرَةَ والحِشْمةَ.

وقال بعضُ الشُّعوبيَّة لإبن الكلبي: لِمَ سَمَّت العرب أبناءها بكلب وأوس وأسد وما شاكلها: وسمَّت عبيدها بيُسر وسَعد ويُمن؟ فقال وأحسن: لأنها سَمت أبناءها لأعدائها، وسمت عبيدها لأنفسها.

ثم نبتدئ بأبنية الأفعال، فنقول:

61- فصل في أبنية الأفعال

- في الأكثر الأغلب:

1- (فعل) يكون بمعنى التكثير، كقوله عزَّ وجلَّ: "وغَلَّقَتِ الأبْوابَ". وقوله: "يُذَبِّحونَ أبناءَكُمْ".

وفعَّل: يكون بمعنى أفعل، نحو خَبَّرَ وأخْبَرَ، وكَرَّمَ وأكْرَمَ، ونزَّلَ وأنْزَلَ. ويكون مضادا له نحو أفرط إذا جاوزَ الحدَّ، وفَرَّط إذا قصَّر. قال الشاعر:

لا خَيْرَ في الإفْراطِ والتَّفريطِ * كِلاهُما عِندي من التَّخْليطِ

وقلت في كتاب المبهج: إياك والإفراط الممل والتفريط المُخلّ. ويكون فَعَّلَ بنية لا لمعنى، نحو كلَّمَ.

ويكون بمعنى نسب، نحو ظلمهُ: إذا نسبه إلى الظُّلم، وجهَّلهُ: إذا نسبهُ إلى الجهل.

2- (أفْعَل) يكون بمعنى فَعَل، نحو أَسْقَى وسَقَى، وأمْحَضَهُ الودَّ ومَحَضَهُ، وقد يتَضادَّان نحو نَشَطَ العُقْدَة، إذا شَدَّها، وأنْشَطَها إذا حَلَّها.

3- (فاعَلَ) يكون بين اثنين نحو ضارَبَهُ، وبارَزَهُ وخاصَمَهُ وحارَبَهُ وقاتَلَهُ. ويكون بمعنى فَعَلَ كقوله تعالى: "قاتَلَهُمُ اللهُ" أي قَتَلَهُم، وسافرَ الرَّجل ويكون بمعنى فعَّل نحو ضاعفَ الشيء وضَعَّفَهُ.

4- (تَفاعَلَ) يكون بين اثنين وبين الجماعة نحو تَجَادَلا وتَنَاظَرا وتَحاكَما. ويكون من واحد نحو تَراءَى لهُ.

ويكون بمعنى أظهَرَ نحو تغافَلَ وتَجاهَلَ وتَمارَضَ وتَساكَرَ إذا أظهرَ غفلةً وجَهلا ومَرَضاً وسكْراً، وليس بغافل ولا جاهل ولا مريض ولا سَكران.

5- (تَفَعَّلَ) يكون بمعنى فَعَّلَ نحو تَخَلَّصَهُ إذا خَلَّصَهُ كما قال الشاعر:

تَخَلَّصَني من غَفْلَةِ الغَيِّ مُنْعِماً * وكنتُ زماناً في ضَمان إسارِهِ

وكما قال عمرو بن كلثوم:

تَهَدَّدْنا وَأَوْعِدْنا رُويداً * متى كنَّا لامَّكَ مَقْتَوينا

ويكون بمعنى التَّكَلّف نحو تّشّجَّعَ وتَجَلَّدَ وتَحَلَّمَ. ويكون لأخذ الشيء نحو تأدَّبَ وتَفَقَّهَ وتَعَلَّمَ.

ويكون تَفَعَّلَ بمعنى افتَعَلَ نحو تَعْلمْ بمعنى اعْلَم كما قال القطامي:

تَعَلَّمَ أنَّ بعْدَ الشَّرِّ خَيراً * وأنَّ لهذه الغُمَمِ انْقِشاعا

أي اعلم.

6- (استَفْعَلَ) يكون بمعنى التَّكلُّف نحو استَعْظَمَ أي تَعَظَّمَ، واستَكْبَرَ أي تَكَبَّرَ، ويكون استفعَلَ بمعنى الاستدعاء والطلب نحو استَطْعَمَ واستَسْقى واسْتَوْهَبَ. ويكون بمعنى فَعَلَ نحو اسْتَقَرَّ أي أقَرَّ.

ويكون بمعنى صار نحو اسْتَنْوَقَ الجَمَلُ، واستَنْسَرَ البُغاثُ، وقد تقدم في باب السينات.

7- (افْتَعَلَ) يكون بمعنى فَعَلَ نحو اشْتَوى أي شوى، واقْتَنى أي قَنى، واكْتَسَبَ أي كَسَبَ. ويكون لحدوث صفة نحو افْتَقَرَ وافْتَـتَنَ.

8- وأما (انْفَعَلَ) فهو فعلُ المطاوعة نحو كَسَرْتُهُ فانكسر، وجَبَرتُهُ فانجَبَر، وقلبته فانقلب، وقد تقدم له ذكر في باب النونات.

62- فصل في أبنية دالة على معان في الأغلب الأكثر وقد تختلف

- ما كان على (فَعَلانٍ) دلَّ على الحركة والإضطراب كالنَّزوان والغليان والضَّربان والهَيَجان.

وما كان على (فَعْلانَ) دلَّ على صفات تقع من أحوال كالعَطْشان والغَرْثان والشَّبعان والرَّيان والغَضبان.

وما كان على (أفعَلَ) دلَّ على صفات بالألوان نحو أبيض وأحمر وأسود وأصفر وأخضر وكذلك العيوب تكون على أفعل نحو أزرق وأحْوَل وأعْوَر وأقْرَع وأقْطَع وأعْرَج وأخْنَف.

وتكون الأدواء على (فُعال) كالصُّداع والزُّكام والسُّعال والخُنَّاق والكُباد. والأصوات أكثرها على هذا كالصُّراخ والنُّباح والضُّباح والرُّغاء والثُّغاء والخُوار.

وفصل آخر منها على (فَعيل) كالضَّجيج والهَرير والصَّهيل والنَّهيق والضَّغيب والزَّئير والنَّعيق والنَّعيب والخَرير والصَّرير.

وحكايات الأصوات على (فَعْلَة) كالصَّرصَرة والقَرْقَرَة والغَرْغَرَة والقَعْقَعَة والخَشْخَشَة.

وأطعِمَة العرب على (فَعيلَة) كالسَّخينة والعَصيدة واللَّفيتة والحَريرة والنَّقيعَةُ والوَليمَة والعَقيقَة.

وأكثر الأدوية على (فَعول) كاللَّعوق والسَّموط والوَجور واللَّدود والذَّرور والقَطور والنَّطول.

وأكثر العادات في الاستكثار على (مِفْعال) نحو مِطعان ومِطعام ومِضراب ومِضياف ومِكثار ومِهذَار وامرأةٌ مِعطار ومِذكار ومِئناث ومِتئام.

63- فصل في التشبيه بغير أداة التشبيه

- وهذه طريقة أنيقة غَلَبَ عليها المحدِّثون المتقدمين فأحسنوا وظَرُفوا ولَطُفوا وأرى أبا نواس السَّابق إليها في قوله:

تَبْكي فَتُلْقي الدُّرَ مِنْ نَرْجِسٍ * وتَلْطِمُ الوَردَ بِعُنَّابِ

فشبه الدمع بالدُّر والعين بالنرجس والخدّ بالورد والأنامل بالعنَّاب من غير أن يذكر الدّمع والعين والخدّ والأنامل ومن غير أن استعان بأداة من أدوات التشبيه، وهي: كأنّ وكاف التشبيه، وحَسِبتُهُ كذا، وفلان حسن ولا القمر، وجوادٌ ولا المطر.

وقد زاد أبو الفرج الوَأوَاءُ على أبي نواس فخمَّس ما ربَّعَهُ بقوله:

وأمطَرَتْ لُؤلُأً من نَرْجِسٍ وسَقَتْ * وَرْداً وعَضَّتْ على العُنَّابِ بالبرَدِ

والزِّيادة في تشبيه الثَّغر بالبرَد. ومن هذا الباب: قول أبي الطَّيب المتنبي:

بدَت قَمراً ومالَتْ خُوطَ بان * وفاحَتْ عَنْبَراً ورَنَتْ غَزالا

وقول أبي القاسم الزّاهي:

سَفَرْنَ بُدوراً وانْتَقَبْنَ أهِلَّةً * ومِسْنَ غُصوناً والتَفَتْنَ جَآذِرا

وقول أبي الحسن الجوهري الجُرجاني في الشَّراب:

إذا فُضَّ عنه الخَتمُ فاحَ بَنَفْسَجاً * وأشْرَقَ مِصباحاً ونَوَّرَ عُصْفُرا

وقول مؤلف الكتاب:

رَنا ظَبياً وغَنَّى عَنْدَليبا * ولاحَ شَقائقاً ومَشى قَضيبا

وقوله أيضاً:

وفيك لنا فِتَنٌ أرْبَعٌ * تَسُلُّ علينا سُيوفَ الخَوارِجِ

لِحاظُ الظِّباءِ وطَوقُ الحَمام * ومَشيُ القِباجِ وزَيُّ التَّدارِجِ

ومن هذا الباب قول ابن سُكَّرَة:

الخَدُّ ورْدٌ والصَّدغ عاليةٌ * والرِّيقُ خَمْرٌ والثَّغْرُ من بَرَدِ

وقول القاضي عبد العزيز في المدح:

لِحاظُكِ أقْدارٌ وكَفُّكِ مُزْنَةٌ * وعَزْمُكِ صَمْصامٌ ورَبعُكِ غيلُ

64- فصل في إقامة العم مقام الأب والخالة مكان الأم

- قال الله تعالى حكاية عن بني يعقوب: "أم كُنْتُم شُهَداءَ إذ حَضَرَ يَعقوبَ الموتُ إذ قال لِبَنيه ما تَعْبُدونَ من بَعْدي؟ قالوا نَعْبُدُ إلهَكَ وإله آبائكَ إبْراهيمَ وإسْماعيلَ وإسحاقَ"، وإسماعيل عم يعقوب فجعله أبا.

وقال في قصة يوسف: "ورَفَعَ أبَويه على العرشِ" يعني أباه وخالته، وكانت أمه قد ماتت فجعل الخالة أماً.

65- فصل في تقارب اللفظين واختلاف المعنيين

- حرِجَ فلان: إذا وقع في الحَرَج، وتَحَرَّج: إذا تباعد عن الحَرَج.

وكذلك أثِمَ وتَأَثَّمَ.

وَهَجَدَ: إذا نام، وتّهَجَّدَ: إذا سَهِرَ.

وفَزِعَ فلان: إذا أتاه الفَزَع، وفُزِّعَ عنه إذا نُحِّي عنه الفَزَع، وفي كتاب الله: "حتى إذا فُزِّعَ عَنْ قُلوبِهِمْ" أي أُخرِجَ الفَزَعُ عنها. ويقال: امرأةٌ نَذُور، أي مُتصوِّنة عن الأقذار، واللفظ يُشبه ضدَّ ذلك.

66- فصل في وقوع فعل واحد على عدة معان

- من ذلك قولهم: قَضى بمعنى حَتَمَ، كقوله تعالى: "فلمَّا قَضينا عَليهِ المَوْتَ". وقَضى بمعنى آمرَ، كقوله تعالى: "وقّضى رَبُّك ألَّا تَعْبُدوا إلا إيّاهُ " أي أمر ويكون قضى بمعنى صَنَعَ، كقوله تعالى: "فاقضِما أنتَ قاضٍ" أي فاصْنَع ما أنت صانع. ويكون قضى بمعنى حَكَمَ، كما يقال للحاكم قاض. وقضى بمعنى أعلم، كقوله تعالى: "وقَضينا إلى بَني إسْرائيلَ في الكِتابِ" أي أعلمناهم. ويقال للميت: قضى، إذا فَرِغَ من الحياة.

وقضاء الحاجة، معروف ومنه قوله تعالى: "إلّا حاجة في نفسِ يَعْقوبَ قضاها".

ومن هذا الباب قوله تعالى: "فَصَلِّ لِرَبِّكَ وانْحَرْ" أي الصلاة المعروفة. وقوله عزّ وجلّ: "وصَلِّ عليهِمْ إنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ" أي ادعُ لهم. وقوله: "إنَّ اللهَ ومَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ على النَّبي يا أيُّها الّذينَ آمَنوا صَلُّوا علَيهِ وسَلِّموا تَسْليماً" فالصلاة من الرحمة، ومن الملائكة الاستغفار، ومن المؤمنين الثَّناء والدُّعاء، والصلاة: الدِّين، من قوله تعالى في قصة شعيب: "أصَلاتُكَ تَأمُرُكَ" أي دينك. والصلاة: كنائس اليهود، وفي القرآن: "لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وبِيَعٌ وصَلَواتٌ ومَساجِدُ".

67- فصل في كلمة واحدة من الألفاظ تختلف معانيها باختلاف مصدرها وليس للعرب كلمة مثلها

- هي قولهم: وَجَدَ كَلِمَةً مُبْهَمَةً، فإذا صُرِّفَت قيل في ضد العدم: وُجوداً، وفي المال: وُجْداً، وفي الغَضَبِ: مَوْجِدَة، وفي الضَّالَةِ: وِجْداناً، وفي الحزن: وَجْداً.

68- فصل في وقوع اسم واحد على أشياء مختلفة

- من ذلك: عين الشمس وعين الماء ويقال لكل واحد منهما: العين.

والعين: النَّقد من الدَّراهم.

والعبن: الدَّنانير.

والعين: السَّحابة من قِبَل القبلة.

والعين: مطر أيَّام لا يُقلع.

والعين: الدَّيدَبان، والجاسوس، والرَّقيب، وكلهم قريب من قريب.

ويقال في الميزان: عين، إذا رجحت إحدى كفتيه على الأخرى.

والعين: عين الرَّكيَّة.

وعين الشيء: نفسه.

وعين الشيء: خياره.

والعين: الباصِرة.

والعين: مصدر عانه عَينا.

ومن ذلك الخال: أخو الأم، ونوع من البرود، والاختيال، والغيم، وواحد الخيلان.

ومن ذلك الحميم، يقع على الماء الحارِّ، والقرآن ناطق به.

قال أبو عمرو: والحميم: الماء البارد، وأنشد:

فساغَ ليَ الشَّرابُ وكُنتُ قَبْلاً * أكادُ أغَصُّ بالماء الحميم

الحميم: الخاصُّ، يقال: دُعينا في الحامَّة لا في العامَّةِ.

والحميم: العَرق.

والحميم: الخيارُ من الإبل، ويقال: جاء المُصَدِّقُ فأخَذ حَميمها، أي خيارها.

ومن ذلك المولى،هو السيد، والمُعْتِق، والمُعْتَقْ، وابن العم، والصِّهر، والجار، والحليف.

ومن ذلك العدل، هو الفدية من قوله تعالى: "أو عَدْلُ ذلكَ صِياما".

والعدل: القيمة، والرِّجل الصَّالح، والحقُّ: وضِدُّ الجَور.

ومن ذلك المرض، المرض في القلب: هو الفتور عن الحقِّ، وفي البدن: فتور الأعضاءِ، وفي العين: فتور النَّظَرِ.

69- فصل في الإبدال

- من سنن العرب إبدال الحروف وإقامة بعضها مكان بعض، في قولهم: مَدَحَ، وَمَدَهَ، وَجَدَّ، وَجَذَّ، وخَرَمَ، وخَزَمَ، وصَقَعَ الدِّيكُ، وسَقَعَ، وفاضَ أي ماتَ، وفاظَ، وفَلَقَ الله الصُّبحَ، وفَرَقَهُ.

وفي قولهم: صِراط وسِراط، ومُسيطِر ومُصَيطِر، ومكَّة وبكَّة.

70- فصل في القلب

- من سنن العرب القلب في الكلمة وفي القصَّة.

أما في الكلمة فكقولهم: جَذَبَ وجَبَذَ، وضَبَّ وبَضَّ، وبَكَلَ ولبكَ، وطَمَسَ وطَسَمَ.

وأما القصَّة فكقول الفرزدق:

كما كانَ الزَّناءُ فريضَةَ الرَّجْم

أي كما كان الرَّجمُ فريضَة الزِّنا. وكما قال:

وتَشْقى الرِّماحُ بالضَّياطِرَةِ الحمر

أي وتشقى الضَّياطِرَةُ الحُمْرُ بالرماح.

وكما يقال: أدْخَلْتُ الخاتَمَ في إصْبَعي، وإنَّما هو إدخال الأصبع في الخاتم.

وفي القرآن: "ما إنَّ مفاتِحَهُ لَتَنوءُ بِالعُصْبَةِ أُولي القُّوة" وإنَّما العصبة أولُوا القوَّة تَنوء بالمفاتيح.

71- فصل في تسمية المتضادين باسم واحد

- هي من سنن العرب المشهورة، كقولهم:

الجَوْنُ: للأبيض والأسْوَد.

والقُروء: للأطهار والحَيض.

والصَّريم: للَّيل والصُّبح.

والخَيلولة: للشَّكِّ واليَقين. قال أبو ذؤيب:

فَبَقيتُ بَعْدَهُمُ بِعَيْشٍ ناصِبٍ * وَإِخالُ أنِّي لاحِقٌ مُسْتَتْبَع

أي وأتيَقَّن.

والنَّدُّ: المِثلُ والضِّدُّ. وفي القرآن: "وتَجْعَلونَ للهِ أنْداداً" على المعنيين.

والزَّوج: الذَّكر والأنثى.

والقانِعُ: السَّائل والذي لا يسأل.

والنَّاهل: العَطْشان والرَّيان.

72- فصل في الإتباع

- هو من سنن العرب وذلك أن تتبع الكلمة الكلمة على وزنها ورَوِيِّها إشباعاً وتوكيداً اتِّساعاً كقولهم: جائع نائع، وساغِب لاغِب، وعَطشان نَطْشان، وصَبَّ ضَبَّ، وخَراب يَباب. وقد شاركت العرب العجم في هذا الباب.

73- فصل في إشتقاق نعت الشيء من اسمه عند المبالغة فيه

- ذلك من سنن العرب كقولهم: يَوم أيْوَم، ولَيل ألْيَل، ورَوض أَرْيَض، وأسَد أسِيد، وصُلب صَليب، وصَديق صَدوق،وظِلٌّ ظَليلٌ، وحِرز حَريز، وكِنٌ كَنين، وداءٌ دَوِيّ.

74- فصل في إخراج الشيء المحمود بلفظ يوهم ضد ذلك

- كما يقال: فلان كريم غير أنَّه شريف، ولئيم غير أنّه خَسيس، وكما قال النَّابغة الذُّبياني:

ولا عَيْبَ فيهِمْ غَيرَ أنَّ سُيوفَهُمْ * بِهِنَّ فُلولٌ من قِراعِ الكَتائبِ

وكما قال النَّابِغَة الجَعديّ:

فتىً كَمَلَت أخْلاقُهُ غَيرَ أنَّهُ * جَوادٌ فما يُبقي من المال باقيا

وقال بعض البلغاء: فلان لا عَيب فيه غير أن لا عيب فيه يَرُدُّ عين الكمال عن معاليه.

75- فصل في الشيء يأتي بلفظ المفعول مرة وبلفظ الفاعل مرة والمعنى واحد

- تقول العرب: مُدَجَّج ومُدَجِّج، وعبدٌ مُكاتَبٌ ومُكاتِبٌ، وشأوٌ مُغَرَّب ومُغَرِّب، ومكان عامِو ومَعمور، وآهِلٌ ومَأهول، ونُفِسَتْ المرأة ونَفِسَتْ، وعُنِيتُ بالشيء وعَنَيتُ به، وسَعِد فلانٌ وسُعِدَ، وزَهِيَ علينا وزُها.

76- فصل في التكرير والإعادة

هي من سنن العرب في إظهار العناية بالأمر كما قال الشاعر:

مَهْلاً بَني عَمِّنا مَهْلاً مَوالِينا

وكما قال الآخر:

كَمْ نِعْمَتٍ كانت لَكُمْ * كَمْ كَمْ وكَمْ

فكرر لفظ (كم) للعناية بتكثير العدد. ومنه قوله تعالى: "أولى لَكَ فاَولى".

ولهذا جاء في كتاب الله التكرير كقوله تعالى: "فَبِايِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبان"، وقوله عزَّ وجلّ: "وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ للمُكَذِّبين".

77- فصل في إجراء غير بني آدم مجراهم في الإخبار عنه

- من سنن العرب أن تجري الموات وما لا يعقل في بعض الكلام مجرى بني آدم، فتقول في جميع أرض أرضون، وتقول: لَقيتُ مِنهُمُ الأمَرَّين، وربَّما يَتَعَدَّى هذا إلى أكثر منه كما قال الجَعدي:

تَمَزَّزْتها والدِّيكُ يدعو صَباحه * وأمَّا بَنو نعْشٍ دَنوا فَتَصَوَّبوا

وكما قال الله عزّ وجلَّ: "لا الشَّمْسُ يَنْبَغي لَها أنْ تُدْرِكَ القَمَرَ ولا الليلُ سابِقُ النَّهارِ وكلٌّ في فَلَكٍ يَسْبَحون" وقال عزّ اسمه: "إني رأيتُ أحَدَ عَشَرَ كوكَباً والشَّمسَ والقَمَرَ رأيْتُهُمْ لي ساجِدين". وقال عزّ وجلَّ: "يا أيُها النَّملُ ادْخُلوا مَساكِنَكُم لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُليمانُ وجُنودُهُ وهُمْ لا يَشْعُرون" وقال: "لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤلاءِ يَنْطِقون" وأكبر من قول الجعدي قول عبدة بن الطَّبيب:

إذا أشْرَفَ الدِّيكُ يَدْعو بَعْضَ أُسْرَتِهِ * إلى الصَّباحِ وهُمْ قَوْمٌ مَعازيلُ

فجعل للدِّيك أسرة وسمَّهم قوم.

78- فصل في خصائص من كلام العرب

- للعرب كلام تَخُصُّ به معاني في الخير والشَّرِّ وفي الليل والنهار وغيرهما فمن تلك التتابع والتَّهافُت لا يكونان إلا في الشَّرِّ.

وهاج الفحل، والشَّر، والحرب، والفتنة. ولا يُقال: هاج،لِما يؤدي إلى الخير.

وظَلَّ يفعل كذا، إذا فعله نهارا، وبات يفعل كذا، إذا فعله ليلا.

والتَّأويب: سير النَّهار لا تَعْريج فيه.

والإسْئادُ: سيرُ الليل لا تَعريس فيه.

ومن ذلك قوله تعالى: "فَجَعَلْناهُمْ أحاديثَ" أي مَثَّلنا بهم، ولا يُقال: جُعِلوا أحاديثَ إلا في الشَّرِّ.

ومن ذلك: التأبين: لا يكون إلا مدحا للميت.

والمساعاة: لا تكون إلا للزنا بالإماء، دون الحرائر.

ويُقال نَفَشَتِ الغَنَمُ لَيلاً، وهَمَلَتْ نهاراً.

وخُفِضَتِ الجاريةُ، ولا يُقال: خُفِضَ الغُلام.

ولَقَمَهُ بِبَعْرَةٍ إذا رماه بها، ولا يُقال ذلك لغيرها.

79- فصل يناسبه في الرّيح والمطر

- لم يأت لفظ الرِّيح في القرآن إلا في الشَّرِّ، والرِّياح إلا في الخير. قال عزَّوجلَّ: "وفي عادٍ إذ أرْسَلْنا عليهِمُ الرِّيحَ العَقيمَ ما تَذَرُ مِنْ شَيءٍ أتتْ عَليهِ إلا جَعَلَتْهُ كَالرَّميم" وقال سبحانه: "إنَّا أرْسَلْنا عَلَيهِمْ ريحاً صَرْصَراً في يَومِ نَحْسٍ مُسْتَمِرّ تَنْزِعُ النَّاس كَانَّهُمْ أعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ" وقال جلَّ جَلالُه: "وهو الذي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بينَ يَدَي رَحْمَتِهِ" وقال: "ومِنْ آياتِهِ أنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ ولِيُذيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ ولِتَجريَ الفُلْكُ بِأمْرِهِ ولِتَبْتَغوا مِن فَضْلِهِ ولَعَلَّكُمْ تَشْكُرونَ". وعن عبد الله بن عمر: الرِّياح ثمان، فأربع رحمة وأربع عذاب. فأمَّا التي للرَّحمة: فالمُبَشِّرات والمُرْسَلات والذَّرِيات والنَّاشِرات، وأما التي للعذاب: فالصَّرصَرُ والعَقيمُ وهما في البرِّ، والعاصِفُ والقاصِفُ وهما في البحر، ولم يأتِ لفظُ الإمْطارِ في القرآن إلا للعذاب، كما قال عزّ من قائل: "وأمْطَرْنا عَلَيهِمْ مَطَراً فساءَ مَطَرُ المُنْذَرين" وقال عزّ وجلَّ: "ولقد أتَوا على القَرية التي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوءِ". وقال تعالى: "هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا بل هو ما اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ ريحٌ فيها عَذابٌ أليم".

80- فصل في اقتصارهم على بعض الشيء وهم يريدون كله

- ذلك من سنن العرب في قولهم: قَعَدَعلى ظَهْرِ راحِلَتِهِ، وقول الشاعر:

الواطِئينَ على صُدورِ نِعالِهِمْ

وقول لبيد:

أو يَرْتَبِطْ بَعْضَ النفوسِ حِمامُها

أراد: كلَّ النفوس، وفي القرآن: "قُلْ للمُؤمنين يَغُضُّوا مِنْ أبْصارِهِمْ" و(من) هذه للتبعيض، والمراد: يَغُضُّوا أبصارهم كلَّها. وقال عزَّ ذكره: "ويَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذو الجَلالِ والإِكْرامِ". وقال الشاعر:

امَّا أتى خَبَرُ الزُّبَيرِ تَواضَعَتْ * سُورُ المَدينةِ والجِبالُ الخُشَّعُ

يعني أسوار المدينة.

81- فصل في الاثنين يُعبَّر عنهما مرَّة وبأحدهما مرَّة

- قال الفرَّاء: تقول العرب: رأيتُ بِعَيني ورأيتُ بِعَينَيَّ، والدّارُ في يَدِي وفي يَدَيَّ. وكلُّ اثنين لا يكاد أحدهما ينفرد فهو على هذا المثال كاليدين والرجلين. قال الفرزدق:

ولو بَخِلَتْ بهِ وَضَنَّتْ * لَكان عَلَيَّ لِلقَدَرِ الخِيارُ

فقال (ضنَّت) بعد قوله يدايَ. وقال الآخر:

وكأنَّ في العَينَينِ حَبَّ قَرَنْفُل * أو سُنْبُلاً كُحِلَتْ به فانهلَّتِ

فقال كُحِلَت به بعد قوله (في العينينِ) وقال به. وقد ذكر القَرَنفُلَ والسُّنْبُلَ. وقال آخر:

إذا ذَكَرَتْ عَيْني الزَّمانَ الذي مَضى * بِصَحْراءَ فَلْجٍ ظَلَّتا تَكِفانِ

وقال بعض المحدِّثين:

فَدَتْكَ بِعَيْنَيها المعالي فإنَّها * بِمَجْدِكَ والفَضْلِ الشَّهير كَحيلُ

ويقال: وقعت عينه عليه أي عيناه، وفلان حسن الحاجب، أي الحاجبين، وأخذ بيده أي بيديه، وقام على رجله أي رجليه.

82- فصل في الجمع الذي لا واحد له من لفظه

- النِّساءُ، والنَّعَم، والغَنَمُ، والخَيل، والإبل، والعالَم، والرَّهطُ، والنَّفَرُ، والمَعْشَرُ، والجُندُ، والجَيشُ، والثُّلَّةُ، والعوذُ، والمساوي، والمحاسن، ومُراقُ البَطنِ، والمَسامُّ، والحَواسُّ.

83- فصل في الاثنين اللذين لا وحد لهما من لفظهما

- كِلا وكِلتا، واثنان واثنتان، والمِذرَوَان، والمَلَوَان، وجاء يَضْرِبُ أصْدَرَيْهِ، ولبَّيك، وسَعديك، وحنانَيك، وحوالَيك. وقد قيل: إن واحدَ حَنانيكَ: حَنان.

83- فصل في أفعل لا يراد به التَّفضيل

- جرى له طائرٌ أشْأم وقال الفرزدق:

بَيْتاً دَعائِمُهُ أعَزُّ وأطْوَلُ

وفي القرآن: "وهو أهْوَنُ عَلَيهِ". والله أعلم.

85- فصل: للعرب فعل لا يقوله غيرهم

- تقول: عاد فلانٌ شيخاً، وهو لم يكن قطُّ شيخاً، وعادَ الماء آجنا، وهو لم يكن كذلك. قال الهُذليُّ:

أطَعتُ العِرْسَ في الشَّهواتِ حتى * أعادَتْني أَسِيفاً عَبْدَ عَبْدِ

وهو لم يكن قبل أسيفاً حتى يعود إلى تلك الحال، وفي كتاب الله عزَّ وجلَّ: "يُخْرِجونَهُم من النُّرِ إلى الظُّلماتِ" وهم لم يكونوا في نور من قبل، ومثله قوله تعالى: "ومنكم من يُرَدُّ إلى أرْذَلِ العُمُرِ" وهم لم يبلُغوا أرذلَ العمر فيُرَدُّوا إليه.

86- فصل في النَّحت

- العرب تَنْحِتُ من كلمتين وثلاث كلمة واحدة، وهو جنس من الاختصار كقولهم: رجلٌ عبْشَميٌ منسوب إلى عبد شمس، وأنشد الخليل:

أقولُ لَها ودَمْعُ العَينِ جارٍ * ألَمْ تَحْزُنْكِ حَيْعَلَةُ المُنادي

من قولهم: حَيَّ على الصَّلاة، وقد تقدَّم فصل شافٍ في حكاية أقوال متداولة من هذا الجنس. وأما قولهم صَهْصَلِق، فهو من صَهَلَ وصَلَقَ، والصَّلْدَم، من الصَّلْدِ والصَّدم.

87- فصل في الإشباع والتأكيد

- العرب تقول: عشّرَة وعَشَرَة فتلك عشرون كاملة. ومنه قوله تعالى: "فَصِيامُ ثَلاثَةِ أيَّامٍ في الحجِّ وسَبْعَةٍ إذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِله". ومنه قوله تعالى: "ولا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ". وإنما ذكر الجناحين لأنَّ العَرَب قد تُسَمِّي الإسراع طَيَرانا، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كلَّما سَمِعَ هَيْعَةً طارَ إِلَيْها). وكذلك قال الله عزّ وجلّ: "يَقولونَ بِألْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ في قُلوبِهِم"، فذكر الألسنة لأنَّ الناس يقولون: قال في نفسه، وقلت في نفسي، وفي كتاب الله عزّ وجلّ: "ويَقولونَ في أنْفُسِهِم لولا يُعَذِّبُنا الله بِما نَقولُ" فاعلم أنَّ ذلك القول باللسان دةن كلام النفس.

88- فصل في إضافة الشيء إلى من ليس له لكن أضيف إليه لاتصاله به

- هو من سنن العرب، كقولهم: سرْج الفرس، وزِمام البَعير، وتَمْرُ الشَّجَر، وغَنَمُ الراعي. قال الشاعر:

كما يَحْدوا قَلائِصَهُ الأجيرُ

89- فصل في الفرق بين ضدَّين بحرف أو حركة

- ذلك من سنن العرب كقولهم: دَوِيَ: من الدَّاء، وتَداوى: من الدواء. وأخْفَرَ: إذا أجارَ، وخَفَرَ: إذا نقض العهد. وقَسَط: إذا جار، وأقسَطَ: إذا عدل. واقْذى عينه: إذا ألقى فيها القذى، وقذاها: إذا نزع عنها القذى.

وما كان فرقه بحركة، كما يقال: رجُلٌ لُعَنَةٌ: إذا كان كثير اللَّعن، ولُعْنَة: إذا كان يُلْعَن، وكذلك ضُحَكة وضَحْكة.

90- فصل في زيادة المعنى حُسنا بزيادة لفظ

- هي من سنن العرب، كما تقول: زَيْدٌ لَيْثٌ، إنَّما شَبَّهْتَهُ بليثٍ في شَجاعته. فإذا قال: زيدٌ كاللَّيثِ الغَضبان، فقد زاد المعنى حُسناً، وكسا الكلامَ رونَقاً، كما قال الشاعر:

شَدَدْنا شِدَّةَ اللَّيثِ * عَدا واللَّيثُ غَضبانُ

وكما قال امرؤ القيس:

تَرائِبُها مَصْقولَةٌ كالسِّجَنْجَلِ

فلم يزد على تشبيهها بالمرآة. وذكر ذو الرُّمَّة أخرى، فزاد في المعنى حيثُ قال:

ووَجْهٌ كمِرآةِ الغَريبةِ أسْجَحُ

لأنَّ الغريبة لا يكون لها من يُعْلمها مَحاسِنها من مَساويها، فهي تحتاج إلى أن تكون مِرآتُها أصفى وأنقى لِتُريها ما تحتاج إلى رؤيته من محاسِن وَجهِها ومساويه. ومن هذا المعنى قول الأعشى:

تروح على آلِ المُحَلِّق جَفْنَةٌ * كَجابِيَةِ الشَّيخ العِراقيِّ تَفْهَقُ

فَشَبَّهَ الجَفْنَةَ بالجابية، وهو الحوض، وقيَّدها بذكر العِراقيِّ لأنَّ العِراقيّ إذا كان بالبرِّ ولم يعرِف مواضع الماء، ومواقع الغيث، فهو على جمع الماء الكثير أحْرصُ من البَدوي العارف بالمناقِع والأحْساء. وقال ابن الروميّ:

مِنْ مُدامٍ كأنَّها دَمْعَةُ المَهـــــــــــــــجُورِ يَبْكي وعَيْنُهُ مَرْهاءُ

فَشَبَّهها بدمعة المهجور في الرِّقَّةِ، وزاد في الرَّفَّة بأن وصف عينه بالمَرَه، وهو طول العهد بالكحل، لِيكون الدَّمع مع رِقَّتِهِ أصْفى وأسلم مما يَشوبُهُ، وهذا من لطائف الشعراء.

91- فصل في الجمع الذي ليس بينه وبين واحده إلا الهاء

- هذا الجمع يذكَّر ويؤنث، وهو كقولهم: تَمرٌ وتَمْرَةٌ، وسحاب وسحابة، وصَخرٌ وصَخْرَةٌ، وروضٌ وروضَةٌ، وشَجَرٌ وشَجَرةٌ، ونَخلٌ ونَخلَةٌ. وفي القرآن العزيز: "والنَّخْلَ باسِقات لَها طَلْعٌ نَضيدٌ" وقال تعالى: "إنَّ البَقَرَ تَشابَهَ عَلَينا" وقال: "والسَّحابِ المُسَخَّرِ بَينَ السَّماء والأرضِ لآياتٍ لِقَومٍ يَعْقِلون" فذكَّر. وقال في مكان آخر: "حتى إذا أقَلَّتْ سَحابا" فأنَّث، ثم قال: "سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ" فرَدَّهُ إلى أصل التذكير.

92- فصل في التصغير

- من سنن العرب: تصغير الشيء على وجوه:

فمنها: تصغيره تحقيره، كقولهم: رُجَيل ودُوَيرَة.

ومنها: تصغير تكبير، كقولهم: عُيَيْرُ وحْدِهِ، وجُحَيْشُ وحدِهِ، وكقول الأنصاري: أنا جُذَيْلُها المُحَكَّكُ، وعُذَيْقُها المُرَجَّبُ. وكقول لبيد:

وكلُّ أناسٍ سَوْفَ تَدْخُلُ بَيْنَهُمْ * دُوَيْهِيَهٌ تَصْفَرُّ مِنْها الأنامِلُ

ومنها: تصغير تنقيص، كما يقال: لم يبق من بيت المال إلا دُنَيْنيرَات، ومن بني فلان إلا بُيَيْت.

ومنها: تصغير تقريب، كقول امرؤ القيس:

بِضافٍ فُوَيْقَ الأرضِ لَيْسَ بِأعْزَلِ

وكقولك: أنا راحلٌ بُعَيدَ العيد، وجاءني فلان قُبَيلَ الظُّهر.

ومنها: تصغير إكرامٍ ورَحْمَةٍ، كقولهم: يا بُنَيَّ ويا أُخَيَّ ويا أُخَيَّة ويا بُنَيَّة، وكقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة: يا حُمَيراء.

ومنها: تصغير الجمع، كقولك: دُرَيْهِمات ودُنَيْنِرات وأُغَيْلِمَةَ، وكقول عيسى بن عمرو: والله إن كانت إلا أُثَيَّاباً في أُسَيْفاط.

93- فصل في الاستعارة

- ذلك من سنن العرب. هي أن تستعير للشيء ما يليق به، ويضعوا الكلمة مستعارة له من موضع آخر. كقولهم في استعارة الأعضاء لما ليس من الحيوان: رأسُ الأمرِ، رأسُ المال، وجهُ النَّار، عين الماءِ، حاجِبُ الشَّمس، أنفُ الجبل، أنفُ الباب، لِسانُ النَّارِ، رِيقُ المُزْنِ، يَدُ الدَّهرِ، جَناحُ الطَّريقِ، كَبِدُ السَّماءِ، ساقُ الشَّجَرَةِ.

وكقولهم في التَّفرُّق: انْشَقَّتْ عَصاهُمْ، شالَت نَعامَتهم، مرُّوا بين سنع الأرض وبَصرِها، فَسا بينَهم الظِّربان.

وكقولهم في اشتداد الأمر: كَشَفَتِ الحَرْبُ عن ساقِها، أبدى الشَّرُّ عن ناجِذَيه، حَمِيَ الوَطيسُ، دارَتْ رحى الحَربُ.

وكقولهم في ذكر الآثار العُلويَّة: افتَرَّ الصُبْحُ عن نواجِذَهُ، ضَرَبَ بِعَموده، سُلَّ سَيفُ الصُّبْحِ من غِمد الظَّلام، نَعَرَ الصُّبحُ في قفا الليل، باحَ الصُّبحُ بِسرِّهِ، وهي نطاق الجوزاء، انحَطَّ قِنْديلُ الثُرَيَّا، ذّرَّ قرْن الشَّمس/ ارتَفع النَّهار، ترحَّلت الشَّمس، رَمَتِ الشَّمس بِجَمَرات الظَّهيرَةِ، بَقَلَ وجهُ النَّهار، خَفَقَتْ راياتُ الظَّلام، نَوَّرت حدائِقُ الجوِّ، شابَ رأسُ الليل، لَبِسَت الشَّمس جِلبابها، قام خَطيب الرَّعد، خَفَقَ قَلب البَرق، انحَلَّ عِقْدُ السَّماء، وَهَى عِقد الأنداد، انْقَطَعَ شِريان الغَمام، تَنفَّسَ الرَّبيع، تَعَطَّرَ النَّسيمُ، تَبَرَّجَت الأرضُ، قَوِيَ سلطان الحرِّ، آنَ أن يَجيشَ مِرْجَلُهُ، ويثورَ قَسْطُلُه، انْحَسَرَ قِناع الصَّيف، جاشَت جُيوشُ الخَريفِ، حَلَّت الشَّمس الميزان، وعَدَل الزَّمان، دبَّت عَقاربُ البردِ، أقدمَ الشِّتاء بِكَلْكَلِه، شابَت مَفارِقُ الجِبالِ، يوم عبوسٌ قَمْطَرير، كشَّرَ عن نابِ الزَّمْهَرير.

وكقولهم في محاسن الكلام: الأدَبُ غِذاءُ الرُّوح، الشَّباب باكورَةُ الحَياةِ، الشَّيب عنوان الموت، النَّار فاكهة الشِّتاء، العِيال سوسُ المال، النَّبيذُ كيمْياء الفَرَح، الوحدة قَبر الحيِّ، الصَّبر مفْتاحُ الفَرَج، الدَّين داء الكرم، النَّمَّام جسرُ الشرِّ، الإرجافُ زَندُ الفِتنةِ، الشُّكرُ نسيمُ النَّعيم، الرَّبيع شبابُ الزَّمان، الولَدُ ريحانَةُ الروحِ، الشَّمس قَطيفَةُ المساكين، الطِّيب لسانُ المُروءة.

94- فصل

- من استعارات القرآن: "وإنَّهُ في أمِّ الكتاب" "لِتُنْذِرَ أُمَّ القُرى ومَنْ حَولَها" "واخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ منَ الرَّحمَةِ" "والصُّبحِ إذا تَنَفَّس" "فَأذاقَها اللهُ لِباسَ الجوعِ والخَوفِ" "كُلَّما أوْقَدوا ناراً للحَربِ أطْفَأها الله" "أحاطَ بِهمْ سُرادِقُها" فَما بَكَتْ عَلَيهمُ السَّماءُ والأرضُ" "وامْرَأتُهُ حمَّالَةَ الحَطَبِ" واشْتَعَلَ الرَّأسُ شَيبا" "وآيَةٌ لَهُمُ اللَّيلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ" "فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذاب" "وَلَمَّا سَكَتَ عن موسى الغَضَبُ".

ومن الاستعارات في الأشعار العربية قول امرئ القيس:

فقلْتُ لهُ لمَّا تَمَطَّى بِصُلْبِهِ * وأرْدَفَ أعْجازاً وناءَ بِكَلْكَلِ

وقول زهير:

وَعُرَّى أفراسُ الصِّبا ورواحِلُهْ

وقول لبيد:

إذْ أصْبَحَتْ بِيَدِ الشَّمالِ زِمامُها

فأما أشعار المُحدَثينَ في الاستعارات فأكثر من أن تُحصى.

95- فصل في التجنيس

- هو أن يجانس اللفظ في الكلام والمعنى مختلف، كقول الله عزَّ وجلَّ: "وأسْلَمْتُ مَعَسُلَيمانَ لِلهِ رَبِّ العالَمينَ" وكقوله: "يا أسَفا على يوسُفَ" وكقوله: "فأدْلى دَلوَهُ" وكقوله تعالى: "فأَقِمْوَجْهَكَ لِلدِّينِ القَيِّم" وكقوله عزّ وجلّ: "فَرَوْحٌ وَرَيحانٌ وَجَنَّةُ نَعيم" وكقوله تعالى: "وَجَنى الجَنَّتَينِ دانٍ".

وكما جاءَ في الخَبَر: الظُّلم ظُلُمات يوم القِيامة. آمِنٌ مَنْ آمَنَ بِاللهِ. إنَّ ذا الوجهَينِ لا يَكونُ وجيهاً عندَ الله.

ولم أجد التجنيس في شعر الجاهليَّة إلا قَليلاً، كقول الشَّنفرى:

وبِتْنا كأَنَّ النَّبْتَ حُجِّرَ فَوقَنا * بِريحابَةٍ ريحَتْ عِشاءً وطُلَّتِ

وقول امرئ القيس:

لقد طَمَحَ الطَّمَّاحُ من بُعْدِ أرْضِهِ * لِيُلْبِسَني من دائِهِ ما تَلَبَّسا

وقوله:

ولكنَّما أسْعى لِمَجدٍ مُؤَثَّلٍ * وقد يُدْرِكُ المَجدَ المؤَثَّلَ أمْثالي

وفي شعر الإسلاميين المتقدمين كقول ذي الرُّمَّة:

كأنَّ البُرى والعاجَ عيجَتْ مُتونُهُ

وكقول رجل من بني عبس:

وذلكمْ أنَّ ذُلَّ الجارِ حالَفَكم * وأنَّ أنْفَكُمُ لا يَعْرِفُ الأنَفا

فأما في شعر المُحدثين فأكثر من أن يُحصى.

96- فصل في الطِّباق

- هو الجمع بين ضدين، كما قال تعالى: "فَلِيَضْحَكوا قَليلاً وَلِيَبْكوا كَثيراً" وكما قال عزَّ وجلَّ: "تَحْسَبُهُم جَميعاً وقُلوبُهُمْ شَتَّى" وكما قال عزَّ وجلَّ: "وتَحْسَبُهُمْ أيقاظاً وهم رُقودٌ" وكما قال عزَّ من قائل: "ولَكُم في القِصاصِ حَياةٌ".

ومما جاء في الخبر عن سيِّد البشر صلى الله عليه وسلم: (حُفَّتِ الجَنَّةُ بِالمكارِهِ والنَّارُ بِالشَّهوات) (النَّاسُ نِيام فإذا ماتوا انتَبَهوا) (كفى بالسَّلامَة داءً) (إنَّ اللهَ يُبْغِضُ البَخيلَ في حَياتِهِ والسَّخيَّ بَعْدَ موته) (جُبِلَتْ القُلوبُ على حُبِّ من أحْسَنَ إلَيها وبُغْضِ من أساءَ إلَيها) (احذَروا من لا يُرْجى خَيْرُهُ ولا يؤْمَنُ شَرُّهُ).

ومما جاء في الشعر قول الأعشى:

تَبيتونَ في المَشتى مِلاءً بُطونُكُمْ * وجاراتكم غَرْثى يَبِتْنَ خَمائِصا

وقول عبد بني الحسحاس:

إن كنتُ عبداً فَنَفسي حُرَّةٌ كَرَماً * أو أسْوَدَ الخَلقِ إني أبيضُ الخُلُقِ

وقول الفرزدق:

والشَّيبُ يَنْهُضُ في الشَّبابِ كأنَّهُ * ليلٌ يَصيحُ بِجانِبَيهِ نَهارُ

وكقول البُحتري:

وأمَّةٌ كان قُبْحُ الجَوْرِ يُسْخِطها * دَهراً فأصْبَحَ حُسْنُ العَدْلِ يُرْضيها

97- فصل في الكناية عما يُستقبح ذكره بما يستحسن لفظه

- هي من سنن العرب.

وفي القرآن: "وقالوا لِجُلودِهِمْ" أي فُرُوجَهم. وقال تعالى: "أو جاءَ أحَدٌ مِنْكُم مِنَ الغائطِ" فكنى عن الحدث. وقال تعالى: "فأتوا حَرْثَكُم أنَّى شِئتُمْ" وقال عزّ وجلّ: "فَلَمَّا تَغَشَّاها" فكنى عن الجِماع، والله كريم يكني.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم لِقائد الإبل التي عليها نِساؤه: (رِفْقاً بالقَوارير) فكنى عن الحُرَم. وقال عليه الصلاة والسَّلام: (اتقوا المَلاعِنَ) أي لا تُحْدِثوا في الشَّوارع فَتُلْعَنوا.

ومن كنايات البُلَغاء: بِهِ حاجَةٌ لا يَقْضيها غَيرُه، كناية عن الحدث. وذكر ابن العميد مُحْتَشِما حلَفَ بالطَّلاق فقال: آلى يميناً ذكرَ فيها حرائره.

وذكر ابن مُكرَّم سائلاً فقال: هو من قرَّاء سورة يوسف، يعني أنَّ السُّؤال يستكثرون من قراءة هذه السورة في الأسواق والمجامع والجوامع، وكنى ابن عائشة عمَّن به الأبْنَة بقوله: هو غراب، يعني أنَّه يواري سَوءَةَ أخيه.

وكنّى غيره عن اللقيط: بتربية القاضي. وعن الرَّقيب: بثاني الحبيب. وكان قابوس بن وشْمِكير إذا وصف رجلاً بالبلَه قال: هو من أهل الجنَّة، يعني قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أ:ثر أهل الجنَّة البُله).

ومن كناياتهم عن موت الرُّؤساء والأجِلَة والملوك: انتَقَلَ إلى جِوارِ رَبِّه، استأثَرَ اللهُ بِه.

98- فصل في الإلتفات

- هو أن تذكر الشيء وتتمَّ معنى الكلام به، ثم تَعودَ لذكْره، كأنَّك تلتَفِتُ إليه كما قال أبو الشَّغْب:

فارَقْتُ "شَغْبا" وقد قُوِّسْتُ من كِبَرٍ * لَبئْسَتِ الخَلَّتانِ الثُّكلُ والكِبَرُ

فذكر مصيبته بابنه مع تقوُّسه من الكبر، ثم التفتَ إلى معنى كلامه فقال: لبئست الخلَّتان.

وكما قال جرير:

أتَذْكُرُ يَومَ تَصْقُلُ عارِضَيها * بِعودِ بَشَامَةٍ سُقِيَ البَشامُ

وكما قال الله عزَّ وجلَّ: "لا تَفْتَروا على اللهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ وقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى"، فنهى عن الإفتراء، ثم وعد عليه فقال: "وقد خابَ مَنِ افْتَرى".

99- فصل في الحشْو

- العرب تقيم حشْو الكلام مقام الصلة والزِّيادة وتُجريه في نظام الكلمة، وهو على ثلاثة أضْرُب: ضَرب منها رديء مذموم، كقول الشاعر:

ذَكَرْتُ أخي فَعاوَدَني * صُداعُ الرَّأسِ والوَصَبُ

فَذَكَر الرَّأس، وهو حشو مُسْتَغنى عنه لأن الصُّداع مُخْتَصٌ بالرَّأس، فلا معنى لذكره معه. وكقول الآخر:

صُدودُكُمْ والدِّيارُ دانيَةٌ * أهْدى لِرأسي ومِفْرَقي شَيبا

فقوله: مفرقي، مع ذكر الرأس حشو بَغيض. وكقول الآخر:

إذا لَمْ يَكُنْ للمَرْءِ في دولة امرئٍ * نَصيبٌ ولا حظٌّ تَمَنَّى زَوالَها

والنَّصيب والحظ بمعنى واحد.

وأما الضرب الأوسط فكقول امرئ القيس:

ألا هل أتاها والحوادِثُ جَمَّة * بِأنَّ امرأ القيسِ بن تمْلكَ بَيْقَرا

فقوله: والحوادثُ جَمَّة، حشو مُستغنى عنه، ولكن لا بأس به في موضعه. وكقول النَّابغة:

لَعَمْري وما عَمري عليَّ بِهَيِّنً * لَقَد نَطَقَتْ بُطْلاً على الأقارِعُ

فقوله: وما عمري عليَّ بِهَيِّنٍ، حشو يتم الكلام بدونه ولكنه محمود لما فيه من تفخيم اللفظ وتأكيد المراد.

وأما الضَّرب الثالث، فهو الحشو الحسن اللطيف كقول عوف بن مَحلم:

إنَّ الثَّمانينَ وبُلِّغْتَها * قد أحْوَجَتْ سَمعي إلى تَرْجُمانْ

فقوله: وبُلِّغْتُها، حشو مُسْتَغنى عنه في نظم الكلام، ولكنه حسن في مكانه وأوقع في المعنى المقصود. وكان بن عبّاد يسمِّي هذا الحشو: حشو اللوزينج، لأن حشو اللوزينج خير من خُبْزَتِهِ. ومن هذا الضَّرب قول طَرَفَة:

فَسَقى دِيارَكَ غَيرَ مُفْسِدِها * صوبُ الرَّبيعِ وديمَةٌ تَهْمي

فقوله: غير مفسدها، حشو ولكن ما لحسنه نهاية. ومن ذلك قول عديّ:

فَلَو كنتَ الأسيرَ ولا تَكُنْهُ * إذن عَلِمَتْ مَعَدٌّ ما أقولُ

فقوله: ولاتكُنهُ، حشو لا يخفى حسنه وبراعته. ومن ذلك قول البُحتري:

إنَّ السَّحابَ أخاكَ جادَ بِمِثلِ ما * جادَتْ يَداكَ لو أنَّهُ لَمْ يَضْرُرِ

فقوله: أخاكَ، حشو ولكن ما لِحُسنه غاية. ومن ذلك قول ابن المُعتَز:

إنْ يحيي لا زال يحيا صديقي * وخَليلي من دونِ هذي الأنامِ

فقوله: لا زال يحيا، حشو يُربى على حشو اللوزينج، ومن ذلك قول أبي الطِّيب المتنبي:

ويَحْتَقِرُ الدُّنيا احْتِقارَ مُجَرِّبٍ * يَرى كلَّ ما فيها وحاشاه فانِيا

فقوله: وحاشاه، حشوٌ يجمع الحُسن والطِّيب. ومن ذلك قول ابن عبَّاد:

قُلْ لأبي القاسم إن جِئْتَهُ * هُنِّيت ما أُعْطِيتَ هُنِّيتَهُ

كلُّ جَمالٍ فائق رَائقٍ * أنتَ بِرَغْمِ البَدْرِ أوتيتَهُ

فقوله: برغم البدْرِ، حشو يقطر منه ماء الظَّرفِ. ومن ذلك قول أبي محمد الخازن الأصبهانيّ رحمه الله للصّاحب:

فَإيهِ طَرْبَةً للعفوِ إنَّ الكريم وأنتَ مَعْناهُ طَروبُ

فقوله: وأنت مَعناه، حشو يَعجِزُ الوصفُ عن حُسنه وحلاوته. وكان ابن عباد يقول: إذا سمع قول يحيى بن أكثم للمأمون وقد سأله عن شيء: (لا وأيَّدَ الله أميرَ المؤمنين) هذه الواو أحسن من واوات الأصداغ في خدود المُرد المِلاح.