المفصل في صنعة الإعراب 2

الباب الرابع عشر

الصفة المشبهة

تعريفها:

هي التي ليست من الصفات الجارية وإنما هي مشبهة بها في أنها تذكر وتؤنث وتثنى وتجمع نحو كريم وحسن وصعب.

عملها:

وهي لذلك تعمل فعلها، فيقال: زيد كريم حسبه، وحسن وجهه، وصعب جانبه.

وهي تدل على معنى ثابت فإن قصد الحدوث قيل هو حاسن الآن أو غداً، وكارم وطائل، ومنه قوله عز وجل: "وضائق به صدرك". وتضاف إلى فاعلها كقولك: كريم الحسبن وحسن الوجه، وأسماء الفاعل والمفعول يجريان مجراها في ذلك فيقال ضامر البطن، وجائلة الوشاح، ومعمور الدار، ومؤدب الخدام.

إعرابها:

وفي مسألة حسن وجهه سبعة أوجه: حسن وجهه، وحسن الوجه، وحسن وجهاً قال أبو زيد:

مخطوطة جدلت شنباء أنيابا

هيفاء مقبلة عجزاء مدبـرة

وحسن الوجه قال النابغة:

أجب الظهر ليس له سنام

لاحق بطن بقراً سمـين

ونأخذ بعده بذناب عـيش

وحسن وجه قال حمـيد:

وحسن وجهه قال الشماخ:

كميت الأعالي جونتاً مصطلاهما

أقامت على ربعيهما حارتا صفـاً

وحسن وجههه قال:

كوم الذرا وادقة سراتها

الباب الخامس عشر

أفعل التفضيل

كيف يصاغ:

قياسه أن يصاغ من ثلاثي غير مزيد فيه ليس مما ليس بلون ولا عيب. لا يقال في أجاب وانطلق ولا في سمر وعور هو أجوب منه وأطلق ولا أسمر منه وأعور، ولكن يتوصل إلى التفضيل في نحو هذه الأفعال بأن يصاغ أفعل مما يصاغ منه ثم يميز بمصادرها كقولك: هو أجود منه جواباً، وأسرع انطلاقاً، وأشد سمرة وأقبح عوراً.

ما شذ منه:

ومما شذ من ذلك هو أعطاهم للدينار والدرهم، وأولاهم للمعروف، وأنت أكرم لي من زيد أي أشد إكراماً، وهذا المكان أقفر من غيره أي أشد إقفاراً، وهذا الكلام أخصر وفي أمثالهم أفلس من ابن المذلق، وأحمق من هبنقة.

وقد جاء أفعل منه و فعل له، قالوا: أحنك الشاتين وأحنك البعيرين، وفي أمثالهم آبل من حنيف الحناتم.

والقياس أن يفضل على الفاعل دون المفعول وقد شذ نحو قولهم أشغل من ذات النحيين، وأزهى من ديك، وهو أعذر منه وألوم وأشهر وأعرف وأنكر وأرجى وأخوف وأهيب وأحمد، وأنا أسر بهذا منك، وقال سيبويه وهم ببيانه أعنى.

حكمه عند مصاحبته من:

وتعتوره حالتان متضادتان: لزوم التنكير عند مصاحبة من، ولزوم التعريف عند مفارقها. فلا يقال زيد الأفضل من عمرو ولا زيد أفضل. وكذلك مؤنثه وتثنيتهما وجمعهما، لا يقال فضلى ولا أفضلان ولا فضليان ولا أفاضل ولا فضليات ولا فضل، بل الواجب تعريف ذلك باللام أو بالإضافة، كقولك الأفضل والفضلى وأفضل الرجال وفضلى النساء.

وما دام مصحوباً بمن استوى فيه الذكر والأنثى والإثنان والجمع. فإذا عرف باللام أنت وثني وجمع، وإذا أضيف ساغ فيه الأمران. قال الله تعالى: "أكابر مجرميها" وقال: "ولتجدنهم أحرص الناس على حياة" وقال ذو الرمة:

وسالفة وأحسنه قـذالا

ومية أحسن الثقلين جيداً

ومما حذفت منه من وهي مقدرة قوله عز وجل: "يعلم السر وأخفى" أي أخفي من السر وقول الشاعر:

أو هزلت في جدب عام أولا

يا ليتها كانت لأهلـي إبـلا

أي أول من هذا العام وأول من أفعل الذي لا فعل له كآبل. ومما يدل على أنه أفعل الأولى والأول ومما حذفت منه قولك الله أكبر وقول الفرزدق :

بيتاً دعائمه أعـز وأطـول

إن الذي سمك السماء بني لنا

حكم آخر:

ولآخر شأن ليس لأخوانه وهو أنه ألزم فيه حذف من حال التنكير، تقول جاءني زيد ورجل آخر، ومررت به وبآخر. ولم يستو فيه ما استوى في أخواته حيث قالوا مررت بآخرَين وآخرِين وأخرى وأخريين وأُخر وأخريات.

حكم دنيا وجلى وحسنى وسوءى:

وقد استعملت دنيا بغير ألف ولام قال العجاج:

في سعي دنيا قد مدت

لأنها قد غلبت فاختلطت بالأسماء ونحوها جلى في قوله:

وإن دعوت إلى جلى ومكرمة

وأما حسنى فيمن قرأ "وقولوا للناس حسنى" وسوءى فيمن أنشد:

ولا يجزون من حسن بسوءى

فليستا بتأنيث أحسن وأسوأ بل هما مصدران كالرجعى والبشرى. وقد خطيء ابن هانيء في قوله:

كأن صغرى وكبرى من فواقعها

وقول الأعشى:

ولست بالأكثر منهم حصى

ليست من فيه بالتي نحن بصددها هي نحو من في قولك أنت منهم الفارس الشجاع أي من بينهم.

لا عمل له:

ولا يعمل عمل الفعل. لم يخبروا مررت برجل أفضل منه أبوه، ولا خير منه أبوه، بل رفعوا أفضل وخيراً بالإبتداء وقوله:

وأضرب منا بالسيوف القوانسا

العامل فيه مضمر وهو يضرب المدلول عليه بأضرب.

الباب السادس عشر

أسماء الزمان والمكان

كيف يصاغان: من الثلاثي المجرد:

ما بني منهما من الثلاثي المجرد على ضربين: مفتوح العين ومكسورها. فالأول بناؤه من كل فعل كانت عين مضارعة مفتوحة كالمشرب والملبس والمذهبن، أو مضمومة كالمصدر والمقتل والمقام، إلا أحد عشر إسماً وهي المنسك والمجزر والمنبت والمطلع والمشرق والمغرب والمفرق والمسقط والمسكن والمرفق والمسجد.

والثابت بناؤه من كل فعل كانت عين مضارعة مكسورة كالمجلس والمبيت والمصيف ومضرب الناقة ومنتجها، إلا ما كان منه معتل الفاء أو اللام، فإن معتل الفاء مكسور أبداً كالموعد والمورد والموضع والموحل والموجل، والمعتل اللام مفتوح أبداً كالمأتى والمرمى والمأوى والمثوى، وذكر الفراء أنه قد جاء مأوى الإبل بالكسر.

دخول التاء على بعض أسماء المكان والزمان:

وقد تدخل على بعضها تاء التأنيث كالمزلة والمظنة والمعبرة والمشرقة وموقعة الطائر. وأما ما جاء على مفعلة بالضم كالمقبرة والمشرقة والمشربة فأسماء غير مذهوب بها مذهب الفعل.

كيف يصاغان من الثلاثي المزيد ومن الرباعي:

وما بني من الثلاثي المزيد فيه والرباعي فعلى لفظ اسم المفعول كالمدخل والمخرج والمغار في قوله:

مغار ابن همام على حي خثعما

وقولهم فلان كريم المركب والمقاتل والمضطرب والمتقلب والمتحامل والمتدحرج والمحرنجم قال العجاج:

محرنجم الجامل والنؤي

وزن مفعله للتكثير:

وإذا كثر الشيء بالمكان قيل فيه مفعلة بالفتح، أرض مسبعة ومأسدة ومذءبة ومحيأة ومفعأةومقثأة ومطبخة. قال سيبويه ولم يجيؤا بنظير هذا فيما جاوز ثلاثة أحرف من نحو الضفدع والثعلب كراهة أن يثقل عليهم، لأنهم قد يستغنون بأن يقولوا كثيرة الثعالب.

لا عمل لها:

ولا يعمل شيء منها. والمجر في قول النابغة:

عليه قضيم نمقته الصوانع

كأن مجر الرامسات ذيولها

مصدر بمعنى الجر، وقبله مضاف محذوف تقديره كأن أثر جر الرامسات.

الباب السابع عشر

اسم الآلة

هو اسم ما يعالج به وينقل. ويجيء على مفعل ومفعلة ومفعال كالمقص والمحلي والمكسحة والمصفاة والمفتاح.

وما جاء مضموم الميم والعين من نحو المسعط والمنخل والمدق والمدهن والمكحلة والمحرضة، فقد قال سيبويه لم يذهبوا بها مذهب الفعل ولكنها جعلت أسماء لهذه الأوعية.

الباب الثامن عشر

الاسم الثلاثي

أوزان الثلاثي المجرد عشرة:

للمجرد منه عشرة أبنية أمثلتها صقر وعلم وبرد وجمل وإبل وطنب وكتف ورجل وضلع وصدر.

أوزان المزيد كثيرة:

وللمزيد فيه أبنية كثيرة ولعل الأمثلة التي أنا ذاكرها تحيط بها أو بأكثرها.

أنواع الزيادة:

والزيادة إما أن تكون من جنس حروف الكلمة كالدال الثانية في قعدد ومهدد، أو من غير جنسها كهمزة أفكل وأحمر، وللإلحاق كواو جوهر وجدول، أو لغير الإلحاق كألف كاهل وغلام.

والزيادة المجانسة لا تخلو من أن تكون تكريراً للعين كخفيفد وقنب أو للام كخفيدد وخدب أو للفاء والعين كمرمريس ومرمريت أو للعين واللام كصمحمح وبرهرة وما عداها من الزوائد حروف سألتمونيها.

عدد الزيادة:

والزيادة تكون واحدة وثنتين وثلاثاً وأربعاً ومواقعها أربعة ما قبل الفاء وما بين الفاء والعين وما بين العين واللام وما بعد اللام ولا تخلو من أن تقع مفترقة أو مجتمعة.

الزيادة الواحدة:

والزيادة الواحدة قبل الفاء في نحو أجدل وأثمد وإصبع وأصبع وأبلم وأكلب وتنضب وتدراء وتتفل وتحلىء ويرمع ومقتل ومنبر ومجلس ومنخل ومصحف ومنخر وهبلع عند الأخفش.

وما بين الفاء والعين في نحو كاهل وخاتم وشامل وضيغم وقنبر وجندب وعنسل وعوسج.

وما بين العين واللام في نحو شمأل وحمار وغلام وبعير وعثير وعليب وعرند وقعود وجدول وخروج وسدوس وسلم وقنب.

وما بعد اللام في نحو علقى ومغزى وبهمى وسلمى وذكرى وحبلى وذفرى وشعبى ورعشن وفرسن وبلغن وقردد وشربب وعندد ورمدد ومعدّ وخدب وجبن وفلز.

الزيادتان:

والزيادتان المفترقتان بينهما الفاء في نحو أداير وأجادل وألنجج وألندد وزنهما أفنعل ومقاتل ومساجد وتناضب ويرامع.

وبينهما العين في نحو عاقول وساباط وطومار وخيتام وديماس وتوراب وقيصوم.

وبينهما اللام في نحو قصيري وقرنبي والجلندي وبلنصي وحباري وخفيدد وجرنبة.

وبينهما الفاء والعين في نحو إعصار واخريط وأسلوب وأدرون ومفتاح ومضروب ومنديل ومغرود وتمثال وترداد ويربوع ويعضيد وتنبيت وتذنوب وتنوط وتبشر وتهبط.

وبينهما العين واللام في نحو خيزلي وخيزري وحنطأ.

وبينهما الفاء والعين واللام نحو إجفلي وأترب وأرزب.

والمجتمعان قبل الفاء في نحو منطلق ومسطيع ومهراق وانقحل وانقحر.

وبين الفاء والعين في نحو حواجز وغيالم وجنادب ودواسر وصيهم.

وبين العين واللام في نحو كلاء وخطاف وحناء وجلواخ وجريال وعضواد وهبيخ وكديون وبطيخ وقبيط وقيام وصوام وعقنقل وعثوثل وعجول وسبوح ومريق وحطائط ودلامص.

وبعد اللام في نحو صهباء وطرفاء وقوباء وعلباء وحرباء ورحضاء وسيراء وجفناء وسعدان وكروان وعثمان وسرحان وظربان والسبعان والسلطان وعرضني ودفقي وهبرية وسنبتة وقرنوة وعنصوة وجبروت وفسطاط وجلباب وحلتيت وصمحمح ودرحرح.

الزيادات الثلاث:

والثلاث المتفرقة في نحو هجيري ومخاريق وتماثيل ويرابيع.

والمجتمعة قبل الفاء في مستفعل.

وبعد العين واللام في نحو سلاليم وقراويح.

وبعد اللام في صليان وعنفوان وعرفان وتيقان وكبرياء وسيمياء ومرحيا.

وقد اجتمعت ثنتان وانفردت واحدة في نحو أفعوان وأضحيان وأرونان وأربعاء وقاصعاء وفساطيط وسراحين وثلاثاء وسلامان وقراسية وقلنسوة وخنفساء وتيحان وغمدان وملكعان.

الزيادات الأربع:

والأربعة في نحو إشهيباب وإحميرار.

الباب التاسع عشر

الإسم الرباعي

أوزان الرباعي المجرد خمسة:

للمجرد منه خمسة أبنية أمثلها جعفر ودرهم وبرثن وزبرج وفطحل.

تحيط بأبنية المزيد فيه الأمثلة التي أذكرها والزيادة فيه ترتقي إلى الثلاث.

أوزان المزيد:

فالزيادة الواحدة قبل الفاء لا تكون إلا في نحو مدحرج.

وهي بعد الفاء قنفخر وكنتال وكنهبل.

وبعد العين في نحو عذافر وسميدع وفدوكس وحبارج وحزنبل وقرنفل وعلمكد وهمقع وشمخر.

وبعد اللام الأولى في نحو قنديل وزنبور وغرنيق وفردوس وقربوس وكنهور وصلصال وسرداح وشفلح وصفرق.

وبعد اللام الأخيرة في نحو حبركي وجحجبي وهربذي وهندبي وسبطري وسبهلل وفرشب وطرطب.

والزيادتان المفترقتان في نحو حبوكري وهثعور ومنجنون وكنابيل وجحنبار.

والمجتمعتان في نحو قندويل وقمحدوة وسلحفية وعنكبوت وعرطليل وطرماح وعقرباء وهندباء وشعشعان وعقربان وحندمان.

والثلاث في نحو عبوثران وعريقصان وجخادباء وبرنساء وعقربان.

الباب العشرون

الإسم الخماسي

للمجرد منه أربعة أبنية أمثلتها سفرجل وجحمرش وقذعمل وجردحل. وللمزيد فيه خمسة ولا تتجاوز الزيادة فيه واحدة وأمثلتها خندريس وخزعبيل وعضرفوط ومنه يستعور وقرطبوس وقبعثري.

القسم الثاني:

الأفعال

الباب الأول

الفعل الماضي

تعريف الفعل

الفعل ما دل على اقتران حدث بزمان. ومن خصائصه صحة دخول قد، وحرفي الإستقبال، والجوازم، ولحوق المتصل البارز من الضمائر، وتاء التأنيث الساكنة نحو قولك: قد فعل يفعل وسيفعل وسوف يفعل ولم يفعل وفعلت ويفعلن وافعلي وفعلت.

تعريف الفعل الماضي:

وهو الدال على اقتران حدث بزمان قبل زمانك. وهو مبني على الفتح. إلا أن يعترضه ما يوجب سكونه أو ضمه. فالسكون عند الإعلال ولحوق بعض الضمائر. والضم مع واو الضمير.

الباب الثاني

الفعل المضارع

تعريفه

وهو ما يعتقب في صدره الهمزة والنون والتاء والياء. وذلك قولك للمخاطب أو الغائبة تفعل، وللغائب يفعل، وللمتكلم أفعل. وله إذا كان مع غيره واحداً أو جماعة نفعل. وتسمى الزوائد الأربع. ويشترك فيه الحاضر والمستقبل. واللام في قولك إن زيداً ليفعل مخلصة للحال، كالسين أو سوف للإستقبال. وبدخولهما عليه قد ضارع الأسم فأعرب بالرفع والنصب والجزم مكان الجر.

اتصاله بالضمائر:

وهو إذا كان فاعله ضمير اثنين أو جماعة أو مخاطب مؤنث لحقته معه في حال الرفع نون مكسورة بعد الألف مفتوحة بعد أختيها. كقولك: هما يفعلان، وأنتما تفعلان، وهم يفعلون، وأنتم تفعلون، وأنت تفعلين. وجعل في حال النصب كغير المتحرك، فقيل لن يفعلا، ولن يفعلوا، كما قيل لم يفعلا ولم يفعلوا.

وإذا اتصلت به نون جماعة المؤنث رجع مبنياً، فلم تعمل فيه العوامل لفظاً، ولم تسقط كما لا تسقط الألف والواو والياء التي هي ضمائر لأنها منها. وذلك قولك: لم يضربن ولن يضربن. ويبنى أيضاً مع النون المؤكدة كقولك لا تضربن ولا تضربن.

وجوه إعرابه:

هي الرفع والنصب والجزم. وليست هذه الوجوه بأعلام على معان كوجوه إعراب الإسم، لأن الفعل في الإعراب غير أصيل بل هو فيه من الأسم بمنزلة الألف والنون من الألفين في منع الصرف. وما ارتفع به الفعل وانتصب وانجزم غير ما استوجب به الإعراب. وهذا بيان ذلك:

الفصل الأول: رفع المضارع

هو في الإرتفاع بعامل معنوي نظير المبتدأ وخبره. وذلك المعنى وقوعه بحيث يصح وقوع الأسم كقولك زيد يضرب كما تقول زيد ضارب، رفعته لأن ما بعد المبتدأ من مظان صحة وقوع الأسماء. وكذلك إذا قلت يضرب الزيدان لأن من ابتدأ كلاماً منتقلاً إلى النطق عن الصمت لم يلزمه أن يكون أول كلمة تفوه بها إسماً أو فعلاً، بل مبدأ كلامه موضع خبره في أي قبيل شاء.

وقولهم كاد زيد يقوم وجعل يضرب وطفق يأكل، الأصل فيه أن يقال قائماً وضارباً وآكلاً ولكن عدل عن الأسم إلى الفعل لغرض وقد استعمل الأصل فيمن روى بيت الحماسة:

فأبت إلى فهم وما كدت آبياً

الفصل الثاني: نصب المضارع

حروف النصب:

انتصابه بأن وأخواته، كقولك أرجو أن يغفر الله لي، ولن أبرح الأرض، وجئت كي تعطيني، وأذن أكرمك.

وينصب بأن المضمرة بعد خمسة أحرف وهي: حتى، واللام، وأو بمعنى إلى، وواو الجمع، والفاء، في جواب الأشياء الستة الأمر والنهي والنفي والإستفهام والتمني والعرض، وذلك قولك: سرت حتى أدخلها، وجئتك لتكرمني، ولألزمنك أو تعطيني حقي، ولا تأكل السمك وتشرب اللبن، وائتني فأكرمك، وقوله سبحانه وتعالى: "ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي"، وماتأتينا فتحدثنا، وأتأتينا فتحدثنا، فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا. . ويا ليتني كنت معهم فأفوز وألا تنزل فتصيب خيراً.

ولقولك ما تأتينا فتحدثنا معنيان أحدهما ما تأتينا فكيف تحدثنا أي لو أتيتنا لحدثتنا. والآخر ما تأتينا أبداً إلا لم تحدثنا أي منك إتيان كثير ولا حديث منك وهذا تفسير سيبويه.

ويمتنع إظهار أن مع هذه الأحرف، إلا اللام إذا كانت لام كي، فإن الإظهار جائز معها، وواجب إذا كان الفعل الذي تدخل عليه داخلة عليه لا، كقولك: لئلا تعطيني. وأما المؤكدة فليس معها إلا التزام الإضمار.

حتى:

وليس بحتم أن ينصب الفعل في هذه المواضع بل للعدول به إلى غير ذلك معنى وجهة من الإعراب مساغ. فله بعد حتى حالتان: هو في إحداهما مستقبل أو في حكم المستقبل فينصب، وفي الأخرى حال أو في حكم الحال فيرفع. وذلك قولك: سرت حتى أدخلها، وحتى أدخلها، تنصب إذا كان دخولك مترقباً لما يوجد، كأنك قلت سرت كي أدخلها، ومنه قولهم أسلمت حتى أدخل الجنة، وكلمته حتى يأمر لي بشيء. أو كان مقتضياً إلا أنه في حكم المستقبل من حيث أنه في وقت وجود السير المفعول من أجله كان مترقباً. وترفع إذا كان الدخول يوجد في الحال كأنك قلت: حتى أنا أدخلها الآن، ومنه قولهم مرض حتى لا يرجونه، وشربت الإبل حتى يجيء البعير يجر بطنه أو تقضى. إلا أنك تحكي الحال الماضية. وقريء قوله تعالى: "وزلزلوا حتى يقول الرسول"، منصوباً ومرفوعاً. وتقول كان سيري حتى أدخلها بالنصب ليس إلا. فإن زدت أمس وعلقته بكان أو قلت سيراً متعباً أو أردت كان التامة جاز فيه الوجهان. وتقول أسرت حتى تدخلها بالنصب. وأيهم سار حتى يدخلها بالنصب والرفع.

أو:

وقريء قوله تعالى: "تقاتلونهم أو يسلمون" بالنصب على إضمار أن، والرفع على الإشتراك بين يسلمون وتقاتلونهم، أو على الإبتداء كأنه قيل أو هم يسلمون. ويقول هو قاتلي أو أفتدي منه، وإن شئت ابتدأته على أو أنا أفتدي وقال سيبويه في قول امريء القيس:

نحاول ملكاً أو نموت فنعذرا

فقلت له لا تبك عينك إنمـا

ولو رفعت لكان عربياً جائزاً على وجهين: على أن تشرك بين الأول والآخر كأنك قلت إنما نحاول ملكاً أو إنما نموت، وعلى أن يكون مبتدأ مقطوعاً من الأول يعني أو نحن ممن يموت.

الواو

ويجوز في قوله عز وجل " ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق" أن يكون تكتموا منصوباً ومجزوماً كقولهك

ولا تشتم المولى وتبلغ أذاته

وتقول زرني وأزورك بالنصب، يعني لتجتمع الزيادات فيه كقول ربيعة ابن جشم:

لصوت أن ينادي داعـيان

فقلت أدعي وأدعو إن أندى

وبالرفع يعني زيارتك على كل حال فلتكن منك زيارة كقولهم دعني ولا أعود. وإن أردت الأمر أدخلت اللام فقلت ولأزرك. وإلا فلا محمل لأن تقول زرني وأزرك لأن الأول موقوف. وذكر سيبويه في قول كعب الغنوي:

ويغضب منه صاحبي بقؤول

وما أنا للشيء الذي ليس نافعي

النصب والرفع. وقال الله تعالى: "لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء"، أي ونحن نقر.

الفاء:

ويجوز ما تأتينا فتحدثنا الرفع على الإشتراك. كأنك قلت ما تأتينا فما تحدثنا ونظيره قوله تعالى: "ولا يوذن لهم فيعتذرون". وعلى الإبتداء كأنك قلت ما تأتينا فأنت تجهل أمرنا. ومثله قول العنبري:

فنرجي ونكثر التأميلا

غير أنا لم تأتنا بيقـين

أي فنحن نرجي. وقال:

وهل يخبرك اليوم بيداء سملق

ألم تسأل الربع القواء فينطـق

قال سيبويه لم يجعل الأول سبب الآخر، ولكنه جعله ينطق على كل حال. كأنه قال فهو مما ينطق، كما تقول ائتني فأحدثك، أي فأنا ممن يحدثك على كل حال. وتقول ودلوا تأتيه فتحدثه. والرفع جيد كقوله تعالى: "ودوا لو تدهن فيدهنون". وفي بعض المصاحف فيدهنوا وقال ابن أحمر:

ليلقحها فينتجها حوارا

يعالج عاقراً أعيت عليه

كأنه قال يعالج فينتجها. وإن شئت على الإبتداء.

أن:

وتقول أريد أن تأتيني ثم تحدثني ويجوز الرفع. وخير الخليل في قول عروة العذري:

فأبهت حتى ما أكاد أجيب

وما هو إلا أن أراها فجاءة

بين الرفع والنصب، في فأبهت، ومما جاء منقطعاً قول أبي اللحام التغلبي:

قضيته أن لا يجوز ويقـصـد

على الحكم المأتي يوماً إذا قضى

أي عليه غير الجور وهو يقصد، كما تقول عليه أن لا يجوز، وينبغي له كذا. قال سيبويه: ويجوز الرفع في جميع هذه الحروف التي تشترك على هذا المثال.

الفصل الثالث: جزم المضارع

الجزم بحروف الجزم وأسمائه:

تعمل فيه حروف وأسماء، نحو قولك لم يخرج، ولما يحضر، وليضرب، ولا تفعل، وإن تكرمني أكرمك، وما تصنع أصنع بك، وأياً تضرب أضرب، وبمن تمرر أمر به.

الجزم بأن مضمرة:

ويجزم بأن مضمرة إذا وقع جواباً لأمر أو نهي أو استفهام أو تمن أو عرض، نحو قولك أكرمني أكرمك، ولا تفعل يكن خيراً لك، وألا تأتني أحدثك، وأين بيتك أزرك، وألا ماء أشربه، وليته عندنا يحدثنا، وألا تنزل تصب خيراً. وجواز إضمارها لدلالة هذه الأشياء عليها. قال الخليل إن هذه الأوائل كلها فيها معنى إن فلذلك انجزم الجواب.

الجزم بما فيه معنى الأمر:

وما فيه معنى الأمر والنهي بمنزلتهما في ذلك تقول اتقي الله امرؤ وفعل خيراً يثب عليه، معناه ليتق الله وليفعل خيراً؛ وحسبك يتم الناس.

وحق المضمر أن يكون من جنس المظهر. فلا يجوز أن تقول: لا تدن في الأسد يأكلك، بالجزم، لأن النفي لا يدل على الإثبات، ولذلك امتنع الإضمار في النفي فلم يقل ما تأتينا تحدثنا، ولكنك ترفع على القطع كأنك قلت: لا تدن منه فإنه يأكلك وإن أدخلت الفاء ونصبت فحسن.

الجزم على الجزاء:

وإن لم تقصد الجزاء فرفعت فكان المرفوع على أحد ثلاثة أوجه: إما صفة كقوله تعالى: " فهب لي من لدنك وليا يرثني"، أو حالاً كقوله تعالى "ونذرهم في طغيانهم يعمهون"، أو قطعاً واستئنافاً كقولك لا تذهب به تغلب عليه، وقم يدعوك. ومنه بيت الكتاب:

وقال رائدهم أرسوا نزاولها

ومما يحتمل الأمرين الحال والقطع قولهم: ذره يقول ذاك، ومره يحفرها وقول الأخطل:

كرو إلى حرتيكم تعمرونهما

وقوله تعالى: "فاضرب لهم طريقاً في البحر يبساً لا تخاف دركاً ولا تخشى".

وتقول إن تأتني تسألني أعطك وإن تأتني تمشي أمش معك، ترفع المتوسط. ومنه قول الحطيئة:

تجد خير نار عندها خير موقد

متى تأته تعشو إلى ضوء ناره

وقال عبيد الله بن الحر:

تجد حطباً جزلاً وناراً تأججا

متى تأتنا تلمم بنا في ديارنـا

فجزمه على البدل.

وتقول إن تأتيني آتك فأحدثك بالجزم، ويجوز الرفع على الإبتداء. وكذلك الواو وثم قال الله تعالى: "من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم". وقرىء ويذرهم بالجزم وقال تعالى: "وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم"، وقال: "وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون".

وسأل سيبويه الخليل عن قوله تعالى: "رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين" فقال هذا كقول عمرو بن معد يكرب:

يوماً وأكفك جانباً

دعني فأذهب جانباً

وكقوله:

ولا سابق شيئاً إذا كـان جـائياً

بدالي إني لست مدرك ما مضي

أي كما جروا الثاني لأن الأول قد تدخله الباء فكأنها ثابتة فيه فكذلك جزموا، الثاني لأن الأول يكون مجزوماً ولا فاء فيه فكأنه مجزوم.

وتقول والله إن أتيتني لا أفعل كذا بالرفع، وأنا والله إن تأتيني لا آتك بالجزم، لأن الأول لليمين والثاني للشرط.

الباب الثالث

الأمر

كيف يصاغ الأمر من المضارع:

وهو الذي على طريقة المضارع للفاعل المخاطب لا تخالف بصيغته صيغته، إلا أن تنزع الزائدة فتقول: في تضع ضع، وفي تضارب ضارب، وفي تدحرج دحرج، ونحوها مما أوله متحرك؛ فإن سكن زدت همزة وصل لئلا يبتدأ بالساكن، فتقول في تضرب إضرب، وفي تنطق وتستخرج إنطلق وإستخرج، والأصل في تكرم تأكرم كتدحرج فعلى ذلك خرج أكرم.

وأما ما ليس للفاعل فإنه يؤمر بالحرف داخلاً على المضارع دخول لا ولم، كقولك لتضرب أنت، وليضرب زيد، ولأضرب أنا. وكذلك ما هو للفاعل وليس بمخاطب كقولك ليضرب ريد ولأضرب أنا.

وقد جاء قليلاً أن يؤمر الفاعل على المخاطب بالحرف ومنه قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فبذلك فلتفرحوا.

وهو مبني على الوقف عند أصحابنا البصريين. وقال الكوفيون هو مجزوم باللام مضمرة وهذا خلف من القول.

الباب الرابع

الفعل المتعدي وغير المتعدي

حدهما:

فالمتعدي على ثلاثة أضرب: متعد إلى مفعول به وإلى اثنين وإلى ثلاثة. فالأول نحو قولك ضربت زيداً، والثاني كسوت زيداً جبة، وعلمت زيداً فاضلاً. والثالث نحو أعلمت زيداً عمراً فاضلاً وغير المتعدي ضرب واحد وهو ما تخصص بالفاعل كذهب زيد ومكث وخرج ونحو ذلك.

أسباب التعدية:

وللتعدية أسباب ثلاثة: وهي الهمزة وتثقيل الحشو وحرف الجر. تتصل ثلاثتها بغير المتعدي فتصيره متعدياً، وبالمتعدي إلى مفعول واحد فتصيره ذا مفعولين: نحو قولك أذهبته، وفرحته، وخرجت به، وأحفرته بئراً، وعلمته القرآن، وغصبت عليه الضيعة. وتتصل الهمزة بالمتعدي إلى اثنين فتنقله إلى ثلاثة نحو أعلمت.

أنواع الأفعال المتعدية إلى ثلاثة:

والأفعال المتعدية إلى ثلاثة أضرب: ضرب منقول بالهمزة عن المتعدي إلى مفعولين، وهو فعلان: أعلمت وأريت، وقد أجاز الأخفش أظننت وأحسبت وأخلت وأزعمت. وضرب متعد إلى مفعول واحد وقد أجري مجرى أعلمت لموافقته له في معناه فعدى تعديته، وهو خمسة أفعال: أنبأت ونبئت وأخبرت وخبرت وحدثت. قال الحارث بن حلزة:

فمن حدثتموه له علينا العلاء

وضرب متعد إلى مفعولين وإلى الظرف المتسع فيه كقولك: أعطيت عبد الله ثوباً اليوم، وسرق زيد عبد الله الثوب الليلة، ومن النحويين من أبي الإتساع في الظرف في الأفعال ذات المفعولين.

والمتعدي وغير المتعدي سيان في نصب ما عدا المفعول به من المفاعيل الأربعة، وما ينصب بالفعل من الملحقات بهن، كما تنصب ذلك بنحو ضرب وكسا وأعلم تنصبه بنحو ذهب وقرب.

الباب الخامس

الفعل المبني للمفعول

حده:

هو ما استغنى عن فاعله فأقيم المفعول مقامه وأسند إليه معدولاً عن صيغة فَعَل إلى فُعِل، ويسمى فعل ما لم يسم فاعله. والمفاعيل سواء في صحة بنائه لها، إلا المفعول الثاني في باب علمت، والثالث في باب أعلمت، والمفعول له والمفعول معه. تقول ضرب زيد، وسير سير شديد، وسير يوم الجمعة، وسير فرسخان.

وإذا كان للفعل غير مفعول فبني لواحد بقي ما بقي على انتصابه كقولك أعطي زيد درهماً، وعلم أخوك منطلقاً، وأعلم زيد عمراً خير الناس.

وللمفعول به المتعدي إليه بغير حرف من الفضل على سائر ما بني له أنه متى ظفر به في الكلام فممتنع أن يسند إلى غيره، تقول دفع المال إلى زيد، وبلغ بعطائك خمسمائة، برفع المال وخمس المائة. ولو ذهبت تنصبهما مسنداً إلى زيد وبعطائك قائلاً دفع إلى زيد المال وبلغ لعطائك خمسمائة، كما تقول منح زيد المال وبلغ عطاؤك خمسمائة، خرجت عن كلام العرب. ولكن إن قصدت الإقتصار على ذكر المرفوع إليه والمبلوغ به قلت دفع إلى زيد وبلغ بعطائك، وكذلك لا تقول ضرب زيداً ضرب شديد ولا يوم الجمعة ولا أمام الأمير؛ بل ترفعه وتنصبها. وأما سائر المفاعيل فمستوية الأقدام لا تفاضل بينها إذا اجتمعت في الكلام في أن البناء لأيها شئت صحيح غير ممتنع: تقول استخف بزيد استخفافاً شديداً يوم الجمعة أمام الأمير، وإن أسندت إلى الجار مع المجرور، ولك أن تسند إلى يوم الجمعة أو إلى غيره وتترك ما عداه منصوباً.

ولك في المفعولين المتغايرين أن تسند إلى أيهما شئت تقول أعطي زيد درهماً، وكسي عمرو جبة، وأعطي درهم زيداً، وكسيت جبة عمراً إلا أن الإسناد إلى ما هو في المعنى فاعل أحسن وهو زيد، لأنه عاط وعمرو لأنه مكسو.

الباب السادس

أفعال القلوب

عددها سبعة: وهي سبعة: ظننت وحسبت وخلت وزعمت وعلمت ورأيت ووجدت، إذا كن بمعنى معرفة الشيء على صفة. كقولك علمت أخاك كريماً، ووجدت زيداً ذا الحافظ، ورأيته جواداً، تدخل على الجملة من المبتدأ والخبر إذا قصد إمضاؤها على الشك أو اليقين، فتنصب الجزئين على المفعولين وهما على شرائطهما وأحوالهما في أصلهما.

تلحق بها قال: ويستعمل أريت استعمال ظننت، فيقال أريت زيداً منطلقاً، وأرى عمراً ذاهباً، وأين ترى بشراً جالساً. ويقولون في الإستفهام خاصة: متى تقول زيداً منطلقاً؟ وأتقول عمراً ذاهباً؟ وأكل يوم تقول عمراً منطلقاً؟ بمعنى أتظن. وقال الشاعر:

لعمر أبيك أم متجاهلينا

أجهالاً تقول بني لـؤي

وقال عمر بن أبي ربيعة:

فمتى تقول الدار تجمعنا

أما الرحيل فدون بعد غد

وبنو سليم يجعلون باب قلت أجمع مثل ظننت.

لها معان أخر تجعلها متعدية إلى مفعول واحد:

ولها ما خلا حسبت وخلت وزعمت معان أخر لا يتجاوز عليها مفعولاً واحداً. وذلك قولك ظننته من الظنة وهي التهمة، ومنه قوله عز وجل: "وما هو على الغيب بظنين". وعلمته بمعنى عرفته ورأيته بمعن أبصرته، ووجدت الضالة إذا أصبتها، وكذلك أريت الشيء بمعنى بصرته أو عرفته، ومنه قوله عز وجل: "أرنا مناسكنا" وأتقول إن زيداً منطلق أي أتفوه بذلك.

ومن خصائصها أن الإقتصار على أحد المفعولين في نحو كسوت وأعطيت مما تغاير مفعولاه غير ممتنع. تقول أعطيت درهماً ولا تذكر من أعطيته، وأعطيت زيداً ولا تذكر ما أعطيته. وليس لك أن تقول حسبت زيداً ولا منطلقاً وتسكت، لفقد ما عقدت عليه حديثك. فأما المفعولان معاً فلا عليك أن تسكت عنهما في البابين. قال الله تعالى: "وظننتم ظن السوء"، وفي أمثالهم: من يسمع يخل. وأما قول العرب ظننت ذاك، فذاك إشارة إلى الظن. كأنهم قالوا ظننت فاقتصروا، وتقول ظننت به إذا جعلته موضع ظنك كما تقول ظننت في الدار. فإن جعلت الباء زائدة بمنزلتها في ألقى بيده لم يجز السكوت عليه.

أثر التقديم والتأخير في عملها:

ومنها أنها إذا تقدمت أعملت ويجوز فيها الإعمال والإلغاء متوسطة أو متأخرة قال:

وفي الأراجيز خلت اللؤم والخور

أبا الأراجيز يا ابن اللؤم توعدنـي

ويلغى المصدر إلغاء الفعل فيقال متى زيد ظنك ذاهب، وزيد ظني مقيم، وزيد أخوك ظني. وليس ذلك في سائر الأفعال.

تعليق عملها:

ومنها إنها تعلق وذلك عند حروف الإبتداء والإستفهام والنفي كقولك ظننت لزيد منطلق، وعلمت أزيد عندك أم عمرو وأيهم في الدار؟ وعلمت ما زيد بمنطلق. ولا يكون التعليق في غيرها.

تجمع ضمير الفاعل والمفعول:

ومنها أنك تجمع فيها بين ضميري الفاعل والمفعول فتقول علمتني منطلقاً، ووجدتك فعلت كذا، ورآه عظيماً. وقد أجرت العرب عدمت وفقدت مجراها فقالوا عدمتني وفقدتني. وقال جران العود:

وعما ألاقي منهما متزحـزح

لقد كان لي عن ضرتين عدمتني

ولا يجوز ذلك في غيرهما فلا تقول شتمتني ولا ضربتك، ولكن شتمت نفسي وضربت نفسك.

الباب السابع

الأفعال الناقصة

عددها وسبب تسميتها: وهي كان وصار وأصبح وأمسى وأضحى وظل وبات وما زال وما برح وما انفك وما فتئ وما دام وليس، يدخلن دخول الأفعال القلوب على المبتدأ والخبر، إلا أنهن يرفعن المبتدأ وينصبن الخبر. ويسمى المرفوع إسماً، والمنصوب خبراً. ونقصانهن من حيث أن نحو ضرب وقتل كلام متى أخذ مرفوعه، وهؤلاء ما لم يأخذن المنصوب مع المرفوع لم يكن كلاماً.

رأي سيبويه:

ولم يذكر سيبويه منها إلا كان وصار وما دام وليس، ثم قال وما كان نحوهن من الفعل مما لا يستغني عن الخبر. ومما يجوز أن يلحق بها عاد وآض وغدا وراح. وقد جاء بمعنى صار في قول العرب ما جاءت حاجتك، ونظيره قعد في قول الأعرابي: أرهف شفرته حتى قعدت كأنها حربة.

أسمها وخبرها:

وحال الإسم والخبر مثلهما في باب الإبتداء من أن كون المعرفة إسماً والنكرة خبراً حد الكلام. ونحوه قول القطامي:

ولا يك موقف منك الوداعا

وقول حسان:

يكون مزاجها عسل وماء

وبيت الكتاب:

أظبي كان أمك أم حمار

من القلب الذي يشجع عليه أمن الإلتباس. ويجيئان معرفتين معاً، ونكرتين. ويجيء الخبر جملة ومفرداً بتقاسيمها.

وجوه كان:

وكان على أربعة أوجه ناقصة كما ذكر، وتامة بمعنى وقع ووجد، كقولهم كانت الكائنة والمقدورة كائن، وقوله تعالى: "كن فيكون". وزائدة في قولهم إن من أفضلهم كان زيداً وقال:

على كان المسومة العراب

جياد بني أبي بكر تسامـي

ومن كلام العرب: ولدت فاطمة بنت الخرشب الكلمة من بني عبس لم يوجد كان مثلهم. والتي فيها ضمير الشأن وقوله عز وجل: "لمن كان له قلب" يتوجه على الأربعة وقيل في قوله:

قطا الحزن قد كانت فراخاً بيوضها

بنيهاء قفر والمـطـي كـأنـهـا

أن كان فيه بمعنى صار.

صار:

ومعنى صار الإنتقال وهو على ذلك على استعمالين: أحدهما كقولك صار الفقير غنياً والطين خزفاً. والثاني صار زيد إلى عمرو، ومنه كل حي صائر إلى الزوال.

أصبح وأمسى وأضحى:

وأصبح وأمسى وأضحى على ثلاث معان: أحدهما أن يقرن مضمون الجملة بالأوقات الخاصة التي هي الصباح والمساء والضحى على طريقة كان. والثاني أن تفيد معنى الدخول في هذه الأوقات كأظهر وأعتم، وهي في هذا الوجه تامة يسكت على مرفوعها. قال عبد الواسع بن أسامة:

إذا الليلة الشهباء أضحى جليدها

ومن فعلاتي أنني حسن القـري

والثالث أن يكون بمعنى صار كقولك: أصبح زيد غنياً وأمسى أميراً وقال عدي بن زيد:

ف فألوت به الصبا والدبور

ثم أضحوا كأنهـم ورق ج

ظل وبات:

وظل وبات على معنيين: أحدهما إقتران مضمون الجملة بالوقتين الخاصيين على طريقة كان. والثاني كينونتهما بمعنى صار، ومنه قوله تعالى: "وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم".

حكم المسبوقة بالنفي:

والتي أوائلها الحرف النافي في معنى واحد وهو استمرار الفعل بفاعله في زمانه؛ ولدخول النفي فيها على النفي جرت مجرى كان في كونها للإيجاب، ومن ثم لم يجز ما زال زيد إلا مقيماً، وخطيء ذو الرمة في قوله:

حراجيج ما تنفك إلا مناخة

وتجيء محذوفاً منها حرف النفي، قالت امرأة سالم بن قحفان:

تزال حبال مبرمات أعدها

وقال امرؤ القيس:

فقلت لها والله أبرح قاعداً

وقال:

تنفك تسمع ما حييت بهالك حتى تكونه

وفي التنزيل: "تالله تفتؤ تذكر يوسف".

ما دام:

وما دام توقيت للفعل في قولك أجلس ما دمت جالساً، كأنك قلت: اجلس دوام جلوسك، نحو قولهم آتيك خفوق النجم ومقدم الحاج، ولذلك كان مفتقراً إلى أن يشفع بكلام لأنه ظرف لا بد له مما يقع فيه.

ليس:

وليس معناه نفي مضمون الجملة في الحال، تقول ليس زيد قائماً الآن، ولا تقول ليس زيد قائماً غداً. والذي يصدق أنه فعل لحوق الضمائر وتاء التأنيث ساكنة به وأصله ليس كصيد البعير.

تقديم خبرها:

وهذه الأفعال في تقديم خبرها على ضربين: فالتي في أوائلها ما يتقدم خبرها على اسمها لا عليها، وما عداها يتقدم خبرها على اسمها وعليها.وقد خولف في ليس فجعل من الضرب الأول والأول هو الصحيح.

وفضل سيبويه في تقديم الظرف وتأخيره بين اللغو منه والمستقر، فاستحسن تقديمه إذا كان مستقراً نحو قولك ما كان فيها أحد خير منك، وتأخيره إذا كان لغواً نحو قولك ما كان أحد خيراً منك فيها، ثم قال: وأهل الجفاء يقرؤون ولم يكن كفؤاً له أحد.

الباب الثامن

أفعال المقاربة

عسى وكاد:

منها عسى ولها مذهبان: أحدهما أن تكون بمنزلة قارب، فيكون لها مرفوع ومنصوب، إلا أن منصوبها مشروط فيه أن يكون أن مع الفعل متأولاً بالمصدر. كقولك عسى زيد أن يخرج، في معنى قارب زيد الخروج. قال الله تعالى: "فعسى الله أن يأتي بالفتح". والثاني أن يكون بمنزلة قرب، فلا يكون لها إلا مرفوع، إلا أن مرفوعها أن مع الفعل في تأويل المصدر كقولك: عسى أن يخرج زيد، في معنى قرب خروجه، قال الله تعالى: "وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم".

ومنها كاد ولها اسم وخبر. وخبرها مشروط فيه أن يكون فعلاً مضارعاً متأولاً باسم الفاعل كقولك كاد يخرج. وقد جاء على الأصل:

وما كدت آيبا

كما جاء: عسى الغوير أبؤسا وقد شبه عسى بكاد من قال:

يكون وراءه فـرج قـريب

عسى الكرب الذي أمسيت فيه

وكاد بعسى من قال:

قد كاد من طول البلى أن يمصحا

وللعرب في عسى ثلاثة مذاهب: أحدها أن يقولوا عسيت أن تفعل كذا، وعسيتما إلى عسيتن، وعسى زيد أن يفعل كذا، وعسيا إلى عسين، وعسيت وعسينا. والثاني أن لا يتجاوزوا عسى أن يفعل وعسى أن يفعلا وعسى أن يفعلوا. والثالث أن يقولوا عساك أن تفعل كذا إلى عساكن، وعساه أن يفعل إلى عساهن، وعساني أن أفعل، وعسانا أن نفعل.

وتقول كاد يفعل إلى كدن، وكدت إلى كدتن، وكدت أفعل، وكدنا نفعل. وبعض العرب يقولون كدت بالضم.

والفصل بين معنيي عسى وكاد أن عسى لمقاربة الأمر على سبيل الرجاء والطمع، تقول عسى الله أن يشفي مريضي، تريد أن قرب شفائه مرجو من عند الله تعالى مطموع فيه؛ وكاد لمقاربته على سبيل الوجود والحصول، تقول كادت الشمس تغرب، تريد أن قربها من الغروب قد حصل.

وقوله عز وجل" :إذا أخرج يده لم يكد يراها" على نفي مقاربة الرؤية، هو أبلغ من نفي نفس الرؤية. ونظيره قول ذي الرمة:

رسيس الهوى من حب مية يبرح

إذا غير النأي المحبـين لـم يكـد

أوشك:

ومنها أوشك يستعمل إستعمال عسى في مذهبيها، وإستعمال كاد. تقول: يوشك زيد أن يجيء، ويوشك أن يجيء زيد، ويوشك زيد يجيء. قال:

في بعض غراته يوافقها

يوشك من فر من منيتـه

كرب وأخذ وجعل وطفق:

ومنها كرب وأخذ وجعل وطفق، يستعملن إستعمال كاد. تقول: كرب يفعل، وجعل يقول ذاك، وأخذ يقول، وقال الله عز وجل: "وطفقا يخصفان".

الباب التاسع

فعلا المدح والذم

لفظاهما:

هما نعم وبئس، وضعا للمدح العام والذم العام، وفيهما أربع لغات: فعل بوزن حمد وهو أصلها قال:

نعم الساعون في الأمر المبر

وفَعْل وفِعل بفتح الفاء وكسرها وسكون العين. وفعل بكسرهما.

وكذلك كل فعل أو اسم على فعل ثانية حرف حلق كشهد وفخذ. ويستعمل ساء استعمال بئس قال الله عز وجل: "ساء مثلاً القوم الذين كذبوا بآياتنا".

فاعل نعم وبئس:

وفاعلهما إما مظهر معرف باللام، أو مضاف إلى المعرف به، وإما مضمر مميز بنكرة منصوبة. وبعد ذلك اسم مرفوع هو المخصوص بالذم أو المدح. وذلك قولك: نعم الصاحب أو نعم صاحبا القوم زيد، وبئس الغلام أو بئس غلام الرجل بشر، ونعم صاحبا زيد وبئس غلاماً بشر.

مميز نعم وبئس:

وقد يجمع بين الفاعل الظاهر وبين المميز تأكيداً فيقال نعم الرجل رجلاً زيد. قال جرير:

فنعم الزاد زاد أبيك زادا

تزود مثل زاد أبيك فينـا

وقوله تعالى: "فنعما هي": نعم فيه مسند إلى الفاعل المضمر، ومميزه ما وهي نكرة لا موصوفة ولا موصولة، والتقدير فنعم شيئاً هي.

إعراب مخصوص نعم وبئس:

وفي ارتفاع المخصوص مذهبان: أحدهما أن يكون مبتدأ خبره ما تقدمه من الجملة، كأن الأصل زيد نعم الرجل. والثاني أن يكون خبر مبتدأ محذوف والتقدير: نعم الرجل هو زيد. فالأول على كلام والثاني على كلامين.

حذف المخصوص:

وقد يحذف المخصوص إذا كان معلوماً للمخاطب كقوله تعالى: "نعم العبد إنه أواب" أي نعم العبد أيوب، وقوله تعالى: "فنعم الماهدون" أي فنعم الماهدون نحن.

تأنيث نعم وبئس وتثنية اسميهما وجمعهما:

ويؤنث الفعل ويثنى الإسمان ويجمعان نحو قولك نعمت المرأة هند وإن شئت قلت نعم المرأة. وقالوا هذه الدار نعمت البلد، لما كان البلد الدار كقولهم من كانت أمك. وقال ذو الرمة:

دعائم الزور نعمت زورق البلد

أو حرة عيطل ثبجاء مجـفـرة

وتقول نعم الرجلان أخواك، ونعم الرجال أخوتك، ونعمت المرأتان هند ودعد، ونعمت النساء بنات عمك.

المخصوص يجانس الفاعل:

ومن حق المخصوص أن يجانس الفاعل. وقوله عز وجل: "ساء مثلاً القوم الذين كذبوا بآياتنا" على حذف المضاف أي ساء مثلاً مثل القوم، ونحوه قوله تعالى: "بئس مثل القوم الذين كذبوا" أي مثل الذين كذبوا. ورؤي أن يكون محل الذين مجروراً صفة للقوم، ويكون المخصوص بالذم محذوفاً، أي بئس مثل القوم المكذبين مثلهم.

حبذا:

وحبذا مما يناسب هذا الباب ومعنى حب صار محبوباً جداً. وفيه لغتان فتح الحاء وضمها. وعليها روي قوله:

وحب بها مقتولة حين تقتل

وأصله حبب، وهو مسند إلى اسم الإشارة، إلا أنهما جريا بعد التركيب مجرى الأمثال التي لا تغير، فلم يضم أول الفعل، ولا وضع موضع ذا غيره من أسماء الإشارة، بل التزمت فيهما طريقة واحدة. وهذا الإسم في مثل إبهام الضمير في نعم، ومن ثم فسر بما فسر به، فقيل حبذا رجلاً زيد كما يقال نعم رجلاً زيد. غير أن الظاهر فضل على المضمر بأن استغنوا معه عن المفسر، فقيل حبذا زيد ولم يقولوا نعم زيد، ولأنه كان لا ينفصل المخصوص عن الفاعل في نعم وينفصل في حبذا.

فعلا التعجب

بناؤهما:

هما نحو قولك ما أكرم زيداً، وأكرم بزيد. ولا يبنيان إلا مما يبنى منه أفعل التفضيل. ويتوصل إلى التعجب مما لا يجوز بناؤهما منه بمثل ما توصل به إلى التفضيل، إلا ما شذ من نحو ما أعطاه وما أولاه للمعروف، ومن نحو ما أشهاها وما أمقته. وذكر سيبوبه أنهم لا يقولون ما أقيله استغناء عنه بما أكثر قائلته كما استغنوا بتركت عن وذرت.

معناهما:

ومعنى ما أكرم زيداً، شيء جعله كريماً، كقولك أمر أقعده عن الخروج ومعهم أشخصه عن مكانه، يريد أن قعوده وشخوصه لم يكونا إلا لأمر. إلا أن هذا النقل من كل فعل خلا ما استثنى منه مختص بباب التعجب. وفي لسانهم أن يجعلوا لبعض الأبواب شأناً ليس لغيره لمعنى. وأما أكرم بزيد فقيل أصله أكرم زيد أي صار ذا كرم، كأغد البعير أي صار ذا غدة، إلا أنه أخرج على لفظ الأمر ما معناه الخبر، كما أخرج على لفظ الخبر ما معناه الدعاء في قولهم رحمه الله والباء مثلها في كفي بالله. وفي هذا ضرب من التعسف. وعندي أن أسهل منه مأخذاً أن يقال إنه أمر لكل أحد بأن يجعل زيداً كريماً، أي بأن يصفه بالكرم. والباء مزيدة مثلها في قوله تعالى: "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة" للتأكيد والإختصاص، أو بأن يصيره ذا كرم والباء للتعدية. هذا أصله ثم جرى مجرى المثل فلم يغير عن لفظ الواحد في قولك يا رجلان أكرم بزيد ويا رجال أكرم بزيد.

ما:

واختلفوا في ما فهي عند سيبويه غير موصولة ولا موصوفة، وهي مبتدأ ما بعد خبره. وعند الأخفش موصولة صلتها ما بعدها وهي مبتدأ محذوف الخبر. وعند بعضهم فيها معنى الإستفهام كأنه قيل: أي شيء أكرمه.

لا تقديم ولا تأخير:

ولا يتصرف في الجملة التعجبية بتقديم ولا تأخير ولا فصل. فلا يقال عبد الله ما أحسن، ولا ما عبد الله أحسن، ولا بزيد أكرم، ولا ما أحسن في الدار زيد، ولا أكرم اليوم بزيد. وقد أجاز الجرمي الفصل وغيره من أصحابنا. وينصرهم قول القائل ما أحسن بالرجل أن يصدق.

ويقال ما أحسن زيداً للدلالة على المضي. وقد حكي ما أصبح أبردها. وما أمسى أدفأها والضمير للغداة.

الباب العاشر

الفعل الثلاثي

أوزان الثلاثي المجرد ثلاثة:

للمجرد منه ثلاثة أبنية فعَل وفعِل وفعُل. فكل واحد من الأولين على وجهين: متعد وغير متعد. ومضارعه على بناءين: مضارع فعل على يفعِل ويفعُل، ومضارع فِعل على تفعَل ويفعِل. والثالث على وجه واحد غير متعد ومضارعه على بناء واحد وهو يفعُل. فمثال فعل ضربه يضربه، وجلس يجلس، وقتله يقتله، وقعد يقعد. ومثال يفعل شربه يشربه، وفرح يفرح، وومقه يرمقه، ووثق يثق. ومثال فُعل كرم يكرم. وأما فعَل يفعَل فليس بأصل ومن ثم لم يجيء إلا مشروطاً فيه أن يكون عينه أو لامه أحد حروف الحلق: الهمزة والهاء والحاء والخاء والعين والغين إلا ما شذ من نحو أبى يأبى وركن يركن. وأما فُعل يفعُل نحو فصل يفصل ومت تموت فمن تداخل اللغتين وكذلك فعل يفعل نحو كدت تكاد.

أوزان الثلاثي المزيد خمسة وعشرون:

وللمزيد فيه خمسة وعشرون بناء تمر في أثناء التقاسيم بعون الله تعالى. والزيادة لا تخلو إما أن تكون من جنس حروف الكلمة أو من غير جنسها كما ذكر في أبنية الأسماء.

وأبنية المزيد على ثلاثة أضرب: موازن للرباعي على سبيل الإلحاق، وموازن له على غير سبيل الإلحاق، وغير موازن له. فالأول على ثلاثة أوجه ملحق بدحرج نحو شملل وحوقل وبيطر وجهور وقلنس وقلسي. وملحق بتدحرج نحو تجلبب وتجورب وتشيطن وترهوك وتمسكن وتغافل وتكلم. وملحق باحرنجم نحو إقعنسس واسلنقي. ومصداق الإلحاق اتحاد المصدرين. والثاني نحو أخرج وجرب وقاتل يوازن دحرج غير أن مصدره مخالف لمصدره. والثالث نحو انطلق واقتدر واستخرج وأشهاب وأشهب وأغدودن واعلوط.

وزن فاعل:

فما كان على فعل فهو على معان لا تضبط كثرة وسعة. وباب المغالبة مختص بفعل يفعل. منه كقولك كارمني فكرمته أكرمه، وكاثرني فكثرته أكثره، وكذلك عازني فعززته أعزه، وخاصمني فخصمته، وهاجاني فهجوته. إلا ما كان معتل الفاء كوعدت أو معتل العين أو اللام من بنات الياء كبعت ورميت فأنك تقول فيه أفعله بالكسر، كقولك راميته أرميه وخايرته فخرته أخيره. وعن الكسائي إنه استثنى أيضاً ما فيه أحد حروف الحلق وأنه يقال فيه أفعله بالفتح. وحكى أبو زيد شاعرته أشعره، وفاخرته أفخره بالضم. قال سيبويه وليس في كل شيء يكون هذا، ألا يرى أنك لا تقول نازعني فنزعته استغنى عنه بغلبته. وفعل يكثر فيه الإعراض من العلل والأحزان وأضدادها كسقم ومرض وحزن وفرح وجذل وأشر والألوان كأدم وشهب وسود. وفعل للخصال التي تكون في الأشياء كحسن وقبح وصغر وكبر.

وزن تُفُعْلِل:

وتفعلل يجيء مطاوع كجوربة فتجورب، وجلببه فتجلبب، وبناء مقتضياً كتسهوك وترهوك.

وزن تفعَّل:

وتفعل يجيء مطاوع فعل نحو كسرته فتكسر، وقطعته فتقطع. وبمعنى التكلف نحو تشجع وتصبر وتحلم وتمرأ. قال حاتم:

ولن تستطيع الحلم حتى تحلما

تحلم عن الأذنين واستبق ودهم

قال سيبويه وليس هذا مثل تجاهل لأن هذا يطلب أن يصير حليماً ومنه تقيس وتنزر، وبمغنى استفعل كتكبر وتعظم وتعجل الشيء وتيقنه وتقصاه وتثبته وتبينه، وللعمل بعد العمل في مهلة كقولك تجرعه وتحساه وتعرفه. وتفوقه ومنه تفهم وتبصر وتسمع، وبمعنى إتخاذ الشيء نحو تديرت المكان وتحرج أي تجنب الحوب والإثم الهجود والحرج.

وزن تفاعل:

وتفاعل لما يكون من اثنين فصاعداً نحو تضارباً وتضاربوا ولا يخلو من أن يكون من فاعل المتعدي إلى مفعول أو المتعدي إلى مفعولين: فإن كان من المتعدي إلى مفعول كضارب لم يتعد. وإن كان من المتعدي إلى مفعولين نحو نازعته الحديث وجاذبته الثوب وناسيسته البغضاء تعدي إلى مفعول واحد، كقولك تنازعنا الحديث وتجاذبنا الثوب وتناسينا البغضاء.

ويجيء ليريك الفاعل أنه في حال ليس فيها نحو تغافلت وتعاميت وتجاهلت قال:

إذا تخازرت وما بي من خزر

وبمنزلة فعلت كقولك توانيت في الأمر وتقاضيته وتجاوز الغاية. ومطاوع فاعلت نحو باعدته فتباعد.

وزن أفعل:

وأفعل للتعدية نحو أجلسته وأمكنته. وللتعريض للشيء وأن يجعل بسبب منه نحو أقتلته وأبعته إذا عرضته للقتل والبيع. ومنه أقبرته وأشفيته وأشقيته إذا جعلت له قبراً وشفاء وسقياً وجعلته بسبب منه من قبل الهبة أو نحوها. أو لصيرورة الشيء ذا كذا نحو أغد البعير إذا صار ذا غدة، وأجرب الرجل وانحز وأحال أي صار ذا جرب ونحاز وحيال في ماله، ومنه الأم وأراب وأصرم النخل وأحصد الزرع وأجر، ومنه أبشر وأفطر وأكب وأقشع الغيم. ولوجود الشيء على صفة نحو أحمدته أي وجدته محموداً، وأحييت الأرض أي وجدتها حية النبات. وفي كلام عمرو بن معد يكرب لمجاشع السلمي: لله دركم يا بني سليم قاتلناكم فما أجبناكم وسألناكم فما أبخلناكم وهاجيناكم فما أفحمناكم. وللسلب نحو أشكيته وأعجمت الكتاب إذا أزلت الشكاية والعجمة. ويجيء. بمعنى فعلت تقول قلت البيع وأقلته وشغلته وأشغلته وبكر وأبكر.

وزن فعَّل:

وفعل يؤاخي أفعل في التعدية نحو فرحته وغرمته، ومنه خطأته وفسقته وزنيته وجدعته وعقرته. وفي السلب نحو فزعته وقذيب عينه وجلدت البعير وقردته، أي أزلت الفرزع والقذي والجلد والقراد. وفي كونه بمعنى فعل كقولك زلته وزيلته وعضته وعوضته ومزته وميزته. ومجيئه للتكثير هو الغالب عليه نحو قولك قطعت الثياب وغلقت الأبواب، وهو يجول ويطوف أن يكثر الجولان والطواف وبرك النعم وربض الشاء وموت المال ولا يقال للواحد.

وزن فاعل:

وفاعل لأن يكون من غيرك إليك ما كان منك إليه، كقولك ضاربته وقاتلته، فإذا كنت الغالب قلت فاعلني ففعلته. ويجيء مجيء فعلت كقولك سافرت. بمعنى أفعلت نحو عافاك الله، وطارقت النعل. وبمعنى فعلت نحو ضاعفت وناعمت.

وزن انفعل:

وانفعل لا يكون إلا مطاوع فعل كقولك كسرته فانكسر، وحطمته فانحطم، إلا ما شذ من قولهم: أقحمته فانقحم، وأغلقته فانغلق، وأسقفته فانسقف، وأزعجته فانزعج. ولا يقع إلا حيث يكون علاج وتأثير، ولهذا كان قولهم انعدم خطأ. وقالوا قلته فانقال لأن القائل يعمل في تحريك لسانه.

وزن افتعل:

وافتعل يشارك انفعل في المطاوعة كقولك غممته فاغتم، وشويته فاشتوى، ويقال أنغم وانشوى. ويكون بمعنى تفاعل نحو اجتوزوا واختصموا والتقوا وبمعنى الإتخاذ نحو إذبح وأطبخ واشتوى إذا اتخذ ذبيحة وطبيخاً وشواء لنفسه. ومنه اكتال واتزن. وبمنزلة فعل نحو قرأت واقترات وخطف واختطف. وللزيادة على معناه كقولك اكتسب في كسب، واعتمل في عمل. قال سيبويه أما كسبت فإنه يقول أصبت، وأما اكتسبت فهو التصرف والطالب، والإعتمال بمنزلة الإضراب.

وزن استفعل: واستفعل لطلب الفعل، تقول استخفه واستعمله واستعجله إذا طلب عمله وخفته وعجلته مر مستعجلاً أي مر طالباً ذلك من نفسه مكلفها إياه، ومنه استخرجته أي لم أزل أتلطف به وأطلب حتى خرج. وللتحول نحو استتيبست الشاة، واستنوق الجمل، واستحجر الطين، وإن البغاث بجرضنا يستنسر. وللإصابة على صفة نحو استعظمته واستسمنته واستجدته أي أصبته عظيماً وسميناً وجيداً. وبمنزلة فعل نحو قر واستقر وعلا قرنه واستعلاه.

افعوعل:

وافعوعل بناء مبالغة وتوكيد. فاخشوشن واعشوشبت الأرض واحلولى الشيء مبالغات في خشن وأعشبت وحلا. قال الخليل في اعشوشبت إنما يريد أن يجعل ذلك عاماً قد بالغ.

الباب الثاني عشر

الفعل الرباعي

أوزان الرباعي: للمجرد منه بناء واحد فعلل ويكون متعدياً نحو دحرج الحجر، وسرهف الصبي. وغير متعد نحو دربخ وبرهم. وللمزيد فيه بناءان إفعنلل نحو احرنجم وافعلل نحو اقشعر.

وكلا بنائي المزيد فيه غير متعد. وهما في الرباعي نظير انفعل وأفعل وأفعال في الثلاثي. قال سيبويه وليس في الكلام أحرنجمته لأنه نظير انفعلت في بنات الثلاثة، زادوا نوناً وألف وصل كما زادوهما في هذا. وقال ليس في الكلام افعللته ولا أفعاللته، وذلك نحو أحمررت وأشهاببت، ونظير ذلك من بنات الأربعة اطمأننت واشمأززت والله أعلم.

القسم الثالث:

الحروف

حروف الإضافة

تعريف الحرف

الحرف ما دل على معنى في غيره. ومن لم ينفك من أسم أو فعل يصحبه إلا في مواضع مخصوصة حذف فيها الفعل واقتصر على الحرف فجرى مجرى النائب، نحو قولهم نعم وبلى وإي وإنه ويا وزيد قد في قوله وكأن قد.

أنواعها

سميت بذلك إن وضعها على أن تفضي بمعاني الأفعال إلى الأسماء. وهي فوضى في ذلك وإن اختلفت بها وجوه الإفضاء. وهي على ثلاثة أضرب: ضرب لازم للحرفية. وضرب كائن إسماً وحرفاً. وضرب كائن حرفاً وفعلاً. فالأول تسعة أحرف: من وإلى وحتى وفي والباء واللام ورب وواو القسم وتاؤه. والثاني خمسة أحرف: على وعن والكاف ومذ منذ. والثالث ثلاثة أحرف: حاشا وخلا وعدا.

من:

فمن معناها ابتداء الغاية كقولك سرت من البصرة إلى الكوفة، وكونها مبعضة نحو أخذت من الدراهم، ومبينة في نحو "فاجتنبوا الرجس من الأوثان"، ومزيدة في نحو ما جاءني من أحد راجع إلى هذا، ولا تزاد عند سيبويه إلا في النفي، والأخفش يجوز الزيادة في الإيجاب ويستشهد بقوله عز وجل: "يغفر لكم من ذنوبكم".

إلى:

وإلى معارضة لمن دالة على انتهاء الغاية كقولك سرت من البصرة إلى بغداد، وكونها بمعنى المصاحبة في نحو قوله عز وجل: "ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم" راجع إلى معنى الإنتهاء.

حتى:

وحتى في معناها إلا أنها تفارقها في أن مجرورها يجب أن يكون آخر جزء من الشيء أو يلاقي آخر جزء منه، لأن الفعل المعدى بها، الغرض فيه أن يتقضى ما تعلق به شيئاً فشيئاً حتى يأتي عليه، وذلك قولك أكلت السمكة حتى رأسها ونمت البارحة حتى الصباح، ولا تقول حتى نصفها أو ثلثها كما تقول إلى نصفها وإلى ثلثها. ومن حقها أن يدخل ما بعدها فيما قبلها. ففي مسألتي السمكة والبارحة في أكل الرأس ونيم الصباح. ولا تدخل على مضمر فتقول حتاه كما تقول إليه. وتكون عاطفة ومبتدأ ما بعدهما في نحو قول امريء القيس:

وحتى الجياد ما يقدن بأرسان

في:

وفي معناها الظرفية كقولك: زيد في أرضه، والركض في الميدان، ومنه نظر في الكتاب، وسعي في الحاجة، وقولهم في قول الله عز وجل: "ولأصلبنكم في جذوع النخل" إنها بمعنى على عمل على الظاهر، والحقيقة إنها على أصلها لتمكن المصلوب في الجذع تمكن الكائن في الظرف فيه.

الباء:

والباء معناها الإلصاق كقولك به داء أي التصق به وخامره، ومررت به وارد على الاتساع والمعنى التصق مروري بموضع يقرب منه. ويدخلها معنى الإستعانة في نحو كتبت بالقلم، ونحرت بالقدوم، وبتوفيق الله حججت، وبفلان أصبت الغرض. ومعنى المصاحبة في نحو خرج بعشيرته، ودخل عليه بثياب السفر، واشترى الفرس بسرجه ولجامه. وتكون مزيدة في المنصوب كقوله تعالى: "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة"، وقوله: "بأيكم المفتون" وقوله:

سود المحاجر لا يقرأن بالسور

وفي المرفوع كقوله تعالى: "كفى بالله شهيداً" وبحسبك زيد وقول امريء القيس:

بأن امرأ القيس بن تملك بيقرا

ألا هل أتاها والحوادث جـمة

اللام:

واللام للإختصاص كقولك المال لزيد، والسرج للدابة، وجاءني أخ له وابن له. وقد تقع مزيدة قال الله تعالى: "ردف لكم".

رب:

ورب للتقليل. ومن خصائصها أن لا تدخل إلا على نكرة ظاهرة أو مضمرة. فالظاهر يلزمها أن تكون موصوفة بمفرد أو جملة كقولك رب رجل جواد، ورب رجل جاءني، ورب رجل أبوه كريم. والمضمرة حقها أن تفسر بمنصوب كقولك ربه رجلاً. ومنها أن الفعل الذي تسلطه على الأسم يجب تأخير عنها، وإنه يجيء محذوفاً في الأكثر كما حذف مع الباء في بسم الله قال الأعشي:

م وأسرى من معشر أقيال

رب رفد هرقته ذلك الـيو

فهرقته ومن معشر صفتان وأسرى والفعل محذوف. ومنها أن فعلها يجب أن يكون ماضياً، تقول رب رجل كريم قد لقيت، ولا يجوز سألقى أو لألقين. وتكف بما فتدخل حينئذ على الإسم والفعل كقولك ربما قام زيد، وربما زيد في الدار. قال أبو دؤاد:

وعناجيج بينهن المهار

ربما الجامل المؤبل فيهم

وفيها لغات: رب الراء مضمومة والباء مخففة مفتوحة أو مضمومة أو مسكنة، ورب الراء مفتوحة والباء مشددة ومخففة، وربت بالتاء والباء مشددة أو مخففة.

واو القسم:

وواو القسم مبدلة عن الباء الإلصاقية في أقسمت بالله، أبدلت عنها عند حذف الفعل، ثم التاء مبدلة عن الواو في تالله خاصة. وقد روى الأخفش ترب الكعبة فالباء لأصالتها تدخل على المضمر والمظهر فتقول بالله وبك لأفعلن كذا. والواو لا تدخل إلا على المظهر لنقصانها عن الباء، والتاء لا تدخل من المظهر إلا على واحد لنقصانها عن الواو. وقولهم والله قيل أصله من الله لقولهم من ربي أنك لأشر فحذفت النون لكثرة الإستعمال، وقيل أصله أيم ومن ثم قالوا من ربي بالضم. ورأي بعضهم أن تكون الميم بدلاً من الواو لقرب المخرج.

على:

وعلى للإستعلاء تقول عليه دين، وفلان علينا أمير، وقال الله تعالى: "فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك"، وتقول على الإتساع: مررت عليه إذا جزنه. وهو اسم في نحو قوله:

غدت من عليه بعد ما تم ظمؤها

أي من فوقه.

عن:

وعن للبعد والمجاوزة كقولك رمى عن القوس لأنه يقذف عنها بالسهم ويبعده، وأطعمه عن الجوع، وكساه عن العري، لأنه يجعل الجوع العري متباعدين عنه. وجلس عن يمنيه أي متراخياً عن بدنه في المكان الذي بحيال يمينه. وقال الله تعالى: "فليحذر الذين يخالفون عن أمره". وهو اسم في نحو قولهم جلست من عن يمينه أي من جانبها.

الكاف:

والكاف للتشبيه كقولك: الذي كزيد أخوك. وهو اسم في نحو قوله:

يضحكن عن كالبرد المنهم

ولا تدخل على الضمير استغناء بمثل، وقد شذ نحو قول العجاج:

وأم أوعال كها أو أقربا

ومذ ومنذ:

ومذ ومنذ لابتداء الغاية في الزمان كقولك ما رأيته مذ يوم الجمعة ومنذ يوم السبت. وكونهما أسمين ذكر في الأسماء المبنية.

حاشا:

وحاشا معناها التنزيه قال:

ضنا عن الملحاة والشتم

حاشا أبي ثوبان أن بـه

وهو عند المبرد يكون فعلاً في نحو قولك هجم القوم حاشا زيداً بمعنى جانب بعضهم زيداً، أي فاعل من الحشا وهو الجانب. وحكى أبو عمرو الشيباني عن بعض العرب اللهم اغفر لي ولمن سمع حاشا الشيطان وابن الأصبغ بالنصب. وقوله تعالى: "حاش لله" بمعنى براءة لله من السوء.

عدا وخلا:

وعدا وخلا مر الكلام فيهما في الإستثناء.

كي:

وكي في قولهم كيمه من حروف الجر بمعنى لمه.

حذف حروف الجر:

وتحذف حروف الجر فيتعدى الفعل بنفسه كقوله تعالى: "واختار لموسى قومه سبعين رجلاً" وقوله:

وجوداً إذا هب الرياح الزعازاع

منا الذي اختير الرجال سمـاحة

وقوله:

فقد تركتك ذا مال وذا نـشـب

أمرتك الخير فافعل ما أمرت به

وتقول استغفر الله ذنبي، ومنه دخلت الدار. وتحذفت مع أن وإن كثيراً مستمراً.

وتضمر قليلاً. ومما جاء من ذلك إضمار رب والباء في القسم وفي قول رؤبة خير إذا قيل له كيف أصبحت واللام في لاه أبوك بمعنى لله أبوك.

الباب الثاني

الحروف المشبهة بالفعل

وهي إن وأن ولكن وكأن وليت ولعل. وتلحقها ما الكافة فتعزلها عن العمل ويبتدأ بعدها الكلام. قال الله تعالى: "إنما إلهكم إله واحد" وقال: "إنما ينهاكم الله" وقال ابن كراع:

أبا جعل لعلمـا أنـت حـالـم

تحلل وعالج ذات نفسك وانظرن

وقال:

أضاءت لك النار الحمار المقيدا

أعد نظراً يا عبد قيس لعلـمـا

ومنهم من يجعل ما مزيدة ويعملها. إلا أن الإعمال في كأنما ولعلما وليتما أكثر منه في إنما وأنما ولكنما. وروى بيت النابغة:

قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا

على وجهين.

أن وإن الفرق بينهما

أن وإن هما تؤكدان مضمون الجملة وتحققانه إلا أن المكسورة الجملة معها على استقلالها بفائدتها، والمفتوحة تقلبها إلى حكم المفرد. تقول إن زيداً منطلق وتسكت كما تسكت على زيد منطلق، وتقول بلغني أن زيداً منطلق، وحق أن زيداً منطلق، فلا تجد بداً من هذا الضميم كما لا تجده مع الإنطلاق ونحوه. وتعاملها معاملة المصدر حيث توقعها فاعلة ومفعولة ومضافاً إليها في قولك بلغني أن زيداً منطلق، وسمعت أن عمراً خارج. وعجبت من أن زيداً واقف. ولا تصدر بها الجملة كما تصدر بأختها بل إذا وقعت في موضع المبتدأ التزم تقديم الخبر عليها فلا يقال أن زيداً قائم حق، ولكن حق أن زيداً قائم.

التميز بين موقعيهما:

والذي يميز بين موقعيهما أن ما كان مظنة للجملة وقعت فيه المكسورة كقولك مفتتحاً إن زيداً منطلق، وبعد قال لأن الجمل تحكى بعده، وبعد الموصول لأن الصلة لا تكون إلا جملة. وما كان مظنة للمفرد وقعت فيه المفتوحة نحو مكان الفاعل، والمجرور، وما بعد لولا، لأن المفرد ملتزم فيه في الإستعمال، وما بعد لولان تقدير لو أنك منطلق لانطلقت لو وقع أنك منطلق أي لو وقع انطلاقك، وكذلك ظننت أنك ذاهب على حذف ثاني المفعولين. والأصل ظننت ذهابك حاصلاً.

ومن المواضع ما يحتمل المفرد والجملة فيجوز فيه إيقاع أيتهما شئت نحو قولك أول ما أقول أني أحمد الله، إن جعلتها خبراً للمبتدأ فتحت، كأنك قلت أول مقولي حمد الله وإن قدرت الخبر محذوفاً كسرت حاكياً ومنه قوله:

إذا إنه عبد القفا واللـهـازم

وكنت أرى زيداً كما قيل سيداً

تكسر لتوفر على ما بعد إذا ما يقتضيه من الجملة، وتفتح على تأويل حذف الخبر، أي فإذا العبودية حاصلة وحاصلة محذوفة.

حركة أن بعد حتى:

وتكسرها بعد حتى التي يبتدأ بعدها الكلام فتقول قد قال القوم ذلك حتى إن زيداً يقوله. وإن كانت العاطفة أو الجارة فتحت فقلت قد عرفت أمورك حتى أنك صالح، وعجبت من أحوالك حتى أنك تفاخرني.

ولكون المكسور للإبتداء لم تجامع لأمه إلا إياها وقوله:

ولكنني من حبها لعميد

على أن الأصل ولكن أنني كما أن أصل قوله تعالى: "لكنا هو الله ربي" لكن أنا. ولها إذا جامعتها ثلاثة مداخل: تدخل على الإسم إن فصل بينه وبين إن كقولك إن في الدار لزيداً وقوله تعالى: " إن في ذلك لعبرة"، زعلى الخبر كقولك إن زيداً لقائم وقوله تعالى: "إن الله غفور رحيم"، وعلى ما يتعلق بالخبر إذا تقدمه كقولك إن زيداً الطعامك آكل وإن عمراً لفي الدار جالس وقوله تعالى: "لعمرك أنهم لفي سكرتهم يعمهون". وقول الشاعر:

على التنائي لعندي غير مكفور

إذا امرأً خصني عمداً مودتـه

ولو أخرت فقلت آكل لطعامك أو غير مكفور لعندي لم يجز لأن اللام لا تتأخر عن الأسم والخبر.

وتقول علمت أن زيداً قائم فإذا جئت باللام كسرت وعلقت الفعل قال الله تعالى: "والله يعلم أنك لرسوله والله يشهد أن المنافقين لكاذبون" ومما يحكى من جراءة الحجاج على الله تعالى أن لسانه سبق في مقطع والعاديات إلى فتح فأسقط اللام.

إعراب المعطوف على أسم إن

ولأن محل المكسورة وما عملت فيه الرفع جاز في قولك إن زيداً ظريف وعمراً، وإن بشراً راكب لا سعيد أو بل سعيداً، أن ترفع المعطوف حملاً على المحل قال الله تعالى: "إن الله بريء من المشركين ورسوله" وقال جرير:

والمكرمات وسادة أطهار

إن الخلافة والنبوة فيهـم

وفيه وجه آخر ضعيف وهو عطفه على ما في الخبر من الضمير. ولكن تشايع إن في ذلك دون سائر أخواتها. وقد أجرى الزجاج الصفة مجرى المعطوف وحمل عليه قوله تعالى: "قل إن ربي يقذف بالحق علام الغيوب". وأباه غيره. وإنما يصح الحمل على المحل بعد مضي الجملة فإن لم تمض لزمك أن تقول إن زيداً وعماً قائمان بنصب عمرو ولا غير. وزعم سيبويه أن ناساً من العرب يغلطون فيقولون أنهم أجمعون ذاهبون وأنك وزيد ذاهبان وذاك أن معناه معنى الإبتداء، فيرى أنه قال هم كما قال.

ولا سابق شيئاً إذا كان جائياً

وأما قوله تعالى: "والصابؤن". فعلى التقديم والتأخير كأنه ابتداء والصابؤن بعد ما مضى الخبر وأنشدوا:

بغاه ما بقينا في شقاق

وإلا فاعلموا أنا وأنتـم

عدم جواز الجمع بين إن وأن:

ولا يجوز إدخال إن على أن فيقال إن أن زيداً في الدار إلا إذا فصل بينهما كقولك إن عندنا أن زيداً في الدار.

تخفف إن وإن فيبطل عملهما: وتخففان فيبطل عملهما. ومن العرب من يعملهما. والمكسورة أكثر إعمالاً. ويقع بعدهما الإسم والفعل. والفعل الواقع بعد المكسورة يجب أن يكون من الأفعال الداخلة على المبتدأ والخبر. وجوز الكوفيون غيره. وتلزم المكسورة اللام في خبرها. والمفتوحة يعوض عما ذهب منها أحد الأحرف الأربعة حرف النفي وقد وسوف والسين، تقول إن زيد لمنطلق وقال الله تعالى: "وإن كل لما جميع لدينا محضرون" وقرىء: "وإن كلا لما ليوفيننهم" على الإعمال وأنشدوا:

فراقك لم أبخل وأنت صديق

فلو أنك في يوم الرخاء سألتني

وقال الله تعالى: "وإن كنت من قبله لمن الغافلين" وقال: "وإن نظنك لمن الكاذبين" وقال: "وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين" وأنشد الكوفيون:

وجبت عليك عقوبة المتعمد

بالله ربك إن قتلت لمسلمـاً

ورووا إن تزينك لنفسك وإن تشينك لهيه. وتقول في المفتوحة علمت أن زيد منطلق والتقدير أنه زيد منطلق. وقال الله تعالى: "وآخر دعواهم إن الحمد لله رب العالمين". وقال:

أن هالك كل من يحفى وينتعل

في فتية كسيوف الهند قد علموا

وعلمت أن لا يخرج زيد وأن قد خرج وأن سوف يخرج وأن سيخرج قال الله تعالى: "أيحسب أن لم يره أحد" وقال تعالى: "علم أن سيكون منكم مرضى".

ضرورة مشاكلة الفعل لها في التحقيق:

والفعل الذي يدخل على المفتوحة مشددة أو مخففة يجب أن يشاكلها في التحقيق كقوله تعالى: "ويعلمون أن الله هو الحق المبين" قوله تعالى: "أفلا يرون أن لا يرجع". فإن لم يكن كذلك نحو أطمع وأرجو وأخاف فليدخل على أن الناصبة للفعل كقوله تعالى: "والذي أطمع أن يغفر لي". وقولك أرجو أن تحسن إلي وأخاف أن تسيء إلي. وما فية وجهان كظننت وحسبت وخلت فهو داخل عليهما جميعاً تقول ظننت أن تخرج وأن ستخرج وأنك تخرج وقريء قوله تعالى: " وحسبوا ألا تكون فتنة". بالرفع والنصب.

معنى آخر لأن وإن:

وتخرج إن المكسورة إلى المعنى أجل. قال:

ك وقد كبرت فقلت إنه

ويقلن شيب قـد عـلا

وفي حديث عبد الله بن الزبير إن راكبها. وتخرج المفتوحة إلى معنى لعل كقولهم أئت السوق تشتري لحماً. وتبدل قيس وتميم همزتها عيناً فتقول أشهد عن محمداً رسول الله.

لكنَّ:

هي للإستدراك لتوسطها بين كلامين متغايرين نفياً وإيجاباً، فيستدرك بها النفي بالإيجاب بالنفي وذلك قولك: ما جاءني زيد لكن عمراً جاءني، وجاءني زيد لكن عمراً لم يجيء.

والتغاير في المعنى بمنزلته في اللفظ كقولك: فارقني زيد لكن عمراً حاضر، وجاءني زيد لكن عمراً غائب، وقوله عز وجل: "ولو أراكهم كثيراً لفشلتم ولتنازعتم في الأمر ولكن الله سلم"، على معنى النفي وتضمن ما أراكهم كثيراً.

وتخفف فيبطل عملها كما يبطل عمل إن وأن، وتقع في حروف العطف على ما سيجيء بيانها إن شاء الله تعالى.

كأن:

هي للتشبيه، ركبت الكاف مع أن كما ركبت مع ذا وأي في كذا وكأين. وأصل قولك كأن زيد الأسد أن زيداً كالأسد، فلما قدمت الكاف فتحت لها الهمزة لفظاً والمعنى على الكسر، والفصل بينه وبين الأصل إنك ههنا بان كلامك على التشبيه من أول الأمر، وثم بعد مضي صدره على الإثبات.

وتخفف فيبطل عملها قال:

كأن ثدياه حقـان

ونحر مشرق اللون

ومنهم من يعملها قال:

كأن وريديه رشاء خلب

وفي قوله:

كأن ظبية تعطو إلى وارق السلم

ثلاثة أوجه الرفع والنصب والجر على زيادة أن.

ليت:

ليت هي للتمني كقوله تعالى: "ياليتنا نرد" ويجوز عند الفراء أن تجري مجرى أتمنى فيقال ليت زيداً قائماً كما يقال أتمنى زيداً قائماً والكسائي يجيز ذلك على إضمار كأن والذي غرهما منها قول الشاعر:

يا ليت أيام الصبا رواجعا

وقد ذكرت ما هو عليه عند البصريين.

وتقول ليت أن زيداً خارج وتسكت كما تسكت على ظننت أن زيداً خارج.

لعل:

هي لتوقع مرجو أو مخوف، وقوله عز وجل: "لعل الساعة قريب" و "لعلكم تفلحون" ترج للعبادة، وكذلك قوله عز وجل: "لعله يتذكر أو يخشى"، ومعناه اذهبا أنتما على رجائكما ذلك من فرعون. وقد لمح فيها معنى التمني من قرأ فأطلع بالنصب. وهي في حرف عاصم.

وقد أجاز الأخفش لعل أن زيداً قائم. قاسها على بيت وقد جاء في الشعر:

عليك من اللائي يدعنك أجدعا

لعلك يوماً أن تـلـم مـلـمة

قياساً على عسى.

وفيها لغات لعل وعل وعن وإن ولأن ولعن ولغن. وعن أبي العباس أن أصلها عل زيدت عليها لام الإبتداء.

الباب الثالث

حروف العطف

معنى العطف

العطف على ضربين: عطف مفرد وعطف جملة على جملة. وله عشرة أحرف: فالواو والفاء وثم وحتى أربعتها على جمع المعطوف والمعطوف عليه في حكم، تقول جاء بي زيد وعمرو، وزيد يقوم ويقعد، وبكر قاعد وأخوه قائم، وأقام بشر وسافر خالد. فتجمع بين الرجلين في المجيء، وبين الفعلين في إسنادهما إلى زيد، وبين مضموني الجملتين في الحصول. وكذلك ضربت زيداً فعمراً، وذهب عبد الله ثم أخوه، ورأيت القوم حتى زيداً. ثم إنها تفترق بعد ذلك.

الواو:

فالواو للجمع المطلق من غير أن يكون المبدوء به داخلاً في الحكم قبل الآخر، ولا أن يجتمعا في وقت واحد، بل الأمران جائزان، وجائز عكسهما؛ نحو قولك جاءني زيد اليوم وعمرو أمس، واختصم بكر وخالد، وسيان قعودك وقيامك، وقال الله تعالى: "وادخلوا الباب سجداً وقولوا حطة"، وقال: " وقولوا حطة وادخلوا الباب سجداً" والقصة واحدة. وقال سيبويه ولم تجعل للرجل منزلة بتقديمك إياه يكون أولى بها من الحمار كأنك قلت مررت بهما.

الفاء وثم:

والفاء وثم وحتى تقتضي الترتيب، إلا أن الفاء توجب وجود الثاني بعد الأول بغير مهلة، وثم توجبه بمهلة. ولذلك قال سيبويه مررت برجل ثم امرأة، فالمرور ههنا مروران، ونحو قوله تعالى: "وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا"، وقوله: "وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى". محمول على أنه لما أهلكها حكم بأن البأس جاءها، وعلى دوام الإهتداء وثباته.

حتى:

الواجب فيها أن يكون ما يعطف بها جزءاً من المعطوف عليه إما أفضله كقولك مات الناس حتى الأنبياء أو دونه كقولك قدم الحجاج حتى المشاة.

أو، إما، أم،:

ثلاثتها لتعليق الحكم بأحد المذكورين، إلا أن أو وإما يقعان في الخبر والأمر والإستفهام نحو قولك جاءني زيد أو عمرو، وجاءني إما زيد وإما عمرو، واضرب رأسه أو ظهره، واضرب إما رأسه وإما ظهره، وألقيت عبد الله أو أخاه؟ وأم لا يقع إلا في الإستفهام إذا كانت متصلة، والمنقطعة تقع في الخبر أيضاً. تقول في الإستفهام أزيد عندك أم عمرو؟ وفي الخبر إنها لإبل أم شاء.

الفرق بين أو وأمّ:

والفصل بين أو وأم في قولك أزيد عندك أو عمرو؟ وأزيد عندك أم عمرو؟ وأنك في الأول لا تعلم كون أحدهما عنده فأنت تسأل عنه، وفي الثاني تعلم أن أحدهما عنده إلا أنك لا تعلمه بعينه فأنت تطالبه بالتعيين.

معنى أو وإما:

ويقال في أو وإما في الخبر أنهما للشك، وفي الأمر أنهما للتخبير والإباحة. فالتخيير كقولك أضرب زيداً أو عمراً، وخذ إما هذا وإما ذلك. والإباحة كقولك: جالس الحسن أو ابن سيرين، وتعلم إما الفقه وإما النحو.

الفرق بين أو وإما:

وبين أو وإما من الفصل إنك مع أو يمضي أول كلامك على اليقين ثم يعترضه الشك، ومع إما كلامك من أوله مبني على الشك. ولم يعد الشيخ أبو علي الفارسي إما في حروف العطف لدخول العاطف عليها ووقوعها قبل المعطوف عليه.

لا، بل، لكن:

أخوات في أن المعطوف بها مخالف للمعطوف عليه. فلا تنفي ما وجب للأول كقولك: جاءني زيد لا عمرو. وبل للإضراب عن الأول منفياً أو موجباً كقولك: جاءني زيد بل عمرو وما جاءني بكر بل خالد. ولكن إذا عطف بها مفرد على مثله كانت للإستدراك بعد النفي خاصة كقولك: ما رأين زيداً لكن عمراً. وأما في عطف الجملتين فنظيرة بل في مجيئها بعد النفي والإيجاب. تقول جاءني زيد لكن عمرو لم يجيء، وما جاءني زيد لكن عمرو قد جاء.

حروف النفي

وهي ما ولا ولم ولما ولن وإن فما لنفي الحال في قولك ما يفعل وما زيد منطلق أو منطلقاً على اللغتين ولنفي الماضي المقرب من الحال في قولك ما فعل قال سيبويه أما ما فهي نفي لقول القائل هو يفعل إذا كان في فعل الحال وإذا قال لقد فعل فإن نفيه ما فعل فكأنه قيل والله ما فعل.

ولا لنفي المستقبل في قولك لا يفعل قال سيبويه وأما لا فتكون نفياً لقول القائل هو يفعل ولم يقع الفعل وقد نفي بها الماضي في قوله تعالى: "فلا صدق ولا صلى". وقوله:

فأي أمر سيء لا فعله

وتنفي بها نفياً عاماً في قولك: لا رجل في الدار وغير عام في قولك: لا رجل في الدار ولا امرأة ولا زيد في الدار ولا عمرو. ولنفي الأمر في قولك لا نفعل ويسمى النهي والدعاء في قولك لا رعاك الله.

ولم ولما لقلب معنى المضارع إلى الماضي ونفيه إلا أن بينهما فرقاً وهو أن لم يفعل نفي الفعل ولما يفعل نفي قد فعل وهي لم ضمت إليها ما فازدادت في معناها أن تضمنت معنى التوقع والإنتظار واستطال زمان فعلها ألا ترى أنك تقول ندم ولم ينفعه الندم أي عقيب ندمه وإذا قلته بلما كان على معنى أن لم ينفعه إلى وقته ويسكت عليها دون أختها في قولك خرجت ولما أي ولما يخرج كما تسكت على قد في وكأن قد.

ولم لتأكيد ما تعطيه لا من نفي المستقبل تقول لا أبرح اليوم مكاني فإذا وكدت وشددت قلت لن أبرح اليوم مكاني قال الله تعالى: "لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين" وقال تعالى: "فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي". وقال الخليل أصلها لا أن فخففت بالحذف وقال الفراء نونها مبدلة من ألف لا وهي عند سيبويه حرف برأسه وهو الصحيح.

وإن بمنزلة ما في نفي الحال وتدخل على الجملتين الفعلية والإسمية كقولك: إن يقوم زيد وإن قائم قال الله تعالى: "إن كانت إلا صيحة واحدة" وقال تعالى: "إن تتبعون إلا الظن". وقال عز وجل: "إن الحكم لله". ولا يجوز إعمالها عمل ليس عند سيبويه وأجازه المبرد.

الباب الرابع

حروف التنبيه

ألفاظها ها، ألا، أما

وهي ها وألا وأما. تقول ها أن زيداً منطلق، وها أفعل كذا، وألا إن عمراً بالباب، وأما إنك خارج، وألا لا تفعل كذا، وأما والله لأفعلن، قال النابغة:

فإن صاحبها قد تاه في البلـد

ها أن تا عذرة إن لم تكن نفعت

وقال:

فقلت لهم هذا لها ها وذا لـيا

ونحن اقتسمنا المال نصفين بيننا

وقال:

ألا يا أصبحاني قبل غارة سنجال

وقال:

أمات وأحيا والذي أمره الأمر

أما والذي أبكى وأضحك والذي

دخولها على أسماء الشرط والضمائر

وأكثر ما تدخل ها على أسماء الإشارة والضمائر كقولك هذا وهذه وها أنا ذا وها هو وها أنت ذا وها هي ذه وما أشبه ذلك.

حذف الألف من أما:

ويحذفون الألف من أما فيقولون أم والله وفي كلام هجرس بن كليب أم وسيفي وزريه، ورمحي ونصليه، وفرسي وأذنيه، لا يدع الرجل قاتل أبيه، وهو ينظر إليه، ويبدل بعضهم من همزته هاء فيقول هما والله وهم والله وبعضهم عيناً فيقول عما والله وعم والله.

الباب الخامس

حروف النداء

ألفاظها

وهي يا وايا وهيا وأي والهمزة ووا. فالثلاثة الأول لنداء البعيد أو من هو بمنزلته من نائم أو ساه، فإذا نودي بها من عداهم فلحرص المنادى على إقبال المدعو عليه ومفاطنته لما يدعوه له. وأي الهمزة للقريب. ووا للندبة خاصة.

وقول الداعي: يا رب ويا ألله، استقصار منه لنفسه، وهضم لها واستبعاد عن مظان القبول والإستماع، وإظهار للرغبة في الإستجابة بالجؤار.

الباب السادس

حروف التصديق والإيجاب

عددها

نعم وبلى وأجل وجير وأي وإن.

نعم

فأما نعم فمصدقة لما سبقها من كلام منفي أو مثبت. تقول إذا قال قام زيد أو لم يقم: نعم تصديقاً لقوله فكذلك إذا وقع الكلامان بعد حرف الإستفهام إذا قال: أقام زيد أو ألم يقم؟ فقلت: نعم. فقد حققت ما بعد الهمزة.

بلى:

وبلى إيجاب لما بعد النفي. تقول لمن قال لم يقم زيداً أو ألم يقم؟ بلى. قد قام وقال الله تعالى: "بلى قادرين". أي نجمعهما.

أجل

وأجل لا يصدق بها إلا في الخبر خاصة يقول القائل قد أتاك زيد فتقول أجل. ولا تستعمل في جواب الإستفهام.

جير:

وجير نحوها بكسر الراء، وقد تفتح. قال:

أجل جير أن كانت أبيحت دعاثره

وقلن على الفردوس أول مشرب

ويقال جير لأفعلن بمعنى حقاً.

إن:

وإن كذلك أيضاً. قال:

ك وقد كبرت فقلت إنه

ويقلن شيب قـد عـلا

أي:

وأي لا تستعمل إلا مع القسم، إذا قال لك المستخبر هل كان كذا؟ قلت أي والله، وأي والله، وأي لعمري، وأي ها الله ذا.

وكنانة تكسر العين من نعم. وفي قراءة عمر بن الخطاب وابن مسعود رضي الله عنهما قال نعم. وحكى أن عمر سأل قوماً عن شيء فقالوا نعم بالفتح، فقال إنما النعم الإبل، فقالوا نعم. وعن النضير بن شميل أن نحم بالحاء لغة ناس من العرب.

وفي أي والله ثلاثة أوجه: فتح الياء، وتسكينها، والجمع بين ساكنين هي ولام التعريف المدمغة وحذفها.

الباب السابع

حروف الاستثناء

وهي إلا وحاشى وعدا وخلا في بعض اللغات.

الباب الثامن

حرفا الخطاب

وهما الكاف والتاء اللاحقتان علامة للخطاب في نحو ذاك وذلك وأولئك وهناك وهاك وحيهلك والنجاك ورويدك ورأيتك وإياك وفي أنتَ وأنتِ.

وتلحقهما التثنية والجمع والتذكير والتأنيث كما تلحق الضمائر. قال الله تعالى: "ذلكما مما علمني ربي"، وقال: "ذلكم خير لكم"، وقال: "فذلكن الذي لمتنني فيه" وقال "أن تلكما الجنة" وقال "وأولئك جعلنا لكم" وقال "كذلك قال ربك". وتقول أنتما وأنتم وأنتن.

ونظير الكاف الهاء والياء وتثنيتهما، وجمعهما، في إياه وإياي على مذهب أبي الحسن.

الباب التاسع

حروف الصلة

ألفاظها

إن وأن وما ولا ومن والباء.

إن، وأن: في نحو قولك: ما أن رأيت زيداً. والأصل ما رأيت زيداً. ودخول أن صلة أكدت معنى النفي. قال دريد:

كاليوم هانيء أينق جرب

ما إن رأيت ولا سمعت به

وعند الفراء إنهما حرفا نفي ترادفا كترادف حرفي التوكيد في أن زيداً لقائم. وقد يقال انتظرني ما أن جلس القاضي، أي ما جلس بمعنى مدة جلوسه.

وتقول في زيادة أن لما أن جاء أكرمته وأما والله أن لو قمت لقمت.

ما:

وغضبت من غير ما جرم، وجئت لأمر ما، وإنما زيد منطلق، وأينما تجلس أجلس، وبعين ما أرينك، وقال تعالى: "فبما نقضهم ميثاقهم"، وقال تعالى: "فبما رحمة من الله لنت لهم"، وقال تعالى: "عما قليل"، وقال تعالى: "أيما الأجلبن قضيت"، وقال: "وإذا ما أنزلت سورة"، وقال: "مثل ما أنكم تنطقون".

لا:

وقال تعالى: "لئلا يعلم أهل الكتاب". أي لأن يعلم أهل الكتاب، وقال تعالى: "فلا أقسم بمواقع النجوم". وقال العجاج:

في بئر لا حور سرى وما شعر

ومنه ما جاءني زيد ولا عمرو، وقال الله تعالى: "لم يكن الله ليغفر لهم ولا يهديهم"، وقال الله تعالى: "ولا تستوي الحسنة ولا السيئة".

من:

وتزاد من عند سيبويه في النفي خاصة لتأكيده وعمومه، وذلك نحو قوله تعالى: "ما جاءنا من بشير ولا نذير". والإستفهام كالنفي قال الله تعالى: "هل من مزيد". وقال تعالى: "هل من خالق غير الله". وعن الأخفش زيادته في الإيجاب.

الباء:

وزيادة الباء لتأكيد النفي والإيجاب في نحو ما زيد بقائم. وقالوا بحسبك درهم، وكفى بالله.

الباب العاشر

حرفا التفسير

وهما أي وأن.

أي المفسرة: تقول في نحو قوله تعالى: "واختار موسى قومه". أي من قومه كأنك قلت: تفسيره من قومه، أو معناه من قومه. قال الشاعر:

وتقلينني لكـن إياك لا أقـلـي

وترمينني بالطرف أي أنت مذنب

أن المفسرة:

وأما أن المفسرة فلا تأتي إلا بعد فعل في معنى القول كقولك ناديته أن قم، وأمرته أن أقعد، وكتبت إليه أن أرجع. وبذلك فسر قوله عز وجل: "وانطلق الملأ منهم أن امشوا"، وقوله تعالى: "وناديناه أن يا إبراهيم".

الباب الحادي عشر

الحرفان المصدريان

ما، أن:

وهما ما إن في قولك أعجبني ما صنعت وما تصنع، أي صنيعك. وقال الله تعالى: "وضاقت عليهم الأرض بما رحبت" أي برحبها. وقد فسر به قوله عز وجل: "والسماء وما يناها". وقال الشاعر:

وكان ذهابهن له ذهـابـا

يسر المرء ما ذهب الليالي

وتقول: بلغني أن جاء عمرو، وأريد أن تفعل، وأنه أهل أن يفعل، أي أهل الفعل وقال الله تعالى: "فما كان جواب قومه إلا أن قالوا".

وبعض العرب يرفع الفعل بعد أن تشبيها بما قال الشاعر:

مني السلام وأن لا تشعرا أحدا

أن تقرآن على أسماء ويحكمـا

وعن مجاهد أن يتم الرضاعة بالرفع.

الباب الثاني عشر

حروف التحضيض

ألفاظها

وهي لولا ولوما وهلا وألا. تقول: لولا فعلت كذا، ولوما ضربت زيداً، وهلا مررت به، وألا قمت تريد استبطاء وحثه على الفعل.

دخولها على فعل ماض أو مستقبل:

ولا تدخل إلا على فعل ماض أو مستقبل قال الله تعالى: "لولا أخرتني إلى أجل قريب"، وقال الله تعالى: "لو ما تأتينا بالملائكة"، وقال تعالى: "فلولا أن كنتم غير مدينين ترجعونها". دخل لولا على ترجعونها.

إضمار الفعل بعدها:

وإن وقع بعدها اسم منصوب أو مرفوع كان بإضمار رافع أو ناصب كقولك لمن ضرب قوماً: لولا زيد أي لولا ضربته. قال سيبويه وتقول لولا خيراً من ذلك، وهلا خيراً من ذلك، أي هلا تفعل خيراً من ذلك، قال ويجوز رفعه على معنى هلا كان منك خير من ذلك. وقال جرير:

بني ضوطرى لولا الكمي المقنعا

تعدون عقر النيب أفضل مجدكـم

معنى آخر للولا ولوما:

وللولا ولوما معنى آخر وهو امتناع الشيء لوجود غيره. وهما في هذا الوجه داخلتان على اسم مبتدأ كقولك لولا علي لهلك عمر.

الباب الثالث عشر

حرف التقريب

قد للتحقيق والتقريب

قد تقرب الماضي من الحال إذا قلت قد فعل، ومنه قول المؤذن قد قامت الصلاة لا بد فيه من معنى التوقع. قال سيبويه وأما قد فجواب هل فعل؟ وقال ايضاً: فجواب لما يفعل. وقال الخليل هذا الكلام لقوم ينتظرون الخبر.

قد للتقليل:

وتكون للتقليل بمنزلة ربما إذا دخلت على المضارع كقولهم أن الكذوب قد يصدق.

حذف الفعل بعدها:

ويجوز الفصل بينه وبين الفعل بالقسم كقولك: قد والله أحسنت، وقد لعمري بت ساهراً. ويجوز طرح الفعل بعدها إذا فهم كقوله:

لما تزل برحالنا وكأن قد

أفد الترحل غير أن ركابننا

الباب الرابع عشر

حروف الاستقبال

ألفاظها

وهي سوف والسين وأن ولا ولن. قال الخليل أن سيفعل جواب لن يفعل، كما أن يفعل جواب لا يفعل، لما في لا يفعل في اقتضاء القسم.

وفي سوف دلالة على زيادة تنفيس، ومنه سوفته كما قيل من آمين أمن.

وأن تدخل على المضارع والماضي فيكونان معه في تأويل المصدر. وإذا دخل على المضارع لم يكن إلا مستقبلاً كقولك أريد أن تخرج، ومن ثم لم يكن منها بد في خبر عسى. ولما انحرف الشاعر في قوله:

ستطفيء غلات الكلى والجوانح

عسى طيء من طيء بعد هـذه

عما عليه الإستعمال جاء بالسين التي هي نظيرة أن.

وهي مع فعلها ماضياً أو مضارعاً بمنزلة أن مع ما في حيزها.

وتميم وأسد يحولون همزتها عيناً فينشدون بيت ذي الرمة:

أأن ترسمت من خرقاء منزلة

أعن ترسمت، وهي عنعنة بني تميم.

وقد مر الكلام في لا ولن.

الباب الخامس عشر

حرفا الاستفهام

الهمزة، هل:

وهما الهمزة وهل في نحو قولك أزيد قائم؟ وأقام زيد؟ وهل عمرو خارج؟ وهل خرج عمرو؟ والهمزة أعم تصرفاً في بابها من أختها. تقول أزيد عندك أم عمرو. وأزيداً ضربت؟ وأتضرب زيداً وهو أخوك؟ وتقول لمن قال لك مررت بزيد: أبزيد، وتوقعها قبل الواو والفاء وثم. قال الله تعالى: "أو كلما عاهدوا عهداً"، وقال: "أفمن كان على بيته من ربه"، وقال تعالى: "أثم إذا ما وقع". ولا تقع هل في هذه المواضع.

وعند سيبويه أن هل بمعنى قد إلا أنهم تركوا الألف قبلها لأنها لا تقع إلا في الإستفهام. وقد جاء دخولها في قوله:

أهل روانا بسفح القاع ذي الأكم

سائل فوارس يربوع بشـدتـنـا

وتحذف الهمزة إذا دل عليها الدليل قال عمر بن أبي ربيعة:

بسبع رمين الجمر أم بثـمـان

لعمرك ما أدري وإن كنت داريا

وللإستفهام صدر الكلام لا يجوز تقدم شيء مما في حيزه عليه لا تقول ضربت أزيداً وما أشبه ذلك.

الباب السادس عشر

الشرط

حرفا الشرط:

وهما إن ولو يدخلان على جملتين فيجعلان الأولى شرطاً والثانية جزاء كقولك: إن تضربني أضربك، ولو جئتني لأكرمتك خلا أن إن تجعل الفعل للإستقبال وإن كان ماضياً ولو تجعله للمضي وإن كان مستقبلاً كقوله تعالى: "لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم". وزعم الفراء أن لو يستعمل في الإستقبال كإن.

فعلا الشرط والجزاء:

ولا يخلو الفعلان في باب إن من أن يكونا مضارعين، أو ماضيين، أو أحدهما مضارعاً والآخر ماضياً. فإذا كانا مضارعين فليس فيهما إلا الجزم، وكذلك في أحدهما إذا وقع شرطاً، فإذا وقع جزاء ففيه الجزم والرفع. قال زهير:

يقول لا غائب مالي ولا حرم

وإن أتاه خليل يوم مـسـألة

دخول فاء الربط على فعل الجزاء:

وإن كان الجزاء أمراً، أو نهياً، أو ماضياً صريحاً، أو مبتدأ وخبراً، فلا بد من الفاء كقولك: إن أتاك زيد فأكرمه، وإن ضربك فلا تضربه، وإن أكرمتني اليوم فقد أكرمتك أمس، وإن جئتني فأنت مكرم. وقد تجيء الفاء محذوفة في الشذوذ كقوله:

من يفعل الحسنات الله يشكرها

ويقام إذا مقام الفاء قال الله تعالى: "إذا هم يقطنون".

استعمال إن في المعاني المشكوك فيها:

ولا يستعمل إن إلا في المعاني المحتملة المشكوك في كونها ولذلك قبح إن احمر البسر كان كذا، وإن طلعت الشمس آتك إلا في اليوم المغيم.

وتقول إن مات فلان كان كذا، وإن كان موته لا شبهة فيه إلا أن وقته غير معلوم فهو الذي حسن فيه.

زيادة ما على إن:

وتجيء إن مع زيادة ما في آخرها للتأكيد قال الله تعالى: "فإما يأتينكم مني هدى". وقال:

فإما تريني أزجي ظعينتي

وجوب تقدم الشرط:

والشرط كالإستفهام في أن شيئاً مما في حيزه لا يتقدمه. ونحو قولك آتيك إن تأتني، وقد سألتك لو أعطيتني، ليس ما تقدم فيه جزاء مقدماً، ولكن كلاماً وارداً على سبيل الإخبار. والجزاء محذوف وحذف جواب لو كثير في القرآن والشعر.

وجوب مجيء الفعل بعد إن:

ولا بد من أن يليهما الفعل ونحو قوله تعالى: "قل لو أنتم تملكون" وقوله: "وإن امرؤ هلك" على إضمار فعل يفسره هذا الظاهر. ولذلك لم يجز لو زيد ذاهب، ولا إن عمرو خارج. ولطلبهما الفعل وجب في أن الواقعة بعد لو أن يكون خبرها فعلاً كقولك: لو أن زيداً جاءني لأكرمته وقال الله تعالى: "ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به". ولو قلت لو أن زيداً حاضري لأكرمته لم يجز.

لو قد تجيء للتمني:

وقد تجيء لو بمعنى التمني كقولك: لو تأتيني فتحدثني، كما تقول: ليتك تأتيني فتحدثني. ويجوز في فتحدثني النصب والرفع وقال الله تعالى: "ودوا لو تدهن فيدهنون". وفي بعض المصاحف فيدهنوا.

أما لها معنى الشرط:

وأما فيها معنى الشرك. قال سيبويه إذا قلت أما زيد فمنطلق فكأنك قلت مهما يكن من شيء فزيد منطلق، ألا يرى أن الفاء لازمة لها.

إذن:

وإذن جواب وجزاء. يقول الرجل: أنا آتيك، فتقول: إذن أكرمك. فهذا الكلام قد أجبته به وصيرت إكرامك جزاء له على إتيانه. وقال الزجاج: تأويلها إن كان الأمر كما ذكرت فإني أكرمك. وإنما تعمل إذن في فعل مستقبل غير معتمد على شيء قبلها كقولك لمن قال لك أنا أكرمك: إذن أجيئك. فإن حدث فقلت إذن أخالك كاذباً ألغيتها لأن الفعل للحال. وكذلك إن اعتمدت بها على مبتدأ أو شرط أو قسم فقلت: أنا إذن أكرمك، وإن تأتني إذن آتك، ووالله إذن لا أفعل. وقال كثير:

وأمكنني إذن لا أقـيلـهـا

لئن عاد لي عبد العزيز بمثلها

وإذا وقعت بين الفاء والواو وبين الفعل ففيها الوجهان قال الله تعالى: "وإذن لا يلبثون" وقريء لا يلبثوا. وفي قولك أن تأتني آتك وإذن أكرمك ثلاثة أوجه الجزم والرفع والنصب.

الباب السابع عشر

حرف التعليل

كي:

يقول القائل: قصدت فلاناً، فتقول له كيمه؟ فيقول: كي يحسن إلي. وكيمه مثل فيمه وعمه ولمه، دخل حرف الجر على ما الإستفهامية محذوفاً ألفها ولحقت هاء السكت. واختلف في إعرابها، فهي عند البصريين مجرورة، وعند الكوفيين منصوبة بفعل مضمر، كأنك قلت: كي تفعل ماذا. وما أرى هذا القول بعيداً من الصواب.

وانتصاب الفعل بعد كي إما أن يكون بها نفسها أو بإضمار أن. وإذا دخلت اللام فقلت لكي تفعل فهي العاملة كأنك قلت لأن تفعل.

وقد جاءت كي مظهرة بعدها أن في قول جميل:

لسانك كيما أن تغر وتخـدعـا

فقالت أكل الناس أصبحت مانحاً

الباب الثامن عشر

حرف الردع

كلا:

وهو كلا. قال سيبويه: هو ردع وزجر. وقال الزجاج كلا ردع وتنبيه، وذلك قولك: كلا لمن قال شيئاً تنكره نحو فلان يبغضك وشبهه أي ارتدع عن هذا وتنبه عن الخطأ فيه. قال الله تعالى بعد قوله: "ربي أهانني كلا". أي ليس الأمر كذلك لأنه قد يوسع في الدنيا على من لا يكرمه من الكفار وقد يضيق على الأنبياء والصالحين للإستصلاح.

الباب التاسع عشر

اللامات

وهي لام التعريف، ولام جواب القسم، واللام الموطئة، ولام جواب لو ولولا، ولام الأمر، ولام الإبتداء، واللام الفارقة بين أن المخففة والنافية.

لام التعريف:

فأما لام التعريف فهي اللام الساكنة التي تدخل على الأسم المنكور فتعرفه تعريف جنس كقولك: أهلك الناس الدينار والدرهم، والرجل خير من المرأة، أي هذان الحجران المعروفان من بين سائر الأحجار وهذا الجنس من الحيوان من بين سائر أجناسه. أو تعريف عهد كقولك: ما فعل الرجل، وأنفقت الدرهم لرجل ودرهم معهودين بينك وبين مخاطبك. وهذه اللام وحدها هي حرف التعريف عند سيبويه، والهمزة قبلها همزة وصل مجلوبة للإبتداء بها كهمزة ابن واسم. وعند الخليل إن حرف التعريف أل كهل وبل وإنما استمر بها التخفيف للكثرة. وأهل اليمن يجعلون مكانها الميم، ومنه: ليس من أمبر امصيام في امسفر. وقال:

يرمي ورائي بإمسهم وإمسلمه

لام جواب القسم:

ولام جواب القسم نحو قولك: والله لأفعلن. وتدخل على الماضي كقولك: والله لكذب. وقال امرؤ القيس:

لناموا فما إن من حديث ولا صالي

حلفت لها باللـه حـلـفة فـاجـر

والأكثر أن تدخل عليه مع قد كقولك والله لقد خرج.

اللام الموطئة للقسم:

والموطئة للقسم هي التي في قولك: والله لئن أكرمتني لأكرمنك.

لام جواب لو ولولا:

ولام جواب لو ولولا نحو قوله تعالى: "لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا"، وقوله تعالى: "ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان". ودخولها لتأكيد إرتباط إحدى الجملتين بالأخرى. ويجوز حذفها كقوله تعالى: "لو نشاء لجعلناه أجاجا". ويجوز حذف الجواب أصلاً كقولك لو كان لي مال وتسكت، أي لأنفقت وفعلت. ومنه قوله تعالى: "ولو أن قرآناً سيرت به الجبال"، وقوله تعالى: "لو أن لي بكم قوة".

لام الأمر:

ولام الأمر نحو قولك: ليفعل زيد. وهي مكسورة ويجوز تسكينها عند واو العطف وفائه كقوله تعالى: "فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي". وقد جاء حذفها في ضرورة الشعر، قال:

إذا ما خفت من أمر تبالا

محمد تفد نفسك كل نفس

لام الإبتداء:

ولام الإبتداء هي الام المفتوحة في قولك لزيد منطلق. ولا تدخل إلا على الإسم والفعل المضارع كقوله عز وجل: "لأنتم أشد رهبة" و"إن ربك ليحكم بينهم". وفائدتها تأكيد مضمون الجملة. ويجوز عندنا إن زيداً لسوف يقوم ولا يجوزه الكوفيون.

اللام الفارقة:

وللام الفارقة في نحو قوله تعالى: "إن كل نفس لما عليها حافظ" وقوله تعالى: "وإن كنا عن دراستهم لغافلين". وهي لازمة لخبر إن إذا خففت.

لام الجر:

ولام الجر كقولك المال لزيد، وجئتك لتكرمني، لأن الفعل المنصوب بإضمار أن في تأويل المصدر المجرور والتقدير لاكرامك.

الباب العشرون

تاء التأنيث الساكنة

وهي التاء في نحو ضربت. ودخولها للإيذان من أول الأمر بأن الفاعل مؤنث. وحقها السكون ولتحركها في رمتا لم ترد الألف الساقطة لكونها عارضة، إلا في لغة رديه يقول أهلها رماتا.

الباب الحادي والعشرون

التنوين

أنواعه الخمسة:

وهو على خمسة أضرب: الدال على المكانة في نحو زيد ورجل، والفاصل بين المعرفة والنكرة في نحو صه ومه وايه، والعوض من المضاف إليه في نحو إذ وحينئذ ومررت بكل قائماً ولات أوان، والنائب مناب حرف الإطلاق في إنشاد بني تميم في نحو قول جرير:

وقولي ان أصبت لقد أصابن

أقلي اللوم عاذل والعتـابـن

والتنوين الغالي في نحو قول رؤبة:

وقاتم الأعماق خاوي المخترقن

ولا يلحق إلا القافية المقيدة.

إلتقاء الساكنين:

والتنوين ساكن أبداً إلا أن يلاقي ساكناً فيكسر أو يضم كقوله تعالى: "وعذابن أركض" وقد قرىء بالضم. وقد يحذف كقوله:

ولا ذاكر الله إلا قليلاً

فألفيته غير مستعتـب

وقرىء: "قل هو الله أحد الله الصمد".

الباب الثاني والعشرون

النون المؤكدة

هذه النون نوعان:

وهي على ضربين: ثقيلة وخفيفة. فالخفيفة تقع في جميع مواضع الثقيلة إلا في فعل الإثنين وفعل جماعة المؤنث تقول: اضربَنَّ واضربُنَّ واضربَنْ واضربُنْ واضربِنْ. وتقول اضربان واضربنان ولا تقول اضربان ولا أضربنان إلا عند يونس.

النون لتأكيد المستقبل:

ولا يؤكد بها إلا الفعل المستقبل الذي فيه معنى الطلب وذلك فيما كان قسماً أو أمراً أو نهياً أو استفهاماً أو عرضاً أو تمنياً كقولك: بالله لأفعلن، وأقسمت عليك إلا تفعلن، ولما تفعلن واضربن، ولا تخرجن، وهل تذهبين، وإلا تنزلن، وليتك تخرجن.

ولا يؤكد بها الماضي ولا الحال ولا ما ليس فيه معنى الطلب. وأما قولهم في الجزاء المؤكد حرفه بما: إما تفعلن قال الله تعالى: "فإما ترين من البشر أحداً فقولي". وقال: "فإما نذهبن بك". فلتشبيه ما بلام القسم في كونها مؤكدة. وكذلك قولهم: حيثما تكونن آتك ويجهد ما تبلغن وبعين ما أرينك. فإن دخلت في الجزاء بغير ما ففي الشعر تشببهاً للجزاء بالنهي. ومن التشبيه بالنهي دخولها في النفي وفيما يقاربه من قولهم: ربما تقولن ذاك، وكثر ما يقولن ذاك. قال عمرو بن هند:

ترفعن ثوبي شمالات

ربما أوفيت في علـم

حذف النون المؤكدة:

وطرح هذه النون سائغ في كل موضع إلا في القسم فإنه فيه ضعيف، وذلك قولك: والله ليقوم زيد.

وإذا لقي الخفيفة ساكن بعدها حذفت حذفاً ولم تحرك كما حرك التنوين فتقول: لا تضرب ابنك. وقال:

تركع يوماً والدهر قد رفعه

لا تهين الفقـير عـلـك أن

أي لا تهينن.

الباب الثالث والعشرون

هاء السكت

هاء السكت للوقف:

وهي التي في نحو قوله تعالى: "ما أغنى عني ماليه هلك عني سلطانيه". وهي مختصة بحال الوقف، فإذا أدرجت قلت مالي هلك سلطاني خذوه. وكل متحرك ليست حركته إعرابية يجوز عليه الوقف بالهاء نحو: ثمة وليته وكيفه وأنه وحيهله وما أشبه ذلك.

هاء السكت يجب أن تكون ساكنة:

وحقها أن تكون ساكنة، وتحريكها لحن ونحو ما في إصلاح ابن السكيت من قوله:

يا مرحباه بحمار عفرا

و: يا مرحباه بحمار ناجيه

مما لا معرج عليه للقياس واستعمال الفصحاء، ومعذرة من قال ذلك أنه أجرى الوصل مجرى الوقف مع تشبيه هاء السكت بهاء الضمير.

الباب الرابع والعشرون

شين الوقف

وهي شين التي تلحقها بكاف المؤنث إذا وقف من يقول: اكرمتكش، ومررت بكش. وتسمى الكشكشة. وهي في تميم. والكسكسة في بكر، وهي الحاقهم بكاف المؤنث سيناً. وعن معاوية أنه قال يوماً: من أفصح الناس؟ فقام رجل من جرم، وجرم من فصحاء الناس فقال: قوم تباعدوا عن فراتية العراق، وتيامنوا عن كشكشة تميم، وتياسروا عن كسكسة بكر، ليست فيهم غمغمة قضاعة، ولا طمطمانية حمير. قال معاوية: فمن هم؟ قال. قومي.

الباب الخامس والعشرون

حرف الإنكار

حده:

وهو زيادة تلحق الآخر في الإستفهام على طريقين: أحدهما أن تلحق وحدها بلا فاصل كقولك أزيدنيه. والثاني أن تفصل بينها وبين الحرف الذي قبلها إن مزيدة كالتي في قولهم: ما إن فعل فيقال أزيدانيه.

لحرف الإنكار معنيان:

ولها معنيان: أحدهما إنكار أن يكون الأمر على ما ذكر المخاطب. والثاني إنكار أن يكون على خلاف ما ذكر كقولك لمن قال قدم زيد: أزيدنيه، منكراً لقدومه أو لخلاف قدومه. وتقول لمن قال غلبني الأمير: آلاميروه. قال الأخفش: :كأنك تهزأ به وتنكر تعجبه من أن يغلبه الأمير. قال سيبويه وسمعنا رجلاً من أهل البادية قيل له أتخرج إن أخصبت البادية فقال أأنا إنيه منكراً لرأيه أن يكون على خلاف أن يخرج.

حركته:

ولا يخلو الحرف الذي تقع بعده من أن يكون متحركاً أو ساكناً. فإن كان متحركاً تبعته في حركته فتكون ألفاً وواواً وياء بعد المفتوح والمضموم والمكسور كقولك في هذا عمر أعمروه، وفي رأيت عثمان أعثماناه وفي مررت بحذام أحذاميه، وإن كان ساكناً حرك بالكسر ثم تبعته كقولك أزيدنيه وأزيدانيه.

وإن أجبت من قال لقيت زيداً وعمراً قلت: أزيداً وعمرنيه، وإذا قال ضربت عمر قلت أضربت عمراه، وإن قال ضربت زيداً الطويل قلت أزيداً الطويلاه فتجعلها في منتهى الكلام.

وتترك هذه الزيادة في حال الدرج فيقال أزيداً يا فتى كما تركت العلامات في من حين قلت من يا فتى.

الباب السادس والعشرون

حرف التذكر

وهو أن يقول الرجل في نحو قال ويقول من العام قالا، فيمد فتحة اللام ويقولو ومن العامي إذا تذكر ولم يرد أن يقطع كلامه.

وهذه الزيادة في اتباع ما قبلها إن كان متحركاً بمنزلة زيادة الإنكار. فإذا سكن حرك بالكسر كما حرك ثمة ثم تبعته. قال سيبويه: سمعناهم يقولون إنه قدي وألي يعني في قد فعل. وفي الألف واللام إذا تذكر الحارث ونحوه. قال وسمعنا من يوثق به يقول هذا سيفني يريد سيف من صفة كيت وكيت.

القسم الرابع:

المشترك

الباب الأول

الإمالة

المشترك نحو الإمالة والوقف وتخفيف الهمزة والتقاء الساكنين ونظائرها مما تتوارد فيه الأضرب الثلاثة أو اثنان منها. وأنا أورد ذلك في هذا القسم على نحو الترتيب المار في الأقسام الثلاثة، معتصماً بحبل التوفيق من ربي بريئاً من الحول والقوة إلا به.

حدها

يشترك فيها الإسم والفعل. وهي أن تنحو بالألف نحو الكسرة، فتميل الألف نحو الياء ليتجانس الصوت، كما أشربت الصاد صوت الزاي لذلك. وسبب ذلك أن تقع بقرب الألف كسرة أو ياء، أو تكون هي منقلبة عن مكسورة أو ياء أو صائرة ياء في موضع، وذلك نحو قولك عماد وشملال وعالم وسيال وشيبان وهاب وخاف وناب ورمى ودعا لقولك دعى ومعزى وحبلى لقولك معزيان وحبليان.

متى تؤثر الكسرة في الإمالة

وإنما تؤثر الكسرة قبل الألف إذا تقدمته بحرف كعماد، أو بحرفين أولهما ساكن كشملال، فإذا تقدمت بحرفين متحركين أو بثلاثة أحرف كقولك أكلت عنباً وفتلت قنباً لم تؤثر. وأما قولهم يريد أن ينزعها ويضربها، وهو عندها، وله درهمان، فشاذ والذي سوغه أن الهاء خفية فلم يعتد بها.

الألف المنفصلة كالمتصلة:

وقد أجروا الألف المنفصلة مجرى المتصلة، والكسرة العارضة مجرى الأصلية، حيث قالوا درست علماً ورأيت زيداً ومررت ببابه وأخذت من ماله.

الألف الآخرة:

والألف الآخرة لا تخلو من أن تكون في اسم أو فعل، وأن تكون ثالثة أو فوق ذلك. فالتي في الفعل تمال كيف كانت، والتي في الإسم إن لم يعرف انقلابها عن الياء لم تمل ثالثة، وتمال الرابعة. وإنما أميلت العلى لقولهم العليا.

والمتوسطة إن كانت في فعل يقال فيه فعلت كطاب وخاف أميلت ولم ينظر إلى ما انقلبت عنه، وإن كانت في اسم نظر إلى ذلك فقيل ناب ولم يقل باب.

وقد أمالوا الألف ممالة قبلها فقالوا رأيت عماداً ومعزانا.

سبعة أحرف تمنع الإمالة

وتمنع الإمالة سبعة أحرف وهي الصاد والضاد والطاء والظاء والغين والخاء والقاف إذا وليت الألف قبلها أو بعدها، إلا في باب رمى وباع فإنك تقول فيهما طاب وخاف وصغى وطغى، وذلك نحو صاعد وعاصم وضامن وعاضد وطائف وعاطس وظالم وعاظل وغائب وواغل وخامد وناخل وقاعد وناقف، أو وقعت بعدها بحرف أو حرفين كناشص ومفاريص وعارض ومعاريض وناشط ومناشيط وباهظ ومواعيظ ونابغ ومباليغ ونافخ ومنافيخ ونافق ومعاليق. وإن وقعت قبل الألف بحرف وهي مكسورة أو ساكنة بعد مكسور لم تمنع عند الأكثر نحو صعاب ومصباح وضعاف ومضحاك وطلاب ومطعام وظماء وإظلام وغلاب ومغناج وخباث وإخبات وقفاف ومقلات.

قال سيبويه: وسمعناهم يقولون أراد أن يضربها زيد فأمالوا، وقالوا أراد أن يضربها قبل فنصبوا للقاف، وكذلك مررت بمال قاسم وبمال ملق.

حكم الراء

والراء غير المكسورة إذا وليت الألف منعت منع المستعلية تقول راشد، وهذا حمارك، ورأيت حمارك، على التفخيم. والمكسورة أمرها بالضد من ذلك يمال لها ما لا يمال مع غيرها، تقول طارد وغارم وتغلب غير المكسورة كما تغلب المستعلية فتقول من قرارك وقريء: " كانت قوارير". فإذا تباعدت لم تؤثر عند أكثرهم، فأمالوا هذا كافر، ولم يميلوا مررت بقادر، وقد فخم بعضهم الأول وأمال الآخر.

وعند شذ عن القياس قولهم الحجاج والناس مالين. وعن بعض العرب هذا مال وباب. وقالوا العشا والمكا والكبا وهؤلاء من الواو. وأما قولهم الربا فلأجل الراء.

وقد أمال قوم جاد وجواد نظراً إلى الأصل، كما أمالوا هذا ماش في الوقف.

وقد أميل: "والشمس وضحاها". وهي من الواو لتشاكل جلاها ويغشاها.

وقد أمالوا الفتحة في نحو قولهم من الضرر ومن الكبر ومن الصغر ومن المحاذر.

الحروف لا تمال

والحروف لا تمال نحو حتى وعلى وإلى وإما وإلا إلا إذا سمي بها. وقد أميل بلى ولا في إمالا وياء في النداء لإغنائها عن الجمل.

حكم الأسماء غير المتمكنة في الإمالة

والأسماء غير المتمكنة يمال منها المستقبل بنفسه نحو ذا ومتى وأنى، ولا يمال ما ليس بمستقبل نحو ما الإستفهامية أو الشرطية أو الموصولة أو الموصوفة ونحو إذا. قال المبرد وإمالة عسى جيدة.

الباب الثاني

الوقف

في الوقف أربع لغات

تشترك فيه الأضرب الثلاثة. وفيه أربع لغات: الإسكان الصريح، والإشمام وهو ضم الشفتين بعد الإسكان، والروم وهو أن تروم التحريك والتضعيف. ولها في الخط علامات فللإسكان الخاء، وللإشمام نقطة، خ وللروم خ خط بين يدي ش الحرف، وللتضعيف الشين. مثال ذلك هذا حكم وجعفر وخالد وفرج. والإشمام مختص بالمرفوع، ومشترك في غيره المجرور والمرفوع والمنصوب غير المنون، والمنون يبدل من تنوينه ألف في المنصوب كقولك رأيت فرجاً وزيداً ورشاءاً وكساءاً وقاضياً فلا متعلق به لهذه اللغات، والتضعيف مختص بما ليس بهمزة من الصحيح المتحرك ما قبله.

تحويل حركة الوقف إلى الحرف الساكن قبله

وبعض العرب يحول ضمه الحرف الموقوف عليه وكسرته على الساكن قبله دون الفتحة في غير الهمزة، فيقول هذا بكر ومررت ببكر، ويجري أيضاً في حال التعريف. قال:

والنبل ستون كأنها الجـمـر

تحفزها الأوتار والأيدي الشعر

يريد الشعر والجمر ونحوه قولهم إضربه وضربته قال:

من عنزي سبني لم أضربه

عجبت والدهر كثير عجبه

وقال أبو النجم:

فقر بن هذا وهذا زحله

ولا تقول رأيت البكر. وفي الهمزة تحولهن جميعاً فتقول هذا الخبء ورأيت الخبا ومررت بالخبيء، وكذلك البطؤ والردؤ. ومنهم من يتفادى وهم ناس من تميم من أن يقول هذا الردؤ ومن البطيء فيفر إلى الإتباع فيقول من البطؤ بضمتين، وهذا الرديء بكسرتين.

إبدال الهمزة بحرف لين

وقد يبدلون من الهمزة حرف لين تحرك ما قبلها أو سكن، فيقولون هذا الكلو والخبو والبطو والردو، ورأيت الكلا والخبا والبطا والردا، ومررت بالكلي والخبي والبطي والردي، ومنهم من يقول هذا الردي ومررت بالبطو فيتبع، وأهل الحجاز يقولون الكلا في الأحوال الثلاث لأن الهمزة سكنها الوقف وما قبلها مفتوح فهو كرأس. وعلى هذه العبرة يقولون في أكمؤ أكمو وفي أهنيء أهني كقولهم جونة وذيب.

حكم المعتل الآخر إذا سكن ما قبله:

وإذا اعتل الآخر وما قبله ساكن كآخر ظبي ودلو فهو كالصحيح. والمتحرك ما قبله إن كان ياء قد أسقطها التنوين في نحو قاض وعم وجوار فالأكثر أن يوقف على ما قبله فيقال قاض وعم وجوار، وقوم يعيدونها ويقفون عليها فيقولون قاضي وعمي وجواري. وإن لم يسقطها التنوين في نحو القاضي ويا قاضي رأيت جواري فالأمر بالعكس، ويقال يا مري لا غير، وإن كان ألفاً قالوا في الأكثر الأعرف هذه عصا وحبلى، ويقول ناس من فزارة وقيس حبلي بالياء، وبعض طيء حبلو بالواو، ومنهم من يسوي في القلب بين الوقف والوصل. وزعم الخليل أن بعضهم يقلبها همزة فيقول هذه حبلأ ورأيت حبلأ وهو يضربها. وألف عصا في النصب هي المبدلة من التنوين، وفي الرفع والجر هي المنقلبة عند سيبويه، وعند المازني هي المبدلة في الأحوال الثلاث.

حكم الفعل المعتل اللام

والوقف على المرفوع والمنصوب من الفعل الذي اعتلت لامه بإثبات أواخره نحو يغزو ويرمي، وعلى المجزوم والموقوف منه بإلحاق الهاء نحو لم يغزه ولم يرمه ولم يخشه واغزه وارمه واخشه، وبغير هاء نحو لم يغز ولم يرم واغز وارم إلا ما أفضى به ترك الهاء إلى حرف واحد، فإنه يجب الإلحاق نحو قه وره.

حذف الواو والياء في الفواصل:

وكل واو أو ياء لا تحذف تحذف في الفواصل والقوافي كقوله تعالى: "الكبير المعتال ويوم التناد إذا يسر". وقول زهير:

وبعض القوم يخلق ثم لا يفر

وأنشد سيبويه:

لم أدر بعد غداة البين ما صنع

لا يبعد الله إخواناً تركـتـهـم

أي صنعوا.

تاء التأنيث تقلب هاء:

وتاء التأنيث في الأسم المفرد تقلب هاء في الوقف نحو غرفه وظلمه.

ومن العرب من يقف عليها تاء قال:

بل جوز تيهاء كظهر الحجفت

وهيهات أن جعل مفرداً وقف عليه بالهاء، وإلا فبالتاء. ومثله في إحتمال الوجهين استأصل الله عرقاتهم وعرقاتهم.

وقد يجري الوصل مجرى الوقف. منه قوله:

مثل الحريق وافق القصبا

ولا يختص بحال الضرورة تقول ثلاثة أربعة وفي التنزيل: "لكنا هو الله ربي".

الوقف في غير المتمكن:

وتقول في الوقف على غير المتمكنة أنا بالألف، وأنه بالهاء، وهو بالإسكان، وهوه بإلحاق الهاء، وههنا وههناه وهؤلاء وهؤلاه إذا قصر، وأكرمتك وأكرمتكه، وغلامي وضربني وغلاميه وضربنيه بالإسكان وإلحاق الهاء فيمن حرك في الوصل، وغلام وضربن فيمن أسكن في الوصل، وفي قراءة أبي عمرو ربي أكرمن وأهانن وقال الأعشى:

إذا ما انتسبت له أنكرن

ومن شانيء كاسف وجهه

وضربكم وضربهم وعليهم وبهم ومنه وضربه بالإسكان فيمن ألحق وصلاً أو حرك، وهذه فيمن قال هذه هي أمه الله وحتام وفيم وحتامه وفيمه بالإسكان والهاء، ومجيء مه في مجيء مَ جئت وفي مثل مَ أنت بالهاء لا غير.

حكم النون الخفيفة

والنون الخفيفة تبدل ألفاً عند الوقف في قوله تعالى: "لنسفعن بالناصية". لنسفعا قال الأعشي:

ولا تعبد الشيطان والله فاعبدا

وتقول في هل تضربن يا قوم هل تضربون بإعادة واو الجمع.

الباب الثالث

القسم

حده

يشترك فيه الإسم والفعل. وهو جملة فعلية أو أسمية تؤكد بها جملة موجبة أو منفية نحو قولك: بالله، وأقسمت، وآليت، وعلم الله، ويعلم الله، ولعمرك، ولعمر أبيك، ولعمر الله، ويمين الله، وأيمن الله، وأيم الله، وأمانة الله، وعلي عهد الله لأفعلن أو لا أفعل. ومن شأن الجملتين أن تتنزلا منزلة جملة واحدة كجملتي الشرط والجزاء، ويجوز حذف الثانية ها هنا عند الدلالة جواز ذلك ثمة. فالجملة المؤكد بها هي القسم، والمؤكدة هي القسم عليها، والإسم الذي يلصق به القسم ليعظم به ويفخم هو المقسم به.

تخفيف القسم

ولكثرة القسم في كلامهم أكثروا التصرف فيه، وتوخوا ضروباً من التخفيف، من ذلك حذف الفعل في بالله، والخبر في لعمرك وأخواته، والمعنى لعمرك ما أقسم به، ونون أيمن وهمزته في الدرج، ونون مِن ومن وحرف القسم في والله والله بغير عوض، وبعوض في ها الله وآلله وفالله، والإبدال عنه تاء في تالله وإيثار الفتحة على الضمة هي التي أعرف في ويتلقى القسم بثلاثة أشياء باللام وبان وبحرف النفي كقولك بالله لأفعلن، وأنك لذاهب، وما فعلت ولا أفعل. وقد حذف حرف النفي في قول الشاعر:

تالله يبقى على الأيام مبتقل

الواو والتاء واللام ومن مكان الباء

وقد أوقعوا موقع الباء بعد حذف الفعل الذي ألصقته بالقسم به أربعة أحرف: الواو والتاء وحرفين من حروف الجر وهما اللام ومن في قولك لله لا يؤخر الأجل ومن ربي لأفعلن روماً للإختصاص، وفي التاء واللام معنى التعجب، وربما جاءت التاء في غير التعجب، واللام لا تجيء إلا فيه وأنشد سيبويه لعبد مناة الهذلي:

بمشمخر به الظيان والآس

لله يبقى على الأيام ذو حيد

وتضم ميم من فيقال من ربي أنك لأشر. قال سيبويه ولا تدخل الضمة في من إلا ههنا، كما لا تدخل الفتحة في لدن إلا مع غدوة، ولا تدخل إلا على اسم الله والكعبة. وسمع الأخفش من الله وتربى وإذا حذفت نونها فهي كالتاء تقول مِ الله ومُ الله كما تقول تالله ومن الناس من يزعم أنها من أيمن.

مميزات الباء:

والباء لأصالتها تستبد عن غيرها بثلاثة أشياء بالدخول على المضمر كقولك به لأعبدنه وبك لأزورن بيتك وقال:

فلا بك ما أبالي.

وبظهور الفعل معها كقولك حلفت بالله، وبالحلف على الرجل على سبيل الإستعطاف كقولك بالله لما زرتني وبحياتك أخبرني وقال ابن هرمة:

هذا ابن هرمة واقفاً بالباب

بالله ربك إن دخلت فقل له

وقال المجنون:

بدينك هل ضممت إليك نعما

حذف الباء:

وتحذف الباء فينتصب المقسم به بالفعل المضمر قال:

ألا رب من قلبي له الله ناصح

وقال:

فقلت يمين الله أبرح قاعدا

وقال:

فذاك أمانة الله الثريد

إذا ما الخبر تأدمه بلحم

وقد روي رفع اليمين والأمانة على الإبتداء محذوفي الخبر، وتضمر كما تضمر اللام في لاه أبوك.

حذف الواو

وتحذف الواو ويعوض عنها حرف التنبيه في قولهم لا هالله ذا، وهمزة الإستفهام في آلله. وقطع همزة الوصل في أفألله وفي لا هالله ذا لغتان: حذف ألف ها وإثباتها. وفيه قولان: أحدهما قول الخليل أن ذا مقسم وتقديره: لا والله للأمر ذا، فحذف الأمر لكثرة الإستعمال، ولذلك لم يجز أن يقاس عليه فيقال هالله أخوك على تقديرها الله لهذا أخوك. والثاني وهو قول الأخفش. أنه من جملة القسم توكيد له، كأنه قال ذا قسمي. قال: والدليل عليه أنهم يقولون لاها الله ذا لقد كان كذا فيجيئون بالمقسم عليه بعده.

والواو الأولى في نحو: "والليل إذا يغشى". للقسم وما بعدها للعطف كما تقول بالله فالله وبحياتك ثم حياتك لأفعلن.

الباب الرابع

تخفيف الهمزة

تشترك فيه الأضراب الثلاثة. ولا تخفف الهمزة إلا إذا تقدمها شيء، فإن لم يتقدمها نحو قولك ابتداء أب أم ابل فالتحقيق ليس إلا. وفي تخفيفها ثلاثة أوجه: الإبدال، والحذف، وأن تجعل بينَ بين، أي بين مخرجها وبين مخرج الحرف الذي منه حركتها.

إبدال الهمزة

ولا تخلو إما أن تقع ساكنة فيبدل منها الحرف الذي منه حركة ما قبلها كقولك رأس وقرأت وإلى الهداتنا وبير وجيت والذيتمن ولوم وسوت ويقولوذن.

وأما أن يقع متحركة ساكناً ما قبلها، فينظر إلى الساكن فإن كان حرف لين نظر، فإن كان ياء أو واواً مدتين زائدتين أو ما يشبه المدة كياء التصغير قلبت إليه وأدغم فيها كقولك: خطية ومقروة وأفيس. وقد التزم ذلك في نبي وبريه.

الهمزة بين بين:

وإن كان ألفاً جعلت بين بين كقولك: سأل وتساؤل وقائل.

حذف الهمزة:

وإن كان حرفاً صحيحاً أو واواً أو ياء أصليتين أو مزيدتين لمعنى ألقيت عليه حركتها وحذفت كقولك: مسلسلة والخب ومن بوك ومن بلك وجيل وحوبة وأبو يوب وذومرهم واتبعي مره وقاضوبيك، وقد التزم ذلك في باب يري، وأري يرى، ومنهم من يقول المراة والكماة فيقلبها ألفاً وليس بمطرد، وقد رآه الكوفيون مطرداً.

وأما أن تقع متحركة متحركاً ما قبلها فتجعل بين بين كقولك: سأل ولؤم وسئل، إلا إذا انفتحت وانكسر ما قبلها أو انضم فقلبت ياء أو واواً محضة كقولك ميروجون. والأخفش يقلب المضمومة المكسورة ما قبلها ياء أيضاً فيقول يستهزيون، وقد تبدل منها حروف اللين فيقال منساة ومنه قول الفرزدق:

فارعي فزارة لا هناك المرتع

وقال حسان:

ضلت هذيل بما سالت ولم تصب

سالت هذيل رسول الله فاحـشة

وقال ابنه عبد الرحمن:

يشجج رأسه بالفهر واجي

وقال سيبويه وليس ذا بقياس متلئب وإنما يحفظ عن العرب كما يحفظ الشيء الذي تبدل التاء من واوه نحو أتلج .

وقد حذفوا الهمزة في كل ومر وخذ حذفاً غير قياسي، ثم التزموه في اثنين دون الثالث فلم يقولوا أوخذ ولا أوكل. وقال الله تعالى: "وأمر أهلك".

حكم همزة أحمر:

وإذا خففت همزة الأحمر على طريقها فتحركت لام التعريف اتجه لهم في ألف اللام طريقان: حذفها وهو القياس، وإبقاؤها لطرو الحركة، فقالوا لحمر وألحمر ومثل لحمر عاد لولى في قراءة أبي عمرو، وقولهم من لان في الآن، ومن قال أحمر قال من لان بتحريك النون كما قريء من رض أو ملان بحذفها كما قيل ملكذب.

التقاء همزتين:

وإذا التقت همزتان في كلمة فالوجه قلب الثانية إلى حرف لين كقولهم آدم وأيمة وأويدم، ومنه جائي وخطايا، وقد سمع أبو زيد من بقول اللهم اغفر لي خطائئي، قال همزها أبو السمح ورداد ابن عمه وهو شاذ، وفي القراءة الكوفية أئمة. وإذا التقيا في كلمتين جاز تحقيقهما وتخفيف إحداهما بأن تجعل بين بين. والخليل يختار تخفيف الثانية كقوله تعالى: "فقد جاء أشراطها". وأهل الحجاز يخففونهما معاً. ومن العرب من يقحم بينهما ألفاً قال ذو الرمة:

آأنت أمْ أمُّ سالم

وأنشد أبو زيد:

تفكر آإياه يعنـون أم قـردا

حزق إذا ما القوم أبدوا فكاهة

وهي في قراءة ابن عامر. ثم منهم من يحقق بعد إقحام الألف. ومنهم من يخفف.

وفي اقرأ آية ثلاثة أوجه: أن تقلب الأولى ألفاً، وأن تحذف الثانية تلقي حركتها على الأولى، وإن تجعلا معاً بين بين وهي حجازية.

الباب الخامس

التقاء الساكنين

حذف الساكن الأول

يشترك فيه الأضرب الثلاثة. ومتى التقيا في الدرج على غير حدهما وحدهما أن يكون الأول حرف لين، والثاني مدغماً، في نحو دابة، وخويصة، وتمود الثوب، وقوله تعالى: "قل أتحاجونا". لم يخل، أولهما من أن يكون مدة أو غير مدة، فإن كان مدة حذف كقولك: لم يقل، ولم يبغ، ولم يخف ويخشى القوم، ويغزو الجيش، ويرمي الغرض، ولم يضربا اليوم، ولم يضربوا الآن، ولم تضربي ابنك، إلا ما شذ من قولهم آلحسن عندك، وآيمن الله يمينك، وما حكي من قولهم: حلقتا البطان. وإن كان غير مدة فتحريكه في نحو قولك لم أبله، واذهب اذهب، ومن ابنك، ومذ اليوم، وألم الله، ولا تنسوا الفضل، واخشو الله، وأخشى القوم، ومصطفى الله، ولو استطعنا، ومنه قولك الأسم والابن والإنطلاق ورد، ولم يرد، في لغة بني تميم. قال:

وذي ولد لم يلـده أبـوان

عجبت لمولود وليس له أب

حركة الساكن الأول

والأصل فيما حرك منهما أن يحرك بالكسر، والذي حرك بغيره فلأمر، نحو ضمهم في نحو: وقالت أخرج عليهن، وعذابن اركض، وعيونن أدخلوها للإتباع؛ وفي نحو أخشوا الله، للفضل بين واو الضمير وواو لو. وقد كسرها قوم كما ضم قوم واو لو في لو استطعنا تشبيهاً بها، وفريء مر يبين الذي بفتح النون هرباً من توالي الكسرات. وقد حركوا في نحو رد ولم يرد بالحركات الثلاث، ولزموا الضم عند ضمير الغائب، والفتح عند ضمير الغائبة فقالوا رده وردها، وسمع الأخفش ناساً من بني عقيل يقولون مده وعضه بالكسر. ولزموا فيه الكسر عند ساكن يعقبه فقالوا: رد القوم. ومنهم من فتح وهم بنو أسد فقال:

فغض الطرف إنك من نمير

وقال:

ذم المنازل بعد منزلة اللوى

وليس في هلم إلا الفتح.

ولقد جد في الهرب من التقاء الساكنين من قال دأبة وشأبة، ومن قرأ ولا الضألين ولا جأن، وهي عن عمرو بن عبيد ومن لغته النقر في الوقف.

من

وكسروا نون من عند ملاقاتها كل ساكن سوى لام التعريف فهي عندها مفتوحة، تقول من ابنك ومن الرجل. وقد حكى سيبويه عن قوم فصحاء من ابنك بالفتح. وحكي في من الرجل الكسر، وهي قليلة خبيثة. وأما نون عن فمكسورة في الموضعين وقد حكي عن الأخفش عن الرجل بالضم.

الباب السادس

أوائل الكلم

الحالات التي تسكن فيها أوائل الكلم

تشترك فيه الأضرب الثلاثة. وهي في الأمر العام على الحركة. وقد جاء منها ما هو على السكون. وذلك من الأسماء في نوعين: أحدهما أسماء غير مصادر وهي ابن وابنه وابنم واثنان واثنتان وامرؤ وامرأة واسم واست وأيمن الله وأيم الله. والثاني مصادر الأفعال التي بعد ألفاتها إذا ابتديء بها أربعة أحرف فصاعداً نحو انفعل وافتعل واستفعل تقول: إنفعال وافتعال واستفعال، ومن الأفعال فيما كان على هذا الحد، وفي أمثلة أمر المخاطب من الثلاثي غير المزيد فيه نحو أضرب وأذهب، ومن الحروف في لام التعريف وميمه في لغة طيء، فهذه الأوائل ساكنة كما ترى يلفظ بها كما هي في حال الدرج، فإذا وقعت في موضع الإبتداء أو وقعت قبلها همزات ومزيدة متحركة، لأنه ليس في لغتهم الإبتداء بساكن كما ليس فيها الوقوف على متحرك.

وتسمى هذه الهمزات همزات الوصل، وحكمها أن تكون مكسورة، وإنما ضمت في بعض الأوامر، وفيما بني من الأفعال الواقعة بعد ألفاتها أربعة أحرف فصاعداً للمفعول للإتباع، وفتحت في الحرفين وكلمتي القسم للتخفيف.

وإثبات شيء من هذه الهمزات في الدرج خروج عن كلام العرب ولحن فاحش، فلا تقل الإسم والإنطلاق والإقتسام والإستغفار ومن إبنك وعن إسمك وقوله:

إذا جاوز الإثنين سر فإنه

من ضرورات الشعر. ولكن همزة حرف التعريف وحدها إذا وقعت بعد همزة الإستفهام لم تحذف، وقلبت ألفاً، لأداء حذفها إلى الإلباس.

إسكان أول هو وهي

وأما إسكانهم أول هو وهي متصلتين بالواو والفاء ولام الابتداء وهمزة الاستفهام ولام الأمر متصلة بالفاء والواو كقوله تعالى: "وهو خير لكم" وقوله تعالى: "فهي كالحجارة" وقوله تعالى: "لهو القصص الحق" وقول الشاعر:

فقلت أهي سرت أم عادني حلم

وقوله تعالى: "فلينظر" وقوله: "وليوفوا نذورهم" فليس بأصل. وإنما شبه الحرف عند وقوعه في ذا الموقع بضاد عضد وباء كبد ومنهم من لا يسكن.

الباب السابع

زيادة الحروف

جمعت في سألتمونيها

يشترك فيها الإسم والفعل. والحروف الزوائد هي التي يشملها قولك اليوم تنساه، أو أتاه سليمان، أو سألتمونيها، أو السمان هويت. ومعنى كونها زوائد أن كل حرف وقع زائداً في كلمة فإنه منها لا إنها تقع أبداً زوائد. ولقد أسلفت في قسمي الأسماء والأفعال عند ذكر الأبنية المزيد فيها نبذاً من القول في الحروف، واذكر ههنا ما يميز به بين مواقع أصالتها ومواقع زيادتها والله تعالى الموفق.

الهمزة الزائدة والأصلية

فالهمزة يحكم بزيادتها إذا وقعت أولاً بعدها ثلاثة أحرف أصول كأرنب وأكرم، إلا إذا اعترض ما يقتضي أصالتها كإمعة وإمرة، أ تجيز الأمرين كأولق. وبأصالتها إذا وقع بعدها حرفان أو أربعة أصول كإتب وإزار واصطبل واصطخر، أو وقعت غير أول ولم يعرض ما يوجب زيادتها في نحو شمأل ونئدل وجرائض وضهيأة.

الألف

والألف لا تزاد أولاً لامتناع الإبتداء بها. وهي غير أول إذا كان معها ثلاثة أحرف أصول فصاعداً لا تقع إلا زائدة كقولهم خاتم وكتاب وحبلى وسرادح وحلبلاب. ولا تقع للالحاق إلا آخراً في نحو معزى. وهي في قبعثرى كنحو ألف كتاب لإنافتها على الغاية.

الياء

والياء إذا حصلت معها ثلاثة أحرف أصول فهي زائدة أينما وقعت كيلمع ويهير ويضرب وعثير وزبنية، إلا في نحو يأجج ومريم ومدين وصيصية وقوقيت. وإذا حصلت معها أربعة فإن كانت أولاً فهي أصل كيستعور، وإلا فهي زائدة كسلحفية.

الواو

والواو كالألف لا تزاد أولاً وقولهم ورنتل كجحنفل. وأما غير أول فلا تكون إلا زائدة كعوسج وحوقل وقسور ودهور وترقوة وعنفوان وقلنسوة إلا إذا اعترض ما في عزويت.

والميم إذا وقعت أولاً وبعدها ثلاثة أحرف أصول فهي زائدة نحو مقتل ومضرب ومكرم ومقياس، إلا إذا عرض ما في معد ومعزى ومأجج ومهدد ومنجنون ومنجنيق. وهي غير أول أصل إلا في نحو دلامص وقمارص وهرماس وزرقم. وإذا وقعت أولاً خامسة فهي أصل كمزرنجوش. ولا تزاد في الفعل ولذلك استدل على أصالة ميم معد بتمعددوا ونحو تمسكن وتمدرع وتمندل لا اعتداد به.

النون

والنون إذا وقعت آخراً بعد ألف فهي زائدة إلا إذا قام دليل على أصالتها في نحو فينان وحسان وحمار قبان فيمن صرف، وكذلك الواقعة في أول المضارع والمطاوع نحو نفعل وانفعل، والثالثة الساكنة في نحو شرنبت وعصنصر وغضنفر وعرند. وهي فيما عدا ذلك أصل إلا في نحو عنسل وعفرني وبلهنية وخنفقيق ونحو ذلك.

التاء

والتاء اطردت زيادتها أولاً في نحو تفعيل وتفعال وتفعل وتفاعل وفعليهما، وآخراً في الانيث والجمع. وفي نحو رغبوت وجبروت وعنكبوت ثم هي أصل إلا في نحو ترتب وتولج وسنبتة.

الهاء

والهاء زيدت زيادة مطردة في الوقف لبيان الحركة أو حرف المد في نحو كتابيه وثمه ووازيداه وواغلاماه وواغلامهوه ووانقطاع ظهرهيه، وغير مطردة في جمع أم، وقد جاء بغير هاء، وقد جمع اللغتين من قال:

ه فرجت الظلام بأماتكا

إذا المهات قبحن الوجو

وقيل قد غلبت الأمهات في الناسي والأمات في البهائم. وقد زاد هاء في الواحد من قال:

أمهتي خندف والياس أبي

وفي كتب العين أمهت وهو مسترذل. وزيدت في اهراق اهراقه، وفي هركولة وهجرع وهلقامة عند الأخفش. ويجوز أن تكون مزيدة في قولهم قرن سلهب لقولهم سلب.

السين

والسين اطردت زيادتها في استفعل، ومع كاف الضمير فيمن كسكس، وقالوا اسطاع كأهراق.

اللام

واللام جاءت مزيدة في ذلك، وهنالك، وأولالك، قال:

وهل يعظ الضليل إلا ألالكا

وفي عبدل وزيدل، وفي فجعل، وفي هيقل إحتمال.

الباب الثامن

إبدال الحروف

جمعت في استنجده يوم صال زط

يقع الإبدال في الأضرب الثلاثة كقولك أجوه وهراق وإلا فعلت وحروفه حروف الزيادة والطاء والدال والجيم والصاد والزاي ويجمعها قولك استنجده يوم صال زط.

الهمزة

فالهمزة أبدلت من حروف اللين ومن الهاء والعين. فإبدالها من حروف اللين على ضربين مطرد وغير مطرد. والمطرد على ضربين واجب وجائز. فالواجب إبادلها من ألف التأنيث في نحو حمراء وصحراء، والمنقلبة لاماً نحو كساء ورداء وعلباء، أو عيناً في نحو قائل ونائل وبائع، ومن كل واو واقعة أولاً شفعت بأخرى لازمة في نحو أواصل وأواق جمعي واصلة وواقية.

قال:

يا عدي لقد وقتك الأواقي

وأويصل تصغير واصل. والجائز إبادلها من كل واو مضمومة وقعت مفردة فاء كأجوه، أو عيناً غير مدغم فيها كادؤر، أو مشفوعة عيناً كالغؤور والنؤور، وغير المطرد إبدالها من الألف في نحو دأبة وشأبة ابيأض واهأم، وعن العجاج أنه كان يهمز العالم والخاتم فقال:

فخندف هامة هذا العالم

وحكي بأز، وقوقأت الدجاجة. وقال:

صبراً فقد هيجت شوق المشتاق

يا دار مي بدكـاديك الـبـرق

ومن الواو غير المضمومة في نحو إشاحة وإفادة وإسادة وإعاء أخيه في قراءة سعيد بن جبير، وأناة وأسماء واحدٍ وأحَّدْ أحِّد في الحديث، والمازني يرى الإبدال من المكسورة قياساً، ومن الياء في قطع الله أديه وفي أسنانه ألل وقالوا الشئمة وإبدالها من الهاء في ماء وأمواء. قال:

ما صحة رأد الضحي أفياءها

وبلدة قـالـصة أمـواءهـا

وفي أل فعلت وإلا فعلت، ومن العين في قوله:

أباب بحر ضاحك زهوق

الألف:

والألف أبدلت من أختيها ومن الهمزة والنون. فإبدالها من أختيها مطرد في نحو قال وباع ودعى ورمى وباب وناب مما تحركتا فيه وانفتح ما قبلهما، ولم يمنع ما منع من الإبدال في نحو رميا ودعوا إلا ما شذ من نحو القود والصيد. وغير مطرد في نحو طائي وحاري وياجل. وإبدالها من الهمزة لازم في نحو آدم، وغير لازم في نحو رأس. وإبادلها من النون في الوقف خاصة على ثلاثة أشياء: المنصوب المنون، وما لحقته النون الخفيفة المفتوح ما قبلها، وإذن، كقولك رأيت زيداً ولنسفعا وفعلتها إذا.

الياء:

والياء أبدلت من أختيها، ومن الهمزة، ومن أحد حرفي التضعيف، ومن النون والعين والعين والباء والسين والثاء. فإبدالها من الألف في نحو مفيتيح وهو مطرد. ومن الواو في نحو ميقات وعصى وغاز وغازية وأدل وقيام وانقياد وحياض وسيد ولية واغزيت واستغزيت وهو مطرد. وفي نحو صبية وثيرة وعليان وبيجل، وهو غير مطرد. ومن الهمزة في نحو ذيب ومير على ما قد سلف في تخفيفها. ومن أحد حرفي التضعيف في قولهم أمليت، وقصيت أظفاري، ولا وربيك لا أفعل، وتسريت وتظنيت، ولم يتسن، وتقضى البازي. وقوله:

وأما بفعل الصالحين فيأتمي

نزور امرأ أما الإله فيتقـي

والتصدية فمن جعلها من صد يصد، وتلعيت من اللعاعة، ودهديت وصهصيت ومكاكي في جمع مكوك، ودياج في جمع ديجوج، وديوان وديباج وقيراط، وشيراز وديماس فيمن قال شراريز ودماميس. وقوله:

وايتصلت بمثل ضوء الفرقد

أبدل الياء من التاء الأولى في اتصلت ومما سوى ذلك في قولهم أناسي وظرابي. وقوله:

ولضفادي جمه نقانق

ومنهل ليس له حوازق

وقوله يصف عقاباً:

من الثعالي ووخز من أرانيها

لها أشارير من لحم تتـمـرة

وقوله:

فزوجك خامس وأبوك سادي

إذا ما عد أربـعة فـسـال

وقوله:

وأنت بالهجران لا تبالي

قد مر يومان وهذا الثالي

الواو:

والواو تبدل من أخييها ومن الهمزة. فإبدالها من الألف في نحو ضوارب وضويرب تصغير ضربات مصدر ضارب، وأوادم وأويدم ورحوي وعصوي وألوان تثنية إلى إسما. ومن الياء في نحو موقن وطوبى مما سكن ياؤه غير مدغمة وانضم ما قبلها، وفي ضويرب تصغير ضراب مصدر ضاربه، وفي بقوي وبوطر من بيطر، وهذا أمر ممضو عليه، وهو نهو عن المنكر، وفي الجباوة. ومن الهمزة في نحو جونة وجون كما سلف في تخفيفها.

الميم:

والميم أبدلت من الواو واللام والنون والباء. فإبدالها من الواو في فم وحدها. ومن اللام في لغة طيء في نحو ما روى النمر بن تولب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل إنه لم يرو غير هذا ليس من امبرامصيام في امسفر. ومن النون في نحو عمبر وشمباء مما وقعت فيه النون ساكنة قبل الباء. وفي قول رؤبة:

وكفك المخضب البـنـام

يا هال ذات المنطق التمتام

وطامه الله على الخير. ومن الباء في بنات مخر وما زلت راتماً على هذا ورأيته من كثم. وقوله:

حتى استقت دون محني جيدها نغما

فبادرت شاتها عجلـى مـثـابـرة

قال ابن الأعرابي أراد نغباً

النون:

والنون أبدلت من الواو واللام في صنعاني وبهراني، ولعن بمعنى لعل.

التاء:

والتاء أبدلت من الواو والياء والسين والصاد والباء. فإبدالها من الواو فاء في نحو اتعد وأتلجه قال:

متلج كفيه في قتره

وتجاه وتيقور وتكلان وتكاة وتكلة وتخمة وتهمة وتقية وتقوى وتترى وتوراة وتولج وتراث وتلاد. ولاماً في أخت وبنت وهنت وكلتا. ومن الياء فاء في نحو اتسر، ولاماً في نحو أسنتوا وثنتان وكيت وذيت. ومن السين في طست ومنه قوله:

عمرو بن يربوع شرار النات

يا قاتل الله بني الـسـعـلاة

غير أعفاء ولا أكيات ومن الصاد في لصت قال:

كاللصوت المرد

ومن الباء في الذعالت بمعنى الذعالب وهي الأخلاق.

الهاء:

والهاء أبدلت من الهمزة والألف والياء والتاء. فإبدالها من الهمزة في هرقت الماء، وهرحت الدابة، وهنرت الثوب، وهردت الشيء، عن اللحياني، وهياك، ولهنك، وهما والله لقد كان كذا، وهن فعلت فعلت لغة طيء، وفيما أنشد أبو الحسن:

منح المودة غيرنا وجفـانـا

وأتى صواحبها فقلن هذا الذي

أي إذا الذي ومن الألف في قوله:

إن لم تروها فمه

وفي أنه وحيهلة وقوله: وقد رابني قولها يا هناه وهي مبدلة من الألف المنقلبة عن الواو في هنوات، ومن الياء في هذه أمة الله، ومن التاء في طلحة وحمزة في الوقف. وحكى قطرب أن في لغة طيء كيف البنون والبناه، وكيف الأخوة والأخواه.

اللام:

واللام أبدلت من النون والضاد في قوله:

وقفت فيها أصيلالاً أسائلها

وقوله:

مال إلى أرطاة حقف فالطجع

الطاء:

والطاء أبدلت من التاء في نحو اصطبر، وفحصط برجلي.

الدال:

والدال أبدلت من التاء في ازدجر، وازدان، وفزد، واذدكر غير مدغم فيما رواه أبو عمرو. واجدمعوا واجدز في بعض اللغات قال:

واجدز شيحا

وفي دولج.

الجيم:

والجيم أبدلت من الياء المشددة في الوقف. قال أبو عمرو: قلت لرجل من بني حنظلة: ممن أنت؟ فقال فقيمج. فقلت من أيهم؟ فقال: مرج. وقد أجرى الوصل مجرى الوقف من قال:

المطعمان الشحم بالعشج

يقلع بالود وبالصيصـج

خالي عويف وأبو علـج

وبالغداة تل الـبـرنـج

وأنشد ابن الأعرابي:

من عبس الصيف قرون الأجل

كأن في أذنابـهـن الـشـول

وقد أبدلت من غير المشددة في قوله:

فلا يزال شاحج يأتيك بج

لاهم إن كنت قبلت حجتج

أقمر نهات ينزى وفرتج

وقوله:

حتى إذا أمسجت وأمسجا

السين:

والسين إذا وقعت قبل غين أو خاء أو قاف أو طاء جاز إبدالها ضاداً كقولك صائغ، وأصبغ نعمه صخر، ومس صقر، ويصاقون وصقت، وصبقت، وصويق، والصملق، وصراط، وصاطع ومصيطر؛ وإذا وقعت قبل الدال ساكنة أبدلت زاياً خالصة كقولك في يسدد يزدد، وفي يسدل ثوبه يزدل. قال سيبويه ولا تجوز المضارعة يعني إشراب صوت الزاي. وفي لغة كلب تبدل زاياً مع القاف خاصة يقولون مس زقر.

الصاد:

والصاد الساكنة إذا وقعت قبل الدال جاز إبدالها زاياً خالصة في لغة فصحاء من العرب ومنه لم يحرم من فزد له. وقول حاتم:

هكذا فزدي أنه

وقال الشاعر:

متين القوى خير من الصـرم مـزدرا

ودع ذا الهوى قبل القلى ترك ذي الهوى

وأن تضارع بها الزاي فإن تحركت لم تبدل. ولكنهم قد يضارعون بها الزاي فيقولون صدر وصدف والصراط. والراط. قال سيبويه: والمضارعة أكثر، وأعرب من الإبدال والبيان أكثر، ونحو الصاد في المضارعة الجيم والشين تقول هو أجدر وأشدق.

الباب التاسع

الاعتلال

حروف الاعتلال

حروفه الألف والواو والياء. وثلاثتها تقع في الأضرب الثلاثة، كقولك مال وناب وسوط وبيض وقال وباع وحاول وبايع ولا ولو وكي إلا أن الألف تكون في الأسماء والأفعال زائدة أو منقلبة عن الواو والياء لا أصلاً، وهي في الحروف أصل ليس إلا لكونها جوامد غير متصرف فيها.

اتفاق الواو والياء واختلافهما

والواو والياء غير المزيدتين تتفقان في مواقعهما وتختلفان. فاتفاقهما إن وقعت كلتاهما فاء كوعد ويسر، وعينا كقول وبيع، ولاماً كغزو ورمى، وعينا في نحو ويل ويوم.

واختلافهما أن الواو تقدمت على الياء في نحو وفيت وطويت، وتقدمت الياء عليها في يوم، وأما الواو في الحيوان وحيوة فكواو جباوة في كونها بدلاً عن الياء والأصل حييان وحيية.

واختلافهما أن الياء وقعت فاء وعيناً معاً، وفاء ولاما معاً في بين اسم مكان وفي يديت، ولم تقع الواو كذلك. ومذهب أبي الحسن في الواو أن تأليفها من الواوات فهي على قوله موافقة للياء في بييت. وقد ذهب غيره إلى أن ألفها عن ياء فهي على هذا موافقتها في يديت. وقالوا ليس في العربية كلمة فاؤها واو ولامها واو إلا الواو. ولذلك آثروا في الوغي أن يكتب بالياء.

الفصل الأول:

الواو والياء فاءين

الواو والياء في مضارع فعل:

الواو تثبت صحيحة، وتسقط وتقلب. فثباتها على الصحة في نحو وعد وولد والوعد والوالدة. وسقوطها فيما عينه مكسورة من مضارع فعل أو فعل لفظاً أو تقديراً. فاللفظ في يعد ويق، والتقدير في بضع ويسع، لأن الأصل فيهما الكسر والفتح لحرف الحلق، وفي نحو العدة والمقة من المصادر. والقلب فيما مر من الإبدال.

والياء مثلها إلا في السقوط. تقول ينع يينع ويسر ييسر فتثبتها حيث أسقطت الواو. وقال بعضهم يئس كومق يمق فأجراها مجرى الواو وهو قليل. وقلبها في نحو إتسر.

والذي فارق به قولهم وجع ووجل يوجل قولهم وسع يسع ووضع يضع حيث ثبتت الواو في أحدهما وسقطت في الآخر. وكلا القبيلتين فيه حرف الحلق أن الفتحة في يوجع أصلية بمنزلتها في يوجل، وهي في يسع عارضة مجتلية لأجل حرف الحلق فوزانهما وزان كسرتي الراءين في التجاري والتجارب.

الواو والياء في مضارع افتعل

وياتسر، ويقول في ييبس وييئس يابس ويائس. وفي مضارع وجل أربع لغات يوجل ويأجل وييجل وييجل وليس الكسرة من لغة من يقول تعلم.

وإذا بني افتعل من أكل وأمر فقيل ايتكل وايتمر لم تدغم الياء في التاء كما أدغمت في ايتسر، لأن الياء ههنا ليست بلازمة وقول من قال اتزر خطأ.

الفصل الثاني:

الواو والياء عينين

لا تخلوان من أن تعلا أو تحذفا أو تسلما. فالإعلال في قال وخاف وباع وهاب وباب وناب، ورجل لاع ومال ونحوها مما تحركتا فيه وانفاح ما قبلهما، وفيما هو من هذه الأفعال من مضارعاتها وأسماء فاعليها ومفعوليها، وما كان منها على مفعل ومفعلة ومفعل ومفعلة ومفعلة كمعاد ومقالة ومسير معيشة ومشورة، وما كان نحو أقام واستقام واختار وانقاد من ذوات الزوائد التي لم يكن ما قبل حرف العلة فيها ألفاً أو واواً أو ياء نحو قاول وتقاولوا وزايل وتزايلوا وعوذ وتعوذ وزين وتزين، وما هو منها أعلت هذه الأشياء وإن لم تقم فيها علة الإعتلال اتباعاً لما قامت العلة فيه لمونها منها وضربها بعرق فيها.

والحذف في قل وقلن وقلت ولم يقل. ولم يقلن وبع وبعن وبعت ولم يبع ولم يبعن، وما كان من هذا النحو في المزيد فيه، وفي سيد وميت، وكينونة وقيلولة، وفي الإقامة والإستقامة ونحوها مما التقى فيه ساكنان أو طلب تخفيف أو اضطر اعلال.

والسلامة فيما وراء ذلك مما فقدت فيه أسباب الإعلال والحذف أو وجدت خلا أنه اعترض ما يصد عن حكمها كالذي اعترض في صورى وحيدي والجولان والجيكان والقوباء والخيلاء.

أبنية الفعل الثلاثي:

وأبينة الفعل في الواو على فعل يفعل نحو قال يقول، وفعل يفعل نحو خاف يخاف، وفعل يفعل نحو طال يطول وجاد يجود إذا صار طويلاً وجواداً. وفي الياء على فعل يفعل نحو باع يبيع، وفعل يفعل نحو هاب يهاب، ولم يجيء في الواو يفعل بالكسر، ولا في الياء يفعل بالضم، وزعم الخليل في طاح يطيح وتاه إنهما فعل يفعل كحسب يحسب وهما من الواو لقولهم طوحت وتوهت، وهو أطوح منه وأتوه، ومن قال طيحت وتيهت فهماً على باع يبيع.

عند اتصال الفعل الثلاثي بالضمير:

وقد حولوا عند اتصال ضمير الفاعل فعل، من الواو إلى فعل، ومن الياء إلى فعل، ثم نقلت الضمة أو الكسرة إلى الفاء فقيل: قلت وقلن، وبعت وبعن. ولم يحولوا في غير الضمير إلا ما جاء من قول ناس من العرب كيد يفعل ذاك وما زيل يفعل ذلك.

في الفعل الثلاثي المجهول:

وتقول فيما لم يسم فاعله قيل وبيع بالكسر، وقيل وبيع بالإشمام، وقول وبوع بالواو، وكذلك اختير وانقيد له تكسر وتشم وتقول اختور وانقود له، وفي فعلت من ذلك عدت يا مريض واخترت يا رجل بالكسر والضم الخالصين والإشمام، وليس فيما قبل ياء أقيم واستقيم إلا بالكسر الصريح.

وقالوا عور وصيد وازدوجوا واجتوروا، فصححوا العين لأنها في معنى ما يجب فيه تصحيحها، وهو أفعال وتفاعلوا، ومنهم من لم يلمح الأصل فقال عار يعار. وقال:

أعارت عينه أم لم تعارا

وما لحقته الزيادة من نحو عور في حكمه، تقول أعور الله عينه وأصيد بعيره، ولو بنيت منه استفعلت لقلت استعورت، وليس مسكنه من ليس كصيد، كما قالوا علم في علم، ولكنهم ألزموها الإسكان لأنها لما لم تصرف تصرف أخواتها لم تجعل على لفظ صيد ولا هاب، ولكن على لفظ ما ليس من الفعل نحو ليت، ولذلك لم ينقلوا حركة العين إلى الفاء في لست. وقالوا في التعجب ما أقوله! وما أبيعه! وقد شذ عن القياس نحو أجودت واستروح واستحوذ واستجود واستصوب وأطيبت وأغيلت وأخليت وأغيمت واستفيل.

إعلال اسم الفاعل من الثلاثي:

وإعلال إسم الفاعل من نحو قال وباع أن تقلب عينه همزة، كقولك قائل وبائع، وربما حذفت كقولهم شاك، ومنهم من يقلب فيقول شاكيء. وفي جائي قولان: أحدهما أنه مقلوب كالشاكيء والهمزة لام الفعل وهو قول الخليل، والثاني أن الأصل جائيء فقلبت الثانية ياء والباقية هي نحو همزة قائم. وقالوا في عور وصيد عاور وصايد كمقاوم ومباين.

إعلال إسم المفعول من الثلاثي:

وإعلال إسم المفعول منهما أن تسكن عينه ثم أن المحذوف منهما واو مفعول عند سيبويه، وعند الأخفش العين، ويزعم أن الياء في مخيط منقلبةعن واو مفعول، وقالوا مشيب بناء على شيب بالكسر، ومهروب بناء على لغة من يقول هوب، وقد شذ نحو مخيوط ومزيوت ومبيوع وتفاحة مطيوبة. وقال:

يوم رذاذ عليه الدجن مغيوم

قال سيبويه ولا نعلمهم أتموا في الواو لأن الواوات أثقل عليهم من الياءات وقد روى بعضهم ثوب مصؤون.

ورأي صاحب الكتاب في كل ياء هي عين ساكنة مضموم ما قبلها أن تقلب الضمة كسرة لتسلم الياء، فإذى بني نحو برد من البياض قال بيض، والأخفش يقول بوض، ويقصر القلب على الجمع نحو بيض في جمع أبيض، ومعيشة عنده يجوز أن يكون مفعلة ومفعلة، وعند الأخفش هي مفعلة، ولو كانت مفعل لقلت معوشة، وإذا بني من البيع مثل ترتيب قال تبيع وقال الأخفش تبوع والمضوفة في قوله:

أشمر حتى ينصف الساق مئزر

وكنت إذا جاري دعا لمضوفـه

كالقود والقصوى عنده وعند الأخفش قياس.

الأسماء الثلاثية المجردة:

والأسماء الثلاثية المجردة إنما يعل منها ما كان على مثال الفعل نحو باب ودار وشجرة شاكة ورجل مال، لأنها على فعل أو فعل. وربما صح ذلك نحو القود والحركة والخونة والجورة ورجل روع وحول. وما ليس على مثاله ففيه التصحيح كالنومة واللومة والعيبة والعوض والعودة. وإنما أعلوا قيماً لأنه مصدر بمعنى القيام وصف به في قوله تعالى: "ديناً قيماً". والمصدر يعل بإعلال الفعل. وقولهم حال حولاً كالقود. وفعل إن كان من الواو سكنت عينه لاجتماع الضمتين الواو، فيقال نور وعون في جمع نوار وعوان، ويثقل في الشعر. قال عدي بن زيد:

وفي الأكف اللامعات سور

وإن كان من الياء فهو كالصحيح. من قال كتب ورسل قال غير وبيض في جمع غيور وبيوض ومن قال كتب ورسل قال غير وبيض.

الأسماء المزيدة:

وأما الأسماء المريد فيها فإنما يعل منها ما وافق الفعل في وزنه وفارقه إما بزيادة لا تكون في الفعل كقولك مقال ومسير ومعونة وقد شذ نحو مكوزة ومزيد ومريم ومدين ومشورة ومصيدة والفكاهة مقودة إلى الأذى وقرئ: "لمثوبة من عند الله"، وقولهم مقول محذوف من مقوال كمخيط من مخياط. وإما بمثال لا يكون فيه كبنائك مثال تحلى نم باع يبيع تقول يبيع بالإعلال لأن مثال تفعل بكسر التاء ليس في أمثلة الفعل. وما كان منها مماثلاً للفعل صحح فرقاً بينه وبينه كقولك أبيض وأسود وأدور وأعين وأخونة وأعينة. وكذلك لو بنيت تفعل أو تفعل من زاد يزيد لقلت تزيد وتزيد على التصحيح.

إعلال فعال:

وقد أعلوا نحو قيام وعياد واحتياز وانقياد لإعلال أفعالها مع قوع الكسرة قبل الواو والحرف المشبه للياء بعدها وهو الألف ونحو ديار ورياح وجياد تشبيهاً لإعلال وحدانها بإعلال الفعل مع الكسرة والألف ونحو سياط وثياب ورياض لشبه الإعلال في الواحد وهو كون الواو ميتة ساكنة فيه بألف دار وياء ريح مع الكسرة والألف. وقالوا ثير وديم لإعلال الواحد والكسرة. وقالاو ثيرة لسكون الواو في الواحد والكسرة. وهذا قليل والكثير عودة وكوزة وزوجة. وقالوا طوال لتحرك الواو في الواحد وقوله:

فإن أعزاء الرجال طيالها

ليس بالأعراف. وأما قولهم رواء مع سكونها في ربان وانقلابها فلئلا يجمعوا بين إعلالين: قلب الواو الي هي عين ياء وقلب الباء التي هي لام همزة. ونواء ليس بنظيره لأن الواو في واحده صحيح وهو قولك ناو.

كيف يمنع إعلال الإسم:

ويمتنع الإسم من الإعلال بأن يسكن ما قبل واوه ويائه أو ما هو بعدهما إذا لم يكن نحو الإقامة والإستقامة مما يعتل باعتلال فعله وذلك قولهم حول وعوار ومشوار وتقوال وسووق وغوور وطويل ومقاوم واهوناء وشيوخ وهيام وخيار ومعايش وابيناء.

إعلال الجمع الذي اكتنفت ألفه الواو والياء:

وإذا اكتنفت ألف الجمع الذي بعده حرفان واوان، أو ياءان، أو واو وياء، قلبت الثانية همزة كقولك في أول أوائل، وفي خير خيائر، وفي سيقة سيائق، وفي فوعلة من البيع بوائع، وقولهم ضياول شاذ كالقود وإذا كان الجمع بعد ألفه ثلاثة أحرف فلا قلب كقولك عواوير وطواويس. وقوله:

وكحل العينين بالعواور

إنما صح لأن الياء مرادة وعكسه قوله:

فيها عياييل أسود ونمر

لأن الياء مزيدة للإشباع كياء الضياريف. ومن ذلك إعلال صيم وقيم للقرب من الطرف، مع تصحيح صوام وقوام. وقولهم فلان من صيابة قومه وقوله:

فما أرق النيام إلا سلامها

شاذ.

ونحو سيد وميت وديار وقيام وقيوم قلب فيها الواو ياء، ولم نفعل ذلك في سوير وبويع وتسوير لئلا يختلطا بفعل وتفعل.

وتقول في جمع مقامة ومعونة ومعيشة مقاوم ومعاون ومعايش مصرحاً بالواو والياء، ولا تهمز كما همزت رسائل وعجائز وصحائف ونحوها مما الألف والواو والياء في وحدانه مدات لا أصل لهن في الحركة.

إعلال فعلي:

وفعلي من الياء إذا كانت إسماً قلبت ياؤها واواً كالطوبي والكوسي من الطيب والكيس، ولا تقلب في الصفة كقولك في الصفة مشية حيكى وقسمة ضيزى.

الفصل الثالث:

الواو والياء لامين

الواو والياء لامين

حكمهما أن تعلا أو تحذفا أو تسلما فاعلاً لهما متى تحركتا وتحرك ما قبلهما إن لم يقع بعدهما ساكن، إما قلبا لهما إلى الألف إن كانت حركة ما قبلهما فتحة نحو غزا ورمى وعصا ورحى، أو لإحداهما إلى صاحبتها كأغريت والغازي ودعي ورضي وكالبقوي والشروي والجباوة أو إسكانهما كيغزو ويرمي وهذا الغازي وراميك. وحذفهما في نحو لا ترم ولا تغز واغز وارم وفي يد ودم وسلامتهما في نحو الغزو والرمي ويغزوان ويرميان وغزوا ورميا.

حركات إعرابهما

ويجريان في تحمل حركات اإعراب مجرى الحروف الصحاح إذا سكن ما قبلهما في نحو دلو وظبي وعدو وعدي ومحوار وواو وزاي وآي. وإذا تحرك ما قبلهما لم يتحملا إلا النصب نحو لن يغزو ولن يرمي وأريد أن تستقي وتستدعي ورأيت الرامي والعمى والمضوضي.

وقد جاء الإسكان في قوله:

أبى الله أن أسمو بأم ولا أب

وقوله الأعشى:

ولا من حفى حتى تلاقي محمدا

فآليت لا أرثي لها مـن كـلالة

وقوله:

يا دار هند عفت إلا أثافيها

وفي المثل أعط القوس باريها. وهما في حال الرفع ساكنان. وقد شذ التحريك في قوله:

موالي ككباش العوس سحاح

ولا يقع في المجرور إلا الياء لأنه ليس في الأسماء المتمكنة ما آخره واو قبلها حركة. وحكم الياء في الجر حكمهما في الرفع. وقد حكي لجرير:

ويوماً ترى منهن غولا تغـول

فيوماً يجازين الهوى غير ماضي

وقال ابن الرقيات:

يصبحن إلا لهن مطـلـب

لا بارك الله في الغواني هل

وقال الآخر:

كجواري يلعبن في الصحراء

ما أن رأيت ولا أرى في مدتي

سقوطهما في الجزم:

ويسقطان في الجزم سقوط الحركة. وقد ثبتتا في قوله:

من هجو زبان لم تهجو ولم تدع

هجوت زبان ثم جئت معتـذراً

وقوله:

بما لاقت لبون بني زياد

ألم يأتيك والأنباء تنمـى

وفي بعض الروايات عن ابن كثير أنه قرأ: "من يتقي ويصبر". وأما الألف فتثبت ساكنة أبداً، إلا في حال الجزم فإنها تسقط سقوطهما نحو لم يخش ولم يدع. وقد أثبتها من قال:

كأن لم ترى قبلي أسيراً يمانياً

وتضحك مني شيخة عبشمـية

ونحوه:

ما لاح بالمعزاء ريع سراب

ما أنس لا أنساه آخر عيشتي

ومنه:

ولا ترضاها ولا تملـق

إذا العجوز غضبت فطلق

حكم الواو المتطرفة بعد متحرك:

ولرفضهم في الأسماء المتمكنة أن تتطرف الواو بعد متحرك قالوا في جمع دلو وحقو على أفعل، وفي جمع عرقوة وقلنسوة في حد تمرة، وتمر أدل وأحق وعرق وقلنس، قال:

أهل الرباط البيض والقلنس

لا صبر حتى تلحقي بعنـس

فأبدلو من الضمة الواقعة قبل الواو كسرة لتنقلب ياء مثلها في ميزان وميقات وقالوا قلنسوة وقمحدوة وافعوان وعنفوان وأقحوان حيث لم تتطرف. ونظير ذلك الإعلال في نحو الكساء والرداء. وتركه في نحو النهاية والعظاية والصلاية والشقاوة والأبوة والأخوة والثنائين والمذروين. وسأل سيبويه الخليل عن قولهم صلاءة وعباءة فقال: إنما جاؤوا بالواحد على قولهم صلاء وعظاء وعباء وأما من قال صلاية وعباية فإنه لم يجيء بالواحد على الصلاء والعباء كما أنه إذا قال خصيان لم يثنه على الواحد المستعمل في الكلام.

وقالوا عتى وجثى وعصى ففعلوا بالواو المتطرفة بعد الضمة في فعول مع حجز المدة بينهما ما فعلوا بها في أدل وقلنس كما فعلوا في الكساء نحو فعلهم في العصا. وهذا الصنيع مستمر فيما كان جمعاً، إلا ما شذ من قول بعضهم إنك لتنظر في نحو كثيرة ولم يستمر فيما ليس بجمع قالوا عتو ومغزو وقد قالوا عتي ومغزى قال:

أنا الليث معدياً عليه وعـادياً

وقد علمت عرسي مليكة أنني

وقالوا أرض مسنية ومرضي، وقالوا مرضو على القياس. قال سيبويه والوجه في هذا النحو الواو والأخرى عربية كثيرة والوجه في الجمع الياء.

حكم الواو والياء بعد ألف:

والمقلوب بعد الألف يشترط فيه أن تكون الألف مزيدة مثلها في كساء ورداء فإن كانت أصلية لم تقلب كقولك واو وزاي وثاية.

حكم الواو المكسور ما قبلها:

والواو المكسور ما قبلها مقلوبة لا محالة نحو غازية ومحنية. وإذا كانوا ممن يقلبها وبينها وبين الكسرة حاجز في نحو قنية وهو ابن عمي دنيا فهم لها بغير حاجز أقلب.

قلب الياء واواً في فعلي:

وما كان فعلي من الياء قلبت ياؤه واواً في الأسماء كالتقوى والبقوى والرعوى والشروى والعوى لأنه من عويت والطغوى لأنها من الطغيان. ولم تقلب في الصفات نحو خزيا وصديا وريا ولا يفرق فيما كان من الواو نحو دعوى وعدى وشهوى ونشوى وفعلى تقلب واوها ياء في الإسم دون الصفة. فالإسم نحو الدنيا والعليا والقصيا وقد شذ القصوى وحزوى، والصفة قولك إذا بنيت فعلى من غزوت غزوي، ولا يفرق في فعلى من الياء نحو الفتيا والقضيا في بناء فعلى من قضيت وأما فعلى فحقها أن تنساق على الأصل صفة وإسماً.

قلب الياء ألفاً بعد ألف الجمع والهمزة:

وإذا وقعت بعد ألف الجمع الذي بعده حرفان همزة عارضة في الجمع وياء قلبوا الياء ألفاً والهمزة ياء وذلك قولهم مطايا وركايا والأصل مطائي وركائي على حد صحائف ورسائل، وكذلك شوايا وحوايا في جمع شاوية وحاوية فاعلتين من شويت وحويت، والأصل شواوي وحواوي ثم شوائي وحوائي على حد أوائل ثم شوايا وحوايا. وقد قال بعضهم هداوي في جمع هدية وهو شاذ. وأما نحو إداوة وعلاوة وهراوة فقد ألزموا في جمعه الواو بدل الهمزة فقالوا أداوي وعلاوي وهراوي كأنهم أراوا مشاكلة الواحد الجمع في وقوع واو بعد ألف. وإذا لم تكن الهمزة عارضة في الجمع كهمزة جواء وسواء جمع جائية وسائية فاعلتين من جاء وساء لم تقلب.

قلب الواو ياء إذا وقعت رابعة فصاعداً:

وكل واو وقعت رابعة فصاعداً ولم ينضم ما قبلها قلبت ياء نحو أغزيت وغازيت ورجيت وترجيت واسترشيت. ومضارعتها ومضارعة غزي ورضي وشائي في قولك يغزيان ويرضيان ويشأيان. وكذلك ملهيان ومصطفيان ومعليان ومستدعيان.

وقد أجروا نحو حي وعي مجري بقي وفني فلم يعلوه. وأكثرهم يدغم فيقول حي وعي بفتح الفاء وكسرها كما قيل لي ولي في جع ألوى قال الله تعالى: "ويحيى من حيي عن بينة". وقال عبيد:

عيت ببيضتها الحمامة

عيوا بأمرهـم كـمـا

وكذلك أحي واستحي وحوى في أحيى واستحيى وحويى وكل ما كانت حركته لازمة. ولم يدغموا فيما لم تلزم حركته نحو لن يحيى لن يحيى ولن يستحيى ولن يحايي. وقالوا في جمع حياء وعي أحية واعياء وأحيية. وقوي مثل حي في ترك الإعلال ولم يجيء في الإدغام إذا لم يلتق فيه مثلان لقلب كسرة الواو الثانية ياء.

حكم مضاعف الواو:

ومضاعف الواو مختص بفعلت دون فعلت وفعلت، لأنهم لو بنوا من القوة نحو غزوت وسروت أن يقولوا قووت وقووت. وهم لاجتماع الواوين أكره منهم لاجتماع الياءين. وفي بناء نحو شقيت تنقلب الواو ياء. وأما القوة والصوة والبو والجو فمحتملات للإدغام.

وقالوا في أفعال من الحوة احواوي فقلبوا الواو الثانية ألفاً ولم يدغموا لأن الإدغام كان يصيرهم إلى ما رفضوه من تحريك الواو بالضم في نحو يغزو ويسرو لو قالوا يحواو، وتقول في مصدره احويواء واحوياء، ومن قال أشهباب قال احوواء. ومن أدغم اقتتال فقال قتال قال حواء.

الباب العاشر

الإدغام

حده

ثقل التقاء المتجانسين على ألسنتهم فعمدوا بالإدغام إلى ضرب من الخفة. والتقاؤهما على ثلاثة أضرب: أحدها أن يسكن الأول ويتحرك الثاني فيجب الإدغام ضرورة كقولك لم يرح حاتم ولم أقل لك. والثاني أن يتحرك الأول ويسكن الثاني فيمتنع الإدغام كقولك ظللت ورسول الحسن. والثالث أن يتحركا وهو على ثلاثة أوجه: ما الإدغام فيه واجب وذلك أن يلتقيا في كلمة وليس أحدهما للإلحاق نحو رد ويرد. وما هو جائز وذلك أن ينفصلا وما قبلهما متحرك أو مدة نحو أنعت تلك، والمال لزيد، وثوب بكر، أو يكونا في حكم الإنفصال نحو اقتتل لأن تاء الإفتعال لا يلزمها وقوع تاء بعدها فهي شبيهة بتاء تلك. وما هو ممتنع فيه وهو على ثلاثة أضرب: أحدها فهي شبيهة بتاء تلك. وما هو ممتنع فيه وهو على ثلاثة أضرب: أحدها أن يكون أحدهما للإلحاق نحو قردد وجلبب، والثاني أن يؤدي فيه الإدغام إلى لبس مثال بمثال نحو سرر وطلل وجدد، والثالث أن ينفصلا ويكون ما قبل الأول حرفاً ساكناً غير مدة نحو قرم مالك وعدو وليد. ويقع الإدغام في المتقاربين كما يقع في المتماثلين. ولا بد من ذكر مخارج الحروف لتعرف متقاربتها من متباعدتها.

مخارج الحروف

ومخارجها ستى عشر. فللهمزة والهاء والألف أقصى الحلق. وللعين والحاء أوسطه وللغين والخاء أدناه. وللقاف أقصي وما فوقه من الحنك. وللكاف من اللسان والحنك ما يلي مخرج القاف. وللجيم والشين والياء وسط اللسان وما يحاذيه من وسط الحنك. وللضاد أول حافة اللسان وما يليها من الأضراس. وللام ما دون أول حافة اللسان إلى منتهى طرفه وما يحاذي ذلك من الحنك الأعلى فويق الضاحك والناب. الرباعية والثنية. وللنون ما بين طرف اللسان وفويق الثنايا. وللراء ما أدخل في ظهر اللسان قليلاً من مخرج النون. وللطاء والدال والتاء ما بين طرف اللسان وأصول الثنايا. وللصاد والزاي والسين ما بين الثنايا وطرف اللسان. وللظاء والذال والثاء ما بين طرف اللسان وأطراف الثنايا. وللفاء باطن الشفة السفلى وأطراف الثنايا العليا. وللياء والميم والواو ما بين الشفتين.

عدد الحروف

ويرتقي عدد الحروف إلى ثلاثة وأربعين. فحروف العربية الأصول تلك التسعة والعشرون. وتتفرع منها ستة مأخوذ بها في القرآن وكل كلام فصيح، وهي الهمزة بين بين، والنون الساكنة التي هي غنة في الخيشوم نحو عنك وتسمى النون الخفيفة والخفية، وألفا الإمالة والتفخيم نحو عالم والصلوة، والشين التي هي كالجيم نحو أشدق، والصاد التي كالزاي نحو مصدر، والبواقي حروف مستهجنة وهي الكاف التي كالجيم، والجيم التي كالكاف، والجيم التي كالشين. والضاد الضعيفة، والصاد التي كالسين، والطاء التي كالتاء، والظاء التي كالثاء، والباء التي كالفاء.

أقسام الحروف حسب أصواتها:

وتنقسم إلى المجهورة، والمهموسة، والشديدة، والرخوة، وما بين الشديدة والرخوة، والمطبقة، والمنفتحة، والمستعلية، والمنخفضة، وحروف القلقة، وحروف الصفير، وحروف الذلاقة، والمصمتة، واللينة، وإلى المنحرف، والمكرر، والهاوي، والمهتوت. فالمجهور ما عدا المجموعة في قولك ستشحثك خصفة وهي المهموسة. والجهر إشباع الإعتماد من مخرج الحرف ومنع النفس أن يجري معه. والهمس بخلافة. والذي يتعرف به تباينهما أنك إذا كررت القاف فقلت قق وجدت النفس محصوراً لا تحس معها بشيء منه، وتردد الكاف فتجد النفس مقاوداً لها ومساوقاً لصوتها. والشديدة ما في قولك أجدت طبقك أو أجدك قطبت. والرخوة ما عداها وعدا ما في قولك لم يروعنا أو لم يرعونا وهي التي بين الشديدة والرخوة. والشدة أن يحصر صوت الحرف في مخرجه فلا يجري. والرخاوة بخلافها. ويتعرف تباينهما بأن تقف على الجيم والشيم فتقول الحج والطش فإنك تجد صوت الجيم راكداً محصوراً لا تقدر على مده وصوت الشين جارياً تمده إن شئت. والكون بين الشدة والرخاوة أن يتم لصوته الإنحصار ولا الجري كوقفك على العين وإحساسك في صوتها بشبه الإنسلال من مخرجها إلى مخرج الحاء. والمطبقة الصاد والظاء والضاد والطاء. والمنفتحة ما عداها. والإطباق أن تطبق على مخرج الحرف من اللسان وما حاذاه من الحنك. والإنفتاح بخلافه. والمستعلية الأربعة المطبقة والخاء والغين والقاف. والمنخفضة ما عداها. والإستعلاء ارتفاع اللسان إلى الحنك أطبقت أو لم تطبق والانخفاض بخلافه. وحروف القلقلة ما في قولك قد طبج، والقلقلة ما تحسن به إذا وقفت عليها من شدة الصوت المتصعد من الصدر مع الحفز والضغط. وحروف الصفير الصاد والزاي والسين لأنها يصفر بها. وحروف الذلاقة ما في قولك مر بنفل. والمصمتة ما عداها. والذلاقة الإعتماد بها على ذلق اللسان وهو طرفه. والإصمات إنه لا يكاد يبنى منها كلمة رباعية وخماسية معراة من حروف الذلاقة فكأنه قد صمت عنها. واللينة حروف اللين. والمنحرف اللام قال سيبويه هو حرف شديد جرى فيه الصوت لانحراف اللسان مع الصوت. والمكرر الراء لأنك إذا وقفت عليه تعثر طرف اللسان بما فيه من التكرير. والهاوي الألف لأن مخرجه أتسع لهواء الصوت أشد من أتساع مخرج الياء والواو. والمهتوت التاء لضعفها وخفائها.

وصاحب العين يسمى القاف والكاف لهويتين لأن مبدأهما من اللهاة، والجيم والصاد شجرية لأن مبدأهما من شجر الفم وهو مفرجه، والصاد والزاي والسين أسلية لأن مبدأهما من أسلة اللسان، والطاء والدال والتاء نطعية لأن مبدأها من نطع الغار الأعلى والظاء والذال والثاء لثوية لأن مبدأها من اللثة، والراء واللام والنون ذولقية لأن مبدأها من ذولق اللسان، والواو والفاء والباء والميم شفوية أو شفهية، وحروف المد واللين جوفاء.

لا بد من تقريب حرفي الإدغام:

وإذا ريم إدغام الحرف في مقاربة فلا بد من تقدمه قلبه إلى لفظه ليصير مثلاً له، لأن محاولة إدغامه فيه كما هو محال. فإذا رمت إدغام الدال إلى السين من قوله تعالى: "يكاد سنا برقه". فاقلب الدال أولاً سيناً. ثم أدغمها في السين فقل يكاسنا برقه. وكذلك التاء في الطاء من قوله: "وقالت طائفة".

إدغام الحرفين المتقاربين من كلمة أو كلمتين:

ولا يخلو المتقاربين من أن يلتقيا في كلمة أو في كلمتين. فإن التقيا في كلمة نظر، فإن كان إدغامهما مما يؤدي إلى اللبس لم يجز نحو عتد ووقد ووتد يتد وكنية، وشاة زنماء، وغنم زنم. ولذلك قالوا في مصدر وطد ووتد طدة وتدة، وكرهوا وطداً ووتداً لأنهم من بيانه وإدغامه بين ثقل ولبس، وفي وتد يتد مانع خر وهو أداء الإدغام إلى إلا علالين: وهما حذف الفاء في المضارع والإدغام، ومن ثم لم يبنوا نحو وددت بالفتح لأن مضارعه كان يكون فيه إعلالان، وهو كقولك يد وإن لم يلبس جاز نحو امحى وهمرش وأصلهما انمحى وهنمرش، لأن افعل وفعلل ليس في أبنيتهم فأمن الإلباس. وإن التقيا في كلمتين بعد متحرك أو مدة فالإدغام جائز لأنه لا لبس فيه، ولا تغيير صيغة.

ليس التقارب شرطاً كافياً للإدغام:

وليس بمطلق أن كل متقاربين في المخرج يدعم أحدهما في الآخر، ولا أن كل متباعدين يمتنع ذلك فيهما. فقد يعرض للمقارب من الموانع ما يحرمه الإدغام، ويتفق للمباعد من الخواص ما يسوغ إدغامه. ومن ثم لم يدغموا حروف ضوي مشفر فيما يقاربهما. وما كان من حروف الحلق أدخل في الفم. وأدغموا النون في الميم، وحروف طرف اللسان في الضاد والشين. وأنا أفصل لك شأن الحروف واحداً فواحداً، وما لبعضها مع بعض في الإدغام، لأقفك على حد ذلك عن تحقق واستبصار بتوفيق الله تعالى وعونه.

إدغام الهمزتين:

فالهمزة لا تدغم في مثلها إلا في نحو قولك سأل ورأس والدأث في اسم واد؛ وفيمن يرى تحقيق الهمزتين قال سيبويه: فأما الهمزتان فليس فيهما إدغام من نحو قولك قرأ أبوك وأقرئ أباك. قال: وزعموا أن ابن أبي إسحاق كان يحقق الهمزتين وناس معه وهي رديئة. فقد يجوز الإدغام في قول هؤلاء ولا تدغم في غيرها ولا غيرها فيها.

الألف لا تدغم:

والألف لا تدغم البتة لا في مثلها ولا في مقاربها ولا يستطاع أن تكون مدغماً فيها.

الهاء تدعم في الحاء والهاء:

والهاء تدغم في الحاء وقعت بعدها أو قبلها كقولك في أجبه حاتماً واذبح هذه: أجبحاتماً واذبحاذه. ولا يدغم فيها إلا مثلها نحو أجبه هلالاً.

العين تدغم في مثلها: وفي الحاء:

والعين تدغم في مثلها كقولك ادفع علياً، كقوله عز وجل: "من ذا الذي يشفع عنده". وفي الحاء وقعت بعدها أو قبلها كقولك في ارفع حاتماً واذبح عتوداً: ارفحاتما واذبحتودا. وقد روى اليزيدي عن أبي عمرو: "فمن زحزح عن النار" بإدغام الحاء في العين. ولا يدغم فيها إلا مثلها. وإذا اجتمع العين والهاء جاز قلبهما حاءين وإدغامهما في نحو قولك في معهم وأجبه عتبة: محم، وأجبحتبة.

الحاء تدغم في مثلها وفي الهاء والعين:

والحاء تدغم مثلها نحو اذبح حملاً وقوله تعالى: "لا أبرح حتى". وتدغم فيها الهاء والعين.

إدغام الغين والخاء:

والغين والخاء تدغم كل واحدة منهما في مثلها وفي أختها كقراءة أبي عمرو: "ومن يبتغ غير الإسلام ديناً". وقولك لا تمسخ خلقك وادمغ خلقاً، واسلخ غنمك.

إدغام القاف والكاف:

القاف والكاف كالغين والخاء تدغم كل منهما في مثلها وفي أختها قال تعالى: "فلما أفاق قال". وقال تعالى: "كي نسبحك ونذكرك كثيراً": وقال تعالى: "خلق كل دابة". وقال تعالى: "حتى إذا خرجوا من عندك قالوا".

إدغام الجيم:

والجيم تدغم في مثلها نحو أخرج جابراً، وفي الشين نحو أخرج شيئاً وقال تعالى: " أخرج شطأه". وروى اليزيدي عن أبي عمرو إدغامها في التاء في قوله تعالى: "ذي المعارج تعرج". وتدغم فيها الطاء والدال والتاء والظاء والذال والثاء نحو اربط جملاً، واحمد جابراً، ووجبت جنونها، واحفظ جارك، وإذ جاؤوكم، ولم يلبث جالساً.

إدغام الشين:

والشين لا تدغم إلا في مثلها كقولك أقمش شيحاً. ويدغم فيها ما يدغم في الجيم، والجيم، واللام، كقولك لا تخالط شراً، ولم يرد شيئاً، وأصابت شرباً، ولم يحفظ شعراً، ولم يتخذ شريكاً، ولم يرث شسعاً، ولم يخرج شيئاً ودنا الشاسع.

إدغام الياء:

والياء تدغم في مثلها متصلة كقولك حيي وعيي، وشبيهة بالمتصلة كقولك قاضي ورامي، ومنفصلة إذا انفتح ما قبلها كقولك اخشي ياسراً، وإن كانت حركة ما قبلها من جنسها كقولك اظلمي ياسراً لم تدغم ويدغم فيها مثلها، والواو نحو طيا، والنون نحو من يعلم.

إدغام الضاد:

الضاد لا تدغم إلا في مثلها كقولك إقبض ضعفها، وأما ما رواه أبو شعيب السوسي عن اليزيدي أن أبا عمرو كان يدغمها في الشين في قوله تعالى: "لبعض شأنهم". فما برئت من عيب رواية أبي شعيب. ويدغم فيها ما يدغم في الشين إلا الجيم كقولك: حط ضمانك، وزد ضحكاً، وشدت ضفائرها، واحفظ ضأنك، ولم يلبث ضارباً، وهو الضاحك، وإذ ضرب.

إدغام اللام:

واللام إن كانت المعرفة فهي لازم إدغامها في مثلها وفي الطاء والدال والتاء والظاء والذال والثاء والصاد والسين والزاي والشين والضاد والنون والراء. وإن كانت غيرها نحو لام هل وبل فإدغامها فيها جائز. ويتفاوت جوازه إلى حسن وهو إدغامها في الراء كقولك هل رأيت، وإلى قبيح وهو إدغامها في النون كقولك هل نخرج، وإلى وسط وهو إدغامها في البواقي. وقرئ: "هثوب الكفار". وأنشد سيبويه:

على ضوء برق آخر الليل ناضب

فذرذا ولكن هتـعـين مـتـيمـاً

وأنشد:

فكيهة هشيء بكفيك لائق

تقول إذا أهلكت مالاً للذة

ولا يدغم فيها إلا مثلها، والنون كقولك من لك، وإدغام الراء لحن.

إدغام الراء:

والراء لا تدغم إلا في مثلها كقوله تعالى: "واذكر ربك". وتدغم فيها اللام والنون كقوله تعالى "كيف فعل ربك وإذ تأذن ربك"

إدغام النون:

والنون تدغم في حروف يرملون كقوله من يقول، ومن راشدن ومن محمد، ومن لك، ومن راقد ومن نكرم. وإدغامها على ضربين: إدغام بغنة وبغير غنة. ولها أربع أحوال: إحداها الإدغام مع هذه الحروف. والثانية البيان مع الهمزة والهاء والعين والحاء والغين والخاء كقولك: من أجلك، ومن هانيء، ومن عندك، ومن حملك، ومن غيرك، ومن خانك. إلا في لغة فوم أخفوها مع الغين والخاء فقالوا منخل ومنغل. والثالثة القلب إلى الميم قبل الباء كقولك شنباء وعمبر. والرابعة الإخفاء مع سائر الحروف وهي خمسة عشر حرفاً كقولك من جابر، ومن كفر ومن قتل، وما أشبه ذلك. قال أبو عثمان وبيانها مع حروف الفم لحن.

إدغام الطاء والتاء والظاء والذال والثاء:

والطاء والدال والتاء والظاء والذال والثاء ستتها يدغم بعضها في بعض، وفي الصاد والزاي والسين. وهذه لا تدغم في تلك إلا أن بعضها يدغم في بعض. والأقيس. في المطبقة إذا أدغمت تبقية الإطباق كقراءة أبي عمرو: "فرطت في جنب الله".

إدغام الفاء:

والفاء لا تدغم إلا في مثلها كقوله تعالى: "وما اختلف فيه". وقريء أيضاً: "نخسف بهم" بإدغامها في الباء.

وهو ضعيف تفرد به الكسائي وتدغم فيها الباء.

إدغام الباء:

والباء لا تدغم إلا في مثلها. قرأ أبو عمرو: "لذهب بسمعهم". وفي الفاء والميم نحو: "اذهب فمن تبعك ويعذب من يشاء". ولا يدغم فيها إلا مثلها.

إدغام الميم:

والميم لا تدغم إلا في مثلها قال الله تعالى: "فتلقى آدم من ربه". وتدغم فيها النون والباء.

إدغام التاء في افتعل:

وافتعل إذا كان بعد تائها مثلها جاز فيه البيان والإدغام. والإدغام سبيله أن تسكن التاء الأولى وتدغم في الثانية وتنقل حركتها إلى الفاء، فيستغنى في الحركة عن همزة الوصل فيقال قتلوا بالفتح. ومنهم من يحذف الحركة ولا ينقلها فيلقى ساكنان فيحرك الفاء بالكسر فيقول قتلوا. فمن فتح قال يقتلون ومقتلون بفتح الفاء ومن كسر قال يقتلون ومقتلون بالكسر، ويجوز مقتلون بالضم اتباعاً للميم لما حكي عن بعضهم مردفين، وتقلب مع تسعة أحرف إذا كن قبلها مع الطاء والظاء والصاد طاء، ومع الدال والذال والزاي دالاً، ومع الثاء والسين ثاء وسيناً فأما مع الطاء فتدغم ليس إلا، كقولك: وأطعنوا. ومع الظاء تبين وتدغم بقلب الظاء طاء أو الطاء ظاء كقولهم أظطلم وأطلم وأظلم. ورويت الثلاثة في بيت زهير:

عفواً ويظلم أحياناً فيظلـم

هو الجواد الذي يعطيك نائله

ومع الضاد تبين وتدغم بقلب الطاء ضاداً كقولك: اضطرب وأضرب، ولا يجوز أطرب. وقد حكي أطجع في اضطجع، وهو في الغرابة كالطجع. ومع الصاد تبين وتدغم بقلب الطاء صاداً كقولك: مصطبر ومصبر واصطفى واصطلى واصفى واصلى وقريء: "إلا أن يصلحا". ولا يجو مطبر. وتقلب مع الدال والذال والزاي دالاً. فمع الدال والذال تدغم كقولك إدان وادر واذكر وحكى أبو عمرو عنهم اذدكر وهو مذدكر. وقال الشاعر:

والهرم تذريه اذدراء عجـبـاً

تنحي على الشوك جرازاً مقضباً

ومع الزاي تبين وتدغم بقلب الدال إلى الزاي كقولك: إزدان وازان. ومع الثاء تدغم ليس إلا بقلب كل واحد منهما إلى صاحبتها فتقول مثرد ومترد ومنه آثار وأتار. ومع السين تبين وتدغم بقلب التاء إليها نحو مستمر ومسمع. وقد شبهوا تاء الضمير بتاء الإفتعال فقالوا خبط قال:

وفي كل حي قد خبط بنعمة

وفزد وحصط عينه، وعده ونقده، يريدون خبطت وفزت وحصت وعدت ونقدت. قال سيبويه وأعرب اللغتين وأجودهما أن لا تقلب. وقال: وإذا كانت التاء متحركة وبعدها هذه الحروف ساكنة لم يكن إدغام يريد نحو: استطعم واستضعف. واستدرك لأن الأول متحرك والثاني ساكن فلا سبيل إلى الإدغام، واستدان واستضاء واستطال بتلك المنزلة لأن فاءها في نية السكون.

إدغام تاء تفعل وتفاعل:

وادغموا تاء تفعل وتفاعل فيما بعدها فقالوا اطيروا وازينوا وأثاقلوا. وإذا رأو مجتلبين همزة الوصل للسكون الواقع بالإدغام لم يدغموا نحو تذكرون، لئلا يجمعوا بين حذف التاء الاولى وإدغام الثانية.

إدغام شاذ:

ومن الإدغام الشاذ قولهم أصله سدس، فأبدلوا السين تاء وأدغموا فيها الدال. ومنه ود في لغة بني تميم وأصلها وتد وهي الحجازية الجيدة. ومثله عدان في عتدان. وقال بعضهم عتد فراراً من هذا.

العدول عن الإدغام إلى الحذف:

وقد عدلوا في بعض ملاقي المثلين أو المتقاربين لإعواز الإدغام إلى الحذف فقالوا في ظللت ومسست وأحسست ظلت ومست وأحست قال:

أحسن به فهن إليه شوس

وقول بعض العرب استخذ فلان أرضاً، لسيبويه فيه مذهبان: أحدهما أن يكون أصله استتخذ فتحذف التاء الثانية، والثاني أن يكون اتخذ فتبدل السن مكان الأولى. ومنه قولهم يسطيع بحذف التاء، وقولهم يستيع، إن شئت قلت حذفت الطاء وتركت تاء الإستفعال، وإن شئت قلت حذفت التاء المزيدة وأبدلت التاء مكان الطاء. وقالوا بلعنبر وبلعجلان في بني العنبر وبني العجلان وعلماء بنو فلان أي على الماء. قال:

وعاجت صدور الخيل شطر تميم

غداة طفت علماء بكر بـن وائل

وإذا كانوا ممن يحذفون مع إمكان الإدغام في يتسع ويتقي فهم مع عدم إمكانه أحذف.

تم الكتاب.