اللباب علل البناء والإعراب 1

اللباب علل البناء والإعراب

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 40 ]

باب بيان النحو وأصل وضعه

اعلم أن النحو في الأصل مصدر ( نحا ينحو ) إذا قصد ويقال نحا له وأنحى له وإنما سمي العلم بكيفية كلام العرب في أعرابه وبنائه ( نحوا ) لأن الغرض به أن يتحرى الإنسان في كلامه إعرابا وبناء طريقة العرب في ذلك

فصل

وحده عندهم أنه علم مستنبط بالقياس والاستقراء من كلام العرب والقياس ألا يثنى ولا يجمع لأنه مصدر ولكنه ثني وجمع لما تقل وسمي به ويجمع على ( أنحاء ونحو )

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 41 ]

باب القول في الكلام

الكلام عبارة عن الجملة المفيدة فائدة يسوغ السكوت عليها عند المحققين لثلاثة أوجه

أحدها أنه مشتق من ( الكلم ) وهو الجرح والجرح مؤثر في نفس المجروح فليزم أن يكون الكلام مؤثرا في نفس السامع

والثاني أن الكلام يؤكد به ( تكلمت ) كقولك تكلمت كلاما والمصدر المؤكد نائب عن الفعل والفاعل وكما أن الفعل والفاعل جملة مفيدة كذلك ما ينوب عنه الكلام

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 42 ]

الثالث أن الكلام ينوب عن التكليم والتكلم وكلاهما مشدد العين والتشديد للتكثير وأدنى درجاته أن يدل على جملة تامة

فصل

وإنما قال المحققون إن الكلام اسم للمصدر وليس بمصدر حقيقة لأن المصادر تبنى على الأفعال المأخوذة منها والأفعال المأخوذة من هذا الأصل ( كلمت ) ومصدره التكليم و ( تكلمت ) ومصدره ( التكلم ) و ( كالمت ) ومصدره ( المكالمة ) و ( الكلام ) والكلام ليس بواحد منها إلا أنه يعمل عمل المصدر كما عمل ( العطاء ) عمل ( الإعطاء )

فصل

وأما القول فيقع على المفيد لأن معناه التحرك والتقلقل فكل ما يمذل به اللسان ويتحرك يسمى ( قولا ) وهذا ما يتركب من ( ق ول ) في جميع تصاريفها وتقلب حروفها نحو القول والقلو والتوقل وغير ذلك

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 43 ]

باب أقسام الكلم

إنما علم كون الكلم ثلاثا فقط من وجهين

أحدهما أن الكلام وضع للتعبير عن المعاني والمعاني ثلاثة معنى يخبر به ومعنى يخبر عنه ومعنى يربط أحدهما بالآخر فكانت العبارات عنها كذلك

الثاني أنهم وجدوا هذه الأقسام تعبر عن كل معنى يخطر في النفس ولو كان هناك قسم آخر لم يوقف عليه لكان له معنى لا يمكن التعبير عنه

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 44 ]

فصل

وإنما فرق بين هذه العبارات في التسمية لاختلاف المعبر عنه

فصل

وإنما خص كل واحد منهما بالاسم الذي وضعوعه له لوجهين أحدهما ان المراد الفرق بين الاسماء ليحصل العلم بالمسميات وأي لفظ حصل بهذا المعنى جاز

والثاني أنهم خصوا المخبر عنه وبه بالاسم لأنه أي علا القسمين الآخرين إذ كان أحدهما يخبر به فقط والآخر لا يخبر به ولا عنه وسموا ما يخبر به فعلا لأنه مشتق من المصدر الذي هو فعل حقيقة ولم يسموه زمانا وإن دل على الزمان لوجهين

أحدهما أن دلالته على المصدر أقوى إذ دلالته على الزمان تختلف ويصح أن تبطل دلالته عليه بالكلية وأما دللاته على المصدر فلا يصح ذلك فيها

والثاني أنه لو سمي زمانا لم يدل على الحدث بحال وإنما سمي فعلا لأنه دل على الحدث لفظا وعلى الزمان من طريق الملازمة إذ يستحيل فعل المخلوق إلا في زمان ولم يسم عملا لأن الفعل من العمل وكان يقع على كل حركة

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 45 ]

وعزم ولهذا يقول من بنى حائطا قد عملت وقد فعلت وإذا تكلم قال قد فعلت ولا يقال عملت

وسمي القسم الثالث ( حرفا ) لأن حرف كل شيء طرفه والأدوات بهذه المنزلة لأن معانيها في غيرها فهي طرف لما معناها فيه

فصل

وللاسم حد عند المحققين لأنه لفظ يقع فيه اشتراك والقصد من الحد تمييز المحدود عما يشاركه

فصل

ومن أقرب حد حد به أنه كل لفظ دل على معنى مفرد في نفسه وقال قوم هو كل لفظ دل على معنى في نفسه غير مقترن بزمان محصل دلالة الوضع

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 46 ]

فصل

واشتقاقه عند البصريين من ( سما يسمو ) إذا علا فالمحذوف منه ( لامه ) لأن المحذوف يرجع إلى موضع اللام في جميع تصاريفه نحو سميت وأسميت وسمى وسمي وأسماء وأسام ولأن الهمزة فيه عوض من المحذوف وقد ألف من عاداتهم أن يعوضوا في غير موضع الحذف

وقال الكوفيون هو من السمة فالمحذوف ( فاؤه ) وهو خطأ في الاشتقاق وفيه الخلاف وهو صحيح في المعنى

فصل

وإنما سمي هذا اللفظ ( اسما ) من معنى العلو لوجهين أحدهما أنه سما على صاحبيه في الإخبار كما تقدم والثاني أنه ينوه بالمسمى لأن الشيء قبل التسمية خفي عن الذهن فهو كالشيء المنخفض فإذا سمي ارتفع للأذهان كارتفاع المبصر للعين

فصل

والألف واللام من خصائص الأسماء لأنهما وضعا للتعريف والتخصيص بعد الشياع ولا يصح هذا المعنى في الفعل والحرف ألا ترى أن قولك ( ضرب

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 47 ]

يضرب ) يقعان على كل نوع من أنواع الضرب ولا يصح تخصيصهما بضربة واحدة كما يكون ذلك قولك ( الرجل ) فإنه يصير بهما واحدا بعينه

فصل

وحروف الجر تختص بالأسماء لان الغرض منها إيصال الفعل القاصر عن الوصول إلى ما يقتضيه والفعل لا يقتضى إلا الاسم فصار الحرف وصلة بين الفعل وما يتعدى إليه

فصل

وتنوين الصرف والتنوين الفارق بين المعرفة والنكرة نحو ( صه ) من خصائص الأسماء لأن ما دخلا له يختص بالأسماء وهو الصرف وتمييز المعرفة من النكرة

فصل

ومن خصائص الاسم كونه فاعلا أو مفعولا أو مضافا أو مثنى أو مجموعا أو مصغرا أومنادى وسنذكر علة تخصيص الاسم بكل واحد من ذلك في بابه إن شاء الله

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 48 ]

فصل

وحد الفعل ما اسند إلى غيره ولم يسند غيره إليه وذكر الإسناد ههنا أولى من الإخبار لان الإسناد أعم إذ كان يقع على الاستفهام والأمر غيرهما وليس الإخبار كذلك بل هو مخصوص بما صح أن يقابل بالتصديق والتكذيب فكل إخبار إسناد وليس كل إسناد إخبارا

ولا ينتقض هذا الحد بقولهم ( تسمع بالمعيدي خير من أن تراه ) لأن ( خيرا ) هنا ليس بخبر عن ( تسمع ) بل عن المصدر الذي هو ( سماعك ) وتقديره ( أن تسمع ) وحذف ( أن ) وهي مراد جائز كما قال 1 -

( ألا ايهذا الزاجرى أحضر الوغى ... ) أي عن أن أحضر ودل على حذفه قوله وأن أشهد اللذات وقيل حده ما دل على معنى في نفسه مقترن بزمان محصل دلالة الوضع

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 49 ]

فصل

وإنما اختصت ( قد ) بالفعل لأنها وضعت لمعنى لا يصح إلا فيه وهو تقريب الماضي من الحال وتقليل المستقبل كقولك قد قام زيد أي عن قريب وزيد قد يعطي أي يقل ذلك منه فأما قوله تعالى ( قد نعلم إنه ليحزنك الذين يقولون ) فمعناه قد علمنا

فصل

وإنما اختصت ( السين ) بالفعل لأن معناها جواب ( لن يفعل ) وكذلك ( سوف ) إلا أن ( سوف ) تدل على بعد المستقبل من الحال و ( السين ) أقرب إلى ذلك منها ولما كانت ( لن ) لا معنى إلا في المستقبل كان جوابها كذلك

فصل

إنما دلت تاء التأنيث الساكنة على الفعل لأن الغرض منها الدلالة على تأنيث الفاعل فقط لا الدلالة على تأنيث الفعل إذ الفعل لا يؤنث ولا تجد تاء تأنيث

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 50 ]

متحركة متصلة بآخر الفعل وإنما ذلك في الأسماء مثل ( قائمة ) والحروف مثل ( ربت ) و ( ثمت )

فصل

وإنما دل اتصال الضمير المرفوع الموضع بالكلمة على أنها فعل لأن الضمير المتصل المرفوع لا يكون إلا فاعلا والفاعل لا يتصل بغير الفعل

فصل

وحدٌ الحرف ما دل على معنى في غيره فقط ولفظ ( دل ) أوْلى من قولك ( جاء ) لأن الحدود الحقيقية دالة على ذات المحدود بها وقولنا ( ما جاء لمعنى ) بيان العلة التى لأجلها جاء وعلة الشيء غيرُه ولا ينتقض ب ( أين ) و ( كيف ) لوجهين أحدهما أنهما - مع دلالتهما على معنى في غيرهما - دالان على معنى في أنفسهما وهو المكان والحال وقد حصل الاحتراز عن ذلك بقولنا فقط

والثاني أن دلالتهما على معنى في غيرهما من جهة تضمنها معنى الحرف وذلك عارض فيهما

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 51 ]

فصل

ومن علامات الحرف امتناعُه من دخول علامات صاحبيه لأن معانيها لا تصُح فيه

فصل

ومن علاماته أنه لاينعقد منه ومن الاسم وحده ولا من الفعل وحده فائدة وهو معنى قولهم الحرف ما لم يكن أحد جزئي الجملة فأما حصول الفائدة به وبالاسم في النداء فلنيابته عن الفعل ولذلك دلائل تذكر في باب النداء إن شاء الله

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 52 ]

باب الإعراب والبناء

الإعراب عند النحويين هو اختلاف آخر الكلمة لاختلاف العامل فيها لفظًا أو تقديرًا ويدخل في هذا إعراب الاسم الصحيح والمعتل فالمقصور يقدر علىألفه الإعراب كاللفظ وليس كذلك آخر المبني فإن آخره إذا كان ألفا لا تقدر عليه حركة إلا أن يكون مما يستحق البناء علىالحركة

فصل

وفي أصله الذي نقل منه أربعة أوجه أحدها أنه من قولهم أعرب الرجل إذا أبان عما قي نفسه والحركات في الكلام كذلك لأنها تبين الفاعل من المفعول وتفرق بين المعاني كما في قولهم ماأحسن

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 53 ]

زيدًا ! فإنه إذا عري عن الحركات احتمل النفي والاستفهام والتعجُب وكذلك قولك ضرب زيدٌ عمرًا لو عرَيته من الإعراب لم تعرف الفاعل من المفعول والثاني أنه من قولك أعرب الرجل إذا تكلم بالعربيَة كقولهم أعرب الرجل إذا كان له خيل عراب فالمتكلَم بالرفع والنصب والجرَ متكلّم كلام العرب وليس البناء كذلك لأنَّه لا يخصَّ العرب دون غيرهم والثالث أنَّه من قولهم أعْرَبْتُ مَعِدةَ الفصيل إذا عربت أيْ فسدت من شرب اللبن فأصْلحتها وازلت فسادها فالهمزةُ فيه همزة السلب كقولك عتب عليَّ فأعتبته وشكا فأشكيته والرابع أنُّه مأخوذ من قولهم امرأة عروب أي متحبّبة إلى زوجها بتحسُّنها فالإعراب يجبّب الكلام إلى المستمع

فصل

والإعراب معنى لا لفظ لأربعة أوجه

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 54 ]

أحدُها أنَّ الإعراب هو الاختلاف على ما سبق في حدّه والاختلاف معنى لالفظ والثانى أنَّه فاصل بين المعاني والفصل والتمييز معنى لالفظ والثالث أنَّ الحركات تضاف إلى الإعراب فيقال حركات الإعراب وضمَّه إعراب والشيء لا يضاف إلى نفسه والرابع أنَّ الحركة والحرف يكونان في المبنيّ وقد تزول حركة المعرب بالوقف مع الحكم بإعرابه وقد يكون السكون إعراباً وهذا كلّه دليل على أنَّ الإعراب معنى

فصل

والأصل في علامات الإعراب الحركات دون الحروف لثلاثة أوجه أحدُها أنَّ الإعراب دالٌّ على معنى عارض في الكلمة فكانت علامته حركة عارضة في الكلمة لما بينهما من التناسب والثانى أنَّ الحركة أيسر من الحرف وهي كافية في الدلالة على الإعراب وإذا حصل الغرض بالأخصر لم يصر إلى غيره والثالث أنَّ الحرف من جملة الصيغة الداَّلة على معنى الكلمة اللازم لها فلو جُعل

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 55 ]

الحرف دليلاً على الإعراب لادَّى ذلك إلى أن يدلَّ الشيء الواحد على معنيَيْن وفي ذلك اشتراك والأصل أنْ يُخصَّ كلُّ معنى بدليل

فصل

فأمَّا الإعراب بالحروف فلتعذُّر الإعراب بالحركة وسترى ذلك في مواضعه إن شاء الله تعالى

فصل

وإنَّما كانت ألقاب الإعراب أربعة ضرورة إذ لا خامس لها وذلك أنَّ الأعراض إمَّا حركة وإمَّا سكون والسكون نوع واحد والحركات ثلاث فمن هنا انقسمت إلى هذه العدَّة

فصل

والإعراب دخل الأسماء لمسيس الحاجة إلى الفصل بين المعاني على ما سبق وقال قُطْرُب دخل الكلام استحساناً لأنَّ المتكلَّم يصل بعض كلامه ببعض وفي

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 56 ]

تسكين أواخر الكلم في الوصل كُلْفة فحرَّك تسهيلا على المتكلم ولو المكتلّم لو كان الإعراب لحاجة الفصل وللفرق لا ستغني عنه بتقديم الفاعل على المفعول ولكان الاَّتفاق في الإعراب يوجب الأتفاق في المعاني وليس كذلك ألا ترى أنَّ قولك زيد قائم مثل قولك هل زيدٌ قائم وقولك إنَّ زيداً قائم مثل قولك زيد قائم في المعنى والجواب عَّما قاله من وجهين أحدهما أن السكون أسهل على المتكلَّم من الحركة والثانى أنَّ الغرض لو كان ما ذكر لكان المتكلَّم بالخيار إن شاء حرَّك بأي حركة شاء وأنَّ شاء سكَّن وأما التقديم فجوابه من وجهين أحدهما أنَّه لا يمكن في كلَّ مكان ألا ترى أنَّ التقديم في قولك ماأحسن زيداً ! غيرُ ممكن والثانى أنَّ في لزوم التقديم تضييقاً على المتكلَّم مع حاجته إلى التسجيع وإقامة القافية

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 57 ]

وأمَّا اختلاف الإعراب مع اتَّفاق المعنى وعكسه فشيء عارض جاز لضرب من التشبيه بالأصول فلا يناقض به

فصل

واختلفوا هل الإعراب سابق على البناء أم العكس فالمحقَّقون على أنَّ الإعراب سابق لأنَّ واضع اللغة حكيم يعلم أنَّ الكلام عند التركيب لا بدّ أن يعرض فيه لَبْس فحكمته تقتضي أن يضع الإعراب مقارناً للكلام

وقال الآخرون تكلَّمت العرب بالكلام عارياً من الإعراب فلمَّا عرض لهم اللبْس أزالوه بالإعراب وهذا لا يليق بحكمتهم

فصل

واختلفوا في حركات الإعراب هل هي أصلٌ لحركات البناء أم بالعكس أم كلُّ واحد منهما في موضعه أصل فذهب قوم إلى الأوَّل وعلته أن حركات الإعراب دوالٌّ على معان حادثة بعلَّة بخلاف حركات البناء وما ثبت بعلَّة أصل لغيره

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 58 ]

وذهب قوم إلى الثاني وعلَّته أن حركة البناء لازمة وحركة الإعراب منتقلة واللازم أصلٌ للمتزلزل إذْ كان أقوى منه وهذا ضعيف لأن نقل حركات الإعراب كان لمعنى ولزوم حركة البناء لغيره معنى

وذهب قوم إلى الثالث لأنَّ العرب تكلًّمت بالإعراب والبناء في أول وضع الكلام وكلّ واحد منهما له علَّة غير علَّة الآخر فلا معنى لبناء أحدهما على الآخر

فصل

وإنَّما كان موضع حركة الإعراب آخر الكلمة لثلاثة أوجه أحدها أنَّ الإعراب جيء به لمعنى طارئ على الكلمة بعد تمام معناها وهو الفاعلية والمفعوليَّة فكان موضع الدالّ عليه بعد استيفاء الصيغة الداَّلة على المعنى اللازم لها وليس كذلك لام التعريف وألف التكسير وياء التصغير لأنَّ التعريف والتكسير والتصغير كالأوصاف اللازمة للكلمة بخلاف مدلول الإعراب

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 59 ]

والثانى أنَّ حركة الإعراب تثبت وصلا وتحذف وقفاً وإنَّما يمكن هذا في آخر الكلمة إذ هو الموقوف عليه والثالث أنَّ أوَّل الكلمة لا يمكن إعرابُه لثلاثة أوجه أحدها أن َّمن الإعراب السكون والابتداُء بالساكن ممتنع والثانى أنَّ أوَّل الكلمة متحرَّك ضرورة وحركة الإعراب تحدث بعامل والحرف الواحد لا يحتمل حركتين والثالث أنَّ تحرُّك الأوَّل بحركة الإعراب فأمَّا يفضي إلى اختلاط الأبنية ولا يمكن أن يجُعل الإعراب في وسط الكلمة لأربعة أوجه أحدها ما تقدَّم من الوجه الأخير في منع تحريك الأول والثاني أنَّه يفضي إلى الجمع بين ساكنين في بعض المواضع والثالث أنه يفضي إلى توالي أربع متحركات في كلمة واحدة ك ( مدحرج ) إذا تحرَّكت الحاء إذ ليس معك ما يمكن تحريكُهُ من الحشو غيره

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 60 ]

والرابع أنَّ حشو الكلمة قد يكون حروفاً كثيرة وتعيين واحد منها بحركة الإعراب لا دليل عليه

فصل

وألقاب الإعراب أربعة رفع ونصب وجرٌّ وجزم وألقاب البناء ضمٌّ وفتحّ وكسر ووقف وتسمية كلّ واحد منها باسم الآخر تجوز وإنَّما فرَّقوا بينها في التسمية لافتراقها قي المعنى وذلك أنَّ حركة الإعراب تحدث عن عامل وحركة البناء لا تحدث عن عامل وإذا اختلفت المعاني اختلفت الأسماء الداَّلة عليها ليكون كلّ اسم دالاًّ على معنى من غير اشتراك وهو أقرب إلى الأفهام

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 61 ]

فصل

وإنَّما خصّوا الإعراب بالرفع لأنَّ الرفع ضمَّة مخصومة والنصب فتحة مخصومة وكذلك الجرَّ والجزم وحركة البناء حركة مطلقة والواحد المخصوص من الجنس لا يسمى باسم الجنس كالواحد من الآدميين إذا أردت تعريفه علَّقت عليه علماً كزيد وعمرو ولا تسمَّيه رجلا لا اشتراك الجنس في ذلك فضَّمة الإعراب كالشخص المخصوص وضمة البناء كالواحد المطلق

فصل

والحركة مع الحرف لا بعده ولا قبله وقال قومٌ منهم ابن جني هي بعده والدليل على الأوَّل من وجهين

أحدهما أن الحرف يوصف بالحركة فكانت معه كالمدَّ والجهر والشدَّة ونحو ذلك وإنما كان كذلك لأنَّ صفة الشيء كالعرض والصفة العرضية لا تتقدَّم الموصوف ولا تتأخر عنه إذ في ذلك قيامُها بنفسها

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 62 ]

والثاني أنَّ الحركة لو لم تكن مع الحرف لم تقلب الألف إذا حرَّكتها همزة ولم تخرج النون من طرف اللسان إذا حركتها بل كنت تخرجها من الخيشوم وفي العدول عن ذلك دليل على أن الحركة معها

واحتجَّ من قال هي بعد الحرف بوجهين

أحدُهما أنَّك لَمَّ لمْ تدغم الحرف المتحرَّك فيما بعده نحو ( طلل ) دلَّ علىأنَّ بينهما حاجزاً وليس إلاَّ الحركة

والثاني أنَّك إذا أشبعت الحركة نشأ منها حرف والحرف لا ينشأ منه حرف آخر فكذلك ما قاربه

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 63 ]

والجواب عن الأوَّل أنَّ الإدغام امتنع لتحصنُّ الأوَّل بتحرُّكه لا لحاجز بينهماكما يتحصَّن بحركته عن القلب نحو ( عوض )

والجواب عن الثاني من وجهين

أحدهما أنَّ حدوث الحرف عن الحركة كان لأنَّها تجانس الحرف الحادث فهى شرط لحدوثه وليست بعضاً له ولهذا إذا حُذف الحرف بقيت الحركة بحالها ولو كان الحادث تماما للحركة لم تبق الحركة ومن سمَّى الحركة بعض الحرف أو حرفاً صغيراً فقد تجوّز ولهذا لا يصحُّ النطق بالحركة وحدها والثانى لو قدَّرنا أنَّ الحركة بعض الحرف الحادث لم يمتنع أن يقارن الحرف الأوَّل كما أنَّه ينطق بالحرف المشدَّد حرفاً واحداً وإن كانا حرفين في التحقيق إلاَّ أنَّ الأوَّل لَمَّا ضعف عن الثاني أمكن أن يصاحبه والحركة أضعف من الحرف الساكن فلم يمتنع أن يصاحب الحرف

فصل

ويتعلَّق بهذا الاختلاف مسألة أخرى وهي أنَّ الحرف غير مجتمع من الحركات عند المحققين لوجهين

أحدُهما أنَّ الحرف أصله السكون ومحالٌ اجتماع ساكن من حركات والثاني أنَّ الحرف له مخرج مخصوص والحركة لا تختصُّ بمخرج ولا معنى لقول

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 64 ]

من قال إنه يجتمع من حركتين لأنَّ الحركة إذا أشبعت نشأ الحرف المجانس لها لوجهين

أحدهما ما سبق من أنَّ الحركة ليست بعض الحرف

والثاني أنَّك إذا أشبعت الحركة نشأ منها حرف تامّ وتبقى الحركة قبله بكمالها فلو كان الحرف حركتين لم تبق الحركة قبل الحرف

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 65 ]

فصل

وقد سبق أنَّ المعرب بحقَّ الأصل الإسمُ المتمكَّن فأمَّا الفعل المضارع ففيه اختلاف يُذكر في باب الأفعال

فصل

فيما يستحقّه الإسم وهو الرفع والنصب والجرّ لأنَّه يقع على ثلاثةِ مَعان الفاعليَّة والمفعوليَّة والإضافة فَخُصَّ كل معنى منها بإعراب يدلُّ عليه فأمَّا ما يخصّص كلّ واحد منها بما خُصَّ به فيذكر في بابه

فصل

ولم يدخل الجزم الأسماء لستَّة أوجه

أحدها أنَّ الإعراب دخل الأسماء لمعنى على ما سبق وقد وفت الحركات بذلك المعنى وهو الفرق بين الفاعل والمفعول والمضاف إليه وليس ثَمَّ معنى رابع يدلُّ عليه الجزم

والثانى أنَّ الجزم ليس بأصل في الإعراب لأنَّه سكون في الأصل والسكون علامة المبنيّ اصلّ في البناء بشهادة الحسّ والوجدان إلاَّ أنَّه جُعل إعرابا فرعاً فَخُصَّ بما إعرابه فرع وهو الفعل

والثالث أنَّ الجزم دخل عوضاً من الجرَّ في الأسماء فلو دخل الأسماء لجمع لها بين العوض والمعَّوض

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 66 ]

باب البناء

حدُّ البناء لزوم آخر الكلمة سكوناً أو حركة وهو ضدُّ الإعراب والبناء بأوَّل الكلمة وحشوها أشْبَه للزومه إلاَّ أنَّ آخر الكلمة إذا لزم طريقة واحدة صار كحشوها

فصل

والبناء في الأصل وضع الشيء على الشيء على وصف يثبت كبناء الحائط ومنه سُمّي كلّ مرتفع ثابت بناءً كالسَّماء وبهذا المعنى استعمله النحويُّون على ما سبق

فصل

والأصل في البناء السكون لوجهين

أحدهما أنَّه ضدُّ الإعراب والإعراب يكون بالحركات فضدَّه يكون بالسكون و

الثاني أنَّ الحركة زيدت على المعرب للحاجة إليها ولا حاجة إلى الحركة في المبنيّ إذ لا تدل على معنى

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 67 ]

باب المعرب والمبنيّ إنَّما أُخَّرا عن الإعراب والبناء لأنَّهما مشتقان منه إذ كان الإعراب والبناء مصدرين والمشتق منه أصلُ للمشتق

فصل

وليس في الكلام كلمة معربة لا مُعْربه ولا مبنيةَه عند المحَّققين لأنَّ حدَّ المعرب ضدّ حدّ المبني على ما سبق وليس بين الضّدَّين هنا واسطة

وذهب قوم إلى أنَّ المضاف إلى ياء المتكلَّم غير مبنيّ إذ لا علَّة فيه توجب البناء وغير معرب إذ لا يمكن ظهور الإعراب فيه مع صحَّة حرف إعرابه وسمَّوْه ( خصيّاً ) والذي ذهبوا إليه فاسد لأنَّه معرب عند قوم مبنيٌّ عند آخرين وسنبين ذلك على أنًّ تسميتهم إيَّاه ( خصيّاً ) خطأ لأن الخصيَّ ذكر حقيقة وأحكام الذكور ثابتة له وكان الأشبه بما ذهبوا إليه أن يسمُّوه ( خنثى مشكلاً )

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 68 ]

و الرابع أنَّ الجزم حذف وذلك تخفيف فيليق بالفعل لثقله أما الاسم فخفيف فجزمه يحذف منه التنوين والحركة وذلك إجحاف به

والخامس أنَّ الجزم في الأسماء يسقط التنوين وهو دليل الصرف والحركة التى هي دليل المعنى وليس كذلك جزم الأفعال

والسادس أنَّ الجزم يحدث بعوامل لا يصحٌّ معناها في الأسماء

فصل

ولم تُجرَّ الأفعالُ لستَّة أوجه أحدها أنَّ الجرَّ في الأسماء ليس بأصل إذ كان الأصلُ الرفع للفاعل وما حُمل عليه والنصب للمفعول وما حمل عليه وأمَّا الجرُّ فبالحرف وما قام مقامه وموضع الجارّ والمجرور رفع ونصب فحمل الفعل على الاسم فيما هو أصلٌ فيه

والثاني أنَّ الفعل محمول على الاسم في الإعراب فينبغي أن يحمل عليه في أضعف أحواله وعامل الرفع في الأسماء قويّ وهو اللفظيّ وضعيف وهو المعنويّ فحمل

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 69 ]

الفعل في الرفع على العامل الضعيف فارتفع الفعل لوقوعه موقع الاسم وكذلك عامل النصب في الأسماء قويّ وهو الفعل وضعيف وهو الحرف فحمل الفعل عليه في العامل الضعيف فلم يفعل في الفعل إلاّ الحرف وأمَّا الجُّر فليس له إلاَّ عامل واحد وهو الحرف وأمَّا الإضافة فمقدَّرة بحرف الجرِّ فليس للجرِّ إلاَّ عامل واحد فلم يكن حمل الفعل عليه إذ يلزم مساواته له

والوجه الثالث أنَّ إعراب الفعل فرع على إعراب الاسم ولو أعرب بالجرِّ وقد أعرب بالرفع والنصب لكان الفرع مساوياً للأصل

والرابع أنَّ الجزم دخل الأفعال وتعذَّر دخوله على الأسماء لما تقدَّم فلو جُرَّت الأفعال لزادت على الأسماء في الأعراب

الخامس أنَّ الجرّ يكون بالإضافة والإضافة توجب أن يكون المضاف إليه داخلاً في المضاف معاقباً للتنوين وليس من قوَّةِ التنوين أن يقع موقعه الفعل والفاعل وفي امتناع الإضافة إلى الأفعال أوجهٌ يطول ذكرها وسنذكرها في باب الإضافة إن شاء الله

والسادس أنَّ الجرَّ يكون بعامل لا يصحُّ معناه في الفعل

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 70 ]

فصل

وألقاب البناء أربعة على عدَّة ألقابِ الإعراب فالضمُّ في البناء كالرفع في المعرب والفتحُ كالنَّصب والكسرُ كالجرّ والوقف كالجزم فأمَّا ما يبنى على هذه الأشياء من الكلام فسنذكره بعد الفراغ من المعرب إن شاء الله تعالى

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 71 ]

باب الاسم الصحيح

فصل

الصحيح والمعتلُّ في الأسماء من صفات الأسماء المعربة المفردة وما كان في حكمها من جمع التكسير ولا يقال في ( حيثُ وأين وأمس ) هي أسماء صحيحة ولا في ( إذا ومتى ) معتلّ لأن حدّ الاسم الصحيح هو الذي يتعاقب علىالحرف الأخير منه حركات الإعراب الثلاث وهو أَوْلى من قولك الصحيح ما لم يكن حرف إعرابه ألفاً ولا ياء قبلها كسرة لأنَّ المثنَّى قد يكون بهذه الصفة ولا يسمَّى صحيحاً ولأنَّ الحدَّ الأوَّل إثبات محض والثاني نفي والحدُّ الحقيقي لا يكون نفياً لأنَّ الحدَّ الحقيقيَّ ما أبان عن حقيقة المحدود والنفي لا يبين عن حقيقة المحدود

فصل

وفي اشتقاق الصرف هنا وجهان أحدهما هو من صريف الناب والبكرة والقلم وهوالصوت الذي يكون من هذه الأشياء وعلى هذا يكون الصرف هو التنوين وحده لأنَّه صوت يلحق آخر الاسم

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 72 ]

والثاني هو من صرفت الشيء وصرَّفته إذا ردَّدته وقلَّبته في الجهات وعلى هذا يكون الجرُّ من الصرف إذ به يزيد تقليب الكلمة والأوَّل هو الوجه

فصل

واختلف النحويُّون في الصرف فمذهب المحقَّقين أنَّه التنوين وحده وقال آخرون هو الجرُّ مع التنوين والدليل على الأوًّل من أربعة أوجه

أحدها أنَّه مطابق لاشتقاق اسم الصرف على ما تقدَّم

والثاني أنَّ الاسم الذي لا ينصرف يدخله الجرَّ مع الألف واللام والإضافة مع وجود العلَّة المانعة من الصرف

الثالث أنَّ الشاعر إذا اضطر إلى تنوين المرفوع والمنصوب قيل قد صرف للضرورة ولا جرَّ هناك

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 73 ]

والرابع أنَّه إذا اضطر إلى التنوين في الجرَّ جرَّ ونوَّن ولو كان الجرَّ من الصرف لفتح ونوَّن لأن ضرورته لا تدعو إلى الكسر

واحتجَّ الآخرون من وجهين أحدهما أنَّ الصرف من التصريف وهو التقليب والجرُّ زيادة تغيير في الاسم فكان من الصرف والثاني أنَّ التنوين مُنع منه هذا الاسم لشبهه بالفعل لكونه من خصائص الأسماء والجرّ بهذه الصفة فيكون من جملة الصرف والجواب عن الأوَّل من وجهين أحُدهما أنَّ ما ذكروه لوصحَّ لم يكن التنوين من الصرف لأنه ليس من وجوه تقليب الكلمة بل هو تابع لما هو تقليب والثاني أنَّ الرفع والنصب تقليب وليس من الصرف وأما الثاني فلا يصحُّ أيضا لأنَّ الألف اللام وغيرها من خصائص الاسم لا تُمَّسى صرفاً وكذلك الجرُّ

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 74 ]

فصل

إنَّما زادوا التنوين في المنصرف دون غيره من الحروف لأنَّ حروف المدَّ تعدَّدت زيادتها لما فيها من الثقل وما يلحقها من التغيير بحسب ما قبلها من الحركات والنون أشبه بحروف المدَّ لما فيها من الغنَّة ويؤمن فيها ما خيف من حروف المدَّ

فصل

والتنوين مصدر ( نوَّنت ) وحقيقته نون ساكنة تزاد في آخر الاسم المعرب ويثبت في الوصل دون الوقف وإنَّما سميَّ تنوينا لوجهين

أحدهما أنَّه حادث بفعل الناطق به وليس من سنخ الكلمة

والثاني أنَّهم فرَّقوا بين النون الثابتة وصلاً ووقفاً وبين هذه النون

فصل

واختلفوا في علَّة زيادة التنوين على أربعة أقوال

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 75 ]

أحدُها أنَّه زيد علامة على خفَّة الاسم وتمكّنُه في باب الاسمَّية وهو قول سيبويه وذلك أنَّ ما يشبه الفعل من الأسماء يثقل ولا يحتمل الزيادة وما يشبه الحرف يبنى وما عري من شبههما يأتي على خفَّته فالزيادة عليه تشعر بذلك إذ الثقيل لا يثقّل

و القول الثاني أنَّه فرَّق بين المنصرف وغير المنصرف وهو قول الفرَّاء وهذا يرجع إلى قول سيبويه إلاَّ انَّ العبارة مضطربة لأنَّ معناها أنَّ النون فُرَّق بها بين ما ينوَّن وبين ما لا ينون وذا تعليل الشيء بنفسه

والقول الثالث أنَّ التنوين فُرَّق به بين الاسم والفعل وهذا فاسد لوجهين

أحدهما أنَّ ما لا ينصرف اسم ومع هذا لا ينوَّن والثاني أنَّ الفوراق بين الاسم والفعل كثيرة كالألف واللام وحروف الجرَّ والإضافة فلم يُحْتَجْ إلى التنوين

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 76 ]

والقول الرابع أنَّه فرَّق بين المفرد والمضاف وهذا أيضاً فاسد من ثلاثة أوجه

أحدها أن غير المنصرف يكون مفردا ولا ينوَّن

والثاني أن المفرد مفارق للمضاف لأنه يصح السكوت عليه والمضاف إليه كجزء من المضاف والثالث أن ما فيه الألف واللام مفرد ولا ينون

فصل

والمستحق للتنوين الاسم النكرة المذكَّر لأن الغرض من زيادة التنوين التنبيه على خفة الإسم وأخفَّ الأسم النكرة المذكر فأما الاسم العلم مثل ( زيد ) والنكرة المؤنثة مثل ( شجرة ) فدخلها التنوين لثلاثة أوجه

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 77 ]

أحدها أنَّهما أشبها الفعل من وجه واحد والاسم أصلٌ للفعل ومشابهة الفرع للأصل من وجه واحد ضعيفة فلا تجذبه إلى حكمه بل غاية ما فيه أن يصير الوجه الواحد من الشبه معارضاً بأصل الاسم إلاَّ أنَّه لا يرجَّح الفعل عليه حتَّى يلحق الاسم به

والثاني أنَّ تعريف العلم بالوضع فامَّا اللفظ فمثل لفظ النكرة ولهذا يتنكر العلم كقولك مررت بزيد وزيد آخر وليس كذلك الألف واللام

والثالث أنَّ العلم متوسَّط بين ما أشبه الفعل من وجهين وبين ما لم يشبْه البتَّة وإلحاقه بما لم يشبه الفعل أولى لأنه أصلٌ للأفعال وإلحاق الفروع بالأصول أوْلى

فصل

وإنَّما لم يجتمع التنوين والألف واللام لوجهين أحدهما أنَّ الاسم ثقل بالألف واللام فلم يحتمل زيادة أخرى

والثاني أنَّ الألف واللام يعرَّف الاسم فيصير متناولاً لشيْ بعينه فيثقل بذلك بخلاف النكرة فإنها أخف الأسماء

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 78 ]

فصل

ويتعلَّق بهذا الكلام بيان خفَّة النكرة وثقل الفعل أمَّا النكرة فإنها أخف إذا كان مدلولها معنى واحداً كقولك ( رجلٌ ) والسامع يدرك معنى هذا اللفظ بغير فكرة وأمَّا ( زيد ) ونحوه من الأعلام فيتناول واحداً معينَّاً يقع فيه الأشتراك فيحتاج إلى فواصل تميزَّه

فصل

وأمَّا ثقل الفعل فظاهر وذلك أنَّ لفظه يلزمه الفاعل والمفاعيل من الظرفين وغيرهما والمصدر والحال ويدلُّ على حدث وزمان ويتصرَّف تصرَّفاً تختلف به المعاني بخلاف الاسم فإنَّه لا يدُّل إلأَّ على معنى واحد

فصل

وإنَّما لم يجتمع التنوين والإضافة لوجهين أحدهما أنَّ التنوين في الأصل دليل التنكير والإضافة تعرَّف أو تخصَّص فلم يجمع بينهما لتنافي معنييهما

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 79 ]

والثاني أنَّ التنوين جعل دليلاً على أنتهاء الاسم والمضاف إليه من تمام المضاف فلو نوَّن الأوَّل لكان كإلحاق التنوين قبل منتهى الاسم وهذا معنى قولهم التنوين يؤذن بالانفصال والإضافة تؤذن بالأتِّصال فلم يجتمعا

فصل

والكلام في غير المنصرف يستوفى بجميع أحكامه في باب ما لا ينصرف إن شاء الله

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 80 ]

باب الاسم المعتلّ

الاسم المعتلّ ما آخره ألف أو ياء قبلها كسرة وسُمَّي ( معتلاً ) لأنَّ حرف إعرابه حرف علَّة وحروف العلَّة الألف والواو والياء غير أنَّ الواو المضموم ما قبلها لم تقع في آخر الاسم بحال

وانَّما سميت ( حروف علَّة ) لأنَّ العلَّة هي المعنى المغيّر للشيء وهذه الحروف يكثر تغييرها ووصف الاسمُ بكماله بالاعتلال وإنْ كان حرف العلَّة جزء اً منه كما وصف بالإعراب وهو في حرف منه

ومذهب التصريفيين أن يقال معتلّ اللام كما يقالُ معتلّ الفاء ومعتلّ العين ولم يحتج النحويّ إلى ذلك لأنَّ عنايته بالإعراب والبناء الواقِعَيْن آخراً

فصل

والمنقوص ما كان آخره ياء قبلها كسرة ولا حاجة إلى قولك ياء خفيفة لأنَّ الياء المشدَّدة ياءان الاولى منهما ساكنة

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 81 ]

فصل

وسُمَّي ( منقوصاً ) لأنَّه نُقِص في إعرابه الضمّ والكسر وبقي له النصب

فصل

وإنَّما لم تضم الياء اليا ههنا ولم تكسر لوجهين

أحدهما أنَّ الياء مقدَّرة بكسرتين فإذا كانت قبلها كسرة ضَمَمتْها أو كسرتها جمعت بين أربع حركات مستثقلة

والثاني أنَّ الياء خفيّة وتحريكها تكلُّف لإبانتها بما هو أضعف منها وذلك شاق ولهذا قال الأخفش ضمُّها أو كسرها كالكتابة في السواد

فصل

إنَّما احتملت الفتحة لخفتُّها لأنَّها بعض الألف والألف أخفُّ حروف المدِّ

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 82 ]

وبعض الأخفِّ في غاية الخفَّة فإنْ قيل لو كان كذلك لصحَّت الواو والياء في ( دار ) و ( باع ) لانفتاحهما قيل الفتحة هناك لازمة بخلاف فتحة المنصوب هنا

فصل

وإذا كانت لام الكلمة واواً مثل ( غازي ) فإنَّها سكنت وانكسر ما قبلها فانقلبت ياء فإذا نصبت فقلت رأيت غازياً لم تعد الواو لئلاّ يختلف حكمها في اسم واحد لأمر عارض وهذا أقرب من حملهم ( أعد ونعد وتعد ) في الحذف على ( يعد )

فصل

إذا كان المنقوص منصرفاً حذفت ياؤه الساكنة وبقي التنوين لأنَّهما ساكنان والجميع بينهما متعذّر وتحريك الياء لا يجوز لوجهَيْن

أحدهما الثقل المهروب منه

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 83 ]

والثاني أنَّه تحريك أوَّل الساكنين في كلمة واحدة وذلك لا يجوز لما نبيّنه في باب المبنيَّات وتحريك التنوين يثقله فيتعين الحذف وحذف الياء أوْلى لثلاثة أوجه

أحدهما أنَّ حذف أوَّل الساكنين في كلمة واحدة هو القياس نحو لم يكن ولم يبع لا سيما والياء من حروف العلّة والنون حرف صحيح

والثاني أنَّ الياء على حذفها دليل

والثالث أنَّ التنوين دخل لمعنى فحذفه يخلُّ له بخلاف الياء

فصل

وقد جاء في ضرورة الشعر ضمَّ الياء وكسرُها في الرفع والجرِّ على الأصل وقد سكنت الياء أيضاً في الشعر من المنصوب قال أبو العبَّاس وهو من أحسن الضرورة وإذ كان تحريكها ثقيلاً بكلَّ حال

فصل

وأمَّا المقصور فكلّ اسم آخره ألف وهذا يدخل فيه المذكَّر والمؤَّنث نحو

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 84 ]

( القفا ) و ( العصا ) و ( ذكرى ) و ( حبلى ) وإنْ شئت قلت كلّ اسم حرفُ إعرابه ألفٌ ولا تحتاج أن تقول ألف مفردة إذ قولك آخره ألف يغني عن ذلك

فصل

والمقصور من قولك قصرته أي حبسته ومنه ( حوٌر مقصوراتٌ في الخيام ) وامرأة قصيرة ومقصورة أي محبوسة في خدرها ومنه قول كثيَّر 2 -

( و أنْتِ التي حبَّبْتِ كلَّ قصيرةٍ ... إليَّ وما يَدْري بذاك القصايُر ) -

( عَنَيْتُ قصيراتِ الحجالِ ولم أُرِدْ ... قِصَارَ الْخطَا شرُّ النساءِ البحاتُر )

فصل

وفي معنى تسميته ( مقصوراً ) أربعة أوجه

أحدها أنَّ الإعراب قُصر فيه فيكون تقديره المقصور فيه الإعراب ثم حذف وجعل اسماً للاسم الذي هذه صفته

والثاني أنَّه قُصر عن الإعراب أي حبس عن ظهور الإعراب في لفظه

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 85 ]

والثالث أنَّ صوت الألف المفردة أقصر من صوتها إذا وقعت بعدها همزة فكان صوتها محبوسا عن صوت الألف التي بعدها همزة والرابع أنَّه نقيض الممدود

فصل

و إنَّما لم تظهر في الألف الحركة لأنها هوائية تجري مع النَّفس لا اعتماد لها في الفم والحركة تمنع الحرف من الجري وتقطعه عن استطاعته فلم تجتمعا ولهذا إذا حرّكت الألف انقلبت همزة

فصل

وإذا نوَّن المقصور حذفت ألفه لسكونها وسكون التنوين بعدها والعله في ذلك كالعلّة في حذف الياء من المنقوص وقد تقدَّم ذكره

فصل

وألف التأنيث في نحو ( حبلى وبشرى ) لا أصل لها في الحركة ولايمكن تقدير

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 86 ]

الحركة عليها تقديراً يمكن تحقيقة لأنَّها غير منقلبة عن حرف يتحرَّك ولكن لَمَّا وقعت خبراً جعلت إعراب إذ كانت في موضع ألف ( عصا ورحى ) وفي موضع الهمزة في ( حمراء ) والتاء في ( شجرة )

فصل

والممدود متصرَّف بوجوه الإعراب لأنَّ حرف إعرابه همزة وهي حرف صحيح يثبت في الجزم

فصل

وإذا سكن ما قبل الياء جَرَتْ بوجوه الإعراب لثلاثةِ أوجهِ

أحدها أنَّ المنقوص منع من ضم الياء وكسرها للثقل الحاصل بحركتها وحركة ما قبلها وقد زال ذلك

والثاني أنَّك لو سكنت الياء لجمعت بين ساكنين

والثالث أنَّ ما قبل الياء إذا سكِّن أشبه الحرف الموقوف عليه في سكونه فتكون الياء كالحرف المبدوء به والابتداء بالساكن ممتنع

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 87 ]

فصل

والياء المشدَّدة ياء ان الأولى منها ساكنة فيصير كظَبْيٍ ولَحْي

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 88 ]

باب الأسماء الستة

فصل

( أبٌ وأخٌ وحَمٌ وهَنٌ ) محذوفات اللامات ولامُها واو في الأصل وسنرى ذلك في التصريف إن شاء الله تعالى وفيها لغة أخرى وهي أباً وأخاً وحما ًوهناً مثل عصاً فأمَّا في الإضافة فاللغة الجيَّدة ردّ اللام نحو أبوك وأبو زيد وفيه لغة أخرى حذف اللام مع الإضافة نحو أبُك وأبُ زيد

فصل

وأمَّا فوك فأصله ( فَوْهٌ ) فحذفت الهاء اعتباطاً وأبدل من الواو ميمٌ لأنَّهم لو أبقوها لتحرَّكت في الإعراب فانقلبت ألفاً وحذفت بالتنوين وبقي الاسم المعرب على حرف واحد والميم تشبه الواو وتحتمل الحركة فإذا أضفته رددت الواو

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 89 ]

فصل

وأمَّا ( ذو ) فمحذوفة اللام وهل هي واو أو ياء فيه خلاف يذكر في التصريف ومعناها ( صاحب ) ولا تستعمل إلاَّ مضافة إلى جنس لأنَّ الغرض منها التوصُّل إلى الوصف بالأجناس إذ كان يتعذَّر الوصف بها بدون ( ذو ) ألا ترى أنَّك لا تقول زيدٌ مال ولا طول حتى تقول ذو مال وذو طول وههنا لم يجز إضافتها إلى المضمر لأنَّه ليس بجنس وما جاء من ذلك فشاذٌ أو من كلام المحدثين وإنَّما عدلوا عن ( صاحب ) إلى ( ذو ) وإن كانت بمعناها لأنَّ صاحباً تضاف إلى الجنس والعلم وغير ذلك فخصَّصوا ( ذو ) بالإضافة إلى الجنس لما ذكرناه

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 90 ]

فصل

وهذه الأسماء معربة في حال الإضافة ولها حروف إعراب واختلف الناس في ذلك فذهب سيبويه إلى أنَّ حروف العلَّة فيها حروف إعراب والإعراب مقدَّر فيها واختلف أصحابه في الحركات التي قبلها

فقال الربعيّ الأصل في الرفع واو مضمومة لكن نقلت الضمَّة إلى الحرف الذي قبلها ففي هذا نقل فقط وفي النصب تحرَّكت الواو وانفتح ما قبلها فانقلبت ألفاً ففيها قلبٌ فقط وفي الجرَّ تنقل كسرة الواو إلى ما قبلها فقلبت لسكونها وكَسْر ما قبلها ياءً ففيها هنا نقل وقلب وهذا ضعيف لأنَّه يؤدَّي إلى أن تكون الحركة المنقولة حركة إعراب فيكون الإعراب في وسط الكلمة ولا يصحُّ تقدير الإعراب في حروف العلّة على قوله لأنَّ المنقول ملفوظٌ به فلا حاجة إلى تقدير إعراب آخر

وقال بعض أصحاب سيبويه لم ينقل شيء بل حركات ما قبلها حروف العلَّة تابعة لها تنبيهاً على أنَّ هذه الأسماء قبل الإضافة إعرابُها في عيناتها وأن ردَّ اللام عارض في الإضافة

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 91 ]

والدليل على أنَّ حروف العلَّة هنا حروفٌ الإعراب لا إعرابٌ أربعة أوجه

أحدها أنَّ الأصل في كلّ معرب أن يكون له حرف إعراب وأن يعرب بالحركة لا بالحرف وقد أمكن ذلك هنا إلاَّ أنَّ الحركة امتنع ظهورها لثقلها علىحروف العلّة كما كان ذلك في المنقوص والمقصور

والثاني أنَّ هذه الأسماء معربة في الإفراد على ما ذكرنا فكانت في الإضافة كذلك كغيرها من الأسماء

والثالث أنَّ هذه الحروف لو كانت إعراباً لما اختلَّت الكلمة بحذفها كما لا تختلُّ الكلمة الصحيحة بحذف الإعراب

والرابع أنَّ هذه الأسماء لو خرجت على أصلها من قلبها ألفات لكانت حروف إعراب والحركة مقدَّرة فيها فكذلك لَمَّا رُدَّتْ في الإضافة

فصل

وقال الأخفش هي زوائد دوالُّ على الإعراب كالحركات وهذا لا يصحَّ لوجهين

أحدهما أنَّ الإعراب الذي يدلُّ عليه لا يصحُّ أن يكون فيها إذ كانت زوائد على المعرب كزيادة الحركة ولا يصحُّ أن يكون في غيرها لتراخيها عنه

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 92 ]

والوجه الثاني أنَّها لو كانت زوائد لكان ( فوك وذو مال ) اسماً معرباً على حرف واحد وذا لا نظير له

فصل

وقال الجرمي انقلابها هو الإعراب وهو فاسد لثلاثة أوجه

أحدها أن الرفع لا انقلاب فيه مع أنه معرب

والثاني أنَّ الانقلاب لو كان إعراباً لاكتفى بانقلاب واحد كما قال في التثنية

والثالث أنَّ الأنقلاب في المقصور ليس بإعراب فكذلك ههنا

فصل

قال المازني هذه الحروف ناشئة عن إشباع الحركات والإعرابُ قبلها كما كانت في الأفراد وهذا فاسد لثلاثة أوجه أحدها أن الأشباع على هذا من أحكام ضرورة الشعر دون الاختيار

والثاني أن ما حدث للإشباع يسوغ حذفه وحذف هذه الحروف غير جائز في اللغة العالية

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 93 ]

والثالث أنَّ يفضي إلى أن يكون ( فوك وذو مال ) اسماً معرباً على حرف واحد

فصل

وقال الفراء هي معربة من مكانين فالضمَّة والواو إعراب فكذلك الآخران وهذا فاسد لثلاثة أوجه

أحدها أنَّ الإعراب دخل الكلام ليفصل بين المعاني وذلك يحصل بإعراب واحد فلا حاجة إلى آخر

والثاني ما ذهب إليه لا نظير له ولا يصحُّ قياسه على ( امرئ ) و ( ابنم ) لأنَّ الحركات هنا تابعة لحروف العلّة وهذا يثبت الحركة في الوقف مع أنَّ الإعراب يحذف في الوقف

والثالث أنَّ ( فوك ) و ( ذو مال ) حرفان ويؤدي قولُه إلى أن يكون الإعراب في جميع الكلمة

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 94 ]

وقال قطرب وأبو إسحق الزياديّ هذه الحروف إعراب كالحركة وقد أفْسَدْنا ذلك بما تقدَّم

وقال أبو عليّ وجماعة من أصحابه هذه حروف إعراب دوالّ علىالإعراب فجمعوا بين قول الأخفش وقول سيبويه إلاَّ أنَّهم لم يقدِّروا فيها إعراباً وهذا مذهب مستقيم كما في التثنية والجمع ومذهب سيبويه أقوى لخروجه على القياس وموافقته للأصول

فصل

وإذا أضفت ( أباً وأخاً وحماً وهناً ) إلى ياء المتكلَّم كانت بياء ساكنة مخفًّفة وفي ذلك وجهان

أحدهما أنهم لم يعيدوا المحذوف هنا لئلاَّ يفضي إلى ياء مشدَّدة قبلها كسرة مع كثرة استعمال هذه الأسماء فحذفوها تخفيفاً

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 95 ]

والثاني أنَّ المضاف هنا مبنيٌ وهذه الحروف دوالُّ على الإعراب وقائمة مُقامه فلم يجتمعا وأمَّا ( في ) فرُدَّ فيه المحذوف لئلاَّ يبقى على حرف واحد وكان يشبه حرف الجرَّ

فصل

وإنَّما أعربت هذه الأسماء بالحروف لأنها مفردة تحتاج في قياس التثنية والجمع إليها إذ كانت التثنية والجمع معربة بالحروف ضرورة وهي فروع والأسماء المفردة أصول فجعلوا ضرباً من المفردات معرباً بالحروف ليؤنس ذلك بالتثنية والجمع وإنَّما اختاروا من المفردات هذه الأسماء لأنها تلزمها الإضافة في المعنى إذْ لا أب الا وله ابن وكذلك باقيها ولزوم الإضافة لها يشبهها بالتثنية إذ كان كلّ واحد منهما أكثر من اسم واحد

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 96 ]

باب التثنية والجمع

أصل التثنية العطف [ مِنْ ] قولك ثنيت العود إذا عطفته وكان الأصل أن يعطف اسم على اسم وقد جاء [ مِنْ ] ذلك في الشعر كثير لكنهم اكتفوْا باسم واحد وحرف وجعلوه عوضاً من الأسماء المعطوفة اختصاراً

فصل

وإنَّما زادوا الحرف دون الحركة لوجهين

أحدهما أنَّ الحركة كانت في آخر الواحد إعرابا فلو أبقوها لم يكن على التثنية دليل

والثاني أنَّ الاسم المعطوف مساوٍ للمعطوف عليه فكما كان الأوَّل حروفاً كان الدليل عليه حرفاً

فصل

وإنَّما لم تُثَنَّ الأفعال لخمسة أوجه

أحدها أن لفظ الفعل جنس يقع بلفظه على كل أنواعه والغرض من التثنية تعدُّد المسمَّيات والجنس لا تعدّد فيه

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 97 ]

والثاني أنَّ الفعل وضع دليلاً على الحدث والزمان فلو ثُنِّي لدلَّ على حدثين وزمانين وهذا محال

والثالث أنَّ الفعل لا بدَّ له من فاعل فيكون جملة وتثنية الجمل محال ولهذا لا يثنَّى لفظ ( تأبَّط شراً ) و ( ذرَّى حبّاً ) والرابع أن الفعل لو ثنَيَّ لكنت تقول في رجل واحد قام مرتين أو مراراً ( قاما زيد ) أو ( قاموا زيد ) وهذا محال

والخامس أنَّ التثنية عطف في الأصل استغني فيها بالحروف عن المعطوف فيفضي ذلك إلى أنَّ يقوم حرف التثنية مَقام الفعل والفاعل وذلك الفعل دالُّ على حدث وزمان وليس في لفظ حرف التثنية دلالة على أكثر من الكِّميِّة

فصل

وإنَّما لم تُثَنُ الحروف لثلاثة أوجه

أحدها أنَّها نائبة عن الأفعال وإذا تعذًّر ذلك في الأصل ففي النائب أَوْلى

والثاني أنَّ الحرف جنس واحد كالفعل

والثالث أنَّ معنى الحرف في غيره فلو ثنَّيت الحرف لأثبت له معنيين فيما معناه فيه وذلك ممتنع لأنَّ معنى الحرف غير متعدَّد

فصل

وكلُّ ما تنكَّرت معرفته أو تعرَّفت نكرته صحَّت تثنيته لأنَّ أصل المثنىَّ العطف وإذا استوى لفظ الاسمين وقع الاشتراك بينهما فصارا نكرتين ولهذا يدخل

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 98 ]

الألف واللام علىالمثَّنى وإن كان معرفة قبل ذلك نحو ( الزيدان ) فأمَّا ( اللذان ) فليس بتثنية صناعيّة لأنَّه لا يتمَّ إلاَّ بالصلة والتثنية الصناعيَّة لا تكون إلاَّ بعد تمام الاسم وإنما هي صيغة للدلالة على التثنية وكذلك ( هذان ) لأنَّ ( هذا ) يقرب من المضمر والمضمر لا يثَّنى بل يصاغ منه لفظ يدلُّ على الاثنين وليس ( أنتما ) تثنية ( أنت ) في اللفظ ومن هنا بقي على تعريفه بعد التثنية

فصل

وإذا اردت تثنية الْجُمَل قلت ( هذان ذوا تأبَّط شراً ) أو اللذان يقال لكلِّ واحدٍ منهما تأبَّط شراً لما تقدَّم من استحالة تثنية الجملة وكذلك الأصوات والعلم المضاف إلى اللقب نحو ( قيس قفّه ) و ( ثابت قطنة )

فصل

في مجاز التثنية من ذلك قولهم ( مات حتف أنفيه ) أي منخريه و ( هو يؤامر نفسيه ) أي نفسه تأمره بأشياء متضادَّة كالبخل والجود ونحوهما فكأنَّ له نفسين ومنه ( ا لقمران ) للشمس والقمر فسُمِّي الشمس قمراً عند التثنية لأنَّ القمر

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 99 ]

مذكَّر ومنه ( العُمران ) في أبي بكر وعمر فغُلَّب عمر لأنَّه اسم مشهور وأبو بكر كنية والاسم أخفّ و ( الأذانان ) للأذان والإقامة ومنه ذكر المثنى بلفظ الجمع كقولك ( ضُربت رؤوسهما ) لأن التثنية في الحقيقة جمع وقد أُمن اللَّبْسُ ههنا إذ ليس للواحد إلاَّ رأس واحد ويجوز ( رأساهما ) على القياس

فصل

وإنَّما زادوا حروف المدَّ إذ كانت كالحركات لخفَّتها بسكونها وامتداد صوتها وأنَّ الكلام لا يخلوا منها أو من أبعاضها وهي الحركات وأنَّهم لو زادوا غيرها لتُوِهَّم أنَّ الحرف الزائد من أصل الكلمة

فصل

وإنما جعلت الواو للجمع لقوَّتها وخروجها من عضوين وأنَّها دلَّت على الجمع في الإضمار نحو ( قاموا ) وأنَّ معناها في العطف الجمع وخُصَّ بها الرفع لأنَّها من جنس الضَّمة وأمَّا ( الياء ) فخُصَّ بها الجرَّ ولأنهَّا من جنس الكسرة وأمَّا ( الألف ) فجعلت في التثنية لأربعة أوجه أحدها أنَّ الجمع خُصَّ بالواو والياء لمعنى يقتضيه فلم يبق للألف غير التثنية

والثاني أنَّ الألف أخف من أختيها والتثنية أكثر من الجمع لدخولها في كلِّ اسم وجَعْلُ الأخفِّ للأكثر هو الأصل

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 100 ]

والثالث أنَّ الألف أسبق من أختيها في المخرج والتثنية أسبق من الجمع فَجُعِلَ الأسبق للأسبق

والرابع أن الألف جعلت ضميراً لأثنين في نحو ( قاما ) فكذلك تكون في الأسماء

فإنْ قيل لِمَ لَمْ تجعل الواو في البنائين ويفتح ما قبلها في أحدهما ويضمُّ في الآخر قيل لا يصحُّ لوجهين

أحدهما أنَّ في الأسماء المجموعة ما قبله واو مفتوح وهو ( مصطَفْون ) وبابُه فكان يؤدي إلى اللبس

والثاني أنَّ الواو تناسب الضمَّة والفتحة تناسب الألف فجعل مع كلَّ واحدٍ منهما ما يناسبه

فصل

وإنَّما جعلت الألف في الرفع لأربعة أوجه

أحدهُا أنَّها لَمَّا كانت أتمّ حروف المدَّ مدّاً كانت أصلا لأختيها ولهذا لم تقبل الحركة والرفعُ هو الأصل فجعل الأصْل للأصل

والثاني أنَّ الرفع أسبق من أخويه والألف أسبق من أختيها فًجُعِلَ الأسبق للأسبق

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 101 ]

والثالث أن الألف في الإضمار ضمير مرفوع وذلك يناسب جعلها علامة رفع

والرابع انَّه إنَّما وجبت الواو لرفع الجمع والياء لجرِّ التثنية والجمع وبقيتْ الألف فلم يجز أن تكون للنصب لوجهين أحدُهما أنهَّا لو كانت كذلك لَحُمِلَ المرفوع على غيره إذ لم تبق له علامة تخصُّه

والثاني أنَّ المنصوب قد قام الدليل على أنَّه محمول على غيره فلم يجعل أصلاً

فصل

وإنَّما حُمل المنصوب على المجرور هنا لثمانية أوجه

أحدها أنَّ الجرَّ أصلٌ ينفرد به الاسم والرفع يشترك فيه القبيلان فكان حمل النصب على المختصَّ أولى

والثاني أنَّ الجرَّ أقلُّ في الكلام من الرفع والحمل علىالأقلِّ أخفُّ والثالث أنَّ المنصوب والمجرور فضلتان في الكلام وحمل الفضلة على الفضلة أشبه

والرابع أنَّهم سوَّوْا بين ضمير المنصوب والمجرور نحو ( إنَّك ) و ( بك ) وإنَّه ) و ( له ) فكان في الظاهر كذلك

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 102 ]

الخامس أنَّ المجرور بحرف الجرِّ حقُّه النصب في الأصل فكأنَّه المنصوب

السادس أن المجرور لَمَّا حمل على المنصوب فيما لا ينصرف عكس ذلك ههنا السابع أنَّ الجرَّ بالياء وهي أخفُّ من الواو والحمل على الأخفِّ أولى والثامن أنَّ النصب من الحلْق وهو أقربُ إلى الياء إذ كانت من وسط الفم

فصل

وأنَّما فتح ما قبل ياء التثنية وكسر في الجمع لأربعة أوجه أحدُها أنَّ الفتحة أخف والتثنية أكثر فجعل الأخف للأكثر تعديلاً الثاني أنَّ الألف لّما اختصت بالتثنية ولم يكن ما قبلها إلاَّ مفتوحاً حمل النصب والجرَّ عليه طرداً للباب ولم يمكن ذلك في الجمع والثالث أنَّ نون التثنية مكسورة لما نبينَّه فكان فتح ما قبل الياء تعديلاً

الرابع أن حرف التثنية يدلُّ على معنى في الكلمة ففتح ما قبله كحرف التأنيث

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 103 ]

فصل

والأسماء المثنَّاه والمجموعة معربة وحكي عن الزجَّاح أنَّها مبنيَّة وكلامة في المعاني يخالف هذا والدليل على أنَّها معربة وجود حدّ المعرب / وهو اختلاف آخرها لاختلاف العامل وأنَّها لم تشبه الحروف ولا يُقال إنَّها تضمنَّت معنى واو العطف لأنَّ تضمُّن الإسم معنى الحرف لا يغيِّر لفظه ك ( أين ) و ( خمسة عشر ) ولفظ التثنية غيَّر لفظ الواحد بحيث لا يصحُّ إظهار الواو فيه

فصل

وحروف المدَّ ههنا حروف إعراب عند سيبويه واختلف أصحابه فقال بعضهم فيها إعراب مقدَّر وقال آخرون ليس فيها تقدير إعراب وقال الأخفش والمازنيّ والمبردِّ ليست حروف إعراب بل دالَّة عليه وقال الجرميّ انقلابها هو الأعراب وقال قطرب والفرّاء هي نفس الإعراب

والدليل على مذهب سيبويه من خمسة أوجه

أحدها أنَّ حرف الإعراب ما إذا سقط يختلُّ به معنى الكلمة وهذه الحروف كذلك ولو كانت إعراباً لم يختلّ معناها بسقوطه

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 104 ]

والثاني أنَّ هذه الحروف مزيدة في آخر الاسم فكانت حروف إعراب كتاء التأنيث وألفه وحرف النسب

والثالث أنَّك لو سمّيت رجلاً ب ( مسلمان ) ثم رخمتَّه حذفت منه الألف والنون والنون ليست حرف إعراب عند الجميع فكانت الألف كالثاء في ( حارث )

والرابع أنَّ العرب قالوا ( مذروان ) و ( عقلته بثنايين ) فصحّحوا الواو والياء كما صححَّوهما قبل التأنيث نحو ( شقاوة ) و ( عباية ) ولولا أنَّها حروف إعراب لم تكن كذلك

والخامس أنَّ هذه الأسماء معربة والأصل في كلَّ معرب أن يكون له حرف إعراب لأن الإعراب كالعرض المحتاج إلى محلّ والحرف محلُّه

وأمَّا الأمثلة الخمسة فتعذر أن يكون لها حرف إعراب لما نبنيَّه في باب الأفعال إن شاء الله تعالى

وقد بيَّنّا في الأسماء الستَّة بُطْلان مذهب الأخفش والجرميّ والفرَّاء وهو في معنى التثنية والجمع ونزيده ههنا أنَّ الياء ههنا لا تستحق الحركة إذ لو كان كذلك لا نقلبت ألفاً كما في المقصور

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 105 ]

ويُبْطِل مذهبَ الفرَّاء أيضاً أنَّ هذه الحروف تدلُّ على معان لا تدُّل عليها الحركات من التثنية والجمع وإنَّما دلَّت على الإعراب تبعا لا أصلاً فإن قيل لو كانت حروف إعراب لم تقع تاء التأنيث قبلها في نحو ( شجرتان ) قيل لَمَّا كانت هذه الحروف داَّلة على الإعراب من وجه وحرف إعراب من وجه جاز وقوع تاء التأنيث قبلها من حيث هي دالَّة على الإعراب لا من حيث هي حروف إعراب وإنَّما روعي ذلك لأنَّ التأنيث معنى نحافظ عليه كما أنَّ التثنية كذلك

فصل

واختلف النحويَّون في زيادة النون في التثنية والجمع لماذا زيدت فمذهب سبيويه وجمهور البصريَّين أنَّها عوض من الحركة والتنوين

ومن البصريَّين من قال تكون عوضاً منهما في نحو ( رجلان ) ومن الحركة في نحو ( الرجلان ) ومن التنوين في نحو ( غلاما زيد ) ومنهم من قال

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 106 ]

هي بدل من الحركة في كل موضع ومنهم من قال من التنوين في كلّ موضع

وقال الفرَّاء فرَّق بها بين التثنية وبين المنصوب المنوَّن في الوقف

والدلالة على الأوَّل من وجهين

أحدهما أنَّ الاسم مستحقٌّ الحركة والتنوين وقد تعذَّرا في التثنية والجمع والتعويض منهما ممكن والنون صالحة لذلك ورأينا العرب أثبتَتْها فيهما فَفُهِم أنَّهم قصدوا التعويض رعاية للأصل ومثل ذلك ثبوت النون في الأمثلة الخمسة عوضاً من الضمَّ

والوجه الثاني أنَّ النون تثبت في النكرة المنصرفة وتسقط في الإضافة كما يسقط التنوين فأمَّا ثبوتها مع الألف واللام ففيه وجهان

أحدهما أنَّ الاسم تثبت فيه النون قبل الألف واللام فلَمَّا دخلا لم يحذفاه لقوَّته بحركته بخلاف الإضافة

والثاني أنَّهما هناك بدٌل من الحركة وحدها وتعذَّر أن يكون بدلاً من التنوين وكلّ حرف دلَّ على شيئين وتعذر دلالته على أحدهما وجب أن يبقى دالاًّ على

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 107 ]

الآخر وهذا كالفعل فإنَّه يدَّل على حدث وزمان ثمَّ إنَّ ( كان وأخواتها ) أفعال خلعت دلالتها على الحدث وبقيت دلالتها على الزمان وكذلك العوض عن شئيين إذا تعذر قيامه عن أحدهما بقي عوضاً عن الآخر

أما سقوطها مع الإضافة فمن حيث هي بدلٌ من التنوين ومن الحركة ولم يعكس فتحذف مع الألف واللام وتثبت في الإضافة لوجهين

أحدهما أنَّ المضاف إليه عوض من التنوين في موضعه ولهذا كان من تمام المضاف وثبوت التنوين يؤدي إلى الجمع بين العوض والمعوض وإلى قطع الأوَّل عن الثاني

والوجه الثاني أنَّ النون لَمَّا ثبتت مع الألف واللام بدلاً من الحركة وحدها أردوا أن يبيِّنوا أنَّها بدلٌ من التنوين أيضاً فحذفوها مع الإضافة عوضاً من حذفها مع الألف واللام

وأمَّا ثبوتها في ( أحمدان ) و ( أحمران ) ففيه وجهان أحدهما ما تقدَّم في الألف واللام

والثاني أنَّ الاسم مستحقٌّ للتنوين في الأصل وإنَّما سقط لشبهه بالفعل وبالتثنية بَّعد من الفعل فعاد إلى حقَّه

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 108 ]

وأمَّا ثبوتها في ( عصوان ) و ( فتيان ) فلأنَّ الحركة ظهرت لَّمَّا عاد الحرف إلى أصله وأمَّا ثبوتها في ( هذان ) ففيه وجهان

أحدهما أنَّها صيغة وضعت للتثنية لا أنَّها تثنية ( هذا ) على التحقيق وقد بيَّنا علَّته في أوَّل الباب وكذلك ( اللذان )

والثاني أنَّ ( هذان ) و ( اللذان ) بُنيا في الإفراد لشبههما بالحرف وبالتثنية زال ذلك إذ الحرف لا يثنى وإذا استحقّا أعربا استقّا الحركة والتنوين

وذهب قوم إلى أنَّ النون فيهما عوض من الحرف المحذوف وهما الألف في ( هذا ) والياء في ( الذي ) فإنْ قيل حرف المدِّ عندكم عوض من الحركة فكيف يعوَّض منها النون أيضاً ففيه وجهان

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 109 ]

أحدها أنَّ حروف المدَّ ليست عوضاً من الحركة بل دالَّة على الرفع الذي تدَّل عليه الحركة والنون عوض من لفظ الحركة المستحقّة وبين لفظ الحركة واستحقاقها فرق بيِّن ألا ترى أنكَّ لو سميت امرأة ب ( قَدَم ) لم تصرفها لتحرُّك أوسطها ولو سمَّيْتها ب ( دار ) و ( فيل ) لصرفت بلا خلاف وإنْ كانت الحركة مستحقَّة لكنَّها معدومة لفظاً

والثاني أنَّ حروف المدَّ ضعفت نيابتها عن الحركة إذ كانت حروف إعراب وأدلَّة على التثنية والجمع فجبروا ضعف نيابتها عنها بأن جعلوها عوضاً من الحركة من وجه وعوضاً من التنوين من وجه

وأما مذهب الفرَّاء فيبطل من أوجه

أحدهما أنَّ الألف تثبت في الرفع خاصَّة والعامل يميّز

والثاني أنَّه لو كان كما قال لم تثبت النون بعد الياء والثالث أنَّها تثبت في الجمع ولا لَبْس هناك

والرابع أنَّ الألف واللام تمنع من الألف في نصب الواحد وتثبت في التثنية

فصل

وإنَّما كسرت النون في التثنية وفتحت في الجمع لأربعة أوجه

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 110 ]

أحدها أنَّ تحريكها مضطر إليه لئلاَّ يلتقي ساكنان والأصل فيها السكون والتثنية قبل الجمع والأصل في حركة التقاء الساكنين الكسر فكانت التثنية بها أولى وفتحت في الجمع لتخالف التثنية

والثاني أنَّ ما قبل حرف المدّ في التثنية مفتوح فجعلوا ما بعده مكسوراً تعديلاً وعكسوه في الجمع

والثالث أنَّ التثنية تكون بالألف في الرفع وهي أخفّ من الواو والياء فجعلوا الكسر مع الأخفّ والفتح مع الأثقل

والرابع أنَّهم لو فتحوا في الموضعين لوقع اللبس في بعض المواضع ألا ترى أنَّك تقول مررتُ بالْمُصْطَفَيْنَ في الجمع بفتح ما قبل الياء وما بعدها فلو فعلت ذلك في التثنية لالتبسا

فصل

وقد شذَّ في التثنية شيئان

أحدهما جعل المثنَّى بالألف في كلَّ حال وهي لغة قليلة

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 111 ]

والثاني فتح النون فيها وكسر النون في الجمع وهو قليل أيضاً وبابه الشعر

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 112 ]

باب الجمع

الجمع الذي هو نظير التثنية يسمَّى ( جمع السلامة ) و ( جمع التصحيح ) لأنَّه صحَّ فيه لفظ الواحد بعينه و ( جمعاً على حدَّ التثنية ) و ( جمعاً على هجائين )

وحدَّه ما سلم فيه نظمُ الواحد وبناؤه فأمَّا ( بنون ) فقال عبدالقاهر رحمه الله ليس بسالم لسقوط الهمزه منه وقال غيره هو سالم وإنَّما سقطت الهمزة إذ كانت زائدة توصُّلاً إلى النطق بالساكن وقد استغني عنها وأمّا ( أرَضون ) فحرِّكت راؤها لما نبيَّه من بعد فإن قلت ف ( صِنْوان ) جمع ( صِنْو ) وقد سلم فيه لفظ الواحد وليس بجمع صحيح قيل سلامته أمرُ اتَّفاقي وأنَّما هو مكسّر على ( فِعْلان ) والتحقيق أنَّ الكسرة في أوَّله وسكون ثانية في الجمع غيرُهما في الواحد لأنَّ هذا الجمع قد يكون واحده على غير زنة ( فِعْل ) نحو غراب وغربان وقضيب وقضبان

فصل

وإنَّما أختضَّ هذا الجمع بالأعلام لكثرتها فيمن يعقل واختضَّ بالمذكرَّ منها لأنَّ مسماه أفضل المسميَّات وجمع السلامة لَمَّا صين عن التغيير كان ذلك فضيلة له

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 113 ]

ومطابقه اللفظ للمعنى مستحسنة فأمَّا صفات من يعقل فجمعت جمع السلامة لوجهين

أحدهما أنَّها جارية على أفعالها فكما تقول ( يسلمون ) تقول ( مسلمون )

والثاني أنَّ هذه الصفات لَمَّا اختصَّت بالعقلاء خصَّت بأفضل الجموع وأمَّا قوله تعالى ( رأيتُهم لي ساجدِينَ ) فإنَّه لَمَّا وصفها بالسجود الذي هو من صفات من يعقل أجراها مُجرى من يعقل وكذلك قوله ( قالتا أتينا طائعين ) وإنَّما ثُنّيَّ ( قالتا ) وجُمِعَ ( طائعين ) لثلاثة أوجه

أحدها أنَّ السموات والأرض جمع في المعنى فجاء بالحال على ذلك

والثاني أنَّ المراد ( أتينا ومن فيها طائعين ) وغُلَّب المذكَّر

والثالث أنَّ المراد ( أهل السموات والأرض )

وأمَّا ( العشرون ) وإلى ( التسعين ) فَجُمَع جَمْعَ السلامة لوقوعه على من يعقل وما لا يعقل وغُلِّب فيه من يعقل وليس بجمع ( عِشْر ) على التحقيق لأنَّ العشر من أظماء الإبل وهذا العدد لا يخصُّ الأظماء وإنَّما هو لفظ مرتجل للعدد

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 114 ]

وأمَّا ( قُلَة ) و ( بُرَة ) فجمعت جمع السلامة جبراً لها من الوهن الداخل عليها بحذف لاماتها وهذه علّة مجوّزة لا موجبة ألا ترى أنَّهم لم يقولوا في ( دم ) ( دمون ) وغيَّروا بعضها نحو كسر السين من ( سنين ) تنبيهاً على أنَّ ذلك ليس بأصل فيها

وأمَّا ( أرضون ) فجمعوها جمع السلامة جبراً لما دخلها من حذف تاء التأتيث الراجعة في التصغير وفتحوا الراء لوجهين

أحدهما التنبيه على مخالفة الأصل

والثاني أنَّها الفتحة التى تستحقّها في جمعها الأصلي وهو ( أرَضات ) وهذه العلَّة استحسانَّية لا موجبة فعند ذلك لا تنتقض ( بشمس ) و ( قدر ) ونحوهما

وأمَّا ( عليوّن ) فقيل إنَّه جمع ( عِلَّي ) وهو الملك وقيل اسم مكان مرتجل كعشرين

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 115 ]

وأمَّا ( قنّسرين ) و ( يبرين ) فمن العرب من يُجْريه مُجْرَى عشرين ومنهم من يجعله بالياء في كلّ حال ويجعل النون حرف الإعراب

وأمَّا ( الذين ) فصيغة مُرْتجًلة للجمع في كلّ حال ومن العرب من يجعلها بالواو في الرفع وبالياء في الجرِّ والنصب وهي مرتجلة أيضا مبنيَّة

وقد جاء فى الشعر كسرُ نون الجمع لالتقاء الساكنين كما جاء فتح نون التثنية

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 116 ]

باب جمع التأنيث

إنَّما زيد في الواحد هنا الحرف دون الحركة لما ذكرناه في التثنية وزيد حرفان لأنَّ فيه معنيين التأنيث والجمعَ وهما فرعان فاحتاجا إلى زيادتين وليس كذلك التثنية والجمع لأنَّه معنى واحد

فصل

وإنَّما اختيرت الألف دون الواو والياء لخفَّتها وثقل التأنيث والجمع ووقوع ذلك فيمن يعقل وما لا يعقل وأختيرت التاء معها لوجهين

أحدُهما أنَّها تشبه الواو التى هي أخت الالف

والثاني أنَّها تدلُّ على التأنيث وكلا الحرفين دالُّ على كلا المعنيين من غير تفريع وقال قوم الألف تدلُّ على الجمع والتاء على التأنيث وعكس هذا قوم والجمهور على الأوَّل وهو أصح لوجهين أحدهما أنَّك لو حذفت الألف لم تدلّ التاء على الجمع ولا على التأنيث مقترناً بالجمع وكذلك لو حذفت التاء

والثاني أنَّ التأنيث والجمع زيادتان ملتبستان متصلتان فكان الدالُّ عليهما

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 117 ]

حرفين ملتبسين من غير تفريع ألا ترى أنَّ علامة النسب حرفان وهو معنى واحد فكون العلامة هنا حرفين أوْلى

فصل

وإنَّما حمل المنصوب هنا على المجرور لوجهين

أحدُهما أنَّه جمع تصحيح فَحُمِلَ النصب فيه على الجرَّ كجمع المذكَّر لأنَّ المؤنَّث فرع على المذكَّر والفروع تُحْمَلُ على الأصول فلو جعل النصب أصلا لكان الفرع أوسع من أصله وهذا استحسان من العرب لا أنَّ النصب متعذَّر

والوجه الثاني أنَّ المؤنَّث بالتاء في الواحد تقُلب تاؤه هاء في الوقف ولا يمكن ذلك في الجمع فكما غُيَّر في الواحد غُيّر في الجمع فحمل النصب على غيره إذ كان تغييراً والتغيير يؤُنِسُ بالتغيير

فصل

وكسْرَتُه في النصب إعراب وقال الأخفشُ بناء وهذا ضعيف إذ لا علَّة توجب البناء ولو صحَّ ما قال لكان فتح المجرور فيما لا ينصرف والتثنية والجمع في النصب بناء

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 118 ]

فصل

والتنوين الداخل هذا الجمعَ ليس تنوين الصرف

وقال الربعيُّ هو تنوين الصرف وما قاله ضعيف بدليل ثبوته فيما لا ينصرف كقوله تعالى ( أفضتُم من عرفاتٍ ) وقولهم ( هذه عرفاتٌ مباركاً فيها ) فنَصْبُ الحالُ عنها يدُلُّ على أنَّها معرفة وهي مؤنَّثة وإنَّما هذا التنوين نظير النون في ( مسلمون ) إذ كان هذا الجمع فرعاً على ذلك الجمع

وقيل التنوينُ هنا عوضٌ ممَّا مُنِعَ هذا الاسم من الفتحة في النصب كما عُوِّضَتْ النون من الحركة في التثنية والجمع ولَمَّا كان المعوَّض منه حركة واحدة جعلت هذه النون كتنوين الصرف في أنَّها لا تثبت وقفاً وخطّاً ولا مع الألف واللام

فصل

وإنَّما حذفت التاء الأولى في نحو ( مسلمات ) لوجهين

أحدُهما أن الغرض منها التأنيث وقد حصل بتاء الجمع

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 119 ]

والثاني أنَّ تاء التأنيث لم تقع حشواً ولهذا لم تثبت في النسب فلا يُقال ( بصرتيّ ) وقيل امتناعها في النسب لئلاّ يقال ( بصرتية ) فتجمتع علامتان

وإنما كان حذف الأُولى أوْلى لوجهين

أحدُهما أنَّ التثنية تدلُّ على التأنيث والجمع مع الألف فلو حذفت لبطلت دلالة الجمع والثاني أنَّ الأولى حشو

فصل

وإنمَّا لم تحذف ألف التأنيث في الجمع كما حذفت التاء لوجهين أحدُهما أنَّها لو حُذِفَتْ لالتبس ذلك الجمع بجمع ليس في واحده علامة أو بما علامته تاء والثاني أنَّ الألف لَّما أُبدِلتْ حرفاً آخر لم تكن جمعاً بين علامتين

فصل

وإنَّما قلبت ( ياءً ) لا واواً لثلاثة أوجه أحدُها أنَّها في الواحد تمال إلى الياء

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 120 ]

والثاني أنَّ الياء أشبه بالألف منها بالواو لقربها منها وخفَّتها وخفائها

والثالث أنَّهم قد أثَّنوا بالياء نحو أنت تقومين وبالكسرة التي هي أخت الياء نحو ضربتِ وأنتِ

فصل

وإنَّما قلبت همزة التأنيث ( واواً ) لأنَّها تشبه الألف إذ هي من مخرجها وتخفّف إليها وتصوّر في الخطّ ألفاً فلو بقيت لتوالى في التقدير ثلاث ألفات ولو حذفت لحذفت ألف أخرى لالتقائهما

فصل

وإنَّما قلبت ( واواً ) لا ياءً لثلاثة أوجه أحدهما أنَّ الهمزة تشبه الواو في النقل ومُقابِلَتُها في مخرجها ولهذا أبدلت منها في ( وُقّتت ) و ( وجوه ) فأبدلت الواو منها تعويضاً

والثاني أنَّها لو ابدلت ياءً - والياء أشبه بالألف - لم يحصل الغرض من إبدالها لأنَّ الياء كالألف

والثالث أنَّهم فرَّقوا بذلك بين جمع المقصور والممدود

فصل

ولم تجمع الصفات بالألف والتاء نحو ( حمراء ) و ( صفراء ) لأنَّ هذا الجمع فرع

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 121 ]

على جمع المذكَّر ولمّا لم يقولوا ( أحمرون ) , ( اصفرون ) في المذكَّر لم يقولوا ( حمراوات ) والعّلةَّ في ذلك أنَّ الصفة مشتقة من الفعل ففيها ضرب من الثقل ولهذا كانت إحدى علل منع الصرف والجمع والتأنيث ثقيلان فتزداد ثقلاً فأمَّا قوله عليه الصلاة والسلام ( ( ليس في الخضراوات زكاة ) ) فإنَّه جعُل كالاسم إذ كان صفة غالبة لا يذكر معها الموصوف ( كالأبطح ) و ( الأبرق )

فصل

إذا سمِّيت مذكَّراً بمؤنَّث بالتاء نحو ( طلحة ) جمعته بألالف والتاء ولا يجوز بالواو والنون وقال الكوفيَّون تسكن عينه وتحذف تاؤه ويجمع بالواو والنون فيقال في ( طَلْحة ) ( طَلْحون )

وقال ابن كيسان كذلك إلاَّ أنَّه فتح العين

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 122 ]

والدليل على فساد مذهبهم أنَّ العرب جمعته بالألف والتاء فقالوا 3 - طَلْحة الطَّلحاتِ لأنَّ هذا الاسم مؤنث بالتاء وهي من خصائص التأنيث والواو من خصائص المذكَّر فلم يجمع بينهما

فأمَّا المؤنَّث بالألف والهمزة فيجمع بالواو والنون إذا سُمَّي به فيقال ( سكراوون ) و ( حمراوون ) لأنَّ الألف صيغت مع الكلمة من أوَّل أمرها وثبتت في التكسير نحو ( سكارى ) وقلبت في الجمع نحو ( سعديات ) فصارت كالحرف الأصليّ

وأمَّا التاء ففي حكم المنفصل ولهذا قالوا تحذف في هذا الجمع فإنْ قيل المسمَّى مذكَّر وعلامة التأنيث تحذف ههنا فلم يبق مانع من هذا الجمع قيل العبرة في هذا الجمع باللفظ وهو مؤنث والتاء وإن حذفت فهي مقدَّرة ألا ترى أنَّك

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 123 ]

لو سميت مؤنثاً بمذكر لجاز ولم يستحل المعنى وكذا لو سمَّيت مذكَّرا بمؤنَّث جاز ولم تقل هذا جمع بين الضدَّين فعلم أنَّ تذكير المعنى لا يمنع من تأنيث اللفظ وأمَّا تحريك العين فضعيف جدّا لأنَّ ذلك من خصائص الجمع بالألف والتاء

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 124 ]

باب ذكر الأسماء المرفوعة

إنَّما بًدئ بالأسماء لوجهين

أحدُهما أنَّها أصول الأفعال

والثاني أنَّ إعرابها أصلٌ لإعراب الأفعال

وإنَّما بدئ بالمرفوع لأنَّ الجملة المفيدة تتمُّ بالمرفوع ولا منصوب معه ولا مجرور ولا تجد منصوباً ولا مجروراً الا ومعه مرفوع لفظاً أو تقديراً

فصل

وإنَّما بدأ من بدأ بالمبتدأ قبل الفاعل لوجهين أحدُهما أنَّه اسم تُصَدَّرُ الجملةُ به والفاعل يتأخر عن الصدر والثاني أنَّ المبتدأ لا يبطل كونه مبتدأ بتأخيره والفاعل إذا تقدَّم على الفعل صار مبتدأ لا غير

فصل

والمبتدأ هو الاسم المجرَّد من العوامل اللفظية لفظا وتقديراً المُسْنَدُ إليه خبرٌ أو ما يسدُّ مسدَّه وفيه احتراز من قولك أنَّ زيدٌ خرج حرجت فإنَّ ( زيداً ) مجرَّد من العوامل لفظاً لا تقديراً إذ التقدير إنْ خرج زيد فهو فاعل

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 125 ]

وإنَّما وجب أن يكون اسماً لأنّه مخبر عنه ولا يصحُّ الإخبار عن غير الاسم وأمَّا قولهم ( تسمع بالمعيديّ خير من أن تراه ) فتقديره أن تسمع فلم يخبر عن الفعل إذن وإنَّما شرط فيه التجَّرد من العامل اللفظيّ لأنَّ العامل اللفظيّ إذا تقدَّم عليه عمل فيه ينسب إليه أكان فاعلاً أو ما أشبهه وأما قولهم بحسبك قولُ السوء فالباء زائدة وقد علمت في لفظ الاسم والموضع مرفوع وشرط فيه الإسناد لتحصل الفائدة

و قد قال النحويُّون المبتدأ معَتمدُ البيان والخبر معتمد الفائدة ومن ههنا شرط في المبتدأ أن يكون معرفة أو قريباً منها ليفيد الإخبار عنه إذ الخبر عَّما لا يعرف غير مفيد وقد جاءت نكرات أفاد الإخبارُ عنها وسنراها إن شاء الله تعالى

فصل

واختلفوا في العامل في المبتدأ على خمسة أقوال أحدُها أنَّه الابتداء وهو كون الاسم أوَّلاً مقتضياً ثانياً وهذا هو القول المحقَّق وإليه ذهب جمهور البصريين

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 126 ]

والقول الثاني أنَّ العامل فيه تجردّه عن العوامل اللفظيَّة وإسناد الخبر إليه روي عن المبرِّد وغيره

والثالث أنَّ العامل فيه ما في النفس من معنى الإخبار روي عن الزجَّاج

والرابع أنَّ العامل فيه الخبر

والخامس أنَّ العامل فيه العائدُ من الخبر والقولان الأخيران مذهب الكوفيِّين والدليل علىأنَّ العامل فيه أوَّليتَّه واقتضاؤه ثانياً من وجهين أحدهما أنَّ هذه الصفة مختَّصة بالاسم والمختصُّ من الألفاظ عامل فكذلك من المعاني

والثاني أنَّ المبتدأ معمول ولابدَّ له من عامل ولا يجوز أن يعمل في نفسه لامتناع كون المعمول عاملاً في نفسه كما يمتنع أن يكون الشيء علَّة لنفسه ولا يجوز أن يكون تعرِّية من العوامل اللفظيَّة عاملاً لأن ذلك عدم العامل وعدم العامل لا يكون عاملاً فإنْ قيل العدم يكون أمارة لا علّة قيل الأمارة يستدلُّ بها على أنَّ ثَمَّ عاملاً غيرها وقد اتَّفقوا على أنَّه لا عامل يستدُّل عليه بالعدم

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 127 ]

فإن قيل التعرَّي من العوامل ليس هو العامل بل صلاحية الاسم للعوامل اللفظيَّة هوالعامل قيل هذا يرجع إلى المذهب الأوَّل ولا يجوز أن يكون إسناد الخبر عاملاً لأن الإسناد يكون بعد المبتدأ ومن شرط العامل أن يتقدَّم على المعمول لفظا أو تقديراً

ولا يجوز أن يكون العامل ما في النفس من معنى الخبر لوجهين

أحدهما أنَّ تصوُّر معنى الأبتداء سابق على تصوُّر معنى الخبر والسابق أوْلى أن يكون عاملاً والثاني أنَّ رتبه الخبر بعد المبتدأ ورتبةُ العامل قبل المعمول فيتنافيان والثالث أنَّ الخبر قد يكون فعلاً فلو عمل في المبتدأ لكان فاعلاً والرابع أنَّ الخبر يكون من الموصول والصلة فلو عمل لعملت الصلة فيما قبلها والخامس أنَّ الخبر كالصفة وكما لا تعمل الصفة في الموصوف كذلك الخبر والسادس أنَّ ( إنَّ ) و ( كان ) إذا دخلا على المبتدأ أزالا الرفع والخبر لفظيُّ والعامل اللفظيُّ لا يبطل العامل اللفظيَّ ولا يجوز أنَّ يكون الضمير العائد عاملاً لوجهين أحدُهما أنَّ المضمر فرع المظهر فإذا لم يعمل الأصل فالفرع أوْلى والثاني أنَّ الضمير قد يكون في الصلة فلو عمل لعمل فيما قبل الموصول وإذا بطلت هذه الأقوال تعيَّن القولُ الأوَّل

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 128 ]

فصل

وأمَّا عامل الخبر ففيه خمسة أقوال أحدُهما الابتداء وهو قول ابن السراج لأنَّه عمل في ا لمبتدأ فعمل في الخبر ك ( كان ) و ( ظننت ) و ( إنَّ ) والقول الثاني أنَّ المبتدأ هو العامل في الخبر وهو قول أبي عليّ وهذا ضعيف لوجهين

أحدهما أنَّ المبتدأ كالخبر في الجمود والجامد لا يعمل والثاني أنَّ المبتدأ لو عمل في الخبر لم يبطل بدخول العامل اللفظيّ لأنه لفظي أيضاً ومن مذهبه أنَّ العامل اللفظيّ لا يعمل في المبتدأ والخبر والقول الثالث أنَّ الابتداء والمبتدأ جميعا يعملان في الخبر وقد بيَّنا أنَّ المبتدأ

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 129 ]

لا يصلح للعمل فلا يصلح له مع غيره وأمّا العامل في الشرط والجزاء فسنبينَّه في موضعه

والقول الرابع أنَّ العامل في الخبر التعرَّي من العوامل وقد أفسدناه

والقول الخامس أنَّ العامل هو المبتدأ وهو قولَّ الفرَّاء وسمَّوْهما المترافعين وشبَّهوهما بأسماء الشرط , وإنَّما تعمل في الفعل ويعمل الفعل فيها وهذا قول ضعيف لما بيَّنا أن المبتدأ لا يصلح للعمل وتشبيهه بأسماء الشرط لا يصحُّ لخمسة أوجه

أحدها أنَّهم بنوه على أنَّ الخبر عامل في المبتدأ وقد أفسدناه والثاني أنَّ اسم الشرط لا يعمل بل العامل حرف الشرط مضمراً ولا يجوز إظهاره كما لا يجوز إظهار ( أنْ ) مع ( حتى ) والثالث أنَّ عمل اسم الشرط بالنيابة عن الحرف وعمله في الفعل ضعيف هو الجزم بخلاف المبتدأ والخبر والرابع أن عمل اسم الشرط في الفعل من حيث ناب عن الحرف وعمل الفعل فيه من حيث هو اسم والأسماء معمولة الأفعال فجهة العمل مختلفة بخلاف المبتدأ والخبر

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 130 ]

والخامس أنَّ عمل أحدهما في الآخر مخالف لعمل الآخر فيه والعمل في مسألتنا واحد فهو كالآخذ ما يعطي وذلك كالعبث هذا تعليل جماعة من النحويِّين وفيه نظر والصحيح أن يقال العمل تأثير والمؤثر أقوى من المؤثَّر فيه فيفضي مذهبهم إلى أن يكون الشيء قويّاً ضعيفاً من وجه واحد إذ كان مؤثراً فيما أثَّر فيه

فصل

وإنَّما عمل الابتداء الرفع لوجهين أحدهما أنَّه قوي بأوَّليته والرفع أقوى الحركات فكان ملائما له والثاني أنَّ المبتدأ يشبه الفاعل في أنَّه لا يكون إلاَّ اسماً مخبراً عنه سابقاً في الوجود على الخبر

فصل

وإنَّما كان المبتدأ معرفة في الأمر العامّ لأن الفائدة لا تحصل بالإخبار عَّما لا يعرف

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 131 ]

فأمَّا إذا وُصِفتْ النكرة فالإخبار عنها مفيد لتخصُّصها وأمّا قولهم ( سلام عليكم ) فالاسم واقع موقع الفعل أيْ ( سلَّم الله عليكم وأمَّا إذا تقدَّم الخبرَ وكان ظرفا فلتخصَّص المبتدأ بالظرف المخصوص وأمّا قولهم ما أحدٌ في الدار فجاز لما في أحد من معنى الاستغراق

وأمَّا قولهم شرٌّ أهرَ ذا ناب ومأربٌ دعاك إلينا لا حفاوة ففي معنى النفي أي ما أهرَّ ذا ناب إلاَّ شرّ وأمَّا قولهم أقائم زيد فجائز لاعتماد النكرة علىالاستفهام ونيابتها عن الفعل وأما ( ما ) في التعجُّب فلما فيها من الإبهام والعموم

فصل

الاسم الواقع بعد ( لولا ) التي يمتنع بها الشيء لوجود غيره مبتدأ

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 132 ]

وقال الكوفيٌّون هو فاعل فعل محذوف ومنهم من يرفعه بنفس ( لولا ) وقالوا ( لا ) فيه بمعنى ( لم ) والدليل على أنَّه مبتدأ من وجهين أحدهمَّا أنَّ ( لولا ) هذه تقتضي اسمين الثاني منهما خبر بدليل جواز ظهوره في اللفظ وإن لم يستعمل ولو كانت ( لولا ) عاملة أو العامل مقدَّراً بعدها لم يصحّ ذلك والثاني أنَّ ( لولا ) لا تختصُّ بالأسماء بل تدخل عليها وعلى الأفعال بدليل قول الهذلي - الطويل - 4 -

( ألا زعمت أسماءُ أنْ لا أحبهُّا ... فقلتُ بلى لولا ينازعني شغلي ) وقال جرير - البسيط

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 133 ]

-

( أنت المبارك والميمون سيرتُه ... لولا تقوِّمُ دَرْءَ الناس لاختلفوا ) وقال آخر - البسيط - ( ( 6 -

( قالت أميمةُ لَمَّا جئت زائرَها ... هلاّ رميْتَ ببعض الأسهم السودِ )

( لادرَّ درُّكِ إنَّي قد رَمَيْتُهُم ... لولا حُدِدْتُ ولا عذرى لمحدود ) - البسيط - فإنْ قيل لو كان ما بعدها مبتدأ لم تقع موقعه ( أنَّ ) المفتوحة وقد وقعت كقوله تعالى ( فلولا أنَّه كانَ من المسبّحين ) ووقوع المفرد بعدها دليل على ارتفاعه بفعل محذوف أو بها قيل جوابه من ثلاثة أوجه أحدُها أنَّ ( أنَّ ) المفتوحة تكون في موضع المبتدأ في كلّ موضع لا يصحُّ فيه دخول ( إنَّ ) المكسورة عليها لئلاَّ يتوالى حرفان بمعنى واحد وقد أمن هذا في ( لولا )

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 134 ]

والثاني أنَّ خبر المبتدأ ههنا لَمَّا لم يظهر بحال صار الكلام كالمفرد والثالث أنَّ الكلام لا يصحُّ إلاَّ بشيئين أحدهما جعل ( لا ) بمعنى ( لم ) والثاني تقدير فعل رافع والأوَّل باطل لوجهين أحدُهما أنَّ وضع ( لا ) موضع ( لم ) لا يصحّ لأنَّ ( لم ) تختصُّ بالأفعال المستقبلة لفظاً و ( لا ) تختصُّ

والثاني أنَّ ( لولا ) هنا تختصُّ بالاسماء أو تكثر فيها و ( لم ) لا يقع بعدها الأسماء وأمَّا تقدير الفعل فلا يصحّ لوجهين أحدُهما أنَّ الفعل لايحذف عن الفاعل إلاَّ إذا كان هناك فعل يفسرَّ المحذوف وليس ذلك ههنا

والثاني أنَّه لو كان الأمر على ما قالوا لصحَّ العطف عليه بإعادة ( لا ) كقولك لولا زيدٌ ولا عمرو كقولك لو يقم زيدٌ ولا عمرو

فصل

وإذا اعتمد اسم الفاعل على الاستفهام أو حرف النفي أو كان صفة

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 135 ]

أو صلة أو حالاً أوخبراً أو مبتدأ بعد مبتدأ جاز رفعه بالابتداء وكان ما بعده فاعلاً لأن هذه الأشياء تقوّي شبهه بالفعل وارتفع بالابتداء لأن شروط الابتداء موجودة فيه ولا يحتاج إلى خبر لأنَّه ناب الفعل الذي هو خبر

فإن لم يعتمد على شيء كان خبراً مقدَّماً فيه ضمير ويثنَّى ويجمع عند سيبويه وقال الأخفش يكون مبتدأ كما لو اعتمد ويعمل فيما بعده وهذا ضعيف لأنَّ اسم الفاعل فرعٌ في العمل على الفعل فلم يعمل إلاَّ بما يقوِّيه

فصل

وحقيقة الخبر ما صحَّ أنْ يقال في جوابه صدق أو كذب فأمَّا الأمر والنهي فضعيف جعلهما خبراً للمبتدأ لأنَّهما ضدُّ الخبر في المعنى وما جاء منه فهو متأوَّل تقديره زيدٌ أقول أضْربْهُ وحذف القول كثير أو يكون التقدير زيد واجب عليك ضربه ثم قام الأمر مقام هذا القول كقوله تعالى ( قل من كان في الضَّلالة فليمدُدْ لهُ الرحمنُ مدّاً ) أي فليمدّنّ له

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 136 ]

فصل

والخبر المفرد هو المبتدأ في المعنى إذ لولا ذلك لم يكن بينهما علقة تربط أحدَهما بالآخر ولهذا جاز أن يخلوا من ضمير يعود على المبتدأ كقولك زيد غلامك وإنَّما وجب أن يكون في الخبر المفرد المشتقّ ضميرّ لأنه يعمل عمل الفعل كقولك زيدٌ ضارب أبوه عمراً وإذا لم يكن ظاهراً كان مضمراً ولهذا قالوا مررت بقاع عرفج كلّه خشن أي كلّه ومررت بقوم عرب أجمعون أي تعرَّبوا كلّهم أجمعون

فصل

فإن لم يكن الخبر المفرد مشتقّاً لم يكن فيه ضمير وقال الرُّماني والكوفيُّن فيه ضمير وما قالوا فاسدٌ لثلاثة أوجه

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 137 ]

أحدها أنَّ قولك هذا زيدٌ مبتدأ وخبر فزيدٌ لا يصحُّ تحمُّله الضمير كما لا يعمل في الظاهر

والثاني أنَّه لا يقع صفة فلم يكن فيه ضمير

والثالث أنَّه قد يخالف المبتدأ في العدد كقولك زيد العمران أخواه والضمير أبداً يكون على وفق المظهر وليس كذلك اسم الفاعل لما تقدَّم

ولا يقال قولك زيد أخوك في معنى مناسبك لأنَّه لو كان كذلك لعمل في الاسم الظاهر ولوقع وصفاً وإنَّما هذا في المعنى صحيح والضمير يعتمد الفعل أو ما كان مشتقاً منه ألا ترى أنَّ قولك مروري بزيد حسن وهو بعمرو قبيح وضربي زيداً حسن وهو عمراً قبيح جائز أن تعُمل المصدر ولا تعمل ضميره لأنَّ ضمير المصدر ليس فيه ضمير لفظ الفعل وإن كان معناهما واحداً

فصل

اسم الفاعل إذا جرى على غير من هو لزم إبراز ضمير فاعله كقولك زيد عمروٌ ضاربه هو وقال الكوفُّيون لا يلزم

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 138 ]

والدليل على لزومه من وجهين

أحدُهما أنَّ إبرازه يزيل اللبس في كثير من المواضع كهذه المسألة فيجب أن يلزم في الجميع ليطّرد الباب كما في باب ( يعد ) بل هذا ألزم

والثاني أن اسم الفاعل فرع على الفعل في تحمُّل الضمير ولهذا لا يجعل اسم الفاعل مع ضميره جملة بخلاف الفعل ولا يبرز ضمير التثنية والجمع في اسم الفاعل كما يبرز في الفعل وهذا مقتصر على الفعل فإذا انضمَّ إلى ذلك جريانه على غير من هو له وجب إبراز الضمير ليظهر أثر قصوره وفرعيتَّه وليس كذلك الفعل فإنَّ الضمير المتَّصل لفظاً قد يفصل ويزيل اللبس كقولك زيد أنا ضربت ولا يظهر ذلك في اسم الفاعل كقولك زيد أنا ضارب وإن جاء شيء من هذا لم يبرز فيه الضمير في الشعر فضرورة أو يكون هناك حذفُ جارّ ومجرور

فصل

والجملة هي الكلام الذي تحصل منه فائدة تامَّة واشتقاقها من أجملت الشيء إذا جمعته وكلَّ محتمل للتفصيل جملة والمبتدأ والخبر والفعل والفاعل بهذه الصفة إلاَّ أنَّه قد يعرض في الجملة يُحْوجُها إلى ما قبلها

وأنَّما أُخْبِرنا بالجملة مكان المفرد لثلاثة أشياء

أحدها الحاجة إلى توسيع العبارة في النظم والنثر

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 139 ]

والثاني أنَّ ذلك قد يزيل اللبس في بعض المواضع كقولك زيد قام أبوه لو قلت قام أبو زيد لجاز أن يُظن أنَّ هذه كنية له لا أنَّ له ولداً فإذا قدمت بطل كونه كنية

والثالث أنَّ في ذكر الشيء مظهراً ومضمراً تفخيماً

وإنَّما وجب أن يكون في الجملة ضمير المبتدأ لأن الخبر فيهما على التحقيق هو المتبدأ الأخير والأول أجنبيٌّ منه والضمير يربط الجملة بالأوَّل حتَّى يصير له بها تعلُّق وإنَّما يسوغ حذف هذا الضمير في موضع يعلم أنَّه مراد من غير لبس كقولهم السمنُ منوان بدرهم وكقوله تعالى ( ولمن صبر وغفر إنَّ ذلك لمن عزم الأمور ) أي إنَّ ذلك منه ولهذه العلَّة جاز حذف الخبر تارة والمبتدأ أخرى وحذف الجملة بأسرها

فصل

والظرف الواقع خبراً مقدَّر بالجملة عند جمهور البصريين وقال بعضهُم هو مقدرَّ بالمفرد

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 140 ]

والدليل علىأنَّه مقدرَّ بالجملة من وجهين

أحدهما أنَّه كالجملة في الصلة كقولك الذي خلفك زيد فكذلك في الخبر

والثاني أنَّ الظرف معمول لغيره

والأصل في العمل للأفعال والأسماء نائبة عنها وجعل العمل هنا للفعل أوْلى وإذا أنيب الظرف مُناب الفعل دلَّ عليه واحتجَّ الآخرون من وجهين أحدهما أنَّ الأصل في الخبر أن يكون مفرداً وحمل الفروع على الأصول أولى والثاني أنَّ الظرف إذا تقدَّم علىالمبتدأ لم يبطل الابتداء ولو كان مقدَّراً بالفعل لأبطله والجواب أنَّ الأصل في الخبر لا يمكن تقديره ههنا لما بيَّنا من أنَّ المفرد هو المبتدأ في المعنى والظرف ليس هوالمبتدأ فعند ذلك نجعل العامل في الظرف ما هو الأصل في العمل لئلاَّ تقع المخالفة من وجهين وأمَّا إذا تقدم الظرف ولم يعتمد فلا يبطل الابتداء به لأنَّه ليس بفعل على التحقيق بل هو نائب عنه ويصحُّ ان يقدَّر بعده المبتدأ بخلاف الفعل

فصل

وإنَّما لم يجز الإخبار بالزمان عن الجثَّة لعدم الفائدة إذ كانت الجثَّة غير مختصَّة بزمان دون زمان ألا ترى أنَّ قولك زيدٌ غداً إذا أردت مستقرُّ غداً لا يفيد إذ

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 141 ]

هو مستقرَّ في كلَّ زمان وعلم السامع بذلك ثابت فلو قلت يُقدَّرُ الخبر بما هو يختصُّ به نحو قولك حيٌ أو غنيٌ أو قادم قيل إنَّما يُضمر ما عليه دليل ولا دليل على واحد من هذه بخلاف قولك زيد خلفك والرحيل غداً فإنَّ المحذوف منه الاستقرار والكونُ والحصول المطلق والظرف يدلُّ عليه قطعاً

فأمَّا قولهم الليلة الهلالُ فيروى بالرفع على تقدير الليلةُ ليلةُ الهلال وبالنصب على تقدير الليلة طلوعُ الهلال أو على أن تجعل الهلال بمعنى الاستهلال وهو من إقامة الجثة مُقام المصدر وإنَّما يكون فيما ينتظر ويجوز أن يكون ويجوز ألاَّ يكون فلو قلت في انتهاء الشهر الليلة القمر لم يجز وقد يجوز أن تقول زيدٌ غداً إذا كان غائباً وخاطبت من ينتظر قدومه

فصل

ولا يجوز إظهار العامل في الظرف إذا كان خبراً لأنَّ ذكر الظرف نائب عنه فلم يجمع بينهما للعلم به فأمَّا قوله تعالى ( فلَمَّا رآه مستقرّاً عنده ) فمستقرٌّ فيه بمعنى الساكن بعد الحركة لا الاستقرار الذي هو مطلق الكون

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 142 ]

فصل

يجوز تقديم الخبر على المبتدأ مفرداً كان أو جملة ومنعه الكوفَّيوُّن والدليل على جوازه السماع والقياس أمَّا السماعُ فقول الشاعر - الوافر -

( فتى ما ابن الأغرّ إذا شتونا ... وجُبَّ الزادُ فى شهري قُماح ) وقولهم تميميّ أنا ومشنوء من يشنؤك وأمَّا القياس فمن وجهين

أحدُهما أن الخبر يشبه الفعل والفعل يتقدم ويتأخر

والثاني أنَّ الخبر يشبه المفعول لأنَّه قد يصيُر مفعولاً في قولك ظننت زيداً قائماً والمفعول يجوز تقديمه وكذلك خبر ( كان ) يتقدَّم على اسمها وخبر ( إنَّ ) يتقدَّم على اسمها إذا كان ظرفاً فكذلك ههنا واحتجَّ الآخرون بأنَّ تقديم الخبر إضمار قبل الذكر وهذا غير مانع من التقديم لأنَّه مؤخر تقديراً فهو كقولهم ( في بيته يؤتى الحكم ) وكقولك ضرب غلامَه زيدٌ إذا جعلته مفعولاً لأنَّ النيَّة به التأخير

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 143 ]

فصل

إذا تقدم الظرف على الاسم واعتمد على أحد سبعة أشياء مبتدأ على أن يكون هو خبراً أو صفةٍ أو صلة ٍ أو حالٍ أو كان معه استفهام أو حرف نفي أو كان عاملاً في ( أنَّ ) والفعل كقوله تعالى ( ومن آياته أن تقوم السماءُ والأرض بأمره ) جاز أن يعمل فيما بعده عمل الفعل في الفاعل لقوَّته بما اعتمد عليه وجاز أن يكون خبراً مقدَّماً فإنَّ لم يعتمد على شيء لم يعمل عند سيبويه وعمل عند الأخفش والكوفيين والمبرَّد والدليل علىأنَّه لا يعمل من أربعة أوجه

أحدُهما أنَّ العامل يتخّطَّى الظرف فيعمل فيما كان مبتدأ كقولك إنَّ خلفك زيداً ولو كان عاملاً لم يبطله عامل خر والثاني أنَّك تضمر المبتدأ في الظرف وهو مقَّدم كقولك في دراه زيد ولو كان عاملاً لكان واقعاً في رتبته ولزم فيه الإضمارَ قبل الذكر لفظا وتقديراً

والثالث أنَّ معمول الخبر يجوز أن يتقدَّم على المبتدأ كقول الشمَّاخ - الوافر

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 144 ]

-

( كلا يوميْ طُوالةَ وَصلُ أروى ... ظَنونٌ آنَ مُطرح الظُنونِ ) و ( كلا ) منصوب الخبر وهو ظنون والمعمول تابع العامل والتابع لا يقع موقعاً لا يقع فيه المتبوع

والرابع أنَّ الظرف وحرف الجرَّ غير مشتقَّين ولا معتمدين فلم يعملا كقولك هذا زيدٌ فإن قالوا الظريف نائب عن الفعل فيعمل عمله فقد أجبنا عنه في المسألة السابقة

فصل

فإن كان الخبر استفهاماً لزم تقديمه لأنَّ الاستفهام له صدر الكلام إذ كان معناه فيما بعده ولو قدَّمت المستفهم عنه علىالاستفهام لعكست المعنى فأمَّا قولهم صنعت ماذا ف ( ما ) غير معمولة ل ( صنعت ) هذه والتقدير أصنعت ثم حذفت همزة الاستفهام ثم أتيت ب ( ما ) دالَّة عليها و ( ما ) منصوبة بفعل آخر استُغني عنه بالمذكور

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 145 ]

فصل

وإنَّما لزم تقديم الخبر إذا كان ظرفاً أو حرف جرَّ على النكرة كقولك له مال لأنَّه لوَ أُخرَّ لجاز أن يُعتقد صفة وأنَّ الخبر منتظر وبالتقديم ثَمَّ يزول هذا الظنّ

فصل

فيما يسدُّ مسدَّ الخبر

فمن ذلك ( جواب لولا ) في قولك لولا زيدٌ لأتيتك والتقدير لولا زيدٌ حاضر وموجود فصار طول الكلام بالجواب دالاًّ علىالمحذوف ومغنياً عنه

ومن ذلك ( لعمرك ) في القسم والتقدير قسمي والجواب دالٌّ على المحذوف

ومن ذلك قولُهم ضربي زيداً قائماً ف ( قائماً ) حال من ضمير محذوف تقدير ضربي زيداً إذا كان قائماً فحذفت ( إذا ) لأنَّها زمان واسم الفاعل يدلُّ على الزمان و ( كان ) هذه التامَّة ضميرها فاعل والحال منه فإنْ قلت لم لا تكون الناقصة و ( قائماً خبرها قيل لا يصحُّ لوجهين

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 146 ]

أحدهما أنَّ ( قائما ) لم تقع في مثل هذه إلاَّ نكرة وخبر ( كان ) يجوز أن يكون معرفة

والثاني أنَّ الغرض من ( كان ) تعيين زمان الخبر فإذا حذفت لم يبق على زمانه دليل

ومثل هذه المسألة أكثر شربي السويق ملتوتاً وأخطبُ ما يكون الأمير قائماً فأمَّا قولُهم أخطبُ ما يكون الأمير يوُم الجمعة فيروى بالنصب على تقدير أخطب أكوان الأمير يومَ الجمعة ف ( يوماً ) ههنا خبر وفي الكلام مجاز وهو جعل الكون خاطباً ويُروى بالرفع على تقدير أخطب أيامِ كونِ الأمير ففيه على هذا حذف ومجاز

ومن ذلك كلّ رجل وضيعته فالخبر فيه محذوف أي مقرونان أغنى عن الخبر كونُ الواو بمعنى ( مع ) والضيعة ههنا الحرفة

وأمَّا قولهم أنت أعلم وربُّك فتقديره ربُّك مكافئك أو مجازيك