دروز فلسطين

دروز فلسطين يرفضون الخدمة في الجيش "الاسرائيلي"

مشايخ الدروز: يريدوننا شركاء في الدم ويصادرون أراضينا ويهينوننا

أسعد العزوني

..."يريدوننا مرتزقة في الجيش الاسرائيلي وفي الأذرع الأمنية ولكننا نرفض ذلك وقد دخل نصف شبابنا السجون بسبب رفضهم الخدمة العسكرية الإجبارية في الجيش الاسرائيلي" هذا ما ورد على لسان الشيخ علي معدي رئيس لجنة التواصل الدرزية في حيفا احتجاجا على معاملة السلطات "الاسرائيلية" للدروز في فلسطين.

وتابع الشيخ معدي: "نحن متساوون مع اليهود في الموت ولا يوجد عندهم حقوق إنسان ونحن ضد الخدمة في جيشهم لأن هذه الدولة لا تستأهل خدمة وقد ضحكوا علينا مدة 61 عاما وصادروا أراضينا وحرمونا من كل شيء، ولم نحصل على أي حق زيادة عن الآخرين ونحن متساوون معهم في الواجبات فقط ونحن درجة ثالثة في الحقوق. وهذا ما نرفضه كليا.. نعم كنا ضد الخدمة الإجبارية في جيشهم وشرطتهم والآن سنتوحد كلنا ضد ذلك وسنعمل على توحيد صفوفنا ونجرد الموالين لهم من مواقعهم".

هذا هو واقع الدروز في فلسطين بعد صحوتهم الخيرة واكتشافهم أن اليهود يستغلونهم حطب مواقد ليس إلا ولا ينظرون إليهم بحسب ما قدموه لهم من خدمات، علماً أن الدروز الذين كانوا في صفوف "الجيش الاسرائيلي" وفي الأذرع "الأمنية الاسرائيلية" إبان وبعد حرب عام 1967 كانوا أشد قسوة في التعامل مع الفلسطينيين في الضفة من نظرائهم اليهود بحيث أنه عندما كان يتبين أن رئيس حملة التطويق "الاسرائيلية" التي ستحاصر هذا التجمع السكاني أو ذلك يهوديا كان التوتر ينخفض بمستوى أقل فيما لو كان رئيس الحملة درزيا نظرا لقسوة الدروز على أشقائهم الفلسطينيين في الضفة حيث كانوا يمارسون الإذلال والإهانة والقسوة في أبعد مدى.

وكما هو معروف فأن عدد الدروز الذين يعيشون في فلسطين المحتلة يصل إلى نحو 100 ألف، والدروز فرقة إسماعيلية اتسمت بطابع الباطنية حيث اخفوا عقيدتهم عن غيرهم من المسلمين. وقد نشأوا إبان العصر الفاطمي وظلوا منطوين على أنفسهم ينأون بعقيدتهم أن تذاع ويطلع عليهم الآخرون.

يؤكد الشيخ ناظم سرحان "أن الدروز عرب يعتزون بعروبتهم" ويقول: "نحن أمة عربية خالصة نقية نحافظ على نقاوة مذهبنا وكوننا نعيش في "إسرائيل" فهذا لا يعني بأي حال أننا لسنا عرباً، سنبقى في أرضنا وفي بلادنا".

توجد في فلسطين المحتلة 16 قرية درزية: اثنتان في جبال الكرمل (عسفيا ودالية الكرمل) وهناك بلدة مختلطة في منطقة الساحل هي (شفا عمرو) أما باقي القرى فتقع في (الجليل الأعلى) فيما عدا واحدة تقع في (الجليل الأسفل) وهي قرية (المغار). وهم يقطنون أعالي الجبال، ويفسر الشيخ ناظم ذلك بقوله: "الموحدون كانوا قلة في المنطقة لذلك فضلوا العيش في المناطق الجبلية التي كان من الصعب الوصول إليها حماية لأنفسهم من باقي المذاهب لأن الموحدين في فترة معينة كانوا ملاحقين".

ورغم أن عدد الدروز في فلسطين المحتلة لا يتجاوز المائة ألف فإن لهم 4 نواب في "الكنيست الإسرائيلي": واحد عن "حزب التجمع" وواحد عن "كاديما" وواحد عن "الليكود" وواحد عن "حزب إسرائيل بيتنا" الذي يتزعمه اليميني المتطرف "وزير الخارجية" الذي يحاكم بتهم الفساد "افيغدور ليبرمان". ويقول الشيخ سرحان في ذلك: "هناك تيارات عديدة داخل الطائفة الدرزية ومن الممكن القول بأن الغالبية العظمى تسير في الاتجاه المعتدل لا هم يساريون ولا يمنيون وبطبيعة الحال فأننا جميعاً نؤمن بالعملية السلمية حتى اليمنيين في الطائفة لا يفكرون إلا في السلام".

وكما هو واضح أن "اسرائيل" ومنذ تأسيسها نسجت الدروز على وجه التحديد علاقة خاصة وتم تجنيدهم في "الجيش الإسرائيلي". ويقول الشيخ ناظم أن: "القانون المدني الإسرائيلي ينص على أن كل مواطن يحمل الجنسية الإسرائيلية يجب أن يخدم في جيش الدفاع الإسرائيلي، في بداية الخمسينات تم تطبيق هذا القانون ربما قسراً أو..." نافياً "أن يكون ذلك تم بمبادرة من شيخ الطائفة آنذاك أمين طريف، لكنه بين أنهم "طلبوا منه ذلك فتشاور مع بعض الشخصيات الأخرى"، منوها "أن عدد الدروز آنذاك كان لا يتجاوز 18 ألف نسمة في "إسرائيل" وبالتالي لم يكن أمامهم إلا القبول بالتجنيد الإجباري وحتى في الخمسينات كان هناك معارضون للتجنيد وتم الزج بهم في السجون ولا يزال المئات من الشباب الدرزي حتى اليوم يرفضون الخدمة في "الجيش الإسرائيلي"، وصحيح أن القانون لم يطبق على باقي الطوائف في "إسرائيل" لكن رغم ذلك نرى الآلاف من أبناء الطوائف الأخرى يتطوعون لخدمة الجيش وعددهم أكثر بكثير من أبناء الطائفة المعروفية في "الجيش الإسرائيلي" وغالبيتهم من البدو العرب".

قصة ذات مغزي

لشدة ما ألم به انفجر باكياً في مركز الشرطة بعد أن اقتيد إليه مكبلاً بالسلاسل عام 2004. و في الطريق من البار وحتى المركز باءت كل محاولته للاستفسار من الشرطي الذي ألقى القبض عليه عن الأسباب التي دفعته للإقدام على ما مثل هذا الإجراء ضده. وقد أبلغ الشرطي الذي ألقى القبض عليه رؤساءه أنه ألقى القبض على هذا الشاب بعد أن سمعه يتحدث في هاتفه النقال باللغة العربية، فظن أنه فدائي فلسطيني يعتزم تفجير نفسه في نزلاء البار، فألقى القبض عليه للتحقيق معه. ولكن سرعان ما أطلق سراح هذا الشاب "العربي"، بعد أن تبين أنه قائد لأحد أكثر ألوية المشاة في "الجيش الإسرائيلي" نخبوية. هذا ما حدث في أيلول من العام الماضي، في مدينة "نهاريا"، شمال فلسطين المحتلة، للعقيد عماد فارس، الدرزي، الذي يقود لواء "جفعاتي". هذا اللواء الذي أخذ على نفسه قمع الانتفاضة الفلسطينية في قطاع غزة. فعندما تنقل وسائل الإعلام خبر عملية اقتحام، أو قتل، أو تدمير للمنازل، قام بها جيش الاحتلال في قطاع غزة، فبشكل تلقائي يعرف أن لواء "جفعاتي"، بقيادة العقيد عماد فارس، هو الذي نفذها. فهذا الشاب الذي تجاوز بقليل سن السادسة والثلاثين، لم تغفر حقيقة خدمته في صفوف "الجيش الإسرائيلي" ثمانية عشر عاماً حتى تاريخه، فيقاد إلى مخفر الشرطة لكونه تلفظ بكلمات بالعربية في مكان كل من يتحدث فيه العربية يثير الشبهات.

هذه إحدى أعراض أزمة الهوية المتفاقمة التي يعيشها آلاف العرب الفلسطينيين من أبناء الطائفة الدرزية في "الدولة العبرية". فمن ناحية يؤدي الدروز كل "الواجبات"، التي يؤديها اليهود لـ"دولة إسرائيل"، وعلى رأسها "الخدمة الإجبارية" في "الجيش الإسرائيلي" مع كل ما يقتضيه ذلك من التصادم مع أبناء شعبهم. ومن ناحية ثانية تتعامل "اسرائيل" مع الدروز كما تتعامل مع بقية العرب الفلسطينيين الذين يعيشون داخل الشريط الساحلي المحتل عام 1948 في كل ما يتعلق ب " حقوق المواطنة "، مع كل ما يعنيه هذا من إجحاف على كل المستويات.

منذ سنوات بدأ أبناء الطائفة الدرزية في فلسطين يشعرون أن خدمتهم في "الجيش الإسرائيلي"، وهلاك المئات منهم في الحروب التي خاضتها "إسرائيل" لم تقنع دائرة صنع القرار في "اسرائيل" بإنصافهم ومساواتهم على الأقل باليهود الذين لا يخدمون في "الجيش الإسرائيلي"، من أمثال أتباع التيار الديني الأرثوذكسي.

إزاء هذا الواقع فأن الكثيرين من المثقفين الدروز أخذوا ينادون علناً برفض "الخدمة الإجبارية" في "الجيش الاسرائيلي" وحل إشكالية الهوية القومية للدروز في فلسطين، بإعادة الالتحام بالبعد القومي العربي والوطني الفلسطيني، لدرجة أن حسين عباس، وهو درزي خدم في "الجيش الإسرائيلي" ثلاثين عاماً، حتى حصل على رتبة عميد يقول "أن ممارسة الإجراءات العنصرية ضد الدروز جعلتني أشعر بعد هذه الخدمة الطويلة في الجيش الإسرائيلي أني عربي رغم أنفي، ولذا فأني لن أجعل أياً من أبنائي يخدم في هذا الجيش مهما كان الثمن".

بدأت الأزمة في العام 1956 عندما أصدر "رئيس الوزراء الإسرائيلي" الأول "ديفيد بن غوريون" قراراً بصفته وزيراً للدفاع يلزم أبناء الطائفة الدرزية بأ"الخدمة الإجبارية في الجيش الإسرائيلي"، ومنذ ذلك الوقت والشباب الدرزي يخدم في معظم وحدات "الجيش الإسرائيلي" المقاتلة. فلماذا وافق الدروز على دفع هذه الضريبة الدموية؟ وكيف استطاعت "إسرائيل" أن تقنع الدروز بعقد حلف الدم هذا معها؟.

يقول سليمان الناطور، وهو كاتب وأديب درزي من ذوي التوجهات الوطنية والعروبية "أن هذا يعود لكون الدروز أقلية هامشية، وقد اعتقد قادتها التقليديون أن هذا يتطلب منهم البحث عن جهة أجنبية تمنحهم الحماية من أجل البقاء". ويضيف الناطور: "أن الخلافات المذهبية بين الفلسطينيين في ذلك الوقت لعبت دوراً كبيراً في خلق هذا الواقع، فالطائفة الدرزية هي طائفية مذهبية صغيرة تعيش في وسط إسلامي كبير لم يكن يرضى عن طقوسها وعاداتها الدينية، الأمر الذي تولد عن احتكاكات شعر الدروز على أثرها، بحاجة إلى من يدعمهم في مواجهة الأغلبية الإسلامية". ويواصل الناطور: "أن أقطاب الحركة الصهيونية فطنوا إلى حقيقة الخلافات المذهبية بين الدروز وباقي العرب الفلسطينيين، فاتصلوا بهم من أجل تعميق هذه الخلافات وتشعيبها وأقاموا معهم علاقات حميمة، وقد برز من بين القادة الصهاينة في هذا المجال "أبا حوشن"، رئيس بلدية حيفا، في ذلك الوقت الذي أقنع الكثيرين من الدروز بالتعاون مع المنظمات الصهيونية العسكرية قبل الإعلان عن "الدولة العبرية" وخصوصاً "الهاغناة". وبعد إقامة "اسرائيل"، صادرت "الحكومة الإسرائيلية" معظم الأراضي التي تعود للدروز، فحرموا من مصدر رزقهم الوحيد: الزراعة، وبذلك وجد الدروز في الخدمة في "الجيش الإسرائيلي" مصدراً للرزق، حتى أن الكثيرين من القيادات الدرزية قد وقعت في العام 1955على عريضة تطالب "الحكومة الإسرائيلية" بفرض "الخدمة الإجبارية" على الدروز، وهذا ما كان في العام الثاني".

وكما يقول الصحافي الدرزي هشام نفاع فقد أدت خدمة الدروز في "الجيش الاسرائيلي" لعشرات السنين إلى فقدان معظمهم للشعور بالانتماء للأمة العربية والشعب الفلسطيني.

كان لـ"اسرائيل" دور ظاهر في قتل انتماء الدروز للعروبة والشعب الفلسطيني. فهم لا يعتبرون أن الدروز عرباً ولا فلسطينيين، وقد تواطأت قيادة الدروز التقليدية مع "القيادة الاسرائيلية" في ذلك. وأصبحت القيادات الدرزية تشدد على أن الدروز "اسرائيليون". لكن لم تقتصر جهود الصهاينة من أجل سلخ الدروز نهائيا عن قوميتهم العربية على التأثير فقط على القيادات التقليدية، بل قاموا بإعداد خطة منهجية لقتل روح الانتماء بأسس تربوية محددة الأهداف، فألزموا الطلاب الدروز بتلقي مناهج تربوية خاصة، غير تلك التي يتلقاها بقية الطلاب العرب. وكما يضيف الصحافي هشام نفاع فأن "هذه المناهج تهدف إلى خلق الشعور لدى الطالب الدرزي أنه ينتمي إلى طائفة مستقلة ولا يربطها بالعرب والفلسطينيين أي رابط. فقد درس هؤلاء الطلاب التاريخ الدرزي الذي يركز بشكل خاص على العلاقة التاريخية الخاصة بين الدروز و"اسرائيل". وقد درسوهم بما يسمى بالأدب الدرزي مع أن لغتهم هي العربية، حيث كانوا يقدمون الأديب والشاعر شكيب أرسلان على أنه أديب درزي فقط، مع أنه أمير البيان العربي في العصر الحديث، وكل ذلك من أجل تعميق الشعور باستقلالية الهوية الدرزية. ووصل الاستخفاف بالدروز ووعيهم إلى درجة أن أعدوا لهم مناهج خاصة بالعلوم والطبيعة، فتجد: "كيمياء الدروز"، و"فيزياء للدروز".

ويقول نكد نكد، عضو "لجنة المبادرة العربية الدرزية"، وهي أهم المنظمات الدرزية التي تطالب بإلغاء "الخدمة العسكرية الإجبارية" على الشبان الدروز إن "وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية تقوم عملياً بتجهيز الدروز ليكونوا جزءاً من الجيش كما أنهم اخترعوا أعياداً جديدة خاصة بالدروز".

تصل "الخدمة الإجبارية" المفروضة على جميع الشبان الدروز، باستثناء الذين تفرغوا للعبادة إلى ثلاث سنوات. إلا أن معظم الشباب الدرزي ولدوافع اقتصادية يواصلون الخدمة في الجيش. وبشكل خاص في ألوية المشاة المختارة المقاتلة. وقد وصل عدد كبير منهم نسبياً إلى رتب عالية في الجيش، ويعتبر أرفع ضابط درزي في "الجيش الإسرائيلي" هو الجنرال يوسف مشلف، "منسق شؤون الضفة الغربية وقطاع غزة في وزارة الدفاع الاسرائيلية" وقد سبق له أن شغل منصب قائد الجبهة الداخلية.

وإلى جانب الخدمة في الجيش، ينخرط الدروز في أفرع "الشرطة الاسرائيلية" المختلفة، وخصوصاً في شرطة "حرس الحدود"، حيث أن الجنرال حسين فارس قادها لفترة. ولزيادة الشعور بالكراهية والحقد المتبادل بين الدروز وبقية أبناء الشعب الفلسطيني، فقد تم استخدام الكثير من الشباب الدروز في الخدمة في هذا الفرع من أفرع "الشرطة الاسرائيلية"، حيث أن "شرطة حرس الحدود"، كانت وما تزال لها الباع الطولى في قمع الفلسطينيين، حيث تنص التعليمات الصادرة لأفراد "حرس الحدود"، على التعامل بشكل مهين وحتى سادي مع الفلسطينيين.

ويرى الشيخ جمال معدي رئيس "لجنة المبادرة الدرزية" أن هدف "الحكومات الإسرائيلية" المتعاقبة كان واضحا وهو توجيه نقمة الجماهير الفلسطينية إلى غير عنوانها الصحيح، حيث تولد الانطباع أن الجندي الدرزي يقوم بالأعمال القذرة عبر إبراز الممارسات غير الأخلاقية لهؤلاء الجنود بأنهم ينفذون تعليمات وسياسة "الحكومة الإسرائيلية".

اللافت للنظر أن الأجهزة الاستخبارية "الإسرائيلية" تستعين بخدمات الدروز في المحاولات لتجنيد عملاء لها من بين الفلسطينيين، إلى جانب قيامهم بالتجسس على الدولة العربية. ففي أواسط الثمانينيات من القرن الماضي أصدر الأسرى الفلسطينيون في السجون "الإسرائيلية" بياناً أكدوا فيه أن عدداً من الممرضين الدروز الذين يعملون في السجون يربطون استعدادهم لتقديم الخدمات الطبية للمرضى من الأسرى وبين موافقة هؤلاء على التعاون مع المخابرات "الإسرائيلية" بحيث يتجسسوا على أخوانهم من قادة الأسرى. إلى جانب ذلك فأن عدداً من الدروز الذي يعملون على المعابر الحدودية التي تفصل الضفة الغربية و"قطاع" غزة عن "إسرائيل" يساومون الفلسطينيين على منحهم التصاريح اللازمة لدخول "اسرائيل". أما التجسس على الدول العربية وتنظيم شبكات تجسس فيها فيعتبر عزام عزام الذي أفرجت عنه مصر مؤخراً بعد أن تجسس عليها أحد النماذج الساطعة في ذلك.

يؤكد نزيه خير سكرتير (اتحاد الكتاب العرب في فلسطين المحتلة عام 1948) وهو درزي أن "إسرائيل" قامت بمصادرة 70% من الأراضي التي يملكها الدروز، وأقامت عليها "كيبتوتسات" ومستعمرات زراعية لليهود".

ويكاد يجمع قادة ومثقفو الطائفة الدرزية على ذكر ما حدث لقرية (بيت جن)، وهي القرية الدرزية التي فقدت أكبر عدد من أبنائها في حروب "إسرائيل" ضد العرب والفلسطينيين، حيث أن "وزارة الإسكان الإسرائيلية"، صادرت جميع الأراضي المحيطة بالقرية بحجة أنها تقع ضمن محميات طبيعية، ومنعت بذلك أي فرصة لاستغلال هذا الأراضي بالزراعة والإسكان، وتعاني الأزواج الشابة في هذه القرية من ضائقة سكن خانقة، وفي مقابل ذلك يقول نفاع وهو من (بيت جن)، "أن القرى اليهودية تتوسع في كل اتجاه دون أن يعترض على ذلك أحد".

ويقول الشيخ جمال معدي "أن هناك بوناً شاسعاً بين معدل الدخل السنوي لليهود والدروز. فمعدل دخل الفرد الشهري في بلدة "معلوت" اليهودية يصل إلى أثني عشر ألف شيكلاً (ألفان وثمانمائة دولار)، بينما لا يتجاوز الألفي شيكل لدى جارتها الدرزية "حورفيش".

ويقول جهاد سعد، من قادة "لجنة المبادرة العربية الدرزية" "إنني أشرح للدروز أن الادعاء "الإسرائيلي" بأنهم سيحصلون على حقوق أكثر من غيرهم إذا خدموا في الجيش غير صحيحة.

ويقول نهاد ملحم، عضو حركة "المعروفيون الأحرار"، وهي حركة تناضل ضد "الخدمة الإجبارية" للشبان الدروز من قرية (كفر ياسيف): "إن المشكلة المركزية هي إقناع الشبان بأنه يمكن التحرر من الاتكال على الجيش، إذ من الصعب إقناع أولئك الذين يعتمدون على الجيش كمصدر رزقهم بذلك، دون توفير بدائل أخرى. يتوجب إحداث التغيير عبر التربية. علينا أن نعلم أولادنا بأن يختاروا الدراسة الأكاديمية بدل الخدمة العسكرية وتشجيعهم على عدم الاتكال اقتصادياً على الجيش.

ورغم "الشراكة في الدم" بين اليهود والدروز، فأن "إسرائيل" استثنت الدروز من العمل في مؤسسات الدولة الهامة. وباستثناء مرة واحدة ولحسابات سياسية محضة، فلم يحدث أن تم تعيين درزي في منصب وزير، في حين لم يحدث أن تم تعيين درزي في منصب مدير عام أو قاض في المحكمة العليا، وحتى بعد أن خدم الدروز لعشرات السنين في صفوف "الجيش الإسرائيلي"، وأثبتوا إخلاصهم لـ"اسرائيل"، إلا أن "هيئة أركان الجيش" ترفض تجنيدهم في بعض أفرع الجيش مثل سلاح الجو، أو الاستخبارات العسكرية، أو صفوف المخابرات العامة. ويؤكد المعلق العسكري لصحيفة "هارتس" "زئيف شيف" "أن المؤسسة العسكرية لازالت تتعامل مع الدروز بصفتهم عرباً".

ويتحدث فؤاد داهش، وهو طالب درزي في "جامعة حيفا" بمرارة عن تردي أوضاع الدروز. ويقول "أن الدروز لم يستفيدوا من خدمتهم في "الجيش الإسرائيلي" على صعيد الرقي بأبنائهم ورفع مستوى معيشتهم، ويكفي أن نعلم أن الدروز هم أقل الطوائف العربية تمثيلاً في الجامعات". مع أن فؤاد نفسه رفض الخدمة في "الجيش الإسرائيلي" لأسباب ضميرية، وبقي فترة طويلة في السجن بسبب هذا الموقف.

عندما سأل أحد الصحافيين "الحاخام مئير كهانا" الزعيم الهالك لحركة "كاخ" المتطرفة، التي تدعو إلى طرد جميع العرب إلى خارج حدود فلسطين "هل تطالب بطرد أبناء الطائفة الدرزية من اسرائيل على الرغم من خدمتهم في الجيش الإسرائيلي؟"، رد "كهانا" بكل ثقة "نعم، ولكننا سنحرص على توفير حافلات مكيفة لهم أثناء الطرد"!.

وقد امتدت الممارسات العنصرية ضد الدروز لتصبح ملاحظة وجلية في كل المجالات، حتى في الجيش، والتي تدعي "اسرائيل" أنه "البوتقة التي انصهر فيها الدروز واليهود". فقد قالت ضابطة يهودية كبيرة في "الجيش الإسرائيلي" مؤخراً "أن السبب الذي دفع إسرائيل لتجنيد الدروز هو من أجل منعهم من الانضمام لصفوف (حماس) و(الجهاد الإسلامي)".

وقد رفض أحد الضباط أن يستقل جندي درزي سيارته بحجة أنه "عربي قذر"، كما أن شركة الطيران "الإسرائيلية" الحكومية "آل عال"، رفضت أن يجلس ضابط درزي في أركان الطائرة بحجة أنه يمثل خطراً على يجلسون حوله من الركاب.

وأفردت الصحف "العبرية" مساحات كبيرة للحديث عن الأساليب العنصرية التي يتعرض لها الجنود الدروز الذين يلقى بهم في السجون العسكرية بسبب تجاوزات انضباطية.

وفي هذا السياق يرد. أسعد غانم المحاضر في "جامعة حيفا" "أن الحالة الدرزية تجسد أقصى درجات الضياع الوطني والقومي. فالدروز في "إسرائيل" تحدوا أبناء شعبهم وأمتهم من أجل الحصول على امتيازات مادية قد تحققها خدمتهم في الجيش، لكنهم وجدوا أنفسهم ضحايا لنفس السياسة العنصرية التي يتعرض لها سائر العرب في "إسرائيل".

وحسب أقوال حاتم حلبي، عضو لجنة "المعروفيون الأحرار"، التي تناضل ضد خدمة الدروز في "الجيش الإسرائيلي" فإن "إلزام الدروز في إسرائيل بالخدمة العسكرية أتت للفصل بين الدروز وغيرهم من الفلسطينيين من ناحية، وبينهم وبين الدروز في سوريا ولبنان". ويضيف: "من المؤسف أن المؤسسة الإسرائيلية نجحت إلى حد ما في ذلك". وحسب حركة "المعروفيون الأحرار" فإن عدد الرافضين للخدمة تتزايد بشكل مستمر، وقد سجل في قرية البقيعة وحدها 70 رافضاً جديداً للخدمة العسكرية في الشهرين الأخيرين، فقط".

ويقول أحد الشبان الدروز الذي حصل مؤخراً على إعفاء من الخدمة العسكرية، ويدعى صقر نفاع وهو من سكان قرية (بيت جن): "أرفض الخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي بدوافع قومية. إنني عربي فلسطيني وغير مستعد لأن أكون جزءاً من الإرهاب العسكري الممارس على الفلسطينيين. كذلك لدي أقارب في سوريا ولبنان وأنا أنتمي إليهم وجزء منهم".

وتلقى صقر في السنتين الأخيرتين أوامر بالمثول من أجل التجنيد للجيش في دائرة التجنيد في حيفا. ويقول صقر: "بعد سنة ونصف من إرسال الرسائل، أخبرتهم أنني غير معني بتأدية الخدمة العسكرية. لقد أعطوني مهلة زمنية للتفكير، وحذروني من أنه قد يتم اعتقالي إذا لم أتجند للجيش. لم أفكر مرتين، بل قمت بتسليم نفسي لأقرب محطة شرطة وسجنت خمس مرات، حيث بلغ عدد أيام السجن 84 يوماً، خلال ستة أشهر". ويضيف صقر نفاع أن الكثيرين حاولوا ثنيه عن قراره، لكنه كان يرد عليهم بأن "إسرائيل" دولة عنصرية لا تعطي حقوقـاً متساوية للأقلية العربية فيها". ويضيف "أن السجن قوى عزيمته، فقد التقى بجنود ندموا على خدمتهم في "الجيش الإسرائيلي"، فضلا عن تشجيعه من قبل رافضي الخدمة اليهود الذين مكثوا في السجن، أيضاً". ويتابع صقر نفاع سرد حكايته قائلاً: "بعد سجني 56 يوماً، قاموا بتحويلي إلى لجنة لفحص قضية رفضي تأدية الخدمة العسكرية. عندما أخبرتهم أنني عربي قبل كل شيء ولا أريد الخدمة في الجيش، كان من الصعب عليهم تصديق ما سمعوا، وقالوا إنهم يعتبرونني درزياً. وقد طلبوا مني تقديم وثائق تثبت أنني عربي فأخبرتهم أنه لا توجد لدي وثائق كهذه، فأعادوني إلى السجن!!!!.. واقتنعت لجنة الإعفاء في نهاية الأمر أنني غير ملائم للخدمة في الجيش وحصلت على إعفاء"..

ويقول والد نفاع الذي سبق له أن خدم في جيش الاحتلال لمدة ثلاث سنوات "إنني فخور بولدي لأنه فعل ما لم أقدر أنا على فعله". ويضيف الأب أنه مقتنع تماماً بأن رفض الخدمة العسكرية من ناحية الدروز يختلف عن دوافعه لدى اليهود ويقول في هذا الصدد: "رفضنا يأتي على خلفية قومية، فنحن فلسطينيون ولا نوافق على قتال أبناء الشعب الفلسطيني، رافضو الخدمة اليهود يرفضون أن يكونوا جزءاً من جيش يمارس القمع ضد شعب آخر. لكن ظاهرة رفض الخدمة لديهم عززت موقفنا"..

وقبل عامين عقد مؤتمراً لرافضي الخدمة العسكرية الدروز في قرية (يركا) في الجليل، حضره ألف من مؤيدي رفض الخدمة العسكرية، بينهم أعضاء "كنيست" ورجال دين، وتم في المؤتمر المذكور الذي نظمته "لجنة المبادرة العربية الدرزية"، جمع عشرة آلاف توقيع مؤيدة لرفض الخدمة. وتقول اللجنة "الآن أن هذا العدد الآن أكبر بكثير".

ومن ناحيته يؤكد نكد نكد أن "هناك عدداً لا بأس به من الشباب الدروز المستعدين لفعل أي شيء كي لا يخدموا في الجيش. لقد تحول الكثير منهم إلى متدينين، حيث يعفى الذين يتفرغون للعبادة من الخدمة بالجيش، حاول بعضهم الانتحار، وتظاهر البعض الآخر بأنهم مجانين ليحصلوا على إعفاء. لقد جلبت الخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي للدروز العار. وأن بعض الدروز في الجولان وكذلك الفلسطينيين يقولون إن الدروز خائنون. سمعت هذه الكلمة التي تثير القشعريرة أكثر من مرة".

وبحضور وليد جنبلاط وشخصيات درزية أخرى في العام 2000، شارك مندوبون عن "المعروفيون الأحرار" في مؤتمر عقد في العاصمة الأردنية عمان، شارك فيه دروز من سوريا ولبنان. وقال حاتم حلبي، عضو اللجنة، من (عسفيا): "لقد سمعنا تحفظات إخواننا في سوريا ولبنان بشأن خدمة الدروز في الجيش الإسرائيلي، فأوضحنا لهم أن الخدمة إلزامية".

ونظراً لعنصرية مؤسسات القضاء في "اسرائيل"، فأن قادة الحركات الوطنية في أوساط الدروز، يدرسون فكرة التوجه إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي، وإقحام المجتمع الدولي في قضيتهم. ويشير حلبي إلى أن الدول في العالم لا تلزم الأقليات فيها بالخدمة العسكرية، خاصة إذا كان القتال ضد شعبهم المحتل.

الدروز يؤدون كل واجبات اليهود لـ"دولة إسرائيل"، وعلى رأسها "الخدمة الإجبارية" في الجيش، مع كل ما يقتضيه ذلك من التصادم مع أبناء شعبهم، في المقابل تتعامل "الدولة العبرية" معهم كما تتعامل مع بقية العرب الفلسطينيين الذين يعيشون داخل "الخط الأخضر" في كل ما يتعلق بـ"حقوق المواطنة"، ومع ذلك فإن الشباب الدرزي يخدم في معظم وحدات "الجيش الإسرائيلي" المقاتلة.

وأظهر استطلاع رأي أجراه "المعهد العربي-اليهودي" في "جامعة حيفا" برئاسة البروفسور ماجد الحاج، نائب رئيس الجامعة، كشفت نتائجه خلال يوم دراسي بعنوان "أوضاع ومكانة المواطنين العرب أبناء الطائفة الدرزية في إسرائيل"، بمشاركة عدد من القادة الروحيين والسياسيين والباحثين الدروز. وخرج الباحثون بالاستنتاج "أن الخدمة العسكرية التي فرضت على الشبان الدروز منذ سنة 1956، لم تجعل حياتهم أفضل، بل عانوا من سياسة تمييز عنصري مثل سائر المواطنين العرب، لا بل غدت أوضاعهم أسوأ بكثير من المواطنين العرب من الطوائف الأخرى". ومن أبرز نتائج الاستطلاع المثيرة، "أن 47.8% من المستطلعين قالوا إن العلاقة بين الدروز و"الدولة العبرية" غير جيدة بالمرة، أو غير جيدة. وقال 73.2% منهم إن وضع الدروز في "إسرائيل" أسوأ من وضع سائر العرب في الدولة".

وعندما سئل المشاركون عن "الأسباب الرئيسية التي أدت للمشاكل في العلاقات بين الدروز والسلطة "الإسرائيلية"، عددوا أربعة أسباب مهمة، هي: مصادرة الأراضي، البطالة، والخرائط الهيكلية والهجوم الدامي الذي نفذته الشرطة "الإسرائيلية" على سكان بلدة البقيعة، قبل سنتين، رداً على احتجاجهم المشروع.

وقال 90.1% من المشتركين إن مصادرة الأراضي تؤثر سلباً على العلاقات، بينما تحدث 75.2% عن تأثير البطالة، 70.2% ذكروا أحداث البقيعة و68.5% ذكروا مشاكل الخرائط الهيكلية. وأظهر المشاركون استياءهم شبه التام من وضع التربية والتعليم لدى العرب الدروز".

أما بالنسبة لمسألة التجنيد الإجباري لدى الدروز، فظهرت نتائج مفاجئة: "فقط 36.1% يؤيدون التجنيد الإجباري، مقابل 46.6% طالب بجعل التجنيد تطوعياً و17.3% دعوا لإبطال وإلغائها".

وعقّب عضو "الكنيست" سعيد نفاع، وهو درزي ويشارك في قيادة "حزب عربي قومي" في "إسرائيل" هو "حزب التجمع الوطني"، على نتائج الاستطلاع فقال: "لا شك أن بعض هذه النتائج فاجأني بمدى معيّن، والسؤال هو: كيف يمكن استثمار نتائجه وطنياً، خصوصاً أن هذه المعطيات لم تنعكس في شكل السلوك الانتخابي البرلماني للدروز إذ صوّت الغالبيّة لمرشحي الأحزاب الصهيونيّة وبلغت نسبة مقاطعة الانتخابات حوالي 40%. أعتقد أننا دخلنا في سباق صعب نحن القوى الوطنيّة العربيّة مع القوى الصهيونيّة والرجعية لاستثمار أو استغلال، هذه النتائج".

ومؤخرا أعلن "عرب-إسرائيل" رفضهم لحكم نهائي أصدرته إحدى المحاكم "الإسرائيلية"، يقضي بهدم ثلاثة بيوت لعائلة أبى قاسم، التي تنتمي لدروز الداخل، بسبب رفضهم التجنيد في "الجيش الإسرائيلي".

ومعروف أن "الجيش الإسرائيلي" يعاقب المخالفين، بالحبس الفعلي 4 أشهر وغرامة 470 ألف "شيكل"، أو قضاء يوم بالسجن مقابل كل ألف "شيكل"، في حال لم تدفع الغرامات، فضلاً عن هدم منازل المخالفين خلال شهر من تاريخ صدور الحكم. وبهذا تنضم قرارات إزالة منازل عائلة أبى قاسم، إلى مئات القرارات السابقة، التي طالت ما لا يقل عن 300 بيت عربي في السنوات الأخيرة.

وطالب نفاع الدروز، بالتخلص مما اسماه "ذهنية المرتزق"، التي تربط بين حقوقهم وبين الخدمة العسكرية، بحيث تكون الأخيرة، هي السبيل الوحيد للحصول على حقوقهم. وقال نفاع "إن حقوق المواطنين غير مربوطة بالخدمة العسكرية، حقوقنا هي من صلب كوننا أهل هذه الأرض الأصليين، وليس من أي شيء آخر".

يرتجف صوت سلمان يوسف وهو يتحدث عن ابنه الجندي الدرزي في "الجيش الاسرائيلي" الذي قتل في مواجهات مع الفلسطينيين الذين يعتبرهم أخوانه: "هذه ليست حربنا". يقول سلمان في منزله في (بيت جن)، إحدى البلدات الدرزية العديدة المنتشرة على التلال الخضراء في الجليل الأعلى. وابن سلمان، مدحت (19 عاما)، الذي قتل برصاص فلسطينيين في الضفة الغربية هو الجندي الدرزي الثاني الذي قتل خلال الانتفاضة الثانية وخلفت 410 قتلى معظمهم من الفلسطينيين. والدروز هم المجموعة "العربية-الاسرائيلية" الوحيدة التي ترغم على الخدمة في "الجيش الاسرائيلي".

ويقول النائب صالح طريف، وهو واحد من نائبين درزيين في "الكنيست"، "أننا مصابون بإحباط حاد، الجيل الجديد لن يقبل ما نقبله نحن اليوم، أننا نبذل دمنا لكننا لسنا مواطنين متساوين في الحقوق".

لم تكن العلاقات على هذه الدرجة من التوتر بين "الاسرائيليين" والدروز الذين حاربوا إلى جانب "الاسرائيليين" خلال حرب 1948 من أجل "قيام اسرائيل". وبعد ذلك بتسع سنوات، وافق شيوخ الطائفة على أن يؤدي أبناؤها "الخدمة العسكرية"، وإن كان "الجيش الاسرائيلي" يرفض الكشف عن عدد الجنود الدروز. وقال طريف أن "الشيوخ اعتقدوا أن أداء الخدمة العسكرية يمكن أن يضمن لهم وضعا خاصا ويصون حياتهم ومصالحهم، لكن الأمر لم يكن كذلك".

ويؤكد النائب الدرزي صالح طريف "أن المساعدات التي تتلقاها القرى والمدن الدرزية تقل بما بين 15 إلى 30% عما تتلقاه التجمعات اليهودية، كما تقل المداخيل الشهرية للعاملين الدروز بحوالي 25 إلى 35% عن اليهود".

ويقول "غابرييل بن دور"، الذي ترأس لجنتين حكوميتين للتقرير بشأن "التعاطي مع الدروز"، "أن الجيش يوفر لهذه الطائفة فرصا أفضل". ويضيف أن "الجيش يوفر لهم الأمن وفرصة ليروا العالم. لكن الدروز بدأوا يشعرون بالغربة، وقد انضمت أغلبية منهم إلى الناخبين "العرب-"الاسرائيليين" في مقاطعة انتخابات رئيس الوزراء احتجاجا على مقتل 13 "عربيا-"اسرائيليا" برصاص "الشرطة الاسرائيلية" خلال مظاهرات تضامن مع الانتفاضة الثانية".

ويؤكد قيس فرو، "أستاذ تاريخ الشرق الأوسط" في "جامعة حيفا"، "أن بعض الدروز اختاروا السجن بدلاً من الخدمة في الأراضي الفلسطينية". ويضيف "العديدون باتوا يشعرون بأنهم مثل العرب، وأنه لا توجد فروقات بينهم".

ومن صور التمييز بين التجمعات السكانية الدرزية ونظيراتها اليهودية ما تشهده التلال الوعرة في بت جن على العلاقة غير السوية مع "اسرائيل" حيث تقود طرق غير معبدة إلى منازل مهملة لم يكتمل بناؤها، وإن كانت بعض الأعلام "الاسرائيلية" المغبرة منصوبة على عدد قليل من الأسطح. وفقدت البلدة التي يعيش فيها ثمانية آلاف نسمة 59 من رجالها في الجيش منذ قيام "اسرائيل".

ويعلق يوسف سلمان صورة لابنه مدحت وزميل له باللباس العسكري الأخضر الزيتوني في كل أرجاء المنزل. وأصيب مدحت في رقبته خلال مواجهات بالقرب من ضريح يوسف في مدينة نابلس شمال الضفة الغربية في الأسبوع الأول من الانتفاضة. ونزف مدحت لأكثر من خمس ساعات بسبب محاصرة الفلسطينيين للجيش الذي أضاع الوقت في البحث في ما إذا كان ينبغي القيام بمهمة إنقاذ قد تخلف مزيدا من الإصابات. وعندما زار "شاوول موفاز" العائلة للتعزية، أعاد اثنان من أبناء عم مدحت بطاقتيهما العسكريتين كجنديي احتياط، وقالا له أنهما أقسما بالدفاع عن "اسرائيل" لكنها نسيا أن يقسما دفاعاً عن طائفتهما".

ورفعت العائلة دعوى لدى المحكمة العليا لإرغام الجيش على الإقرار بمسؤوليته عن وفاة مدحت. وقالت سهام (25 عاما) شقيقة مدحت "لو كان ابن أحد كبار الضباط، أو ابن "موفاز"، لفعلوا المستحيل لإنقاذه، لكنه لم يكن سوى جندي عادي".!

أمور كثيرة تغيرت منذ اللقاء الشهير الذي جمع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، النائب وليد جنبلاط، بوفد درزي جاء من فلسطين المحتلة إلى الأردن في أيار عام 2001، ليناقش "سبل تفعيل حركة رفض الخدمة الإجبارية في الجيش الإسرائيلي"، المفروضة على الدروز في "إسرائيل" منذ عام 1956. منذئذ "جرت مياه كثيرة في نهر الأردن"، كما يقولون في فلسطين. فالأحداث السياسية التي عصفت بلبنان، والتحول الدراماتيكي في مواقف جنبلاط وتوجهاته أبعدته بالكامل عن متابعة هذا الملف، الذي كلف به في حينها النائب وائل أبو فاعور. تزامن هذا التحول، وخصوصاً بعد عدوان تموز 2006، مع استقالة "المفكر العربي عزمي بشارة" من عضوية "الكنيست الإسرائيلي" ورفضه العودة إلى فلسطين المحتلة. جاء هذا الأمر ليُلقي أعباءً حزبية وسياسية على عاتق المحامي سعيد نفاع، الذي تولى منذ خروج بشارة، عضوية البرلمان عن "حزب التجمع"، وأُعيد انتخابه في شباط الماضي.

ويعد نفاع، الذي سجن عام 1972 لرفضه الخدمة الإلزامية، من أبرز المؤسسين لأول حركة رفض تكونت من 73 شاباً درزياً تحت اسم "لجنة المبادرة الدرزية". وقد انبثقت سنة 1998 من "لجنة المبادرة الدرزية" ومن مؤسسيها وقيادييها وناشطيها أطر أخرى، منها "ميثاق المعروفيين الأحرار" و"حركة المبادرة العربية الدرزية المستقلة" و"جمعية جذور"، فأخذت المسيرة زخماً واندفاعاً في السنوات التي تلت، وخصوصاً مع اندلاع انتفاضة الثانية.

ترافق تراجع "الزخم الجنبلاطي" الداعم لحركة رافضي الخدمة، مع تعرض مختلف الأطر المناهضة للتجنيد الإجباري لتحريض وضغوط غير مسبوقة من الدوائر الاستخبارية "الإسرائيلية"، التي اتهمتها بالحض على التمرد والحصول على تمويل من "منظمات إرهابية ودول أجنبية".

وجاء الاتهام المباشر الذي وجهته "الشرطة الإسرائيلية" إلى بشارة بالتعاون مع "حزب الله" ومده بالمعلومات خلال عدوان تموز، ليزيد الطين بلة.

رغم ذلك لم تخمد الحركة وشهد عام 2007 ولادة "حركة الحرية للحضارة العربية"، بقيادة الشاب الدرزي ابن قرية (بيت جن)، إحسان مراد، الذي أعلن انطلاق الحركة من أمام معتقل "هداريم" الذي كان يقبع فيه عميد الأسرى اللبنانيين سابقاً سمير القنطار. وأكد مراد في مناسبات عديدة أن أسباب تراجع حركة رفض التجنيد هي الضغوط غير العادية التي يواجهها الشباب الدروز الرافضين للخدمة وغياب أي دعم لهم. ويشير إلى أنه أراد لـ"حركة الحرية للحضارة العربية" أن تكون مستقلة عن كل الأطر الأخرى التي ارتبط اسمها وحركتها بحركة النائب وليد جنبلاط، الأمر الذي أفقدها زخمها بعد التحولات الاستراتيجية التي قام بها جنبلاط تجاه المقاومة.

ويؤكد مراد البعد القومي العربي لحركته ويعبّر عن رفضها مقاربة ملف رفض التجنيد الإجباري من زاوية مذهبية، إضافة إلى رفضها الترشح لخوض الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية ومقاطعتها الدائمة لهذه الانتخابات.

بذل مراد جهودا حثيثة لتوسيع أطر عمله، أبرزها إطلاق هيئة محلية لرفض الخدمة الإجبارية ضمت إلى "حركة الحرية" عدداً من الشخصيات السياسية المسيحية والإسلامية، كالشيخ رائد صلاح والمطران عطا الله حنا وممثلين عن اللجنة العليا للأحزاب العربية في "إسرائيل"، وانضم إليها أخيراً ممثلون عن "لجنة المبادرة الدرزية". كما أُطلقت في بيروت "الهيئة العربية لدعم رافضي الخدمة"، بهدف إنشاء إطار تنظيمي للتنسيق والعمل المشترك بين جميع العاملين على دعم الشباب العربي الفلسطيني الرافض للخدمة في "الجيش الإسرائيلي"، ومواجهة الإشكاليات والمعوقات السياسية والاجتماعية والقانونية والمالية التي تواجه الشباب الرافض للخدمة. اختارت هذه الحركة الناشئة التي تضم وجوهاً شابة ومتحمسة، أن تعبّر عن نفسها في التوقيت والمكان المناسبين.

فللمرة الأولى تنجح في تنظيم تظاهرة احتجاجاً على الاحتفال الذي يقيمه "الجيش الإسرائيلي" سنوياً في قرية حرفيش تحت شعار "يوم الجندي الدرزي". ويتولى تنظيم هذا اليوم، الذي يحضره عادة وزير الجيش الإسرائيلي ورئيس الأركان وكبار الضباط، الفرع الدرزي في "المنظمة من أجل الجندي-الإسرائيلية"، وذلك بهدف أسرلة الشباب الدروز وترسيخ القيم العسكرية لدى الأطفال منهم.

وفي الوقت الذي كان المجندون الدروز وعائلاتهم يتدفقون إلى مكان الاحتفال، وقف نحو خمسين شخصاً، عند مفترق طريق "حوسن – حرفيش" على الشارع الرئيسي أمام منتجع "مونفورط"، على الطريق المؤدية للقرية. وهناك رفعوا العلم الدرزي ذا الألوان الخمسة وهتفوا بأعلى أصواتهم: "ما بدنا نخدم بالجيش، مثل البشر بدنا نعيش"، "الخدمة في الجيش الإجباري مثلها مثل السم الهاري"، و"أكبر حكم إجرامي هو التجنيد الإلزامي".

كانت مشاهد القمع التي مارستها قوى مكافحة الشغب بحقّ الدروز الذين تجمهروا بالقرب من مكتب "رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو"، قبل أسابيع، أمراً مفاجئاً للكثير من المتابعين لمجريات الوضع الداخلي الدرزي في "إسرائيل".

وحقيقة الأمر، أن منتدى السلطات المحلية الدرزية والشركسية، التي مثّل فصلها إدارياً عن بقية المجالس المحلية العربية جزءاً من المؤامرة الكبرى لأسرلة الدروز وعزلهم، يمارس إضراباً مفتوحاً في سبيل حصولها على المساواة مع السلطات المحلية اليهودية.

وظهّرت هذه المجالس حركتها الاعتراضية عبر الدعوة إلى مقاطعة "يوم الجندي الدرزي". أقدمت سلطات الاحتلال "الاسرائيلي" على منع وفد يمثل زعماء الطائفة الدرزية وجميع عشائرها ومشايخها من عبور جسر الشيخ حسين على الحدود مع الأردن، حيث كان الوفد المذكور قرر السفر إلى لبنان عبر الأردن وسوريا لزيارة أماكن الطائفة المقدسة في سوريا ولبنان، ويأتي هذا الإجراء بعدما كانت نفس السلطات سابقا قد منعت وفدا سابقا من السفر إلى لبنان لتقديم واجب العزاء بوفاة شيخ عقل الطائفة الدرزية وعمدة الموحدين فيها أبو حسن عارف حلاوي. ورغم أن الوفد المكون من 310 أشخاص ومنهم 240 شيخا قد وصل الحدود إلا أن سلطات الاحتلال جمعت جوازات سفر أعضائه وبعد تركهم ينتظرون لعدة ساعات "جاء ممثل عن وزارة الداخلية وأبلغهم بأنهم ممنوعين من السفر حفاظا على حياتهم وأمنهم".

ربما كانت مسألة منع الوفد الدرزي الضخم والكبير من السفر إلى البلاد العربية عملاً مفيداً وجيداً للطائفة الدرزية أولاً وللقضية الفلسطينية والعربية ثانياً، فهو بالدرجة الأولى إهانة للذين يعملون في خدمة الاحتلال من أبناء تلك الطائفة، وفي المقابل دعم وسند حقيقي للمحاربين من أجل رفض الخدمة من أبناء وعقلاء تلك الطائفة.

قد تكون "اسرائيل" استشعرت بالخطر الكامن من الزيارة، فالمواقف القومية العربية الأصيلة للدروز في لبنان وسوريا تعتبر مفخرة للطائفة الدرزية، طائفة المعروفيين الموحدين الذين ينتسبون لعميد المناضلين العرب السلطان سلطان باشا الأطرش الذي حرر جبل العرب من الاحتلال الفرنسي، ولا يغيب عن بال أحد الدور القومي الكبير الذي لعبه الدروز في مقاومة الاستعمار الأجنبي في سوريا ولبنان، ومن ثم الدور القومي الرائد والمميز الذي لعبه دروز لبنان بقيادة الزعيم الشهيد كمال جنبلاط في الدفاع عن عروبة لبنان وفي مواجهة المخططات الصهيونية الانعزالية المشتركة.