المقارنة بين .. الإسلام والنصرانية واليهودية 5

مما قد حُفظ من الأناجيل مضمونًا إيذانًا بالرسالة الجديدة،

العالمية الخاتمة (رسالة النبي محمد r)

بداية، ننوه إلى: أنه على الرغم من أن الأناجيل (التي يتضمنها الكتاب المقدس للنصرانية) قد ضُيّعت وحُرِّفت، كما هو متضح، حيث إن أقدم إنجيل موجود إنما هو باللغة اليونانية، وهي لغة لم يتكلم المسيح بها، ولم يُدوَّن أي إنجيل في عهده (المسيح)، وكذلك فإن أقدم إنجيل موجود بين يدي النصرانية، إنما يعود زمانه إلى ما يزيد على مائتي أو ثلاثمائة عام من زمن المسيح، على الرغم من ذلك كله إلا أنه قد بقيت بعض الإشارات مضمونًا إلى النبي الخاتم للأنبياء والرسل محمد r، والذي سوف يأتي بعد المسيح عليه السلام، مع ما في النص من تحريفات وإضافات واضحة([1])، مثل كلمة (الآب)، فمثل تلك الكلمة (الآب): إنما هي كلمة مُختلقة ملفَّقة، قد أضافتها النصرانية لتوافق معتقدها الفاسد في ذات الله تعالى، وقد أشرنا إلى ذلك سابقًا، (تعالى الله عز وجل عن إفك النصارى علوًا كبيرا).

والنصرانية نفسها لا تستطيع أن تنكر ما قد تنبأ به المسيح من مجيء من يتسلّم القيادة والريادة، ويرشد إلى الحق من بعده (النبي المنتظر بعثته بعد المسيح).

واليهودية نفسها كانت تنتظر إنجاز وتحقيق 3 نبوءات، وهي:

مجيء المسيح ومجيء إيليا ومجيء النبي المنتظر من بعدهما، كما يوضح إنجيل يوحنا

(1 : 25)، ولكن اليهود لم يؤمنوا بالمسيح وحاولوا صلبه وقتله، وقاموا بقتل النبي يحيى

(إيليا)، وكذلك حاول اليهود قتل النبي الذي كان مُنتظرًا بعثته وهو النبي محمد r، على درب (طريق) أسلافهم من قتل الأنبياء، وذلك على الرغم من أنهم كانوا ينتظرون إنجاز وتحقق هذه النبوءات الثلاث.

ولا غرابة في ذلك (فيما فعله اليهود)، إذا ما علمنا أن تكذيب الأنبياء وقتلهم هو دأب اليهود، لما تمليه عليهم طبائعهم الغليظة.

ونوضح: أن النبي الذي بشّر به المسيح لا يمكن أن يكون من تلاميذه، رغم أنهم النخبة (المجموعة) الخاصه به والمقرَّبة منه، وذلك لما وصفهم به المسيح من قلة الإيمان([2]).

ويتبيّن ذلك من الكتاب المقدس للنصرانية، حيث يذكر إنجيل متى:

أن المسيح قال لتلاميذه: «فقال (المسيح) لهم (تلاميذه) ما بالكم خائفين يا قليلي الإيمان»

(إنجيل متى 8 : 26).

«وقال (المسيح) له (بطرس) يا قليل الإيمان» (إنجيل متى 14: 31).

ومن المؤكد أن المسيح لا يقول إلا حقًّا، حيث إنه لا يكذب([3]).

ومن المؤكد أيضًا: أنه من المستحيل أن يكون النبي قليل الإيمان([4]).

فالله تعالى يُحسن اختيار أنبياءه، فهو سبحانه وتعالى مُنزّه عن سوء الاختيار.

وقال المسيح أيضًا لتلاميذه (كما في إنجيل لوقا):

«أيها الجيل غير المؤمن والملتوي، إلى متى أكون معكم وأحتملكم» (إنجيل لوقا 9: 41).

لذلك: فإن لا يمكن أن يكون النبي المنتظر بعثته بعد المسيح أحد تلاميذه، على الرغم من أنهم النخبة الخاصّة به والمقرّبة له.

ومن ثم، فإن النبي الذي بشَّر به المسيح لا يمكن أيضًا أن يكون أيضًا من غير تلاميذه، ممن عاصروه، أي أنه لا يمكن أن يكون النبي المُبشَّر به من قوم المسيح، لأنه إذا ما كان المسيح قد وصف المجموعة الخاصة به والمقرّبة له بذلك الوصف الرديء، فما بالنا بغير المقربين منه، لا سيما وأن قومه (قوم المسيح) رفضوه (المسيح)، ولم يقبلوه([5])، ويوضح ذلك ما جاء في إنجيل يوحنا، ونصّه: «إلى خاصته (اليهود) جاء وخاصته لم تقبله (المسيح)» (إنجيل يوحنا 1: 11).

وللتعرف من الكتاب المقدس للنصرانية على صفات هذا النبي المُبشَّر به من المسيح في الإنجيل (الذي يتضمنه كتاب النصرانية)، نوضح أولاً: جزئية من الامتحان الذي أمر به المسيح، كما في الكتاب المقدس للنصرانية، حيث يذكر إنجيل يوحنا، أن المسيح قال:

«أيها الأحباء لا تُصدّقوا كل روح بل امتحنوا الأرواح هل هي من الله؟ لأن أنبياء كذبة كثيرين قد خرجوا إلى العالم» (إنجيل يوحنا 4: 1).

فيتضح جليًّا من إسلوب كتاب النصرانية: أن (روح الله) تعني (نبي الله).

وأن (كل روح) تعني: كل نبي، فالنصرانية تعبّر عن النبي بكلمة الروح، وفي ذلك إشارة واضحة من كتاب النصرانية، أنه: سوف يأتي نبي صادق غير كاذب، حيث يقول كتابها (امتحنوا)([6]).

ومن ثم: فإنه لمعرفة صدق هذا النبي، فإنه لابد من امتحانه، لأن هناك أنبياء كذبة كثيرين. ومن علامة هذا النبي الصادق الذي قد بشّر بمجيئه الكتاب المقدس للنصرانية:

الاعتراف بالمسيح عليه السلام، وفقًا لما قاله يوحنا في كتابه: «بهذا تعرفون روح الله: كل روح يعترف بيسوع المسيح قد جاء في الجسد فهو من الله» (إنجيل يوحنا 4: 2).

وبالفعل، فقد جاء النبي محمد r مُكذّبًا لافتراءات اليهودية على المسيح، وادّعاءاتها الكاذبة بأنه ولَد زنا، ولكن دون مغالاة فيه، ودون تأليه له أو نَسْب إليه جزءً منها.

وبمشيئة الله تعالى، سوف نوضح الامتحان الذي أمر به المسيح (كما بالكتاب المقدس للنصرانية)، للتعرف على هذا النبي الصادق الذي قد بشَّر بمجيئه من بعده، وذلك بعد أن نشير إلى جزء من مواصفاته التي يتضمنها الكتاب المقدس للنصرانية، والتي لا تنطبق يقينًا إلا على النبي محمد r، خاتم الأنبياء والمرسلين، وبشارة أخيه المسيح عيسى عليه السلام.

فمن بشارات المسيح عليه السلام بالنبي محمد r، والتي يتضمنها الكتاب المقدس للنصرانية، الآتي:

1- في إنجيل يوحنا (14: 26)، حيث ينص على:

«وأما المعزي (الذي هو الروح القدس) الذي سيرسله الآب باسمي فهو يعلمكم كل شيء ويُذكركّم بكل ما قلته لكم»

[But the comforter which is the holy spirit whom the father will spend in my name, he shall teach you all things and bring all things to your rememberance what so ever I have said in to you] (ohn 14 – 26).

بداية ننوه إلى: أنه قد أوضحنا سابقًا، أن ما بقي في الإنجيل من بشارات المسيح عليه السلام بالنبي محمد r، إنا هي بشارات ضمنية، تشير بوضوح إليه r، مع بقاء ما في النص (بإنجيل النصرانية) من تحريفات واضحة، نظرًا لضياع الإنجيل وتحريفه.

فكما هو بَيّن: إن أقدم إنجيل موجود إنما هو باللغة اليونانية، وهي لغة لم يتكلم بها المسيح، وكذلك فإنه لم يُدوَّن أي إنجيل في زمن المسيح (كما تعترف وتقرّ النصرانية).

وكما هو معلوم، فإن اليونانيين كان سائدًا بينهم الكثير من الأساطير والقصص الخرافية، والاعتقادات الباطلة بتعدد الآلهة وتجسدها في صورة بشرية ... إلى غير ذلك، كما أوضحنا سابقًا.

(تعالى الله عز وجل عن كل ذلك علوًا كبيرًا).

ومما هو بالنص السابق من تحريفات واضحة: كلمة الآب، فهي من الإضافات التي قد لجأت إليها النصرانية، حتى تتوافق مع معتقداتها الفاسدة، من تجسيد للإله في صورة بشرية، وختانه في صغره، وأكله وشربه وتبوّله وتغوّطه .... إلى غير ذلك (تعالى الله عز وجل عن افتراءات النصرانية علوًا كبيرا).

وننوه أيضًا، إلى:

أنه من الإضافات الزائدة بالنص السابق: (الذي هو الروح القدس)،

(which is the holy spirit) حيث إن تلك الجملة المشار إليها ما هي إلا حشوًا زائدًا، وإضافة للنصّ كما في غيرها من الجمل المضافة، التي تضعها النصرانية داخل أقواس أو تبقيها دون وضعها بين الأقواس، وذلك حسبما يتفق مع متطلباتها وأهواءها، وذلك من أجل إبعاد ما في النص من إشارة إلى النبي الذي قد بشر المسيح بمجيئه من بعده، وهو النبي محمد r، وبرهان ذلك:

ما جاء في إنجيل يوحنا (4: 1)، حيث يذكر يوحنا أن المسيح قال:

«أيها الأحباء لا تصدقوا كل روح، بل امتحنوا الأرواح هل هي من الله؟ لأن أنبياء كذبة كثيرين خرجوا إلى العالم» (يوحنا: 4: 1).

حيث يتضح جليًّا من الإسلوب المصاغ به تلك الفقرات بإنجيل النصرانية، أن كلمة روح الله تعني: نبي الله، بدليل قول: لأن أنبياء.........

ومن ثم يتبيَّن لنا عظم التحريف الذي قد نال الكتاب المقدس للنصرانية، ولا يزال، حيث يخضع كتابها على الدوام لكافة صور التحريف، لا سيما إن كانت مضادة لنبي الإسلام، وبشارة المسيح عليه السلام، وبمجيئه r من بعده.

ونعود ثانية إلى النص السابق وإشارته إلى النبي الذي قد بشر المسيح بمجيئه من بعده:

فـ (المعزي) الوارد ذكره في النص السابق، أو (المساعد) (comforter) كما في النص الإنجليزي، والذي بشر به المسيح عليه السلام، وأنه سوف يأتي بعده، هو نفسه النبي الذي سوف يأتي بعد رفع المسيح عليه السلام.

وكما أشرنا في السابق، فإنه قد ثبت أن روح الله (كما في سياق كتاب النصرانية) تعني: نبي الله، وليس الروح القدس الذي تزعمه النصرانية، ويؤكد ذلك أيضًا ما جاء في إنجيل يوحنا (16: 7)، حيث يقول:

«لكني أقول لكم الحق خير لكم أن أنطلق، لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزيّ، ولكن إذا ذهبت أرسله إليكم» (يوحنا 16: 7).

فمن النص السابق يتبيّن أن المعزّي ليس روحًا، ولكنه رجلًا، كما كان المسيح رجلًا، ويذكر إنجيل يوحنا أيضًا:

«وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق» (إنجيل يوحنا 16: 12 – 13).

وذلك يعني أن روح الحق (نبي الحق) بعدما يجيء (كما بشر بذلك المسيح) فهو يرشد إلى جميع الحق، ومن ثم فهو يقدم الحل الأمثل لأي من المشكلات الناشئة، والتي يعجز عن حلّها غيره.

ومثال ذلك: مشكلة المسكرات (الخمور)، ومشكلة العنصرية، ومشكلة النساء الزائدات عن الحاجة (التي لم تتزوج) في المجتمعات لا سيما المجتمعات الغربية، .... وغير ذلك من المشكلات.

فنجد أن الروح القدس الذي تزعمه النصرانية، وتعتقد بأنه أحد أقانيم ثلاثة لإلهها المزعوم، وتعتقد بأنه المراد من بشارة المسيح، لم يقدم (الروح القدس الذي تزعمه النصرانية) للنصرانية أدنى شيء من الحلول لمثل تلك المشكلات المشار إليها أو غيرها، وذلك خلال أكثر من ألفي (2000) عام مضت([7]).

ومن العجيب: أننا نجد في كتاب النصرانية، أن أول معجزات المسيح هي:

أنه (المسيح) قام بتحويل الماء إلى خمر، كما في إنجيل يوحنا (2: 7 - 10).

وبسبب تلك المعجزة المزعومة، والمفتراة كذبًا، ظلّت الخمر تجري كالماء في المسيحية([8])، ومن ثم انتشرت الجرائم والفواحش بسبب تلك المسكرات البغيضة، التي تفقد الإنسان عقله، وتجعله يتصرف بطريقة عشوائية بهائمية كالحيوانات، بل أحطّ منها.

ومن العجيب أيضًا: أن قديس النصرانية (بولس)، يفضح نفسه، وينصح بالخمر قائلاً:

«لا تكن فيما بعد شراب ماء، بل استعمل خمرًا قليلًا من أجل معدتك وأسقامك الكثيرة» (تيموثاوث 5: 23).

والمسيحيون يتقبلون مثل تلك النصائح الفاسدة، الهالكة عن المسكرات، على أنها كلام الله الذي لا يخطئ، وهم يعتقدون (المسيحيون) أن روح القدس هو من ألهم واضعي الأناجيل بمثل تلك النصائح الفاسدة الهالكة([9]).

(تعالى الله عز وجل عن إفك النصرانية علوًا كبيرا).

والتساؤل المهم:

هل قدّم الروح القدس الذي تزعمه النصرانية، حلًا لأي شيء، أم أنه أفسد كل شيء (كما في نصيحة بولس الفاسدة، وغيرها)؟!!

لا شك، أنه أفسد كل شيء، وبرهان ذلك أيضًا:

أن هناك من القسيسين من تدرج في شرب الخمر إلى أن وصل إلى حدّ الإدمان في شرب الخمور والمسكرات بسبب ذلك الإلهام السئ الذي تزعمه النصرانية، من الروح القدس لبولس أو غيره (من مؤلفي الأناجيل وغيرهم)، حيث كانوا (القسيسين) يتناولون الخمور في التقليد الكنسي، بإقامة ما يزعمونه بالعشاء الرباني([10]).

وأما النبي محمد r فقد قضى على تلك الرذيلة وغيرها، بتحريم الخمر والمسكرات، قليلة كانت أو كثيرة، بتشريع إلهي حكيم([11]).

لذلك: فإن النبي محمد r هو (المعزّي)، و(المساعد comforter) كما في النص الانجليزي، الذي يرشد إلى جميع الحق، وليس أحد سواه مما تزعمه النصرانية.

ومن ثم، فإن النبي محمد r هو نبي الله الخاتم، الذي قد بشر المسيح بمجيئه من بعده.

2- وفي إنجيل يوحنا (16: 13 – 14)، بعد ما أخبر بإحدى صفات هذا النبي «يرشدكم إلى جميع الحق» الذي قد بشر بمجيئه المسيح من بعده، يخبر بصفة أخرى من صفاته، وهي: كما تقول الفقرة «ويخبركم بأمور آتية» (إنجيل يوحنا (16: 13 – 14).

وهذه الصفة إنما هي إحدى الصفات التي تنطبق بجلاء ، وبوضوح تام على النبي محمد r، حيث إنه r قد أخبر بغيبيات وحقائق علمية لم يكن لأحد أدنى معرفة بها في ذلك الوقت، والتي لم تُكتشف إلا في هذا العصر الحديث.

ولمزيد من التفاصيل في هذه النقطة، يُرجى الرجوع إلى المصادر الإسلامية التي توضح الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية، ومنها:

أ- سلسلة الإعجاز العلمي في القرآن الكريم (السماء ، الأرض ، الحيوانات ، النباتات ....) للدكتور/ زغلول النجار.

ب- سلسلة الإعجاز العلمي في السنة النبوية، للدكتور/ زغلول النجار.

جـ- مسموعات للدكتور/ زغلول النجار، عن الإعجاز في القرآن الكريم والسنة النبوية، مثل (موسوعة القرآن والعلم الحديث).

د- إعجاز القرآن في ما تخفيه الأرحام، للأستاذ/ كريم نجيب الأعز.

هـ- هيئة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة بمكة المكرمة.

لذلك: فإن هذه الصفة المذكورة في إنجيل يوحنا تؤكد أن النبي محمد r، هو النبي المُبشّر بمجيئه من المسيح عيسى عليه السلام.

3- وفي إنجيل يوحنا، طبعة لندن 1821 ، 1831 ، 1844، يُخبر بأن المسيح قال:

«وأما الآن، فأنا ماضي إلى الذي أرسلني، وليس أحد منكم ليسألني أين تمضي؟ لكن لأني قلت لكم هنا قد ملأ الحزن قلوبكم، ولكن أقول لكم الحق أنه خير لكم أن أنطلق، لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم الفارقليط».

وفي إنجيل يوحنا أيضًا، يخبر المسيح قائلاً:

«ابن البشر ذاهب والفارقليط من بعده يجيء لكم بالأسرار ويفسر لكم كل شيء، وهو يشهد لي كما شهدت له».

ويتضح مما أوردناه: أن إنجيل يوحنا يُبشّر بالرسول الذي قد أخبر المسيح بمجيئه من بعده، وذلك في قوله: «إنه خير لكم أن أنطلق، لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم الفارقليط»، وأيضًا في قوله: «ابن البشر ذاهب، والفارقليط من بعده يجيء».

ويتضح أيضًا: أن «الفارقليط»، هو من بشّر المسيح بمجيئه من بعده.

ولفظ (الفارقليط) يعني: الذي له حمد كثير، وذلك في اللغة اليونانية (لغة أقدم إنجيل بين يدي النصرانية) وهذا اللفظ (الفارقليط) يوافق معنى: أحمد، مثلما قال الدكتور (كارلونلينو)، الحاصل على دكتوراة آداب اللغة اليونانية القديمة.

وقال غيره: إن لفظ (الفارقليط) في القاموس العبري بمعنى الحمد، ويُشتق من الحمد، أحمد ومحمد، وهم يصدقان في نبي الإسلام r.

فـ (محمد) و(أحمد) هما من أسماء رسول الله r.

فرسول الله r محمود في الأرض، ومحمود في السماء، وقد آتاه الله عز وجل المقام المحمود في الآخرة.

لذلك: فإن النبي محمد r هو بشارة أخيه المسيح عليه السلام.

4- وفي إنجيل متى (1: 42)، يخبر المسيح عليه السلام عن أمّة هذا النبي r المُبشّر به، فيقول: «ألم تروا أن الحجر الذي أخّره البناؤون صار رأسًا للزاوية من عند الله، كان هذا عجيبًا في أعيننا، ومن أجل ذلك أقول لكم: إن ملكوت الله سيؤخذ منكم ويدفع إلى أمة أخرى تأكل ثمرتها، ومن سقط على هذا الحجر ينشدخ».

ونوضح ما ذكره إنجيل متى، مفصلاً:

أ- لقد قال النبي محمد r «مثلي ومثل الأنبياء قبلي كمثل رجل بنى فأكملها وأتمّها إلا موضع لبنة منها، فجعل الناس يطوفون بها ويعجبون منها، ويقولون: هلا وضعت تلك اللبنة؟ فكنت أنا تلك اللبنة» [صحيح الجامع الصغير].

فيتبيّن لنا أن ما قاله رسول الله r يتوافق مع ما ذكره إنجيل متى في النص الآتي:

«ألم تروا أن الحجر الذي أخّره البناؤون صار رأسًا للزاوية من عند الله، كان هذا عجيبًا في أعيننا».

فاللبنة التي تأخر وضعها وأخبر بها النبي محمد r كمثال، وكانت مكملة ومتممة للدار، توافق التشبيه بالحجر الذي أخره البناؤون وصار رأسًا للزاوية (كما في إنجيل متى).

وكما أن الناس كانوا يعجبون من تلك الدار التي ينقصها اللبنة الأخيرة لإكمالها وإتمامها (كما في حديث النبي محمد r)، فإن تأخير الحجر المتبقى من البناءين عن وضعه في مكانه، كان أيضًا عجيبًا في أعين الناس (كما في إنجيل متى).

ب- لقد كانت العرب قبائل متناحرة، ومتقاتلة، متفرّقة بغير ملك أو سلطان أو رئيس، ولكن بعد مجيء هذا الرسول الخاتم للأنبياء والمرسلين محمد r، ألّف الله عز وجل بين قلوبهم، وجمع شملهم بقيادة نبيه محمد r، الذي آمنوا به وصدقوا برسالته، فأصبح للمسلمين دولة عظيمة، مُتسِعة الرقعة شمالًا وجنوبًا، شرقًا وغربًا، بفضل من الله عز وجل، ونصره لهم.

وهذا يوافق ما ذكره إنجيل متى «إن ملكوت الله سيؤخذ منكم ويدفع إلى أمّة أخرى».

ج- لقد قال رسول الله r: «مثل المسلمين واليهود والنصارى، كمثل رجل استأجر قومًا يعملون له عملًا إلى الليل على أجر معلوم، فعملوا إلى نصف النهار، فقالوا لا حاجة لنا إلى أجرك الذي شرطت لنا، وما عملنا باطل، فقال لهم: لا تفعلوا، أكملوا بقية عملكم، وخذوا أجركم كاملًا، فأبوا وتركوا، واستأجرا آخرين بعدهم، فقال: أكملوا بقية يومكم هذا، ولكم ما شرطت لهم من الأجر، فعملوا حتى إذا كان العصر قالوا: لك ما عملنا باطل، ولك الأجر الذي فعلت لنا فيه، فقال لهم: أكملوا بقية عملكم، فإن ما بقي من النهار شيئًا يسيرًا، واستأجر قومًا أن يعملوا له بقية يومهم، فعملوا بقية يومهم، حتى إذا غابت الشمس واستكملوا أجر الفريقين كليهما، فذلك مثلهم وما قبلوا من هذا النور» [صحيح البخاري].

فما قاله رسول الله r يوافق ما ذكره إنجيل متى في «ويدفع إلى أمة أخرى تأكل ثمرتها».

د- أنه بعد مجيء النبي محمد r، وإيمان أصحابه به رضوان الله عليهم، بدأت الغزوات والفتوحات الإسلامية لنشر التوحيد، والدعوة إلى عبادة الله عز وجل وحده، دون أن يُشرك به شيئًا، ودون أن يُعتقد فيه جل وعلا اعتقادًا باطلًا، أو يُوصف بما هو ذمّ وقدح ونقص في ذاته جل وعلا، ومن ثم إقامة دولة الإسلام.

ولقد نصر الله عز وجل نبيه r، وأقرّ عينه بدولة الإسلام القائمة على توحيد الله عز وجل، والتعاليم السامية، والتشاريع القويمة، والمعاملات الكريمة على أسس من الخير والفضيلة، ثم تولّى أصحابه الكرام رضوان الله عليهم، مهام نشر دين الله عز وجل في الأرض.

ولم تمر سوى سنوات قلائل، تمّ فيها فتح البلاد شمالًا وجنوبًا، شرقًا وغربًا، ونُكّسَت رايات جميع من وقف صادًّا عن نشر دعوة الحق (الإسلام)، حيث انهزمت كل من امبراطورية الفرس والروم على أيدي المسلمين الفاتحين، ولم تعد لأي من الإمبراطوريتين قائمة.

ومن ثم كان ذلك موافقًا لما ذُكر في إنجيل متى «ومن سقط على هذا الحجر ينشدخ».

وغير ما ذكرنا الكثير من البشارات بالنبي محمد r في الإنجيل الذي يتضمنه الكتاب المقدس للنصرانية، ولذلك يتأكد لدينا:

أن النبي محمد r هو الروح الحق، الذي قد بشّر بمجيئه المسيح من بعده، وليس أحد سواه.

ونعود ثانية، إلى توضيح الامتحان الحاسم الذي قد أمر به المسيح كما ينص الكتاب المقدس للنصرانية، للتعرف على هذا النبي الذي قد بشّر (المسيح) بمجيئه من بعده، وهذا الامتحان الحاسم، هو: اختبار الحمض، الذي أراد المسيح أن تطبقه النصرانية على كل مُدّعٍ للنبوة، للتعرّف على النبي الحقّ الذي قد بشَّر به.

حيث يخبر إنجيل متى (7 : 15 – 20) أن المسيح قال:

«احترزوا من الأنبياء الكذبة الذين يأتونكم بثياب الحملان، ولكنهم من داخل ذئاب خاطفة، من ثمارهم تعرفونهم، هل يجتنون من الشوك عنبًا أو من الحَسَكِ تينًا، هكذا كل شجرة جيدة تصنع أثمارًا جيدة، وأما الشجرة الرديّة فتصْنع أثمارًا رديّة، لا تقدر شجرة جيدة أن تضع أثمارًا رديّة، ولا شجرة رديّة أن تصنع أثمارًا جيدة، كل شجرة لا تصنع ثمرًا جيدًا تقطع وتلقى في النار، فإذا من ثمارهم تعرفونهم» (إنجيل متى 7: 15 – 20).

ونجد أيضًا، إنجيل متى (7 : 25)، أن المسيح قال فيمن بشّر بمجيئه من بعده: «من نتاجه ستعرفونه، فهل سيجني الرجال العنب من الشوك، أو هل سيجنون التين من الشوك؟ فكل شجرة طيبة تنتج ثمارًا طيبة، وكل شجرة خبيثة ... فبواسطة نتاجه ستعرفونه» (إنجيل متى (7 : 25).

فإذا ما طبقنا هذا الامتحان الحاسم المذكور آنفًا، على النبي محمد r نجد أن النبي محمد r قد جاء بالمعتقد السليم الصافي، الذي ليس فيه أدنى إفراط أو تفريط وليس فيه غلو النصرانية للمسيح أو تكذيب اليهودية وقذفها له.

ونجد أيضًا: أن النبي محمد r قد جاء بالشرع القويم، والعبادات الهادية، والتعاليم السامية، والدعوة إلى كل خير، وإلى الفضائل ومكارم الأخلاق، والأمر بكل برّ ومعروف، بالمعروف، والنهي عن كل رذيل ومنكر أيضًا بالمعروف.

ونجد أيضًا: في الكتاب الذي أُنزل على النبي محمد r (القرآن الكريم) رسالة كاملة متمّمَة لما جاء به رسول الله موسى وكذلك رسوله المسيح عيسى عليهما السلام.

ونجد أيضًا: أنه بعد مجيء النبي محمد r وقبول الناس دعوته وانتشارها، قد قامت الدولة الإسلامية الكبرى، ذات الرقعة الواسعة في شتى أقطار الأرض، القائمة على توحيد الله عز وجل، والقائمة على العدل وأسس الخير والفضيلة، واتسعت هذه الرقعة الإسلامية الواسعة، شمالًا وجنوبًا، شرقًا وغربًا، لا سيما بعد أن انهزمت تحت رايتها (راية الإسلام والتوحيد الخالص لله عز وجل) كلا

من امبراطورية الفرس (عُبَّاد النار، التي هي من مخلوقات الله عز وجل)، وامبراطورية الروم

(عبّاد المسيح، الذي خلقه الله عز وجل وشرفه بالنبوة والرسالة كسائر الأنبياء والمرسلين)، ولم تعد لأي من الإمبراطوريتين أية قائمة بعد ذلك.

ولذا: فإن التشبيه الوارد ذكره بإنجيل متى «كل شجرة جيدة تصنع أثمارًا جيدة» وكذلك «فإذا من ثمارهم تعرفونهم»، لا ينطبق إلا على النبي محمد r، الذي أقام الله عز وجل به دولة الحق (الإسلام)، والذي بشر المسيح بمجيئه من بعده.

وننوه إلى: أنه إذا لم يكن النبي محمد r رسولاً حقًا من عند اله عز وجل لكانت نهايته ونهاية دعوته وفشلها في إثمارها ثمارًا طيبة، ولكان خزي الله له، شأنه شأن من أخزاهم الله عز وجل من مدّعي النبوة والرسالة أمثال مسيلمة الكذاب وغيره، ولكن الحال على غير ذلك، حيث كان نصر الله عز وجل لنبيه محمد r، وتأييده تبارك وتعالى لدعوته ورسالته، ومن ثم نجاحها وإثمارها ثمارًا حسنة طيبة، وأيضًا فلقد أقام الله عز وجل به r دولة الحق (الإسلام) القائمة توحيده جل وعلا، وأقرّ عينه r بنجاح دعوته وإقامة هذه الدولة العظيمة، ألا وهي دولة الإسلام.

ولذلك: فإن النبي محمد r هو من بشّر المسيح بمجيئه من بعده.

رسالة المسيح وليست ألوهيته، من الكتاب المقدس للنصرانية

لقد أشرنا في النقطة السابقة إلى عدم مصداقية الكتاب المقدس للنصرانية، وإلى مجهولية نسبه وهويته، وسقوط سنده سواءً كان ذلك في العهد القديم أو العهد الجديد الذي يتضمنها الكتاب المقدس للنصرانية.

ولكن مشيئة الله تعالى أن يكون ذلك الكتاب الذي تعتقد النصرانية قدسيته متضمنًا لما يدل على رسالة المسيح، ونفي ألوهيته، ومن ثم مناقضة ما تعتقده النصرانية من تأليه للمسيح وعبادة له.

فالله تعالى قادر على أن يحقّ الحق ولوكره الكافرون والمبطلون.

ومما يدل على رسالة المسيح وعدم ألوهيته، من كتاب النصرانية: ما جاء في إنجيل يوحنا (17: 3) حيث يقول: «وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي ويسوع (المسيح) الذي أرسلته».

حيث يتضح من تلك الفقرة السابقة التمييز والتفريق بين الإله الحقيقي وبين من تزعم النصرانية ألوهيته (المسيح) بالباطل.

ومن ثم فإن الفقرة السابقة أيضًا: تشير إلى رسالة المسيح وعدم ألوهيته، وأن الله تعالى هو الذي بعثه وأرسله.

لذلك: فإن النصرانية في مأزق ذي حرج شديد، لتعارض اعتقادها وتناقضه مع ما جاء بالكتاب الذي تقدسه، من رسالة المسيح وعدم ألوهيته.

ومما يدل على رسالة المسيح وعدم ألوهيته من كتاب النصرانية:

ما جاء في إنجيل لوقا (6/ 12): من أن المسيح كان يعبد الله، وكان يصلي له سبحانه وتعالى، حيث يقول إنجيل لوقا، فيما يتعلق بالمسيح وعبادته لله تعالى:

«وفي تلك الليلة خرج إلى الجبل وقضى الليل كله في الصلاة» (إنجيل لوقا 6 / 12).

وغير ذلك الكثير من الفقرات بالكتاب المقدس للنصرانية، والتي يتبين تكرارًا، عبودية وصلاة المسيح لله تعالى.

مما يؤكد: أن المسيح كان عبد الله تعالى، ورسولًا منه (حيث شرفه ربه تبارك وتعالى بالنبوة والرسالة)، وأنه (المسيح) ليس إلهًا كما تزعم النصرانية بالباطل.

ومما يؤكد رسالة المسيح وعدم ألوهيته:

اعتراف المسيح ذاته بعدم ألوهيته، وأنه ليس إلا ابنًا للإنسان، فلم يقل (المسيح) في أي من الأناجيل التي تؤمن بها النصرانية، ولو في مرة واحدة أنه ابن الإله.

ولكن ما كان يكرره ويؤكد عليه أنه ابن الإنسان: حيث تكرر لفظ (ابن الإنسان) على لسان المسيح كثيرًا، كما في الكتاب الذي تقدسه النصرانية.

ومن المواضع التي يكرر فيها المسيح لفظ أنه (ابن الإنسان):

إنجيل متى (30: 8) ، (11: 9)، (12: 32 – 40)، (20: 28)، (24: 30)،

(25: 31)، (26: 24)

وأيضًا في إنجيل مرقس (2: 28)، (4: 41).

وأيضًا في إنجيل لوقا (9/ 56)، (17: 24)، (8: 8).

وأيضًا في إنجيل يوحنا (3: 13)، (5: 27)، (13: 31)، (6: 27).

بل إننا نجد أن الأناجيل التي تؤمن بها النصرانية وتقدسها، تشهد بأن كل من عاصر المسيح كان يشهد بنبوته ورسالته، وليس كما تدّعي النصرانية (كذبًا) ألوهيته.

وبرهان ذلك ما جاء في إنجيل لوقا (7: 11 – 17) من أنه:

لما قد ظهرت معجزات المسيح الدالة على رسالته كانوا (الذين عاصروا المسيح) يمجدون الله قائلين: «قد قام فينا نبي عظيم» (إنجيل لوقا).

مما يؤكد بشرية المسيح، ومن ثم نبوته ورسالته كنبي مرسل من الله تعالى، وليست ألوهيته (المسيح)، وأنه ليس ابنًا لله، ولكنه (المسيح) هو ابن الإنسان كما نص على ذلك كتاب النصرانية.

لذلك: فإن الحق الذي لا مرية فيه، ولا حياد عنه: أن المسيح عليه السلام ليس إلا عبدًا لله تعالى، ورسولاً منه.

عقيدة الإسلام في الإله الربّ سبحانه وتعالى

لقد أرسل الله تبارك وتعالى نبيه محمدًا r خاتمًا به الأنبياء والرسل، في بيئة قد عُرِفت بعبادة الأوثان والأصنام؛ ومن حول تلك البيئة كانت اليهودية والنصرانية بما قد نسبتا من صفات ذم ونقص وعيب، غير لائقة بالإله الربّ سبحانه وتعالى.

ونوجز هذه النقطة: بأن عقيدة المسلمين في الإله الربّ سبحانه وتعالى تتمثل فيما جاء به النبي محمد r من التوحيد الكامل لله سبحانه وتعالى.

وهذا التوحيد الكامل لله سبحانه وتعالى ينقسم إلى 3 أقسام:

أ- توحيد الربوبية: وهو الإيمان والتصديق بأن الله تبارك وتعالى هو الخالق الرازق المالك، المُدبّر لجميع الأمور... إلى غير ذلك من صفات أخبرنا بها النبي محمد r، والاعتقاد بأنه لا ربّ سوى الله تبارك وتعالى.

ب- توحيد الألوهية: وهو إفراد الله سبحانه وتعالى بالعبادة وحده، بأن لا يتخذ الإنسان مع الله تعالى ندًّا أو شريكًا يعبده، أو يتقرّب إليه بأي شكل من الأشكال.

فالله سبحانه وتعالى هو المستحق بالعبادة وحده دون غيره.

ج- توحيد الأسماء والصفات: وهو إفراد الله سبحانه وتعالى بما سَمَّى به نفسه، وبما وصف به ذاته في كتابه (القرآن الكريم) أو على لسان رسوله، من أسماء وصفات ذات جمال وكمال، من غير تحريفها أو تعطيلها، ومن غير تكييف أو تمثيل.

ونشير إلى توضيح مُبسط لإحدى السور القرآنية الكريمة، التي جاء بها النبي محمد r والتي تبيّن في إيجازٍ عجيب مُبهر، وتناسق ودِقّة للألفاظ، جانبًا من وحدانية اله تبارك وتعالى، إذ يقول الله تعالى:

﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾

[سورة الإخلاص].

الله أحد، تعني: أن الله سبحانه وتعالى واحد، لا يمكن تجزئته مثلما تدّعي النصرانية أو غيرها.

الله الصمد، تعني: أن الله سبحانه وتعالى ليس بأجوف، وأنه هو سبحانه وتعالى السيد المقصود وحده في الحوائج على الدوام.

فأهل العالم العلوي والسفلي مفتقرون إليه غاية الافتقار، يسألونه حوائجهم، ويرغبون إليه في حياتهم([12]).

لم يلد ولم يولد، تعني: أن الله سبحانه وتعالى هو الأول بلا ابتداء، فليس قبله شيء، وهو سبحانه وتعالى الآخر بلا انتهاء، فليس بعده شيء، فلا ينتهي أو يفنيه شيء.

ومن ثم فإن الله سبحانه وتعالى لم يُولد من شيء، وكما أنه سبحانه وتعالى لم يولد من شيء، فإنه جلّ وعلا لم يَلدِ شيئًا، وليس بحاجة إلى أي شيء، وذلك لكمال غناه سبحانه وتعالى.

ولم يكن له كفوًا أحد، تعني: أن الله سبحانه وتعالى ليس له مُكافئًا أو مماثلًا في أسمائه أو صفاته أو أفعاله، فهو جلّ وعلا ليس كمثله شيء.

وما ذكرنا من توضيح هذه النقطة إنما هو إشارة فقط إلى جانب من عقيدة المسلمين في الإله الربّ سبحانه وتعالى.

وللاستفاضة في هذه النقطة يمكن الرجوع إلى الكتب الإسلامية الموثّقة، المُخصصة لهذا الموضوع.

ونختم هذه النقطة بتوضيح، وهو:

أن ما تعتقده النصرانية واليهودية في الإله الربّ سبحانه وتعالى، وما تنسبه إليه كل منهما من صفاته ذم ونقص وعيب، غير لائقة به سبحانه وتعالى، يُنافي تمامًا مع ما يعتقده المسلمون في الإله الرب سبحانه وتعالى من توحيدٍ وتنزيه كامل له جلّ وعلا.

عقيدة الإسلام في أنبياء الله تعالى ورسله

لقد جاء الإسلام مُناقضًا لما قد نسبته النصرانية واليهودية إلى أنبياء الله ورسله، من ادّعاءات وافتراءات، لا يمكن لفِطر نقية وعقول سوية، قبولها في حق إنسان فاضل فضلًا عن نبي مرسل من الله تعالى.

ومثال ذلك، لا الحصر:

- نبي الله نوح (عليه السلام): فبينما نجد أن كلا من النصرانية واليهودية قد نسبتا إليه شرب الخمر ... وغير ذلك، نجد أن الإسلام قد جاء نافيًا عنه مثل تلك الرذيلة وغيرها، بل وشاهدًا له بأنه أحد الخمسة، الذين هم أصحاب العزم من الرسل.

- نبي الله لوط (عليه السلام): وبينما نجد أن كلا من النصرانية واليهودية قد نسبتا إليه شرب الخمر أيضًا، بل والوقوع في أقبح أنواع الزنا، ألا وهو زنا المحارم، حيث تدّعي كل منهما (النصرانية واليهودية) أنه قد شرب الخمر ثم زنا بابنتيه الواحدة تلو الأخرى بعد أن فقد عقله، نجد أن الإسلام قد جاء نافيًا عنه مثل تلك القبائح والرذائل، وشاهدًا له أنه نبي كريم قد أرسله الله تعالى لدعوة قومه إلى التخلّي عن ما هم عليه من انغماس في وحل الرذائل والفواحش المنكرة، ودعوتهم إلى الخير والفضيلة ومكارم الأخلاق.

- نبي الله يوسف (عليه السلام): وبينما نجد أن كلا من النصرانية واليهودية قد نسبتا إليه أنه قد قام بحل تكة سراويلة لممارسة رذيلة الزنا مع سيدته، نجد أن الإسلام قد جاء نافيًا عنه مثل ذلك، مبينًا أن سيدته هي من كانت تراوده عن نفسها، وأنه هو من استعصم وامتنع امتناعًا شديدًا، وأن ذلك كان بفضل من الله تعالى عليه، وإكرام منه جل وعلا له.

- نبي الله هارون (عليه السلام): وبينما نجد أن كلا من النصرانية واليهودية قد نسبتا إليه أنه قد بنى معبدًا للعجل وقام بعبادته، وأنه أمر بني إسرائيل بعبادته ...، نجد أن الإسلام قد جاء نافيًا عنه مثل تلك الافتراءات، وأنه هو من قد نهى بني إسرائيل عن عبادة ذلك العجل الذي صوّره لهم السامريّ، فاتبعوه، وذلك عند غياب نبي الله موسى عليه السلام.

- نبي الله داود (عليه السلام): حيث نجد أن الإسلام قد نفى عنه تهمة الوقوع في رذيلة الزنا، وغيرها من الافتراءات التي قد نُسبت إليه.

- نبي الله سليمان (عليه السلام): حيث نجد أن الإسلام قد نفا عنه ما قد نُسب إليه من ارتداده في آخر حياته. وعبادته للأصنام ... وغير ذلك.

- نبي الله المسيح (عليه السلام): فبينما نجد أن اليهودية قد كذّبت بمعجزة ولادته، وبدعوته ورسالته، وقامت بنسب أمه إلى الفجور ومن ثم ولادته الغير شرعية، نجد أن الإسلام قد جاء شاهدًا بمعجزة ولادته وصدق دعوته ورسالته، ومُكرِمًا لوالدته (السيدة مريم) نافيًا عنها ما قد نسبته اليهودية إليها.

وبينما نجد أن النصرانية قالت بأن المسيح قد ادّعى الألوهية، افتراءً عليه، نجد أن الإسلام قد جاء مُبرئًا له من تُهمة ادّعاءه للألوهية، مُبينًا أن ما عليه النصرانية الآن من تأليه للمسيح وعبادة له، كان من قبيل إفراطهم وغلوهم فيه بغير وجه حق.

ومن قليل ما أشرنا إليه يتبين لنا: أن الإسلام هو دين الله الحق، الذي قد جاء مُدافعًا عن أنبياء الله تعالى ورسله، مما قد نُسب إليهم من ادّعاءات كاذبة وافتراءات باطلة، لا يمكن لفطرٍ نقية وعقولٍ سوية قبولها في حق إنسان فاضل، فضلًا عن نبيٍ كريم مُرسل.

ومن ثم يتبين لنا: أن الإسلام هو دين الله الحق الذي جاء مُنزهًا لله سبحانه وتعالى عما قد نسبته إليه النصرانية واليهودية من الجهل وعدم العلم بما سوف يفعله أنبيائه ورسله في المستقبل.

وأنه هو (الإسلام) الذي جاء منزهًا له سبحانه وتعالى عن ما قد نسبته إليه النصرانية واليهودية من سوء الاختيار لأنبيائه ورسله.

وأنه هو (الإسلام) الذي جاء مثبتًا له سبحانه وتعالى صفة الحكمة، والتي قد نفتها النصرانية واليهودية عنه سبحانه وتعالى، وذلك لأن الله عز وجل قد أرسل أنبيائه ورسله ليكونوا مصابيح هدى، يهتدي الناس بهم إلى الله تعالى عن طريق الاقتداء بهم وبأخلاقهم وأفعالهم، والانتهاج بمنهجهم الربّاني.

لماذا كانت عقيدة الإسلام هي العقيدة السليمة الصحيحة؟

وللإجابة عن ذلك التساؤل، نوضح في عدة نقاط ما يلي:

- أن عقيدة الإسلام هي العقيدة الوحيدة التي توجب الإيمان بالتوحيد الكامل المطلق لله سبحانه وتعالى.

حيث توجب الإيمان بتوحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات لله سبحانه وتعالى، وقد أشرنا إلى ذلك في نقطة سابقة.

- أن عقيدة الإسلام: هي العقيدة الوحيدة التي توجب الإيمان بجميع أنبياء الله تعالى ورسله، وتدافع عنهم مما قد نُسِب إليهم من ادّعاءات كاذبة وافتراءات باطلة، بل وترفع من قدرهم، لأنهم اختيار الله تبارك وتعالى، العليم الحكيم.

فالله سبحانه وتعالى هو أعلم بمن يختارهم ويصطفيهم لرسالاته.

أن عقيدة الإسلام: هي من جاءت بالقول الحقّ الفصل في المسيح بن مريم.

فبينما نجد أن اليهودية لا تؤمن بنبي الله المسيح، وتُكذِّب بدعوته ورسالته، بعد أن نسبته إلى الولادة الغير شرعية، نجد أن النصرانية على النقيض تمامًا قد قامت بالمغالاة في المسيح، وادّعت ألوهيته، وقامت بعبادته.

ولكننا نجد أن الإسلام قد جاء بنفي ما قد افترته كلا من اليهودية والنصرانية.

حيث إن الإسلام قد جاء بالقول الحقّ الوسط، الذي تقبله الفطر النقية والعقول السويّة، دون إفراط أو تفريط.

وهو أن المسيح عليه السلام ليس بإله، ولكنه عبدًا لله تعالى ورسولاً كريمًا منه، وأن ولادته (المسيح) كانت ولادة معجزة من غير أب، مُؤيدةً بكلامه في المهد تبرئة له ولوالدته، وتمهيدًا لنبوته ورسالته.

- أن الإسلام يجتمع أهله جميعًا (المسلمون) في شتى أقطار الأرض على اختلاف أجناسهم وألوانهم حول كتاب سماوي واحد، وهو القرآن الكريم، الذي جاء به خاتم النبيين والمرسلين محمد r.

وليس كما هو الحال في غيره من النصرانية أو اليهودية، حيث تتعدد الأسفار والأناجيل وتكثر إصدارات النسخ، الواحدة تلو الأخرى مع اختلافها، بحيث يتم جمع الأموال الطائلة جرّاء ذلك عن طريق بيعها.

- أن الكتاب السماوي الذي جاء به الإسلام، ألا وهو القرآن الكريم، هو الكتاب الوحيد الذي يتمتع بالمصداقية الكاملة، وذلك دون غيره من الكتب السماوية التي قد فقدت مصداقيتها نظرًا للتحريف الذي قد نالها وأخرجها عن إطارها الرباني الصالح لهداية البشر.

- أن الإسلام هو الوحيد الذي يُلزم أهله (المسلمين) بالإيمان بجميع الكتب السماوية السابقة التي قد أنزلها الله تبارك وتعالى على أنبيائه ورسله، مثل الزبور والتوراة والإنجيل، ولكن على هيئتها التي قد نزلت بها، من الله تعالى، قبل أن تنالها الأيدي الخبيثة بالتحريف والتغيير والتبديل، ومن ثم إخراجها عن إطارها الربّاني.

- أن الإسلام قد جاء داعيًا إلى السماحة والرحمة، والطهر والعفاف، وحسن الأخلاق والمعاملات.

- أن الإسلام قد جاء بالعبادات الهادية والتشريع القويم الذي به تستقيم البشرية قاطبة.

ولقد اكتشف العلم الحديث مصداقية التشريعات والتعاليم الإسلامية والتي قد جاء بها نبي الإسلام محمد r.

وغير ما أشرنا إليه الكثير والكثير، حيث يتبين بجلاء أن العقيدة الإسلامية هي العقيدة الوحيدة التي تقبلها الفطر النقية والنفوس الزكية والعقول السوية، ولا تتعارض أبدًا معها.

ومن ثم: فإن عقيدة الإسلام هي العقيدة الصحيحة السليمة، التي لم ينالها أدنى تحريف أو تغيير أو تبديل.

مم يتكون القرآن الكريم؟

بداءة، نوضح، أن القرآن الكريم هو كتاب سماوي يتضمن بين صفحاته كلام الإله الرب سبحانه وتعالى فقط، وليس كلام أحد غيره ولو كان حرفًا واحدًا.

ومن ثم فإن من بين الكتب الخاصة بالمسلمين نجد:

- الكتب الخاصة بكلام خاتم النبيين محمد r، وهي كتب الأحاديث النبوية الشريفة.

- ونجد الكتب الخاصة بتفاصيل حياته r الطاهرة وأدقها، وهي كتب السيرة النبوية المطهرة.

- ونجد الكتب الخاصة بأقوال علماء المسلمين.

- ونجد الكتب الخاصة بأقوال وتأريخ المؤرخين المسلمين، وهكذا.

لذلك فإننا نجد أن سور القرآن الكريم تبدأ بـ (بسم الله الرحمن الرحيم)، وهو الإله الرب سبحانه وتعالى المُنزِّل لها.

ونوضح أيضًا: أن القرآن الكريم هو كلام ربّ العالمين، من غير ما يُسمّى بالهوامش أو الحواشي الشارحة له، أي أنه ليس كما في غيره (مثل الكتاب المقدس للنصرانية)، سواءً كانت تلك الهوامش والحواشي من الله تعالى أو من أقوال وكتابات البشر.

ولقد حفظ الله تبارك وتعالى سنة نبيه محمد r المفسرة لكتابه الخاتم (القرآن الكريم)، وذلك من خلال الأحاديث الشريفة التي قد أخبرنا بها r.

وبالنسبة لما يتكون منه القرآن الكريم، فإنه يتكون من:

آيات وسور مكية: وهي الآيات الكريمات والسور القرآنية الكريمة التي قد نزلت على النبي محمد r من الله رب العالمين، منذ بدء رسالته r وإلى أن هاجر إلى المدينة المنورة بعد قرابة 13 سنة من بعثته r.

آيات وسور مدنية: وهي الآيات الكريمات والسور القرآنية الكريمة التي قد نزلت على النبي محمد r من الله رب العالمين، منذ هجرته r إلى المدينة، وإلى أن توفّاه الله تعالى، بعد قرابة 10 أعوام من هجرته r.

ولقد ظل ترتيب سور القرآن الكريم وآياته الكريمات وفقًا لما أشار به رسول الله r، وحيًا من الله سبحانه وتعالى.

وهكذا بقي القرآن الكريم على النحو الذي ارتضاه ربنا تبارك وتعالى.

إلى أي شيء يدعوا القرآن الكريم؟

لقد أنزل الله تبارك وتعالى القرآن الكريم هداية للبشر أجمعين، داعيًا إلى ما تسموا به النفوس، وإلى ما تُزكّى به الأرواح.

وبمشيئة الله تعالى سوف نشير في هذه النقطة إجمالًا إلى بعضٍ مما يدعوا إليه القرآن الكريم، وأول ما نشير إليه:

1- دعوة القرآن الكريم إلى الإيمان بالله تعالى، وبوحدانيته وعظيم صفاته، وحكيم شريعته، وطلاقة قدرته، ليس ذلك فحسب، بل ويحث الأمة على أن تعمل جاهدة على الدعوة إلى ما يدعوا إليه.

2- الدعوة إلى تنزيه الله سبحانه وتعالى عن ما نُسب إليه من كل من النصرانية واليهودية وغيرها، من صفات ذم ونقص وعيب، غير لائقة به سبحانه وتعالى، وقد أشرنا إلى موجز من ذلك في نقطة سابقة.

3- الدعوة إلى رفع قدر الأنبياء والمرسلين، ودفع الافتراءات المنسوبة إليهم من كل من النصرانية واليهودية، أو غيرها، وقد أشرنا إلى موجز من ذلك في نقطة سابقة.

4- الدعوة إلى الصبر والرحمة، وعدم سفك الدماء، والعفو عن الناس. ونموذج ذلك على الترتيب:

قول الله تعالى: ﴿ ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ * أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ﴾ [سورة البلد: 17 – 18] .

قول الله تعالى: ﴿ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾

[سورة البقرة: 179].

قول الله تعالى: ﴿ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ﴾ [سورة البقرة: 237].

قول الله تعالى: ﴿ قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى ....﴾

[سورة البقرة: 263].

5- الدعوة إلى الطهر والعفاف، والنهي عن الخمر والميسر والربا ونموذج ذلك على الترتيب،

قول الله تعالى:

﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ .....﴾ [سورة النور: 30 - 31].

﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ .....﴾

[سورة الأحزاب: 59].

وقول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [سورة المائدة: 90].

وقول الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾

[سورة البقرة: 287] .

6- الدعوة إلى الرفع من منزلة المرأة وتكريمها، ومنحها كافة حقوقها التي كانت قد سُلبت منها، حيث إن الإسلام جاء منافيًا لما تدعيه كلا من النصرانية واليهودية، وقال بأن ولادة المرأة للبنات لا تزيد أو تضاعف من نجاستها، بل لا تكون سببًا في نجاستها أصلًا.

ولقد جاء الإسلام مُعطيًا للمرأة كافة حقوقها في الإرث (الميراث) بعد أن كانت محرومة منه قبل ذلك، ونموذج ذلك في القرآن الكريم، قول الله تعالى:

﴿ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا ﴾ [سورة النساء: 7].

- ولقد جاء الإسلام مُجيزًا لزواج الأرملة والمطلقة، ونموذج ذلك من القرآن الكريم، قول الله تعالى:

﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ .....﴾ [سورة البقرة: 234 – 235].

وقول الله تعالى: ﴿ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ .....﴾ [سورة البقرة: 232].

7- الدعوة إلى شتى أنواع الخير والفضيلة، وبر الوالدين وصلة الأرحام ونموذج ذلك من القرآن الكريم، قول الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾

[الحج: 77].

وقول الله تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ [سورة الإسراء: 23 : 24].

وقول الله تعالى: ﴿وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ [سورة البقرة: 177].

وقول الله تعالى: ﴿ وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا ﴾

[سورة الإسراء: 26].

8- تحليل الطيبات وتحريم الخبائث ونموذج ذلك من القرآن الكريم، قول الله تعالى:

﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي

التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ

عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ....﴾ [سورة الأعراف: 157]

9- الدعوة إلى إقامة العدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، والنهي عن الفحشاء والمنكر والبغي.

ونموذج ذلك من القرآن الكريم، قول الله تعالى:

﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [سورة النحل: 90]

10- الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونموذج ذلك من القرآن الكريم، قول الله تعالى:

﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [سورة آل عمران: 104].

بل وجَعْل خيرية هذه الأمة الخاتمة مشترطة بهذه الدعوة السامية الكريمة.

ونُدلل على ذلك من القرآن الكريم، بقول الله تعالى: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ....﴾ [سورة آل عمران: 110].

إلى غير ذلك مما جاء به القرآن الكريم من عبادات هادية وتعاليم سامية، وأخلاق رفيعة، ومعاملات كريمة على أسس من الخير والفضيلة.

السيدة مريم عليها السلام، في القرآن الكريم

لقد كرّم الإسلام السيدة مريم تكريمًا بليغًا وطهرها مما قد نسبته اليهودية إليها من ادّعاءات كاذبة وافتراءات باطلة.

فلقد زكّى الله تعالى السيدة مريم في كتابه العظيم (القرآن الكريم)، وقال في حقها: ﴿فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [سورة مريم: 37].

فأي تكريم وتشريف للسيدة مريم أعظم من أن يتقبلها ربها تبارك وتعالى بقبول حسنٍ وأن ينبتها نباتًا حسنًا، وأن يرزقها رزقًا طيّبًا من حيث لا تحتسب، وأن يصفها بعرفانها لجميل نعم الله تعالى عليها، حيث تنسب النعمة والفضل إلى الله تعالى.

وغير ذلك الكثير من الآيات الكريمات التي تكرّم وتشرّف السيدة مريم، وتصفها بالصلاح والزهد والتقوى...

ولقد كرّم الإسلام السيدة مريم وطهرها، وأخبر بأن حملها بالمسيح عليه السلام وولادتها له كان بإرادة من الله تعالى وكلمة منه، إذ يقول الله تعالى في كتابه العظيم (القرآن الكريم) في حقها (السيدة مريم) عندما بُشِّرت من الملائكة بحملها للمسيح عليه السلام:

﴿ قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [سورة آل عمران: 47].

ولقد أخبر الإسلام بما قد أيّدها الله تبارك وتعالى من معجزة كلام وليدها (المسيح) في المهد، دفاعًا عنها، وتطهيرًا لها مما قد نُسب إليها من افتراءات باطلة، إذ يقول الله تعالى في شأن وليدها المسيح عليه السلام وكلامه في المهد:

﴿ وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [سورة آل عمران: 46].

ومن قليل ما أشرنا إليه يتبين لنا كيف كان تكريم القرآن الكريم للسيدة مريم البتول، ومدى التشريف العظيم، والمنزلة الكريمة التي قد حظيت بها في الإسلام.

فلقد كرّم الإسلام السيدة مريم تكريمًا لا نظير له، ويكفي في ذلك أن يذكرها الله تبارك وتعالى في كتابه العظيم، الخاتم لجميع الكتب السماوية، والمعجزة الكبرى لخاتم أنبيائه ورسله محمد r والباقية إلى قيام الساعة، ألا وهو القرآن الكريم، كلام رب العالمين.

المسيح عليه السلام، في القرآن الكريم

لقد برّأ الله تعالى المسيح عليه السلام في القرآن الكريم، مما قد نسبته إليه اليهودية من الولادة بغية ونسبه إلى الزنا ...، إذ يخبر الله تعالى في قرآنه الكريم ما قد بشرت به الملائكة السيدة مريم من حمل وولادة للمسيح عليه السلام، بإرادة وكلمة من الله تعالى، فيقول:

﴿ إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ﴾ [سورة آل عمران: 45].

ولقد برّأ الله تعالى أيضًا المسيح عليه السلام في القرآن الكريم مما قد نسبته إليه النصرانية من تهمة ادّعاءه الألوهية، إذ يقول سبحانه وتعالى في قرآنه الكريم:

﴿وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ [سورة المائدة: 116 ، 117].

لذلك فإن القرآن الكريم هو من جاء بالقول الفصل في المسيح بن مريم، دون إفراط النصرانية له، ودون تفريط اليهودية تجاهه، فليس كما ادّعت وافترت عليه كلا من النصرانية واليهودية.

حيث إن القرآن الكريم قد جاء: بأن المسيح هو عبد لله تعالى، ورسول كريم منه، كانت ولادته آية ومعجزة، وكان كلامه عليه السلام في المهد تشريفًا له، وتطهيرًا لوالدته مما قد نُسب إليها افتراءً وزورًا، وإيذانًا بنبوته ورسالته بعد ذلك، إذ يقصّ الله تعالى في ما أخبر به المسيح عند كلامه في المهد، فيقول:

﴿ قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ﴾ [سورة مريم: آية 30].

صفات المسيح عليه السلام في القرآن الكريم

لقد كرّم الله تبارك وتعالى المسيح عليه السلام في كثير من آيات القرآن الكريم، وأنزله منزلة كريمة، رفيعة مشرّفة، ومن هذه الصفات الكريمات التي قد نصّ عليها القرآن الكريم مُشرِّفًا بها المسيح عليه السلام:

1- أنه (المسيح عليه السلام) وجيهٌ في الدنيا والآخرة ومن المقربين، وفي ذلك يقول الله تعالى: ﴿ إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ﴾ [مريم: 45].

2- أنه عليه السلام ذو علم وحكمة، وفي ذلك يقول الله تعالى:

﴿ وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ ﴾ [سورة آل عمران: 48].

3- أنه عليه السلام ذو بركة، وذو صلاح وعبادة، إذ يقول الله تعالى في حق المسيح عند كلامه في المهد فيما تكلّم به (المسيح):

﴿ وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا ﴾

[سورة مريم: 31].

4- أنه بر بوالدته، وليس جبارًا شقيًا، إذ يقول الله تعالى في حق المسيح عند كلامه في المهد فيما تكلم به: ﴿ وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا ﴾ [سورة مريم: 32].

5- أن السلام من الله تعالى على المسيح يوم ولادته يوم مماته ويوم بعثته حيّا بعد ذلك، وفي ذلك يقول الله تعالى في حق المسيح عند كلامه في المهد فيما نطق به:

﴿وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا﴾ [سورة مريم: 33].

إلى غير ذلك من الصفات الكريمات التي تكرّم وتشرّف المسيح عليه السلام، والتي قد أشار إليها القرآن الكريم.

هل صُلب المسيح عليه السلام في القرآن الكريم؟؟

لقد بيّن القرآن الكريم أن المسيح عليه السلام لم يُصلب، ولم يُقتل كما ما تدّعي كلا من النصرانية أو اليهودية، وإنما أُلقي شبَهَه على من دلّ اليهود عليه (المسيح) ليقتلوه، ومن ثم فإن من صُلِب هو يهوذا الذي قد دلّ اليهود على المكان الذي به المسيح، وذلك بعدما ألقي شبه المسيح عليه، فأخذه اليهود بدلًا من المسيح، ظانين أنه هو (المسيح).

وأما المسيح عليه السلام فقد نجَّاه الله تعالى من أيدي اليهود، ومما أرادوا به من صلب وقتل، ورفعه إلى السماء، إلى أن يأتي وقت نزوله في آخر الزمان.

وفي ذلك يقول الله تعالى:

﴿وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴾ [سورة النساء: 157، 158].

متى ينزل المسيح عليه السلام؟ ولماذا؟ وأين ينزل؟

ينزل المسيح عليه السلام من السماء إلى الأرض في آخر الزمان، بعد خروج المسيح الدجال الذي يدّعي الألوهية، على الرغم من عدم استطاعته أن يزيل ما به من عور، حيث إنه في إحدى عينيه عور، وتعالى الله عز وجل أن يكون كذلك.

ومن ثم فإن المسيح عيسى ابن مريم ينزل فيقتل ذلك الدَجّال الكاذب الذي قد ادّعى الألوهية، ويكسر الصليب ويقتل الخنزير، ويضع الجزية.

ومن الحِكم في نزول المسيح عليه السلام في آخر الزمان:

1- أنه يحتمل أن يكون ذلك لأن اليهود قد همّوا بقتله وصلبه، ويزعمون أنهم قد نجحوا في ذلك، وكانوا ينسبونه إلى السحر وغيره.

ولقد ضرب الله عز وجل على اليهود الذلّة والمهانة، فلم تقم لهم راية منذ أعزّ الله الإسلام وأظهره، ولم يتم لليهود بعد ذلك أي سلطان أو قوة أو شوكة في أي بقعة من بقاع الأرض، ولا يزالون كذلك حتى يقرب الزمان من نهايته، ويقترب قيام الساعة، فيظهر المسيح الدجّال الذي يَدّعي عن الألوهية، فيبايعه اليهود، ويظنون أنهم صار في مقدرتهم الانتقام من المسلمين([13]).

فإذا صار الأمر إلى ذلك، أنزل الله تعالى من السماء المسيح عيسى عليه السلام، وهو من كان في زعم اليهود أنهم صلبوه وقتلوه، فيقتل المسيح الدجال، وينتصر المسلمون معه في حربهم على اليهود الذين كانوا قد آمنوا بالدّجّال واتبعوه([14]).

2- ويحتمل أن يكون نزول المسيح عيسى ابن مريم في آخر الزمان ليستوفي ويستكمل أجله، ويموت ويُدفن في التراب، لأنه لا ينبغي لمخلوق من التراب أن يموت في السماء([15])، وإلى ذلك يشير القرآن الكريم، حيث قال الله تعالى:

﴿ مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى ﴾ [سورة طه: 55].

وأما عن مكان نزول المسيح عيسى ابن مريم:

فإنه (المسيح عيسى) ينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق، كما أخبر بذلك النبي محمد r، كما في رواية مسلم من حديث النواس بن سمعان: أن رسول الله r، قال:

«ينزل عيسى ابن مريم عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين واضعًا كفيه على أجنحة ملكين، إذا طأطأ رأسه قطر، وإذا رفعه تحدّر معه كاللؤلؤ، فيُدرك الدجّال عند باب لدّ فيقتله ...» (رواه مسلم).

مهرودتين، تعني: ثوبين مُمصّرين يميل لونها إلى اللون الأصفر.

المنارة البيضاء، تعني: المئذنة البيضاء.

إذا طأطأ رأسه قطر، تعني: إذا أحنى رأسه سقط من رأسه ماء.

جمانٌ كاللؤلؤ، تعني: حبات عرق كأنها اللولؤ الأبيض، أي أن المسيح عليه السلام إذا رفع رأسه تحدرت منه قطرات عرق كاللؤلؤ الأبيض.

باب لُدّ، تعني: باب قرية لُدّ، التي بفلسطين اليوم.

ونشير في إيجاز إلى ومضة مبهرة، من جوانب الإعجاز النبوي الشريف لرسول الله r، حيث إنه:

لم يكن هناك منارة بيضاء شرقي دمشق وقت بعثة النبي محمد r، وما بُنيت هذه المنارة البيضاء في المسجد الدمشقي بشرقي دمشق بالحجارة البيضاء إلا في سنة 741 هجرية.

ولكنه r قبل بناء المنارة البيضاء، يخبر ببناء هذه المنارة، بل ويخبر r بلونها.

بل وأيضًا يُخبر النبي محمد r بباب لُدّ، على الرغم من أنه لم يكن وقت بعثته r قرية تسمّى بقرية لُدّ، وما عُرِفت هذه القرية (لُدّ) إلا فيما بعد.

ومن ثم فإن ما أخبر به النبي محمد r من أخبار جاءت وقائعها صادقة محققة في هذا الحديث النبوي الشريف، تكون بمثابة الومضات المبهرات الشاهدات على نبوته r وصدق رسالته.

كيفية وصول القرآن الكريم، وحفظه منذ نزوله على النبي محمد r

لقد كانت مشيئة الله تعالى أن تكون رسالة النبي محمد r هي الرسالة الخاتمة لجميع الرسالات السابقة، وأن يختم بالنبي محمد r جميع الأنبياء والرسل السابقين، وأن يكون الكتاب المُنزَّل عليه (القرآن الكريم) هو آخر الكتب السماوية، ومهيمنًا عليها.

فليس بعد مجيء خاتم الأنبياء والمرسلين محمد r أي نبي أو رسول آخر.

وليس بعد إنزال القرآن الكريم عليه r، أي إنزال لأي كتاب سماوي آخر.

ونظرًا لأن الكتب السماوية السابقة قد نالها التحريف والتغيير، والتبديل والتضييع، وذلك عندما وكّل الله تعالى حفظها إلى البشر، فقد كان من حكمته سبحانه وتعالى أن يتعهد هو جل وعلا بحفظه، حيث إنه ليس بعد إنزال القرآن الكريم أي إنزال لأي كتاب سماوي آخر.

كيفية وصول القرآن الكريم، وحفظه:

لقد كان حفظ القرآن الكريم حفظًا عجيبًا مبهرًا، حيث إنه كان يُحفظ أولا في الصدور قبل أن يُحفظ في السطور.

فقد كان القرآن الكريم ينزل به أمين السماء جبريل عليه السلام على النبي محمد r مُفرَّقًا، حيث لم يكن نزوله جُملة أو دُفعة واحدة، وإنما كان نزوله (القرآن الكريم) على مدى 23 سنة، منذ بعثة النبي محمد r، وإلى وفاته.

وبعد ما ينزل أمين السماء جبريل عليه السلام بآيات القرآن الكريم على النبي محمد r، ما يكون من النبي r إلا أن يحفظها تمامًا عن ظهر غيب، ويقرأها على أصحابه الكرام، الذين آمنوا به، ويُسارع في تعليمها لهم.

ثم ما يكون من أصحاب النبي محمد r إلا أن يُسارعوا في تعلمها (آيات القرآن الكريم) وحفظها تمامًا في صدورهم.

ثم يقوم أصحاب النبي محمد r بتعليمها (آيات القرآن الكريم) لأولادهم وأزواجهم وذويهم وغيرهم بقدر ما يستطيعونه، بل ويُحفظوهم إياها، وهكذا.

بحيث صار القرآن الكريم كاملًا محفوظًا في الصدور قبل السطور.

ولقد ساعد في ذلك: أن العرب كانوا يُعرفون بأنهم أهل اللسن والبلاغة والفصاحة، وكانوا يتمتعون بسرعة الحفظ، ويتميزون بجودة الذاكرة، ويتضح ذلك من قصائدهم وأشعارهم، حيث كان بإمكان العربي في زمن بعثة النبي محمد r أن يحفظ قصيدة من الشعر مكوّنة من مئات الأبيات (أبيات الشعر) بمجرّد سماعها.

وإضافة إلى حفظ القرآن الكريم في صدور أصحاب رسول الله r، كان رسول الله r يأمر بكتابة ما أُنزل عليه من آيات القرآن الكريم فيما تيسَّر له آنذاك من العظام والجلود ولحى الأشجار، حيث كان r له عدد من كُتَّاب الوحي ممّن أجاد القراءة والكتابة من أصحابه الكرام.

وعندما توفي النبي محمد r، كان القرآن الكريم قد حُفظ كاملًا في صدور الكثير من أصحابه الكرام، وفيما تيسَّر الكتابة عليه من العظام والجلود ولحى الأشجار.

وعندما تولى أبو بكر الصديق خلافة المسلمين، واحتفظ بكل هذه الوثائق التي قد كُتب عليها القرآن الكريم كاملًا، ثم احتفظ بها أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب بعدما تولى خلافة المسلمين من بعده، ثم أمر الخليفة الثالث للمسلمين عثمان ابن عفان بكتابة القرآن الكريم كاملًا في مصاحف، وذلك بعدما تقدمت الوسائل التي يمكن الكتابة عليها.

وهذا المصحف الذي أمر الخليفة الثالث للمسلمين عثمان بن عفان بكتابته هو الذي بين جميع المسلمين الموحدين لله تعالى إلى اليوم.

ونقصد المسلمين الذين قد عرفوا لرسول الله r قدره، وحفظوا لأزواجه الأطهار منزلتهم، وحفظوا لأصحابه الكرام فضلهم.

وأما غير ما أشرنا إليه من فِرق مارقة قامت على أسس يهودية للطعن في الدين (الإسلام) والنيل منه، أمثال الشيعة الروافض وغيرهم، فهؤلاء لا تصحّ نسبتهم إلى الإسلام بالكليّة، وفساد معتقداتهم وتشريعاتهم برهان ذلك.

ولما أشرنا إليه يتبين لنا: أن القرآن الكريم هو الكتاب السماوي الوحيد الذي قد تعهّد الله تبارك وتعالى بحفظه، حيث إنه ليس بعده إنزال لأي كتاب سماوي آخر.

ومن ثم فقد حُفِظ القرآن الكريم حرفًا حرفًا، وكلمةً كلمة، وآية آية، بل وقد حُفِظ ترتيب آياته وسوره في الصدور والسطور على الوجه الذي قد ارتضاه الإله العليم الحكيم، الله رب العالمين.

مصداقية القرآن الكريم

لقد أوضحنا في كثير من النقاط السابقة بعضًا من الأدلة والبراهين على فقدان الكتاب المقدس للنصرانية لمصداقيته، وبمشيئة الله تعالى سوف نوضح في هذه النقطة بجلاء بعضًا من الأدلة والبراهين على مصداقية القرآن الكريم، ومن ثم صدق خاتم المرسلين، النبي محمد r، وصدق دعوته ورسالته.

أولًا: ومما يُدلل على مصداقية القرآن الكريم:

- أن الإسلام الذي جاء يدعوا إليه النبي محمد r، هو الوحيد الذي يمكنه التوحيد بين كل من اليهود والنصارى والمسلمين، ويجدوا فيه التوافق والملائمة.

فبينما نجد أن اليهودية تؤمن بنبوة موسى دون نبوة المسيح عيسى، وأن النصرانية تؤمن بنبوة موسى، وتنسب إلى المسيح ادّعاءه للألوهية ومن ثم اتخاذه إلهًا يُعبد، نجد: أن الإسلام الذي جاء يدعوا إليه النبي محمد r يؤمن بنبوة موسى مع تبرءته مما قد افترته عليه اليهودية، ويؤمن أيضًا بنبوة المسيح مع تبرءته مما قد نسبته إليه اليهودية من الولادة بغية بطريقة غير شرعية، ومع تبرءته أيضًا مما قد نسبته إليه النصرانية من ادّعاءه للألوهية، ورفعها (للنصرانية) له (للمسيح) دون وجه حق لمرتبة الألوهية.

مع التنويه إلى: أن الإسلام جاء مُكرمًا ومُبجّلًا للمسيح عليه السلام كرسول من عند الله تعالى، وكأحد أولي العزم من الرسل (وهم نوح وإبراهيم وموسى والمسيح عيسى ومحمد)، ومُكرمًا لوالدته (السيدة مريم)، ومُبرءً لها مما قد نسبتها إليه اليهود من الفحش والفجور.

وأن الإسلام قد جاء مقرًا بمعجزة ولادة المسيح عليه السلام بغير أب (إرادة من الله تعالى)، وبنطقه وكلامه (المسيح) في المهد تبرءة لوالدته (السيدة مريم)، وتمهيدًا لرسالته بعد ذلك.

لذلك: فإن المسلمين يؤمنون بالتوراة التي جاء بها نبي الله موسى عليه السلام من عند الله تعالى، وبالإنجيل الذي جاء نبي الله المسيح عليه السلام من عند الله تعالى، وبالقرآن الذي جاء به نبي الله محمد r من عند الله تعالى، وليس بأي من التوراة التي قد حُرِّفت وغيرت، والتي بأيدي اليهود اليوم، أو الإنجيل الذي قد ضُيِّع وحُرِّف، والذي بأيدي النصارى اليوم.

لذلك: فإن الإسلام الذي جاء يدعوا إليه النبي محمد r، هو الوحيد الذي يمكنه التوحيد بين كل من اليهود والنصارى والمسلمين، مما يؤكد مصداقيته، ومصداقية من جاء يدعوا إليه، ومن ثم مصداقية الكتاب الذي جاء به من الله تعالى هدى ورحمة للعالمين، ألا وهو القرآن الكريم.

ثانيًا: ومما يُدلِّل على مصداقية القرآن الكريم:

أن الإنسان بفطرته يكون بحاجة للوحي الإلهي، حيث إن العقول مختلفة، لذلك فإن عليه (الإنسان) أن يُفكر في مصدر الكتب التي يؤمن بها، هل هي وحيٌ من الله تعالى أو غير ذلك (من صنع وتأليف البشر).

فإذا كانت وحيًا من الله تعالى، فلن يجد فيها أية اختلافات أو تناقضات، والأمر بالنسبة للكتاب المقدس للنصرانية أو الكتاب الذي بين يدي اليهودية على غير ذلك.

فالشخص السويّ الحذر يمكنه التمييز بين ما هو صحيح وبين ما هو مكذوب، وبين ما هو معقول وما هو غير معقول([16]).

فهناك كتب كثيرة تدّعي أنها وحي إلهي، ومن ثم فإن الإنسان العاقل عليه أن يحكم عليها من خلال دراستها والتفكر فيها، ومعرفة حقيقة مصدرها وحقيقة مؤلفيها، ومن ثم يسأل نفسه:

هل ما تحتويه وتتضمنه هذه الكتب يليق ويرتقي بأن يكون بحق وحيًا من عند الإله الخالق القدير، المنزه عن كل سوء، أم لا؟

ومما أشرنا إليه سابقًا، يتجلّى لنا: أن القرآن الكريم الذي بين أيدي المسلمين (أهل السنة) هو الكتاب الوحيد الذي ينزه الله تعالى عن كل ما قد افترته عليه اليهودية والنصرانية وغيرهما، وينزهه سبحانه وتعالى عن كل عَيْب ونقص، وذمٍ وسوء، وذلك لأن الله تعالى قد تعهّد بحفظه (القرآن الكريم) بعدما حُرِّفت وضُيِّعت التوراة والإنجيل وغيرهما من الكتب السابقة، عندما وُكِّلت البشرية بحفظها.

لذلك: فإننا نجد أن القرآن الكريم قد حُفظ أشد ما يكون الحفظ، حيث قد حُفِظ كتابيًا وأيضًا شفاهيةً، حيث كان صحابة رسول الله r بجانب كتابتهم للقرآن الكريم، كانوا يحفظونه في صدورهم ويُحفِّظونه لمن بعدهم، ويُعلِّمونه لهم.

ثالثًا: ومما يوضح مصداقية القرآن الكريم، أننا نجد:

أن القرآن الكريم قد تحدّى الجميع، العرب وغيرهم، في كل مكان وزمان، في أن يأتوا ولو بسورة واحدة من مثل سوره، من حيث البلاغة وروعة المعاني ودقة الألفاظ وسموها وائتلافها...، ولكن الجميع قد خابوا وفشلوا أمام هذا التحدي، ولقد شهد بُلغاء العرب بذلك.

ولا يزال هذا التحدي قائمًا إلى الآن، وإلى قيام الساعة، برهانًا على مصداقية القرآن الكريم وأنه كلام ربّ العالمين.

ولا عذر لمن يرفض هذا التحدِّي بزعم أنه لا يُحسن العَربية، لأن هناك الآلاف بل الملايين من النصارى واليهود وغيرهما، الذين يجيدون اللغة العربية لا سيما المستشرقين الذين درسوا اللغة العربية وتعلمّوها من أجل مُحاولة الطعن في القرآن الكريم.

ومع ذلك فإننا نجد عَجْزهم التام أمام هذا التحدّي، وفشلهم البيّن في التصدي له([17]).

وإضافة إلى ما ذكرنا، فإن القرآن الكريم يحتوي على جانب الإعجاز العلمي في شتى المجالات (طب ، فلك ، جيولوجيا ، ...) كشاهد على مصداقيته، وبرهان على أنه وحيٌ مُنزلٌ على النبي محمد r من الله تعالى.

حيث إن الكثير من آيات القرآن الكريم تشير إلى حقائق علمية مبهرة منذ أكثر من ألف وربعمائة عام، والتي لم يتوصل إليها العلم الحديث إلا في هذا الزمان، بعدما يزيد على 14 قرن من نزول القرآن الكريم على النبي محمد r، والتي لم يكن لأحد أدنى معرفة بهذه الحقائق العلمية المبهرة وقت نزول آيات القرآن الكريم، فتكون هذه الآيات الكريمات من القرآن الكريم بجانب تضمنها للإعجاز اللغوي والبياني، ومضات مُبهرات، شاهدات على مصداقية القرآن الكريم، وصدق خاتم المرسلين محمد r، الذي جاء به (القرآن الكريم) هدى ورحمة للعالمين.

ولمن أراد التعرف على مزيد من هذا الجانب من الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، يمكنه الرجوع إلى المصادر المتخصصة في ذلك، مثل:

مجموعة كتب: من آيات الإعجاز العلمي (السماء، الأرض ، الحيوانات، النباتات)، في القرآن الكريم – للدكتور زغلول النجار.

ومثل، مجموعة كتب: الإعجاز العلمي في السنة النبوية، للدكتور/ زغلول النجار.

ومثل، كتاب: إعجاز القرآن في ما تخفيه الأرحام، أ/ كريم نجيب الأغر.

ومثل، هيئة الإعجاز العلمي بمكة المكرمة.

إلى غير ذلك من المصادر المتخصصة في هذا الجانب من الإعجاز العلمي في القرآن الكريم.

رابعًا: ومما يُدلّل على مصداقية القرآن الكريم:

أننا نجد أن القرآن الكريم ينزه الله سبحانه وتعالى عن كل نقص وسوء مما قد افترته النصرانية واليهودية وغيرهما عليه سبحانه وتعالى.

ونجد أيضًا: أن القرآن الكريم يُعظّم الله تعالى أشدّ ما يكون التعظيم، ويرفعه فوق تخيّل كل إنسان، وهذا هو اللائق به سبحانه وتعالى، فهو الإله الخالق العظيم.

ونجد أيضًا: أن القرآن الكريم يُكرم أنبياء الله تعالى ورسله، ويحفظ لهم منزلتهم الرفيعة، مما قد نُسب إليهم من النصرانية واليهودية إثر التحريف الكبير الذي قد نال من كتبهما.

ونجد أيضًا أن القرآن الكريم قد برّءَ المسيح من تهمة ادّعاءه للألوهية، ومن المنزلة التي قد رفعها إليه النصارى بغير وجه حق، ويبرءه أيضًا مما قد نسبته إليه اليهودية من الولادة بغية، بطريقة غير شرعية.

وفي الوقت ذاته: نجد أن القرآن الكريم هو الذي يُبجّل المسيح عليه السلام ويُكرمه كأحد أولي العزم من الرسل، أجرى الله تعالى على يديه الكثير من المعجزات كغيره من الأنبياء، تأييدًا لدعوته ورسالته.

ونجد أيضًا أن القرآن الكريم يكرم السيدة مريم، والدة المسيح، ويبرءها مما قد نسبتها إليه اليهود من الفحش والبغاء.

فالله سبحانه وتعالى يقول في كتابه المُحكم (القرآن الكريم):

﴿ إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ * وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ ﴾

[سورة آل عمران: 45-46]

إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة، والتي يتبين منها أن القرآن الكريم يكرم المسيح عليه السلام كأحد أولي العزم من الرسل ويُبجّله، ويُكرم والدته (السيدة مريم)، مُبينًا أن ولادتها للمسيح عليه السلام إنما كانت بإرادةٍ من الله تعالى، وبشرى منه جلّ وعلا لها، ومن ثم تطهيرها مما قد نسبته اليهود إليها من الفحش والبغاء.

ونجد أيضًا: أن القرآن الكريم يبرئ المسيح عليه السلام مما قد نسبته إليه النصرانية، من سوء خلقه، وسوء معاملته لوالدته.

فبينما نجد في (إنجيل يوحنا إصحاح 2 عدد 4) أن المسيح قد أهان أمه وأساء المعاملة لها في وسط جمع من الناس، حيث إنه قال لوالدته «يا امرأة»، وفقا لما جاء بالكتاب المقدس للنصرانية، دون أدنى احترام وتبجيل أو عرفان للجميل، وكأنه أنكر حسن جميلها وصنيعها معه، نجد أن القرآن الكريم يصف المسيح عليه السلام ببره لوالدته، وحسن خلقه وجميل تعامله معها، حيث إن الله تعالى يقول مبينًا ما نطق به المسيح عند كلامه في المهد، وشاهدًا بصدقه:

﴿ وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا ﴾ [سورة مريم: 32].

خامسًا: ومما يُدلِّل على مصداقية القرآن الكريم:

أنه (القرآن الكريم) به حلٌ لجميع المشكلات، ليس هذا فحسب، بل عن فيه التوجيهات المثلى والإرشادات القويمة في شتى جوانب الحياة، ومثال ذلك:

المدة التي تنتظرها المرأة قبل أن تتزوج مرة أخرى، وذلك بعد طلاقها أو وفاة زوجها.

فإذا ما تمَّت مقارنة بين القرآن الكريم وبين أي مما في أيدي النصرانية (الكتاب المقدس لها) أو اليهودية (التوراة التي قد تم تحريفها) في تحديد المدة التي تنظرها المرأة قبل أن تتزوج مرة أخرى بعد وفاة زوجها.

نجد:

عدم وجود أدنى توجيه أو إرشاد لتلك المدة التي تنتظرها المرأة في المسألة المشار إليها، وذلك في أي من التوراة التي بين يدي اليهودية اليوم، أو الكتاب الذي تؤمن به النصرانية وتدَّعي قدسيته، ولكننا نجد التوجيه الأمثل والإرشاد الأقوم في القرآن الكريم، كما هو الدأب دائمًا في شتى جوانب الحياة، حيث قال الله تعالى في كتابه الحكيم، القرآن الكريم:

﴿ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ....﴾ [سورة البقرة: 228].

أي أن المرأة المطلقة إذا ما أرادت أن تتزوج مرة أخرى، فعليها أن تنتظر مدة ثلاثة قروء أي ثلاث حيضات لها، وذلك كما أشرنا فيما يتعلق بالمرأة المطلّقة.

أما بالنسبة للمرأة التي توفى عنها زوجها، وأرادت أن تتزوج مرة أخرى، فعليها أن تنتظر مدة أربعة أشهر وعشرة أيام، حيث يقول الله تعالى في كتابه المحكم (القرآن الكريم):

﴿ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ﴾

[سورة البقرة: 234].

وأما إذا كانت المرأة ذات حمل (أي تحمل في بطنها جنينًا)، وأرادت أن تتزوج مرة أخرى بعد طلاقها أو بعد وفاة زوجها، فعليها أن تنتظر مدة الحمل كاملة، إلى أن تضع حملها (جنينها)، وإذا كانت المدة المتبقية للحمل أقل من الأربعة أشهر والعشرة أيام في حالة المرأة التي قد توفّى عنها زوجها (مثلًا)، فعليها أن تنتظر المدة الأطول وهي أربعة أشهر وعشرة أيام.

وقبل أن نبين المغزى والحكمة من التحديد لهذه المدد والأزمنة في كل من تلك الحالات المتفرقة، نثير تساؤلًا: كم يبلغ القرآن في دقته وشموله، في توجيهاته وإرشاداته للمسألة الواحدة، آخذًا في الحسبان الحالات المتعددة والمتفرقة لها؟ وعلى أي شيء يدل ذلك؟

لا شك بأن القرآن الكريم قد بلغ الكمال المصداقية في كل شيء.

وإذا ما أردنا أن نتعرف على حكمة القرآن الكريم في تحديده لهذه المدد والأزمنة (المشار إليها سابقًا) في كل من تلك الحالات المتفرقة، وأيضًا دلالة ذلك علميًا، فعلينا أن نعلم:

أن من الحكم الجليلة في فرض العدة (المدة المنتظرة) على المرأة: التأكد من براءة الرحم، حيث إن الله تعالى يقول:

﴿ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ ﴾ [سورة البقرة: 228]

والذي يدل على براءة الرحم، هو: الحيض، لا الطهر.

فالمرأة إذا مَرّ عليها ثلاثة أطهار لم يدل ذلك على أنها حامل أم لا، لأن الطهر يأتي على المرأة الحامل وغير الحامل، أما إذا جاءت ثلاث حيضات فذلك يدل قطعًا على أنها غير حامل([18]).

ومما يُدعم ذلك القول، هو الآية الكريمة:

﴿ وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ ﴾ [سورة الطلاق: 4].

فهذه الآية الكريمة جعلت مناط الاعتداد بالأشهر: عدم الحيض، فدلّ ذلك مرة أخرى على أن الأصل هو الإعتداد بالحيض([19]).

ولكن اللافت للنظر هنا: هو تحديد عدد القروء (الحيضات) على أنها ثلاثة في حالة المرأة المطلقة، من أجل تبرءه الرحم.

والتساؤل: ما هو الإعجاز العلمي في هذا التشريع؟

حاصل الكلام: هو أنه من الممكن أن تحمل المرأة وأن تحيض مرة أولى، ثم تحيض ثانية، ولكن لا تستطيع أن تحيض مرة ثالثة، أي أنه بعدم وجود الحيض في المرة الثالثة يثبت الحمل بيقين.

وهكذا عندما يتيقن زوج هذه المرأة (التي قد طلقها) من حملها، فمن الممكن أن يراجع نفسه ويسترجعها من أجل عدم تدمير عائلة ناشئة، ولكي ينعم الطفل الآتي برعاية الأمومة والأبوة في آن واحد، وإلى ذلك تشير الآية القرآنية الكريمة. ﴿ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا ﴾ [سورة البقرة: 228].

وبعولتهن، تعني: أزواجهن.

أما الآية الثانية، والتي تتحدث عن المرأة التي قد توفى عنها زوجها، فإنها تحدد عدتها: بأربعة أشهر وعشرة أيام، وذلك للتأكد أيضًا من براءة الرحم.

ودلالة ذلك علميًا: هو أن الأم الحامل في نهاية الإسبوع التاسع عشر أي عند قرب نهاية الأربعة أشهر والعشرة أيام تحسّ بحركات الجنين اللاإرادية، وأما قبل ذلك فحركات الجنين لا تشعر بها الأم، ولا تحسّ بأن الجنين حيّ.

وإذا مرّت الأربعة أشهر والعشرة أيام، ولم تشعر المرأة بحركة الجنين، فإنها تتيقن حينئذ بأن الجنين قد مات في أحشائها، فتباشر إزالته بالطرق الطبيّة.

وأمّا إذا شعرت الأم بالحركة للجنين فعدتها تنتهي بوضع حملها (أي ولادتها)، لقول الله تعالى: ﴿ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ..... ﴾ [سورة الطلاق: 4].

وكما أشرنا في السابق، فإن المرأة تعتد أربعة أشهر وعشرًا لتتيقن من أن الجنين حيّ([20]).

ولتمام الفائدة، نوضح:

أن الآية الكريمة: ﴿ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [سورة البقرة: 240].

منسوخ حكمها بالآية التي قبلها، والتي أشرنا إليها، وهي قول الله تعالى:

﴿ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ﴾

[سورة البقرة: 234].

ومن ثم يتجلى لنا أن من الحكمة في بقاء الآية السابقة، المشار إلى نسخها وبقاءها تلاوة، أن يُفهم: أن المرأة المتوفّى عنها زوجها لها أن تعتد في بيت زوجها حولًا كاملًا على سبيل الاختيار منها، (أي إن اختارات ذلك) وليس على سبيل الوجوب عليها.

وغير ما أشرنا إليه الكثير والكثير من التوجيهات المثلى والإرشادات القويمة في شتى جوانب الحياة، بآيات القرآن الكريم، والتي يثبت عظيم دلالتها والإعجاز العلمي بها، كلما تقدّمت التقنيات والوسائل التكنولوجية في شتى الميادين والعلوم.

لذلك: فإنه يتبيّن لنا من التوجيهات المثلى بالقرآن الكريم وتشريعاته القويمة في شتى جوانب الحياة، الدليل الدامغ والبرهان القاطع على عظيم مصداقيته وكمالها.

وإذا كان النصارى يسمون التوراة بالعهد القديم، ويسمون الإنجيل بالعهد الجديد، فإنهم لو صدقوا مع أنفسهم لقالوا بأن القرآن الكريم هو العهد الأخير مهيمنًا على جميع الكتب السابقة.

سادسًا، ومما يُدَلِّل على مصداقية القرآن الكريم:

أن القرآن الكريم ليس متضمنًا إلا على كلام الإله الربّ الخالق سبحانه وتعالى.

فإذا ما قارنَّا بين القرآن الكريم، وبين كتاب النصرانية (مثلًا) من هذا الجانب، فإننا نجد: أن الكتاب المقدس للنصرانية متضمن لثلاثة أنواع من الكلام، بل إن شئنا لقلنا أربعة أو خمسة أنواع، وهي:

أ- ما يصفونه بأنه كلام الإله الربّ.

ب- ما يصفونه بأنه كلام الإله الابن، الذي يزعمون أنه ابن الربّ.

جـ- ما نستطيع أن نقول عنه بأنه كلام المؤرخ الذي كان يكتب ما يسمع عنه، وهو ما يتكون منه معظم كتابها الذي تدّعي قدسيته.

د- الرسائل والقصص والأساطير الخيالية، وما يمكن أن يسمى بـ (ألف ليلة وليلة)([21]).

هـ- أنواعًا مختلفة من النثر، حيث تجمع بين النوع المُحرج والنوع الدنئ والنوع الفاحش.

وكل تلك الأنواع السابقة مجموعة بين جِلدتي كتاب واحد، تنسبه النصرانية إلى إلهها تحت مُسمى الكتاب المقدس لها.

وذلك ما لا يمكن لعقل سوي أن يتقبله (الكتاب المقدس للنصرانية) على أنه كلمة الله، فتعالى الله عز وجل عن كل ذلك العبث الذي تدَّعيه النصرانية علوًا كبيرًا.

أما بالنسبة للكتاب الذي بين أيدي المسلمين، وهو القرآن الكريم:

فإنه ليس متضمنًا إلا على كلام الله سبحانه وتعالى.

وأما بالنسبة لكلام النبي محمد r، الذي قد ختم الله تعالى به الأنبياء والرسل، فإنه مُسجّل محفوظ في كتب مُخصصة لذلك، وهي كتب الأحاديث النبوية الشريفة.

وأما بالنسبة لسيرته r (النبي محمد) من حيث ولادته، ومكان ولادته، وأزواجه وأولاده، ودعوته وهجرته، وجهاده، وأخلاقه، وعشرته، .... إلى وفاته وحسن خاتمته r، فإنها مسجلة محفوظة في كتب مخصصة لذلك، وهي كتب السيرة النبوية المطهرة.

وأما بالنسبة لكلام علماء المسلمين وأئمتهم (أهل السنة) فإنها مُسجلة محفوظة في كتب أخرى مخصصة لذلك.

والمسلم لا يساوي بين كل هذه الكتب، فكل منها لها مكانتها ومنزلتها([22]).

لذلك: فإنه لا يمكن مقارنة أي مما بأيدي اليهودية أو النصرانية اليوم بعد التحريف والضياع، بكتاب الله تعالى (القرآن الكريم)، الذي جعله مهيمنًا على جميع الكتب السابقة.

وإذا ما أخذنا الكتاب الذي بين يدي النصرانية باعتباره مشتملًا على كتاب اليهودية تحت مُسمّى العهد القديم، لتوضيح انتفاء المشابهة بينه وبين القرآن الكريم من جانب آخر، وعلى نطاق أوسع، فإننا نبرهن على ذلك باختيار ثلاثة أسباب نقوم بتبيانها، وهي:

أ- لقد كان القرآن الكريم دائمًا ولا يزال بأيدي الناس، حيث قد كتبه الصحابة الكرام في زمن النبي محمد r وحفظوه في صدورهم، ومن ثم لم يختلف أحد على محتوى ومضمون القرآن الكريم.

وبعد وفاة النبي محمد r اجتمع صحابته الكرام، وقاموا بجمع القرآن كله في كتاب واحد، متفقين عليه، ولم يُنازع أ ويحتجّ أحد ويقول إنهم تركوا شيئًا من القرآن أو أضافوا للقرآن شيئًا ليس منه، فلم يحدث مثل ذلك أبدًا، وذلك منذ البداية.

أما بالنسبة لكتاب النصرانية التي تزعم قدسيته، فلم يكن له مثل ما حظي به القرآن الكريم من هذا التاريخ المجيد الذي قد أشرنا إليه، أو ما يدانيه.

فلقد كان الكتاب المقدس للنصرانية ملكًا للكنيسة، وليس ملكًا للناس، أي أنه كان في حوزة الكنيسة ورجالها، ولم يكن بإمكان العامة الإطلاع عليه أو قراءته أو معرفة ما يناله من تحريفات وتغييرات، وإضافات وتبديلات، وفقًا للأهواء والشهوات، عبر المؤتمرات، والتاريخ شاهد على ذلك.

وأيضًا، فإن الكتاب المقدس للنصرانية إنما يرجع إلى أكثر من 300 سنة بعد المسيح، حيث لم يتم كتابة أي شئ منه في زمن المسيح([23]).

ب- أننا نجد أن الكتاب المقدس للنصرانية عندما كُتب كان ذلك بلغات ميّتة أو بائدة، وإذا ما أرادت النصرانية الرجوع إلى أقدم نسخة لكتابها، فإنها ترجع إلى تلك النسخ التي قد دُوِنت بتلك اللغات الميتة البائدة.

حيث إن الكتاب المقدس للنصرانية مكتوب باللغة اليونانية القديمة، والآرامية القديمة، والعبرية القديمة، وهي لغات لا يتحدث بها أحد اليوم، وقلة من العلماء تعرفها([24]).

لذلك فإنه من اليسير عند ترجمتها، أن ينالها التغيير والتبديل والتحريفات وفقًا للأهواء والشهوات واختلاف العقول.

وما نراه من اختلاف النسخ بالنسبة للكتاب المقدس للنصرانية، والتي كان من المفترض ألا تكون متعددة (أي لا يكون هناك أكثر من نسخة واحدة، حيث إن النسخ بخلاف الترجمات)، وكثرة المراجعات والتنقيحات إلى يومنا الراهن والتي ستظل كذلك إلى ما شاء الله، برهان على صدق ما نقوله.

وأما بالنسبة للقرآن الكريم:

فإنه مكتوب بلغة حيّة، وهي اللغة العربية، حيث يتحدث بها الملايين والملايين من المسلمين اليوم، في مختلف البلدان سواءً كانت العربية أو غيرها من البلدان الأوروبية والآسيوية والإفريقية وغيرها في مختلف قارات العالم.

ولذلك: فإننا نجد اجتماع الأمة الإسلامية قاطبة على القرآن الكريم، دون أدنى خلاف أو إشكال حوله.

ج- أننا نجد أن الكتاب المقدس للنصرانية قد وصل عبر مخطوطات كثيرة جدًا، مختلفة، حيث لا تطابق بينها.

لذلك: فإننا نجد أن الكتاب المقدس للنصرانية مليء بالحواشي، حيث إنه عند قراءة فقرة منه (على سبيل التوضيح)، فإننا نجد في الحاشية ترجمةً بديلةً لتلك الفقرة، أو ما شابه ذلك.

بينما، نجد أن القرآن الكريم، لم يختلف فيه أحد، ولم يتنازع حوله، ولو في حرف واحد من حروفه.

حيث لم يذهب أحد إلى القول بأن هذا الحرف خطأ في طبعة .... أو .......، إلا إذا كان خطأً في الطباعة، وذلك يُعالج، بل إن ذلك مُنعدمًا اليوم بعد التقدم في التقنيات والوسائل التكنولوجية في الطباعة.

فلا نجد أحد يُنازع ويقول إنه كان يجب أن تكون (الكلمة أو الحرف) هكذا، أو لا يجب أن تكون كذلك.

لذلك: فإنه لا يوجد أدنى جدل حول القرآن الكريم، مما يُدلِّل على مصداقيته، وأن الله تبارك وتعالى قد حفظه حفظًا تامًا، من أدنى تحريف أو ضياع.

وفي هذا إشارة إلى عالمية الرسالة المحمدية، وإلى أنها الرسالة الخاتمة لجميع الرسالات السابقة، وذلك لأن الله تعالى قد حفظها([25]).

وقبل أن نختم هذه النقطة، نقوم بإلقاء المزيد من الضوء حول الترجمات، والتفرقة بينها وبين النسخ.

فالنسخ المختلفة، تعني: الاختلاف في النصوص نفسها.

ويمكن توضيح ذلك بجلاء، في أننا على سبيل المثال، نجد: أن طائفة البروتوستانت وهي إحدى طوائف النصرانية، تقول بأن النسخة المعتمدة لديها من الكتاب المقدس للنصرانية هي نسخة الملك جيمس، وهي لا تتضمن 7 كتب قد تضمنتها النسخة المعتمدة من الكتاب المقدس للنصرانية، لطائفة الكاثوليك، وهي أيضًا إحدى طوائف النصرانية.

وفي الوقت ذاته، نجد أن النسخة المعتمدة من الكتاب المقدس للنصرانية لطائفة الأرثوذوكس، التي هي أيضًا إحدى الطوائف النصرانية، قد تضمنت كتبًا أكثر من تلك النسختين التي بأيدي طائفة البروتوستانت أو حتى طائفة الكاثوليك.

إضافة إلى كثرة النسخ وتعددها للطائفة الواحدة من أي من طوائف النصرانية، نظرًا للتغييرات والاختلافات في النصوص ذاتها لنفس تلك النسخة من عام لآخر، ومن بلد لآخر، عبر ما يسمونه بالمراجعات والتنقيحات إلى حد التشتت والتشرذم.

وأما بالنسبة للترجمات المختلفة، فإنها تعني: اختلافا في اختيار وانتقاء الكلمات التي يمكن التعبير بها عن معنى النص الأصلي، والذي يظلّ ثابتًا متفقًا عليه، دون أدنى تغيير، وهذا ما نجده في ترجمات معاني القرآن الكريم.

حيث إن الترجمة لا تُسمّى قرآنًا، ولا تسمى ترجمة للقرآن، وإنما تسمى ترجمة معاني القرآن الكريم أو ترجمة تفسير القرآن الكريم.

فالترجمات لمعاني أو تفسير القرآن الكريم ليست قرآنًا، لذلك فإن هذه الترجمات ليست معجزة، حيث يمكن أن يؤتى بترجمة أحسن وأفضل مما هي عليه الآن.

ولكن المعجز هو القرآن الكريم نفسه، حيث إنه معجز باللفظ العربي، وبالمعنى الدقيق البليغ،... إلى غير ذلك، ولا يمكن تشبيهه (القرآن الكريم) بأي كلام آخر.

فالقرآن الكريم هو الوحي الإلهي، وهو باللفظ العربي الذي قد نزل به، كل حرف، وكل كلمة، وكل آية، وكل سورة، وكل بسملة في أولها، بل إن ترتيب السور في القرآن الكريم هو ترتيب توقيفي دقيق محفوظ، لم يُبدّل ولم يُغيّر، فهو ترتيب مُعجز؛ لا يمكن أن يؤتى بمثله في العربية، أوفى غيرها من اللغات([26]).

وشاهد ذلك بلغاء العرب وحكمائهم الذين شهدوا بذلك، حيث إنهم أهل اللغة، وأهل البلاغة والفصاحة والبيان.

ومن موجز ما أشرنا، فإن ما نستنتجه بيقين، هو: المصداقية التامة للقرآن الكريم الذي جاء به النبي محمد r، خاتمًا به الله تعالى الأنبياء والمرسلين.

([1]) محمد صلى الله عليه وسلم الخليفة الطبيعي لعيسى عليه السلام، بتصرف، للشيخ/ أحمد ديدات.

([2]) الاختيار بين الإسلام والنصرانية، للشيخ/ أحمد ديدات.

([3]) نفس المصدر السابق.

([4]) نفس المصدر السابق.

([5]) الاختيار بين الإسلام والنصرانية، بتصرف، للشيخ/ أحمد ديدات.

([6]) الاختيار بين الإسلام والنصرانية، بتصرف، للشيخ/ أحمد ديدات.

([7]) محمد صلى الله عليه وسلم الخليفة الطبيعي لعيسى عليه السلام، بتصرف، للشيخ/ أحمد ديدات.

([8]) نفس المصدر السابق بتصرف.

([9]) نفس المصدر السابق بتصرف.

([10]) محمد صلى الله عليه وسلم الخليفة الطبيعي لعيسى عليه السلام، بتصرف، للشيخ/ أحمد ديدات.

([11]) نفس المصدر السابق بتصرف.

([12]) تيسير الكريم الرحمن، للشيخ/ عبد الرحمن السعدي.

([13]) من كتاب التذكرة في أمور الموتى وأحوال الآخرة، للإمام القرطبي.

([14]) نفس المصدر.

([15]) نفس المصدر.

([16]) الخلاف الحقيقي بين المسلمين والمسيحيين، بتصرف للشيخ/ أحمد ديدات.

([17]) الاختيار بين الإسلام والنصرانية، بتصرف للشيخ/ أحمد ديدات.

([18]) إعجاز القرآن في ما تحفيه الأرحام، أ/ كريم نجيب الأغر.

([19]) إعجاز القرآن في ما تحفيه الأرحام، أ/ كريم نجيب الأغر.

([20]) إعجاز القرآن في ما تحفيه الأرحام، أ/ كريم نجيب الأغر.

([21]) هل الكتاب المقدس كلمة الله، للشيخ / أحمد ديدات.

([22]) هل الكتاب المقدس كلمة الله، بتصرف للشيخ/ أحمد ديدات

([23]) من كتاب، الخلاف الحقيقي بين المسلمين والمسيحيين، للشيخ/ أحمد ديدات.

([24]) نفس المصدر السابق بتصرف.

([25]) الخلاف الحقيقي بين المسلمين والمسيحيين، للشيخ/ أحمد ديدات.

([26]) المسيح في الإسلام، بتصرف، للشيخ/ أحمد ديدات.