الولاء والبراء في الإسلام 5

· المبحث الثاني التعامل مع الكفار:

1- البيع والشراء:

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: الأصل أنه لا يحرم على الناس من المعاملات التي يحتاجون إليها إلا ما دل الكتاب والسنة على تحريمه، كما لا يشرع لهم من العبادات التي يتقربون بها إلى الله إلا مما دل الكتاب والسنة على شرعه. إذ الدين ما شرعه الله، والحرام ما حرمه الله، بخلاف الذين ذمهم الله حيث حرموا من دون الله ما لم يحرمه الله وأشركوا به ما لم ينزل به سلطاناً، وشرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله (200).

وانطلاقاً من هذه القاعدة وبناء على النصوص الشرعية وسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الراشدين وأئمة المسلمين نقول: إن التعامل مع الكفار في البيع والشراء والهدية وخلاف ذلك لا يدخل في مسمى الموالاة، بل يباح للمسلم البيع والشراء مع الكفار فهذا شيخ الإسلام ابن تيمية يسأل عن معاملة التتار فيقول:

" يجوز فيها ما يجوز في معاملة أمثالهم، ويحرم فيها ما يحرم في معاملة أمثالهم، فيجوز أن يبتاع الرجل من مواشيهم وخيلهم ونحو ذلك كما يبتاع من مواشي الأعراب والتركمان والأكراد ويجوز أن يبيعهم من الطعام والثياب ونحو ذلك ما يبيعه لأمثالهم.

ص357

" فأما إن باعهم أو باع غيرهم ما يعينهم به على المحرمات، كبيع الخيل والسلاح لمن يقاتل به قتالاً محرماً فهذا لا يجوز قال تعالى:

{وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ { [سورة المائدة: 2].

وإذا كان الذي معهم أو مع غيرهم، أموال يعرف أنهم غصبوها من معصوم فذلك لا يجوز اشتراؤها لمن يمتلكها لكن إذا اشتريت على طريق الاستنقاذ لتصرف في مصارفه الشرعية فتعاد إلى أصحابها – إن أمكن – وإلا صرفت في مصالح المسلمين: جاز هذا. وإذا علم أن في أموالهم شيئاً محرماً لا تعرف عينه، فهذا لا تحرم معاملتهم فيه كما إذا علم أن في الأسواق ما هو مغصوب ومسروق ولم يعلم عينه " (201).

وقد روى البخاري في كتاب البيوع باب الشراء والبيع مع المشركين وأهل الحرب عن عبدالرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم جاء، رجل مشرك مشعان (202) طويل بغنم يسوقها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " بيعاً أم عطية " أو قال: أم هبة؟ فقال: لا. بيع فاشترى منه شاة (203).

قال ابن بطال: معاملة الكفار جائزة إلا بيع ما يستعين به أهل الحرب على المسلمين (204).

وثبت أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخذ من يهودي ثلاثين وسقاً من شعير ورهنه درعه (205) قال شيخ الإسلام ابن تيمية: -

"وإذا سافر الرجل إلى دار الحرب ليشتري منها جاز عندنا، كما دل عليه

ص358

حديث تجارة أبي بكر رضي الله عنه في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أرض الشام وهي حينذاك دار حرب وغير ذلك من الأحاديث.

"فأما بيع المسلم لهم في أعيادهم ما يستعينون به على عيدهم من الطعام واللباس والريحان ونحو ذلك، أو إهداء ذلك لهم: فهذا فيه نوع إعانة على إقامة عيدهم المحرم، وهو مبني على أصل وهو: أنه لا يجوز أن يبيع الكفار عنباً أو عصيراً يتخذونه حمراً.

وكذلك لا يجوز بيعهم سلاحاً يقاتلون به مسلماً (206).

(2) الوقف عليهم أو وقفهم على المسلمين:

قال ابن القيم: أما ما وقفوه. فينظر فيه، فإن وقفوه على معين أو جهة يجوز للمسلم الوقف عليها كالصدقة على المساكين والفقراء وإصلاح الطرق والمصالح العامة، أو على أولادهم وأنسالهم وأعقابهم: فهذا الوقف صحيح. حكمه حكم وقف المسلمين على هذه الجهات لكن إذا شرط في استحقاق الأولاد والأقارب بقاءهم على الكفر " فإن أسلموا لم يستحقوا شيئاً ": لم يصح هذا الشرط، ولم يجز للحاكم أن يحكم بموجبه باتفاق الأمة لأنه مناقض لدين الإسلام، مضاد لما بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم.

أما وقف المسلم عليه: فإنه يصح منه ما وافق حكم الله ورسوله، فيجوز أن يقف على معين منهم، أو على أقاربه، وبني فلان ونحوه.

ولا يكون الكفر موجباً ولا شرطاً في الاستحقاق ولا مانعاً منه – فلو وقف على ولده أو أبيه أو قرابته استحقوا ذلك وإن بقوا على كفرهم، فإن أسلموا فأولى بالاستحقاق.

وأما الوقف على كنائسهم وبيعهم ومواضع كفرهم التي يقيمون فيها شعار

ص359

الكفر: فلا يصح من كافر ولا مسلم. فإن في ذلك أعظم الإعانة له على الكفر والمساعدة والتقوية عليه، وذلك مناف لدين الله (207).

(3) عيادتهم وتهنئتهم:

روى البخاري في كتاب الجنائز عن أنس رضي الله عنه قال: كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمرض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده، فقعد عند رأسه فقال له: أسلم. فنظر إلى أبيه وهو عنده فقال له: أطع أبا القاسم صلى الله عليه وسلم فأسلم، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: " الحمد لله الذي أنقذه من النار" (208).

وروى أيضاً: قصة أبي طالب حين حضرته الوفاة فزاره النبي صلى الله عليه وسلم وعرض عليه الإسلام (209).

قال ابن بطال: إنما تشرع عيادته إذا رجي أن يجيب إلى الدخول في الإسلام، فأما إذا لم يطمع في ذلك فلا (210).

قال ابن حجر: والذي يظهر: أن ذلك يختلف باختلاف المقاصد، فقد يقع بعيادته مصلحة أخرى (211).

" أما تهنئتهم بشعائر الكفر المختصة بهم فحرام بالاتفاق، وذلك مثل أن يهنأهم بأعيادهم فيقول: عيدك مبارك، أو تهنأ بهذا العيد، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات، وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب، بل ذلك أعظم إثماً عند الله، وأشد مقتاً من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس وارتكاب الفرج الحرام ونحوه.

ص260

وكثير مما لا قدر للدين عنده يقع في ذلك، ولا يدري قبح ما فعل. فمن هنأ عبداً بمعصية، أو بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه، وقد كان أهل الورع من أهل العلم يتجنبون تهنئة الظلمة بالولايات، وتهنئة الجهال بمنصب القضاء والتدريس والافتاء تجنباً لمقت الله وسقوطهم من عينه " وإن بلي الرجل فتعاطاه دفعاً لشر يتوقعه منهم فمشى إليهم ولم يقل إلا خيراً ودعا لهم بالتوفيق والتسديد فلا بأس بذلك " (212).

ويدخل في هذا أيضاً: تعظيمهم ومخاطبتهم بالسيد والمولى وذلك حرام قطعاً، ففي الحديث المرفوع "لا تقولوا للمنافق سيد فإنه إن يك سيداً فقد اسخطتم ربكم عز وجل " (213).

ولا يجوز أيضاً تلقيبهم – كما يقول ابن القيم – بمعز الدولة أو فلان السديد، أو الرشيد أو الصالح ونحو ذلك. ومن تسمى بشيء من هذه الأسماء لم يجز للمسلم أن يدعوه به، بل إن كان نصرانياً قال: يا نصراني، يا صليبي، ويقال لليهودي، يا يهودي.

ثم قال ابن القيم بالنص (.. وأما اليوم فقد وقفنا إلى زمان يصدرون في المجالس، ويقام لهم وتقبل أيديهم ويتحكمون في أرزاق الجند، والأموال السلطانية، ويكنون بأبي العلاء وأبي الفضل، وأبي الطيب، ويسمون حسناً وحسيناً وعثمان وعلياً! وقد كانت أسماؤهم من قبل: يوحنا ومتى وجرجس وبطرس وعزراً وأشعياً، وحزقيل وحيي، ولك زمان دولة ورجال) (214).هـ.

وإذا كان هذا كلام العلامة ابن القيم وهو المتوفى سنة 751 هـ رحمه الله. فلينظر المسلم اليوم إلى هذا الغثاء الذي هو كغثاء السيل، ينتسبون للإسلام وهم

ص361

يتبعون أعداء الله في كل صغيرة وكبيرة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلوه، وليست تبعية لهم فحسب بل إنها تبعية بإعجاب وانبهار! فما تمر بأعدائنا مناسبة إلا وتنهال التهاني عليهم من كل حدب وصوب بالتهنئة والتبريك ومعسول الأماني!!

(4) حكم السلام عليهم

اختلف العلماء في معني قوله تعالى عن إبراهيم عليه السلام حين دعا أباه فأبى قال إبراهيم "سلم عليك" [سورة مريم: 47].

فأما الجمهور فقالوا: المراد بسلامه المسالمة التي هي المشاركة لا التحية. وقال الطبري: معناه: أمنة مني لك. وعلى هذا لا يبدأ الكافر بالسلام (215). وقال بعضهم في معنى تسليمه: هو تحية مفارق. وجوز تحية الكافر وأن يبدأ بها قيل لابن عيينة: هل يجوز السلام على الكافر؟ قال نعم: قال الله تعالى: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ{ [سورة الممتحنة: 8].

وقال: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ { [سورة الممتحنة: 4].

وقال إبراهيم لأبيه "سلام عليك"

قال القرطبي: قلت: والأظهر من الآية ما قاله سفيان بن عيينة (216)

ص362

وفي الشأن حديثان: فقد روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "" لا تبدؤا اليهود ولا النصارى بالسلام، فإذا لقيتم أحدهم في الطريق فاضطروه إلى أضيقه " (217).

وفي الصحيحين عن أسامة بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم ركب حماراً عليه إكاف تحته قطيفة فدكية، وأردف وراءه أسامة بن زيد، وهو يعود سعد بن عبادة في بني الحرث بن الخزرج وذلك قبل وقعة بدر، حتى مر في مجلس فيه اختلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان، واليهود، وفيهم عبدالله بن أبي بن سلول، وفي المجلس عبدالله بن رواحة، فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة خمر عبدالله بن أبي أنفه برادئه ثم قال: لا تغبروا علينا، فسلم عليهم النبي صلى الله عليه وسلم (218)الحديث.

قال القرطبي: " فالأول يفيد ترك السلام عليهم ابتداء، لأن ذلك إكرام والكافر ليس أهله والثاني: يجوز ذلك. قال الطبري: ولا يعارض ما رواه أسامة بحديث أبي هريرة، فإنه ليس أحدهما خلاف للآخر، وذلك أن حديث أبي هريرة مخرجه العموم، وخبر أسامة يبين أن معناه الخصوص: قال النخعي إذا كانت لك حاجة عند يهودي أو نصراني فابدأ بالسلام.

فبان بهذا أن حديث أبي هريرة " لا تبدؤهم بالسلام " إذا كان لغير سبب يدعوكم إلى أن تبدؤهم بالسلام من قضاء ذمام أو حاجة تعرض لكم قبلهم، أو حق صحبة أو جوار أو سفر.

قال الطبري: قد روي عن السلف أنهم كانوا يسلمون على أهل الكتاب وفعله ابن مسعود بدهقان صحبه في طريقه قال له علقمة: يا أبا عبدالرحمن أليس يكره أنه يبدؤا بالسلام؟ قال: نعم. ولكن حق الصحبة.

وقال الأوزاعي: إن سلمت فقد سلم الصالحون قبلك وإن تركت فقد ترك الصالحون قبلك وروي عن الحسن البصري أنه قال إذا مررت بمجلس فيه مسلمون وكفار فسلم عليهم) (219).

ص363

قال ابن القيم: إن صاحب هذا الوجه – أي من أجاز ابتداءهم بالسلام – قال يقال له – السلام عليك. فقط بدون ذكر الرحمة، وبلفظ الإفراد (220).

(أما رد السلام عليهم فاختلف في وجوبه: فالجمهور على وجوبه وهو الصواب. وقالت طائفة: لا يجب الرد عليهم كما لا يجب على أهل البدع وأولى والصواب الأولى: والفرق: أنا مأمورون بهجر أهل البدع تعزيراً لهم وتحذيراً منهم بخلاف أهل الذمة " (221).

قلت: ومما يرجح رأي الجمهور في وجوب الرد على أهل الكتاب قوله صلى الله عليه وسلم " إذا سلم عليكم اليهود فإنما يقول أحدهم: السام عليكم. فقل وعليك (222). وقوله صلى الله عليه وسلم " إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا: وعليكم " (232)

ص364

· المبحث الثالث: الانتفاع بالكفار وبما عندهم:

إن الإسلام يتسامح في أن يتلقى المسلم من غير المسلم ما ينفعه في علم الكيمياء والفيزياء والفلك والطب والصناعة والزراعة والأعمال الإدارية وأمثال ذلك. وهذا حين تنعدم الاستفادة من هذه العلوم من مسلم تقي (224).

كذلك يجوز الانتفاع بهم في دلالة الطريق وما عندهم من سلاح وملابس وغير ذلك من الحاجات التي يحتاجها الناس، وجرت العادة فيها أن المسلم والكافر يستويان في الانتفاع بها.

ولكن الإسلام لا يبيح بل يرفض أن يتلقى المسلم أي شيء يتعلق بعقيدته أو مقومات تصوره، أو تفسير قرآنه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم أو منهج تاريخه أو نظام حكمه ومنهج سياسته أو موجبات أدبه وتعبيره ممن لا يؤمن بهذا الإسلام (225).

وقد سبق في أول هذا البحث أن قلنا: إن المسلمين وقعوا في غلطة كبرى حين استوردوا فلسفة اليونان وتصوف الهنود والفرس لأنها غثاء إذا مزج بالتصور الإسلامي التقي نتج من ذلك خليط من غبش العقيدة وانحراف التصورات.

وأحسنوا حين ترجموا كتب الطب والكيمياء ودفعهم ذلك إلى اكتشاف علوم جديدة منها علم الجبر , فقد كانت العقلية الإسلامية المتنورة بنور الله قادرة على الابتكار والإبداع في المجال العلمي بكل ميادينه وفي المجال الأدبي والثقافي.

ص365

ذلك أن لديهم من مقومات هذه العقيدة ومقتضياتها ما يدفعهم للعمل بجد وصبر. وهم يعلمون أن ذلك جزء من عبادة الله. لأن نفع ما توصلوا إليه لم ينفعهم هم فحسب بل تعدى ذلك إلى كافة الناس حتى أن أوروبا ظلت قرونا طوالاً تعتمد على النظريات الإسلامية والأبحاث التي ابتكرها المسلمون. وانعكس هذا على التقدم العلمي الذي توصل إليه الغرب في القرون الأخيرة، بعد أن نام المسلمون وتركوا مركز القيادة والريادة في كل شيء حتى جاءت الأجيال التي نشهدها اليوم فإذا بها عالة على تلاميذ أجدادها بالأمس!

من أجل ذلك نقول: ونحن نستبشر بالخير حيث بدأ الزحف الإسلامي اليوم في كل أرض – إنه ينبغي للمسلمين أن يعرفوا ماذا يأخذون من غيرهم فيستفيدون به، وماذا يتركونه لئلاً يقعوا فيما وقع فيه من قبلهم.

إن عليهم أن يجعلوا هذه العقيدة الإسلامية هي القاعدة التي يقوم عليها البناء الإسلامي من جديد ثم يستوردون من غير المسلمين ما ينقصهم في المجال (العلمي البحت) ويكون هذا الاستيراد بحذر وذكاء، حيث تصاغ هذه العلوم بصياغة علمية مؤمنة سليمة من صياغة الملاحدة ودعاة "اللادين".

وقد يقول قائل: وما دخل الأسلوب العلمي البحت في الأسلوب الديني؟

والجواب: أنه لا فصل بين دين وعلم، بل الدين الإسلامي هو دين العلم. وصياغة الأسلوب العلمي من منطلق إسلامي صحيح يغرس في النفوس إيماناً عميقاً بقدرة الخالق سبحانه وتعالى وعظيم صنعه وإبداعه في هذا الكون بكل ما فيه.

ثم إن هذا الاعتراض فيه مغالطة ظاهرة: فإنه مهما ادعى المتجردون للأسلوب العلمي أنهم "حياديون " فإنه يستحيل أن تكون صياغة من تلقى نظرية ماركس أو فرويد أو دور كايم لنظرية علمية ما، مثل صياغة من كان بنفس الكفاءة العلمية ولكنه تلقى عقيدة " لا إله إلا الله " من مشكاة محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم.

وهذا أمر ظاهر لا يستطيع أن ينكره إلا مكابر أو جاهل يجهل أنه يغالط نفسه.

ص366

وأدلة الانتفاع بالكفار نجدها في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد ورد في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري وغيره في كتاب الإجازة باب استئجار المشركين عند الضرورة أو إذا لم يوجد أهل الإسلام عن عائشة رضي الله عنها واستأجر النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رجلاً من بني الديل ثم من بني عبد بن عدي هادياً خريتاً – الخريت: الماهر بالهداية – قد غمس يمين حلف في آل العاصي بن وائل وهو على دين كفار قريش فأمناه، فدفعا إليه راحلتيهما، وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال، فأتاهما براحلتيهما صبيحة ليال ثلاث فارتحلا (226) الحديث. قال ابن القيم: اسمه عبد الله بن اريقط الدؤلي وفي استئجاره وهو كافر: دليل على جواز الرجوع إلى الكافر في الطب والأدوية والحساب والعيوب ونحوها، ما لم يكن ولاية تتضمن عدالة ولا يلزم من مجرد كونه كافراً أن لا يوثق به في شيء أصلاً، فإنه لا شيء أخطر من الدلالة في الطريق ولا سيما في مثل طريق الهجرة (227).

قال ابن بطال: عامة الفقهاء، يجيزون استئجارهم – أي المشركين – عند الضرورة وغيرها لما في ذلك من المذلة لهم، وإنما الممتنع أن يؤاجر المسلم نفسه من المشرك لما فيه من إذلال المسلم (228). ولكن ما هو الحكم لو آجر المسلم نفسه من كافر؟

والجواب على ذلك ما رواه البخاري أيضاً عن خباب رضي الله عنه قال: كنت رجلاً قيناً فعملت للعاص بن وائل فاجتمع لي عنده، فأتيته أتقاضاه فقال: لا والله لا أقضيك حتى تكفر بمحمد، فقلت: أما والله حتى تموت ثم تبعث فلا قال: وإني لميت ثم مبعوث؟

قلت: نعم. قال: فإنه سيكون لي ثم مال وولد، فأقضيك: فأنزل الله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَدًا {(229) [سورة مريم: 77].

ص367

قال المهلب: كره أهل العلم ذلك – أي مؤاجرة نفسه من مشرك في أرض الحرب – إلا لضرورة بشرطين أحدهما أن يكون عمله فيما يحل للمسلم فعله والآخر: أن لا يعينه على ما يعود ضرره على المسلمين (230).

أما استئجار المشرك في الغزو فقد ورد النهي بذلك: ففي الحديث الذي رواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بدر، فلما كان بحرة الوبرة (231) أدركه رجل، قد كان يذكر منه جرأة ونجدة، ففرح أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأوه. فلما أدركه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: جئت لأتبعك وأصيب معك قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم "تؤمن بالله ورسوله "؟ قال: لا. قال: " فارجع فلن أستعين بمشرك " قالت: ثم مضى حتى إذا كنا بالشجرة أدركه الرجل فقال له كما قال أول مرة: فقال له النبي صلى الله عليه وسلم كما قال أول مرة قال: " فارجع فلن أستعين بمشرك " قال: ثم رجع فأدركه بالبيداء فقال له كما قال أول مرة " تؤمن بالله ورسوله"؟ قال: نعم. قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم "فانطلق" (232).

ولكن الحازمي (233) قال: اختلف أهل العلم في هذا الباب:

فذهبت جماعة إلى منع الاستعانة بالمشركين مطلقاً، وتمسكوا بظاهر هذا. الحديث. وقالوا: هذا حديث ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم وما يعارضه لا يوازيه في الصحة والثبوت فتعذر ادعاء النسخ لهذا.

وذهبت طائفة: إلى أن للإمام أن يأذن للمشركين أن يغزوا معه ويستعين بهم ولكن بشرطين:

(1) أن يكون في المسلمين قلة وتدعو الحاجة إلى ذلك.

(2) أن يكونوا ممن يوثق بهم فلا تخش ثائرتهم.

ص368

فمتى فقد هذان الشرطان لم يجز للإمام أن يستعين بهم، قالوا: ومع وجود الشرطين يجوز الاستعانة بهم. وتمسكوا في ذلك بما رواه ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعان بيهود بني قينقاع، واستعان بصفوان بن أمية في قتال هوازن يوم حنين، قالوا: وتعين المصير إلى هذا لأن حديث عائشة رضي الله عنها كان يوم بدر وهو متقدم فيكون منسوخاً (234). ثم قال: " ولا بأس أن يستعان بالمشركين على قتال المشركين إذا خرجوا طوعاً ولا يسهم لهم [1].

ويدعم ابن القيم هذا الرأي وهو يتحدث عن فوائد صلح الحديبية فيقول: الاستعانة بالمشرك المأمون في الجهاد جائزة عند الحاجة لأن عينه صلى الله عليه وسلم الخزاعي كان كافراً إذ ذاك، وفيه من المصلحة أنه أقرب إلى اختلاطه بالعدو وأخذه أخبارهم (235).

وقال في فوائد غزوة حنين. للإمام أن يستعير سلاح المشركين وعدتهم لقتال عدوه. كما استعار رسول الله صلى الله عليه وسلم أدرع صفوان بن أمية وهو يؤمئذ مشرك (236).

وتبعه الإمام محمد بن عبدالوهاب فقـال: الانتفاع بالكفار في بعض أمور الديـن ليس مذموماً لقصة الخزاعي (237).

ونلخص إلى القول:

إن الانتفاع بالكفار وبما عندهم من العلوم التي هي من اجتهاد الإنسان أمر جائز في الإسلام وأدلته كثيرة سبق ذكر بعضها، ومنها أيضاً: مزارعة رسول الله صلى الله عليه وسلم لليهود في خيبر على أن يعملوها ويزرعوها ولهم شطر ما يخرج منها (238)

ص369

أما إجارة المسلم نفسه لهم فجائز إذا لم يكن في ذلك تعظيم لدينهم أو شعائرهم أو ما فيه ذلة ومهانة له. وأما الاستعانة بهم في الغزو فجائز ولكن ذلك منوط بإمام المسلمين إذا رأى أن المصلحة تقتضي استخدامهم وإلا فلا.

ومع هذا فإنه يجب الاحتراز ومنع استعمال الكفار في شيء من ولايات المسلمين التي يكون فيها سلطة لهم على المسلمين كالدواوين فإن في ذلك جناية على الإسلام والمسلمين، ففضلاً عن أن ذلك مخالفة صريحة لحكم الشرع الإسلامي وهيمنته على الأرض فإنه أيضاً إذلالاً صريح للمسلمين حتى الذين توهموا أن ذلك أمر جائز. وإليك بعضاً من النصوص والحوادث التاريخية الهامة التي يبدو فيها كيد أعداء الله للإسلام حين تولوا هذه المناصب الهامة.

روى الإمام أحمد بإسناد صحيح عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قلت لعمر رضي الله عنه إن لي كاتباً نصرانياً. قال: مالك؟ قاتلك الله؟ أما سمعت الله يقول:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ { [سورة المائدة: 51].

ألا اتخذت حنيفاً؟ قال: قلت: يا أمير المؤمنين لي كتابته، وله دينه، قال: لا أكرمهم إذا أهانهم الله ولا أعزهم إذا أذلهم الله، ولا أدنيهم إذا أقصاهم الله " (239).

وكتب عمر رضي الله عنه أيضاً إلى أبي هريرة كتاباً جاء فيه: ".. ولا تستعن في أمر من أمور المسلمين بمشرك. وساعد على مصالح المسلمين بنفسك فإنما أنت رجل منهم غير أن الله تعالى جعلك حاملاً لأثقالهم (240).

وكتب عمر بن عبدالعزيز رحمه الله إلى بعض عماله: (أما بعد: فإنه بلغني أن في عملك كاتباً نصرانياً يتصرف في مصالح الإسلام، والله تعالى يقول:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ{ [سورة المائدة: 57].

فإذا أتاك كتابي هذا فادع حسان بن زيد – يعني ذلك الكاتب – إلى الإسلام فإن أسلم فهو منا ونحن منه، وإن أبى فلا تستعن به ولا تتخذ أحداً على غير دين الإسلام في شيء من مصالح المسلمين فأسلم حسان وحسن إسلامه) (241).

ولما فشا استخدام أهل الكتاب في مصالح المسلمين أيام الخلافة العباسية نهض أحد العلماء بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في هذا الشأن وهو شبيب بن شيبة (242) فقد استأذن على أبي جعفر المنصور فإذن له فقال (… يا أمير المؤمنين اتق الله فإنها وصية الله، إليكم جاءت وعنكم قبلت، وإليكم تؤدى، وما دعاني إلى قولي إلا محض النصيحة لك والإشفاق عليك، وعلى نعم الله عندك. اخفض جناحك إذا علا كعبك وابسط معروفك إذا أغنى الله يديك. يا أمير المؤمنين إن دون بابك نيراناً تأجج من الظلم والجور لا يعمل فيها بكتاب الله ولا سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.

يا أمير المؤمنين سلطت الذمة على المسلمين، ظلموهم وعسفوهم، وأخذوا ضياعهم وغصبوهم أموالهم، وجاروا عليهم، واتخذوك سلماً لشهواتهم، وإنهم

ص371

لن يغنوا عنك من الله شيئاً يوم القيامة. فقال المنصور خذ خاتمي فابعث به إلى من تعرفه من المسلمين وقال: يا ربيع: اكتب إلى الأعمال واصرف من بها من الذمة. ومن أتاك به شبيب فأعلمنا بمكانه لنوقع باستخدامه، فقال شبيب: يا أمير المؤمنين: إن المسلمين لا يأتونك وهؤلاء الكفرة في خدمتك، إن أطاعوهم أغضبوا الله، وإن أغضبوهم أغروك بهم، ولكن تولي في اليوم الواحد عدة، فكلما وليت رجلاً عزلت آخر (243).

وخلاصة القول: إنه ينبغي التفريق بين استخدام الكافر كشخص بمفرده في أمر من الأمور وبين استخدامه كصاحب سلطة ونفوذ في أمر من أمور الدولة الإسلامية.

فالأول جائز وبه وردت أدلة سبق ذكرها كما علمت.

والثاني لا يجوز لمنافاته مضمون وروح الشريعة الإسلامية وهدفها الأساسي وهو أن تكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى.

والخير كل الخير في أن يعتمد المسلمون على أنفسهم من أجل أن تبقى الأمة الإسلامية أمة متميزة ذات طابع خاص، مصبوغة بصبغتها الربانية التي أرادها الله لها.

سائلين المولى سبحانه أن يأتي باليوم الذي يعود فيه المسلمون لدينهم الصحيح وقد استغنوا في كل أمورهم وشؤونهم عن الكفار وسائر الأعداء، وما ذلك على الله بعزيز.

التقية والإكراه

وهما أمران ورد حكمهما في الشريعة الإسلامية لبيان حالات معينة من حالات الضرورة التي قد تعرض للمسلم.

ص372

تعريف التقية:

عرفها حبر الأمة عبدالله بن عباس رضي الله عنهما فيما روي عنه أنه قال: التقاة: التكلم باللسان وقلبه مطمئن بالإيمان (244)

وقال أبو العالية: التقية باللسان وليس بالعمل (245).

وقال ابن حجر العسقلاني: التقية الحذر من إظهار ما في النفس من معتقد وغيره للغير (246).

وقال الأستاذ سيد قطب: التقية: تقية اللسان لا ولاء القلب، ولا ولاء العمل وليس من التقية المرخص بها أن تقوم المودة بين المؤمن وبين الكافر، كما أنه ليس من التقية أن يعاون المؤمن الكافر بالعمل في صورة من الصور باسم التقية فما يجوز هذا الخداع على الله (247).

متى تكون التقية؟

قال تعالى: {لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإلى اللّهِ الْمَصِيرُ{ [سورة آل عمران: 28].

قال البغوي: نهى الله المؤمنين عن موالاة الكفار ومداهنتهم ومباطنتهم إلا أن يكون الكفار غالبين ظاهرين أو يكون المؤمن في قوم كفار يخافهم فيداريهم باللسان

ص373

وقلبه مطمئن بالإيمان دفعاً عن نفسه من غير أن يستحل دماً حراماً أو مالاً حراماً، أو يظهر الكفار على عورة المسلمين. والتقية لا تكون إلا مع خوف القتل وسلامة النية قال تعالى: [إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان] ثم هذه رخصة فلو صبر حتى قتل فله أجر عظيم (248).

وقال ابن القيم: معلوم أن التقاة ليست بموالاة، ولكن لما نهاهم عن موالاة الكفار اقتضى ذلك معاداتهم والبراءة منهــم، ومجاهرتهم بالعدوان في كل حال إلا إذا خافوا من شرهم فأباح لهم التقية وليست التقية موالاة لهم (249). (ولأن باب التقاة باب يمكن أن ينفذ منه الشيطان بسهولة يزين للضعفاء ومرضى القلوب أن يركنوا إلى أعداء الله قال بعدها مباشرة: (ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير) يحذركم في الدنيا أن تتخذوا هذا الباب تكأة، وتستهلوا هذه الكبيرة – وهي موالاة أعداء الله – وينذركم أن إليه المصير فيجازيكم على ما فعلتم في الدنيا، فلا تحسبوا أن ترتكبوا هذه الكبيرة في الأرض – مخادعين أنفسكم أو مخادعين الناس – ثم تنجوا من عذاب الله في الآخرة) (250).

وقال ابن جرير الطبري في تفسير قوله تعالى: {إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً { [سورة آل عمران: 28].

أي إلا أن تكونوا في سلطانهم فتخافوهم على أنفسكم فتظهروا لهم الولاية بألسنتكم وتضمروا العداوة، ولا تشايعوهم على ما هم عليه من الكفر ولا تعينوهم على مسلم بفعل (251) .

ص374

الإكراه:

قال تعالى: {مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمان وَلَـكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ {106} ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّواْ الْحَيَاةَ الْدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ{ [سورة النحل: 106-107].

قال ابن عباس رضي الله عنهما: نزلت الآية – الأولى – في عمار بن ياسر، وذلك أن المشركين أخذوه وأباه وأمه سمية وصهيباً وبلالاً وخباباً وسالماً. فأما سمية فإنها ربطت بين بعيرين ووجيء قبلها بحربة فقتلت وقتل زوجها ياسر، وهما أول قتيلين في الإسلام وأما عمار فإنه أعطاهم ما أرادوا بلسانه مكرهاً، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن عماراً كفر، فقال: " كلا: إن عماراً ملىء إيماناً من قرنه إلى قدمه، واختلط الإيمان بلحمه ودمه " (252) فأتى عمار رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبكي فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح عينيه وقال: إن عادوا لك فعد لهم بما قلت " (253) فأنزل الله هذه الآية (254).

قال الطبري في معنى الآية: من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره على

ص375

الكفر فنطق بكلمة الكفر بلسانه وقلبه مطمئن بالإيمان، موقن بحقيقته، صحيح عليه عزمه، غير مفسوح الصدر بالكفر، لكن من شرح بالكفر صدراً فاختاره وآثره على الإيمان، وباح به طائعاً: فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم (255).

وسبب ذلك: أنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة فأقدموا على ما أقدموا عليه من الردة لأجل الدنيا (256).

شروط الإكراه

قال ابن حجر: شروط الإكراه أربعة:

(1) أن يكون فاعله قادراً على إيقاع ما يهدد به، والمأمور عاجزاً عن الدفع ولو بالفرار.

(2) أن يغلب على ظنه أنه إذا امتنع أوقع به ذلك.

(3) أن يكون ما هدد به فورياً، فلو قال: إن لم تفعل كذا ضربتك غداً لا يعد مكرهاً. ويستثنى ما إذا ذكر زمناً قريباً جداً، أو جرت العادة بأنه لا يخلف.

(4) أن لا يظهر من المأمور ما يدل على اختياره.

ولا فرق بين الإكراه على القول والفعل عند الجمهور، ويستثنى من الفعل ما هو محرم على التأبيد كقتل النفس بغير حق (257).

قال الخازن: قال العلماء: يجب أن يكون الإكراه الذي يجوز له أن يتلفظ معه بكلمة الكفر أن يعذب بعذاب لا طاقة له به مثل التخويف بالقتل والضرب

ص376

الشديد، والإيلامات القوية مثل التحريق بالنار ونحوه (258). وأجمعوا أيضاً: على أن من أكره على الكفر لا يجوز له أن يتلفظ بكلمة الكفر تصريحاً، بل يأتي بالمعاريض وبما يوهم أنه كفر، فلو أكره على التصريح يباح له ذلك بشرط طمأنينة القلب على الإيمان، غير معتقد ما يقوله من كلمة الكفر، ولو صبر حتى قتل كان أفضل لفعل ياسر وسمية وصبر بلال على العذاب (259).

لقد كان بلال رضي الله عنه تفعل به الأفاعيل حتى إنهم ليضعون الصخرة العظيمة على صدره في شدة الحر ويأمرونه أن يشرك بالله فيأبى عليهم ويقول: أحد. أحد. ويقول – والله لو أعلم كلمة أغيظ لكم منها لقلتها (260).

وكذلك حبيب بن زيد الأنصاري (261) لما قال مسيلمة الكذاب: أتشهد أن محمداً رسول الله؟

قال: نعم. فيقول أتشهد أني رسول الله؟ فيقول: لا أسمع فلم يزل يقطعه إرباً إرباً وهو ثابت على ذلك (262).

وكما فعل الصحابي الجليل عبدالله بن حذافة السهمي: (263) فإنه لما أسرته الروم جاءوا به إلى ملكهم فقال له: تنصر وأنا أشركك في ملكي وأزوجك ابنتي، فقال له: لو أعطيتني جميع ما تملك وجميع ما تملكه العرب على أن أرجع عن دين محمد طرفة عين ما فعلت. فقال: إذا أقتلك

ص377

قال: أنت وذاك، فأمر به فصلب، وأمر الرماة فرموه قريباً من يديه ورجليه وهو يعرض عليه دين النصرانية فيأبى، ثم أمر به فأنزل، ثم أمر بقدر، في رواية ببقرة من نحاس فأحميت، وجاء بأسير من المسلمين فألقاه وهو ينظر، فإذا هو عظام تلوح، وعرض عليه فأبى، فأمر به أن يلقى فيها، فرفع في البكرة ليلقي فيها، فبكى فطمع فيه ودعاه فقال له: إني إنما بكيت لأن نفسي إنما هي نفس واحدة تلقى في هذه القدر الساعة في الله، فأحببت أن يكون لي بعدد كل شعرة في جسدي نفس تعذب هذا العذاب في الله!

وفي بعض الروايات: أنه سجنه ومنع عنه الطعام والشراب أياماً ثم أرسل إليه بخمر ولحم خنزير فلم يقربه، ثم استدعاه فقال: ما منعك أن تأكل؟ قال: أما أنه قد حل لي ولكن لم أكن لأشمتك في، فقال له الملك: فقبل رأسي وأنا أطلقك، فقال: وتطلق معي أسارى المسلمين، قال: نعم فقبل رأسه فأطلقه وأطلق معه جميع أسارى المسلمين عنده، فلما رجع قال عمر بن الخطاب: حق على كل مسلم أن يقبل رأس عبدالله بن حذافة، وأنا أبدأ، فقام فقبل رأسه (264)

أنواع الإكراه:

(1) الإلجاء حيث ينعدم الرضا والاختيار، وتنتفي الإرادة والقصد، وذلك بالوقوع تحت التعذيب الشديد أو نحو ذلك، وهذه الحالة هي التي نزلت فيها آية النحل: {مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمان{ (265) [سورة النحل: 106].

(2) التهديد: حيث ينعدم الرضا، ولا ينعدم الاختيار تماماً وهذه في مثل الحالة التي يختار فيها الإنسان أخف الضررين مثل حال شعيب عليه السلام مع قومه إذ خيروه بين العودة إلى الكفر أو الخروج من قريتهم

{قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ {88} قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُم بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا إِلاَّ أَن يَشَاء اللّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ{ [سورة الأعراف: 88-89].

فلا تجوز الاستجابة لمثل هذا الإكراه لهذا النص ولقوله تعالى:

{وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِن جَاء نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ{(266)[سورة العنكبوت: 10].

(3) الاستضعاف: وهنا لا تعذيب ولا تهديد ولكن المستضعف داخل تحت وضع مفروض عليه من غيره كالمقيم في مكة بعد هجرة المسلمين عنها، فإذا كان دخوله تحت هذا الوضع لعجزه عن دفعه وعن الخروج منه، ولو أمكنه ذلك لفعل مهما كانت تضحياته وتكاليفه فهذا قد عفا الله عنه (267). أما إذا كان قادراً على الدفع أو الخروج ولم يفعل ذلك إيثاراً للعاقبة فقد سبق كلام الشيخ ابن عتيق وغيره في ذلك.

قال ابن تيمية: تأملت المذاهب فوجدت الإكراه يختلف باختلاف المكره عليه فليس الإكراه المعتبر في كلمة الكفر كالإكراه المعتبر في الهبة ونحوها، فإن أحمد قد نص في غير موضع، إن الإكراه على الكفر لا يكون إلا بالتعذيب من ضرب وقيد، ولا يكون الكلام إكراهاً (268).

كلمة أخيرة حول الإكراه

إنه من المهم والواجب التفريق بين الإكراه وبين مشاعر الخوف التي تتزاوج مع مشاعر الرجاء والتعظيم فإن هذه مشاعر عبادة.

كما أنه يجب أن نفرق بين الاستضعاف وبين الهزيمة الداخلية، والاستكانة للعدو والركون إليه وفقدان الثقة في الله وترك التوكل عليه.

ذلك أن الإنسان يملك في أحلك الظروف قوة عظيمة – هي قوة الرفض بقلبه – وهذه القوة سماها رسول الله صلى الله عليه وسلم جهاداً في قوله " … ومن جهادهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل " (269).

فالانهزام أمام الباطل والموالاة التي يحتاجها الباطل حتى وهو قوي لا بد من

ص380

الامتناع عنها وهذا هو جهاد القلب، والله سبحانه يقول للمؤمنين بعد وقعة أحد

{وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ {146} وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ {147} فَآتَاهُمُ اللّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ {148} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ {149}بَلِ اللّهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ{[سورة آل عمران: 146 – 150].

وقال الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود: " بحسب امرىء يرى منكراً لا يستطيع أن يغيره أن يعلم الله من قلبه أنه له كاره " ودلالة الكرة: الاعتزال وعدم المشايعة بالعمل.

إن استعلاء القلب على الهزيمة الداخلية، وبقاء قوة رفضه للباطل مهما استطال وانتفش وقوة ضبطه للسلوك لتأكيد الاعتزال وعدم المشايعة بالعمل لهو جهاد القلب وإنه لجهاد له أثره الواقع في حياة الناس (270).

ص381

الباب الثالث

ص383

الصورة التطبيقية للولاء والبراء

في الماضي والحاضر

الفصل الأول

كيف طبق السلف الولاء والبراء

تحدثت فيما سبق عن أمثلة من الأمم الماضية التي سبقت الأمة المحمدية ومر معنا بعض الأمثلة والنماذج في عهد النبوة. ولكن ذلك الجيل مليء بالصور المشرقة. لذلك رأيت أن أزيد هذا الأمر وضوحاً وتحليلاً بذكر نماذج أخرى لما لها من أهمية كبرى.

وكل قول لا يدعمه التطبيق العملي يعد زعماً باطلاً لا يمت للحقيقة بصلة ولا للواقع ببرهان.

لذلك فإن التطبيق الواقعي للولاء والبراء هو المقتضى الصحيح والوجه المشرق لمبدأ كلمة التوحيد "لا إله إلا الله محمد رسول الله ".

وإن من المعلوم بالضرورة أن سلف الأمة رضوان الله عليهم هم خير من طبق هذه العقيدة بكل مقتضياتها وتكاليفها.

والحديث عن السلف ممتع وجميل، بل هو من الحوافز العملية التي سجلها

ص384

تاريخ الأمة المسلمة ليكون ذلك معلماً من معالم الهداية والرشاد لمن جاء بعدهم، ليستن بسنتهم وينهج نهجهم.

وقد كانوا رضوان الله عليهم يقدرون النعمة التي أنعم الله بها عليهم وهي نعمة الإيمان.

ويقدرون أيضاً فضل نور الله وشريعته الغراء التي بعث بها نبيه محمد صلى الله عليه وسلم

{أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا{

[سورة الأنعام: 122].

وقدروا رحمهم الله تربية المصطفى صلى الله عليه وسلم وأهمية سنته الشريفة قولاً وفعلاً وأدركوا أنهم (لم يكونوا خدمة جنس، ورسل شعب أو وطن، يسعون لرفاهيته ومصلحته وحده، ويؤمنون بفضله وشرفه على جميع الشعوب والأوطان، ولم يخرجوا ليؤسسوا إمبراطورية عربية ينعمون ويرتعون في ظلها، ويشمخون ويتكبرون تحت حمايتها ويخرجون الناس من حكم الروم والفرس إلى حكم العرب وإلى حكمهم أنفسهم. إنما قاموا ليخرجوا الناس من عبادة العباد جميعاً إلى عبادة الله وحده كما قال ربعي بن عامر رسول المسلمين في مجلس يزدجرد "الله ابتعثنا لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده. ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ".. " فالأمم عندهم سواء والناس عندهم سواء. الناس كلهم من آدم وآدم من تراب.. لم يبخلوا بما عندهم من دين وعلم وتهذيب على أحد، ولم يراعوا في الحكم والإمارة والفضل نسباً ولوناً ووطناً، بل كانوا سحابة خير انتظمت البلاد وعمت العباد، وغوادي مزنة أثنى عليـها السهل والوعر، وانتفعت بها البلاد والعباد على قدر قبولها وصلاحها) (1).

ص385

ويصعب علي هنا أن أذكر معظم الوقائع والمواقف التي برز فيها تطبيق الولاء والبراء عند سلف الأمة رحمهم الله. ولكنني أقتصر على القليل من ذلك لإعطاء فكرة صادقة وصورة حية، وأمثلة مشرقة لتلك النماذج الإيمانية التي أراد الله أن يحقق بها مثالية هذا الدين، ليعلم الناس أن هذا الدين مثالي واقعي (2) في آن واحد إذا وجد الأكفاء الجديرون بحمله وتبليغه للناس بصدق، وأمانة، وطهر ونقاء، وإخلاص وتجرد وابتغاء ما عند الله.

ومن هذه الأمثلة: موقف صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من كعب بن مالك رضي الله عنه ومن معه من المخلفين الثلاثة، حيث قاطعوهم وهجروهم لتخلفهم عن غزوة تبوك.

وانظر إلى هذه المقاطعة لثلاثة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلون خلف رسول الله في مسجد أسس على التقوى: لقد هجروهم ولم يكلموهم حتى في التحية الإسلامية!!

فمن يا ترى من المسلمين اليوم يتبرأ من الذين يحادون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً؟!

أما الموقف العظيم الذي يبرز فيه ولاء المسلم لدينه وإخوانه المؤمنين، حتى وهذا المؤمن مهجور من إخوانه وأحبابه، مقاطع عنهم حتى في رد السلام. مبتلى بإغراء مادي عظيم، ومحسن له المنصب ورفعة المكان في الدنيا: فهو موقف الصحابي الجليل كعب بن مالك رضي الله عنه، فإنه – كما جاء في حديثه الطويل – لما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم صحابته بهجره ومن معه، حتى زوجته ذهبت إلى أهلها فاجأه أمر عجيب وخطير في آن واحد.

يقول كعب رضي الله عنه (.. فبينا أنا أمشي بسوق المدينة إذا نبطي من أنباط أهل الشام ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة يقول: من يدل على كعب بن

ص386

مالك؟ فطفق الناس يشيرون له، حتى إذا جاءني دفع إلى كتابا من ملك غسان فإذا فيه: أما بعد فإنه قد بلغني أن صاحبك قد جفاك، ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة، فالحق بنا نواسك. فقلت لما قرأنها: وهذا أيضاً من البلاء فتممت بها التنور فسجرته بها " (3).

لقد صدق كعب رضي الله عنه في قوله: "وهذا أيضاً من البلاء" أجل إنه بلاء عظيم، ولقد كان ولاء كعب رضي الله عنه رغم ما هو فيه من شدة وهجر ومع دواعي الإغراء والإغواء لله ولدينه ورسوله والمؤمنين، وكان براؤه من ملك غسان واضحاً في حرقه لكتاب ذلك الملك.

فانظر إلى هذه العظمة وهذا الصدق في الولاء والحب للإسلام والمسلمين والبعد عن كل ما يصرف عن ذلك من متاع الدنيا ووجاهتها التي لا تساوي عند الله جناح بعوضة.

قال ابن حجر وهو يشرح قصة كعب: دل صنيع هذا على قوة إيمانية ومحبته لله ولرسوله وإلا فمن صار في مثل حاله من الهجر والإعراض قد يضعف عن احتمال ذلك، وتحمله الرغبة في الجاه والمال على هجران من هجره، ولا سيما مع أمنة من الملك الذي استدعاه إليه أنه لا يكرهه على فراق دينه لكن لما احتمل عنده أنه لا يأمن من الافتتان حسم المادة وأحرق الكتاب ومنع الجواب.. ورجح ما هو فيه من النكد والتعذيب على ما دعي إليه من الراحة والنعيم حبا في الله ورسوله كما قال صلى الله عليه وسلم "وأن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما " (4).

ومثال آخر: قصة الصحابي الجليل عبدالله بن حذافة السهمي وموقفه مع ملك الروم، حيث أغراه حتى بمشاطرة ملكه فرفض، وهدده بالقتل والحرق فأبى أن يتنصر. كل ذلك دلالة واضحة، وبرهان صادق لعمق ذلك الولاء ورسوخ هذه العقيدة في تلك النفوس العظيمة. ولئن كان موقف عبدالله بن عبدالله بن أبي – الذي تحدثنا عنه سابقاً – عظيماً في منعه أباه من دخول المدينة إلا بإذن رسول

ص387

الله صلى الله عليه وسلم: فإن موقف أبي عبيدة رضي الله عنه أعجب من ذلك وأعظم فلقد قتل أباه في معركة بدر لأنه كان كافراً محارباً لله ورسوله، ولم تكن صلة الأبوة لتمنعه دون تنفيذ الولاء والنصرة لله ورسوله ودينه والمؤمنين. والبراءة والجهاد لعدو الله الذي رضي بالبقاء في حزب الشيطان ليكون حرباً على المؤمنين.

ومثال آخر: فقد روت كتب السير أن زيد بن الدثنة (5) رضي الله عنه، اشتراه صفوان بن أمية – بعد يوم الرجيع – ليقتله بأبيه أمية بن خلف، وخرجوا بزيد إلى التنعيم حيث اجتمع رهط من قريش فيهم أبو سفيان بن حرب فقال له أبو سفيان حين قدم ليقتل: أنشدك الله يا زيد، أتحب أن محمداً عندنا الآن في مكانك نضرب عنقه وأنك في أهلك؟

قال زيد: والله ما أحب أن محمداً الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وأني جالس في أهلي فقال: أبو سفيان: ما رأيت من الناس أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمد محمداً، ثم قتلوا زيداً رضي الله عنه (6).

فانظر إلى هذا الحب وهذا التفاني وذلك الولاء، وقوة النصرة! إنه رضي الله عنه وهو في مكانه البعيد عن رسول الله –لا يرضى أن تمس رسول الله صلى الله عليه وسلم شوكة، فضلاً عن أن يصيبه أكبر من ذلك!!

هذا هو الولاء الصادق الذي بنته هذه العقيدة في النفوس فأخرجت للناس هذه النماذج العظيمة التي تقصر دون عظمتها كل عظمة أرضية.

ومثال آخر: روى الإمام أحمد وغيره أن أنس بن النضر رضي الله عنه غاب عن قتال بدر فقال: غيبت عن أول قتال قاتله رسول الله صلى الله عليه وسلم المشركين؟ لئن الله أشهدني قتالاً للمشركين ليرين الله ما أصنع. فلما كان يوم أحد انكشف المسلمون فقال: اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء – يعني أصحابه – وأبرأ إليك مما جاء به هؤلاء – يعني المشركين – ثم تقدم فلقيه سعد بن معاذ دون أحد فقال: أنا

ص388

معك، قال سعد فلم أستطع أن أصنع ما صنع، قال فوجد فيه بضع وثمانون ضربة سيف وطعنة رمح ورمية سهم فكانوا يقولون فيه وفي أصحابه نزل قوله تعالى:

{فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ{(7)[سورة الأحزاب: 23].

إن سلفنا الصالح رضوان الله عليهم كانوا شديدي الاعتزاز بدينهم فلم تخدعهم المظاهر الجوفاء، ولا القوى والاعتبارات التي تتعبد الناس في الجاهلية، وأصدق مثال على ذلك قصة ربعي بن عامر رضي الله عنه حين قابل رستم، فقد كان الفرس مدججين بالسلاح وعليهم التيجان والثياب المنسوجة بالذهب، ووضعوا البسط والنمارق في مجلس رستم وله سرير من الذهب، فأقبل ربعي يسير على فرس له زباء (8) قصيرة، معه سيف غمده لفافة ثوب خلق، ورمح وجحفة (9) وقوس فلما انتهى إلى أدنى البسط قيل له انزل فحملها على البساط فلما استوت عليه نزل عنها وربطها بوسادتين فشقهما ثم أدخل الحبل فيهما، فلم يستطيعوا أن ينهوه ثم قالوا له: ضع سلاحك، فقال: إني لم آتكم فأضع سلاحي بأمركم أنتم دعوتموني، فإن أبيتم أن آتيكم كما أريد رجعت، فأخبروا رستم فأذن له وقال: هل هو إلا رجل واحد! فأقبل ربعي يتوكأ على رمحه وزجه نصل يقارب الخطو، ويزج النمارق والبسط، فما ترك لهم نمرقة ولا بساطاً إلا أفسده وتركه منهتكاً مخرقاً، فلما دنا من رستم تعلق به الحرس، وجلس على الأرض وركز رمحه بالبسط، فقالوا: ما حملك على هذا؟ قال: إنا لا نستحب القعود على زينتكم هذه! فكلمه فقال: ما جاء بكم؟ قال: الله ابتعثنا والله جاء بنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه، فمن قبل منا ذلك قبلنا ذلك منه ورجعنا عنه، وتركناه وأرضه يليها دوننا، ومن أبى

ص389

قاتلناه أبداً، حتى نفضي إلى موعود الله، قال: وما موعود الله؟ قال: الجنة لمن مات على قتال من أبى، والظفر لمن بقي. فقال رستم: قد سمعت مقالتكم فهل لكم أن تؤخروا هذا الأمر حتى ننظر فيه وتنظروا؟ قال: نعم. كم أحب إليكم، أيوماً أو يومين؟ قال: لا بل حتى نكاتب أهل رأينا ورؤساء قومنا، وأراد مقاربته ومدافعته فقال: إن مما سن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمل به أئمتنا ألا نمكن الأعداء من آذاننا، ولا نؤجلهم عند اللقاء أكثر من ثلاث، فنحن مترددون عنكم ثلاثاً فانظر في أمرك وأمرهم، واختر واحدة من ثلاث بعد الأجل، اختر الإسلام وندعك وأرضك، أو الجزاء فنقبل ونكف عنك. وإن كنت عن نصرنا غنياً تركناك منه، وإن كنت إليه محتاجاً منعناك أو المنابذة في اليوم الرابع، ولسنا نبدؤك فيما بيننا وبين اليوم الرابع إلا أن تبدأنا، وأنا كفيل لك بذلك على أصحابي وعلى جميع من ترى، قال: أسيدهم أنت؟ قال: لا ولكن المسلمين كالجسد بعضهم من بعض، يجير أدناهم على أعلاهم (10).

ومما يوضح أيضاً صورة الولاء في نفوس أولئك الأخيار قوله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك "إن بالمدينة أقواماً ما سرتم مسيراً، ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم قالوا: وهم بالمدينة؟

قالوا: " وهم بالمدينة حبسهم العذر " متفق عليه (11).

فانظر إلى هذا الولاء والتناصر حتى ممن حبسهم العذر، لأن هذا أمر لا عذر لهم في تركه، فهم مع إخوانهم بالدعاء والمتابعة.

أما اليوم فيرى المغرورون والمبهورون والمنهزمون أن الكفار – كما قال أحدهم – خصوم شرفاء، بل يرونهم أصدقاء أوفياء.

ولكن الذي يجب على المسلمين اليوم أن يفهموه: هو أن الاقتداء بسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلفنا الصالح في كل شيء، وفي قضية الولاء والبراء من باب

ص390

أخص هو الأمر المطلوب منهم وليس عليهم بعد ذلك أن تقوم أصوات أرباب التبعية والولاء للغرب الكافر والشرق الملحد لتنادي بما قاله وردد من قبلهم أن هذا الفعل رجعية وتقهقر. بل إن عزم المسلمين المخلصين على تحقيق مقتضيات هذه العقيدة والإصرار على تحكيم الشريعة الربانية هو سبيل النجاح وطريق الفلاح، في الدنيا والآخرة وجدير بهم أن يرتفعوا إلى المستوى المطلوب منهم

{وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }[سورة آل عمران: 139].

ص391

الفصل الثاني

صورة الولاء والبراء في عصرنا الحاضر

إنه بعد أن سبق بيان قضية الولاء والبراء في التصور الإسلامي، ووقفنا على مدى أهمية هذا الموضوع، وبعد سياق تلك الأمثلة المشرقة من تاريخ الصدر الأول من هذه الأمة: لا بد أن نقف عند وضع المسلمين في العصر الحاضر، لنرى أين يقف المسلمون اليوم من هذه القضية وما مدى التزامهم بها أو تخليهم عنها؟ وما الذي حل بهم؟ وهل هناك مبشرات لتغيير هذا الواقع المؤلم؟

وإنه لمن البدهي هنا أن نقول: أن العالم الإسلامي في العصور المتأخرة قد بلغ دركات الانحطاط والتخلف في كل شيء.

انحطاط في عقيدته حيث ترك ما عليه السلف الصالح وذهب إلى خزعبلات وحواشي علم الكلام الدخيل والخوض في نقاشات بيزنطية لا تمت للواقع ولا تصلحه بأي حال بل تزيده فساداً وانهياراً.

وانحطاط في التزامه بمقتضيات هذه العقيدة من الجهاد والتميز والعزة حيث استبدل بذلك كله التصوف والخرافات والتواكل، مما أطمع العدو فيهم على هذه

ص392

الحال وتخلف في جميع المجالات العلمية وترك مكان القيادة إلى ذلة التبعية فبعد أن كان المسلمون هم الرواد في كل علم نافع جاء الخلف ليترك ذلك الميراث العظيم الذي أخذه أعداء هذا الدين واستفادوا به ودفعهم إلى ما وصلوا إليه الآن.

وأخيراً فقد أعطى هؤلاء الخلف للناس: صورة هزيلة رديئة عن الإسلام، جعلت أعداء هذا الدين يتكالبون عليه من كل حدب وصوب طامعين في إطفاء نور الله، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون. ولقد غزت العالم الإسلامي جيوش كثيرة وعديدة، وهي على كثرتها وضراوتها العسكرية لم تكتف بهذا بل نوعت أساليب الهجوم، فاستخدمت بعد الهجوم العسكري – الغزو الفكري الخبيث الذي فعل في (المسلمين) ما لم تفعله الجيوش الجرارة!.

وأول ما حرص عليه الأعداء هو بث سموم التشكيك وقلب المفاهيم حيث أخذ ينشر أمثال هذه الأفكار: "ما للدين ونظام المجتمع؟ وما للدين والاقتصاد؟ ما للدين وعلاقات الفرد بالمجتمع وبالدولة؟ وما للدين والسلوك العملي في واقع الحياة، ما للدين والملبس وخاصة ملابس المرأة؟ ما للدين والفن؟ ما للدين والصحافة والإذاعة والسينما والتليفزيون؟ وباختصار: ما للدين والحياة؟ ما للدين والواقع الذي يعيشه البشر على الأرض؟ " (12).

وكان هدف الاستعمار – كما يقول الشيخ محمد الغزالي – (تكوين جيل يستحي من الانتساب للإسلام، ويكره أن يرى وهو يقوم بشيء من شعائره، خصوصاً بين المثقفين الكبار! والطبقات التي تهيأ للحكم والنفوذ.

الواحد من هؤلاء يحب أن يراه الناس خارجاً من حانة، ولا يحب أن يروه خارجاً من مسجد ومن السهل عليه أن يوصف بأنه زنى بعشر نسوة، لكن وجهه يسود لو قيل: متزوج من اثنتين أما أن يفكر في تلاوة آيات من القرآن أو يرجع إلى شيء من سنة رسول الله فذلك ما لا يخطر له ببال (13)).

وأفلح الاستعمار أيضاً في تكوين جيل يرفض العمل تحت لواء الإسلام،

ص393

وهذا الجيل هو " الطابور الخامس" الذي ألحق بنا الهزائم في كل ميدان (14).

وحتى لا يكون الحديث مجرد عاطفة أو هجوم – كما يقال ذلك – أرى أن أثبت هنا نصوصاً صريحة واضحة نطق بها أعداؤنا الكفار ونفذوها تدل على مدى عمق عداوتهم للإسلام والمسلمين وإنهم لا يريدون إلا الشر والكيد بهذا الدين وطمس معالمه، وفي هذه النصوص أيضاً عظة وعبرة للمتغافلين والمنهزمين والمبهورين بهم من أبناء جلدتنا ومن الذين ينطقون بلغتنا ويتسمون بأسمائنا. ثم يحكم المنصف بعد قراءتها هل تحقق شيء منها أم لا؟

يقول القس زويمر في مؤتمر القدس سنة 1935م وهو يخاطب المبشرين بالنصرانية في العالم الإسلامي ما نصه (.. إن مهمة التبشير التي ندبتكم دول المسيحية للقيام بها في البلاد المحمدية – ليست هي إدخال المسلمين في المسيحية – فإن في هذا هداية لهم وتكريماً (!!) وإنما مهمتكم أن تخرجوا المسلم من الإسلام ليصبح مخلوقاً لا صلة له بالله وبالتالي لا صلة تربطه بالأخلاق التي تعتمد عليها الأمم في حياتها، ولذلك تكونون أنتم بعملكم هذا طليعة الفتح الاستعماري في الممالك الإسلامية. وهذا ما قمتم به خلال الأعوام المائة السالفة خير قيام، وهذا ما أهنئكم عليه وتهنئكم دول المسيحية والمسيحيون جميعاً من أجله كل التهنئة) (15) وسترد بقية هذه الكلمة. ومع وضوح هذا النص الصليبي الحاقد وجد من (المستسلمين) – وهو محسوب من العلماء – من يقول أن قضية زمالة الأديان والتسامح بينها والتقارب والالتقاء بينها أمر محبب كما قد سبق ذكر ذلك في الباب الثاني. مما يدل على مدى الغفلة وعمق الجهل بحقيقة الإسلام وبحقيقة عداوة أعدائه له.

ويقول لويس التاسع: إن الغزو العسكري لا يكفي لهزيمة المسلمين ولكن لا بد من غزو عقيدتهم.

ثم نجد عدواً آخر يقول – وهو يتابع عودة المسلمين إلى إسلامهم – (ألا إن

ص394

ثمة قوة جديدة بدأت تظهر ألا وهي الدعوة إلى إسلام "متزمت" والسعي عن طريق الإسلام إلى نظام حياة لا يكون نسخة عن نظام آخر ولا تقليداً له. بل يكون خاصاً بهويته وتقاليده ومصالحه المعنوية والمادية) (16).

ويقول وليم جيفورد بالكراف: متى توارى القرآن ومدينة مكة عن بلاد العرب يمكننا حينئذ أن نرى العربي يتدرج في سبيل الحضارة التي لم يبعده عنها إلا محمد وكتابه (17).

وبالرغم من مئات النصوص التي تشبه ما ذكرنا، والتي مؤداها جميعاً: طمس الإسلام وإخراج المسلمين من إسلامهم فقد وجد للأسف في بلاد المسلمين من كان عوناً لهؤلاء الأعداء على خططهم، أو من ميع قضايا الإسلام في سبيل ملاينة أعداء الله.

يقول الأستاذ عبدالقادر عودة رحمه الله: إن بعض الأقطار التي تسمي نفسها إسلامية، تبيح للمبشرين من الإنجليز والفرنسيين والإيطاليين والأمريكيين أن ينشئوا مدارس للتبشير بالدين المسيحي في بلادهم حتى تفتن أطفال المسلمين عن دينهم، بل إن بعض الأقطار منع تعليم الدين الإسلامـي في المدارس الحكومــية وأهمل دراسة التاريخ الإسلامي في الوقت الذي يركز فيه الاهتمام بتدريس تاريخ أوروبا وتمجيد حضارتها وأنها هي قبلـة الرقي والمدنية (18).

وإذا كان هذا على مستوى الحكومات، فإن الأفراد أشد إيغالاً في ذلك وهم صنفان:

(1) صنف من العلماء الذين لهم مكانة في التاريخ الحديث، وكتب عنهم مجلدات فيها من المدح وألقاب الإصلاح ما الله به عليم، ولكن التاريخ كشف عن هوياتهم ومواقفهم. ومنهم عبدالرحمن الكواكبي، هذا الرجل الذي يعتبر من أسبق الناس ظهوراً في الدعوة إلى التفريق بين السلطة الدينية والسلطة

ص395

السياسة. وقد أصدر كتاب (أم القرى) سنة 1889 م. وورد في هذا الكتاب آراء لم تخل من إشارات مريبة إلى موالاة الدول الأوربية المستعمرة حيث قال فيما قال: " وكفتح أبواب حسن الطاعة للحكومات العادلة والاستفادة من إرشاداتها وإن كانت غير مسلمة، وسد أبواب الانقياد المطلق ولو لمثل عمر بن الخطاب " (19).

أما الشيخ محمد عبده فكما يقول عنه الأستاذ غازي التوبة: قد تجاوز تعاونه مع الإنجليز المحتلين لمصر إلى التعاون مع الجواسيس المستشرقين في انكلترا نفسها، حيث تتضح ثقتهم المطلقة به، وتعاونه البعيد معهم في الرسالتين المبعوثتين إلى "المستر بلنت" جواباً على سؤال الأخير عن رأي المفتي في الحالة السياسية الجديدة في مصر، وعن رأيه في الدستور المناسب لمصر. وقد أورد محمد رشيد رضا نص الرسالتين في الجزء الأول من تاريخه ص 899 – 902 وورد في الرسالة الثانية الفقرة الثالثة قوله (إذا فرض إن كان بعض الوزراء من الانكليز وكان لهم مرؤوسون من المصريين فإنه ينبغي أن يعطى هؤلاء المرؤوسون المصريون أو الوزراء الثانويون سلطة تسمح لهم بأن يفصلوا في جميع المسائل المختصة بالدين وما أشبه ذلك تحت مراقبة الوزراء الأصليين بحيث لا يكون الموظفون المصريون مجرد ألعوبة في أيديهم كما هو الحال الآن) (20). وهذا هو رأي الشيخ الذي نعت بمصلح العصر.

أما عباس محمود العقاد فيقول في كتابه: " التفكير فريضة إسلامية" ما الذي يمنع المسلم أن يعمل للديموقراطية أو يعمل للاشتراكية. أو يعمل للوحدة العالمية؟

وما الذي يمنع المسلم من أحكام دينه أن يقبل مذهب التطور أو يقبل الوجودية في صورتها المثلى؟

إلى أن قال: إن عقيدة المسلم لا تمنعه من أن يكون اشتراكياً (21). وأنا أعلم مثل ما علم غيري أن هذا الكلام قد يقابل بالاستنكار والاستغراب لأنه خلاف

ص396

المعهود ولكن أقول ما قاله الأستاذ الدكتور محمد محمد حسين رحمه الله في كتابه القيم "الإسلام والحضارة الغربية" حيث قال: (نحن حين ندعو إلى إعادة النظر في تقويم الرجال لا نريد أن ننقص من قدر أحد، ولكننا لا نريد أن تقوم في مجتمعنا أصنام جديدة معبودة لأناس يزعم الزاعمون أنهم معصومون من كل خطأ، وأن أعمالهم كلها حسنات لا تقبل القدح والنقد، حتى أن المخدوع بهم والمتعصب لهم والمروج لآرائهم ليهيج ويموج إذا وصف أحد الناس إماماً من أئمتهم بالخطأ في رأي من آرائه، في الوقت الذي لا يهيجون فيه ولا يموجون حين يوصف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بما لا يقبلون أن يوصف به زعماؤهم المعصومون فيقبلون أن يوصم سيف الإسلام خالد بن الوليد بأنه قتل مالك بن نويرة في حرب الردة طمعاً في زوجته، ويرددون ما شاع حول ذلك من أكاذيب. ويقبلون أن يلطخ تاريخ ذي النورين عثمان بن عفان بما ألصقه به، ابن سبأ اليهودي من تهم.. يقبلون ذلك كله ثم يرفضون أن يمس أحد أصنامهم بما هو أيسر منه، ويحتمون بحرية الرأي في كل ما يخالفون به إجماع المسلمين، ويأبون على مخالفيهم في الرأي هذه الحرية. يخطئون كبار المجتهدين من أئمة المسلمين ويجرحونهم بالظنون والأوهام ويثورون لتخطئة ساداتهم أو تجريحهم بالحقائق الدامغة) (22).

إننا لا بد أن نقول للمخطىء أنت مخطىء وللمصيب نقول: أحسنت وبارك الله فيك. لذا فإن انزلاق هؤلاء العلماء. أو غيرهم في قضية موالاة الكفار أو التساهل معهم في بعض الأمور بغير دليل شرعي أمر يرفضه الإسلام ويأباه لأن موضع القدوة لنا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الأجلاء وسلفنا الصالح وكفى. وليس من حق فرد – كائناً من كان – أن يجعل من آرائه وعلمه سلما يرتقي عليه الموالون للكفار، ثم يزعم بعد هذا أنه داعية إسلامي، أو مصلح عظيم!!

(2) أما الصنف الثاني: فهم الذين صنعهم الاستعمار على عينه، ورباهم تربية أوربية خالصة في التفكير والسلوك من أجل أن يكونوا أداة للتقريب بين المسلمين وبين المستعمر الأوربي.

ص397

ومن هذا الصنف طه حسين الذي يقول في كتابه مستقبل الثقافة في مصر: (لكن السبيل إلى ذلك – أي الرقي – ليست في الكلام يرسل إرسالا، ولا في المظاهر الكاذبة والأوضاع الملفقة، وإنما هي واضحة بينة ومستقيمة ليس فيها عوج ولا التواء، وهي واحدة فذة ليس لها تعدد، وهي: أن نسير سيرة الأوروبيين ونسلك طريقهم لنكون لهم أنداداً، ولنكون لهم شركاء في الحضارة خيرها وشرها، حلوها ومرها، وما يحب منها وما يكره وما يحمد منها وما يعاب (23).

وما دام أننا عرفنا هدف أعدائنا بصورة عامة، ووقفنا على حقيقة بعض مواقف المخدوعين بهم: فإنه لحري بنا أن نعرف بعض تفاصيل خططهم ووسائلهم التي منها:

1- التربية والتعليم:

العلم كما يقال – سلاح ذو حدين، ومن هذا المنطلق أدرك أعداء الله من جميع الكفار أن صخرة العقيدة الإسلامية لا يمكن النيل منها عن طريق القوة والسلاح فهي قد أدمتهم كثيراً، ولا يستطيعون الصمود أمام هتاف المجاهدين الصادقين في سبيل الله، ولذلك لجأوا إلى وسيلة أخرى هي أخبث في التأثير وأشد في الدهاء. وهذه الوسيلة هي غزو مناهج التربية والتعليم في العالم الإسلامي بأفكار ونظريات وشبهات وشكوك يضفي عليها – كذباً وبهتاناً – ثوب التجرد العلمي، والبحث العلمي!! وسلك أعداء الإسلام في هذا سبيلين: الأول: السيطرة على التعليم في الداخل والثاني عن طريق الابتعاث إلى الدول الكافرة.

فأما الأمر الأول فيقول عنه القس زويمر الذي أوردنا صدر كلمته سابقاً يقول أيضاً (.. لقد قبضنا أيها الإخوان في هذه الحقبة من الدهر من ثلث القرن التاسع

ص398

عشر إلى يومنا هذا على جميع برامج التعليم في الممالك الإسلامية المستقلة أو التي تخضع للنفوذ المسيحي أو التي يحكمها المسيحيون حكماً مباشراً، ونشرنا في تلك الربوع مكامن التبشير المسيحي والكنائس والجمعيات وفي المدارس الكثيرة التي تهيمن عليها الدول الأوربية والأمريكية وفي مراكز كثيرة ولدى شخصيات لا تجوز الإشارة إليها الأمر الذي يرجع الفضل فيه إليكم أولاً وإلى ضروب كثيرة من التعاون بارعة باهرة النتائج، وهي من أخطر ما عرف البشر في حياته الإنسانية كلها. إنكم أعددتم بوسائلكم جميع العقول في الممالك الإسلامية إلى قبول السير في الطريق الذي مهدتم له كل التمهيد (إخراج المسلم من الإسلام) إنكم أعددتم نشئاً لا يعرف الصلة بالله ولا يريد أن يعرفها، وأخرجتم المسلم من الإسلام ولم تدخلوه في المسيحية وبالتالي: جاء النشئ الإسلامي طبقاً لما أراده له الاستعمار، لا يهتم بالعظائم ويحب الراحة والكسل، فإذا تعلم فللشهوات، وإذا جمع فللشهوات، وإن تبوأ أسمى المراكز ففي سبيل الشهوات يجود بكل شيء (24).

أجل صدق هذا القس وهو كافر أن هناك جيلاً تربى على ثقافة الغرب فخرج لا يعرف الصلة بالله أبداً.

وانطلاقاً من مبدأ هذا الصليبي الحاقد قام "اللورد كرومر" – المعتمد البريطاني في مصر أيام الاحتلال – بإنشاء كلية فكتوريا حيث قصد بها تربية جيل من أبناء الحكام والزعماء والوجهاء في محيط إنجليزي ليكونوا من بعدهم أدوات المستعمر الغربي في إدارة شؤون المسلمين (25).

وجاء "دنلوب" المتخرج من كلية اللاهوت البريطانية ليرسم سياسة التعليم في مصر، حيث وضع مناهج كفيلة بإخراج النماذج التي عناها القس زويمر (لا تعرف الصلة بالله).

ومصداق ذلك أن درس الدين لا يدرس منه إلا نتف يسيرة مثل: إن

ص399

الإسلام جاء ليبطل عبادة الأوثان ويعبد الله الواحد، ويحرم وأد البنات. وإسناد هذه المادة يختار من أسن الأساتذة وبمظهر رث، ثم تلغى مادة الدين في نهاية العام الدراسي (26).

أما مادة التاريخ فكان يخفى على الطالب فيها: أن الإسلام جاء ليحارب الشرك بكل مظاهره ويعطي نبذاً عن دراسة صدر الإسلام، وأن مهمة الإسلام تغيير ما كان عليه العرب في جاهليتهم ويركز فيه أيضاً على الجانب السياسي والصراع بين الطبقات الحاكمة. أما حياة المجتمع الإسلامي فلا شيء يذكر من ذلك.

وكذلك البطولات الإسلامية والحركة العلمية الإسلامية. كل ذلك يخفى عن الطلاب في الوقت الذي يدرس فيه بتوسع تاريخ أوروبا ونهضتها ورجالها وأبطالها وإنها بلد التقدم والرقـي ومهبط المدنية لأن فيها فحماً وحديــداً (27)!!

وخلاصة القول أنه كان يلقن الطلاب إن " أوروبا هي العملاق الضخم الذي لا يقهر. والإسلام هو القزم الضئيل الذي عليه أن يتعبد هذا العملاق ليعيش (28)!

وأما السبيل الثاني: وهو الابتعاث إلى الخارج أي إلى الدول الكافرة فقد حقق هذا نتائج ترضي من خطط لها. ذلك أن هذا الابتعاث – في الغالبية العظمى منه – يكسر صفة التميز بين المسلم والكافر، ويجعل ولاء المسلم متذبذبا وهو يرى ما بهر به، ثم إنه يزيد الطالب جهالة بدينه وقيمته ومثله، ويزيده تعلقاً بالغرب أو الشرق ويبدأ بتطبيعه بطابع غير إسلامي، ثم يصير هذا التطبع – مع الزمن – طبعاً، ثم انسلاخاً من حيث يشعر الطالب أو لا يشعر فتجده في لبسه ومأكله ومشربه وكلامه وطريقة تعامله، غربياً، أو شرقياً بل ربما أكثر من ذلك (29)

ص400

وكان من أوائل المبتعثين وأولهم سبقاً في خدمة ما أريد له: رفاعة الطهطاوي حيث مكث في فرنسا خمس سنوات من 1826 – 1831م ولما رجع بدأ ينشر كلاماً يسمع للمرة الأولى في البيئة الإسلامية مثل: الوطن والوطنية والاهتمام بالتاريخ القديم ليدعم به المفهوم الوطني الجديد، ثم يتحدث عن الحرية وأنها سبيل التقدم وكذلك طالب بتقنين الشريعة على نمط المدونات القانونية الأوروبية، ثم يتحدث بكلام كثير وطويل عن المرأة. كتعليمها ومنع تعدد الزوجات وتحديد الطلاق واختلاط الجنسين (30).

وخلاصة ما يريده أعداء الإسلام في قضية التربية والتعليم هو ما قاله المستشرق "جب" في كتابه " وجهة الإسلام" حيث قال:

".. والسبيل الحقيقي للحكم على مدى التغريب (أو الفرنجة) هو أن نتبين إلى أي حد يجري التعليم على الأسلوب الغربي، وعلى المبادئ الغربية، وعلى التفكير الغربي. والأساس الأول في كل ذلك: هو أن يجرى التعليم على الأسلوب الغربي وعلى المبادئ الغربية، وعلى التفكير الغربي … هذا هو السبيل الوحيد، ولا سبيل غيره، وقد رأينا المراحل التي مر بها طبع التعليم بالطابع الغربي في العالم الإسلامي، ومدى تأثيره على تفكير الزعماء المدنيين، وقليل من الزعماء الدينيين " (31).

إن العالم "الإسلامي" كله اليوم يسير في تعليمه وتربيته العلمية على النهج الغربي والشرقي بدليل أن كل الجامعات – مثلاً – تدرس نظرية فرويد في البحوث النفسية ونظرية دوركايم في علم الاجتماع ونظرية ماركس الاشتراكية والشيوعية، ونظرية فريزر في علم مقارنة الأديان.

وينادي بإحياء الجاهليات التي سماها الله في كتابه وسنة رسوله جاهلية: تدرس على أنها حضارة راقية ضاربة في أعماق التاريخ أكثر من سبعة آلاف سنة!!

ص401

وكذلك التغني بأمجاد أوروبا ومعرفة "أبطال" حضارتها، وفصل الدين عن الدولة، وأن الدين علاقة بين العبد وربه ولا دخل له في شؤون الحياة... كل ذلك كان ثماراً طبعية للغزو الثقافي (32).

وأخيراً: فإن هذه المناهج التعليمية قد جردت المسلم من ولائه لله ورسوله ودينه وإخوانه المؤمنين ومحت عداوته لأعداء الله، فنشأ جيل لا يعرف الصلة بالله، ولا يقيم ولاءه وانتماءه على أساس عقيدته بل على ما تعلمه وانتسب إليه من المذاهب والانتماءات الجاهلية.

صورة من صور

الولاء الفكري المعاصر

وتستوقفني هنا صورة واحدة أجد أن ذكرها هنا ذو أهمية بالغة ذلك أن هذه الصورة يظهر فيها بوضوح حب التبعية للغرب، مع الاعتزاز والفخار بالتعليم العلماني والمطالبة – وبإلحاح شديد – بعودته – إن كان قد فقد – وإلا ففتح الأبواب له على مصارعها إذا كان مضيقاً عليه.

كتب رئيس تحرير جريدة يومية مقالاً طويلاً بعنوان "الإنسان العربي ومعضلة التعليم" وجاء هذا المقال في صفحتين كاملتين من الجريدة هما الصفحة الثانية والثالثة.

وإليك مقتطفات من هذا المقال لترى فيه الصورة الصادقة للولاء والتبعية لأعداء الله.

قال الكاتب: (إن التعليم في البلاد العربية ارتبط بأسلوبين مختلفين:

الأول: المنهج الذي وضعه دنلوب باشا البريطاني ناظر المعارف في مصر، والذي انعكست آثاره على بقية الرقعة العربية من خلال الاتفاقيات الثقافية الثنائية أو

ص402

الجماعية ويقوم هذا المنهج التعليمي على إبطال القدرة على التفكير (وتفريخ) العديد من الكتبة الذين يؤدون وظائف روتينية لا تحتاج إلى أكثر من معرفة متقنة قواعد القراءة والكتابة.. وبنظرة مجردة نجد أن غالبية المتعلمين في بلادنا ينتمون إلى هذه المدرسة ").

وصدق الكاتب في أكثر ما قاله هنا وإن كان اعتراضنا على منهج دنلوب لا يقتصر على هذه النقطة إنما ينصب ابتداء على نقطة أخطر منها بكثير هي تخريج أجيال من المسلمين لا تعرف حقيقة الإسلام بل تتجه إلى الانسلاخ من الإسلام والارتماء في تبعية ذليلة للغرب. ثم تابع معي ما يقول:

"والأسلوب الثاني في التعليم داخل الوطن العربي. بريطاني أيضاً، ويهدف هذا الأسلوب – على خلاف الأول – إلى خلق مجموعات بشرية تمتلك القدرة على التفكير السليم بالأنماط الغربية (!!).

"وتجسد هذا الأسلوب في مدرستي كلية فكتوريا في الإسكندرية والقاهرة.. وعلى خلاف ما قيل عن هذه المدارس التي اتهمت بالتربية الاستعمارية أو الأدوار التبشيرية فإن الأدلة الدامغة تثبت أن معظم مفكري أبناء الأمة العربية الذين تلقوا تعليمهم الأولي والثانوي داخل منطقة الشرق الأوسط ينتمون إلى إحدى هاتين المدرستين ذلك لأن النظام التعليمي بهما يعتمد على أسلوب البحث العلمي (!) الذي ينمي في الطفل والشاب طوال مدارج التعليم: القدرة على التفكير السليم وإيجاد العلاقات بين الظواهر المختلفة.

"وتتضح جدية هذا الدور التعليمي من واقع المناهج الدراسية المقررة التي كانت هي ذات المناهج المقررة على الطلبة البريطانيين بأسلوب اكسفورد وكامبردج في مراحل التعليم العام، المبدئي والإعدادي والثانوي.. فالباعث الحقيقي لوضع هذا الأسلوب التربوي والتعليمي من خلال فكتوريا الإسكندرية والقاهرة كان يهدف "إلى" إيجاد مجموعات من أبناء البلاد العربية، بمستوى ثقافي قادر على التفاهم والتعامل مع الغرب في مواطن المعرفة العلمية، التي تربط بينهم بأسلوب المخاطبة المتعارف عليها (!).

ص403

"واستطاع بالفعل أبناء الأمة العربية المتخرجون من هاتين المدرستين حتى بعد تلقيهم التعليم الجامعي سواء في بريطانيا أو أمريكا أو حتى داخل الوطن العربي أن يقوموا بأدوار واضحة في خدمة مصالح بلادهم من المواقع المختلفة نتيجة توافر القدرة لديهم في مخاطبة الغرب بالأسلوب العلمي المقبول والمفهوم نتيجة انسجام منطق التفكير عندهم مع المعطيات الحضارية المعاصرة (!).

ثم تحدث الكاتب – وهو يؤدي دوره – عن الصراع بين مدرسة فكتوريا ومدرسة دنلوب وعن الرابطة التي جمعت بين خريجي كلية فكتوريا ثم قال إن هذه الرابطة ألقيت ولكن مع هذا الإلغاء (ظل الترابط والود) قائماً بين هؤلاء الخريجين، حتى قامت رابطتهم الجديدة المنظمة بشكل دقيق في العاصمة البريطانية لندن. ولقد أقيم هذا الاحتفال الجديد في يوم الجمعة 4 مايو سنة 1979م.

وبعد هذا تساءل الكاتب: لماذا ألغيت هذه الكلية مع أن مدرسة دنلوب لا تزال قائمة؟ ثم تحدث عن البديل للمناهج الهزيلة التي تدرس الآن فقال:

(وبغض النظر عن تعاطفي الشخصي مع كلية فيكتوريا كمدرسة أجنبية وجدت على التراب العربي، تشرفت بالانتماء إليها: فإنني أجد أن الإسراع في فتحها الآن بالأنماط التعليمية التي كانت تمارسها من المنابع الفكرية السائدة في اكسفورد وكامبردج كفيلة بأن تمثل أولى الخطوات السليمة على الخط العلمي الذي نهدف إليه … ومن الممكن التوسع في فتح المدارس الأجنبية المختلفة البعيدة عن السمات التبشيرية وهي كثيرة وكفيلة بإخراج أنماط متعددة من التفكير العلمي السليم الذي يلتقي مع غيره من أنماط علمية سليمة أخرى، ليؤدي التفاعل بينهم إلى خلق القدرة العربية في الوصول إلى أسلوب المخاطبة مع الغرب، والتعبير عن مصالحنا وأهدافنا القومية) (33)

إنني أعتقد أن هذه الفقرات التي أوردتها كافية في الدلالة على صدق صورة هذه الموالاة للغرب، وهي صادقة أيضاً في براء هذا الفكر الإسلامي السليم.

ص404

فالكاتب لا يرى في الإسلام بديلاً صالحاً للمناهج الهزيلة التي تدرس الآن في العالم الإسلامي، لأنه غير مقتنع بصلاحية الإسلام، الذي يربي المؤمنين على العقيدة الإسلامية الصحيحة وعلى الولاء الخالص الصادق لهذه العقيدة. مع البراء من كل دخيل عليها، والشعور بالاعتزاز بهذه المكرمة الربانية التي لا يستحق هذا الكاتب وأمثاله أن يتحلوا بها. لأنها لا تكون إلا لمؤمنين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وليست لمجموعة من (فراخ) التعليم الغربي الكافر.

فهل وعى ذو الحجى منا خطورة هؤلاء التلاميذ الذين ينشرون هذا الكلام في صحفنا ويضعون مناهج التعليم في بلادنا؟

اللهم بلغت اللهم فاشهد.

(2) وسائل الإعلام:

لوسائل الإعلام – الكتاب، القصة، الإذاعة، التليفزيون، المجلة الجريدة، السينما وأخيراً الفيديو- أثر كبير وخطير على جميع طبقات المجتمع وقد أدرك أعداء الإسلام خطورة هذه الوسائل وما لها من تأثير عميق فأحكموا قبضتهم عليها، وبثوا من خلالها ما رسموه لإفساد المسلمين وإخراجهم من إسلامهم.

وجميع هذه الوسائل تحرص – وبكل ما أوتيت – على فسخ وخلع ولاء المسلم لدينه وإخوانه المؤمنين وتركز بكل قوة على تذويب تميز المسلم عن غيره، وعلى زعزعة برائه وعداوته للكفار، حيث تحسن للناس: أن البلاد الصناعية هي بلاد الحرية وبلاد التقدم وبلاد العلم والرقي والمدنية وأن الذي يشعر أو يدين بالعداوة الدينية لهذه الشعوب هو إنسان لم يعرف روح العصر وروح العلم الذي مزق الحواجز بين الأجناس ووصل القارات وجعل الناس إخوة في الشرق والغرب!! وهي البلاد التي يستطيع الإنسان فيها أن يمارس ما يشاء وكيف شاء!!

ولقد قامت وسائل الإعلام في البلاد الإسلامية – ولا تزال تقوم – بحرب شعواء على الدين الإسلامي وعلى المسلمين ففضلاً عن أنها تحسن وتدعو إلى موالاة الكفار: هي أيضاً حريصة على نشر الفاحشة في الذين آمنوا.

ص405

والمتتبع للصحف الصادرة في أوائل هذا القرن الميلادي يجد فيها صورة صادقة لما نقول فصحيفة المقطم – مثلاً – تجدها موالية للإنجليز، تعمل لحسابهم، وتصور أفعالهم بأنها أفعال إنسانية، حيث أنهم – أي الإنجليز – لم يقيموا في مصر إلا لرفع الظلم وإحياء العدل، وإليهم وحدهم يرجع الفضل في إنقاذ مصر من كل ما أصابها!! وكذلك كانت مجلة المقتطف تدور كتابتها وآراؤها حول هذا الموضوع (34).

وقد عملت هذه الصحف والمجلات المأجورة على إماتة الجهاد بمفهومه الإسلامي الصحيح، وتردد ما يقوله أسيادها من أن المسلمين أناس همج يحبون الحروب وسفك الدماء، ولا تتسع صدورهم للتسامح "لأنهم أناس متعصبون"؟!

فإذا أرادوا الخروج من هذه الوصمة فعليهم بالتسامح والتحبب للآخرين وتغيير النظرة إليهم، ويجب عليهم أن يبرأوا من ذلك "التراث" الذي يعمق تلك الروح المتعصبة في نفوسهم (35)!

وكذلك كانت مجلة الهلال والمقتطف تعملان على (تطوير الفكر الإسلامي وإشرابه الروح العلمانية التحررية التي سادت أوروبا في القرن التاسع عشر) (36).

ومن المهام التي عنيت بها وسائل الإعلام: إشاعة الفاحشة، والإغراء بالجريمة، والسعي بالفساد في الأرض لخلخلة العقيدة وتحطيم الأخلاق وإذا انهدم الركنان الأساسيان – وهما العقيدة والأخلاق – فكيف يرجى بعد ذلك قيام بناء سليم (37)؟

وإذا كان هذا هو تأثير وسائل الإعلام بوجه عام، فكيف إذا علمنا أن معظم

ص406

القائمين على هذه الصحف والمجلات، أناس كفار، قد ملت صدورهم حقداً وكراهية لهذا الدين وامتلأت نفوسهم غيظاً من شدة ما يرو من تأثير هذا الدين، وما تصنعه هذه العقيدة.

وهؤلاء كثير. منهم على سبيل المثال لا الحصر: جورجي زيدان مزيف التاريخ وهو صاحب دار الهلال وسليم تقلا مؤسس جريدة الأهرام، ويعقوب وفؤاد صروف صاحبا المقتطف.

وهذه الوسائل قد قامت بمحاربة الله في الأرض، تريد أن تحلل ما حرم الله، وتحرم ما أحل الله، فنصبت نفسها طاغوتاً يعبد من دون الله.

ومصداق ذلك: أن الصحافة المأجورة أيام تأسيسها في مصر ظلت تكتب عن مشكلة البغاء ثلاثين سنة، وكذلك عن مشكلة المرأة واختلاطها بالرجال، وتحطيم هيبة الدين ووصمه بالرجعية والجمود والتقاليد البالية، وأنه لم يعد صالحاً لمواكبة العصر، كما قال الصحافي المأجور (هيكل) حين قال: (إن التقدم التكنولوجي قد أحال أقدس الكتب الدينية – أي القرآن – إلى أوراق صفراء تحفظ في المتاحف) (38). بل تعدت وسائل الإعلام المأجورة من قبل أعداء الإسلام على الألوهية. فقال نجيب محفوظ في إحدى قصصه إن الله قد مات (39) "ألا لعنة الله على الظالمين".

أما عن قضية حجاب المرأة المسلمة فهذا شيء هاجت له جميع وسائل الإعلام ولا تزال وأول من قاد هذه الدعوة المحمومة قاسم أمين في كتابه "تحرير المرأة" و"المرأة الجديدة" ونادى بالمرأة المصرية أن تجاري أختها الأوربية في كل شيء، ومن ثمار هذه الدعوة من سميت أمينة وهي ليست أمينة، إنها أمينة السعيد التي قالت وهي تهاجم الحجاب " عجبت لفتيات مثقفات كيف يلبسن أكفان الموتى وهن على قيد الحياة "، وقبلها كانت "الزعيمة" هدى شعراوي وصفية زغلول، وغيرهما ممن اللائي أحرقن الحجاب في ميدان الإسماعيلية الذي سمي بعد ذلك

ص407

"ميدان التحرير" (40)!

وخلاصة ما يمكن أن نقوله عن وسائل الإعلام وممن يخطط لها: أنها قلبت المنكر معروفاً وأمرت به، وقلبت المعروف منكراً ونهت عنه.

ومن يراجع بروتوكولات حكماء صهيون يجد مصداق ما ذكرنا كله حرفاً بحرف بل أكثر من ذلك، وإليك هذا النص الصريح من نفس البروتوكولات.

جاء في البرتوكول الثالث عشر ما نصه: (ولكي نبعد الجماهير من الأمم غير اليهودية عن أن تكشف بنفسها أي خط عمل جديد لنا سنلهيها بأنواع شتى من الملاهي والألعاب وهلم جرا.

"وسرعان ما سنبدأ الإعلان في الصحف داعين الناس إلى الدخول في مباريات شتى من كل أنواع المشروعات كالفن والرياضة وما إليها.

" إن هذه المتع الجديدة ستلهى ذهن الشعب حتماً عن المسائل التي سنختلف فيها معه وحالما يفقد الشعب تدريجياً نعمة التفكير المستقل بنفسه سيهتف جميعاً معنا لسبب واحد هو: إننا سنكون أعضاء المجتمع الوحيد بين الذين يكونون أهلاً لتقديم خطوط تفكير جديدة.

"وهذه الخطوط سنقدمها متوسلين بتسخير آلاتنا وحدها، من أمثال الأشخاص الذين لا يستطاع الشك في تحالفهم معنا.

"إن دور المثاليين المتحررين سينتهي حالما يعترف بحكومتنا وسيؤدون لنا خدمة طيبة حتى يحين ذلك الوقت، ولهذا السبب سنحاول أن نوجه العقل العام نحو كل نوع من النظريات المبهرجة التي يمكن أن تبدو تقدمية أو تحررية.

" لقد نجحنا نجاحاً كاملاً بنظرياتنا على التقدم في تحويل رؤوس الأميين الفارغة من العقل نحو الاشتراكية. ولا يوجد عقل واحد بين الأميين يستطيع أن

ص408

يلاحظ أنه في كل حالة وراء كلمة "التقدم" يختفي ضلال وزيغ عن الحق (41).

وأحسب أن كل عاقل سيقف بروية عند قولهم "وحالما يفقد الشعب تدريجياً نعمة التفكير المستقل بنفسه سيهتف جميعاً معنا.. الخ.

ولكن مع هذا أيضاً نقول: إن هذا الغزو الفكري مهما كان من الشراسة والحنكة والتخطيط مع الدقة وضبط التوقيت المناسب للمادة المناسبة مع هذا كله فإن المسلمين أو أكثر المحسوبين على الإسلام قد أسهموا في عمل هذه الوسائل الخبيثة لأنهم ابتعدوا عن دينهم وتخلوا عن مفاهيم عقيدتهم والله سبحانه لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.

(3) نشر كتب المستشرقين:

لئن كانت حركة الترجمة الأولى قد صحبها من الانحرافات ما سبق الإشارة إليه، فإن حركة الترجمة المعاصرة أشد خبثاً من سابقتها وأكثر إفساداً منها.

ذلك أن الترجمة الحديثة لم تكن في غالب الأحوال عن طريق غير المسلمين فحسب، بل اتجهت إلى ترجمة كتب المستشرقين الحاقدين الذين قاموا بأعمال فكرية كثيرة هدفها الأساسي تشويه مصادر التلقي عند المسلمين وتكديرها بالأفكار المغرضة والدسائس الحاقدة. لينشأ جيل إسلامي مفصول العرى عن دينه وأمته، يتخذ من الطرائق الغربية في التفكير والبحث قبلته الوحيدة، ولا يشعر بالانتماء للإسلام ديناَ ومنهجاً وحضارة.

وكتابة المستشرقين تتفق في معظمها على أسلوب واحد هو: إنها دراسات

ص409

موجهة من قبل المستشرقين أنفسهم ومن قبل من يمولهم في عملهم فهي ليست دراسات علمية يقصد بها وجه العلم، يدل على ذلك قول "سمث" في كتابه "الإسلام في التاريخ الحديث" في الفصل الثالث الذي تكلم فيه عن العرب: إن الإسلام كان عاملاً أساسياً وسبباً مهماً من أسباب وجود الهوة التي تفصل بين الغرب والعرب ثم يقول: "لقد أصبح من الحقائق الجديدة في مدنيتنا العصرية أن من الواجب سد هذه الثغرات ببناء قنطرة فوق مثل هذه الهوة، وخلق الأسباب الموصلة للتفاهم والتواصل … وخلق مثل هذا التفاهم بين المدنيات المختلفة والأديان المتباينة يتطلب جهوداً مبتكرة لا يتوصل إليها إلا بصعوبة (42).

"ولقد قام المستشرقون بجهود كبيرة تمثلت في إحياء بعض النصوص والمخطوطات الإسلامية وكان لهم في ذلك طرق منظمة إلى حد ما،ولهم أيضاً في ذلك أخطاء كثيرة في فهم النصوص وتفسير الأحداث، ولكن مع كل ذلك فليست العبرة بالجهد الذي بذل وإنما العبرة بالهدف الذي بذل هذا الجهد من أجله هل كان هذا الهدف هو "خدمة" الإسلام أم تشويه الإسلام وتلويث صورته في النفوس" (43)؟

ويدعي المستشرقون في كل ما يكتبون الروح العلمية أو الروح المتجردة! وغير ذلك من الشعارات التي تكذبها كتابة المستشرقين أنفسهم، ودليل ذلك أن مرجليوث – وهو من أئمتهم – يقول في فصل له منشور في موسوعة "تاريخ العلم" إن محمداً صلى الله عليه وسلم رجل مجهول النسب لأنه محمد " بن عبدالله" وقد كان العرب يطلقون على من لا يعرفون نسبه اسم عبدالله!!!

أوليس منبع هذا هو الحقد الصليبي لا الروح العلمية المتجردة؟

أوليس دافع هذا: التشكيك في الحقائق المسلمة البدهية؟

كيف يقال هذا الكلام ورسوله صلى الله عليه وسلم من قوم لا تعرف شيئاً كما تعرف

ص410

الأنساب ولا تعتز بشيء كاعتزازها بالأنساب؟

أي سخف وأي تفاهة في هذا التفكير الاستشراقي الخبيث؟ (44)

وماذا ينتظر من هؤلاء وواحد من زعمائهم "جولد تسيهر" يقول في كتابه "العقيدة والشريعة" إن النظام الفقهي الإسلامي الدقيق مستمد من "القانون الروماني" ونظامه السياسي متأثر بالنظريات السياسة الفارسية، وتصوفه يمثل الآراء الهندية والأفلاطونية الجديدة!!! (45).

ولو أردنا تتبع الأمثلة لطال الحديث في ذلك.

ولكننا نقول: ما دام هؤلاء الناس بهذه الروح الحاقدة والنية السيئة والفعل الخبيث. سلاحهم التشكيك، ودينهم الكذب والتزوير وطابعهم الحقد الصليبي القديم، ما داموا كذلك فما هو – يا ترى – قيمة كل ما كتبوه؟

وماذا يرتجي من تلاميذهم الذين ينظرون إليهم بروح الإجلال والإكبار وأنهم هم أساطين البحث العلمي المتجرد؟

إن كثيراً من تلاميذهم يستطيع أن يغالط نفسه وغيره ممن هو على شاكلته كثيراً ولكنه لا يستطيع أن ينكر واقعاً مشهوداً في حياة المستشرقين أنفسهم غير ما ذكرنا من الأمثلة السابقة.

ذلك أن الطلاب المبتعثين للدراسة على أيدي المستشرقين لا بد أن يختاروا بحوثهم العلمية على ما يريده لهم أساتذتهم. فإن لم يكن كذلك وأعطي الطالب حرية الاختيار فلا بد أن تكون الكتابة في أي موضوع خاضعة لما يمليه هذا المستشرقين وما يصبوا إليه من الطعن في الإسلام شريعة وعقيدة ونظام حياة خاصة إذا كان البحث في "قضايا الإسلام"

وخير مثال على ذلك ما ذكره الأستاذ الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله حيث قال: (حدثني البروفسور "اندرسون" نفسه أنه أسقط أحد المتخرجين من الأزهر الذين أرادوا نوال شهادة الدكتوراه في التشريع الإسلامي من جامعة

ص411

لندن، لسبب واحد هو أنه قدم أطروحته عن حقوق المرأة في الإسلام، وقد برهن فيها على أن الإسلام أعطى المرأة حقوقها الكاملة، فعجبت من ذلك، وسألت هذا المستشرق: وكيف أسقطته ومنعته من نوال الدكتوراه لهذا السبب، وأنتم تدعون حرية الفكر في جامعاتكم؟

قال: لأنه يقول: الإسلام يمنح المرأة كذا والإسلام قرر للمرأة كذا، فهل هو ناطق رسمي باسم الإسلام؟) (46)!!

لقد أحدثت كتب المستشرقين زعزعة كبيرة في نفوس ضعاف الإيمان، فخرج من هذه المدرسة التشكيلية أجيال تولت القيادات الفكرية والعلمية في العالم الإسلامي وأخذت تردد كالببغاء ما أملاه عليها أساتذتها "العلماء".

ولقد كان من أهم أهداف المستشرقين وتلاميذهم الطعن في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومحاولة النيل منها. ومصداق ذلك أن أحد هؤلاء التلاميذ وهو الدكتور علي حسن عبدالقادر قال لتلاميذه بعد أن رجع "دكتوراً" إني سأدرس لكم تاريخ التشريع الإسلامي ولكن على طريقة علمية لا عهد للأزهر بها، وإني اعترف لكم بأني تعلمت في الأزهر قرابة أربعة عشر عاماً فلم أفهم الإسلام ولكني فهمت الإسلام حين دراستي في ألمانيا (47)!! قال الأستاذ السباعي رحمه الله: ثم تبين لنا فيما بعد أنه يملي علينا ترجمة حرفية لكتاب "جولد شهير" دراسات إسلامية!! (48).

أما أكثر ما يعتمدون عليه في الطعن في السنة من غير الشبه والشكوك فهو حكاية عرض الحديث على "العقل" وهي حكاية قديمة نادى بها المعتزلة، وتبعهم عليها المستشرقون وتلاميذهم أمثال أحمد أمين وأبي رية وغيرهم كثير.

وللمستشرقين أيضاً كتابات أخرى دس فيها السم بالعسل وذلك أنهم

ص412

يصدون كتاباتهم بقليل من المدح للإسلام وأنه فعل كذا كذا.. الخ، وهم يهدفون من وراء ذلك إلى كسب ثقة القارىء، ثم يبدأون بنفث الحقد الدفين في نفوسهم بأن يشككوا في العقيدة والشريعة ويوردوا سيلاً من الشبه التافهة من أجل زعزعة ثقة المسلم بدينة (49) تحقيقاً لقوله تعالى :

{وَقَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُواْ بِالَّذِيَ أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُواْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ{[سورة آل عمران: 72].

ومما لاشك فيه أن هناك أموالاً وحكومات وراء نشر كتب المستشرقين في العالم الإسلامي لأن هذا الغزو يحقق لأعداء الإسلام ما لم يحققه لهم الغزو العسكري.

على أنه من المهم أن نقول هنا: أن تخلي المسلمين عن منهجهم العلمي بعد تخليهم عن مفاهيم العقيدة الصحيحة وترك منهج المحدثين الذي هو أعظم منهج علمي وضع في تاريخ البشرية سبب مباشر يقف إلى جانب كيد المستشرقين في ازدياد هوة الانحراف الذي وقع في حياة المسلمين:

وخلاصة القول: إن كل من تأثر بالمستشرقين – فكراً أو منهجاً – لا يمكن أن يكون ولاؤه لدينه وأمته صافياً صادقاً كما أن براءه لن يكون وفق التصور الإسلامي الصحيح.

ص413

4- المذاهب اللادينية:

إن من أخبث وأخطر ما واجه المسلمين في عصرهم الحاضر انتشار المذاهب اللادينية بينهم، حيث أريد لهذه المذاهب الهدامة أن تمحو شريعة الله من الأرض وتقصيها من واقع حياة المسلمين. وتشتت ولاء المسلمين الواحد إلى ولاءات جاهلية متعددة، فإذا انتزع ولاء المسلم لدينه سهل حينئذ تقبله لأي فكر، ورضي بأي وضع يعيش فيه مهما كان في ذلك من التبعية والانهزام.

من هنا عمل أعداء الإسلام على بث هذه المذاهب مستخدمين لذلك وسيلتين:

(1) الهجوم الشرس على العقيدة الإسلامية والشريعة ورميها بأحط ما وضعوا من عبارات مسفة كقولهم إن الشريعة الإسلامية شريعة بربرية تشوه يد السارق، وترتكب جريمة فظيعة برجم الزاني المحصن ولا تساير روح العصر الذي سيطرت عليه المعارف "التكنولوجية" بل ليس في الإسلام مواد قانونية تنظم حياة الناس.. إلى آخر ذلك الهراء.

(2) إضفاء صبغة البهرجة الكاذبة، والدعاية لتلك المذاهب الهدامة ووصفها بأنها هي علامة التقدم ومسايرة الركب الحضاري العالمي، وهى التي تعطي الناس الحرية في كل شيء. وهي مذاهب لا تقيد إنسان بدين معين، بل يأخذ ما يريد ويدع ما لا يريد مذاهب تخلو من التزمت وضيق الأفق.. إلى آخر ما هنالك مما يقال.

ولقد وقع كثير من المنتسبين للإسلام فريسة لهذا الغزو الصهيوني الماكر ولا أريد هنا أن أدخل في قضية الردود على كل جزئية فإن ذلك ليس من منهج هذا البحث، كما قد أشرت إلى ذلك سابقاً وصدق القائل:

لو كل كلب عوى ألقمته حجراً لأصبح الصخر مثقالاً بدينار

ص414

ثم إننا لم نعد بحاجة كبيرة لتتبع الرد على شبهات الأعداء وقولهم إن هذا العصر لم يعد بحاجة إلى الدين، لأن هذا كلام يكذبه واقعهم هم، بدليل ما نشاهده اليوم في البلاد الكافرة كأمريكا وأوروبا من حالة الضياع والانتحار والقتل وفظائع الجريمة والخواء الروحي. وبحثهم عما يشبع جوعهم الروحي الذي لا يملأه إلا الإسلام.

وأما ما يتعلق بهجرة مذاهبهم الإلحادية فأكبر مثال يكذبها عندهم هم هو فشلها في بلادهم.

ثم ما كتبه مفكروهم عن تدهور الحضارة الغربية، حيث ذكروا أنها في طريقها إلى الزوال وهذا أمر ثابت لا يحتاج إلى جدال. فإن كل بناء قام على غير ما شرع الله مصيره الزوال والدمار كما قال تعالى:

{فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ { [سورة الأنعام: 44].

وأوربا اليوم قد فتح عليها كل شيء في العلم المادي والتقدم الصناعي والسياسة والمال والاقتصاد وغير ذلك، ولكنها مع هذا كله في طريقها للزوال وفق سنن الله التي لا تتبدل ولا تتحول.

هذا وبالرغم من أنني سأعطي فكرة موجزة عن هدف كل مذهب يتعلق ببحثي إلا أنني أبادر إلى القول بأن الهدف الأول والأخير من كل هذه المذاهب الكافرة هو: إخراج المسلم من إسلامه وقطع ولاء المسلم بربه ودينه وإخوانه المؤمنين، ثم العودة إلى روح الجاهلية التي تتمثل في الطاعة والانقياد والخضوع لهذه المذاهب الكافرة ولطواغيتها الذين يخططون لها. والعودة أيضاً بالمسلمين إلى جاهلية العرق والنسب والتراب وسائر أنواع النتن التي أمر الله المسلمين بتركها

ص415

لأنها تنقض عرى الإسلام عروة عروة. وهذا الهدف تتفق عليه كل المذاهب الكافرة باتجاهاتها المختلفة وانتماءاتها المتنوعة ولكنني – وأنا أكتب عن عقيدة الولاء والبراء – سأقتصر على تلك المذاهب التي تبدو فيها صورة منافاتها لهذه العقيدة واضحة جلية، وتناقضها معها أمراً ظاهراً.

ومن ذلك القومية والوطنية، اللتان تحصران الولاء في دائرة الجنس أو التراب فيلتقي فيها مثلاً اليهودي العربي والنصراني العربي والمشرك العربي، والبعثي العربي مع المسلم العربي لأن رابطة القومية العربية تجمعهم!! وهذا أمر يرفضه الدين الحنيف لأن الرابطة فيه هي رابطة العقيدة، فضلاً عن أن الوطنية والقومية ضيقتا دائرة الولاء.

إن العالم الإسلامي كان أمة واحدة تظلله راية "لا إله إلا الله محمد رسول الله" ورغم خط الانحراف الذي يرتفع ويهبط في تاريخ المسلمين إلا أنهم إلى ما يقرب من ثلاثة قرون كانوا يشعرون أنهم أمة واحدة لأنهم يدينون بدين واحد ويؤمنون بكتاب واحد وسنة واحدة ويتحاكمون إلى شريعة واحدة.

ولقد كان المسلم يخرج من طنجة حتى ينتهي به المقام في بغداد لا يحمل معه جنسية قومية أو هوية وطنية وإنما يحمل شعاراً إسلاميا هو كلمة التوحيد، فكلما حل أرضاً وجد فيها له إخوة في الإيمان وإن كانت الألسنة مختلفة والألوان متباينة لأن الإسلام أذاب كل تلك الفوارق واعتبرها من شعارات الجاهلية.

ولكنه نتيجة لضعف المسلمين وتمكينهم عدوهم من أنفسهم سهل استعمارهم من قبل أرذل خلق الله. وهم اليهود والنصارى ومن جاء بعدهم كالملاحدة الشيوعيين.

وبعد أن تمكن العدو من السيطرة على أرض الإسلام أخذ يبث سمومه ويغرس في نفوس الضعاف والسذج والعملاء حبه ونصرته وموالاته، واستحسان ما هو عليه من باطل وكفر، وهنا نزع الولاء الإسلامي ليحل محله الولاء الجاهلي الكافر.

ومصداق هذا الكلام قول أحد المستشرقين في كتاب "الشرق الأدنى مجتمعه

ص416

وثقافته" وهو يتحدث عن أسلوب نزع ولاء المسلمين فيقول (إننا في كل بلد إسلامي دخلناه نبشنا الأرض لنحصل على تراث الحضارات القديمة قبل الإسلام، ولسنا نعتقد بهذا أن المسلم سيترك دينه ولكنه يكفينا منه تذبذب ولائه بين الإسلام وتلك الحضارات) (50).

وهذا الكلام صادق في ذاته، لأن نشوء فكرة إحياء الحضارات والنعرات الجاهلية أمر خطير على قضية الولاء، حيث ينشأ من ذلك فصام نكد، ويبتدئ الميل والحب – بفعل شياطين الجن والإنس – يكبر تجاه هذه الحضارات ويقل ثم يضمحل الولاء الإسلامي الخالص لله رب العالمين.

وبعد أن كان البراء أمراً ملازماً للولاء تجاه هذه النعرات الجاهلية أصبح أمراً لا وجود له – إلا عند من رحم الله – لأن هذه الأفكار كفيلة بغسل فكرة البراء من النفس عند ضعاف الإيمان، أو المغالطة عند البعض بأن هذه الأفكار والمذاهب لا تتعارض مع الإسلام! ويقال: ما الذي يمنع المسلم أن يكون مسلماً وقومياً أو مسلماً علمانياً أو مسلماً اشتراكياً.. الخ.

ولما أدرك أعداء الإسلام مدى جدوى وفاعلية هذه الفكرة التي تمسخ المسلم حتى يصبح مخلوقاً لا صلة له بالله – كما قالوا – بدأوا ببث فكرة القومية والوطنية مبتدئين بتركيا مقر آخر خلافة إسلامية، حيث نشأت هناك: القومية الطورانية وتزعم هذه الدعوة حزب "الاتحاد والترقي" فبدأ بالمطالبة "بتتريك" تركيا، وعودة القومية الطورانية متخذين لذلك شعار: الذئب الأغبر الذي هو معبود الأتراك قبل أن يعرفوا الإسلام.

وبهذا (التتريك) أخذت الدولة العثمانية تضغط على العرب، حيث تعطي الأتراك امتيازات خاصة بهم لأنهم ترك! وهذا الفعل فضلاً عن كونه يعارض مبدأ العدل الإسلامي هو أيضاً مؤشر للعرب أن يتحدوا في قومية عربية جديدة! وهذا هو الذي حصل فعلاً.

فلقد قام الجاسوس لورنس – الذي سماه المغفلون – "لورنس العرب"

ص417

بالتخطيط لقيام ما يسمى بالثورة العربية الكبرى ضد الخلافة العثمانية وانضم العرب إلى جيوش الحلفاء الذين لا يرقبون في مؤمن إلا وذمة ولا يراعون في مسلم عهداً ولا حرمة (51). ومن المضحك المخزي أن محرك هذه الجيوش العربية هو لورنس العرب!!

فانظر أيها القارئ إلى جيوش عربية تزعم أنها مسلمة وولاؤها لجاسوس غربي كافر اسمه لورنس!!

وبعد انتهاء مهمة هذه الجيوش قال أحد القادة الإنجليز – "اللينبي" – قولته المشهورة "الآن انتهت الحروب الصليبية"!! يقصد بذلك أن الحقد الصليبي ظل كامناً في نفوس الصليبيين إلى أن استردوا بيت المقدس" (52).

وانفصل العرب عن إخوانهم المسلمين في أنحاء المعمورة واعتنقوا القومية العلمانية من أجل تقليد الغرب الذي آمن بها بالأمس وكفر بها اليوم. وأصبح "كل تجمع أو حتى تضامن أو تقارب على أساس العقيدة والدين مظهراً من مظاهر التخلف والرجعية يجب أن تبرأ منه الجماهير لتكون عصرية تقدمية" (53).

ولما انتكست العرب وعادت إلى نعرة الجاهلية، فقدت روح التضحية والجهاد، وولت وجهها تجاه اليمين واليسار، حيث اليمين له ألوان وضروب من واشنطن إلى باريس إلى لندن واليسار له ألوان أحمر وأصفر وبينهما بعد ما بين موسكو وبكين (54).

ولما وقعت هذه النعرة الجاهلية، وقع معها كل باطل وكل شر فأما شريعة الله وحكمه وقيامها بما يحتاج إليه البشر لأنها من عند الله وهو العليم سبحانه بما يصلح أحوال البشر: فقد أقصيت وحل محلها قانون البعث العربي الاشتراكي الذي أخذ هذا الشعار.

ص418

لا تسل عن ملتي أو مذهبي أنا بعثي اشتراكي عربي

ومن المضحك أن صاحب هذا الشعار حين تلقى صفعة موجعة من اليهود بالرغم من ولائه لهم – مسح ذلك الشعار وكتب مكانه "كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله"!!! (55).

أما ثمار هذا (الفتح الجديد) بعد الرضى بالقومية فشيء يصعب حصره، حيث انطلقت الغرائز البهيمية وطغت الشهوات، وانتشر المجون والفسق، وتحللت الأخلاق وغربت الفضائل، فأصبح العفاف والاحتشام والحياء: رجعية متزمته لم تر نور القرن العشرين، وأصبح اللهو والخلاعة والصور العارية والقصص الخليعة والأدب الرخيص، والأزياء المثيرة والغناء والرقص والاختلاط سمات الحضارة وعنوان التقدم وشارة التحرر من ربقة التقاليد البالية!! (56).

وأعجب من ذلك كله أن اليهود الذين هم وراء هذه الردة الجديدة يعلنون وبصراحة وجدية واضحة أنهم لم ولن يتخلوا عن دينهم فهذا موشي ديان حين سئل هل كنتم تشعرون أن الله معكم في معركة 5 حزيران؟

قال: كنا نشعر أننا في جانب الله "(57).

ويقول زعيم الصهيونية الأول "هرتزل": إن العودة إلى صهيون يجب أن تسبقها عودة إلى اليهودية (58).

ونشطت الدعوات الهدامة، فهذه النعرة الفرعونية تطل برأسها وتسفر عن وجهها بعد أن كانت لا تظهر إلا مقتنعة أو من خلف ستار.

نشط دعاتها في الصحف والندوات ورسموا رأس "أبي الهول" على طوابع

ص419

البريد وعلى أوراق النقد، اجتاحت مصر موجة من الفرعونية، تحاول غزو سائر النواحي الثقافية، وتدعو إلى إقامة الفنون على أسس فرعونية، وتزعمت صحيفة "السياسة الأسبوعية" هذا الاتجاه الجديد، فأفسحت صدرها لهؤلاء الدعاة ولم يخل عدد من أعدادها من حديث عن حضارة الفراعنة وثقافتهم ومجدهم (59).

وكثر التغني بهذه الأمجاد من أجل ذبذبة ولاء المسلم، فهذا حافظ إبراهيم يقول:

أنا مصري بناني من بنى هرم الدهر الذي أعيى الفنى

ورجعت العراق لعنصرية الآشوريين، وكل بقعة أخذت تنادي بهذه الردة الجديدة.

أما الشعار الوطني الجديد: فهو ما أعلنه سعد زغلول بقوله: الدين لله والوطن للجميع! أي الوطن ليس لله، ثم قال: لا تنادوا بشعارات إسلامية خشية أن يغضب إخواننا الأقباط (60).

ونادى دعاة القومية الناس بأسلوب ماكر فقالوا: ما المانع أن يكون المسلم العربي – عربياً مسلماً، ثم قالوا: يكون عربياً فقط. أليس الإسلام عربياً؟ إذن ما هو عيب القومية العربية؟ إن العرب إذا ذلوا ذل الإسلام فلنناد بالقومية العربية!!

وهذا كلام غير صحيح لأنه يوم ذل العرب جاء صلاح الدين الكردي، وجاء قطز المملوكي فأنقذوا المسلمين من ذلك الهوان، وانتصر القائدان بقولهما وإسلاماه.

ولم يكن في حسهم ولا في عقيدتهم هذه التفرقة ولا هذه النعرة الجاهلية (61).

إن الإسلام يكذب ذلك الزعم الذي يزعمه القوميون لأنه جاء لانتزاع هذه النعرات فجمع في دعوته بل في أول دعوته: أبا بكر العربي القرشي وبلال الحبشي وصهيباً الرومي وسلمان الفارسي. وكما قال عمر رضي الله عنه: نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فإذا التمسنا العزة بغيرة أذلنا الله.

إن تقليد الغرب في استيراد مبدأ القومية أو العلمانية أو أي مذهب أو فكر: يعيد للأذهان تلك القصة الرمزية القديمة التي تتحدث عن حمارين كان أحدهما يحمل ملحاً وكان الآخر يحمل إسفنجاً. فرأى حامل الاسفنج صاحبه ينزل إلى الماء فيذيب بعض الملح ويخرج منه أخف حملاً، فخطر له أن يحصل على المزية نفسها بالأسلوب نفسه، فكانت النتيجة على عكس ما توقعه، وخرج من تجربته أثق حملاً (62).

وخلاصة القول في القومية: إنها شرك بالله لأنها بإيجابها العمل لها وحدها والتضحية والجهاد في سبيلها، وصرف الكره والبراء وما يتبعهما ضد كل خارج عن القومية، وصرف الحب والولاء وما يتبعها للقوميين ومن والاهم: هي بهذا تكون نداً يعبد من دون الله لأن ذلك يقوم مقام النفي والبراء والإثبات والولاء وهما ركنا الألوهية، أو العبادة في قوله "لا إله إلا الله" فلا "إله" نفي وبراء، و"إلا الله" إثبات وولاء لله لا شريك له. والدليل على ذلك قوله تعالى:

{وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ{ (63)[سورة البقرة: 165].

ص421

وليس بعد الحق إلا الضلال. فليحذر كل مسلم على نفسه من الوقوع في هذا الشرك المقنع.

وأما العالمية: أو "الإنسانية" فهي تتفق أيضاً مع القومية والوطنية في مناقضة عقيدة الولاء والبراء، ولكن هذا التناقض يتخذ شكلاً آخر: هو توسيع دائرة الولاء بحيث يدخل فيها كل الأقوام والأديان والأوطان. وهذا في حقيقة الأمر ضياع للولاء ومسخ للبراء حتى لا يعود المسلم يشعر بالفارق بينه وبين أي كافر في بقاع الأرض.

ويقوم هذا المبدأ على ألفاظ خادعة وموهمة مثل: الحرية والأخوة والعدل والمساواة.

وفي ذلك يقول "كالفرلي": (وحينما يصبح في مقدور الجميع الوقوف على كل المعلومات المجردة عن الهوى، وحينما يصبح الجميع أحراراً في تفكيرهم، لهم من الشجاعة ما يجعلهم يتقبلون ما هو خير وعدل وجميل، وعندئذ يكون من المحتمل أن يسود العالم دين واحد. وإني سأكون سعيداً باتباع دين عالمي موحد، تنبع مصادره من حقائق التاريخ، وتشمل مبادئه العدالة الاجتماعية، وتقوم بفضله مظاهر الحب والإخاء على أنقاض الكراهية والخصومة (64).

وهذا الكلام هدم صريح للإسلام، ومعمول هدم لطمس الجهاد الإسلامي الذي يقوم على تحرير الناس من عبودية بعضهم لبعض، ومن انقسامهم إلى "ملأ" وهم السادة الأقوياء و"عبيد" وهم التابعون الأذلاء: إلى جعلهم كلهم عباداً لله.

وكما نعلم جميعاً أن الجهاد يرهب أعداء الله، ويخافونه كثيراً، ولذلك ما فتؤوا يبحثون عن وسائل متنوعة لإبطاله ومحوه من أفكار المسلمين، إنهم تارة يقولون: الإسلام انتشر بالسيف، وتارة يقولون، إنه دين وحشي لا يرحم الناس وقد لا تكون هذه مجدية لما يريدون، فقالوا: العالمية والإنسانية هي المذهب الجديد الذي يعيش فيه الناس بأمن وسلام وعدالة وإخوة، بصرف النظر

ص422

عن الأديان والأوطان!

ويزيد هذا الأمر إيضاحاً ما قاله معروف الدواليبي (.. إننا نشاهد منذ المنتصف الثاني لعصرنا الحاضر من القرن العشرين تطلعاً كبيراً نحو إقامة الحياة البشرية على مفاهيم وقواعد إنسانية، ورغبة أكيدة من قبل رجال الفكر والعلم وقادة السياسة للانتقال بالمجتمع الإنساني المتمايز المتناحر إلى مجتمع إنساني واحد متعاون وذلك في إطار "وحدة الأسرة البشرية" من غير تفاضل بين الأقوام إلا بالتقوى، وفي إطار "حق الجميع في الحياة الكريمة " من غير تمايز في الأعراق أو في الأجناس أو في الأديان وفي إطار " وحدة المصالح الاقتصادية للجميع" من غير استئثار من قبل الكبار والأقوياء على حساب الصغار والضعفاء. وفي إطار "العدالة المطلقة بين الجميع حماية لسلام الإنسان"، ثم ذكر أن هيئة الأمم المتحدة أخذت تدعو لهذه المفاهيم العالمية الجديدة التي (تدعو إلى محو التمايز فيما بين الأسرة البشرية وأجناسها، قومياً وعرقياً واقتصادياً وفقاً لمبادئ حقوق الإنسان) (65).

ص423

ونتساءل بعد هذا الكلام. أي قانون بشري يريد دعاة العالمية أن يعيش الناس تحت لوائه؟

هل هو ميثاق هيئة الأمم المتحدة؟ فهي. منظمة السيطرة فيها لليهود والنصارى والشيوعيين وأكبر دليل على ذلك ما يسمى بـ"حق الفيتو" الذي يرفض كل ما يتعارض مع مبدأ أولئك المسيطرين أم أنها الغفلة والانخداع بما خطط له دعاة هذا المذهب الفاسد؟

أم أنه الخبث والدهاء في تحذير الأمة الإسلامية بأن الجهاد أمر لم يعد يصلح لمسايرة العصر الحديث لأن العالمية لا تقره ولا ترضاه؟

وأقرب الإجابات إلى نفسي هو جواب السؤال الأخير ذلك الجواب الذي يعرفه كل مخلص لدينه وربه وكل مؤمن يعرف كيد الجاهلية المعاصرة فيربأ بنفسه أن ينخدع بأي دعوة لا تنبثق من مشكاة النبوة المحمدية والرسالة الربانية الخالدة.

ونحن إذ نقرر هذا الجواب المؤكد، فليس ذلك تجنباً أو مجرد ثورة عاطفة ضد هذا المذهب الإلحادي الكافر، بل هو عين ما يهدف إليه دعاة الماسونية العالمية التي تولت كبر الدعوة إلى هذه النحلة الجديدة بجميع أهدافها وشعاراتها.

ولذلك يقول أحد الماسون " إن ما تبغيه الماسونية هو، وصول الإنسانية شيئاً فشيئاً إلى النظام الأمثل الذي تتحقق فيه الحرية بأكمل معانيها وتزول منه الفوارق

ص424

بين الأفراد والشعوب ويسود فيه العلم والجمال والفضيلة" (66).

وختاماً نقول: إن كل المذاهب البشرية القائمة اليوم في الأرض التي لا تستمد وجودها من الكتاب والسنة محادة لله ولدينه وكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأي تقبل لها أو عمل بمبادئها فإن ذلك موالاة صريحة للكفار، وبراءة صريحة من الإسلام والله قد بين لنا في كتابه العزيز أن من تولى الكفار فهو منهم:

{وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ { [سورة المائدة: 51].

والإسلام هو الدين الذي يجمع ولا يفرق، وهو الذي يجعل الناس في ميزانه الإيماني سواسية كأسنان المشط، لا فضل لعربي على عجمي ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى.

وهو الذي تتحقق فيه العدالة في أسمى صورها، ويتحقق فيه الأمن لأنه لا خوف إلا من الله وهو الذي يكسر شوكة كل طاغوت يريد إذلال الناس له من دون الله.

وهو الذي فيه الطمأنينة والسعادة:

{أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ{ [سورة الرعد: 28].

وهو الذي تتحقق فيه الحياة الكريمة

مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ

ص425

{أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ{ [سورة النحل: 97].

وهو الذي يحصل به التمكين الرباني

{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ{ [سورة النور: 55].

ص426

الخاتمة

الإسلام طريق الخلاص وسبيل النجاة

ما الخلاص من هذا الهوان والتبعية اللذين أصيبت بهما الأمة الإسلامية اليوم؟

ما سبيل النجاة مما يراد بالمسلمين اليوم في جميع أنحاء الأرض؟

هل من سمات معينة لذلك المخلص؟ ولمن المستقبل في نهاية الأمر؟

الجواب: إنه الإسلام ولا شيء غيره فهو الذي ينقذ الناس مما هم فيه ممن حالة الضياع والهبوط والعبودية لغير الله، فيخرجهم كما أخرج سلف هذه الأمة من الظلمات إلى النور، ومن الجور إلى العدل، ومن ضيق الدنيا إلى سعة ونعيم الآخرة.

ولكن هذا الطريق المستقيم يحتاج إلى سالك جاد، سائر يسير فيه دون الالتفات إلى اليمين أو اليسار

{ وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }[سورة الأنعام: 153].

"والحق أنه لا يمكن أن ينهض صرح الحياة الإسلامية الكاملة الخالصة إلا على دعائم الإقرار بالتوحيد الذي يحيط بجميع نواحي الإنسانية الفردية

ص427

والجماعية، والذي يحسب (1) الإنسان بموجبه أنه هو وكل ما بيده من شيء ملك لله، ويرى أن الله هو المالك الشرعي الحقيقي له وللعالم كله، المعبود المطاع الذي له الأمر والنهي.

وأن لا ينبوع للهداية إلا هو، وتطمئن نفسه بكل شعور إلى أن الانحراف عن طاعة الله أو الاستغناء عن هدايته وإشراك غيره به في ذاته وصفاته وحقوقه وتصرفاته إن هو إلا إمعان في الضلالة من أي ناحية جاء أو في أي لون كان.

ثم إن هذا البناء – بناء الإيمان بالله – لا يمكن توطيد دعائمه إلا إذا رأى المرء في باطن أمره رأيا جازماً، وقطع على نفسه بشعور كامل و إرادة قوية أنه هو وكل ما بيده ملك لله وراجع إلى مرضاته، وقضى على ما في نفسه من مقياس للرضا والسخط وجعله مذعناً لرضاء الرب تعالى وسخطه، ونفى عن نفسه الأثرة والكبرياء، وصاغ نظرياته وأفكاره و آراءه ونزعاته ومناهج تفكيره في قالب ذلك العلم الذي قد أنزله الله تعالى في كتابه العزيز.

وخلع عن عنقه ربقة جميع أنواع الولاء الذي لا يذعن لطاعة الله.. ومكن محبة الله تعالى ومودته من سويداء قلبه، ونفى عن أعماق فؤاده كل صنم يطلبه بإجلاله وإكباره أكثر من الله تعالى وأدغم حبه وبغضه وصداقته وعداوته ورغبته ونفوره وصلحه وحربه.. الخ في مرضاة الله تعالى حيث لا ترضى نفسه إلا بما يرضى به الله، ولا تكره إلا ما يكرهه الله.. وهذه مرتبة الإيمان الحقيقية وغايته المرموقة " (2).

إن الوضع الذي تعيشه البشرية اليوم في جميع بقاع الأرض والذي يتوجه الضياع والخواء الروحي، وهذه الهتافات التي ترتفع من كل مكان تنادي بمنقذ ومخلص يخلصها من ذلك الهوان لأمر يشيء بأنه هو الإسلام لأنه دين الله العليم بما يصلح النفوس والخبير بجميع مكنونات الضمائر.

إن الإسلام "هو المنهج الوحيد الذي يعطي الفطرة ما يلائمها وهو الذي

ص428

ينسق خطاها في الإبداع المادي وخطاها في الاستشراق الروحي وهو وحده الذي يملك أن يقيم لها نظاماً واقعياً للحياة يتم فيه هذا التناسق الذي لم تعرفه البشرية قط إلا في ظل النظام الإسلامي – وحده – على مدى التاريخ " (3).

وأعداء الإسلام يعرفون جيداً أن عدوهم الوحيد هو الإسلام، ومن أجل ذلك فهم يسعون جادين إلى تحطيم هذا الجبل الشامخ لأنه يعوقهم عن أهدافهم الاستعمارية كما يعوقهم عن الطغيان والتأله في الأرض كما يريدون، لذلك فهم يضعون التصورات والمناهج التي لا تمت إلى هذا الدين بصلة من أجل أن تكون هي البديلة عن هذا الدين القيم (4).

وليكن من المعلوم لكل مسلم جاد: أن هذا الدين لا يقوم بألف كتاب تكتب عن الإسلام ولا بالخطب والمواعظ ولا بأفلام الدعاية للإسلام، وإنما يقوم على واقع حي متحرك – يتمثل هذا في المسلمين الصادقين – واقع تراه العين وتلمسه اليد وتلاحظ آثاره العقول (5). ومن سمات أصحاب هذا الواقع الذي يغير مجرى حياة البشرية المعاصرة أن يستعلوا بأنفسهم من موالاة أعداء الله – سواء من الكافرين أو المنافقين أو الملحدين – فلا يخدعهم هيلمان الباطل المعاصر، وأن الشرق والغرب يملك القنبلة الذرية، والصواريخ العابرة للقارات بل يعلمون أن الله هو الأكبر، وهو الولي الناصر، وأن الغلبة للحق مهما استطال الباطل

{كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله} [سورة البقرة: 249].

ص429

{وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ{ [سورة الصافات: 173].

{إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ{ [سورة غافر: 51].

ويقول سبحانه في شأن الأعداء،

{يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ { [سورة آل عمران: 111].

ولن يصل المسلمون الصادقون إلى هذه الدرجة الرفيعة إلا بالبراءة من كل منهج وتشريع يخالف شريعة الله، والبراءة أيضاً من كل فكر يناقض هذه العقيدة التي كانت سبب نصر وعزة السلف الصالح. واستمداد حكم كل صغيرة وكبيرة من هذه الشريعة الربانية التي هي "صراط الله المستقيم الذي لا أمت فيه ولا عوج، وملته الحنيفية التي لا ضيق فيها ولا حرج.. لم تأمر بشيء فيقول العقل لو نهت عنه لكان أوفق، ولم تنه عن شيء فيقول الحجى، لو أباحته لكان أرفق، بل أمرت بكل صلاح، ونهت عن كل فساد، وأباحت كل طيب، وحرمت كل خبيث أوامرها غذاء ودواء، ونواهيها حمية وصيانة من كل داء، ظاهرها زينة لباطنها وباطنها أجمل من ظاهرها. شعارها الصدق وقوامها الحق، وميزانها العدل

ص430

وحكمها الفصل، لا حاجة بها البتة إلى أن تكمل بسياسة ملك أو رأي ذي رأي أكملها الله بقوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا{[سورة المائدة: 3].

وقال صلى الله عليه وسلم " تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك "(6)

وحري بدعاة الخير الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر أن يعودوا بالأمة إلى صفاء العقيدة الممثل في:

(1) تصحيح مفهوم لا إله إلا الله محمد رسول الله ودعوة الناس إلى فهم هذه الكلمة العظيمة كما فهمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الأخيار، ومحو ذلك المفهوم الخاطىء الذي يردده المتأخرون وهي أنها مجرد لفظ عار من كل تكليف.

مع بيان أن من تكاليفها موالاة المؤمنين والبراءة من الكافرين، وتحكيم شريعة الله واتباع ما أنزله الله والكفر بالآلهة المزيفة والأرباب المتعددة من العرف والهوى والعادات والمتألهين الذين يشرعون للناس بغير ما أنزل الله.

(2) تصحيح مفهوم العبادة وأنه مفهوم شامل كامل وليس مجرد شعائر تؤدى بينما نظام الحياة والممات قائم على مناهج وضعها البشر تفصل بين الدين والدولة، وبين الدين والعلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية.

فالعبادة هي عقيدة وشريعة ونظام حياة. قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ {162}لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ{ [سورة الأنعام: 162- 163].

ص431

(3) تربية جيل على منهاج الكتاب والسنة. لأن هذا هو الطريق الصحيح الذي به ترجع الأمة إلى ربها ودينها.

(4) طرد آثار الغزو الفكري وذلك بتعرية الجاهلية الحديثة، وتمزيق زيفها وبهرجتها فتبين انحرافاتها مع إيجاد البديل الإسلامي الصحيح.

(5) تعميق قضية ولاء المسلم للمسلم وانتمائه لإخوانه المؤمنين فقط، وخلع الولاءات الجاهلية من قومية وعرقية ووطنية وعالمية وغيرها فالمسلم أخو المسلم في أي بقعة كانت، دار الإسلام هي دار كل مسلم في جميع أنحاء الأرض.

ومن تاريخنا ما يشهد بكل جلاء على أهمية هذه القضية. فإن امرأة مسلمة أهينت بعمورية فاستغاثت، وامعتصماه. فقال المعتصم لبيك أيتها المرأة المسلمة وجهز الجيوش وفتح عمورية ونصر المرأة المؤمنة، ولم يقل إنها في وطن وأنا في وطن بل انطلق من واقع مسئوليته كخليفة مسلم. كل الأمة المسلمة أمانة في عنقة وهو مسؤول عنها يوم يلقى الله.

ومن هنا فإن نصرة المسلمين المضطهدين في كل بقعة من بقاع الأرض أمر واجب تفرضه هذه العقيدة. ويكون واجب المؤمن – حينئذ – محبة هؤلاء المسلمين ومناصرتهم باليد واللسان والمال والنصرة في كل موطن ومناسبة.

(6) تعميق قضية المعاداة والبراءة من أعداء الله الكفار منهم والمشركين والمنافقين والمرتدين. وإنه لا يجتمع إيمان في قلب مع حب للكفر وأهله كما قال تعالى:

{لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ{[سورة المجادلة: 22].

والحرص على تمييز المسلم عن كل وضع وفكر يخالف كتاب الله وسنة رسوله

ص432

(7) التأكد على قضية عداوة أولياء الشيطان لأولياء الرحمن، فإن هذه العداوة قائمة منذ آدم عليه السلام إلى قيام الساعة فالحزبان لا يلتقيان أبداً لأن حزب الله يريد دعوة الناس إلى عبادة الله وحزب الشيطان يدعو الناس إلى عبادة الطاغوت وطاعته، وقتال المؤمنين لصدهم عن دينهم

{وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ{ [سورة البقرة: 217].

(8) بعث الأمل وتقويته في النفوس بقرب نصر الله كما قال صلى الله عليه وسلك "لتقاتلن اليهود فلتقتلنهم حتى يقول الحجر: يا مسلم هذا يهودي فتعال فاقتله " (7) .

هذه رؤوس أقلام تبين ملامح طريق الخلاص، وإذا صدق المسلمون مع الله وجدوا معية الله وعونه، لأنهم الأعلون، وهم القائمون بأمر الله في أرض الله، ومن ثم فهم المستحقون لولاية الله وتكريمه لهم

{أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ{ [سورة يونس: 62].

إنهم حزب الله وأكرم بذلك الحزب الذين يجاهدون لإعلاء كلمة الله ولا تأخذهم في الله لومة لائم.

{أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُون{َ [سورة المجادلة: 22].

ص433

ونحن مستبشرين بخير إن شاء الله، لأن طلائع وبشارات الجيل الإسلامي الجديد الذي يخلص الأمة من هذا الهوان والضياع والتبعية بادية ظاهرة في كل صقع من أصقاع الأرض، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

(200) السياسة الشرعية (ص 155) .

(201) المسائل الماردينية (ص 132 – 133) تحقيق الشاويش الطبعة الثالثة سنة 1399هـ .

(202) أي طويل مشعث الشعر

(203) صحيح البخاري (4/410 ح 2216) .

(204) فتح الباري (4/410) .

(205) مسند أحمد (5/137 ح 3409) تحقيق أحمد شاكر وقال : إسناده صحيح

(206) اقتضاء الصراط المستقيم (ص 229) .

(207) أحكام أهل الذمة (1/299-302) وانظر مجموعة الرسائل والمسائل (1/229) .

(208) صحيح البخاري (3/219 ح 1356) .

(209) صحيح البخاري (3/222 ح 1360) كتاب الجنائز .

(210) فتح الباري (10/119) .

(211) فتح الباري (10/119) .

(212) أحكام أهل الذمة لابن القيم (1/205 – 206) .

(213) سنن أبي داود (5/257 ح 4977) كتاب الأدب قال الألباني إسناده صحيح . انظر المشكاة (3/1349 ح 4780) .

(214) أحكام أهل الذمة (2/771) .

(215) تفسير القرطبي (11/111-112) .

(216) تفسير القرطبي (11/111-112) .

(217) سبق تخريجه .

(218) صحيح البخاري (11/38 ح 6254) كتاب الاستئذان وصحيح مسلم في الجهاد (3/1422 ح 1798) .

(219) تفسير القرطبي (11/112) .

(220) زاد المعاد (ج2/425) .

(221) زاد المعاد (2/425) .

(222) صحيح البخاري (11/42 ح 6257) كتاب الاستئذان وصحيح مسلم في السلام (4/ 1706 ح 2164) .

(232) صحيح البخاري (11/42 ح 6258) كتاب الاستئذان وصحيح مسلم في السلام (4/1705 ح 2163) .

(224) انظر معالم في الطريق (ص 131 – 132) وانظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (4/114) .

(225) انظر المصدر السابق معالم في الطريق (ص 131) .

(226) صحيح البخاري 4/442 ح 2263 كتاب الإجازة .

(227) بدائع الفوائد (3/208) .

(228) فتح الباري (4/442) .

(229) صحيح البخاري كتاب الإجازة باب هل يؤاجر الرجل نفسه من مشرك في أرض الحرب (4/452 ح 2275) .

(230) فتح الباري (4/452) .

(231) موضع على بعد أربعة أميال من المدينة .

(232) صحيح مسلم (3/1499 ح 1817) كتاب الجهاد .

(233) هو الإمام أبو بكر محمد بن موسى بن عثمان بن حازم المعروف بالحازمي من رجال الحديث أصله من همذان ، ولد سنة 548 هـ وتوفى ببغداد سنة 584 هـ : الأعلام للزركلى (7/117) الطبعة الرابعة

(234) الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار للحازمي (ص 219) تحقيق راتب حاكمي

[1] المصدر السابق (ص220) .

(235) زاد المعاد (3/301) وقصة الخزاعي في تاريخ الطبري (2/625) .

(236) زاد المعاد (3/479) والقصة في السيرة لابن هشام (4/83) وتاريخ الطبري (3/73) .

(237) ملحق مصنفات الإمام محمد بن عبدالوهاب (ص 7) .

(238) الحديث في صحيح البخاري كتاب المزارعة باب المزارعة مع اليهود (5/15 ح 2331) .

(239) هكذا ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم (ص50) أن هذا الحديث رواه أحمد ولم أجده في مسند أبي موسى ، وقد أورده البيهقي في السنن الكبرى (10/127) كتاب آداب القاضي .

(240) أحكام أهل الذمة (1/212 7) .

(241) المصدر السابق (1/214) .

(242) شبيب بن شيبة بن عبدالله التميمي المنقيري الأهتمي . أديب الملوك وجليس الفقراء ، وأخو المساكين كان يقال له (الخطيب) لفصاحته وكان شريفاً من الدهاة ، يفزع إليه أهل بلده في حوائجهم . انظر ترجمته في شذرات الذهب 1/256 وتهذيب التهذيب (4/307) والأعلام (3/156) .

(243) المصدر السابق (1/215) . هذا وقد وردتني ملاحظات قيمة من إخوة فضلاء بخصوص هذا الموضوع حيث مالوا فيها إلى ترجيح عدم الاستعانة بالمشرك . وأنا قد ذكرت الرأيين في هذا ولعلي في طبعة قادمة إن شاء الله أتوسع في هذا الموضوع وأعيد صياغته ، والله الموفق .

(244) تفسير الطبري : (3/228 ، 229) .

(245) تفسير الطبري : (3/228 ، 229) .

(246) فتح الباري (12/314) .

(247) انظر الظلال : (1/386) .

(248) تفسير البغوي (1/336) وانظر أحكام القرآن للجصاص (2/289) .

(249) بدائع الفوائد (3/69) .

(250) دراسات قرآنية (326 – 327) .

(251) تفسير الطبري (ج 3/228) .

(252) هذا اللفظ ضعيف وإنما اللفظ الصحيح هو ما رواه الحاكم في مستدركه (3/392 – 393) وكذلك النسائي في (8/111) كتاب الإيمان هكذا : ( ملىء عمار إيماناً إلى مشاشه ) وهو حديث صحيح كما قال الألباني . انظر صحيح الجامع الصغير (5/211 ح 5764) وسلسلة الأحاديث الصحيحة (2/466 ح 807) .

(253) حديث مرسل ورجاله ثقات . انظر فتح الباري (12/312) .

(254) أسباب النزول للواحدي 162 وانظر تفسير الطبري (14/182) وتفسير ابن كثير (4/525) .

(255) تفسير الطبري (14/182) .

(256) تفسير ابن كثير (4/525) .

(257) فتح الباري (12/311- 312) .

(258) تفسير الخازن : (4/117) .

(259) تفسير الخازن : (4/117) .

(260) انظر تفسير ابن كثير (4/525) .

(261) حبيب بن زيد بن عاصم بن عمرو الأنصاري أخو عبدالله بن زيد ذكره ابن إسحاق فيمن شهد العقبة من الأنصار وقال هو الذي أخذه مسيلمة فقتله . قال ابن سعد شهد حبيب أحداً والخندق والمشاهد (الإصابة) (1/307) .

(262) تفسير ابن كثير (4/525) .

(263) هو عبدالله بن حذافة بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم القرشي السهمي وأمه آمنة بنت حرثان من بني الحارث ، وهو من السابقين الأولين ، يقال أنه شهد بدراً ، ولم يذكره موسى بن عقبة ولا ابن إسحاق ولا غيرهما من أصحاب المغازي وقصته مع ملك الروم ذكرت سابقاً . انظر ترجمته في الإصابة (2/296) وتهذيب التهذيب (5/185) .

(264) تفسير ابن كثير (4/526) .

(265) كتاب : حد الإسلام وحقيقة الإيمان للأستاذ عبدالمجيد الشاذلي (ص523) مكتوب بالآلة الكاتبة

(266) كتاب : حد الإسلام وحقيقة الإيمان للأستاذ عبدالمجيد الشاذلي (ص523) مكتوب بالآلة الكاتبة

(267) المصدر السابق : (526) .

(268) نقلاً عن الدفاع لابن عتيق (ص 30) .

(269) صحيح مسلم (1/70 ح 50) كتاب الإيمان .

(270) بتصرف : حد الإسلام للشاذلي (527-528) .

(1) ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين (ص 126 – 127) بتصرف بسيط .

(2) للوقوف على فكرة صحيحة فيما يتعلق بمثالية الإسلام وواقعيته حبذا مراجعة كتاب خصائص التصور الإسلامي للأستاذ سيد قطب فصل الواقعية . وكتاب منهج التربية الإسلامية للأستاذ محمد قطب ج 1 الفصل الأخير وكتاب الإنسان بين المادية والإسلام فصل نظرة الإسلام .

(3) القصة بطولها في صحيح البخاري كتاب المغازي باب حديث كعب بن مالك (8/113 ح 4418) وانظر القصة أيضاً في تفسير الطبري (11/0) وابن كثير (4/166-168) .

(4) فتح الباري (8/121) والحديث سبق تخريجه ص 40 وانظر تعليق ابن القيم على القصة في زاد المعاد (3/581) .

(5) زيد بن الدثنة : بفتح الدال وكسر المثلثة ابن معاوية بن عبيد بن عامر بن بياضة الأنصاري شهد بدراً وأحداً وكان في غزوة بئر معونة فأسره المشركون وقتلته قريش بـ التنعيم . انظر الإصابة (1/565) .

(6) انظر القصة في السيرة لابن هشام (3/181) .

(7) مسند أحمد (3/301) وتفسير ابن كثير (6/394) .

(8) الزباء : أي طويلة الشعر كثيرته .

(9) الجحفة : الترس

(10) تاريخ الطبري (3/519 – 520) .

(11) صحيح البخاري (8/126 ح 4423) كتاب المغازي وصحيح مسلم (3/1518 ح 1911) كتاب الإمارة .

(12) هل نحن مسلمون؟ (ص110) .

(13) كفاح دين (ص147 الطبعة الثالثة)

(14) انظر حصاد الغرور (ص39) .

(15) جذور البلاء للأستاذ عبدالله التل (ص275) الطبعة الثانية .

(16) الجنرال بيار غالوا . عن مجلة المجتمع الكويتية العدد 450 (ص4) سنة 1399 هـ .

(17) الغارة على العالم الإسلامي (ص94) الطبعة الثانية .

(18) انظر الإسلام وأوضاعنا القانونية (ص75) الطبعة الثانية .

(19) انظر كتاب أزمة العصر للدكتور محمد محمد حسين (18 – 20) حول هذا الموضوع .

(20) الفكر الإسلامي المعاصر . دراسة وتقويم (35 – 37) .

(21) موسوعة العقاد (5/958) وانظر الفكر الإسلامي لغازي التوبة (ص 171) .

(22) الإسلام والحضارة الغربية (ص50) .

(23) الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر (2/229) طبعة بيروت والفكر الإسلامي للتوبة (ص104) .

(24) جذور البلاء (ص 276) .

(25) الإسلام والحضارة الغربية للدكتور محمد محمد حسين (ص 46)

(26) انظر هل نحن مسلمون (136 – 138) ومذكرة المذاهب الفكرية المعاصرة للأستاذ محمد قطب لطلاب السنة المنهجية بالدراسات العليا في كلية الشريعة .

(27) انظر المصدرين السابقين .

(28) هل نحن مسلمون (ص141) .

(29) انظر أساليب الغزو الفكري للدكتور علي جريشة وزميله (64-65) .

(30) يراجع في هذا بتوسع كتاب الإسلام والحضارة الغربية د. محمد محمد حسين (ص17 – 30) .

(31) عن الاتجاهات الوطنية (2/217) الطبعة الثالثة

(32) حبذا الاطلاع بتوسع على رسالة "العلمانية وأثرها في العالم الإسلامي" للأستاذ سفر بن عبد الرحمن الحوالي

(33) جريدة عكاظ / العدد الاسبوعي رقم 4728 بتاريخ 16/6/1399 هـ .

(34) انظر بتوسع : الاتجاهات الوطنية (1/90 – 113) .

(35) انظر المصدر السابق (1/112) .

(36) الإسلام والحضارة الغربية (ص 60) .

(37) انظر أساليب الغزو الفكري (ص 71) الطبعة الثانية

(38) نقلاً عن مذكرة المذاهب الفكرية للأستاذ محمد قطب

(39) انظر المصدر السابق

(40) راجع كتب الدكتور الأستاذ محمد محمد حسين (الاتجاهات الوطنية) ، والإسلام والحضارة الغربية وحصوننا مهددة من داخلها .

(41) بروتوكولات حكماء صهيون (ص 168) ترجمة محمد خليفة التونسي الطبعة الرابعة وانظر مكائد يهودية للميداني (ص 346) .

(42) (ص 102 – 103) نقلاً عن الإسلام والحضارة الغربية (ص109) .

(43) هل نحن مسلمون (ص174) بتصرف بسيط .

(44) انظر المصدر السابق (ص172) .

(45) المصدر السابق (ص176) .

(46) السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي (ص 13) الطبعة الثانية وذكر أيضاً – رحمه الله – أمثلة كثيرة حول هذا الموضوع فليراجعها من شاء في ذلك الكتاب القيم .

(47) السنة للسباعي (ص19) .

(48) نفس المصدر (ص 19) .

(49) الأستاذ الدكتور محمد محمد حسين جزاه الله خيراً تتبع مزيداً من هذه البحوث في كتابه الإسلام والحضارة الغربية خاصة في الفصول الرابع والخامس والسادس فليراجع.

(50) نقلاً عن مذكرة المذاهب الفكرية

(51) العرب والإسلام للندوي (ص9) .

(52) انظر المحاضرة القيمة : المخططات الصهيونية للأستاذ محمد قطب الطبعة الأولى سنة 1398 هـ المختار الإسلامي بالقاهرة .

(53) درس النكبة الثانية للأستاذ يوسف القرضاوي (ص 45) الطبعة الأولى .

(54) درس النكبة الثانية (ص36) .

(55) نظرية التربية الإسلامية للشيخ محمد للغزالي . وهو بحث قدم لندوة أسس التربية الإسلامية بمكة في 11/6/1400هـ .

(56) انظر درس النكلبة الثانية (ص39) .

(57) المصدر السابق (ص82) .

(58) نفس المصدر (ص82) .

(59) انظر : أزمة العصر للدكتور محمد محمد حسين (43 – 53) .

(60) مذكرة المذاهب الفكرية .

(61) مذكرة المذاهب الفكرية .

(62) الإسلام والحضارة الغربية (ص237) .

(63) انظر فكرة القومية العربية على ضوء الإسلام ص 254 للشيخ صالح العبود الطبعة الأولى سنة 1401 الناشر دار طيبة بالرياض وهي أوسع كتاب فيما أعلم في قضية القومية العربية .

ويراجع أيضاً كتاب الصراع بين الفكرة الإسلامية والفكرة الغربية للندوي (ص124 – 162) الطبعة الثالثة ، وكتاب الاتجاهات الوطنية (1/67 ، 105 ، 2/292) وكتاب الشعوبية الجديد لمحمد مصطفى رمضان .

(64) الإسلام والحضارة الغربية (ص132) .

(65) مجلة رابطة العالم الإسلامي الشهرية العدد الخامس ، السنة التاسعة عشرة ، جمادي الأولى سنة 1401هـ هذا ومن الجدير بالذكر أنه قد ورد في مجلة العربي الكويتية في العدد 267 ربيع الأول سنة 1401هـ مقالان حول هذه الدعوة .

الأول منها : (ص 18) للدكتور محمد فتحي عثمان تحدث فيه عن "المسلمون والآخرون" وطالب المسلمين المعاصرين في إعادة النظر حول قضية دار الحرب ودار الإسلام ، وأن هذا تقسيم غير صحيح ، ولا يدل عليه الكتاب ولا السنة ، بل هو من صنيع الفقهاء مبيناً أن الخلافة الإسلامية كانت صورة تاريخية وهي لم تعش طويلاً فعلى المسلمين ألا يفكروا فيها مرة أخرى ، وعليهم إعادة النظر في قضية العلاقات الدولية مع العالم المعاصر ، لكي يتقنوا فن التعاون الدولي مستفيدين من إعادة نظر الولايات المتحدة العملاقة في سياستها إزاء الكساد الاقتصادي في الثلاثينات من القرن العشرين . وكذلك ما حدث في الكتلة الشرقية حين عدل خروشوف عن سياسة سلفه ستالين .. الخ .

والكاتب يرى التعديل في المفاهيم الإسلامية مثلماً يرى أرباب القانون الوضعي تعديل قوانينهم القاصرة وكأنه يجهل أو يتجاهل أنه لا مقارنة بين الدين الرباني الذي نزل من الحكيم الخبير وبين أفكار البشر القاصرة الهزيلة ، وهذه الدعوة فيها خدمة لمبدأ العالمية ودعوة غير مباشرة لإبطال شرعية الجهاد في الإسلام .

= أما المقال الثاني : وهو أخبث من سابقه فهو لفهمي هويدى بعنوان "المسلمون والآخرون أشواك وعقد على الطريق" (ص49) وهذا المقال يدعو لما دعا إليه الكاتب السابق مع زيادة هي : تجهيل علماء المسلمين ووصمهم بعدم معرفة دلالات النصوص وملابساتها ، قائلاً : إن تلك المرحلة – يريد مرحلة التاريخ الإسلامي الطويلة المشرقة – كانت لها حساباتها وموازينها الخاصة التي لا يمكن تعميمها على بقية مسيرة التاريخ البشري ومؤكداً "أنه ليس صحيحاً أن المسلمين صنف متميز ومتفوق لمجرد كونهم مسلمين ، وليس صحيحاً أن الإسلام يعطي أفضلية لهم ، ويخص غيرهم بالدونية لأنهم كفار ويكفي أن هذا الكلام فضلاً عن كونه دعوة لمبدأ الإنسانية الماسوني هو أيضاً صورة واضحة من صور الولاء للكفار لأن هذا الكلام الذي ساقه هويدى أمنية للكفار أن يتحدث به أبناء المسلمين لكسر التميز الذي ينبني على الولاء والبراء والحب والبغض حسب المقياس الإسلامي الصحيح فعلى المسلمين أن يتبينوا مواقع الزلل والانحرافات في مثل هذه الدعوات الإلحادية .

(66) الإسلام والحضارة الغربية (ص197) .

(1) هكذا بالنص ولعل المراد : يحس

(2) الأسس الأخلاقية للمودودي (ص49-50) الطبعة الأولى لسنة 1971 بيروت . بتصرف بسيط .

(3) المستقبل لهذا الدين (ص109) بقليل من التصرف .

(4) انظر الفصل الأخير من كتاب المستقبل لهذا الدين

(5) انظر فصل طريق الخلاص (ص182) من كتاب الإسلام ومشكلات الحضارة للأستاذ سيد قطب رحمه الله

(6) انظر أعلام الموقعين لابن القيم (3/207) والحديث سبق تخريجه .

(7) صحيح مسلم (4/2238ح2921) كتاب أشراط الساعة .