المجلد الرابع: الجماعات اليهودية.. تواريخ 4

الصفحة السابقة ß إضغط هنا

الباب الخامس: الشعوب والأقوام السامية الأخرى

العموريون

Amorites

وتُكتَب أحياناً «الأموريون». و«العموريون» كلمة بابلية معناها «الغربيون»، وتُستخدَم للإشارة إلى أقدم شعب سامي معروف أقام في بلاد الشام وفلسطين في منتصف الألف الثالثة قبل الميلاد، وكوَّن مملكة نحو عام 2500 ق.م ضمت بلاد الرافدين وسوريا وفلسطين.

وقد اتسع استخدام الكلمة بحيث كانت تشير أحياناً إلى سكان أرض كنعان قبل تَسلُّل القبائل العبرانية وليس العموريين فحسب. ويحمل الاسم أحياناً (في المنقوشات القديمة) دلالة إثنية إذ يشير إلى القبائل السامية الغربية، لكنه كان يحمل في أحيان أخرى دلالة جغرافية تتعلق بكل من سوريا وفلسطين في آن واحد. وفي عام 1800 ق.م تقريباً، كان يسيطر على المنطقة الواقعة بين البحر المتوسط ومرتفعات عيلام أمراء عموريون تسببت هجرتهم في أن اكتسبت المنطقة كلها صبغتها السامية (العربية) التي احتفظت بها حتى الآن (باستثناء جيوب الحوريين).

وكانت تُوجَد سلالات عمورية عديدة تقطن مناطق مختلفة من أهمها السلالة التي حكمت بابل، كما كانت ماري عاصمة للعموريين في أوائل الألف الثانية قبل الميلاد،وكانت حلب إحدى عواصمهم الأخرى. وكانت المملكة العمورية نقطة اتصال مهمة بين مصر من ناحية وبلاد الرافدين وبلاد الحيثيين من ناحية أخرى. ومع ظهور تحتمس الثالث عام 1447 ق.م (الأسرة الثامنة عشرة)، فرضت مصر سلطانها على العموريين.

وحين دخلت القبائل العبرانية فلسطين، وجدت العموريين وبقية القبائل السامية مستوطنةً إياها إذ كانوا يقيمون على شاطئ نهر الأردن في القرن الثالث عشر قبل الميلادويسيطرون على المواقع الإستراتيجية ورؤوس التلال الواقعة في سوريا الجنوبية والممتدة إلى فلسطين. ولقد قاوم العموريون التسلل العبراني إلى المنطقة، وقام صراعشديد بينهم وبين العبرانيين. ومع ذلك، فقد هزمهم العبرانيون واحتلوا أرضهم. وغزا يشوع العموريين الذين كانوا يقطنون الأرض الجبلية قرب فلسطين، ولكنهم بقوا بعدالتسلل العبراني. وقد وقعت مملكتهم تحت سيطرة داود.

كان العموريون، في بداية الأمر، شعباً بدوياً يعتمد على الحمير كوسيلة أساسية للانتقال، كما كانوا يمارسون الصيد ويتصفون بخشونة الطبع. لكنهم ما لبثوا أن أخذوا بأساليب الحضارة، وخصوصاً السورية الأكادية ومن ذلك المؤسسات السياسية والفكرية، وذلك مع أن حضارتهم لم تكن متجانسة بسبب انتشارهم في مناطق متباعدة. وقد ازدهرت حياتهم بسبب اشتغالهم بالزراعة والتجارة.

ولم تختلف اللغة العمورية في فلسطين عن اللغة الكنعانية إلا من حيث إنها لهجة، فهي لهجة كنعانية قديمة تقابل اللهجة الكنعانية الغربية السائدة. وقد استُوعبت هذه اللغة تماماً في اللغتين الكنعانية والأكادية.

ولم تختلف ديانة العموريين، من حيث شكلها البدائي، عن عبادة قوى ومظاهر الطبيعة عند الساميين. وأكبر آلهتهم عمور (إله الحرب) وشريكته وهي عاشرة التي تشبهنموذج عشتار. كما عبدوا آلهة أخرى مثل هدد المعروف باسم رمانو (مانع الصواعق) وهو إله مطر وعواصف. وقد صار بعد ذلك البعل الأعظم. وكان هناك دجن إله الغذاء الذي عُبد في غزة على وجه الخصوص.

وحينما يشير العهد القديم إلى العموريين بلفظة «إيموري» فهو يعني سكان فلسطين كافة، والقبائل التي حاربها العبرانيون على وجه الخصوص. أما في الكتابات التلمودية، فإن المصطلح يشير إلى كل عبدة الأصنام.

الأدومـيون

Edomites

كلمة «أدوميون» تشير إلى إحدى الجماعات السامية التي كانت تقيم في أرض كنعان بمنطقة جبل سعير التي كان يُطلَق عليها أيضاً «أدوم»، وكانت عاصمة ملكهم سيلع (البتراء فيما بعد). وهم حسب الرواية التوراتية من نسل عيسو الذي كان يُدعَى أيضاً «أدوم»، أي «الأحمر». وقد قاموا بطرد الحوريين من المنطقة التي استوطنوها، وعاشوا على الصيد. وكانوا ينقسمون في البداية إلى قبائل يحكمها شيخ القبيلة ثم اتحدوا وكونوا مملكة. وقد احتكروا تجارة شمالي البحر الأحمر في فترات قوتهم.

ويُعَدُّ الأدوميون الأعداء التقليديين للقبائل العبرانية، فقد عارضوا (هم والمؤابيون) مرور العبرانيين عبر بلادهم عند قدومهم من مصر. وقد جرت بينهم وبين القبائل العبرانية حروب تبادل كل جانب فيها السيطرة على الآخر، وكان من نتائجها أن ضم شاؤول وداود أجزاء من أراضيهم. وقد تحـرَّر الأدوميـون مـن السـيطرة العبرانيــةفي أواخــر حكـم ســليمان. ثم خضعـوا للمملكة الجنوبية، ولكنهم أعلنوا العصيان عام 848 ق.م. واستقلوا بعد حــروب طــويلة، غـير أنهم صـاروا فيمـا بعد تابعين لآشور ثم بابل. وقـد ورث الأدومــيون القسم الشرقي من المملكة الجنوبية بعد أن قضى الكلدانيون عليها، لكن الأنباط زاحموهم فترة من الزمن.

ورغم العداوة بين العبرانيين والأدوميين، فإنهم في شريعة موسى يُعتبَرون إخوة لهم (تثنية 23/7، 8). واستمر الصراع بينهم وبين اليهود إلى أن هزمهم جون هيركانوس الحشموني وفرض عليهـم اليهـودية والتـختن بحـد السيف. وكان هيرود (ملك اليهود) أدوميـاً، الأمــر الــذي قلص شـرعيته إذ لم يكـن بمقدوره أن يصبح كاهناً أعظم. وأثناء حصار تيتوس للقدس، انضم الأدوميون إلى العناصر العبرانية المتطرفة وقتلوا كل من تصوروا أنه مؤيد للسلام في روما. وقد اختفى الأدوميون بعد ذلك من تاريخ العبرانيين.

ولم تكن إنجازات الأدوميين الحضارية كبيرة. وكانوا يتحدثون بلهجة شديدة الشبه بالعبرية، ولكننا لا نعرف شيئاً عن ديانتهم إلا أسماء بعض الآلهة، مثل قوس وهدد، كما أن أحد آلهتهم كان يُدعَى «إلواه». وتعني كلمة «أدومي» كما جاء في التلمود «الحكومة الطاغية»، وخصوصاً روما. أما في العصور الوسطى، فقد كانت الكلمة تُستخدَم للإشارة إلى أوربا المسيحية.

العـــمونيون

Ammonites

«العمونيون» شعب سامي قديم تجمعه، حسب الرؤية التوراتية، صلة قرابة بالعبرانيين. وبعد فترة غير قصيرة من الحياة شبه البدوية، أنشأ العمونيون مملكة شمالي مؤاب التي استمرت من عام 1500 ق.م حتى القرن الثاني الميلادي. وقد سموا عاصمتهم «رباة عمون» (ربة بني عمون في التوراة). ونشب بينهم وبين العبرانيين صراع استمر طويلاً تبادلا أثناءه الهزائم والانتصارات، كلٌّ على الآخر، حتى سقطت عاصمتهم في يد داود. ويُعزَى إلى امرأة عمونية في بلاط سليمان أمر غوايته وعبادته الرب العموني ملكوم (مولك).

حصل العمونيون على استقلالهم عند انقسام المملكة العبرانية المتحدة (298 ق.م)، وتحالفوا مع الكلدانيين والآراميين، وهاجموا المملكة الجنوبية، كما حاولوا منع العبرانيين من بناء أسوار الهيكل بعد عودتهم من بابل.

وقد سـاعد العـمونيون القـوات السـلوقية أثناء التمرد الحشموني، وألحق بهم يهودا الحشموني الهزيمة عام 163 ق.م. ورغم حالة الحرب الدائمة بين العمونيين والعبرانيين، فإن نسبة التزاوج بين الفريقين كانت عالية، وهو ما أدَّى بعزرا ونحميا إلى التنديد بذلك. وقد أصبح العمونيون، مثلهم مثل معظم شعوب المنطقة في القرن التاسع قبل الميلاد، تابعين لآشور فبابل ثم الفرس فاليونانيين وأخيراً الرومان، إلى أن ذابوا واختفوا.

ولا نعرف إلا القليل عن حضارة العمونيين لأنهم لم يتركوا أية آثار أدبية، لكن التنقيب الأثري يبرهن على أن مملكتهم قد وصلت إلى مستوى عال من التطور إذ كانت حدودها محصنة وزراعتها متطورة كما أن ذوقها الفني كان رفيعاً. وكان العمونيون يعبدون آلهة خصب من أهمها ملكوم.

المؤابيــون

Moabites

كلمة «مؤابي» مشتقة بالنسب إلى بلاد مؤاب، وكلمة «مؤاب» لفظ سامي قد يكون معناه «مَن أبوه». والمؤابيون ساميون يرجع تاريخ استقرارهم في فلسطين إلى أواخر القرن الرابع عشر قبل الميلاد، أي أنهم أسبق من القبائل العبرانية بزمن طويل في فلسطين. وينسبهم العهد القديم إلى لوط (تكوين 19/37) من ابنته الكبرى، أي أنهم أبناء غير شرعيين له. والمعلومات المتوافرة عن المؤابيين مستمدة في أغلبها من العهد القديم ومن مسلة الملك ميشع. وتقع مملكتهم في سهل مرتفع شرقي البحر الميت، يحدها شمالاً نهر الأردن، وتمتد جنوباً إلى أدوم. وكان يتاخم مملكتهم العمونيون شمالاً والأدوميون جنوباً.

كان المؤابيون، في البداية، مجموعة من القبائل المنقسمة. لكنهم كوَّنوا مملكة متحدة قامت في الربع الأخير من القرن الثالث عشر قبل الميلاد، وذلك في فترة فقدت فيها مصر سيطرتها على فلسطين، وقبل أن تكون القوة الآشورية قد ظهرت بعد. وبلغت مملكتهم منزلة رفيعة مع مطلع القرن التاسع قبل الميلاد ، فدخلوا في حروب كثيرة مع جيرانهم (العموريين وغيرهم).

وكان بين المؤابيين والعبرانيين حروب كثيرة. وقد بدأ الصراع حينـما منـع المؤابيون القـبائل العـبرانية من المرور بأراضيهم إلى فلسطين. وخضع العبرانيون لحكم ملك مؤاب مدة ثماني عشرة سنة في عصر القضاة، وكان مقرُّ الملك هو أريحا. وقد حاربهم شاؤول في القرن الحادي عشر قبل الميلاد، وغزا داود مملكتهم، بعد أن كان لاجئاً عندهم أثناء معركته مع شاؤول، وبسط نفوذه عليهم. وبعد موت سليمان، أصبحت مؤاب جزءاً من المملكة الشمالية. وقد شن عمري (882 ـ 871 ق.م) حرباً عليهم،لكنهم تخلصوا من الهيمنة العبرانية بعد موت آخاب وبعد اعتلاء ميشع العرش (وهو الملك المؤابيّ القوي الذي احتفل بانتصاره بهذه الأحداث على حجر مؤاب). وبعد موته، هجم ملك آرام دمشق على مؤاب، فانتشرت فيها الفوضى وتقلصت حدودها وتحولت مؤاب إلى مملكة صغيرة.

وحينما ظهرت القوة الآشورية، هادنها المؤابيون وتحالفوا معها، فحمتهم آشور من غزوات القبائل البدوية. وقد قدموا المساعدة لسناخريب في حربه ضد المملكة الجنوبية، كما قدموا العون لأسرحدون في حملته على مصر. وقد فتح البابليون بلاد مؤاب وأنزلوا بمدنها الدمار، وسبوا أهلها وهجَّروهم إلى بابل في القرن السادس قبل الميلاد، وبذلك انتهى تاريخ المملكة المؤابية إذ استقرت فيها جموع القبائل البدوية وذاب فيها السكان. وهكذا، فإنهم، مع الحكم الفارسي، كانوا قد انصهروا تماماً في المستوطنين الجدد ثم ذابوا في الأنباط.

ولقد اعتمد اقتصاد مؤاب على الزراعة والرعي، وكانت ثروتهم الحـيوانية كبيرة. واسـتفادوا من وضـعهم الجغرافي في ممارسـة التجارة، فازدهرت حياتهم الاقتصادية. وظلت معالم البداوة واضحة في ثقافتهم حتى بعد استقرارهم. وأشهر ماعبدوه من الآلهة هو الإله الأعظم كموش (إله الحرب) وهو إله يقرنه البعض ببعل الذي كانت تُقدَّم له القرابين من الكباش. وقد ورد في التوراة أن الملك ميشع قدم ابنه قرباناً لهذا الإله لاسترضائه أثناء الحرب. ويبدو أن المؤابيين قد مارسوا أيضاً عادة الختان.

وقد اتخذ المؤابيون لهجة كنعانية وثيقة الصلة باللهجات الكنعانية الأخرى لغةً لهم، وهي لغة تشبه العبرية من عدة وجوه كما يدل على ذلك حجر مؤاب.

وتُحرِّم أسفار موسى الخمسة الزواج من المؤابيين،علماً بأن راعوث جدة داود كانت من مؤاب، وكذا إحدى زوجات سليمان (وهي التي بنت معبداً للإله كموش المؤابي بالقرب من القدس). ولذا، فقد فسر علماء التلمود هذا الحظر بأنه على الذكور فقط دون الإناث.

الآراميــون

Arameans

«الآراميون» شعب سامي استقر في منطقة الهلال الخصيب، ثم في بلاد الشام حول حوران، في تاريخ قديم قد يكون القرن السادس عشر قبل الميلاد. وكان الاسم مقروناً باسم «الأخلامو» (أي «الرفاق» أو «الأحلاف» باللغة العمورية القديمة). وتُعَدُّ هجرة الخابيرو والآراميين جزءاً من حركة الأخلامو التي أعقبت هجرة العموريين والكنعانيين. ولكن يبدو أن الآراميين كانوا يشكلون الجزء الأكبر، ولذا فقد اختفى ذكر الأخلامو تدريجياً، وبرز اسم الآراميين عوضاً عنه. وقد ورد أول ذكر لهم في أيام تيجلات بلاسر الأول في عام 1100 ق.م. وتقرر التوراة أن الآراميين ينتسبون إلى آرام بن سام بن نوح، وأن ثمة صلة عميقة بينهم وبين العبرانيين (تكوين 10/22). فأسلاف القبائل كانوا يأتون من المنطقة الآرامية، كما أن الآباء العبرانيين ارتبطوا بأصول آرامية واحتفظوا بالعلاقات مع الآراميين من خلال الزواج. وقد تحدث يعقوب عن نفسه وعن أبيه قائلاً « آرامياً تائهاً كان أبي» (تثنية 26/5).

بدأ الآراميون يستقرون في منطقة الهلال الخصيب مع ضعف آشور في القرنين الحادي عشر والعاشر قبل الميلاد وانهيار الإمبراطورية الحيثية، وأسسوا عدة ممالك إلى الشرق من الفرات، كما بسطوا نفوذهم على الشام وعلى سهل البقاع الواقع بين سلسلتي جبال لبنان الشرقية والغربية.

وقامت إمارة آرامية عند منحنى نهر الفرات في المنطقة التي تقع بين إقليم الجزيرة وسوريا الحالية، وامتدت رقعتها حتى نهر الخابور الذي يتفرع من الفرات ويتجه إلى الشمال، لذلك سُمِّيت «آرام نهاريم» أي «آرام النهرين».

ومن الإمارات الآرامية التي لعبت دوراً كبيراً إمارة بدان التي تقع في السهول المنبسطة بين الجزيرة والشام. وقد سُمِّيت بهذا الاسم لوقوعها في سهل منبسط، وكلمة «بدان» بالآرامية تساوي كلمة «فدان» العربية ومعناها «الحقل المنبسط». وكانت مدينة حوران مقر هذه الإمارة تقع على الطرق التجارية المهمة التي تصل إقليم الشام بإقليم الجزيرة، وتربط بين شـمال الشام وبلاد العرب، فلعبت دوراً في تجارة العالم القديم، واشتد ثراء أهلها. وتألقت مدينة حوران في ذلك العهد، حتى عُدَّت من أزهى مراكز الثقافة الآرامية.

ولإمارة حران مكانة ممتازة في التراث العبراني، فقد كَثُر ذكرها في كتاب العهد القديم. وراح كُتَّاب التاريخ العبري يذكرون أن أجدادهم كانوا من الآراميين وأنهم عاشوا في مدينة حران زمناً طويلاً قبل أن يستقروا في فلسطين. ويذكرون أيضاً أن إبراهيم أقام في هذه المدينة الآرامية بعد خروجه من العراق وزوَّج ولده إسحق فتاة حرانية. والعهد القديم نفسه حافل بالمفردات الآرامية، وهو ما حمل بعض الباحثين على القول بأن العبرانيين كانوا يتكلمون لهجة آرامية قبل أن يستقروا في فلسطين ويتخذوا لهجة أهلها من الكنعانيين. وخلاصة القول إن الهجرات الآرامية والعبرية هجرات سامية خرجت من وطن واحد. وقد استقر الآراميون في الجزء الشمالي من وادي الرافدين، وأسسوا هناك سلسلة من الدويلات الصغيرة أو المدن/الدول أهمها دولة بيت أديني (ومركزها تل برسب) ودولة بيت بخياني. وقد أسس الكلدانيون (وهم قبائل متصلة النسب بالآراميين) دولة بيت يكـيني. وفي الجـهة الأخرى للتوسع الآرامي، أي في الغرب، نشأت دولة سمأل. وفي سوريا أُسِّست دول من أهمها صوبة ودمشق. وقد دخلت تلك الممالك الآرامية، في دمشق وصوبة وغيرها، في صراع مع الآشوريين والعبرانيين. وقد قام هدد عزر (ملك آرام دمشق) بتكوين اتحاد من الإمارات الآرامية في بلاد الرافدين والشام والشعوب الأخرى في المنطقة مثل المؤابيين والعمونيين والأدوميين، وذلك لمقاومة التوسع العبراني. وقد تغلب عليهم داود في بداية الأمر وهزم مملكة آرام دمشق عام 980 ق.م، لكن رزين الأول عاد إلى الحرب مع سليمان وفرض سيطرته على معظم الممالك الآرامية. وبعد انقسام المملكة العبرانية المتحدة إلى دويلتين، نشب صراع بين الآراميين (بزعامة مملكة آرام دمشق) والمملكة الشمالية استمر لمدة تزيد على قرن (900 ـ790 ق.م). وقد تحالف ملك دمشق بن هدد الأول (853 ـ 845 ق.م) مع ملك المملكة الجنوبية في مهاجمة المملكة الشمالية، فهُزم ووقع في الأسر ثم أُفرج عنه. وقد نجح بن هدد أيضاً في تكوين تحالف من المدن الدول والممالك الصغيرة في المنطقة مثل المملكة الشمالية، وجهَّز جيشاً كبيراً بمساعدة آخاب لمواجهة الآشوريين بقيادة شلمانصر الثالث في معركة قرقر عام 853 ق.م التي انتهت إلى نتيجة غير حاسمة. وفيما بعد، ألحق بن هدد الهزيمة بآخاب. ووصلت المملكة الآرامية في آرام دمشق إلى قمة نفوذها في عهد أميرها حزائيل (في الفترة من 841 إلى 838 ق.م) الذي وسع حدود مملكته وضم جلعاد والجليل حتى وقعت المملكة الشمالية تحت نفوذه وكان على حكامها أن يدفعوا لآرام دمشق الجزية (إلى أن سقطت في يد الآشوريين). والواقع أن الحروب بين ملوك آرام دمشق وملوك المملكتين الجنوبية والشمالية تملأ صفحات التاريخ التوراتي.

ولكن القوة الآشورية عاودت الهجوم، ونجح شلمانصر في ضم منطقة وسط الفرات عام 838 ق.م. ثم استمرت الهجمات حتى نجح تيجلات بلاسر الثالث في احتلال دمشق عام 732 ق.م. واحتل سرجون الثاني حماه عام 720 ق.م، وهجَّر سكانها. وبذلك، تحوَّلت الدويلات الآرامية إلى دويلات آشورية تابعة، وسُمِّيت سوريا باسمهم.

وتُعزى هزيمة الآراميين إلى فشلهم في تكوين وحدة سياسية فعالة. ولكن الدويلات الآرامية في منطقة نهر دجلة استمرت في الهجوم على آشور. ونجحت قبيلة كالدو الآرامية (الكلدانيون في العهد القديم) في الثورة على الآشوريين ووفقت في الوصول إلى الحكم بعد أن عقدت تحالفاً مع الميديين، وأسست الدولة البابلية الجديدة.

وقد تفاعل الآراميون مع الحضارات القائمة: العموريين والفينيقيين والحيثيين، فأقبلوا عليها واقتبسوا منها وتخلصوا من طابع البداوة. إلا أن الأمر الفريد في هذه الظاهرة هو أن الآراميين، رغم اقتباسهم من الحضارات القائمة، احتفظوا بلغتهم ولم يستبدلو بها غيرها كما فعل العبرانيون والفلستيون.

وأدَّى تأثير الآراميين في الإمبراطورية الآشورية إلى انتشار الآرامية بين الناس الذين عاش الآراميون بين ظهرانيهم مثلما حدث في بلاد الرافدين وفلسطين. كما نشر الآراميون حروف الكتابة التي نقلوها عن الفينيقيين، وعلموها لعالم الشرق القديم كله (وقد تعلم العبرانيون حروف الكتابة منهم). وفاق توسُّعهم التجاري والاقتصادي توسُّعهم السياسي والفكري، كما بلغت حضارتهم ذروتها، في القرنين الثامن والتاسع قبل الميلاد. ووسع الآراميون نطاق التجارة واحتكروا طرق المواصلات حتى أصبحت الآرامية لغة التجارة.

وديانة الآراميين تقوم على عبادة آلهة سامية قديمة. فكانت آلهتهم كنعانية وبابلية وآشورية. وكانت للإله إيل عند الآراميين المكانة نفسها التي يتمتع بها عند الكنعانيين، وكان لهم إله خاص بهم هو هدد أو رامون إله العواصف والزوابع مرسل المطر الذي يخصب الأرض. وقد امتزجت عبادته فيما بعد بعبادة الشمس. وعُبدت معه زوجته آتارخابتس وهي إلهة الخصوبة والأمومة.

ولم يتفـوق الآراميــون كثـيراً في الفنــون الجمـيلة بل تأثــروا بالشعــوب المحيــطة بهــم، فكانوا يقلدون الأساليب البابلية والحيثية في العمارة والزخرفة ويستخدمون النحاتين والنقاشين الكنعانيين.

سوريا

Syria

كلمة «سوريا» مصطلح إقليمي ذو مجال دلالي متباين، فهو يشمل أحياناً كل الشام، أي الساحل الشرقي للمتوسط من تركيا حتى مصر، وأحياناً يشير فقط إلى الجانب الشمالي منه. وفي أحيان أخرى، كان المصطلح يشير إلى المنطقة التي تحيط بدمشق (آرام دمشق) وحدها.

وقد كان الحكام البابليون يهاجمون سوريا دائماً لأنهم كانوا يبحثون عن مخرج لهم على البحر الأبيض المتوسط. وقد حكم سرجون الأول (الأكادي) سوريا في أواخر الألف الثاني قبل الميلاد حتى هجرة العموريين 2100 ق.م. وقد هيمن الحوريون (مملكة ميتاني) على سـوريا، ووصـلت هذه الهـيمنة ذروتها في القرن الخامس عشر قبل الميلاد، واستمرت إلى أن ظهر الحيثيون الذين كانوا يشنون الهجمات عليها قبل عام 1400 ق.م دون الهيمنة عليها. ولكنهم حين قضوا على هيمنة مملكة ميتاني عام 1365 ق.م، وقعت سوريا بأسرها تحت حكمهم (عام 1336 ق.م). واستمر الصراع بين المصريين والحيثيين حتى معركة قادش (1288 ق.م) التي حدث بعدها نوع من التفاهم بين الطرفين المتصارعين. وقد ظهرت أول حضارة محلية وهي الحضارة الفينيقية (الكنعانية) في هذه الفترة حيث تعود حضارة أوجاريت إلى عام 1500 ق.م، ثم ظهرت القوة الآشورية التي اكتسحت البقية الباقية من ميتاني ولكنها عادت وتدهورت بدورها. وحينما ظهرت شعوب البحر، هزموا الحيثيين واضطروهم إلى التراجع. وفي هذه الآونة، ظهر الأخلامو (وكان الآراميون منهم) فغطوا منطقة سوريا بمدنهم وإماراتهم. وقد بدأ التسلل العبراني في كنعان (فلسطين). أسس العبرانيون مملكتهم في هذا الوقت حيث كان الآراميون يبنون أساس مملكتهم في دمشق. وظهر صراع حاد بين الآراميين والعبرانيين. ثم سقطت سوريا بأسرها في يد الآشوريين وسُمِّيت سوريا باسمهم («سوريا» هي صيغة تصغير لكلمة «أسيرياAssyria»)، ثم بدأ بزوغ القوة البابلية (الكلدانية).

وقد حاول نخاو الثاني (فرعون مصر) مناصرة آشور، وضم المصريون سوريا مؤقتاً (608 ق.م). ولكن نبوختنصر هزم المصريين واستولى على القدس وسوريا (605 ق.م) ثم وقعت سوريا عام 539 ق.م داخل الإمبراطورية الفارسية التي حولت سوريا وفلسطين وقبرص إلى مقاطعة فارسية تحمل اسم «عبر النهر». وقد دخلت سوريا الفلك اليوناني وخضعت لحكم السلوقيين من عام 312 ق.م حتى عام 64 ق.م ولكنها لم تسلم من هجمات الفرثيين. ثم برزت القوة الرومانية التي صدت الفرثيين تماماً. وقد أصبحت سوريا جزءاً من الدولة البيزنطية بعد انقسام الإمبراطورية الرومانية في أواخر القرن الرابع الميلادي حتى الفتح الإسلامي (633م).

آرام دمشــــــق

Aram-Damascus

«آرام دمشق» أهم مملكة آرامية في سوريا في الفترة من القرن العاشر قبل الميلاد إلى القرن الثامن قبل الميلاد. تألق نجمها في السياسة الدولية في ذلك التاريخ حيث وقفت من العبرانيين والآشوريين موقف الند للند، بل بدأت تُغير على أملاك الآشوريين في الشمال وعلى أملاك العبرانيين في الجنوب. وما أن جاء ت سنة 1000 ق.م حتى كانت آرام دمشق قد بسطت سيادتها على إقليم سوريا الداخلية الواقع خلف جبال لبنان، كما بسطت سيادتها على منطقة سوريا الشمالية. وظلت آرام دمشق قرنين من الزمان تناضل العبرانيين وتحاربهم وتُوقف تقدُّمهم صوب الشمال (وقد ورد ذكر ذلك كثيراً في العهد القديم).

بدأ النزاع بين آرام دمشق والعبرانيين في عهد الملك شاؤول بسبب التنافـس على خامات النحـاس، ولكن آرام (هدد عزر) وقف لشاؤول وصده. إلا أن نمو المملكة العبرانية في عهد داود رجَّح كفة العبرانيين إذ هاجم إمارة دمشق وهزم ملكها واحتلت قواته مدينة دمشق بعض الوقت.

وبعد انقسام المملكة العبرانية، كان ملوك الدولتين العبرانيتين يتنافسون في التقرب من بلاط دمشق. فقد أهدى ملك المملكة الجنوبية أمير دمشق (بن هدد) كثيراً من كنوز الهيكل. واستغل ملوك آرام دمشق المملكة الجنوبية في صراعها مع المملكة الشمالية. وانتزع بن هدد جلعاد والأردن منها، وأصبحت المملكة الشمالية إمارة تدين بالتبعية لملك دمشق وظلت تدفع الجزية حتى عام 875 ق.م حينما سطع نجم آشور. عندئذ كوَّن بن هدد حلفاً عظيماً من اثنى عشر أميراً وانضم له ملوك المملكتين العبرانيتين، كما اشترك ملك حماة ودخلت المدن الفينيقية في التحالف. والتقوا جميعهم في معركة قرقر عام 853 ق.م التي لم تكن نتيجتها حاسمة وتراجع الآشوريون بعدها. وفي عام 805 ق.م، حاصر الآشوريون دمشق وأجبروا ملكها على دفع إتاوة ضخمة لهم. واستغل ملوك المملكة الشمالية الفرصة لاستعادة بعض المناطق التي كانت آرام دمشق قد احتلتها من قبل، وذلك بالتحالف معها مرة أخرى (عام 738 ق.م) ضد آشور. لكن تيجلات بلاسر الثالث جرَّد حملة عليها عام 733 ـ 732 ق.م، فنهبها وهجَّر سكانها وأنهى وجودها كدولة مستقلة.

آرام نهــــــرايم

Aram-Naharaim

«آرام نهرايم» عبارة معناها «آرام النهرين». وقد جاء ذكر آرام نهرايم في الوثائق المصرية القديمة باسم «نهرين»، وهي دويلة من الدويلات التي أسسها الآراميون شمالي سوريا في نهاية القرن الثالث عشر قبل الميلاد. ولما ترجم اليونانيون التوراة إلى اليونانية أطلقوا عليها اسم «ميزوبوتاميا»، أي «بلاد ما بين النهرين». وبحسب الرواية التوراتية، أتى معظـم الآبــاء اليهـود من هذه المنطقة.

بــن هــدد (900-842 ق.م)

Ben-Hadad

«بن هدد» اسم ثلاثة من ملوك آرام دمشق:

1 ـ ملك حكم آرام دمشق في زمن آسا ملك المملكة الجنوبية (908 ـ 886 ق.م) وتحالف معه ضد بعشا ملك المملكة الشمالية.

2 ـ ابن أو حفيد بن هدد ملك آرام دمشق سابق الذكر، وقد أعلن حرباً على المملكة الشمالية عام 856 ق.م ولكنه هُزم وأُسر. ولكن آخاب أطلق سراحه وتحالف معه في الحرب ضد شلمانصر الثالث الآشوري عام 853 ق.م.

3 ـ ملك حكم بين القرنين التاسع والثامن قبل الميلاد. وقد هُزم ثلاث مرات على يد يهوآحاز ملك المملكة الشمالية، ولكنه عاد واستردّ المدن التي كان قد فقدها.

الكنعانيــون

Cannanites

كلمة «كنعانيّ» هي صيغة النسب إلى «كنعان»، وهي كلمة حورية تعني «الصبغ القرمزي» وهو الصبغ الذي كان الكنعانيون يصنعونه ويتاجرون فيه. وتبعاً لجدولأنساب سفر التكوين، فإن الكنعانيين هم نسل كنعان بن حام بن نوح. وقد صُنِّفوا في العهد القديم باعتبارهم من الحاميين مع أنهم من الساميين ولغتهم سامية، وذلك ربمالتبرير الحروب التي نشبت بينهم وبين العبرانيين.

لكن الكنعانيين، في الواقع، قبائل سامية نزحت منذ زمن بعيد من صحراء شبه الجزيرة العربية أو الصحراء السورية، وربما يكون قد تم ذلك في النصف الأول من الألف الثالث في شكل هجرات مكثفة. وهم ثاني جماعة سامية (بعد العموريين)، لعبت دوراً مهماً في تاريخ سوريا وأرض كنعان. وينتسب الفريقان إلى موجة الهجرة نفسها. ولذلك، فإن الاختلاف بينهما يكاد يكون معدوماً. وقد نشأ الاختلاف نتيجة أن العموريين أقاموا في شمالي سوريا فتعرضوا لتأثيرات سومرية بابلية، بينما كان مركز الكنعانيين الجغرافي في أرض كنعان والساحل، ولذلك كان تأثرهم بالمصريين والحيثيين والعرب.

والاختلاف اللغوي بين العموريين والكنعانيين هو اختلاف في اللهجة، كما أن اللغتين الكنعانية والعمورية من الفرع السامي الشمالي الغربي الذي يضم العبرية ويتميز عن الفرع الجنوبي الغربي الذي يضم العربية. وقد بقيت سيادة الكنعانيين في أرض كنعان كشعب وقوة حضارية منذ زمن سحيق وحتى التهجير البابلي. وقد أصبحت لفظة «كنعان» تُطلَق على جميع سكان البلاد دون أي مدلول عرْقي، بل كانت تتسع أحياناً لتصبح مرادفة لكلمة «فينيقي» وهو استخدام يوافق عليه كثير من المؤرخين.

ويرتبط تاريخ الكنعانيين إلى حدٍّ كبير بالتاريخ المصري. ففي الأسرة الثانية عـشرة (2000 ـ 1786 ق.م)، ضمت مصر أرض كنعان، فعمها الرخاء عن طريق الاتجار مع وادي النيل.

وقد غزا الحوريون أرض كنعان في أواسط القرن الثامن عشر قبل الميلاد، وجمعوا أعداداً كبيرة من المرتزقة الكنعانيين إلى جانب العبرانيين. وهذه الجماعة هي التي يُطلَق عليها اسم «الهكسوس» الذين احتلوا مصر إلى أن طردهم أحمس عام 1570 ق.م، ثم قام تحتمس الثالث (1500 ـ 1450 ق.م) بضم أرض كنعان. وبدخول الكنعانيين في فلك الحكم المصري (في الأسرة الثامنة عشرة)، نعمت كنعان مرة أخرى بالهدوء والاستقرار بسبب تدفق التجارة. ولكن مع ضعف الدولة المركزية في مصر في عصر إخناتون، وفشلها في تزويد حاكم كنعان بالمعونات التي طلبها، تمكن الخابيرو من التسلل إليها. ومع قيام الأسرة التاسعة عشرة (1320 ـ 1200 ق.م) عادت كنعان إلى الهيمنة المصرية مرة أخرى. وفي هذه الفترة بدأ التسلل العبراني في كنعان (1250 ـ 1200 ق.م)، فاختلط العبرانيون بسكانها من الكنعانيين وغيرهم، واستوعَبوا حضارتهم واستُوعبوا فيها.

وكان الكنعانيون ينتظمون في جماعات صغيرة على رأس كل منها ملك يعيش في مدينة محصنة تُعَدُّ المدينة الأم، حولها أرض مزروعة تتناثر فيها القرى التي تُعَدُّ بنات المدينة الأم. وقد كانت هذه الدويلات المدن في حالة نزاع مستمر. ولا تزال معظم المدن في فلسطين تحمل أسماء كنعانية واضحة، مثل: أريحا وبيسان ومجدو.

والكنعانيون أول من اكتشف النحاس وجمعوا بينه وبين القصدير لإنتاج البرونز. كما استخدموا الذهب والفضة في تطعيم العاج، واستعملوا الحديد في مراحل متأخرة. وازدهرت عندهم أيضاً صناعة الأصباغ ولاسيما القرمز والأرجوان اللذين اقترنا باسمهم. وهم الذين اخترعوا السفن فازدهرت التجارة، واشتغلوا بزراعة الكروم والبن والمحاصيل الأساسية، مثل: القمح والعنب والزيتون.

وقد برع الكنعانيون في فن البناء وإنشاء القلاع والتحصينات، ربما بسبب انقسامهم إلى مدن/دول متصارعة، وقاموا بأعمال هندسية ضخمة لإيصال المياه إليها. وكانت الأبنية الدينية تتكون، في الغالب، من أراض في العراء تحيط بها أسوار وكانت تضم مذبحاً وحجرة أو أكثر مبنية بالحجر. وكان للمدن الكبيرة معابد مسقوف بناؤها، وهي أبنية أقرب إلى نمط أرض الرافدين. وقد تأثر الكنعانيون في فنونهم، وخصوصاً في النحت، بالمصريين والبابليين، كما تأثروا بفنون الشعوب الأخرى التي غزت المنطقة واستوعبتها. كما كان حفر الصور البارزة فناً مزدهراً نسـبياً في كنعان مثلها مثل سـائر أنحاء الشـرق الأدنى القديم. فثمة أنصاب محفور عليها كالنصب المشهور للإله بعل في أوجاريت. ولكن الجزء الأكبر من الرسوم البارزة الكنعانية زخارف على أشياء صغيرة وُجد أهمها في أوجاريت مثل الطبق الذي رُسم عليه بالذهب البارز منظر صيد. وقد انتشر استعمال الأختام وتقدمت صناعتها. والشيء نفسه ينطبق على الحُلي وغيرها من أدوات الزينة.

يُعَدُّ الكنعانيون أول من اخترع حروف الكتابة. وقد استعار منهم الفينيقيون، كما أخذ عنهم العبرانيون فيما بعد، أبجديتهم. والأدب الكنعاني الذي وصلنا هو أساساً من الشعر، وأهم الأعمال الأدبية ملحمة الإله بعل والإلهة عنت و تبدأ بالصراع بين بعل وإله البحر، وتنتهي بانتصار بعل. وتدور الملحمة حول قصة ذبح بعل ونزوله إلى مملكة الموتى التي يحكمها الإله موت حيث يؤدي اختفاء بعل إلى تَوقُّف الحياة على الأرض، وهنا تأتي الإلهة عنت بالإله موت وتذبحه. وهكذا يعود بعل إلى الأرض ومعه الخصوبة والوفرة. وتقوم القصة في معظمها على دورة الفصول، فالإله بعل مثلاً إله المطر والخصب ويحكم الأرض من سبتمبر إلى مايو، وموت إله الجدب والموت ويحل محل بعل في الصيف.

وديانة الكنعانيين ديانة خصب تعددية سامية كان لها أعمق الأثر في التفكير الديني للعبرانيين بعد تغلغلهم في كنعان. ولذا، فسوف نورد بشيء من التفصيل ما ورد في كتاب موسكاني عن الحضارات السامية القديمة حول هذا الموضوع. وأول ما يروع المرء في الدين الكنعاني أنه ذو مستوى أدنى كثيراً من دين أرض الرافدين، ويتبدَّى هذا بأجلى صورة في قسوة بعض طقوسه واهتمامه الغليظ بالعناصر الجنسية.

ومما يسترعي الانتباه أيضاً أن آلهته ذات طابع غير محدد أو ثابت. فالآلهة الكنعانية كثيراً ما تتبادل صفاتها وصلاتها، بل وجنسها أيضاً، حتى ليصعب أحياناً أن نعرف حقيقة طبيعتها وصلاتها بعضها ببعض. وهذا يرجع من ناحية إلى انعدام الوحدة بين الكنعانيين، ومن ناحية أخرى إلى أنه لم يكن ثمة طبقة من الكهان منظمة تنظيماً كافياً وتستطيع تنظيم الدين كما في أرض الرافدين.

وكان لكل مدينة آلهتها الخاصة. أما هذه الآلهة، فقد كان لها في الغالب مكان بين الآلهة التي يعبدها الجميع. كما أن هذه الآلهة كانت تمثل وظيفة معيَّنة من الوظائف المشتركة للآلهة أو مظهراً معيناً من مظاهرها. ويتمثل هذا كأحسن ما يكون في نصوص أوجاريت، فهي تذكر آلهة وأحداثاً تتعلق بالآلهة ولا تتصل اتصالاً مباشراً بعبادات تلك المدينة إلا أحياناً.

وكان إيل رأس آلهة الكنعانيين.كان هذا الاسم اسماً سامياً عاماً معناه «إله»،ثم استعملته شعوب كثيرة علماً على الإله الأكبر. وقد ظل الإله الكنعاني شخصية بعيدة غامضة بعض الشيء،فهو يسكن بعيداً عن كنعان (عند منبع النهرين) ويقلّ ذكره في الأساطير عن ذكر الآلهة الأخرى، وزوجته هي الإلهة أشير المذكورة في التوراة.

وكان بعل أبرز الآلهة الكنعانية ومركز مجموعة أخرى من الآلهة. وكلمة «بعل» هي في الأصل اسم عام (وليس علماً) ومعناه «سيد»، ولهذا فقد أمكن إطلاقه على آلهة مختلفة. ولكن بعل الأكبر كان إله العاصفة والبرق والمطر والإعصار كالإله هدد لدى البابليين والآراميين.

وثمة أسماء آلهة كنعانية أخرى مشتقة من الاسم «ملك». فهذا الاسم يظهر بين العمونيين علماً على إلههم القومي وذلك في الصيغة «ملكوم». وإله صور يشتق اسمه من الكلمة نفسها فهو «ملقرت» اختصار عبارة «ملك قرت» أي «ملك المدينة».

والواقع أن بعل هو العنصر المذكر في مجموعة آلهة الدورة النباتية التي نجدها أيضاً في روايات دينية سامية أخرى. وترتبط به في هذه المجموعة إلهتان من آلهة الخصب هما عنت وعشتارت. وثانية هاتين الإلهتين ترد في التوراة باسم عشتارت (أو جمعاً بصيغة عشتاروت) وهي صنو عشتر في أرض الرافدين ولها نفس خصائصها تقريباً. وتجمع هاتان الإلهتان بين صفتي البكارة والأمومة رغم تعارض هاتين الصفتين في الظاهر. والصور التي تمثلها تبرز الملامح والرموز الجنسية. وعنت وعشتارت هما إلهتا الحرب في الوقت نفسه. وكثيراً ما يصورهما الأدب والفن قاسيتين، متعطشتين إلى الدماء، يسرُّهما تذبيح الرجال. ويتزوج بعل بإلهة الخصب عشتارت، فينتج عن تلك الزيجة الخضرة التي تكسو الأرض في الربيع. وهذا الزواج المقدَّس، الذي يتخذ صفة رفيعة، يصبح فيما بعد اتحاداً بين يهوه وشعبه.

وتكتمل مجموعة آلهة الخصوبة بالإله الشاب الذي يموت ثم ينهض من جديد كما يفعل النبات. وكان هذا الإله يُعبَد في جبل باسم «أدونيس»، وهو اسم مشتق من كلمةسامية معناها «سيد»، وقد كانت له نفس خصائص الإله البابلي تموز.

وكان للشمس والقمر مكان محدَّد على نحو ظاهر بين القوى الطبيعية المختلفة التي كانت تؤلهها كنعان. ويرجع هذا إلى نسبة خصائص الشمس والقمر إلى آلهة أخرى. على أن من المقطوع به أن أهمية الشمس والقمر كانت تقلُّ شيئاً فشيئاً بين الشعوب السامية.

ثم إن الكنعانيين عبـدوا آلهة عـدة أخـذوها عـن المصريين أو البابليين،وهنا يتجلى الطابع التوفيقي الذي تتسم به حضارتهم. وقد حدث ارتباط واندماج،فيما بعد، بين الآلهةالكنعانية وآلهة اليونان.

ولا يمكننا الآن التحقق من الحياة الدينية للكنعانيين إلا على نحو جزئي ناقص، فلدينا قدر معيَّن من المعلومات المباشرة نستمده من وثائق أوجاريتية قصيرة أمكن قراءة جانب منها فقط. ولكن لا يزال أكبر مصـدر لنا في هـذا الصـدد ما في العـهد القديم من معلومات غير مباشرة.

ويبدو أن الكهانة بلغت في تطورها مرتبة عالية بعض الشيء، ولكنها بالطبع لم تبلغ من التنظيم حداً يمكن مقارنته بما بلغته الكهانة في أرض الرافدين. فهناك ذكر للكهنة الكبار وسدنة المعابد والبغايا المقدَّسات، كما كان ثمة عدد غير قليل من المتنبئين. وتشير نصوص أوجاريت إلى بعض طقوس التنبؤ. ولدينا، أخيراً، طائفة خاصة هي طائفة الأنبياء. وليست لدينا المعلومات الضرورية التي تمكننا من فهم مكانهم ووظيفتهم في الدين الكنعاني فهماً تاماً، ولكنهم على أية حال يمثلون مظهراً من مظاهر الدين الكنعاني له نظير مهم بين جماعة يسرائيل.

ولم تكن أماكن العبادة كلها أو معظمها في صورة المعابد المعروفة، فقد شاعت هياكل العراء (وهو ما يُتوقَّع من دين أقرب إلى الطبيعة) التي كانت تُقام بالقرب من الأشـجار أو الينابيـع أو على التـلال بصورة خاصة، وهذه هي الأماكن المرتفعة التي تتحدث عنها التوراة (بالعبرية: باموت ومفردها «باما»). وكان هيكل العراء يتكون من أرض محاطة بسياج تضم مذبحاً وفيها قبل أي شيء آخر حجر مقدَّس يُعتقَد أنه حجران أو أنه مسكن الإله، وهذه هي الفكرة التي أثرت في جماعة يسرائيل فيما بعد.

وكانت القرابين الكنعانية تضم ضحايا من البشر إلى جانب القرابين الحيوانية المألوفة. وكانت القرابين الآدمية تُقدَّم مثلاً في الكوارث العامة الشديدة باعتبارها أعظم قربان يمكن أن يقدمه الإنسان إلى الآلهة. وقد تردد القول بأن الكنعانيين كانوا يقدمون قرابين من الأطفال عند تشييد المباني، لكن هذا أمر غير مقطوع به. وليس ثمة أدلة مقنعة على وجود مثل هذه القرابين إذ ليس في الهياكل العظمية التي اكتُشفت أثر يدل على الموت قتلاً.

وكانت هناك عادة أخرى تنم كذلك عن مستوى ديني منخفض هي زنى الطقوس. وكانت هذه العادة جزءاً من عبادة الخصوبة التي ذكرناها عند الحديث عن آلهة كنعان، وقد بطل استعمالها فيما بعد بفضل تَطوُّر الدين الكنعاني.

ويُستدَل على عبادة الموتى في المنطقة كلها بالهدايا التي كانت توضع في القبور. وهذا يشير إلى الإيمان بحياة أخرى بعد الموت، ولكن ليس لدينا من الوسائل ما نحدد به طبيعة هذه العقيدة على نحو دقيق.

وقد استوعب العبرانيون الحضارة الكنعانية المادية، كما اتبعوا كثيراً من العبادات والعادات والصفات الدينية التي تميز بها الكنعانيون. وتعلَّم العبرانيون الزراعة في كنعان، كما اتخذوا لغتها لغة لهم. والمغنون الأوائل في الهيكل كنعانيون، والموسيقى التي عزفها كلٌّ من داود وسليمان موسيقى كنعانية، والشعر العبري متأثر بالشعر الكنعاني. وكانت الأسماء العبرانية تحمل طابعاً كنعانياً، فابن شاؤول كان يُسمَّى «إيش بعل (رجل بعل)» وداود سمَّى ابنه «بعل يداع (بعل يعرف)». وقد كان البناء الديني عند العبرانيين ذا أصل كنعاني، فتصميم الهيكل موضوع وفقاً لتصميم المعبد الكنعاني. وبعض التحريمات مثل طبخ الجدي في لبن أمه هي عادات كنعانية قديمة.

ويُحرِّم العهد القديم عبادة آلهة الكنعانيين أو التزاوج معهم، مع أن اليهود القدامى (كما بيَّنا) قد تزاوجوا معهم واقتبسوا كثيراً من طقوسهم وعبدوا إلههم بعل.

ويروِّج الصهاينة لوجهة النظر القائلة بأن الكنعانيين قد أبيدوا تماماً على يد العبرانيين أو أنهم ذابوا فيهم. كما يرفضون وجهة النظر القائلة بأن العلاقة بين هذين الشعبين الساميين علاقة تبادلية يلعب فيها الكنعانيون دور الشعب الأقوى وصاحب الحضارة الأكثر تفوقاً. ولكن حركة الكنعانيين الحديثة في إسرائيل تدافع عن فكرة العلاقة التبادلية بين العبرانيين والكنعانيين، وتَخلُص من ذلك إلى برنامج سياسي يختلف في بعض الوجوه عن البرامج الصهيونية المعروفة.

الأقـوام الكنعانيـة السـبعة

Seven Cannanite Nations

«الأقوام الكنعانية السبعة» هي الأقوام التي يرد ذكرها في العهد القديم والتي كانت تقطن في أرض كنعان وكان عددها يزيد على سبعة أحياناً. وقد أتى ذكر القينيين والقنزيين والقدمونيين والحيثيين والفرزيين والرفائيين والعموريين (الأموريين) والكنعانيين والجرجاشيين واليبوسيين والحويين والحوريين (تكوين 15/19ـ 21؛ عدد 13/28ـ 29؛ يشوع 24/11؛ تثنية 7/1؛ ملوك أول 9/20).

وبعض هذه الأقوام لا يرد ذكره إلا في العهد القديم، كما أن بعضها لا يأتي ذكره إلا في مرحلة تدهورها. ويتحدد اهتمام العهد القديم بهذه الأقوام بمقدار علاقتها بالغزو (التسلل) العبراني لكنعان. ويتحدث العهد القديم عن إبادة بعض هذه الأقوام وعن دحر البعض الآخر وهزيمته. والواقع أن ما حدث هو تسلل عبراني عن طريق الغزو وعن طريق التزاوج والتفاعل. ويشير العهد القديم إلى هذه الأقوام «كأمم» أو «شعوب»، ولكن الواقع أن معظمها تجمعات قبائل.

وفي الوجدان الصهيوني، يُنظَر إلى العرب باعتبارهم هذه الأقوام الكنعانية. وترد إشارات عديدة إلى العرب في كتابات جوش إيمونيم باعتبارهم كنعانيين ويبوسيين وعماليق تجب إبادتهم. ومن هنا تتزايد أهمية يوشع بن نون الذي يعرفه أطفال المدارس الإسرائيلية خير معرفة باعتباره البطل العبراني الذي قاد عملية إبادة الأقوام الكنعانية.

العناقيون (بنو عناق)

Anakim

«العناقيون» جماعة إثنية كانت تعيش بالأراضي الجبلية في كنعان وفي سهول غزة وأشدود وجات. وقد هزمهم العبرانيون وطردوهم بقيادة يوشع بن نون إلى الأراضي الجبلية. ولكن يوشع بن نون فشل في طردهم من غزة وأشدود وجات. وكان بنو عناق ضخام البنية ويوصفون بالجبابرة لطول قامتهم وشدة بأسهم في الحرب. ولذا، قالالجواسيس العبرانيون عند عودتهم: « وجميع الشعب الذي رأينا فيه أناس طوال القامة، وقد رأينا هناك الجبابرة بني عناق فكنا في أعيننا كالجراد، وهكذا كنا في أعينهم » (عدد 13/32 ـ 33). وقد يكون بنو عناق بطناً من بطون العموريين. ويُقال إنهم من الرفائيين وربما كان ُجليات منهم.

القنزيـــون

Kenizzites

»القنزيون» هم أحد الأقوام الكنعانية السبعة التي ورد ذكرها في العهد القديم (تكوين 15/19)، وقد ورد ذكرهم في المدوَّنات الحيثية.

الفرزيــون

Perizzites

»الفرزيون» هم أحد الأقوام الكنعانية السبعة التي ورد ذكرها في العهد القديم والتي كانت في أرض كنعان قبل التسلل العبراني، ولم يستعبدهم العبرانيون إلا في زمن سليمان. ومعنى الكلمة غير معروف، ولعلها تعني «بيرزان Perazan» أي «الأرض الخالية أو الفضاء»، وربما كانت بمعنى الكلمة الحيثية «بيرزي» أي «حديد».

القينيون (بنو القين)

Kenites

«قيني» اسم سامي معناه «حداد» أو «صانع». وبنو قين بطن من بطون قبيلة أو أهل مدْيَن كانوا مستقرين على خليج العقبة بصحراء النقب وصحراء سيناء، وعادةً ما يُقرنون بالمديَنيين. وقد كان القينيون مجاورين للقنزيين الساكنين في أدوم.

تحالف القينيون (حسب الرواية التوراتية) مع العبرانيين، وأرشدوهم عبر الصحراء في فترة التيه. وبعد التسلل العبراني، استوطنوا كنعان وانضموا إلى قبيلة يهودا. ولكن يبدو أن أعداداً منهم عادت إلى الصحراء مرة أخرى أو لعلهم ذابوا تماماً في قبيلة يهودا. ويُقال إن منهم يثرون (حما موسى)، وأن عبادة يهوه كانت عبادتهم، وأن موسى تلقى أسرارها على أيديهم. ويُعتبَر المصدر القيني أقدم مصادر العهد القديم ويرى نقاد العهد القديم أنه يُبيِّن أثر عبادة القينيين الوثنية فيه.

الرفائيون

Rephaim

«الرفائيون» من الأقوام الكنعانية السبعة التي كانت تستوطن أرض كنعان قبل التسلل العبراني. وقد ورد ذكرهم في عديد من أسفار التوراة وفي بعض المصادر القديمة. وكانوا يتَّسمون بضخامة القامة، ولذا فإن الكلمة تُستخدَم أحياناً في العهد القديم بمعنى «ضخم» وليس بمعنى عضو في جماعة إثنية أو عرْقية محدَّدة.

الجرجاشيون

Girgashites

«الجرجاشيون» هم أحد الأقوام الكنعانية السبعة التي كانت تعيش في كنعان قبل التسلل العبراني. ويبدو أنهم كانوا يسكنون غربي نهر الأردن، في المنطقة الجبلية المحيطة بمدينة القدس، كما يبدو أنهم كانوا على علاقة باليبوسيين. ولكن، واستناداً إلى صيغة اسمهم، يذهب بعض الباحثين إلى أنهم يعودون إلى أصل حوري. وبحسب الروايةالتوراتية، حاول الجرجاشيون الوقوف في وجه التسلل العبراني.

وتوجد رواية في التلمود مفادها أن الجرجاشيين هربوا إلى أفريقيا بعد أن تسلل العبرانيون إلى كنعان، واتهم الجرجاشيون العبرانيين بأنهم سارقو الأرض.

الحويون

Hivites

«الحُوِّيون» هم أحد الأقوام الكنعانية السبعة التي كانت تقطن في شمالي أرض كنعان حينما تسلل إليها العبرانيون. والاسم مأخوذ من لفظ عبري معناه «قرية» أو «مخيم» ويَقرن بعض العلماء اسمهم بكلمة «حواء». وحسب رواية أخرى، فإن كلمة «حوي» حينمـا ترد في التــرراة تكون تحـريفاً لكلمة «حوري» في معظم الأحيان. وثمة نظرية ثالثة تقول إن الحويين كانت تربطهم صلة قربى بالآخيين وأن الاسمين مترادفان، وأنهم هاجروا إلى كنعان في الوقت نفسه الذي هاجر فيه الآخيون إلى اليونان. ويبدو أن علاقة الحُوِّيين بالعبرانين كانت طيبة.

اليبـــــوســــــيون

Yebusites; Jebusites

«اليبوسيون» هم أحد الأقوام الكنعانية السبعة. عاشوا في المناطق المرتفعة المتاخمة للقدس، وهم الذين بنوا هذه المدينة وسمَّوها «أورو ـ سالم» أي «مدينة السلام». و«يبوس» هو أحد الأسماء القديمة للقدس. ولقد ظل اليبوسيون محتفظين بالمدينة مدة طويلة بعد أن استوطنتها القبائل العبرانية النازحة من كنعان، فلم تُفتَح إلا في عهد داود.

وقد عُرف اليبوسيون بشدة مقاومتهم للعبرانيين. ومع هذا، أخضعهم داود لهيمنته، وجنَّدهم سليمان في أعمال السخرة. ولكنهم استعادوا استقلالهم بعد سقوط المملكة الجنوبية، وحاولوا فيما بعد منع اليهود العائدين من بناء سور الهيكل. وكانت ديانة اليبوسيين مزيجاً من العقـائد السـامية والحـورية، وهـو ما يدل على أن أصولهم قد تكون حورية. وقد ذاب اليبوسيون في الأقوام الأخرى بعد القرن السادس قبل الميلاد.

الإيطوريون

Itureans

كلمة «إيطوري» كلمة منسوبة إلى «إيطور» أحد أبناء إسماعيل. والإيطوريون من القبائل العربية التي استوطنت فلسطين، واتصلت بغيرها من القبائل العربية (الإسماعيلية) الموجودة من قبل. وقد حارب الإيطوريون العبرانيين أيام شاؤول، ثم اجتاحوا في أواخر القرن الأول قبل الميلاد مدن السواحل الفينيقية وأسسوا مملكة فيالبقاع واستقروا في شمالي الجليل بفلسطين.

قاد الملك الحشموني جون هيركانوس حملة ضدهم، وأكملها ابنه أرسطوبولوس الأول (105 ـ 104 ق.م) وهوَّدهم عنوة كما فعل أبوه مع الأدوميين من قبل. وتدل أسماء ملوك الإيطوريين على تأثرهم بالحضارة الهيلينية، كما أنهم انصهروا مثل الأنباط وغيرهم من القبائل العربية في سكان فلسطين.

الفينيقيــون

Phoenicians

«فينيقي» كلمة يونانية تعني «الصبغ الأرجواني» أو «كنعان» بالحورية. ولقد صارت كلمة «فينيقي» مرادفة لكلمة «كنعاني» حوالي عام 1200 ق.م. وكان الفينيقيون يُسمَّون «الكنعانيين»، وظلوا على هذه التسـمية حتى العهـد الروماني، وهذا يعني أنهم كانوا من الساميين وإن كانـوا قد امتزجـوا بشـعوب البحر التي أتت من إيجـة واستقرت في بلادهم.

ولكن الاسم «فينيقي» ينطبق أساساً على المدن/الدول التي تركزت شمالاً على الساحل الشرقي للبحر المتوسط ، وعند سفوح جبال لبنان للاحتماء بها. والواقع أن المدن/الدول الفينيقية لم تكوّن أية تحالفات فيما بينها إلا في حالات الخطر. وكانت هذه المدن تمارس الصناعة والتجارة الخارجيـة، وقـد نشـأت بينهـا وبين اليونان علاقات تجارة ناجحة.

ومن أشهر المدن الفينيقية مدينة جبيل العاصمة الدينية التي كانوا يحجون إليها سنوياً لإقامة الاحتفالات لآلهتهم ولاسيما الإله أدونيس. ومن المدن المهمة الأخرى مدينة طرابلس، وقد كانت مدينة سياسية يجتمع فيها سنوياً ممثلو المدن الفينيقية لبحث شئونهم العامة ولتبادل الآراء والخبرات. ومن المدن الأخرى المهمة مدينة صيدون (صيدا) التي اشتهرت بالتجارة البحرية، ومدينة صور التي وصلت إلى أوج ازدهارها فيما بين القرنين العاشر والسادس قبل الميلاد، وأصبحت تجارتها مزدهرة ومربحة في عهد حيرام الأول.

ولقد سيطر المصريون على فينيقيا من الفترة التي أعقبت طرد الهكسوس (1500 ق.م) حتى عهد رمسيس الثاني، وذلك في الوقت الذي كان فيه الحيثيون يسيطرون على المدن الشمالية. ثم حصل الفينيقيون على استقلالهم الكامل.

وكان الفينيقيون على علاقة وثيقة بالعبرانيين. فتحالف حيرام ملك صور مع سليمان. كما أثَّرت ديانة الفينيقيين في حياة العبرانيين الدينية، أي في العبادة اليسرائيلية.

وقد أخضعت آشور معظم المدن الفينيقية في القرن الثامن قبل الميلاد، ولكن هذه المدن وقعت تحت حكم البابليين إلى أن دخلت بأكملها تحت سيادة الإمبراطورية الفارسية. ومع ظهور الإمبراطورية اليونانية، سرعان ما اكتسبت فينيقيا طابعاً هيلينياً. واستقلت بعض المدن الفينيقية إلى أن أخضعتها روما جميعاً عام 64 ق.م. مع غيرها من المدن الفينيقية. وقد اكتسبت فينيقيا صبغة عربية بعد الفتح العربي.

لم يهتم الفينيقيون بالزراعة وإنما كان اهتمامهم بالتجارة والصناعة. ومن أشهر صناعاتهم، الصباغة والزجاج والنسيج. وقد اشتهر الفينيقيون بصناعة السفن والملاحة، كما أنهم يُعَدُّون أول أمة بحرية. وقد أسسوا المستعمرات المختلفة في حوض البحر الأبيض المتوسط في قرطاجة وقبرص وإسبانيا والبرتغال، كما تاجروا مع بلاد العالم المعروفة آنئذ كافة وسيطروا على التجارة الدولية.

وساهم الفينيقيون في تَقدُّم علم الجغرافيا. وإليهم يُعزَى الفضل في نشر حروف الكتابة التي تطورت عند شعوب المنطقة. ومن الناحية الفنية، تأثَّر الفينيقيون باليونان ومصر. وأهم آثارهم المعمارية هيكل الملك سليمان. أما ديانتهم، فهي ديانة خصب سامية تشبه الديانة الكنعانية من عدة وجوه، فكانوا يعبدون عشترت في جميع المدن الفينيقية، كما كان لكل مدينة فينيقية إلهها المحلي. وثمة أدلة تشير إلى أنهم كانوا يؤمنون بالحياة بعد الموت.

حيرام (970-935 ق.م)

Hiram

لفظ «حيرام» لفظ عبري وفينيقي اختصار لكلمة «أحيرام» ومعناه «الأخ يرفع». وهو ملك صور الذي شيَّد هياكل لعشتاروت.

كان حيرام صديقاً لكلٍّ من داود وسليمان. ويبدو أنه كان يود تطوير مملكته تجارياً، ولذا فقد وسع مدينته وبنى رصيفاً على الجانب الشرقي. واشترك مع سليمان في إرسال بعثة بحرية إلى أوفير للبحث عن الذهب. وقدَّم حيرام أخشاب الأرز والسرو لبناء الهيكل، والصناع المهرة ليساعدوا في تجهيز الخشب والحجر. ومقابل ذلك، قدَّم له سليمان الحنطة والزيت ومقاطعة صغيرة من فلسطين.

كما أن اسم «حيرام» كان يُطلَق على الصانع الذي أرسله حيرام (الملك) ليصنع الأجزاء النحاسية في الهيكل كالأعمدة.

المــدينيون

Midianites

«المَدْيَنيون» قوم من البدو ينتسبون بصلة القربى إلى إبراهيم (حسب الرواية التوراتية).كان المَدْيَنيون يقيمون في منطقة صحراء النقب الواقعة بين مصر وفلسطين والحجاز.وكان المَدْيَنيون يعملون بالزراعة والرعي والتجارة،أما قوافلهم فكانت تسير حاملةً البخور والسلع الأخرى من أرض جلعاد إلى مصر وغيرها من البلاد. والمَدْيَنيون هـم الذين أدخلوا الجَمَل في القرن الحادي عـشر قـبل الميلاد إلى فلسطين.وحينما هرب موسى من مصر،حسب الرواية التوراتية،كان هروبه إلى أرض مدين حيث تزوج من ابنة كاهنها يثرون.

وقد تعاون المَدْيَنيون مع المؤابيين ضد العبرانيين، كما هاجموا العبرانيــين في تاريـخ لاحـق. وكان المَدْيَنيون يقطنون بجوار المؤابيين والأدوميين. هذا، وقد ذاب المَدْيَنيون في القبائل العربية الأخرى.

العماليق

Amalek

«العماليق» شعب سامي قديم وُجد في أرض مَدْيَن (النقب)، وكان يتجول بين جنوب كنعان ووسطها ثم استقر في الجنوب. أتى ذكره في التوراة بوصفه شعباً معادياً للقبائلالعبرانية، إذ هاجمهم بعد الهجرة من مصر فقتل العديد منهم. ولم يأت ذكر لهذا الشعب في الكتابات المصرية أو الآشـورية. وقـد عدَّهم العــبرانيون من أعـدائهم الأزلـيين: « فالآن اذهب واضرب عماليق، وحرموا كل ماله، ولا تعفُ عنهم، بل اقتل رجلاً وامرأة، طفلاً ورضيعاً، بقراً وغنماً، جملاً وحماراً » (صموئيل الأول 15/2 ـ 3). وقد حاول شاؤول إبادتهم ثم هاجمهم داود فألحق بهم الهزائم. وأثناء حكم حزقيا (720 ـ 690ق.م)، هاجمتهم قبيلة شمعون واستولت على أراضيهم.

الأنباط (النبط)

Nabateans

«الأنباط» قبائل من العرب الرعاة ظهرت على حدود فلسطين في الصحراء الواقعة شرقي الأردن أثناء حكم الفرس (من القرن السادس إلى القرن الرابع قبل الميلاد). واستولت هذه القبائل على جبل سعير (أدوم) وعلى قلعة سلْع في البتراء التي أصبحت عاصمة لهم فيما بعد، ثم استولت على مدينة ربة عمون ( فيلادلفيا) شرقي الأردن.

وفي القرن الثالث، ترك الأنباط الرعي إلى حياة الاستقرار وعملوا بالزراعة والتجارة. ولقد مارسوا الزراعة من خلال نظام مركب للحفاظ على المياه. كما استفادوا من وجودهم على طريق إيلات ـ غزة بالاشتراك في تجارة القوافل، وقد أسسوا لهذا الغرض مجموعة من المستوطنات الزراعية في صحراء النقب. ولقد بدأ عهد ملوك الأنباط في عام 69 ق.م، ومنهم الحارث الأول (أريتاس).

وقد أيَّد الأنباط الحشمونيين في بادئ الأمر، ولكن بعد أن ترسَّخ ملكهم وقفوا ضدهم، فساعد الحارث الثاني (110 ـ 96 ق.م) سكان غزة حينما حاصرها ألكسندر يانايوس الحشموني عام 96 ق.م، وانتصر خلفه عبيدة (أوبوداس الأول) على يانايوس. وأثناء المعركة بين هيركانوس الثاني وأرسطوبولوس الثاني على العرش الحشموني، أيَّد الحارث الثالث هيركانوس الثاني، ولكن الرومان أقنعوه بأن يسحب قواته. واستمرت الحرب بين الأنباط والسلطة اليهودية في فلسطين أثناء حكم الهيروديين، فحارب مالك (مالكوس) الأول (50 ـ 28 ق.م) ضد هيرود. وقدم الأنباط مساعدة للرومان في إخماد التمرد اليهودي الأول. وبلغت المملكة أقصى اتساعها في عهد الحارث الرابع (91 ـ 40 ق.م)، فكانت تضم جنوبي فلسطين وشرقي الأردن وسوريا الجنوبية الشرقية وشمال الجزيرة العربية. والحارث هو الذي هزم أنتيباس بن هيرود. ولكن بلاد الأنباط فقدت استقلالها مع ظهور القوة الرومانية، ثم ضمها تراجان إلى الإمبراطورية.

وكانت حضارة الأنباط عربية في لغتها، وآرامية في كتابتها، وسامية في ديانتها، ويونانية ورومانية في فنها وهندستها المعمارية. وقد تميَّز الأنباط في عمارة المدافن. وتركز معظم فن العمارة في البتراء حيث نحتوا مبانيهم في الصخر الرملي. أما ديانتهم، فهي ديانة خصب سامية. وقد عبدوا ودوشارا إله الشمس، وهو أهم آلهتهم وكان يُعبد على هيئة مسلة أو حجر أسود غير منحوت ذي أربع زوايا. ومن آلهتهم أيضاً اللات والعُزَّى ومناة وُهَبل.

الإسماعيليون

Ishmaelites

«الإسماعيليون» هم نسل إسماعيل بن إبراهيم من أَمَته المصرية هاجَر. وقد ورد في سفر التكوين (17/20 و25/12 ـ 16) أنه كان لإسماعيل اثنا عشر ابناً صاروا أمراء ورؤساء قبائل. وكانت هذه القبائل تسكن الجزء الشمالي من شبه جزيرة العرب، على حدود فلسطين وأرض الرافدين. وقد عُرف الإسماعيليون، حسب الروايةالتوراتية، بأنهم تجَّار رُحَّل ذوو بشرة داكنة، ينتقلون من مكان إلى آخر ويتاجرون في العطور والسلع الأخرى. وكذلك عُرفوا بضراوتهم ومهارتهم في قيادة الجمال وبسكنى الخيام وبأنهم حاذقون في استعمال القوس.

وتُستَعمل لفظة «إسماعيليون» للدلالة على القبائل البدوية التي كانت تسكن شمالي الجزيرة العربية (وكان منهم قوافل التجار الذين اشتروا يوسف) بين جلعاد ومصر. ويُعتبر المَدْيَنيون إسماعيليين أيضاً. وقد استقر هؤلاء البدو وأسسوا ممالك مستقلة كالأنباط والغساسنة واللخميين.

أما في الخطاب السياسي الديني الإسرائيلي، فإن الكلمة تُستخدَم للإشارة إلى العرب.

الجبعــونيـون والنيثينيـم

Gibeonites and Nethinim

الـ «نيثينيم» جماعة غير يهودية كانوا يُعدُّون من عبيد الهيكل، كما كانوا يقومون على خدمة كهنته اللاويين، وقد اشتُق اسمهم من فعل «ناثان» بمعنى «يكرس» أو «يسلم»، ويمكن أن يكون معنى الكلمة في صيغة المفرد هو «تخصيص فرد للعبادة القربانية». وفي الغالب، فإن النيثينيم هم الجبعونيون، وهم سكان عدة مدن بجوارالقدس، وقد كانوا من الكنعانيين. وحسب الرواية التوراتية، حينما سمع الجبعونيون بمصير المدن الكنعانية الأخرى وبإبادة سكانها، خرجوا من مدنهم وخدعوا يوشع بن نون وأخبروه بأنهم ليسوا كنعانيين، فقطع يوشع عهداً على نفسه ألا يمسهم بسوء لأن أمر الإبادة ينطبق على سكان كنعان (فلسطين) وحدهم. وحينما اُكتشف أمرهم، قرَّرالعبرانيون ألا يمسوا الجبعونيين بسوء، ولكنهم «يكونون محتطبي حطب ومستقي ماء». وقد أقرَّ يوشع ذلك وقال لهم « ملعونون أنتم فلا ينقطع منكم العبيد ومحتطبو الحطب ومستقو الماء لبيت إلهي» (يشوع 9/22 ـ 27.24).

ويرد ذكر الجبعونيين مرة أخرى في صموئيل الثاني (21) حين تنشب مجاعة (علامة على غضب الرب) لأن شاؤول قتل منهم عدداً دون وجه حق بسبب غيرته لقومه رغم عهد يشوع لهم، ولذا اضطر داود لشنق سبعة من ورثة شاؤول. ويشير سفر عزرا إلى عدة أسر من النيثينيم يدل اسمها على أصل أجنبي (في الغالب عربي). كما توجد نصوص أخرى (نحميا 10/1 ـ 40) تدل على أنهم كانوا من جماعة يسرائيل. وفي الأدبيات العرْقية الإسرائيلية، يُشار إلى العرب بأنهم « محتطبو حطب ومستقو ماء » وهو ما يعني أنهم يُقرَنون بالجبعونيين والنيثينيم.

الباب السادس: الحوريون والفلستيون

الحوريون

Hurrians

«الحوريون» أقوام جبلية لا يزال أصلها مجهولاً، وإن كان من المرجح أن موطنها الأصلي أورارتو (أرمينيا الحالية).

ظهر الحوريون في منتصف الألف الثالث قبل الميلاد، ولعبوا دوراً مهماً في الألف الثاني. وذلك في فترة شهدت انحسار النفوذ الحيثي عن سوريا، وضعف الدولة الآشورية، وسقوط دولة بابل التي حلَّت محلها الدولة الكاشية التي لم تلعب دوراً يذكر في الأحداث الدولية في الشرق الأدنى القديم. هاجر الحوريون إلى فلسطين، وسكنوا في منطقة جبل سعير جنوب شرقي فلسطين، وأسسوا عدداً من الإمارات في أجزاء من سوريا وفلسطين وبعض أجزاء آسيا الصغرى. ويبدو أنهم كانوا في البداية عنصراً خالصاً إلى أن فرضت جماعة من الآريين سيطرتها عليهم وكوَّنت نخبة عسكرية قوية (طبقة الماريانو) قادتهم في غزواتهم العسكرية.ويحتمل أنهم هم الذين غزوا آشـور وأسقـطوا حكامهـا وهيمنوا على المنطقة (ومنها المنطقة المتاخمة للأناضول) وأسسوا مملكة ميتاني في شمالي بلاد الرافدين في القرن الخامس عشر قبل الميلاد (1600 ـ 1330 ق.م).

اصطدم الحوريون بالمصريين بشأن سوريا بعد تأسيس الإمبراطورية المصرية في أعقاب طرد الهكسوس في الفترة ما بين 1520 و1420 ق.م. وتراوحت العلاقة بين شد وجذب إلى أن هاجمهم الحيثيون وهزموا آخر ملوكهم العظام توشراتا عام 1350 ق.م، وضمُّوا أجزاء من ميتاني التي أصبحت تُسمَّى «هابنجالبات». كما ضم الآشوريون البقية الباقية من مملكة ميتاني عام 1276 ق.م فتحوَّلت إلى مقاطعة آشورية. ولقد جاء في التوراة أن الحوريين اشتبكوا مع العموريين والكنعانيين الذين دفعوهم إلى منطقة جبال سعير والتي طردهم منها فيما بعد الأدوميون. وتأثر الحيثيون بالحوريين وتبنوا الآلهة الحورية، كما تظهر الأساطير الحورية في الملاحم الحيثية.

ولغة الحوريين معقدة، ليست بسامية ولا هندية أوربية، ولكن بها كلمات مستعارة من لغات أقوام عدة. أما ديانتهم فكانت تتمثل في عبادة آلهة متعددة حورية وهندية أوربية، من أهمها الإله الأعظم كوماري والإله تيشوب إله العاصفة. كما انتشرت بين الحوريين عبادة الإلهة السامية عشتار.

ولقد أتى ذكر الحوريين في العهد القديم كواحد من الشعوب التي كانت تقيم في أرض كنعان. ولكن ثمة إشارات أخرى تدل على أنهم كانوا يقطنون في وسط فلسطين ومدينة شكيم، وهو ما دعا بعض المؤرخين إلى القول بأن الحوريين هم أنفسهم الحويون. وعلى سبيل المثال، كان يُطلَق حامور على ملك شكيم اسم «الحُوِّي» في النص العبري (تكوين 34/2)، أما الترجمة السبعينية فتسميه «الحوري». كما يرى بعض العلماء أن اليبوسيين من الحوريين وليسوا من الكنعانيين. وقد تأثرت قصص العهد القديم بقصص الحوريين وعاداتهم وقوانينهم. فقصة سارة وهاجر تبيِّن العادة الحورية الخاصة بالمرأة العاقر التي ينبغي أن تسمح لزوجها بالزواج من أخرى أو باتخاذ خليلة له، كما يظهر أثر الحوريين في القواعد المتبعة في تأجير الأراضي الزراعية لدى العبرانيين. وتوجد أيضاً أوجه شبه عميقة بين عدد من المؤسسات الحورية والعبرانية، الأمر الذي حدا ببعض المؤرخين إلى الاعتقاد بأن القبائل الحورية والعبرانية لها أصل مشترك في العراق قبل استيطانها فلسطين. وقد اختفى الحوريون في حوالي القرن السادس قبل الميلاد.

شعوب البحر

Sea Peoples

«شعوب البحر» تعبير يُطلَق على مجموعة الشعوب من البحارة الذين هاجموا الأناضول وسوريا وفلسطين وقبرص ومصر حوالي عام 1200 ق.م. وقد صد رمسيس الثالث شعوب البحر عندما حاولوا غزو الساحل المصري. ويُقال إنهم المسئولون عن تحطيم الإمبراطورية الحيثية. والواقع أننا لا نعرف مدى الدمار الذي ألحقوه بالمنطقة لأن الوثائق والسجلات التاريخية تتوقف فجأة عند وصولهم، وعلى أية حال، هناك مصادر مصرية وحيثية أوردت ذكرهم. ويُشار إليهم بأسماء عدة تدل على أنهم جاءوا من اليونان والأناضول وصقلية وسردينيا وكريت. كما أن الفخار الذي تركوه يدل على أصولهم اليونانية.

ويُعَدُّ الفلستيون الذين استقروا في فلسطين منذ الألف الثاني قبل الميلاد وتعايشوا مع الكنعانيين، من هذا الأصل.

الفلســتيون

Philistines

«الفلستيون» مصطلح نُطلقه على القبائل التي استوطنت شاطئ فلسطين الجنوبي الغربي في القسم الممتد من غزة إلى يافا شمالاً، وهم من شـعوب البحر. ولقد ورد ذكر الفلسـتيين في عدد من المصادر المصرية، خصوصاً على اللوحات الجدارية لمدينة هابو من أيام رمسيس الثالث، وسماهم المصريون «بلست». كما ورد ذكرهم في السجلات الآشورية في صيغتين متقاربتين «بلستو» و«بالستو». ومن هنا تسميتنا لهم باسم «الفلستيين» نسبة إلى التسميات القديمة. جاء الفلستيون من بحر إيجه حوالي عام 1194 ق.م، كان رمسيس الثالث قد صدَّهم عند محاولتهم غزو الساحل المصري. وتدل الرسوم التي وُجدت على البناء التذكاري الذي أقامه رمسيس على أصولهماليونانية الأوربية، كما يدل الخزف الذي أدخلوه فلسطين على أصولهم الكريتية.

وقد سُمِّيت المنطقة التي احتلوها «فلستيا»، وكانت تشمل خمس مدن ساحلية أساسية (بنتابوليس): أشدود (العاصمة) وعسقلان وغزة وعفرون وجات. ورغم أن مكاناستيطانهم كان الشريط الساحلي أساساً، فإنهم استوطنوا أيضاً في مدن داخلية مثل جات كما أسسوا مدينة اللّد.

اصطدم الفلستيون بالعبرانيين الذين كانوا قد وفدوا حديثاً إلى المنطقة فهزموا القضاة واستولوا على تابوت العهد، كما استولوا على أجزاء من المنطقة التي صارت فيما بعد المملكة الجنوبية، ودامت هيمنتهم أربعين عاماً. وينتمي شمشون الذي وقع في حب دليلة الفلستية إلى هذه الفترة. ولم يكن لدى الفلستيين القدر الكافي من الموارد البشرية اللازمة للهيمنة على المنطقة واستغلالها، ولذا فقد اضطروا إلى الإبقاء على العبرانيين وإخضاعهم ليكونوا أيدي عاملة، فسمحوا لهم بالاحتفاظ بالأدوات الزراعية وحسب حتى يستمروا في الزراعة وحتى يمكنهم دفع الضرائب المفروضة عليهم. لكنهم لم يسمحوا لأيٍّ من الحدادين بالإقامة بينهم، فكان على العبرانيين اللجوء إلى الفلستيين ليشحذوا أدواتهم الزراعية دون أن يتمكنوا من تحويلها إلى أسلحة. كما أن احتكار الحديد ساعد الفلستيين على إخضاع العبرانيين. وحينما بدأت وحدة الدول المدن الفلستية في التفكك، عرف العبرانيون صهر الحديد وتعدينه فتمكنوا من الفلستيين.

وقد نجح شاؤول بعض الوقت في صد الفلستيين ولكنه هُزم في نهاية الأمر، في حين نجح غريمه داود فيما فشل هو فيه خصوصاً بعد أن ضم منطقة أدوم الغنية بمعدن الحديد. وقد أنهى داود الهيمنة الفلستية وصرع البطل الفلستي جُـليات وأخضع فلستيا. إلا أن الفلستيين سرعان ما استعادوا استقلالهم بعد تقسيم المملكة العبرانية وصاروا قوة مرة أخرى، لكنهم لم يكونوا عنصراً أساسياً إذ أصبح تاريخهم بعد ذلك تاريخ مدن متفرقة لا تاريخ شعب متماسك. ولذا، لا يشير نحميا (منتصف القرن الخامس قبل الميلاد) إلى الفلستيين وإنما يذكر الأشدوديين الذين كانوا يتحدثون بلسان أشدودي.

وخضع الفلستيون في القرن السابع قبل الميلاد لسلطان آشور ثم لسلطان مصر. وبعد ذلك، بسطت الإمبراطورية البابلية الجديدة نفوذها عليهم فاختلطوا بالشعوب السامية المحيطة بهم واندمجوا فيها. وقد اندثرت كل الآثار الفلستية تماماً. وكل ما لدينا من معلومات عن هذا الشعب مستمد من الحضارات التي تعاقبت عليه، مثل الحضارة البابلية أو الحضارة الآشورية أو الحضارة الإغريقية. ولذا، فنحن لا نعرف الكثير عن هذا الشعب أو عن حضارته سوى أن معرفتهم بالبحر كانت واسعة ، تلك المعرفة التي ورثها عنهم الفينيقيون.

ونحن لا نملك أية معلومات أكيدة عن لغتهم حيث لا توجد أية وثائق مكتوبة بها، إذ يبدو أن الكنعانية قد حلَّت محلها، ثم الآرامية، وأخيراً اليونانية. والشيء نفسه ينطبق على ديانتهم، لكننا نعرف أن آلهتهم تحمل أسماء سامية، فقد عبدوا الإله داجون (إله الغلة) الذي عبده الكنعانيون، الأمر الذي يدعم النظرية القائلة بأنهم اكتسبوا هوية كنعانية في فترة وجيزة للغاية. ومنذ أيام هيرودوت، أصبحت المنطقة تُسمَّى باسمهم ثم أصبح هذا هو اسمها رسمياً في أيام هادريان.

ومن الجدير بالذكر أن حدود المملكة العبرانية المتحدة لم تضم، في أي وقت، الشريط الساحلي الفلستي. ولكن حينما رُسمت حدود الدولة الصهيونية، قرَّر المخططون لها أن تضم هذه الدولة ذلك الشريط السـاحلي، وهـذا يـدل على أن الاعتـبارات الإمبريالية الإستراتيجية تَجبُّ الاعتبارات العاطفية الدينية الخاصة بإرتس يسرائيل أو المملكة العبرانية المتحدة أو الحدود التاريخية لإسرائيل.

ولابد هنا من ملاحظة أن فلسطينيي اليوم لا علاقة لهم بشعوب البحر اليونانية هذه، فهم ينتمون إلى الأمة العربية. وتجتهد الدعاية الصهيونية في طمس هذه الحقيقة، وتستخدام التضليل بالأسطورة لتربط في أذهان الناس في العالم بين العرب الفلسطينيين والفلستيين القدامى الذين انتصر عليهم العبرانيون، حتى يصبح الصراع العربي الإسرائيلي صراعاً دائماً مستمراً يمتد إلى بداية التاريخ وليست له حدود معروفة.

ويُستخدَم لفظ «فلستين Philistine» في اللغة الإنجليزية لوصف الإنسان ضيق الأفق محدود الثقافة الذي ينحصر اهتمامه في الأمور المادية التجارية فقط.

جُـليـات

Goliath

قد يكون لفظ «جُلْيات» اسماً كنعانياً معناه «السبي أو النفي». وجُلْيات اسم أحد أبطال الفلستيين. وكان من جبابرتهم إذ بلغ طوله أكثر مـن تسـعة أقــدام وكانت أدواتهالحربية مناسبة لطول قامته وقـوته. وثمـة روايـة تقـول إنـه كان من العناقيين وقتله داود بالمقلاع.

وقد نجحت الدعاية الصهيونية في ترسيخ صورة داود رمزاً لإسرائيل الذي يستخدم ذكاءه ومهارته في هزيمة عدوه، مقابل صورة جُلْيات رمزاً للعربي الذي قد يتسم بضخامة الحجم وكثرة السلاح ولكنه لا يستخدم عقله فيُمنَى بالهزيمة.

لكن الانتفاضة قلبت هذه الصورة الذهنية رأساً على عقب، إذ أن المنتفضين الفلسطينيين يستخدمون الحجارة والمقلاع ضد الآلة الإسرائيلية الضخمة التي تتسم ببطء الحركة نظراً لضخامتها والتي تتسم بقصور النظر نظراً لعدم إدراكها للواقع. وقد أشار شامير إلى إسرائيل باعتبارها «العملاق جلفر» الذي يهاجمه الأقزام، وفي هذا اعتراف ضمني بأن صورة داود الإسرائيلي ضد جُليات العربي الفلسطيني قد سقطت تماماً.

الباب السابع: العبرانيون

العبرانيــون: تاريخ

Hebrews (History)

مصطلح «عبراني» أو «عبري» يدل على معان كثيرة وأحياناً متناقضة، فهو ذو دلالات عرْقية وطبقية وحضارية. والعبرانيون كتلة بشرية سديمية ضخمة يعود أصلهاإلى الجزيرة العربية، استقرت في منطقة الهلال الخصيب وفلسطين في أوقات متفرقة. والكلمة في معناها العام تضم كل القبائل السامية التي تناسلت من صفوفها الشعوبالمختلفة التي انتشرت في كنعان وسوريا وبلاد الرافدين، ومن بينها تلك القبيلة التي جاء منها إبراهيم ونسله. وقد سُمِّيت هذه القبيلة الأخيرة باسم «العبرانيين»، وذلك من قبيل إطلاق العامّ على الخاص. وقد شاع هذا الاستخدام حتى بين المؤرخين، وهو الاستخدام الذي سنتبناه في هذه الموسوعة نظراً لشيوعه. وثمة رأي يذهب إلى أنالعبرانيين كانوا إما قبائل ليست لها هوية محدَّدة واكتسبت هويتها من خلال اتحادها وعبادتها ليهوه، أو كانوا قوماً من الأقوام الكنعانية انسلخوا عن العقيدة السائدة وعبدوا يهوه.

وقد دخـل العبرانيون أرض كنعـان نتيـجة ثلاث هجرات غير محدَّدة. بدأت موجة الهجرة الأولى من بلاد الرافدين في القرن الثامن عشر قبل الميلاد وكانت معاصرة لانتشار الهكسوس والحوريين في الساحل الشرقي للبحر المتوسط. وكانت الثانية في القرن الرابع عشر قبل الميلاد وتُوافق هجرة الآراميين الثانية. وهاتان الفترتان توافقان فترة الآباء (2100 ـ 1200 ق.م) التي تمتد من هجرة إبراهيم من بلاد الرافدين وتستمر حتى هجرة يوسف إلى مصر أثناء حكم الهكسوس ورحيل العبرانيين عنها. أما الهجرة الثالثة، فهي التي أتت من مصر بقيادة موسى ويشوع بن نون في الثلث الأخير من القرن الثالث عشر قبل الميلاد أو في عهد مرنبتاح بن رمسيس الثاني (1224 ـ 1215 ق.م) كما يقول بعض المؤرخين.

ومنذ هجرة أو خروج العبرانيين من مصر، بدأ اسمهم يتواتر في التاريخ المدوَّن والمقدَّس. فنعرف، حسب الرواية التوراتية، عن مسيرتهم في سيناء، وعن تَلقِّي موسى الوصايا العشر وعن تَعلُّمه عبادة يهوه على يد كاهن مَدْيَن. وبعد موت موسى، تولى يوشع بن نون قيادتهم. ثم حدثت عملية التسلل العبراني إلى أرض كنعان (نحو 1250 ق.م) التي كانت تغصّ بالقبائل السامية الكنعانية وقبائل أخرى غير سامية. فكان العموريون، وهم ساميون، يسكنون المرتفعات. أما الأقوام الأخرى، مثل الحوريين والحيثيين، فكانوا يعيشون في أماكن متفرقة. كما كان الفلستيون يحتلون المدن الخمس التي تشغل الشريط الساحلي الجنوبي. وقد أخذت عملية التسلل أشكالاً عسكرية وسلمية مختلفة في تلك المرحلة التي يُطلَق عليها عصر القضاة (1250ـ 1020 ق.م)، فدخل العبرانيون في صراع مع الفلستيين (الذين هزموهم واستعبدوهم بعضالوقت) ومع الأقوام الكنعانية السامية وغير السامية الأخرى. وقد استقر المقام بالعبرانيين في نهاية الأمر داخل بضعة جيوب غير متصلة، إذ اسـتمر وجـود الأقوامالأخـرى إلى ما بعـد التهـجير الآشوري والبابلي.

وقد تبع تلك الفترة عصر اتحاد القبائل أو عصر الملوك فظهرت المملكة العبرانية المتحدة في عهد داود وسليمان، وقد كان اتحاداً مؤقتاً انحلَّ فور موت سليمان (928 ق.م) وانقسم العبرانيون إلى المملكة الجنوبية (التي ضمَّت قبائل الجنوب البدوية) والمملكة الشمالية (التي ضمَّت قبائل الشمال الزراعية). وقد ظلت المملكتان في حالة حرب شبه دائمة إلى أن قضى الآشوريون على المملكة الأولى، والبابليون على الثانية، وبذلك ينتهي تاريخ العبرانيين.

ولم يكن العبرانيون جماعة عرْقية متجانسة منذ البداية، ولذا يقرنهم بعض المؤرخين بالخابيرو. ومن المعروف أنهم، عند هجرتهم من مصر، لم يكونوا عنصراً عبرانياً خالصاً إذ تقول التوراة (خروج 12/38 ـ عدد 11/4) إنهم كانوا يضمون في صفوفهم لفيفاً كثيراً من غير العبرانيين، وبعد تسللهم إلى كنعان، اختلطوا بالعناصر الحورية والحيثية والكنعانية حتى استوعبتهم الحضارة الكنعانية هناك، فتركوا لهجتهم السامية القديمة واتخذوا الكنعانية لساناً لهم.

ولم يكن العبرانيون القدامى من الشعوب المهمة أو المهيبة في المنطقة، فقد كانت المملكتان العبرانيتان خاضعتين للإمبراطوريات المجاورة. وقد تأثرت رؤية العبرانيين للكون بما حولهم. ففي داخل التشكيل الحضاري السامي، نجد أن الإله هو الذي خلق العالم وهو الذي يحفظ الكون، وقد أخذ العبرانيون عن العموريين فكرة أن الرسول من عند الإله، وعن الكنعانيين اللغة، وعن المصريين الحكمة.

ومن الناحية الحضارية، لم ينجز العبرانيون شيئاً ذا بال إذ لم تكن لديهم أية اهتمامات أو مهارات فنية. وحينما شيَّدوا الهيكل، اضطروا إلى الاستعانة بفنانين من البلاد المجاورة. ولا يوجد أسلوب عبراني متميِّز في المعمار، فالهيكل نفسه بُني بالأسلوب الفرعوني الآشوري على يد فنانين فينيقيين. وربما كان هذا راجعاً إلى أن الطابع البدوي ظل غالباً عليهم. فرغم توحُّد القبائل العبرية في مملكة داود وسليمان، بقي التراث القبلي قوياً متجذراً. كما أن تحقيق الاستقرار في كنعان تَطلَّب وقتاً طويلاً، بالإضافة إلى أن المملكة العبرانية المتحدة لم تُعمَّر كثيراً، ولم تُرسِّخ أية تقاليد حضارية عبرانية مستقلة. ولعل هذا يفسر عدم ذكر العبرانيين في السجلات المصرية القديمة.

ومن أهم المشاكل التي واجهها العبرانيون في تاريخهم القصير، توجههم السياسي في عهد الإمبراطوريات الكبرى الآشورية والبابلية والمصرية والفارسية واليونانيةوالرومانية، إذ كان عليهم أن يتحالفوا مع جيرانهم الآراميين أو غيرهم، كما كان عليهم أن يقبلوا حماية إحدى القوى العظمى لضمان البقاء.

ونتيجةً لافتقار العبرانيين إلى الهوية الحضارية المحددة، ولضعفهم السياسي ووجودهم ككيان شبه مستقل في موقع إستراتيجي، كانت كل القوى العظمى تطمح إلى الاستيلاء عليه وإلى تأمين وجود عنصر موالٍ لها فيه، كما أنهم تعرضوا لصدمات كثيرة بدأت بالتهجير الآشوري (721 ق.م) فالبابلي (587 ق.م) ثم فُرضت عليهم الهيمنة الفارسية واليونانية والرومانية. وتأثرت هويتهم الحضارية بذلك، فتركوا العبرية وتحدثوا بالآرامية بعد التهجير البابلي. ثم بدأ انتشار الجماعات اليهودية بعيداً عن كنعان، فتكوَّن تَجمُّع في بابل ثم في الإسكندرية، وهما التجمعان اللذان أصبح لهما استقلالهما وحريتهما ولغتهما وتفكيرهما المستقل، بل تجاوزا في أهميتهما أحياناً التجمع الموجود في كنعان. ولذلك، فحينما حطَّم تيتوس الهيكل (70م)، لم تكن هذه الواقعة ذات دلالة كبيرة من الناحية السكانية فهي لم تكن متعارضة مع الوضع السكاني الحضاري القائم بالفعل، وهو اختفاء الهوية العبرانية وظهور جماعات يهودية متفرقة في أنحاء العالم تستقي كل منها هويتها من الحضارة التي تنتمي إليها.

ورغم هذا، نجد أن معظم الدراسات لا تُفرّق بين تاريخ العبرانيين والتواريخ اللاحقة للجماعات اليهودية، متأثرةً في ذلك بالرؤية الإنجيلية التي تنظر إلى اليهود باعتبارهم شعباً مقدَّساً، وهي رؤية تخلط التاريخ الدنيوي بالتاريخ المقدَّس.

الخـابيرو

Chabiru

«خابيرو» كلمة أكادية ذات دلالات متعددة، وأحياناً متناقضة، تُطلَق على قبائل رُحَّل من البدو، وقد ورد أول ذكر لكلمة «الخابيرو» في النقوش المصرية في القرنين التاسع عشر والثامن عشر قبل الميلاد لتعني «العابر» و«المتجول» و«البدوي». كما استخدمت التسمية أيضاً للإشارة إلى القبائل التي كانت تهاجم قديماً بلاد الرافدين وحدود مصر وكانت تُغير على أرض كنعان من آونة إلى أخرى فتشيع فيها الفوضى والاضطراب مثلما حدث عندما استولوا على شكيم، كما ورد في ألواح تل العمارنة والمدونات المصرية (1300 ـ 1150 ق.م). ومن دلالات الكلمة أيضاً «الجندي المرتزق»، فهي إذن تُطلَق على أية جماعة من الرحل أو الغرباء المستعدين للانضمام إلى صفوف أي جيش مقابل أجر أو بدافع الحصول على الغنائم. ويُوصف الخابيرو في وثائق نوزي في القرن الخامس عشر قبل الميلاد بأنهم « عبيد أصبحوا كذلك باختيارهم ». لكن الكلمة كانت تُستخدَم أحياناً للإشارة إلى أية عناصر فوضوية في المجتمع، ففي فترات الفوضى في مصر الفرعونية كانت تتواتر الإشارات إلى الخابيرو. ومعنى هذا أن الكلمة ذات مدلول عرْقي (الغرباء)، وأن لها في الوقت نفسه مدلولاً اجتماعياً طبقياً ووظيفياً.

وإذا كانت الكلمة غامضة في معناها، فالأمر لا يختلف كثيراً بالنسبة إلى الخابيرو أنفسهم، إذ لا يُعرَف الكثير عن أصلهم من الناحية العرْقية. وكل ما يمكن أن يُقال عنهم إنهم ساميون لا يتميَّزون تميزاً واضحاً، ولا يختلفون اختلافاً كبيراً عن غيرهم من الساميين وهم بعد في مرحلة التجوال. وقد ظهروا ضمن القبائل الآرامية التي هاجرت من شبه الجزيرة العربية، وإن كان بعض الباحثين يرون أنهم لم يكونوا ساميين وإنما جماعات مهاجرة عاشت حياتها متجولة لتبيع خدماتها لأية أمة في المنطقة، وأنهم (في معظم مراحل تاريخهم غير المدوَّن) تزاوجوا واختلطوا بعديد من الأجناس.

ويقرن بعض الباحثين الخابيرو بالعبرانيين اعتماداً على التشابه الصوتي الموجود بين الكلمتين. وهم يبرهنون على صدق ما ذهبوا إليه بالإشارة إلى عدد من العادات والتقاليد التي ورد ذكرها في أسفار موسى الخمسة والتي لا علاقة لها بالحضارة أو العادات السامية.

عبيرو

Apiru

«عبيرو» كلمة ترد في المدونات المصرية القديمة في الفترة من منتصف القرن الخامس عشر حتى منتصف القرن الثاني قبل الميلاد، ومعناها «عبد». وتشير كلمة «عبيرو» إلى العمال الذين استُخدموا في أعمال السخرة. وفي نصب تذكاري أقامه أمنحوتب الثاني، يشير أمنحوتب إلى أنه أسر ثلاثة آلاف وستمائة من الـ «عبيرو» أثناء غزوة قام بها في كنعان. وقد ورد في السجلات التي تركها رمسيس الثاني أنه استخدم عبيداً من العبيرو في مشاريع البناء التي قام بها. ويقرن بعض المؤرخين هذه الكلمة بكلمة «خابيرو» التي ترد في المدونات الأكادية والتي تُقرَن بدورها بالعبرانيين لأن الأكادية تخلط بين العين والخاء وفي بعض فتراتها لم يكن فيها حرف العين. لكن هذا غير أكيد، كما أن المجال الدلالي لكلمتي «عبيرو» و«خابيرو» أوسع بكثير من كلمة «عبراني».

جبــل سـيناء

Mount Sinai

«سيناء» جبل يقع في شبه جزيرة سيناء. ويُسمَّى جبل سيناء في العهد القديم «حوريب»، وهو اسم يُطلَق أيضاً على شبه الجزيرة كلها. كما يُشـار إليـه كذلك بأنه «الجبل» أو «جـبل الله» أو «جبل الإله في حوريب». وجاء في سفر الخروج أن اليهود ضربوا خيامهم عند سفحه بعد خروجهم من مصر، بينما صعد موسى إلى قمته وتسلَّم الوصايا العشر. ولا يُعرَف أي الجبـال في سـيناء هـو الجـبل المقصود، فيرى البعـض أنه جبل موسـى، ويرى البعـض الآخر أنه جبل سريال القريب منه. ويُعَدُّ جبل سيناء ومعه جبل صهيون الجبلين المقدَّسين اللذين يرتكز عليهما العالم روحياً في الرؤية الدينية اليهودية.

وجاء في الأجاداه أنه لولا أن أعضاء جماعة يسرائيل وقفوا أمام الجبل لسقطت الدنيا وتهدَّمت. ويُقال إن للجبل ثلاثة أسماء معلَّلة: فهو «جبل الله» لأن الإله كشف عن قدسيته عليه. وهو «جبل سيناء» لأن الإله كره (بالعبرية: سانا) أهل السماوات وفضَّل عليهم أهل الأرض من اليهود وأعطاهم التوراة. وهو «حوريب» لأن التوراة التي تُسمَّى «حريب» أي «سيف»، قد نزلت هناك. وثمة تفسير ديني آخر هو أن كره الأغيار للشعب اليهودي بدأ هناك في سيناء. وهذه تفسيرات شعبية إذ يبدو أن اسم «سيناء» مشتق من اسم إله القمر «سين».

شبه جزيرة سيناء

Sinai Peninsula

تقع شبه جزيرة سيناء شمال شرقي مصر، اسمها مشتق من اسم إله القمر «سين» معبود أهل شبه جزيرة العرب. ويقع جبل سيناء في شـبه الجزيرة. وتبلغ مسـاحة شـبه الجزيرة أربعـة وعشـرين ألف ميل مربع. وقد كانت سيناء دائماً حلقة الوصل بين آسيا وأفريقيا. وكان الفراعنة يعتمدون منذ أقدم الأزمنة عليها للحصول على النحاس والفيروز وبعض الأحجار. زارها عدد كبير من فراعنة مصر، وفيها عبد المصريون القدامى الإلهة حتحور وجعلوها ربة المناجم. وقد اكتُشفت فيها أقدم كتابة كنعانيةبأحرف شبيهة بالكتابة المصرية، كانت نواة الحروف الهجائية التي طوَّرها وهذَّبها الكنعانيون وأخرجوا منها حروف الكتابة التي أذاعوها على العالم.

وسيناء هي البرّية التي عبرها إبراهيم ويعقوب عندما نزلا إلى مصر، وعبرها العبرانيون عند خروجهم أو هجرتهم من مصر ودخولهم إلى أرض كنعان. وقد حارب شاؤول العماليق في الجزء الشمالي من سيناء. وحينما ترد كلمة «سيناء» في العهد القديم، فهي لا تشير إلى كل شبه الجزيرة وإنما إلى جزء منها وحسب. وترد الإشارة أيضاً إلى «بَرّية سيناء» وهي الجزء المحيط بجبل سيناء.

وكانت سيناء مسرح كثير من المعارك السياسية والحربية. وقد ضمَّها الإسرائيليون عام 1967 ثم أجلوا عنها بعد حرب 1973 في إطار اتفاقيات كامب ديفيد.

فلســطين

Palestine

«فلسطين» هو الاسم الذي يُطلَق في الوقت الحاضر على المنطقة الواقعة غربي نهر الأردن والممتدة حتى لبنان وسوريا شمالاً والبحر المتوسط وسيناء غرباً. وحتى نهاية الأسرة التاسعة عشرة وبداية الإمبراطورية الحديثة، كان الاسم المصري القديم لها (هي وسوريا ولبنـان) هـو «رتنـو» أي «البـلاد الأجنبية». وفي فترة الإمبراطورية الجديدة، كانت أرض فلسطين تُسمَّى «حور» نسبة إلى الحوريين. وأول ذكر لكلمة «كيناهي» أو «كنهانا»، أي «كنعان»، يظهر في ألواح تل العمارنة في القرن الخامس عشر قبل الميلاد. وهذا الاسم يشير إلى غرب نهر الأردن وضمن ذلك سوريا. ولكن المصريين القدماء كانوا يشيرون أيضاً إلى «بالاستو» أي «فلستيا» التي اشتق اسمها من أحد شعوب البحر وهم الفلستيون. وقد ورد ذكر فلسطين لأول مرة في الوثائق المصرية عام 75 ق.م. ويشير الآشوريون إلى «أرض عمري» كما كانوا يستخدمون عبارة «أرض حيتي» أي «أرض الحيثيين» للإشارة إلى كل الشام وفيها فلسطين وقبرص. وتُستخدَم كذلك عبارة «عبر النهر» للإشارة إلى هذه المنطقة. ويستخدم هيرودوت كلمة «باليستاني». أما فيلون السكندري، فيقرن كنعان بفلسطين. وقد استخدم الرومان كلمة «بالستينا» للإشارة إلى هذه المنطقة بشكل رسمي ابتداءً من عام 138 بعد الميلاد، وقد ظلت المنطقة المشار إليها تُعرَف بهذا الاسم حتى الوقت الحالي. ويُشار إلى فلسطين بعبارة «إرتس يسرائيل» و«صهيون» و«أرض الميعاد» في الكتابات الدينية اليهودية وفي اللغة العبرية. أما في الكتابات غير الدينية، فكان يُشار إليها باسم «فلسطين». ولذا، فقد كان الاسم الرسمي للوكالة اليهودية هو الوكالة اليهودية لفلسطين. وكانت الجيروساليم بوست هي بالستاين بوست، بل إن المؤرخ هاينريش جرايتز أشار إلى القومية اليهودية باعتبارها «القومية الفلسطينية». وفي كل الكتابات العلمية والمتاحف، يُشار إلى المنطقة المذكورة بأنها فلسطين. ومع هذا، يشير الصهاينة إلى فلسطين باعتبارها «الوطن القومي» أو «الوطن اليهودي»، كما يُشار إليها باعتبارها «اليشوف» أي «المُستوطَن». وفي عام 1948، مع قيام الدولة الصهيونية، تغيَّر اسم المنطقة إلى «إسرائيل» (كما يحدث عادةً مع الدول الاستيطانية).

ويعود تاريخ فلسطين إلى ما قبل التاريخ، فقد عُثر على صناعات يدوية من العصر الحجري القديم (400.000 ـ 14.000) ومن العصر الحجري الوسيط (من 14.000 إلى 8.000) ومن العصر الحجري الحديث (8.000 ـ 4.200). ومن أهم المدن التاريخية بفلسطين مدينة أريحا التي يعود تاريخها إلى 8.000 ق.م، مع أن تشكيل المدن والدول يعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد. وقد اكتسبت فلسطين طابعها السامي في الألف الثاني مع دخول العموريين ونشأة الحضارة الكنعانية (2100 ق.م). وقد غزا الهكسوس فلسطين ومصر في القرنين الثامن عشر والسادس عشر قبل الميلاد. ويبدو أن بداية التغلغل العبراني تعود إلى الفترة ما بين القرنين 16و13 (فترة الآباء) حين أخذ العبرانيون يستوطنون فلسطين والأردن ومصر. وقد قام المصريون في الفترة 1500 ـ 1450 بطرد الهكسوس، ثم ضموا فلسطين تحت لواء تحتمس الثاني. ولكن قبضة المصريين تراخت في القرن الرابع عشر قبل الميلاد (أيام حكم إخناتون). ولكن رمسيس الثاني أعاد الهيمنة في القرن الثالث عشر بعد حروبه مع الحيثيين. بدأت في هذه الفترة هجرة العبرانيين من مصر إلى فلسطين، وهي الفترة نفسها التي استقر فيها الفلستيون على الساحل (والآراميون في سوريا). وقد امتد حكم الدولة العبرانية في الفترة 1020 ـ 928 ق.م، ثم انقسمت إلى دويلتين. ويُلاحَظ أن هاتين الدويلتين لم تشغلا قط كل الأرض المعروفة باسم «فلسطين» في الوقت الحاضر. وقد أسقط الآشوريون المملكة الشمالية عام721 ق.م، وأسقط البابليون المملكة الجنوبية 587 ق.م، ثم حكم الفرس فلسطين في الفترة 538 ـ 332 ق.م إلى أن فتحها الإسكندر. وقد ظلت فلسطين تابعة للدولة البطلمية (التي كانت تحكم مصر ) حتى عام 198 ق.م حين فرض السلوقيون هيمنتهم عليها وهي الهيمنة التي استمرت حتى عام 142 ق.م حينما نجح الحشمونيون في تأسيس أسرتهم. وقد انتهى هذا الاستقلال النسبي بظهور القوة الرومانية عام 63 ق.م فحوَّلت فلسطين إلى مقاطعة رومانية. وعند تقسيم الإمبراطورية الرومانية، وقعت فلسطين ضمن الدولة البيزنطية من القرن الخامس حتى القرن السابع باستثناء الفترة 614 ـ 628م حيث وقعت تحت حكم الفرس. وقد تم الفتح العربي لفلسطين عام 638م.

أرض كنعـــــان

Land of Canaan

«كنعان» تعني «الأرض المنخفضة»، وهي من «قنْع» أو «خنع» لاختلافها عن مرتفعات لبنان، والقنْع في اللغة العربية أرض سهلة بين رمال تُنبت الشجر. لكن هذا الاشتقاق أصبح مشكوكاً فيه. وأصل الاشتقاق الأقرب إلى الصحة حوري الأصل وهو «كناجي» بمعنى «الصبغ الأرجواني» الذي أصبح بالفينيقية «كنع» وبالعبرية «كنعان» أي بلاد الأرجوان. وبعد عام 1200 ق.م، أصبحت كلمة «فينيقي»، وهي كلمة يونانية تعني أيضاً «الأحمر الأرجواني»، مرادفة لكلمة «كنعاني».

وقد استُخدم اسم كنعان في أول الأمر للدلالة على غربي فلسطين، ثم أصبح اللفظ علماً على ما هو متعارف عليه جغرافياً باسم «فلسطين» وعلى قسم كبير من سوريا.

وأرض كنعان هي الأرض التي وعد الرب بها نسل إبراهيم، حسبما جاء في سفر التكوين. وكان على اليهود أن يخوضوا معارك ضارية ضد الكنعانيين ليستوطنوها، فقد ورد في أحد أسفار العهد القديم (عدد 33/50 ـ 56): «و كلَّم الرب موسى... قائلاً كلّم بني إسرائيل وقل لهم إنكم عابرون الأرض إلى أرض كنعان، فتطردون كل سكان الأرض من أمامكم وتمحون جميع تصاويرهم وتبيدون كل أصنامهم المسبوكة وتخربون جميع مرتفعاتهم. تملكون الأرض وتسكنون فيها لأني قد أعطيتكم الأرض لكي تملكوها، وتقتسمون الأرض بالقرعة حسب عشائركم... وإن لم تطردوا سكان الأرض من أمامكم يكون الذين تستبقون منهم أشواكاً في أعينكم ومناخس في جوانبكم ويضايقونكم على الأرض التي أنتم ساكنون فيها، فيكون أني أفعل بكم كما هممت أن أفعل بهم ». وقد تسلل العبرانيون إلى أرض كنعان بعد خروجهم أو هجرتهم من مصر.

ويرتبط تاريخ كنعان بالتاريخ المصري إلى حدٍّ كبير، فقد ضمتها مصر إليها خلال حكم الأسرة الثانية عشرة (2000 ـ 1176 ق.م) فعمها الرخاء. ثم قام الهكسوس باحتلال كنعان ومصر مدة مائة وثمانين عاماً، ثم طردهم المصريون وضموا أرض كنعان مرة أخرى. ومع قيام الأسرة التاسعة عشرة (1320 ـ 1200 ق.م)، عادت كنعان إلى الهيمنة المصرية.

وكانت كنعان من نصيب المصريين بعد معركة قادش (1288 ق.م) التي دارت مع الحيثيين، وهي المعركة التي لم يُكتَب فيها النصر لأي من الفريقين. وشهدت أوائل القرن الثاني عشر قبل الميلاد غزو شعوب البحر من الفلستيين الذين استوطنوا الشريط الساحلي. كما شهدت في الوقت نفسه التسلل العبراني، وكذلك قيام مملكة داود وسليمان والمملكتين العبرانيتين الشمالية والجنوبية، والغزوات الآشورية والبابلية.

وقد أخذ الوجود العبراني في كنعان شكل جيوب وحسب إذ أن الوجود الحضاري والإثني للشعوب الأخرى ظل مستمراً. ويتضح هذا من احتفاظ القدس (مدينة اليبوسيين) باستقلالها إلى أن احتلها داود. كما أن الشعوب السامية المختلفة، من مؤابيين وأنباط وعمونيين وتلك التي جرى استيعابها في الحضارة السامية (مثل الفلستيين)، ظل لها وجود مستمر حتى بعد الهجمات البابلية والآشورية. وقد جاء في سفر نحميا شكوى من أن العناصر العبرانية التي لم تُهجَّر إلى بابل قد استوعبت هي الأخرى ضمن العناصر المحلية: في تلك الأيام رأيت اليهود الذين ساكنوا نساء أشدوديات وعمونيات ومؤابيات، ونصف كلام بنيهم باللسان الأشدودي، ولم يكونوا يحسنون التكلم باللسان اليهودي (نحميا 13/23 ـ 24). وتُطلق الأدبيات الدينية اليهودية على كنعان اسم «إرتس يسرائيل»، أي «أرض إسرائيل»، وهي أيضاً في هذه الأدبيات «صهيون».

يهودا (مقاطعة)

Judah

تُستخدَم كلمة «يهودا» للإشارة إلى ما يلي:

1 ـ أرض يهودا: وهي إشارة إلى نصيب قبيلة يهودا من الأرض، والذي يمتد من البحر الأبيض المتوسط إلى البحر الميت وكان حده الشمالي نهر روبين جنوبي يافا. وعلى هذا، فإن القدس كانت خارج أرض يهودا. ولم تكن أرض يهودا تضم المدن الساحلية، كأشدود وغزة وعسقلان، لأنها بقيت في أيدي الفلستيين. كان عرض أرض يهودا (من الغرب إلى الشرق) نحو خمسين ميلاً، وكان طولها (من الجنوب إلى الشمال) نحو خمسة وأربعين ميلاً، وكانت مساحتها أكثر من ألفي ميل مربع.

2ـ المملكة الجنوبية (يهودا): وتضم أرض يهودا وأكثر أرض بنيامين إلى الشمال الشرقي، ودان إلى الشمال الغربي، وشمعون إلى الجنوب. وكانت مساحتها نحو ثلاثة آلاف وخمسمائة ميل مربع. وقد أُطلقت الكلمتان «يهود» الفارسية ثم «يوديا» الرومانية على المقاطعة المحيطة بالقدس. ولكن جرى العرف على استخدام كلمة «يهودا» للإشارة إلى «يهودا» العبرانية و« يهود» الفارسية و«يوديا» الرومانية. ويُلاحَظ أن الحشمونيين سمَّوا دولتهم باسم «يهودا».

وقد اختفى الاسم بصيغتيه العبرية والرومانية منذ عام 135م، حينما أُطلق على فلسطين بأقسامها كافة (يهودا والسامرة والجليل وغيرها) اسم «بالستينا». ويُطلق الصهاينة مصطلح (يهودا والسامرة) على الضفة الغربية لإنكار كل التطورات التاريخية التي حدثت منذ ذلك الحين، ولتسويغ عملية الضم.

وفي هذه الموسوعة، نستخدم كلمة «يهودا»، ولكننا نقرنها أحياناً باسم الإمبراطورية الحاكمة فنقول «يهودا السلوقية» أو «يهودا البطلمية» أو «يهودا الرومانية»، إلا إذا كان السياق يجعل نسبتها واضحة. وبهذا، فإننا نشير إلى رقعة جغرافية تختلف حدودها وكذا وضعها الإداري باختـلاف الإمبراطورية الحاكمة، كما أننـا نُفرق بهـذا بين يهودا وفلسطين، فيهودا ليست سوى جزء من فلسطين.

يهـــود (مقاطعــة)

Yehud (or Yahud)

حين ضم الفرس فلسطين ضمن ما ضموا من ممتلكات الإمبراطوريتين الآشورية والبابلية، أُطلق على كل أرض فلسطين اسم «عبر النهر»، أي الأرض التي تقع عبر نهر الفرات. وكان المرزبان (الحاكم الفارسي) يحكمها من دمشق. وكانت مقاطعة يهودا (التي كان يطلق عليها الفرس «يهــود») مسـاحة صغـيرة تحـيط القـدس، طولهــا خمســة وثلاثـون ميلاً وعرضها يتراوح بين خمسة وعشرين وخمسة وثلاثين ميلاً، فكان معظمها أرضاً صحراوية.

ونستخدم في هذه الموسوعة كلمة « يهودا» ونقرنها باسم الإمبراطورية الحاكمة فنقول «يهودا الفارسية» أو «يهودا الرومانية». وبهذا، فإننا نشير إلى رقعة جغرافيةتختلف حدودها وكذا وضعها الإداري باختلاف الإمبراطورية الحاكمة. كمـا أننـا نفـرق في الوقت نفسه بين يهودا وفلسطين، فيهودا ليست سوى جزء من فلسطين.

جوديّا

Judea

«جوديّا» هو الاسم الذي كان يُطلَق على القسم الجنوبي من فلسطين إبّان حكم الإمبراطورية الرومانية. تمتد حدود يوديا الشمالية من يافا على ساحل البحر المتوسط إلى نقطة الأردن التي تَبعُد عشرة أميال إلى الشمال من البحر الميت. وتمتد حدودها الجنوبية من وادي غزة على بُعد سبعة أميال إلى الجنوب الغربي من غزة إلى بئر سبع ثم إلى القسم الجنوبي من البحر الميت. وكان طولها من الشمال إلى الجنوب نحو خمسة وخمسين ميلاً، كما كان طولها من الشرق إلى الغرب نحو خمسة وخمسين ميلاً تقريباً. وتشتمل جوديا على كلٍّ من القدس وبيت لحم. وهي تُعتبَر أحد أقسام فلسطين الثلاثة: الجليل في الشمال، والسامرة في الوسط، ويوديا في الجنوب. وقد استُخدم مصطلح «يهود» الفارسية لأول مرة في سفر عزرا (5/8) للإشارة إلى تلك الرقعة الصغيرة التي تحيط بالقدس والتي كانت ولاية تابعة لها ثم للبطالمة والسلوقيين. وقد ضمَّها الرومان في عام 63 ق.م، فكان يحكمها حاكم (بروكيوراتو) يعيِّنه الإمبراطور الروماني.

وتجب ملاحظة أن المصطلح كان يُستخدَم أحياناً، بالمعنى السياسي لا الجغرافي، ليشير إلى رقعة أكثر اتساعاً. فكان يُشار أحياناً إلى كل فلسطين (ما عدا المدن الهيلينية) باعتبار أنها «جوديا»، كما كان يُشار إلى كل الأرض التي حكمها هيرود على أنها «جوديا»، وهي رقعة واسعة تضم معظم فلسطين. وقد شغل أرخيلاوس، ابن هيرود ،منصب رئيس القوم (إثنآرخ) في جوديا التي كانت تشير إلى يهودا والسامرة فقط. وترد الكلمة في العهد الجديد بمعنى سياسي واسع، فقد جرى العرف على استخدام كلمة «يهودا» للإشارة إلى كل من يهودا (القبيلة العبرانية)، وإلى المنطقة التي كانت من نصيبهم،وإلى المملكة الجنوبية، وللإشارة أيضاً إلى يوديا الرومانية.

وفي عام 135م، أُطلق مصطلح «بالستينا» على كل فلسطين ومنها جوديا الرومانية. ولمواجهة فوضى المصطلحات، نستخدم كلمة «يهودا» ونقرنها باسم الإمبراطورية الحاكمة، فنقول «يهودا السلوقية» أو يهودا البطلمية أو «يهودا الرومانية»، إلا إذا كانت النسبة واضحة من السياق ذاته. وبهذا، فإننا نشير إلى رقعة جغرافية تختلف حدودها وكذا وضعها الإداري باختلاف الإمبراطورية الحاكمة، كما أننا نفرق بهذا بين يهودا وفلسطين، فيهودا ليست سوى جزء من فلسطين.

شـيلوه

Shiloh

«شيلوه» اسم عبري معناه «موضع الراحة». و«شيلوه» اسم مدينة من أصل كنعاني تقع على بعد عشرة أميال شمالي بيت إيل على الطريق بين نابلس والقدس، على بعد سبعة عشر ميلاً منها. وقد تكون شيلوه هي خربة سيلون (من العربية: سَلْوى).

كانت هذه المدينة موطن النبي صموئيل. وقد وضع يشوع بن نون فيها تابوت العهد حيث بقي ثلاثمائة عام. كما كانت هذه المدينة المركز الديني والإداري أثناء فترة الاستيطان الأول. وقد قسَّم فيها يشوع أرض كنعان ووزعها على القبائل العبرانية. وكان العبرانيون يَحجُّون إليها ويقضون فيها العيد إبّان حكم القضاة.

ومنذ أن اختطف الفلستيون تابوت العهد، لم يرجع هذا التابوت إلى شيلوه. ففقدت المدينة مكانتها، وانتقل مركز العبادة إلى القدس.

بيت إيل

Bethel

«بيت إيل» تعبير عبري معناه «بيت الرب». وهي مدينة كنعانية قديمة كانت تُعرف باسم «لوز» على بعد ستة عشر كيلو متراً من القدس ونابلس، واسمها الحديث «بيتين». ولم تكن بيت إيل مدينة حصينة، لكنها كانت محاطة بعدة عيون ماء، وواقعة على الطريق من أريحا إلى البحر الأبيض المتوسط. وقد كانت بيت إيل مكاناً مقدَّساً لدى الكنعانيين قبل التسلل العبراني، ثم استولت عليها قبيلة يوسف وصارت من نصيب قبيلة إفرايم. ويربط الموروث الديني اليهودي بين إيل وكلٍّ من إبراهيم ويعقوب، إذ بنى فيها الأول مذبحاً حيث تَجدَّد العهد الإلهي. وفيها رأى يعقوب حلماً وتغيَّر اسمه إلى يسرائيل، وأصدرت دبوراه أحكامها بالقرب منها. وقد وُضعت فيها خيمة الاجتماع، كما وُضع فيها تابوت العهد قبل أن يُنقل ويستقر في القدس. وكانت بيت إيل مركزاً لاتحاد القبائل، ولكنها فقدت أهميتها بعد بناء الهيكل. وشيَّد فيها يربعام ملك المملكة الشمالية هيكلاً قومياً لمملكته، كما شيد هيكلاً آخر في دان وزوَّده بعجول ذهبية، حتى لا يحج سكان مملكته إلى هيكل القدس. ويبدو أنها كانت عاصمة المملكة الشمالية لبعض الوقت. وقد ألقى فيها عاموس نبوءاته، وهاجمها يوشيا ملك المملكة الجنوبية وذبح كهنتها وخرب أصنامها وهياكلها. وهدمها الآشوريون ثم دمَّرها بعد ذلك البابليون ومن بعدهم الفرس. وقد أُعيد بناؤها في العصر الهيليني، ولكنها هُجرت مع الفتح العربي.

شــــكيم

Shechem

«شكيم»، وتُكتَب أيضاً «شيكيم»، ويكتبها السامريون «شخيم»، وهي كلمة عبرية معناها «كتف» أو «منكب»، وتُطلَق هذه الكلمة عَلَماً على مـدينة كنعانية قـديمة تقع بين جبل جريزيم وجـبل عيبال في الضفة الغربية. وتعود أقدم حوائطها إلى عام 2000 ق.م، وهي فترة تسبق التسلـل العبراني. وكانت المدينة تحـت حكـم الأسرة الثانية عشرة المصرية، وضرب الآباء العـبرانيون خيامـهم على أطرافهـا (تكوين 12/6). وقد حدث أول اتصال بين إبراهيم والكنعانيين فيها، وفيها أيضاً ظهر الإله لإبراهيم وبنى له مذبحاً. ووجد يعقوب أن الحويين يقيمون فيها. وأثناء التسلـل العبراني، نهبتها قبيلتا سيمون ولاوي، ووقعت فيها حادثة دينا وشكيم بن حامور الملك. وأصبحت شكيم أول مركز ديني للعبرانيين. وعند انقسام المملكة العبرانية المتحدة، أصبحت شكيم عاصمة المملكة الشمالية لبعض الوقت وفقدت أهميتها بتصَاعُد أهمية مدينة السامرة. ولكنها، مع هذا، ظلت مركز العبادة للسامريين. وفي عام 72م، أسس فسبسيان مدينة نيابوليس التي كان معظم سكانها سامريين، وهي التي اشتُق من اسمها اسم نابلس الحالية. وقد عُثر في المدينة على طبقات سكنية تعود إلى العصور البرونزية الوسيطة والبرونزية الحديثة وإلى العصرين الحديدي واليوناني. كما عُثر فيها على معبد كنعاني ضخم يُعتبَر من أكبر المعابد الكنعانية على الإطلاق.

جلعـاد

Gilead

«جلعاد» تعبير عبري من «جال» التي تعني «حجر» و«عد» التي تعني «شـاهد»، أي أن «جلعاد» تعني «شـاهد حجر». وقد أتى في العهـد القديم « هذه الرجمة هي شاهدة بيني وبينك اليوم. لذلك دُعي اسمها جلعاد » (تكوين 31/47). وتُستخدَم الكلمة للإشارة إلى كل المنطقة الواقعة شرقي نهر الأردن وجنوبي نهر اليرموك وكانيسكنها بعض القبائل العبرانية ومن أهمها قبيلة جاد. وقد كتب لورنس أوليفانت كتاباً بعنوان أرض جلعاد يحتوي على مشروع صهيوني استيطاني. وتركز الكتابات الإسرائيلية الصهيونية في الوقت الحاضر على أهمية أرض جلعاد باعتبارها جزءاً من أرض إسرائيل الكبرى.

السـامرة

Samaria

«السامرة» هي عاصمة المملكة الشمالية ويُطلَق عليها باللغة العبرية «شومرون» نسبة إلى «شمر» الذي كان يمتلك التل الذي بُنيت عليه المدينة. تقع السامرة على بعد ثلاثين ميلاً إلى الشمال من القدس، وستة أميال إلى الشمال الغربي من شكيم (نابلس)، وهي المدينة التي يقع فيها جبل جريزيم الذي يحج إليه السامريون في عيد الفصح. وتُطلَق كلمة «السامرة» أحياناً على المملكة ككل. أُسِّست المدينة عام 880 ـ 879 ق.م. حينما جعلها عمري عاصمة المملكة الشمالية، وقد أتاح هذا الموقع الحصين للمدينة والمطلّ على طريقين رئيسيين أحدهما من الجنوب والثاني من الشرق لعمري ومملكته السيطرة على طرق التجارة التي كانت تعبر فلسطين إلى الممر الساحلي. وقد شيَّد عمري في المدينة قصراً عُرف باسم «بيت العاج»، ويبدو أنه كان من الضخامة والثراء بحيث ظلت الحوليات الآشورية تشير إلى السامرة باسم «بيت عمري» مدة قرن من الزمن. وظلت المدينة قائمة إلى أن استولى عليها سرجون الثاني في (722 ـ 721 ق.م ) بعد حصار دام ثلاثة أعوام، وقد تحوَّلت إلى عاصمة إدارية للمنطقة. وبعد خضوع السامرة لفتوحات الإسكندر، استوطنتها جالية مقدونية وأصبحت السامرة مدينة يونانية في مظاهرها كافة. وقد هاجمها يوحنا هيركانوس الحشموني سنة 109 ق.م وخربها وبـاع أهـلها عبيداً. وبعـد مجيء القائـد الروماني بومبي، أُعيــدت المدينة لأصحابها السـابقين، وأعـاد هيرود الأكبر بناءها في الفترة 37 ـ 4 ق.م، وهـو الـذي سماها «سباست» (سبسـطية) تكـريمـاً للإمـبراطــور أوغسطس (سباسطوس باليونانية).

وقد اهتم هيرود بإقامة حصن وقلعة بالمدينة ووطَّن فيها عناصر مخلصة له، ولذلك جاء إلى المدينة بستة آلاف من جنوده المُسرَّحين كان بينهم ألمان وغاليون (من الغال أي فرنسا) وغيرهما من الأجناس. وقد كانت سبسطية مصدراً لجنود الإمبراطورية الرومانية. لذلك، حينما قامت الثورة اليهودية ضد الرومان عام 66م، قتل اليهود الكثيرين من سكان سبسطية ودمروا أجزاء منها، لكنها استرجعت نشاطها بعد عام 70م.

وتُطلَق كلمة «السامرة» أيضاً على الجزء الأوسط من فلسطين (بين الجليل ويهودا) والذي سُمِّي باسم السامرة التي تقع فيه، و تَكثُر في السامرة التلال ويغلب عليها المظهر الجبلي، كما تتميَّز بوفرة أمطارها. ويَحدُّها جبل الكرمل و البحر غرباً ووادي يزرعيل شمالاً وجبل جلبوع ونهر الأردن شرقاً ووادي عجلون جنوباً. وقد استقرَّت في هذه المنطقة قبيلة يوسف (منَسَّى في الجزء الشمالي منها وإفرايم في الجنوب). وتضـم السـامرة وبيـت إيل وترصه ومجدو وبيسان وجبل جريزيم. وبعد التهجير الآشوري، وطَّن فيها سرجون الثاني قبائل أخرى اختلطت بالعناصر اليهودية المتبقية، فظهر السامريون نتيجة تزاوج هذه العناصر (حسب الرواية التوراتية). وقد كانت المنطقة تابعة لآشور وبابل وفارس ومقدونيا والمملكة الحشمونية على التوالى. ويشير الأنبياء إلى المنطقة باسم «إفرايم». أما اسم «السامرة»، فيعود، على ما يبدو، إلى الآشـوريين الذين كانوا يُطلقون اسم العاصمة على المنطقة التي يضمونها. والآن يُطلق الصهاينة مصطلح «يهودا والسامرة» على الضفة الغربية لتسويغ الضم.

الجليـل

Galilee

«الجليل» من «الجلجال» وهو لفظ سامي يُرجَّح أن يكون كنعاني الأصل ومعناه «الحجر المسندي الشكل»، ومعنى الكلمة بالعبرية «دائرة» أو «مقاطعة». والجليل هو اسم المنطقة الشمالية من فلسطين، وتقع بين نهر الليطاني ووادي يزرعيل، عرضها تسعة عشر ميلاً وطولها خمسة وعشرون ميلاً. وهي مقاطعة جبلية منتجة للحبوب وتَكثُر فيها الجبال، مثل الكرمل وجلبوع، التي يَبلُغ ارتفاع بعضها أربعة آلاف قدم.

وتُعدُّ الجليل من أوليات المناطق التي سكنها الإنسان، ومن أقدم مدنها مدينة مجدو التي شهدت معارك طاحنة بين الكنعانيين والمصريين (1480 ق.م). وقد سـكنها الحـويون والجرجاشـيون وغـيرهم من الأقوام. وقد استقرت قبائل نفتالي وآشر ويساكر وزوبولون في الجليل. كما انتقلت إليها قبيلة دان. ولم يستطع العبرانيون طرد سكان الجليل، ولذا ظل سكانها خليطاً. وقد أعطى سليمان لحيرام (ملك صور) عشرين من مدنهـا نظير أدوات بناء ابتـاعها منه. وبعد التهجير إلى بابل والعودة منها، أصبحت أغلبية سكانها من غير اليهود. وقد غزاها شيشنق أثناء حكم رحبعام، وضمها الآشوريون ثم حكمها الفرس والسلوقيون. وفي عام 63 ق.م. احتلها الرومان وأصبحت الجليل تابعة لهم. وفي عهد الرومان كانت فلسطين تُقسَّم إلى ثلاث مناطق: الجليل والسامرة ويهودا (يوديا باللاتينية). وكانت الجليل ذاتها تُقسَّم إلى الجليل الأعلى والجليل الأسفل.

وحينما قام التمرد الحشموني، كان عدد اليهود من القلة بحيث اضطر سيمون الحشـموني إلى تهجير الأقلية اليهودية منها خشـية أن تهاجمهم الأغلبية. وقد هاجر بعض اليهود إليها أثناء حكم الأسرة الحشمونية بعد أن ضم أرسطوبولوس الأول منطقة يهودا. وفي تلك المرحلة التاريخية، كان يهود الجليل غير ملتزمين بالشعائر الدينية كتلك الخاصة بالختان والعشور. ولذا، كان يُشار إليهم باسم «عَمْ هآرتس» أي «عوام الأرض»، وهي عبارة تفيد أنهم أجلاف غير مؤمنين. وكان نطقهم للعبرية مختلفاً عن نطق اليهود الموجودين في يهودا. وتقول المصادر إنهم لم يكن بوسعهم التمييز بين حرفي الألف والعين. وقد انضم بعض يهود الجليل إلى التمرد الأول ضد روما (66 ـ 73م) وكان قائد القوات اليهودية في الجليل هو يوسيفوس الذي استسلم للرومان. ولم يتخذ الرومان إجراءات انتقامية ضد سكانها من اليهود لأن أعداداً منهم، وخصوصاً في صفورية وطبرية، كانت متعاطفة مع الرومان. أما التمرد الثاني (132 ـ 135م) ضد روما، فلم يؤيده سكان الجليل من اليهود.

وأصبحت الجليل مركزاً للدراسات الدينية إذ تضم طبرية التي صارت مقراً للسنهدرين. ومن مدن الجليل أيضاً الكرمل وصفد. ويقع فيها بحر طبرية المعروف باسم «بحر الجليل». وقد نشأ المسيح في الجليل، ولذا فقد كان يعرف بـ «الجليلي». ثم دخلت الجليل بعد ذلك نطاق الحضارة الإسلامية، ونزلت قبائل عربية كثيرة فيها. وتأسست فيالعهد العثماني بعض الإمارات الإسلامية. ومن أهم مدن الجليل صفد وطبرية وبيسان وعكا. ولا تزال الكثافة السكانية العربية عالية في منطقة الجليل، رغم المحاولاتالصهيونية الرامية لتغيير طابعها السكاني.

غــزة

Gaza

«غزة» كلمة سامية فيما يبدو، وتعني «قُوَى» أو «كنوز» أو «مخازن». وقد عرفها العبرانيون باسم «عزة»، والفرس باسم «هازاتو»، وسماها العرب «غزة هاشم» نسبة إلى هاشم بن عبد مناف جد الرسول الذي مات ودُفن فيها.

وتشـير الكلمـة في الثقافة العـربية إلى كلٍّ من قطاع غزة ومدينة غزة. وتَبعُد المدينة ثلاثة أميال عن ساحل البحر المتوسط إلى الشرق، وعشرة أميال إلى الجنوب من عسقلان. ويمر بها الطريق الساحلي الرئيسي الممتد من لبنان إلى مصر ماراً من شمال فلسطين إلى جنوبها. وغزة آخر مدينة كبيرة قبل الوصول إلى سيناء، وآخر محطة لمن يريد دخول مـصر، وأول مـحطة لمن يريد دخول فلسـطين من ناحية الجنوب. ونظراً لموقعها الجغرافي، كان الاستيلاء على غزة يعني السـيطرة على طرق الحـرب والتجـارة بين آسـيا وأفريقـيا في العالم القديم.

كانت غزة من نصيب قبيلة يهودا عند تقسيم أرض كنعان بين القبائل العبرانية، ولكن الفلستيين طردوهم منها واسترجعوها. وقد كانت غزة أيضاً مركز نشاط شمشون، كما كانت مركزاً لعبادة داجون الفلستية. وبقيت هياكل هذا الإله فيها حتى سنة 400م حيث حُطِّمت المعابد الوثنية فيها بمرسـوم إمبراطوري حينما تحـولت روما إلى المسيحية.

وكانت غزة على حدود المملكة العبرانية المتحدة حين احتلها الآشوريون عام 720 ق.م. وعلى هذا، فقد اشتركت في التمرد ضد الحكم الآشوري ثم ضد نخاو (فرعون مصر) عام 608 ق.م. وكانت غزة المدينة الوحيدة في فلسطين التي لم تستسلم للإسكندر، فنكَّل بها وهدم أسوارها. وقد قاومت غزة المكابيين حينما قاموا بثورتهم وأبت الخضـوع لهم، لكنها استسـلمت لهم عام 145 ق.م ثم تمرَّدت عام 95 ق.م، فحاصرها ألكسندر يانايوس لمـدة عـام. وبعد أن دخلـها، أحرقها وقتل أعداداً كبيرة من أهلها.

وقد قاومت غزة الغزو الروماني لمدة طويلة. وبعد أن أخضعها الرومان، تحوَّلت إلى مستعمرة عسكرية. ولما نكَّل هادريان باليهود الذين ثاروا ضد الإمبراطوريةالرومانية، بعث بأسراهم إلىها حيث قُتلوا في المصارعة التي أُقيمت في حفلة الألعاب الهدريانية.

وظلت غزة تحت حكم الرومان إلى أن فتحـها العرب عام 634م. واستولى الفرنجة عليها عام 1100، فظلت بحوزتهم حتى تحررت بعد معركة حطين عام 1187. ثم احتلها الإنجليز عام 1917.

وبعد عام 1948، دخلت غزة تحت الحكم الإداري المصري، ومنها قام الفدائيون الفلسطينيون بشن هجماتهم على إسرائيل. وفي عام 1967، ضمَّتها إسرائيل، ولكنها قاومت الاحتلال بضراوة. وقد اعترف ديان وزير الدفاع الإسرائيلي حينذاك بأن غزة « يحكمها الفدائيون في الليل ». وقد اندلعت منها الانتفاضة الفلسطينية في ديسمبر 1987، واستمرت في التصاعد. وبمقتضى اتفاقية أوسلو أصبحت غزة خاضعة للسلطة الفلسطينية.

طبريــة

Tiberias

«طبرية» مدينة في الجليل. وهي إحدى المدن الأربع التي يقدِّسها اليهود في فلسطين والتي يجب ألا تنقطع فيها الصلاة. أما الثلاث الأخرى فهي: القدس والخليل وصفد. تقع طبرية شمال شرقي فلسطين عند البحيرة المسماة باسمها (بحيرة طبرية) على بُعد أربعة أميال من طرفها الجنوبي. شيَّدها هيرود أنتيباس (ابن هيرود) عام 22موسماها على اسم الإمبراطور طيباريوس لتحل محل صفورية كعاصمة للجليل. وكانت طبرية تقع على طريق تجاري يربط سوريا بمصر، واشتهرت بالتجارة وصيد الأسماك. وتوجد على مقربة منها عيون ساخنة جعلت منها منتجعاً صحياً مشهوراً. وفي النهاية، استقر فيها أثرياء اليهود. ولذا، كانت المدينة تضم مكاتب الحكومة والصيارفة. كما أن بعض أعضاء الطبقات الفقيرة من اليهود استوطنوها ليحصلوا على الأرض والسكنى.

وطبرية أول مدينة يهودية تنال استقلالها وتصبح مدينة (بوليس) لها الحق في أن تعلن الحرب وتُوقِّع المعــاهدات وتفرض الضرائب، وكان يحكمها حاكم مُنتخَب تساعده لجنة من عشرة أفراد ومجلس مدينة من ستمائة شخص. وقد استسلمت طبرية للرومان أثناء التمرد اليهودي الأول ضد الرومان، ولذا لم يتم تخريبها. وقد أصبحت مركزاً لليهودية بعد تدمير القدس، فشُيِّدت فيها حلقة تلمودية دُوِّنت فيها المشناه وأجزاء من الجماراه. ومعنى هذا أن التلمود الأورشليمي وُضع في طبرية.

دخلت طبرية دائرة الحضارة الإسلامية وأرسل الخليفة عثمان ابن عفان إليها عام 30 هجرية مصحفاً كي يقرأ المسلمون فيه القرآن الكريم. وسقطت في يد الفرنجة بعض الوقت ثم استعادها صلاح الدين عام 1187 ولكنها سقطت مرة أخرى في يد الصليبيين عام 1240، ثم تم تحريرها بشكل نهائي عام 1247.

استولى العثمانيون على طبرية عام 1517، وسمح سليمان القانوني لليهود بالإقامة فيها (1562). واستولى نابليون علىها عام 1799 ولمدة قصيرة. وازدهرت المدينة أيام الحكم المصري لفلسطين إلا أن الدمار لحق بها بسبب الزلزال الشديد الذي وقع عام 1837.

وطبرية من مدن فلسطين الأولى التي استقر فيها المستوطنون الصهاينة بسبب وجود مركز ديني فيها، كما كانت أول مدينة فلسطينية سلمتها قوات الاحتلال الإنجليزية للصهاينة.

الخلــيل

Hebron

كلمة «الخليل» هي المقابل العربي للكلمة العبرية «حبرون»، ومعناها «صاحـب» أو «عصـبة» أو «ربـاط» أو «اتحـاد».، والخليل مدينة في فلسطين، وكان الكنعانيون يسمونها «قرية أربع» (باليونانية «تيترابوليس» أي «مدينة رباعية»). وتقع مدينة الخليل على بعد تسعة عشر ميلاً من القدس وثلاثة عشر ميلاً ونصف الميل من بيت لحم، على ارتفاع ثلاثة آلاف وأربعين قدماً من سطح البحر، وحولها عيون ماء كثيرة.والخليل إحدى المدن الأربع المقدَّسة لدى اليهود التي يجب ألا تنقطع فيها الصلاة، إلى جانب القدس وصفد وطبرية.

ويعود تاريخ الخليل إلى أبعد من عام 3500 ق.م. فقد سَكَن إبراهيم (الذي تُنسَب إليه المدينة) إلى جوارها لبعض الوقت واشترى مغارة المكفيلة (حسبما جاء في العهد القديم) حيث دُفن فيها فيما بعد. ثم سكنها بعده (حسب الرواية التوراتية) إسحق ويعقوب ويوسف.

وقد استولى العبرانيون على المدينة أثناء تسلـلهم إلى كنعان، وأبادوا سكانها من العناقيين. وقد لجأ إليها داود هرباً من شاؤول (ويُقال إن يوشع بن نون هو الذي غيَّر اسمها من «قرية أربع» إلى «حبرون»). وتقع الخليل في منطقة يهودا التي كانت تَخُصُّ قبيلة يهودا، ولكن المدينة نفسها كانت إحدى مدن الملجأ. وقد احتلها الأدوميون بعد التهجير البابلي، وضمها الحشمونيون إلى مملكتهم، ثم أصبحت جزءاً من فلسطين الرومانية.

ثم دخلت الخليل مجال الحضارة العربية الإسلامية. والخليل تضم الحرم الإبراهيمي الشريف ومزار سيدنا إبراهيم عليه السلام. ازدهرت المدينة في العصر المملوكي والعثماني (استولى عليها الفرنجة وجعلوها مركز إبراشية وبنوا كنيسة في موقع الحرم عام 1168)، وانتشر العمران خارج أسوارها منذ نهاية القرن التاسع عشر.

وفي العصر الحديث بعد دخول القوات البريطانية فلسطين ووصول المستوطنين الصهاينة كانت الخليل ملجأً للمجاهدين لانتشار المغارات القديمة في جبالها ولأن أية قوة مطاردة يصعب علىها أن تعثر على المجاهدين. وكانت معاركها قبل إعلان الدولة الصهيونية هي الأعنف في الاشتباكات مع العدو حتى أن المستوطنين الصهاينة سبق أن فروا من المدينة كلها عام 1929 تاركين بيوتهم ومحالهم يوم ثورة البراق.

وقد شهدت الخليل ثورة ديموجرافية حقيقية بعد احتلال فلسطين عام 1948 لوفود عدد كبير من اللاجئين إليها. فزاد عدد سكانها 54% خلال 27 عاماً. وقد اختارت إسرائيل بعد ضم الضفة الغربية عام 1967 موقعاً متميِّزاً على تلة لتقيم مستوطنة صهيونية تُسمَّى «قريات أربع» وقامت بمحاولات لتهويد الحرم الإبراهيمي.

وقد شهدت المدينة واحدة من أكبر المذابح الصهيونية حينما قام المستوطن الصهيوني باروخ جولدشتاين بإطلاق النار على المصلين وهم ساجدون داخل الحرم الإبراهيمي فاستُشهد منهم أكثر من ثلاثين. وقد تبيَّن أن الإرهابي الصهيوني (الذي قُتل أثناء الحادث) من مستوطنة قريات أربع، وأنه ضابط طبيب في الجيش الإسرائيلي وأنه استخدمرشاشه الرسمي في الجريمة. وقد أقام له المستوطنون مقبرة خاصة أصبحت مزاراً لهم.

صفــد

Safed

«صفد» من الكلمة الكنعانية «صفت» بمعنى «العطاء»، وهي مدينة في الجليل تقع فوق جبل على ارتفاع ألفين وسبعمائة وثمانين قدماً من سطح البحر. وهي إحدى المدن الأربع المقدَّسة عند اليهود (إلى جانب القدس والخليل وطبرية). ومع هذا، لم يأت ذكرها في الكتاب المقدَّس إذ يبدو أنها كانت قرية صغيرة ضئيلة الشـأن. وقد ظلت كذلك حقـباً طويلة مـن الزمن، فلم يأت لها ذكر في الفتوحات العربية الأولى. وقد دارت المعارك بين الفرنجة والمسلمين حول صفد إلى أن حررها الظاهر بيبرس عام 1267 ثم أصبحت عام 1517 جزءاً من الدولة العثمانية.

ولا نعرف الكثير عن تاريخ وجود أعضاء الجماعات اليهودية فيها، وحينما زارها بنيامين التطيلي في القرن الثاني عشر، لم يجد فيها يهوداً. لكن بعض اليهود المهاجرين من إسبانيا استوطنوها في القرن الخامس عشر. وكان اليهود المقيمون فيها يتاجرون في التوابل والجبن والزيت والخضراوات والفواكه.

وفي القرن السادس عشر، أصبحت صفد مركزاً دينياً، إذ عاش فيها يوسف كارو مؤلف الشولحان عاروخ وإسحق لوريا وتلميذه حاييم فيتال، وهم من أهم القبَّاليين، وبذلك أصبحت صفد مركزاً للدراسات القبَّالية. ومع هذا، لم يكن عدد اليهود فيها يزيد على سبعمائة وست عشرة أسرة عام 1548. وفي نهاية القرن السابع عشر، كان عدد اليهود من دافعي الضرائب لا يزيد على عشرين. وقد استوطنها، مع نهاية القرن الثامن عشر، بعض الحسيديين. وقد احتلتها القوات البريطانية ضمن ما احتلت من فلسطين عام 1918، واستوطنها الصهاينة. وفي عام 1948 تم طرد سكانها العرب وحل محلهم مستوطنون صهاينة.

أريحـــا

Jericho

«أريحا» من «يرخو» وهي كلمة كنعانية تعني «مدينة القمر» (وقد يدل هذا على أن عبادة القمر السامية كانت منتشرة فيها) ويُقال إن معناها أيضاً «الروائح العطرية» (ويشار إليها في العصر الحديث أحياناً بكلمة «الريحا»).

وأريحا مدينة كنعانية قديمة يرجع تاريخها إلى حوالي سبعة آلاف عام، واكتُشف فيها أقدم فخار وأقدم نحت في العالم، وتُعَدُّ أقدم مدن فلسطين. بل ويُقال إنها أقدم مدينة في العالم قائمة حتى اليوم (وحيث إنها هُجرت بعض الوقت، فإن دمشق ودمنهور هما المدينتان اللتان تستحقان هذا الشرف، إذ أن الحياة البشرية مستمرة فيهما دون انقطاع منذ ظهرتا إلى الوجود).

وتقع أريحا على مسافة سبعة وثلاثين كيلو متراً شرقي الشمال الشرقي لمدينة القدس، في الطرف الغربي لغور الأردن الغربي (يُقال له غور أريحا) على بُعد حوالي ثمانية كيلو مترات غربي نهر الأردن الذي تصب مياهه بعدها بقليل في البحر الميت. وترتبط أريحا مع غور الأردن ومع الضفتين الشرقية والغربية بشبكة طرق، وهي منفتحة جنوباً على البحر الميت وصحراء النقب. وكانت أريحا المعبر الغربي لنهر الأردن والبحر الميت، يمر منها الحجاج المسيحيون القادمون من القدس. ومن جهة أخرى، كانت أريحا بوابة شرقية لفلسطين عبرها كثير من الجماعات البشرية المهاجرة إلى فلسطين على مدى العصور. ومساحة المدينة إدارياً تبلغ خمسة وعشرين كيلو متراً مربعاً تقريباً، وهي بذلك تساوي منطقة الخليل التي تقع جنوبها. وأريحا منخفضة تحت سطح البحر بنحو مائتين وستة وسبعين متراً (ولذا فجوها حار).

وأريحا القديمة تقع في تل السلطان بالقرب من عين السلطان (على مقربة من أريحا الحديثة) وقد اتخذها الهكسوس قاعدة لهم بين عامي 1750 - 1600 ق.م. وهي أول مدينة هاجمها العبرانيون أثناء تسللهم في أرض كنعان (فلسطين) وغزوهم إياها. وقد أرسل يشوع بن نون جاسوسين إلى المدينة (حسب الرواية التوراتية)، فدخلا بيتامرأة اسمها «راحاب» (يُشار إليها دائماً بالزانية). و«راحاب» من الكلمة العبرية «رحب» أو «مُتَّسع»، إذ يبدو أنها استقبلت الجاسوسين على الرحب والسعة (سفر يشوع 2/1 - 24). وحينما علم ملك أريحا بأمرهما، حاول القبـض عليهما ولكن راحاب خبأتهما، وضللت الرسـل، وقـالت: "لسـت أعلم أين ذهـب الرجـلان، اسـعوا سـريعاً وراءهما حتى تدركوهما". وبعـد أن رحل حرَّاس الملك، قالـت راحـاب للرجـلين: "علمت أن الرب قد أعطاكم الأرض وأن رُعبكم قد وقع علينا وأن جميع سكان الأرض ذابوا من أجلكم، لأننا قد سمعنا كيف جفَّف الرب مياه بحر القلزم قدامكم عند خروجكم من مصر". ثم ذكرت لهما بعض الأحداث الأخرى التي بثت الرعب في نفوس أهل أريحا "ولم تبق بعد روحٌ في إنسان بسببكم"، وطلبت منهما الأمان لنفسها ولأهلها عند سقوط المدينة في يد العبرانيين، وعاد الجاسوسان وقالا ليشوع: "إن الرب قد دفع بيدنا الأرض كلها وقد ذاب كل سكان الأرض بسببنا".

ووفقاً لأمر الرب، حسب الرواية التوراتية، سار المحاربون من إسرائيل في صحبة سبعة من الكهنة، حاملين أبواقاً وتابوت العهد، وقد طاف هؤلاء حول المدينة مرة في اليوم لمدة ستة أيام. وفي اليوم السابع طافوا حولها سبع مرات وضربوا بالأبواق وهتفوا هتافاً عالياً فسقطت أسـوار المدينة، فقام العبرانيون بذبح "كل من في المدينة من رجل وامرأة، من طفل وشيخ، حتى البقر والغنم والحمير… وقال يشوع للرجلين اللذين تجسسا الأرض: دخلا بيت المرأة الزانية وأخرجا من هناك المرأة وكل ما لها كما حلفتما لها" (يشوع 6/24).

ويذكر العهد القديم أن راحاب عاشت في وسط إسرائيل (يشوع 6/25) بل تذكر التقاليد الدينية أنها تزوَّجت يشوع وأن عدداً من أنبياء اليهود جاءوا من نسلها من بينهم إرميا. ثم حلف يشوع في ذلك الوقت قائلاً ملعون قدام الرب الرجل الذي يقوم ويبني هذه المدينة أريحا (يشوع 6/27).

وفي عصر القضاة أخرج عجلون ملك المؤابيين اليهود من أريحا واتخذها عاصمة له وأقام لنفسه قصراً فيها (قضاه 3/13). وقد أقام فيها رسل داود الذين حلق ملك عمون لحاهم إلى أن نمت مرة أخرى (صموئيل الثاني 10/5). وفي زمن الملك العبراني أحـاب، بناها حـيئيل البيتئيـلي ولكـنـه فَقَـد ابنيه (وفــقاً لنبوءة يشـوع). وقد قبض البابليون على الملك العبراني صدقيا بالقرب من أريحا ثم حطموا المدينة عام 587 ق.م.

وفي العصر الهيليني، تحوَّلت أريحا إلى مقبرة، ثم قام الحشمونيون (المكابيون) بتعميرها. وقد جدَّد هيرود المدينة ووسَّعها وأسَّس فيها القصور والميادين والقنوات والحصون، فامتدت فوق ما يُعرَف اليوم بتلال أبي العليق. وقد خُرِّبت، ولكن أُعيد بناؤها في القرن الرابع الميلادي في عهد قسطنطين الأكبر (306 - 327م) وانتشرت فيها المسيحية وأقيمت في ضواحيها الأديرة والكنائس وأصبحت مركز الأسقفية.

وفي العصر الإسلامي، استقرت فيها قبائل بني النضير اليهودية بعد طردها من الجزيرة العربية وازدهرت المدينة وأصبحت أهم مدينة زراعية في غور الأردن وأحيطت بمزارع النخيل والموز وقصب السـكر والريحـان والحنـة والبلسـم وسـكنها قوم من قيس وجماعة من قريش.

وقد استولى الفرنجة على أريحا وأسس فرسان الهيكل قلعة بالقرب منها، ولكن صلاح الدين حررها عام 1187 ثم تحولت أريحا بعد ذلك إلى قرية صغيرة متواضعة لا أهمية لها.

وكانت أريحا مركزاً حياً في أواخر العهد العثماني ثم أصبحت مركز قضاء في عهد الانتداب البريطاني حتى عام 1944 حين أُلحقت بقضاء القدس. وبعد عام 1948،عادت أريحا مركز قضاء يحمل اسمها داخل الضفة الغربية. وقد تَدفَّق عليها آلاف اللاجئين وأُقيمت بجوارها مخيمات عين السلطان وعقبة جبر. وبلغ عدد سكانها في أواخر السبعينيات ما يزيد على 15 ألف نسمة.

وأريحا مشهورة في الوقت الحاضر بأراضيها الزراعية التي تعتمد أساساً على الينابيع والآبار. ويُوجَد بجوار أريحا مشروع موسى العلمي للزراعة وتربية المواشي الذي استوعَب كثيراً من اللاجئين. وتوجد عدة صناعات في أريحا من بينها صناعة السكر من القصب وتصنيع التمر من البلح وصناعة النسيج. وتتميَّز أريحا بما فيها من آثار ترجع إلى العصور القديمة والرومانية والمسيحية والإسلامية وهي تُعَدُّ مشتى ممتازاً.

ولموقع أريحا بُعْد عسكري، فهي بوابة طبيعية تشرف على الطرق المؤدية إلى الأغوار والمرتفعات الجبلية، ولذا حرصت إسرائيل على احتلالها في حرب 1967 قبل غـيرها من مدن الضفـة الغربية لنـهر الأردن، وذلك بالالتفاف حول الضفة الغربية لاحتلال محور طوباس - أريحا وعزل الضفة الغربية عن الضفة الشرقية.

وينطلق مشروع آلون من مفهوم أن حدود إسرائيل الدائمة لابد أن يَسهُل الدفاع عنها وأن تعتمد على عوائق طبوغرافية دائمة مثل قناة السويس أو نهر الأردن. ولذلك اقترح آلون ضم شريط من الأراضي بعمق 10 - 15 كيلو متراً على طول وادي الأردن حتى البحر الميت ثم زيد بعد ذلك إلى 20 كيلو متراً، وقد بلغ عدد المستعمرات في هذا الشريط عام 1971 عشر مستعمرات، ثم أخذت تزداد إلى أن بلغت عام 1982 أربعين مستعمرة. وبمقتضى اتفاقية أوسلو أصبحت أريحا في يد السلطةالفلسطينية.

القـدس: أســماؤها

Jerusalem: Names

«القدس» تقابلها في العبرية كلمة «يروشالايم»، وقد وردت الكلمة بهذه الصيغة في العهد القديم أكثر من ستمائة وثمانين مرة. وهي كلمة مشتقة (منذ القرن التاسع عشرقبل الميلاد) من الكلمة الكنعانية اليبوسية «يورشاليم» (من مقطع «يارا» بمعنى «يؤسس» أو من «أور» بمعنى «موضع» أو «مدينة»؛ ومقطع «شولمانو» أو «شالم» أو «شلم» وهو الإله السامي للسلام). وفي الكتابات المصرية المعروفة بـ «نصوص اللعنة» التي يرجع تاريخها إلى القرنين التاسع عشر والثامن عشر قبل الميلاد، وردت الكلمة بشكل «روشاليموم». وقد ورد في مراسلات تل العمارنة (القرن الرابع عشر قبل الميلاد) ست رسائل من عبدي خيبا، ملك «أوروسالم». ويتكرر الاسم بشكل «أوروسليمو» في الكتابات الآشورية التي تعود إلى القرن الثامن قبل الميلاد. أما في كتابات القرن الرابع اليونانية، فقد سُمِّيت «هيروسوليما»، ومن الواضح أن الاسم اللاتيني «جروسالم» جاء من الاسم الكنعاني للمدينة. وذكر ياقوت المدينة باسم «أورشلين» و«أوريسلم» و«أورسلم». ويُشار إليها أيضاً بأنها «يبوس» نسبة إلى سكانها من اليبوسيين، وهم من بطون العرب الأوائل الذين نزحوا من الجزيرة العربية نحو عام 2500 ق.م واحتلوا التلال المشرفة على المدينة القديمة. وقد ورد اسم «يبوس» في الكتابات المصرية الهيروغليفية باسم «يابثي» و«بابتي» وهو تحريف للاسم الكنعاني.

وقد بنى اليبوسيون قلعة حصينة على الرابية الجنوبية الشرقية من يبوس سُمِّيت «حصن يبوس»، ثم أُطلق عليها فيما بعد اسم «حصن صهيون». ويُعرَف الجبل الذي أُقيم عليه الحصن باسم «الأكمة» أو «هضبة أوفل»، وأحياناً باسم «جبل صهيون». وقد أنشأ السلوقيون، في موضع حصن يبوس، قلعة منيعة عُرفت باسم «قلعة عكرا» أو «إكرا». وتُسمَّى القدس أحياناً «صهيون».

وتُطلق التوراة على المدينة، إلى جانب لفظ «يروشالايم»، لفظ «شاليم» و«مدينة الإله» و«مدينة العدل» و«مدينة السلام» و«مدينة الحق»، وكذلك «المدينة المقدَّسة» و«مدينة الشعب المقدَّس» و«آرئييل» (أي «أسد الإله»). ويذكر المؤرخ اليوناني هيرودوت، في القرن الخامس قبل الميلاد، مدينة كبيرة في سوريا (بلاد الشام) سماها «قديتس». (والاسم على الأرجح تحريف للنطق الآرامي «قديشتا» أي «القدس»). وعندما استولى داود على المدينة حوالي سنة 1000 ق.م، لم يجد اسماً خاصاً يُطلَق عليها فسماها «مدينة داود» ولكنها عادت بعد ذلك إلى اسمها القديم.

وفي العهد الروماني، دمَّر الإمبراطور إيليوس هادريانوس المدينة (عام 135) وغيَّر اسمها إلى «إيليا كابيتولينا»؛ و«إيليا» هو اسم الإمبراطور، و«كابيتولينا» نسبة إلى «الكابيتول» معبد جوبتر كبير آلهة الرومان. وأعاد إليها الإمبراطور قسطنطين، الذي اعتنق المسيحية في القرن الرابع الميلادي، اسمها القديم «أورشليم». ويبدو أن اسم «إيليا» ظل مُتداوَلاً بدليل وروده في العهد العُمَري أو عهد الأمان الذي منحه الخليفة عمر بن الخطاب إلى سكان المدينة عام 638. وفي العصور التالية، سُمِّيت المدينة «بيت المقدس» و«القدس الشريف»، وقد سماها أحد علماء المسلمين في القرن الخامس الهجري بالاسمين: «بيت المقدس» و«إيليا».

الصفحة التالية ß إضغط هنا