كيف تترجم؟!

الخروج عن القياس في اللغة

Language Deviation

يقصد بالخروج عن القياس في اللغة " الانحراف عن القواعد المألوفة التي تحكم لغة ما ".

"A linguistic deviation is the deviation from the expected norms of the language".

ويأخذ الخروج عن القياس في اللغة أحد شكلين:

الأول: أن يكون مقصودا، وبالتالي يكون له معنى، وهكذا يكون قابلا للترجمة.

الثاني: أن يكون غير مقصود، وبالتالي لا يكون له معنى، وهكذا فلا يمكن ترجمته، بل يجب تصحيحه ثم ترجمة ما تم تصحيحه.

ولكي يتضح هذا المفهوم، نفترض أننا نطالع إحدى الصحف اليومية، لنجد عنوانا مكتوبا فيها: " نشاطركم الأفراح ". يجب هنا التوقف قليلا أمام هذا العنوان. فمن المعروف في اللغة، أن هذا التعبير يقال: " نشاطركم الأحزان "، وهو يقال للتعزية في وفاة أحد الأشخاص المقربين أو فقدان شيء نفيس. فإذا ما تمت كتابة هذا التعبير بالشكل: " نشاطركم الأفراح "، نجد أننا أمام أحد احتمالين:

الأول: إما أن يكون الكاتب قد تعلم اللغة العربية حديثا فلم يتقن أصولها بعد، أو أنه غير ملم باستخداماتها. وهنا يجب علينا تصحيح هذا التعبير بإعادته إلى صورته الأصلية " نشاطركم الأحزان " ونترجمه على هذا المعنى.

الثاني: وإما أن يكون الكاتب قد تعمد أن يقول هذا التعبير للسخرية من الأفراح التي يمر بها القوم الذين قال لهم ذلك، أي ليصور لهم أن أفراحهم كالأحزان وأنه يواسيهم على هذه الأفراح! وفي تلك الحالة فيجب الترجمة بهذا المعنى، والتفكير في أسلوب معين " ساخر " أيضا تتم الترجمة به.

ومن الناحية العكسية، فلو طالعنا إحدى المجلات الاقتصادية لنجد عنوانا مكتوبا فيها يقول:

How to steal a bank?

يكون علينا كذلك أن نتوقف برهة أمام هذا العنوان. ذلك أن من المعروف لنا أن to steal لا تستخدم في هذا السياق، فهي تعني سرقة الشيء برمته أو بأكمله، وفي حالتنا هنا تعني " سرقة البنك بجدرانه وموظفيه ... الخ ". وهذا بالطبع ما لا يمكن أن يكون. وأن الكلمة التي تستعمل في هذا السياق هي " to rob ".

وبذلك نجد أنفسنا أيضا أمام احتمالين:

الأول: أن يكون الكاتب قد أخطأ في هذا الاستعمال. ولذلك فيجب علينا القيام بالتصحيح، ليكون العنوان:

How to rob a bank?

الثاني: أن يكون الكاتب قد تعمد هذا القول، وبذلك فيجب علينا محاولة ترجمة هذا المعنى الذي يريده الكاتب، وليكن مثلا:

كيف تسرق الجمل بما حمل؟

أو:

كيف تغتال مصرفا؟

الترجمة: فن أم علم؟!

Translation: An Art or a Science?!

تدلنا التطورات التاريخية للأعمال المختلفة التي تمت في مجال الترجمة، منذ عهد الرومان وحتى وقتنا الحاضر، على تزايد اهتمام المترجمين والباحثين لوضع قواعد ثابتة يهتدي بها من يريدون اقتحام هذا المجال للعمل فيه. وعبر معظم المترجمين – إن لم يكن كلهم – مؤخرا وبوضوح عن وجهة نظرهم في أفضل الإجراءات التي يجب إتباعها في مجال الترجمة. ومن ثم تبلورت آرائهم في طرحهم للترجمة على أساس أحد المفهومين المذكورين أعلاه، أي كونها فن أم علم.

وقد حاول Cleary بلورة مشكلة الترجمة من خلال طرح عدة أسئلة هامة على أحد المترجمين، الذي أعطى إجابات توضيحية لها. وفي إجابة هذا المترجم على سؤال يتعلق بعدد الترجمات السيئة التي ظهرت إلى الوجود، عزا السبب في ذلك إلى حقيقة أن " الأفراد الذي يقومون بالترجمة عادة ما يكون لديهم قدرات لغوية وليس مقدرة أدبية ". ويمكن أن نأخذ هذه الإجابة على أنها تأييد للنظرية التي تصف الترجمة كفن وليس كعملية علمية. ويتضح من هذا أن Cleary يعطي الأولوية للموهبة الأدبية على القدرات اللغوية أثناء القيام بعملية الترجمة.

ويحدد Savory العلاقة الوثيقة التي تربط بين المترجم والفنان. فيقول: " إن الفنان لا يؤدي دوره أبدا بدون وجود مستشارين ينصحونه ويحرصون على إبلاغه بما يجب عمله، ولا بدون ناقدين يكونون على استعداد لإخباره بكيفية أدائه لهذا الدور ". ووفقا لما يقوله Savory، فإن القواعد والتعليمات التي يتلقاها من يرغبون العمل في حقل الترجمة من مختلف المصادر المتعددة غالبا ما تتسبب في العديد من الارتباكات في العمل، الأمر الذي يصيب المترجمون بالذهول. ويتجسد الملاذ الوحيد الآمن الذي ينبغي على المترجمين اللجوء إليه في هذه الحالة في كلمة " الأمانة " faithfulness. حيث يفترض في المترجم – لكي يكون أمينا في تعامله مع النص الأصلي – أن يختبر بديهته ومشاعره بالإضافة إلى كفاءته ومهارته في كل من اللغة المصدر واللغة المنقول إليها.

أما Dil فيحاول الدفاع عن تأكيد Nida لوجود " علم للترجمة "، ولكنه يأخذ موقفا معتدلا من هذه القضية. فمن أحد الجوانب، فإنه يؤيد وجهة نظر Nida عن وجود علم للترجمة، الذي يتوقع أن يوفر بعدا ديناميكيا لمعادل الترجمة. ومن ناحية أخرى، فإنه يرى أن الترجمة يمكن وصفها من منظور ثلاثة مستويات عملية، أي كعلم وكمهارة وكفن. وقد يتفق المرء مع وجهة النظر الأخيرة التي يطرحها Dil والمتعلقة بالمستويات العملية الثلاثة، وذلك من منظور إجراءات الترجمة التي يمكن وصفها. ولكن مع ذلك يظل السؤال مطروحا فيما يتعلق بمكونات المفاهيم الثلاثة التي يطرحها – أي العلم والمهارة والفن.

ويأخذ Nida موقفا واضحا تجاه هذه القضية، حيث يقوم بتحليل عملية الترجمة من منظور الإجراءات العلمية التي تتم وفقا لها. ويحاول Nida التمييز بين العملية الفعلية actual process للترجمة والدراسة العلمية scientific study لها. ويمكن أن توصف العملية الفعلية للترجمة " بأنها استخدام معقد للغة "، أما الدراسة العلمية لها " فينبغي النظر إليها كأحد فروع اللغويات المقارنة comparative linguistics، مع الأخذ في الاعتبار بعدها الديناميكي والتركيز على علم دلالات الألفاظ semantics ". ولا يهم كيف يبدو مفهوم " الترجمة كعلم " واسعا أو غامضا لبعض المترجمين، وهو الانتقاد الذي يواجه نظرية Nida، حيث من الواضح أن هذه النظرية قد فتحت المجال أمام أبعاد جديدة للترجمة وشجعت العديد من المترجمين والباحثين على إتباع إجراءات نظامية وواضحة وموضوعية أثناء قيامهم بالترجمة.

وتعارض McGuire بشدة وجهة النظر التي تنادي بوجود نظرية " قياسية " normative theory للترجمة، وتعتبر أن " أي مناقشة بشأن وجود علم للترجمة هي مناقشة لا معنى لها ". وتعتبر McGuire أن مفهوم Nida عن وجود علم للترجمة هو " محاولة لتقييد عملية الترجمة وتحديدها في نظرية تحاول وضع مجموعة من القواعد للتأثير سلبا على الترجمة الصحيحة ". وتؤكد أن العمليات التي يتم القيام بها أثناء الترجمة يمكن فهمها وتحليلها من خلال إطار واقعي يهدف لتوضيح واختبار مسألتي التكافؤ والمعنى مع التركيز على الجوانب العملية وليس الجوانب القياسية المتضمنة في هذه العمليات.

وقد تدعم جانب المعارضين لوجود نظرية ترى الترجمة كعلم بدرجة أكبر مع انضمام Newmark إليهم. وقد أخذ Newmark موقفين يبدوان وكأنهما متعارضين ولكنهما متكاملين من الناحية الفعلية. فمن ناحية، كرر Newmark قناعته بعدم " وجود ما يمكن أن نسميه بـ " قانون الترجمة " Law of Translation، ما دامت القوانين لا تسمح بوجود استثناءات. ولذلك فلا يمكن أن توجد للترجمة نظرية شاملة واحدة صحيحة ". ويخلص إلى توضيح أنه " بالرغم من ادعاءات مدرسة الترجمة التي يتزعمها كل من Nida و Leipzig، إلا أنه ليس هناك ما يمكن أن يسمى بعلم الترجمة، ولن يوجد أبدا ذلك الشيء ".

ومن ناحية أخرى، يسلم Newmark بأن " الترجمة – من الناحية الواقعية والعملية – تكون علما حينما لا يكون هناك غير تأويل واحد صحيح وموضوعي للكلمة أو العبارة أو الجملة ... الخ، وتكون فنا حينما يكون هناك أكثر من بديل متساوٍ لها ".

وقد حاول العديد من علماء اللغة والمترجمين القيام بعمل تحليل علمي للترجمة. وحتى أولئك الذين عارضوا وجود نظرية تتعامل مع الترجمة كعلم ( McGuire )، فإنهم عادة ما يرددون أهمية وجود وصف واضح وموضوعي للعمليات المتضمنة في الترجمة. وقد يجادل المترجمون الآخرون – خاصة الذين يعملون في مجال الأعمال الأدبية – بأن العملية تتطلب تقييما للجوانب الإبداعية للغة المصدر بالأساس، ولذلك يكون على المترجم استخدام حسه الأدبي وذكائه ومهارته لكي يكون قادرا على نقل فحوى كل الرسالة إلى اللغة المنقول إليها.

وبالرغم منذ ذلك، يعارض القليل من المترجمين وجود نظرية للترجمة يكون هدفها التوصل إلى فهم العمليات المتضمنة أثناء القيام بالترجمة. وقد يكون الاعتماد على نظام الأولويات الذي وضعه Nida مفيدا للغاية في حالات معينة للترجمة. ويمكن توضيح نظام الأولويات كما يلي:

1- الاتساق السياقي له الأولوية على الاتساق المفرداتي.

2- المقابل المعنوي له الأولوية على المقابل الشكلي.

3- الترجمات التي يستخدمها جمهور كبير يكون في حاجة لها وتكون مقبولة لديه لها الأولوية على الترجمات الأدبية الرصينة.

على أن فهم نظام الأولويات المعروضة أعلاه لا يعني بحد ذاته الالتزام بدقة به. ففي بعض الأحيان يكون على المترجم إعطاء المعاني العاطفية ( الدلالية ) الأولوية على أي عناصر أخرى موجودة في نص اللغة المصدر، لن السياق يتطلب منه عمل ذلك. وفي حالات أخرى، كما هو الحال في ترجمة الشعر أو النصوص المسرحية، يكون لعناصر أخرى مثل نبرة الحديث وإيقاع الكلام وطوله ووزن الألحان والسجع واللهجة أولوية كبرى على أي عناصر لغوية أو أسلوبية أخرى.

وصفوة القول، يمكن القول بأن وجود نظرية تحلل العمليات التي تمر بها الترجمة وتفسرها باستخدام المعايير العلمية هو بلا شك أمر يساعد في عملية الترجمة بشرط ألا نعتبر هذه المعايير قياسية أو مطلقة. وهكذا فإن أحد الأهداف الهامة لوجود نظرية للترجمة يتمثل في توفير وسيلة يمكن من خلالها مقارنة الترجمات المختلفة وتقييمها. ويتضمن ذلك استخدام المعايير العلمية بالإضافة إلى مهارة الشخص وموهبته الأدبية. إن المترجم لا يقوم بالمحاكاة وحسب، ولكنه يشارك المؤلف الأصلي في مسئوليته في العمل الإبداعي والكتابة الإبداعية، وعليه أن يلجأ للاستراتيجيات المختلفة باستخدام حدسه الشخصي ومهارته وذكائه وغير ذلك من القدرات الفنية، وذلك من أجل الوصول إلى ترجمة جيدة.

قواعد الترجمة

Rules of Translation

نحاول الآن وضع بعض القواعد الاسترشادية التي يمكن الاهتداء بها أثناء القيام بعملية الترجمة. على أن نأخذ في الاعتبار دائما أن هذه القواعد هي للاسترشاد فقط، وأنه أثناء ترجمة نص معين فإننا نضرب بهذه القواعد عرض الحائط.

1- " من المستحيل أن نحصل على قواعد خاصة بالترجمة تطبق بدون استثناء ( أي جامعة مانعة ) ".

"It is impossible to obtain unexceptionably and exhaustively determined translational rules".

2- " يجوز للمترجم أن يضيف إلى النص المترجم أو يحذف منه بحرص شديد ".

"The translator may add to or delete from the translated text with sound discretion".

ولكن يجب أن يتم هذا بصورة صحيحة وفي الحالات التي تحتم علينا اللجوء لذلك. وعلى سبيل المثال، فإن الجملة:

قام بدور بارز وجهد مشكور

تترجم إلى:

He played a prominent role and exerted a highly appreciated effort.

وهكذا فإن الفعل " قام " تمت ترجمته بالفعلين: played وexerted. وفي الجملة:

كان أبو بكر أزهد الناس وأكثرهم تواضعا في أخلاقه ولباسه وطعامه

تترجم إلى:

Among other people, Abu Bakr was the most ascetic and the most modest; the noblest in manners, the plainest in apparel, and the most frugal in food.

حيث تطلب الأمر شرح الكلمات: أخلاقه ولباسه وطعامه بشيء من التفصيل. وفي الجملة:

إن ما يميزكم من جميل سجايا وما تتحلون به من كريم مناقب وما لديكم من نبل خصال ينبئ بمستقبل باهر ينتظركم.

تكون الترجمة:

The good attribute, highly appreciated qualities and noble merits you do possess presage a bright future.

فقد استطعنا أن نضم: ما يميزكم وما تتحلون به وما لديكم في كلمة واحدة هي you possess مع تأكيد المعنى باستخدام الفعل do. كذلك في التعبير:

أمطار غزيرة وسحب كثيفة

تتم الترجمة بالقول:

heavy rain and clouds

حيث يمكن أن تصف كلمة heavy كل من rain وclouds.

3- " تعد الترجمة الحرفية أحيانا طريقة صحيحة ومقبولة، وذلك إذا كانت العلاقات المكونة للتركيب تظهر علاقات واضحة للمعنى ".

"Literal Translation is sometimes a valid and legitimate method WHEN syntactic relations are also EXPLICIT thematic relations".

فمثلا الجملة:

It is threefold disgrace for a man to be in misery for want of food.

نجد أنها من الممكن أن تترجم إلى:

عار ثلاث مرات على الإنسان أن يكون في شقاء بسبب الحاجة إلى الطعام.

وبالطبع فهذه ترجمة حرفية للنص أفقدته جماله في اللغة العربية، ومن الممكن أن تترجم إلى:

عار ثم عار ثم عار شقاء المرء من أجل الطعام

حيث إن ذلك يكون توكيدا مقبولا في اللغة العربية.

كذلك فإن الجملة:

My friend was stung by a bee yesterday.

تترجم حرفيا إلى:

أمس لُسع صديقي بواسطة نحلة.

وهو أيضا أسلوب غير مقبول. ولكن من الأفضل أن نقول:

لسعت صديقي نحلة بالأمس.

وفي الجملة:

Tom is in a dire need of that medicine whenever he gets nervous..

تترجم حرفيا بالقول:

توم يكون في حاجة شديدة إلى ذلك الدواء إذا زاد انفعاله.

وهي ترجمة غير مقبولة. ولكن يمكن القول:

تشتد الحاجة بتوم إلى ذلك الدواء إذا زاد انفعاله.

مما سبق نجد أن الترجمة الحرفية في جميع الجمل السابقة لا تصلح. ولكنها تصلح في حالة وحيدة، وهي الحالة التي تُظهر فيها العلاقات المكونة للتركيب علاقات واضحة للمعنى. ومثال ذلك، إذا قلنا:

This is Ali

فإنها تترجم إلى:

هذا علي

وكذلك الجملة:

He was here

تترجم إلى:

كان هنا

وهكذا فما نسعى إليه هو حرفية المعنى Meaning-bound، وليس الحرفية من حيث الشكل.

4- " وحدة الترجمة: أسهل وحدة نتعامل معها في الترجمة هي الجملة، لأنها تكشف شبكة مستقلة في حد ذاتها من التفاعل المعقد في الغالب من المفردات وتركيب الجملة. والجملة مجموعة من العلاقات، ومحكومة من حيث الرسالة التي تبلغها وتعكس حساسية للسياق، وكل وحدة تنفصل من حيث الشكل في نفس النص بواسطة علامات الترقيم ".

"Translation Unit: The pedagogically easiest to handle translation is the sentence, because it reveals a self-contained network of the often complicated inter-play of lexis and syntax. The sentence is a syntactically structured, communicatively controlled, context-sensitive combination of linguistic signs that are formally marked off from other sentences of the same text by means of punctuation marks".

فمن المعتاد أننا نقوم بالترجمة جملة جملة، مع وجوب إعطاء العناية اللازمة لفهم الروابط بين الجمل. وإذا لم يكن هناك مشاكل تحيط بترجمة الجملة، فهذا يعني أن " الترجمة تعتمد بشدة على النقل الحرفي بالإضافة إلى إجراء عمليات التغيير الوظيفي اللازمة والتغيير في ترتيب الكلمات ".

ويجب أن نلاحظ جيدا أن العلاقات التي تربط المفردات في الجملة هي علاقات واضحة للمعنى. على أن نضع في الذهن دائما أنه ليس من الضروري أن تعمل القواعد النحوية المتماثلة في اللغات المختلفة بنفس الطريقة.

وتظهر أولى العلامات التي تشير إلى وجود مشاكل في الترجمة حينما لا تتوافر هذه الإجراءات السابقة للنقل من لغة إلى أخرى. وبعدها يأتي التنازع بين الكلمات في اللغة المصدر ( سواء كانت كلمة مفردة أو مجموعة من الكلمات أو تركيب معين )، كما قد تكون المشكلة ثقافية أو تتعلق بإحدى اللهجات. وعلى أي الأحوال، يبدأ النزاع الفكري بين كلمات اللغة المصدر وأفكار اللغة المنقول إليها. فكيف نتمكن من فض هذا النزاع؟

في الترجمة الفورية، يحاول المترجم أن ينسى كلمات اللغة المصدر ويبدأ بتكوين أفكار مستقلة عن محتوى الرسالة ثم يحاول نقلها للغة الأخرى ربما بكلمات تختلف عن كلمات اللغة المصدر. أما في الترجمة التحريرية، فمن الأفضل للمترجم ألا ينسى كلمات اللغة المصدر، فهي دائما تكون بمثابة نقطة الانطلاق بالنسبة له، فهو يبدع ويفسر على أساس هذه الكلمات.

ويتخلى المترجم عن التمسك بنفس نص اللغة المصدر في حالة وحيدة فقط، حينما يؤدي استخدامها إلى أن تصبح الترجمة غير واضحة من الناحيتين الايصالية والعملية.

وحيث إن الجملة هي وحدة التفكير الأساسية التي تعرض لموضوع ما، لذلك فيجب أن تكون هي وحدة الترجمة. وبالأساس يقوم المترجم بترجمة الجملة، وفي كل جملة يكون شاغله الأساسي البحث أولا عن الفاعل ومعرفة ما قام به. وإذا كان الفاعل مذكورا من قبل، أو كان هو الفكرة الأساسية في الجملة، فيجب أن نضعه في أول جزء من الجملة، ثم نتبعه بالمعلومات الجديدة عنه في نهاية الجملة.

وتكون المشكلة دائما هي كيفية إعطاء معنى واضح لجملة صعبة وغامضة. وعادة ما تكون القواعد هي مصدر الإزعاج في الجمل الطويلة المعقدة. ونعرض فيما يلي مثالا عن إحدى الجمل الطويلة:

The following measures have profoundly shaken French institutions in a way that has not been known in local government for a century: what has remained of government supervision has been abolished; control of procedural legality has been reorganized and regional audit offices established; executive power has been transferred to the chairman of deliberative assemblies; regions with full powers have been created; powers of economic intervention have been extended to regional and local authorities; powers previously exercised by the State have been transferred in complete stages to the various types of authorities; corresponding State resources have been transferred to these authorities; specific local characteristics have been introduced into legislation; a territorial civil service has been created and previous devaluation regulations have been adapted to the new relations between the State and the local authorities.

ومن الواضح أن ترجمة مثل هذه الجمل تتطلب الفهم الدقيق لها. " ومن الممكن تقسيم الجمل الكبيرة أثناء ترجمتها إلى اللغة الأخرى إلى أكثر من جملة صغيرة ".

5- تنشأ عدم القابلية للترجمة حين يكون من المستحيل أن نربط السمات أو الملامح الوظيفية الخاصة بالحالة بالمعنى السياقي في نص اللغة المنقول إليها. ويحدث هذا عامة في حالتين لا يمكن الفصل بينهما:

o حين تكون الصعوبة لغوية

o حين تكون الصعوبة ثقافية أو حضارية

Untranslatability occurs when it is impossible to build functionally relevant features of the situation into the contextual meaning of the TL text. Broadly speaking, this falls into two inter-related categories:

o Cases where the difficulty is linguistic,

o Cases where the difficulty is cultural.

يمكن إرجاع المشاكل اللغوية التي يمكن أن تمثل صعوبات أمام المترجم إلى الإضافة أو الحذف أو تغيير الأسلوب. وللتعرف على هذه المشاكل بشكل أدق، نستعرض فيما يلي الأمثلة التالية. فمن قصة " عرس الزين " للطيب صالح، التي ترجمها إلى الإنجليزية Denys Davies، نأخذ بعض الأمثلة:

ففي النص العربي:

وسقط حنك الناظر من الدهشة ونجا الطرفي

وكانت الترجمة:

The headmaster's lower jaw dropped in astonishment and Tureifi escaped punishment.

نجد أن المترجم أضاف كلمة lower قبل jaw، وكذلك كلمة punishment بعد escape، وذلك لإزالة أي غموض قد ينشأ إذا خلا النص الإنجليزي من هذه الكلمات وظل كما هو في النص العربي.

وفي سياق آخر يقول المؤلف:

الحنين رجل مبروك

وجاءت الترجمة:

Haneen is a man blessed of God

نجد أن المترجم أضاف كلمة God إلى التعبير ككل للدلالة على تدين الرجل وأنه من الرجال الصالحين على نحو ما يشير إليه النص.

كذلك جاء في النص العربي:

والحنين ولي صالح، وهو لا يصادق أحدا إلا إذا أحس فيه قبس من نور.

وترجمت إلى:

and that Haneen was a holy man who would not frequent the company of someone unless he had perceived in him a glimmering of spiritual light.

نجد أن المترجم أسقط كلمة صالح good واستخدم بدلا منها holy لتتماشى مع سياق الكلام. كما أضاف كلمة spiritual إلى light لتوضيح المعنى المراد. وهنا من الهام ملاحظة أن العبارة " قبس من نور " هي تعبير قرآني، والشيء أو الشخص الذي يشع منه قبس من نور يكون في واقع الأمر متنزه عن العالم الأرضي، أي يكون روحاني.

أما المشاكل الثقافية التي تعترض المترجم، فتتمثل في اختلاف المفاهيم بين ثقافتي اللغة المصدر واللغة المنقول إليها. ولتوضيح ذلك، نستعرض المثال التالي من قصة " زقاق المدق " لنجيب محفوظ، التي ترجمها إلى الإنجليزية Le Gassick.

فيقول النص العربي:

وكانت تقول في المرات الأخرى إن جنونا لاشك فيه ينتاب بنتها حين الغضب، وسمتها الخماسين باسم الرياح المعروفة.

وجاءت الترجمة:

On other occasions she had said that a real madness overcame her daughter when she got very angry and she nicknamed her tempers the "Khamsin", after the vicious and unpredictable summer winds.

نجد أن الترجمة كانت دقيقة وملتزمة تماما بالنص الأصلي، فيما عدا النصف الأخير منها، الذي كان يجب أن يكون:

and she called her the "Khamsin", after the known winds

ومع ذلك فقد فضل المترجم مساعدة القارئ الإنجليزي بإضافة تعريف مختصر لكلمة " خماسين "، وذلك لغياب هذا المفهوم عن الثقافة الغربية. ومن المعروف بالطبع أن رياح الخماسين هي رياح تجتاح مصر من الجنوب، وتستمر لمدة خمسين يوما أثناء فصل الربيع، ومن هنا استمدت اسمها.

وسوف نعود للحديث عن هاتين المشكلتين بشيء من التفصيل في الفصل القادم.

الفصل الثاني

صعوبات الترجمة ومشاكلها

صعوبات الترجمة ومشاكلها

تمهيد

نبحث في هذا الفصل بعض الصعوبات والمشاكل التي تواجه المترجم حينما يشرع في عملية الترجمة، على أننا سنحدد اللغة المصدر SL واللغة المنقول إليها TL في كونهما إما اللغة العربية أو اللغة الإنجليزية.

وتنشأ تلك الصعوبات والمشاكل من حقيقة أن المعادل من حيث المعنى semantic equivalent في اللغة المنقول إليها قد لا يقوم بنقل أو توصيل نفس الرسالة المكتوبة في اللغة المصدر، أو أن يكون القالب اللغوي الذي تُعرض به الرسالة في اللغة المصدر مختلفا أو غير كافٍ عن ذلك الموجود في اللغة المنقول إليها، خصوصا إذا كانت المعلومات والافتراضات المشتركة فيما بين القارئ والناقل مختلفة، وخصوصا أيضا إذا حدث ذلك بين لغتين تختلفان تماما من الناحية الثقافية مثل اللغة الإنجليزية والعربية. ذلك أنه ليس من السهل الترجمة من اللغة العربية إلى اللغة الإنجليزية أو العكس نظرا لاختلاف بنية وتركيب كل من اللغتين تماما عن بعضهما.

وتمتلئ اللغة العربية بالاختلافات الدقيقة وتمتاز كل من الأسماء والأفعال فيها بالمرونة. وتظهر عدم القابلية للترجمة حينما يكون من المستحيل إيجاد خصائص معادلة من الناحية الوظيفية للحالة المعروضة في نص اللغة المصدر لكي يمكن نقلها إلى المعنى السياقي في نص اللغة المنقول إليها.

ولتوضيح ذلك بشكل دقيق، ننظر إلى المثال التالي، فاللغة الإنجليزية تقول:

My father is a teacher

ويقابلها في اللغة العربية:

والدي معلم

وهكذا يتضح الفرق بجلاء بين سياق اللغتين، فالجملة في اللغة العربية لا يوجد بها فعل أو أداة للتعريف والتنكير.

وتنشأ الصعوبة في الترجمة من اللغة العربية إلى اللغة الإنجليزية وبالعكس في اختيار المعنى الملائم أو تحديد طبيعة استخدام الكلمة أو إيجاد الفرق بين المذكر والمؤنث أو تمييز العدد سواء مفرد أم مثنى أم جمع أو إيجاد الصيغة المعادلة للفعل ... الخ، وهي أمور تجعل من الصعب في بعض الأحيان اختيار المعادل الصحيح. ويساعد الإلمام الجيد بخصائص كل من اللغتين العربية والإنجليزية في تسهيل عملية التوصل إلى الترجمة الصحيحة والجيدة. وهي أمور نناقشها تفصيلا فيما يلي، وعلى أن نضع في اعتبارنا دائما أن الترجمة هي عملية سهلة ولكنها في غاية التعقيد في ذات الوقت. وهكذا فيعتبر " كل شيء قابل للترجمة ولا شيء يقبل الترجمة "، أو Everything is translatable and nothing is !

1- اختيار المعنى الملائم

Selecting Proper Meaning

تعرضنا لهذه المشكلة من قبل أثناء مناقشة الصعوبات اللغوية والثقافية في قواعد الترجمة. وبالإضافة إلى ما سبق قوله في هذا الصدد، نود إضافة بعض النقاط التالية.

يجب أن نضع في الاعتبار دائما أن ما نسعى إليه في الترجمة هو التوصل إلى حرفية المعنى وليس الحرفية من حيث الشكل. وعلى ذلك يجب علينا في الترجمة التوصل إلى المضمون.

هناك بعض الكلمات التي لا تقبل الترجمة من منظور ترجمة الكلمة. بمعنى أنه توجد بعض الكلمات في اللغة الإنجليزية التي لا تقبل اللغة العربية ترجمتها بكلمة واحدة مقابلة. وعلى سبيل المثال، نجد أن كلمة privatization قد وُضعت لها ترجمات عديدة في اللغة العربية، مثل " الخصخصة " أو " التخصيص " أو " التخصيصية ". وهذه كلها ترجمات غير دقيقة للكلمة، ذلك أن اللغة الإنجليزية تميل لإضافة الزوائد affixes – سواء كانت بوادئ prefixes أم لواحق suffixes – إلى الكلمة الأصلية، حتى تتم مواءمة استخدامها في موقعها من الجملة. ولذلك فهي تعتبر أكثر من كلمة واحدة وإن بدت في ظاهرها غير ذلك. ومن هنا فلا يكون هناك داعٍ للإصرار على ترجمتها بكلمة واحدة مرادفة في اللغة العربية. وبذلك تكون الترجمة الدقيقة للكلمة السابقة هي: " التحول للقطاع الخاص ". وكذلك Islamization، والتي يترجمها البعض بكلمة " أسلمة "، وهو تعبير غير دقيق عن الكلمة. ولذلك فيمكن ترجمتها بالقول " تطبيق الشريعة الإسلامية ". وغير ذلك كثير مما يمكن القياس عليه في بعض الكلمات الأخرى، مثل:

مصطاف Ü seaside holiday maker

إشكالية Ü the complicated nature of

باع Þ long experience

عشق - وله - هيام Þ great love

ينوه Þ to brief mention

دهشة بالغة Þ astonishment

وهكذا نجد أن ترجمة كلمة بكلمة لا يعد في أحيان كثيرة أسلوبا صحيحا، إذ إنه لا يعكس المعنى المكافئ المباشر وفقا لكل من خصائص اللغة وثقافتها.

كذلك فهناك بعض الكلمات يمكن أن تختلف معانيها باختلاف الحالات التي تُذكر فيها، مثل:

باب – شعبة - جزء Þ section

وثيقة – ملف - محضر Þ record

هيئة Ü authority – agency - organization

وهنا يجب اختيار المعنى المناسب حسب السياق الذي وردت فيه الكلمة.

ننتقل بعد ذلك إلى صعوبة أخرى، تتمثل في اختيار المعنى المراد من الكلمة من بين المعاني الموضوعة لها في القاموس. وعلى سبيل المثال، في الجملة:

Dozens of people were killed.

نجد أن dozen تعني " اثنا عشر " أو " دستة " بالعامية. وفي هذا السياق لا يمكن الترجمة بالقول: " تم قتل اثنا عشرات أو دِسَت من الناس "!! وإنما يجب البحث عن أقرب عدد في اللغة العربية مقابل لهذا العدد، وهو الرقم " عشرة ". وبذلك يمكن ترجمة الجملة السابقة بالقول:

تم قتل عشرات الأفراد.

كذلك الجملة:

Several plots are assigned to private investors in new cities.

نجد أن كلمة plot لها معانٍ عديدة. ولكن المعنى الذي يصلح لسياق هذه الجملة هو " قطعة أرض ". وبذلك تكون الترجمة:

تم تخصيص عدة أراضٍ للمستثمرين من القطاع الخاص في المدن الجديدة.

وفي الجملة:

Sleeping policemen help reduce car accidents.

نجد أن المعنى يبدو متناقضا لأول وهلة. ولكن بقليل من التدقيق، نجد أن كلمة sleeping policemen لابد وأن يكون لها معنى خاص، وهو المطبات الصناعية. وهكذا تكون الترجمة:

تساعد المطبات الصناعية في التقليل من حوادث السيارات.

وأخيرا فمن المشاكل التي يمكن أن تواجه المترجم كذلك عدم وجود سوى معنى واحد لعدة كلمات، فمثلا snake وserpent لها معنى واحد في العربية هو ثعبان، وكذلك house وhome لها معنى واحد أيضا في العربية هو بيت. وتظهر المشكلة إذا واجه المترجم مثل هاتين الكلمتين المتشابهتين في نص واحد، فكيف يمكنه التعبير عن معنى كل منهما على حدا؟

وعلى الرغم من أن معنى الكلمة يمكن إيجاده من القاموس، إلا أننا لا يمكننا الاعتماد عليه إلا فيما يتعلق بالمصطلحات العلمية والمتخصصة أو التعبيرات الاصطلاحية. وأفضل وسيلة للتأكد من صحة معنى إحدى المفردات هو أن نبحث عنها في قاموس آحادي اللغة ثم قاموس ثنائي اللغة، وذلك حتى نطرد ظلال المعنى التي يمكن أن تنتج.

2- الاختلاف الثقافي أو البيئي

Cultural or Environmental Differences

بعد أن تحدثنا عن كيفية علاج الصعوبات المتمثلة في وضع معنى معين لكلمة جديدة أو التعرف على المعنى المراد من الكلمة من بين المعاني الكثيرة المحددة لها في القواميس، تصادفنا الآن مشكلة أخرى، وهي كيفية إيجاد معاني بعض الكلمات التي لا تتواجد في ثقافة أو بيئة معينة. ويرتبط هذا الموضوع بمشكلة عدم قابلية ترجمة untranslatability تلك الكلمات من اللغة المصدر SL إلى اللغة المنقول إليها TL.

وعلى سبيل المثال، ففي الثقافة الأوربية، هناك مفهوم boy friend وgirl friend، وهي مفاهيم غير موجودة بالمرة في الثقافة العربية.

كذلك تتواجد في البيئة العربية بعض الأكلات، مثل الملوخية والعرقسوس، وبعض الملبوسات، مثل عقالة وعمامة وجلابية، والتي لا تتواجد في البيئة الأجنبية.

وبالمثل ففي البيئة الأوربية أكلات مثل porridge وpork، وملبوسات مثل dinner-jacket وpullover وsari وkimono، وليس لها مقابل في العربية.

كذلك ففي الديانة الإسلامية هناك كلمات مثل " مفتي " و " زكاة " و " عدة " و " محلل " و " سلطان "، والتي ليس لها ما يقابلها في اللغة الإنجليزية.

وأحد الحلول المقترحة لعلاج مثل هذه المشكلة أن نلجأ إلى أسلوب transliteration،[1] أي كتابة الكلمة في اللغة المنقول إليها حسب طريقة نطقها في اللغة المصدر. ومن الممكن إعطاء تفسير لهذه الكلمة بين قوسين أو في هامش الصفحة. فمثلا كلمة " عدة " يمكن ترجمتها بالكلمة iddat مع إعطاء تفسير لها، وهو:

the period during which a divorced or widowed woman cannot be married (according to Islam).

وهكذا. على أنه يجب الأخذ في الاعتبار أن هذا الحل لا يجدي في حالات كثيرة.

ولتوضيح هذه المشكلة بشكل أكبر، دعنا ننظر إلى المثال التالي الذي نورده من ترجمة قصة " الطيب صالح " التي سبق الإشارة إليها. يقول المؤلف:

وقال الحاج عبد الصمد: " عليّ بالطلاق الزين عَرُس عَرُس صح مو كدب ".

وترجمها Denys Davies إلى:

And Hajj Abdul Samad said: I'll divorce my wife if Zein hasn't got himself married – and a real proper marriage it is too.

نجد هنا أن المترجم واجه مشكلة حقيقية للتكافؤ يبدو أنها غير قابلة للترجمة. ذلك أنه وفقا للشريعة الإسلامية، حينما ينوي الرجل طلاق زوجته، يجب أن يلفظ العبارة " عليّ الطلاق " بلسانه. وهكذا أصبح هذا التعبير جزءا من الموروثات الاجتماعية،[2] فحينما يهم رجل ما بتأكيد أهمية فعل معين أو حدث معين، فإنه يقسم أو يقول ذلك التعبير، لكي يؤثر في مستمعيه ويؤكد مدى جديته بشأن هذه المسألة. ولذلك فإذا كان قارئ الإنجليزية على غير وعي بالخلفيات الثقافية والاجتماعية المتضمنة في موضوع الطلاق بالنسبة للرجل العربي، فقد يتساءل القارئ حينئذ عن السبب وراء ذكر " نية الرجل في طلاق زوجته " أثناء الحديث عن زواج الزين؟!!

وأثناء الحديث عن استعداد الزين للوقوع في حب كل فتاة جميلة يقابلها، يقول الطيب صالح:

وكانت ليلاه هذه المرة فتاة من البدو

وواجه المترجم هنا أيضا مشكلة إيجاد المعادل الثقافي. فقال:

His "Lila" this time was a young girl from among the Bedouin.

وتتمثل المشكلة في هذه الترجمة في ذكر المترجم لكلمة Lila التي لم يستطع إيجاد مقابل مناسب لها في اللغة الإنجليزية، ولذلك فضّل استخدامها بنفس الشكل الذي ذُكرت به في النص الأصلي. وفي اللغة العربية، تشير الكلمة بصفة عامة إلى اسم امرأة، ولكن حينما تظهر في السياق المذكور أعلاه، فإنها تشير إلى أن الرجل قد وقع في حالة هيام شديدة بامرأة معينة، ولكن اسمها ليس ليلى. وبالطبع فهي تشير أيضا إلى قصة الحب المشهورة التي وقعت بين قيس وليلى، والمعروفة باسم " مجنون ليلى "، والتي تعتبر واحدة من أشهر قصص الحب في الأدب العربي. وغالبا ما تشكل هذه الحبيبة التي لا يستطيع محبوبها الارتباط بها معظم قصص الحب العربية، وتوصف البطلة فيها باسم " ليلى ". بل ظهرت بعض الأمثلة العربية بعد هذه القصة والتي تستعير اسم " ليلى " فيها، كالمثل القائل " كل يغني على ليلاه ".

وهكذا نجد أن البعد الثقافي يلعب دورا رئيسيا في عملية الترجمة. فالكلمات التي لها أكثر من دلالة في إحدى اللغات قد لا يكون لها نفس الانعكاسات المؤثرة في لغة أخرى. وعلى سبيل المثال، يأخذ " القمر " بعدا رومانسيا في الثقافة العربية ويشار إليه للدلالة على الحب. ولكن في الثقافة الفرنسية يجسد القمر مفاهيم الطفولة وعدم البراءة وربما الغباء. وتنظر إليه الثقافة الإنجليزية بنفس البُعد ولكن بصورة أقل حدة. ولذلك ففي ترجمة الجملة:

الفتاة كالقمر في جمالها[3]

حاولنا ترجمة ما يوحي به هذا التشبيه وليس التشبيه ذاته.

وفي سياقات معينة، قد تعطي بعض الكلمات – مثل أسماء الحيوانات – دلالات معينة. ففي العربية والإنجليزية، تعطي كلمات مثل دب وحمار وبغل وثعلب وكلب وقرد وخنزير إيحاءات غير مناسبة يشعر بها من يسمعها. فمثلا يوحي الدب بقلة الخبرة، والحمار بعدم الإحساس، والبغل بالعناد، والثعلب بالمكر، والكلب بالدونية، والقرد بالاستهزاء، والخنزير بالقذارة. وهكذا تصبح للتعبيرات مثل " إنه كالحمار " أو " إنهم مجموعة قرود " دلالات معينة لابد أن تعكسها الترجمة.

ويقترح Newmark أن على المترجم في بعض الأحيان " التركيز على العناصر العاطفية والمؤثرة الموجودة في النص الأصلي لأن السياق يتطلب ذلك ". ويجب ملاحظة أنه في الوقت الذي يظل فيه التركيز على أهمية نقل الرسالة المتضمنة في نص اللغة المصدر كاملة إلى اللغة المنقول إليها، بما في ذلك الاختلافات الثقافية التي تحتوي عليها رسالة اللغة المصدر، فإنه يجب التعامل مع عناصر المعنى الدلالي بإحساس واعٍ. ويجب على المترجم ألا يحاول تضمين المعاني غير الجوهرية الغارقة في ثقافة اللغة المصدر إلى ترجمته، إذ قد تصبح الترجمة في هذه الحالة مشوهة جزئيا أو كليا.

3- استخدام الكلمة

Word Usage

يعتبر السياق في اللغة العربية هو المحدد الأساسي لطبيعة الأسلوب الذي نتحدث به، بمعنى ما إذا كان عاميا أو فصحى. وعلى سبيل المثال، فمن قصة " عرس الزين "، يقول المؤلف:

سمعتي الخبر؟ الزين مو داير يَعَرُس

ويمكن أن نقول هذا الكلام بأسلوب آخر – مثل:

هل سمعتي الخبر؟ الزين سوف يَعَرُس ( يتزوج )

ونلاحظ هنا أننا قد استخدمنا نفس الكلمات الموجودة في الجملة الأولى تقريبا، ولكن بعد وضعها في أسلوب أكثر رسمية.

أما في اللغة الإنجليزية، فتتمثل إحدى الصعوبات التي تواجهنا في الترجمة إلى الإنجليزية في كيفية تحديد نوع الكلمة من حيث طبيعة الاستخدام ( رسمي / غير رسمي ). وتوفر لنا حصيلة الكلمات في اللغة الإنجليزية عدة طرق للتعبير عن نفس الفكرة. وقد تكون إحدى هذه الطرق أكثر تحديدا من الأخرى، إذ نجد أن scarlet أكثر تحديدا من red عند الحديث عن اللون. كما قد تكون إحدى هذه الطرق متخصصة بصورة أكبر من الأخرى، ويتضح ذلك حينما يشير الدكتور إلى broken collarbone بالقول fractured clavicle. وتختلف كلمات عديدة عن مترادفاتها اختلافا جوهريا في كونها رسمية أكثر، مثلما purchase أكثر رسمية من buy، وكذلك gratuity من tip.

كما يمكن أن توجد لبعض الكلمات منطقة ثالثة محايدة neutral مثلما هو الحال في كلمة أطفال، حيث نجد التعبير الرسمي لها إما offspring أو issue، والتعبير غير الرسمي لها kids، إما المنطقة المحايدة فهي children.

وتختلف الكلمات في مستوى الاستخدام وفقا للتقسيم السابق، ويمكننا التعبير عن نفس المعنى بكلمة مختلفة في كل أسلوب، هكذا:

ومن ناحية أخرى، تتحدث شعوب كثيرة باللغة الإنجليزية، كما يتحدث عدد كبير من الناس بها كلغة ثانية. ومما لا شك فيه أن التحدث باللغة الإنجليزية على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم قد أدى لظهور اختلافات عديدة في مستويات الكتابة بها. ولعل أكثر هذه الاختلافات شيوعا تلك التي تظهر بين اللغة الإنجليزية البريطانية والأمريكية.

وتواجهنا هنا صعوبة أخرى تتمثل في كيفية اختيار الكلمة من حيث كونها بريطانية British أم أمريكية American الأصل. وقد استقرت استخدامات عديدة كانت نشأتها أساسا من الولايات المتحدة في اللغة الإنجليزية البريطانية، ولم يعد يُنظر إلى أصل هذه الاستخدامات الآن. وكمثال على ذلك: radio وimmigrant وsquatter وteenager وlengthy وto advocate وto locate وto belittle وlive wire وhot air وthird degree وcold war وmass meeting. على أن هناك بعض الاستخدامات الأمريكية الحديثة التي يعتقد أنها نشأت أساسا في الولايات المتحدة والتي يرفضها الكُتّاب والمتحدثون البريطانيون، مثل: OK وI guess وto check up on وto win out وto lose out.

على أن هناك اختلافات كثيرة بين الكلمات التي تستخدمها اللغة الإنجليزية البريطانية عن تلك المستخدمة في اللغة الإنجليزية الأمريكية. وعلى سبيل المثال:

كما تختلف أسماء الوزراء في كل من اللغة الإنجليزية البريطانية والأمريكية، فيسمى وزير الخارجية في الإنجليزية البريطانية باسم Foreign Secretary، وفي الإنجليزية الأمريكية باسم Secretary of State. كما يسمى وزير المالية أو الخزانة في الإنجليزية البريطانية باسم Chancellor of Exchequer وفي الإنجليزية الأمريكية باسم Secretary of the Treasury. أما وزير الحربية فيسمى في الإنجليزية البريطانية باسم Secretary State of War، وفي الإنجليزية الأمريكية باسم Secretary of War ... وهكذا.

ويلاحظ أن هناك بعض الاختلافات في هجاء الكلمات في كل من الإنجليزية البريطانية والأمريكية، بالرغم من ظهور كل من الهجاءين معا. وفيما يلي نعرض قائمة بأهم استخدامات أو تفضيلات الهجاء الشائعة في الإنجليزية الأمريكية، مع وضع الهجاء المفضل المقابل لها في الإنجليزية البريطانية. والكلمات التالية هي مجرد أمثلة وليست حصرا بكل هذه الكلمات:

أولا: عدم مضاعفة الحرف الأخير إذا كان "l":

BRITISH

signalled

traveller

AMERICAN

signaled

traveler

ثانيا: وضع الحروف "-or" بدلا من "-our":

BRITISH

labour

colour

AMERICAN

labor

color

ثالثا: وضع الحروف "-ize" بدلا من "-ise":

BRITISH

civilise

naturalise

AMERICAN

civilize

naturalize

ويتزايد الآن تفضيل استخدام اللاحقة "-ize" في الصيغ الإنجليزية البريطانية، كما أصبحت اللاحقة "-ization" معتادة الآن فيها أيضا.

رابعا: وضع الحرف "-e-" بدلا من "-ae-" أو "-oe-":

BRITISH

mediaeval

diarrhoea

AMERICAN

medieval

diarrhea

ويتزايد الآن قبول الهجاء الأمريكي الأبسط في الإنجليزية البريطانية.

خامسا: وضع الحروف "-ection" بدلا من "-exion":

BRITISH

inflexion

reflexion

AMERICAN

inflection

reflection

وقد أصبح الهجاء الأمريكي هو القاعدة في الإنجليزية البريطانية.

سادسا: وضع الحروف "-er" بدلا من "-re":

BRITISH

centre

metre

AMERICAN

center

meter

ونعرض فيما يلي الهجاء الأمريكي لأهم الكلمات الشائعة:

4- التذكير والتأنيث

Gender

من المعلوم أن التذكير masculine والتأنيث feminine يشكلان خاصية أساسية في اللغة العربية. فجميع الأسماء والأفعال في اللغة العربية يمكن تمييزها من حيث التذكير والتأنيث. وعلى سبيل المثال:

كتاب جديد Ü a new book

مجلة جديدة Ü a new magazine

أما اللغة الإنجليزية فلا يوجد بها هذا التمييز، بمعنى أنه لا يمكن تمييز الأسماء في اللغة الإنجليزية من منظور اتفاقها مع الأدوات أو الصفات أو حتى الأفعال.

وبصفة عامة، توجد في اللغة الإنجليزية بعض الأسماء والضمائر التي تختلف صيغتها المستخدمة في حالة المذكر male عن تلك المستخدمة في حالة المؤنث female. وكمثال على ذلك:

ولكن يظل ذلك مجرد ظاهرة لغوية – وليس قاعدة نحوية – تتعلق بالتمييز من حيث الجنس sex وليس من حيث التذكير والتأنيث.

كذلك توجد في اللغة الإنجليزية اللاحقة "-ess" التي تضاف إلى بعض الكلمات للحصول على صيغة المؤنث منها، مثل:

ولكن يظل ذلك أيضا مجرد ظاهرة لغوية، طالما لا توجد كلمات مثل teacheress أو doctoress ... الخ.

وفي داخل حدود هذه المنطقة اللغوية نفسها، نجد هناك تمييزا بين أسماء الحيوانات. فيمكن لنا عادة التمييز بين أربعة تقسيمات مختلفة لكل نوع من الحيوانات: اسم النوع أو الجنس Generic Name، واسم الذكر Name of Male، واسم الأنثى Name of Female، واسم الصغير Name of Young. وبالرغم من ذلك، يمكننا أن نجد اختلافات بسيطة في بعض الحالات، فنجد أن dog هو اسم النوع واسم الذكر في نفس الوقت، كذلك فإن cow غالبا ما تكون اسم النوع واسم الأنثى. كما أن foal تستخدم للإشارة إلى اسم الصغير من الحصان، ولكن يوجد أيضا colt وfilly.

ويمكننا تفصيل هذه التقسيمات في الجدول التالي:

ومن ناحية أخرى، فإن اختيار الضمائر في اللغة الإنجليزية يعتمد كلية على مسألة الجنس sex، فنجد أن he تشير إلى الذكر male، وshe تشير إلى الأنثى female، وit تشير إلى الأشياء التي لا يمكن تحديد جنسها أو إلى الحيوانات رغم معرفة جنسها. وإذا ما حاولنا تقسيم الكلمات في اللغة الإنجليزية وفقا للضمائر التي تستخدم بدلا منها، فإننا لا نجد أنها تقف عند حدود ثلاث فئات فقط، بل يمكننا تمييز سبع فئات، طالما أن بعض الكلمات يمكن الإشارة إليها بأكثر من ضمير، كما يلي:

ويمكن المجادلة بأنه ما دامت توجد أشياء معينة في اللغة الإنجليزية يمكن الإشارة إليها باستخدام الضمير she، مثل car أو boat أو engine أو plane أو hovercraft، فإن هذا يعتبر دليلا على أن اللغة الإنجليزية يوجد بها تمييز من حيث التذكير والتأنيث gender، طالما أن المسألة ليست تقسيما من حيث الجنس sex، وإنما هو نوع معين من التقسيم التحكمي الموجود في اللغة! ولكن يمكن الرد على ذلك بأن وجود مثل هذه الكلمات قليل للغاية في اللغة الإنجليزية، الأمر الذي يستحيل معه أن نبني قاعدة نحوية على مجرد أمثلة قليلة. كما أن هذه الكلمات تنتمي بوضوح إلى فئة معروفة من الأشياء الميكانيكية. وهكذا فلا يعتبر ذلك تمييزا نحويا للأسماء من حيث التذكير والتأنيث على الإطلاق، بل لا يعدو الأمر عن كون أن she تستخدم في اللغة الإنجليزية للإشارة إلى الأسماء الأنثوية بالإضافة إلى الأسماء الميكانيكية.

كذلك فلا توجد أي قيود على استخدام الضمائر في اللغة الإنجليزية داخل الجملة، طالما أن الجملة قد تكون:

فقد الطبيب قبعته The doctor lost his hat

فقدت الطبيبة قبعتها The doctor lost her hat

ولكن يظل المعنى غامضا في الجملة:

The doctor went to the hospital

فهل هي: ذهب الطبيب إلى المستشفى أم ذهبت الطبيبة إلى المستشفى؟

وهكذا نصل إلى استنتاج أن " تقسيم الكلام من حيث التذكير والتأنيث في اللغة الإنجليزية يظل مجرد استثناء من القاعدة ".

"Gender in English is rather the exception than the rule".

[1] راجع ما سبق عن ذلك في موضوع أساليب الترجمة ص 57.

[2] على الرغم من حرمة استخدامه بالطبع، لأن الحلف لا يكون إلا بالله تعالى.

[3] سبق أن ترجمنا هذا الجملة ص: 55.