الكرامة وليس الجوع تدفع جزائريين للهجرة غير الشرعية

حين اختفى ابنه في البحر المتوسط قبل عامين سعى كامل بلعابد جاهدا الى أن يفهم لماذا جازف ابنه المتعلم ذو الخمسة والعشرين ربيعا، الذي هو ايضا شريكه في تجارة صغيرة للاتصالات، بحياته ليصل الى اوروبا. أثناء بحثه عن أقارب لآخرين فقدوا في البحر اكتشف بلعابد حقيقة تكذب النموذج النمطي الاوروبي عن المهاجرين، الذين لا يتمتعون بأي مهارات ويعانون من البطالة، والذين يحاولون الهروب من فقر مدقع. وكثير ممن تركوا الجزائر هم من المهنيين الذين يشعرون بالإحباط ونفد صبرهم بسبب نقص الفرص في الوطن. وأضاف أن من بين الآلاف الذين دفعوا أموالا للمهربين حتى يعبروا الى ايطاليا في زوارق صغيرة محامين وموظفين حكوميين وضباط شرطة ومحاضرين بالجامعة وبعضهم في الخمسينات من العمر. وقال بلعابد 'في حدود معلوماتي لم أجد أي أحد رحل لأنه كان جائعا. الأمر يتعلق بالكرامة الانسانية. الناس لا يقبلون الظلم'. ويقول جزائريون إن نظام التعليم ببلادهم تحسن كثيرا منذ الاستقلال عام 1962، لكن الاقتصاد القائم على النفط والغاز فشل في توفير عدد كاف من الوظائف التي تليق بمؤهلاتهم. وقد وعد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بتطبيق برنامج للتنمية الوطنية يصل الى 150 مليار دولار اذا فاز بالانتخابات التي تجري في نيسان (ابريل) ويقول حلفاء سياسيون إن الخطة ستركز على توفير الوظائف والشعور بالأمن للشبان الجزائريين. ولا تزال المشاكل الاجتماعية عميقة وما زالت الحكومة تسعى جاهدة لإعادة الأمل للشعب الذي أثر فيه عنف الإسلاميين الذي استمر لعقد كامل. وتبلغ نسبة البطالة رسميا 11 في المئة، لكنها تقدر بأنها اكثر من 70 في المئة بين السكان دون 30 عاما. حتى هؤلاء الذين لديهم وظائف كثيرا ما يتذمرون من مجتمع جامد تهيمن عليه أقلية صغيرة تتمتع بعلاقات جيدة تحتكر فرص التقدم. وأظهرت دراسة مسحية أجرتها صحيفة 'ليبيرتيه' اليومية عام 2008 أن الهجرة غير الشرعية الى اوروبا تغري ما يصل الى نصف شبان الجزائر، لكن الرحيل الآن بات أصعب من أي وقت مضى. وقامت الدول الاوروبية التي ترزح تحت ضغط للإبطاء من معدلات توافد المهاجرين غير الشرعيين، بتركيب أجهزة رادار باهظة التكلفة وأعادت مضاعفة دوريات السواحل، مما أجبر المهاجرين على سلوك طرق أطول وتنطوي على مجازفات اكبر حتى لا يتم رصدهم. كانت لدى مروان ابن بلعابد وظيفة جيدة لكنه شعر بالإحباط بعد أن حاول لسنوات زيارة أصدقائه وأقاربه في فرنسا، لكن طلبه بالحصول على تأشيرة الدخول كان يقابل بالرفض دائما. في نيسان (ابريل) 2007 أخبره أحد معارفه بأن هناك مكانا على زورق للمهاجرين. ويعتقد بلعابد أن مروان وافق بسبب 'الرفض المنتظم لمنحه التأشيرة من دون إبداء أسباب'. وأضاف 'لديه أقارب من أسرته في الخارج ويريد أن يرى العالم من زاوية أخرى... لابد أنه سئم كل شيء وقرر أن يفرد أجنحته فجأة'. وأدت روايات عن مواقف حياة او موت وصور الجثث التي جرفت الى الشاطئ الى إطلاق لقب الحراقة في الجزائر على المهاجرين، وهي كلمة تعني 'هؤلاء الذين يحترقون'. ووصف رئيس الوزراء احمد اويحيى الهجرة غير الشرعية الشهر الماضي بأنها أزمة بل مأساة وطنية. وأضاف أن من المخزي رؤية الحراقة وهم يقذفون بأنفسهم الى البحر، في حين أن أقصى ما يطمحون اليه هو أن يصلوا الى الجانب الآخر أحياء للقيام بأعمال في فقر وشبه عبودية. وتظهر الأرقام الرسمية أن 1500 جزائري اعتقلوا عام 2007 اثناء محاولتهم مغادرة البلاد بطريقة غير مشروعة الى اوروبا. ويشير ناشطون الى أعداد اكبر بكثير، ويقول بلعابد إنه في يوم واحد العام الماضي انطلق 600 مهاجر الى ايطاليا وهو الرقم الذي قال إن السلطات الايطالية أكدته. وليست هناك أرقام بشأن عدد الذين غرقوا. وانتظر بلباي عبد الغني (28 عاما) خمسة اشهر حتى يصبح الطقس ملائما للتوجه الى اوروبا، حيث كان يأمل في العثور على وظيفة والكف عن الاعتماد على والده الذي يعوله وهو محارب قديم متقاعد. وقام بالاشتراك مع مجموعة من معارفه بشراء زورق صغير ومحرك وجهاز لتحديد الإحداثيات وانطلقوا قبل شروق الشمس من شاطئ سيدي سالم الى الشرق من عنابة وعلى متنه 17 شابا. وقال 'قبل هذا دعونا الله أن يحمينا. وصدق او لا تصدق كنا سعداء بل إن البعض كانوا يغنون معتقدين بأن هناك حياة أفضل ممكنة على الجانب الآخر من البحر'. وتجنب زورقهم المنخفض البالغ طوله ستة أمتار رادار حرس السواحل ورسوا على بعد 240 كيلومترا الى الشمال في جزيرة سردينيا الايطالية ليلقى القبض عليهم وينقلوا الى معتقل بمدينة باري.