اللباب علل البناء والإعراب 4

باب مذ ومنذ

وهما حرفان في موضع واسمان في موضع فإذا كان معناهما ( في ) فهما حرفان وإذا كان معناهما تقدير المدَّة وابتداءها فهما اسمان إلاَّ انَّ الأكثر في ( مذْ ) أن تستعمل اسما والأكثر في ( منذُ ) أن تستعمل حرفاً وعلّة وذلك أنَّ أصل ( مذُ ) ( منْذُ ) فحذفت نونها والحذف تصرُّف وذلك بعيد في الحروف ويدلُّ على الحذف أنَّك لو سمَّيْت ب ( مذ ) ثَّم صغَّرته أو كسّرته أعدتها فقلت ( مُنيذ ) و ( أمناذ )

فصل

و ( منذ ) مفرد عند البصريِّين ومركَّب عند الكوفيِّين واختلفوا في تركيبه فقال الفرَّاء ( من ذو ) التي بمعنى ( الذي ) في اللغة الطائَّية وقال غيره أصله ( من إذ ) ثَّم حُذف وركَّب وضُمَّ أوَّله دلالة على التركيب وبنوا على هذا الإعراب

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 370 ]

فقالوا تقدير قولك ما رأيته منذ يومان أي من الذي هو يومان ف ( يومان ) خبر مبتدأ محذوف وقال الآخرون هو فاعل فعل محذوف أي من إذ مضى يومان

وعلى قول البصريَّين ( منذ ) مبتدأ و ( يومان ) خبره والتقدير أمد ذلك يومان أو أوَّل ذلك يومُ الجمعة وحجَّة البصريَّين أنَّ الأصل عدم المركَّب والانتقال عن الأصل يفتقر إلى دليل ظاهر ولا دليل عليه وأكثر ما ذكروا أنَّ المعنى يصح على تقدير التركيب وهذا القَدْرُ لا يكفي في الانتقال عن الأصل وإنَّما يكون حجَّة إذا انضمَّ إليه تعذُّر الحمل على غيره وهنا يصحّ المعنى على تقدير كونها مفردةً فنفي دعوى التركيب تحكُّم لا يعلم إلاَّ بالخبر الصادق ثَّم دعوى التركيب تفسد من جهة أخرى وتلك الجهة هي ما يلزم من كثرة التغيير والحذف والشذوذ فالتغيير ضمُّ الميم والحذف إسقاط النون والواو من ( ذو ) والألف من إذ وإسقاط أحد جزئي الصلة أو حذف الفعل الرافع على جهة اللزوم وذلك كلّه يخالف الأصول

فصل

وتدخل ( منذ ) على الزمن الحاضر فتجرُّه كقولك أنت عندنا منذُ اليوم وتقدَّر ب ( في ) وتكون حرف جرّ فتتعلَّق بالفعل الذي قبلها المظهر أو المقدَّر ويكون الكلام جملة واحدة

فأمَّا دخولها على الماضي لأبتداء الغاية أو تقدير المدَّة فقليل في الاستعمال ولكنْ هو جائز في القياس

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 371 ]

وأمَّا ( مُذْ ) فتدخل على الماضي لابتداء مدَّة الزمان أو بيان جملة المدَّة فيرتفع ما بعدها وتدخل على الحاضر فتجرّه لأنَّها اسم فكان حكُمها أوسع من حكم الحرف وجرَّها الجميع جائز مثل ( منذُ ) لأنَّها تكون حرفاً أيضاً

فصل

وإذا كانت للابتداء كان معرفة كقولك ما رأيته مذ يوم الجمعة لأنَّه جواب متى وإذا كانت لتقدير المدَّة كان ما بعدها عددا نكرة كقولك ما رأيته منذ يومان فإنْ قيل فما الفرقُ بينهما في المعنى قيل له التي للإبتداء لا يمتنع معها أن تقع الرؤية في بعض اليوم المذكور لأنَّ اللزوم أنْ تكون الرؤية قد انقطعت فيه واستمرَّ الإنقطاع إلى حين الإخبار به والتي تقدَّر بعدها المدَّة لا يجوز أن تكون الرؤية وجدت في بعضها لأنَّ العدد جواب ( كم ) فكأنَّك قلت كم زمن انقطاع الرؤية فقال يومان فإن قيل ما الفرق بين رفع ما بعده وجرّه قيل من وجهين أحدُهما أنَّك إذا رفعت كان الكلام جملتين عند الأكثرين وإذا جررت كانت واحدة كما في حروف الجرّ والثاني أنَّك إذا رفعت جاز أن تقع الرؤية في بعض ذلك الزمان وإذا جررت لم يجز

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 372 ]

فصل

واختلفوا في طريق الرفع فقال الكوفُّيون فيه قولين أحدُهما هو خبر مبتدأ محذوف والثاني هو فاعل فعل محذوف وقد ذكرناهما في أوَّل الباب

وللبصريَّين مذهبان أحدُهما أنَّ ( مذ ) مبتدأ وما بعده الخبر والتقدير أوَّل ذلك يوم الجمعة وأمد ذلك يومان وهو قولُ الأكثرين والثاني أنَّ ( مذ ) خبر مقدَّم والتقدير بيني وبين انقطاع الرؤية يومان وهو قول أبي القاسم الزجَّاجي وهو بعيد لأنَّ ( أنَّ ) تقع بعد ( مذ ) كقولك ما رأيته مذ أنَّ الله خلقني و ( أنَّ ) لا تكون مبتدأ

فصل

وليس ل ( مُذ ) وما بعدها موضع عند الجمهور بل هو جواب كلام مقدَّر لأنَّه إذا قال ما رأيته فكأنَّك قلت ما أمدُ ذلك أو ما أوَّل ذلك فقلت مذ كذا وقال أبو سعيد السيرافيُّ موضعه حال أي ما رأيته متقدِّماً أو مقدِّراً

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 373 ]

فصل

وإنَّما بنيت ( مذْ ) وهما اسمان لوجهين أحدُهما تضمَّنهما معنى الحرف أي ما رأيته من هذا الأمد إلى هذا الأمد والثاني أنَّهما ناقصتان فأشبهتا ( كم ) في الخبر باب القسم

القسم ليس بمصدر ( أقسمتُ ) بل هو عبارة عن جملة اليمين فهوبمعنى المقسم به فهو كالقبْض والنقْض بمعنى المقبوض والمنقوض

فصل

والغرض منه توكيد الكلام الذي بعده من إثبات أو نفي

فصل

المقسم به كلّ معظَّم إلاّ أنَّه - نهى عن الحلف بغير الله تعالى

فصل

والأصل فيه ( أقْسِمُ ) و ( أحْلِفُ ) لأنَّ ذلك يدلُّ بصريحه عليه إلاَّ أنَّ الفعل حُذِفَ لدلالة حرف الجر والجواب عليه

فصل

وأصل حروف القسم ( الباء ) لأنَّ فعل القسم يتعدَّى بها دون غيرها ولذلك جاز الجمع بين الفعل والباء ولم يجز إظهار الفعل مع الولو والتاء

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 375 ]

فصل

وتدخل ( الباء ) على المضمر والمظهر لأنها أصل فتجري في كلِّ مقسم به

فصل

و ( واو ) القسم بدل من الباء لأنَّهم أرادوا التوسعة في أدوات القسم لكثرته في كلامهم و ( الولو ) تشبه الياء من وجهين أحدُهما أنَّ الباء للإلصاق والواو للجمع والمعنيان متقاربان والثاني أنَّهما جميعاً من الشفتين فأمَّا الفاء وإن كانت من الشفتين ففيها معنى غير الجمع وهو الترتيب في العطف والجواب ولكون الواو بَدَلاً لا تدخل على المضمر لأنَّه بدل من المظهر فلم يجتمع بدلان

فصل

و ( التاء ) بدل من ( الواو ) هنا كما أبدلت في ( تراث وتجاه وتهمة وتخمة ) ولَمَّا كانت بدلاً عن بدل اختصَّت لضعفها باسم الله تعالى خاصَّة لأنَّه أكثر في باب القسم ولا يجوز ( تَرَبِّي ) وقد حُكي شاذّاً

فصل

وقد استعملوا ( اللام ) في القسم إذا أرادوا التعجُّب كقولهم لله أبوك لقد فعلت وإنما جاؤوا بها دون الحروف الأُوَل ليعلم أنَّ القسم قد انضمَّ إليه أمرٌ آخر وكانت اللام أوْلى بذلك لما فيها من الاختصاص والمقسم به مع التعجب مختصّ

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 376 ]

فصل

وقد قال بعضهم إنَّ ( من ) الجارّة تستعمل في القسم مع ( ربي ) ومع ( الله ) وقال آخرون هي محذوفة من ( ايمن ) وسيأتي القول فيها

فصل

وقد عوَّض من حرف القسم ثلاثة أشياء همزة الاستفهام كقولك الله والهاء كقولك إيها الله ولاها الله ف ( إي ) بمعنى ( نَعْمَ ) وقطع الهمزة كقولك أفألله وهذا كلُّه يختص باسم الله والجرُّ باق

وقد أختص اسم الله بأشياء منها هذا ومنها ( تاء ) القسم ومنها زيادة الميم في النداء ومنها قطع همزته فيه أيضاً ومنها تفخيم لامه

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 377 ]

فصل

فإنَّ حذفت حروف القسم وعوَّضته نصبت بالفعل المقدَّر وهو كقولهم 73 -

( أمرتك الخير ... ) - البسيط - والجرُّ جائز في اسم الله تعالى خاصَّة لكثرة استعماله في القسم وقال الكوفيُّون يجوز ذلك في كلِّ مقسم به واحتجُّوا لذلك بأشياء كلُّها شاذّ قليلٌ في الاستعمال لا يقاسُ عليه لأنَّ حرف الجرّ كجزء من المجرور وكجزء من الفعل من وجه آخر فحذفه كحذف جزء منهما إذا بقي عمله فأمَّا إذا لم يبق فالعمل للفعل ولهذا لم يكن الضمير المجرور إلاَّ متصلاً ولأنّ عمل حرف الجرّ قليل ضعيف على حسب ضعفه وإبقاء العمل مع حذف العامل أثرُ قوَّته وتصرُّفه

فصل

وقد حذف القسم وأقيمت الجملة من المبتدأ والخبر والفعل والفاعل مقامه فالأولى كقولك لعمرك لأقومنَّ ف ( عمرك ) مبتدأ والخبر محذوف أي لعمرك قسمي وحذف لطول الكلام وأنَّه معلوم وعين ( عَمْرك ) مفتوحةٌ في القسم

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 378 ]

لا غير ويجوز ضمُّها في غيره واختاروا الفتحة لكثرته ولطول الكلام فإنْ حذفت اللام نصبت ( عَمْرَك ) على فعل محذوف ونصبت إسم الله وفيه وجهان أحدُهما أنَّ التقدير أسألك بتعميرك اللهَ أي باعتقادك بقاءَ الله ف ( تعميرك ) مفعول ثان و ( الله ) منصوب بالمصدر والثاني أن يكونا مفعولين أي أسأل الله تعميرك

وأمَّا الجملة الفعلية فكقولك يمين الله فإن نصبت كان التقدير ألزمك والتزم يمين الله وإن رفعت كان التقدير يمين الله لازمة لي أو لك

فصل

وجواب القسم إن كان إيجاباً لزمته اللام والنون في المستقبل كقولك والله لأذهبنَّ وإنّما لزمها لدلالتها على التوكيد وحاجة القسم إليه وربَّما جاء في الشعر حذف اللام

وقد يكون الجواب مبتدأ وخبراً كقولك والله لزيدٌ منطلق وو الله إنَّ زيداً لمنطلق وإنْ كان الجواب ماضياً قلت والله لقد قام زيدٌ فتؤكد باللام وإن

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 379 ]

كان الجواب نفياً قلت والله ما قام ووالله لا يقوم ويجوز حذف ( لا ) في المستقبل لأمن اللبس بالإثبات لأنَّه في الإثبات تلزمه والنون

فإن قيل لم أكّد الإثبات دون النفي قيل لأنَّ في الإثبات التزام إحداث الفعل أو ما يقوم مقامه وفي ذلك كلفة فاحتيج فيه إلى زيادة توكيد تحمل على الانتقال عن الأصل وتحمل المشقَّة بخلاف النفي فإنَّه بقاءً على العدم

فصل

وإذا قلت لزيد منطلق من غير يمين في اللفظ فليست لام القسم بل لام الابتداء

وقال الكوفيُّون هي لام القسم قالوا والدليل عليه أنَّها تدخل على الفضلات كقولك لطعامَكَ زيدٌ آكل وليس الطعام بمبتدأ وحجة البصريِّين أنَّ اللام إذا دخلت على مفعول ( ظننت ) ارتفع بالابتداء ولم يمكن تقدير القسم فيه لأنَّ ( ظننت ) لا تلغى بالقسم فعلم أنَّ تعليق

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 380 ]

( ظننت ) لتحقّق الابتداء كما تعلّق بالاستفهام كقولهم علمت أيُّهم أخوك وأمَّا قولهم طعامَك زيد آكل فإنَّما جاز لأنَّها في حيِّز الخبر إذ كانت معمولة له مقدّمة عليه فكأنَّها داخلة على المبتدأ

فصل

وممَّا يستعمل في القسم ( ايمن الله ) وهي مفردة عند البصريِّين واشتقاقها من اليمن أي البركة أو القوّة

وقال الكوفيُّون هي جمع يمين واحتجَّ الأوَّلون بشيئين أحدُهما كسر همزتها فإنَّها لغة مسموعة وهمزة الجمع لا تكسر والثاني أنَّها همزة وصل بدليل قول الشاعر [ من الطويل ] 74 -

( فقال فريق القوم لَمَّا نشدتهم ... نَعَمْ وفريقٌ لا يْمُنُ الله ما ندري ) - الطويل - وهمزة الجمع ليست همزة وصل

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 381 ]

واحتجَّ الآخرون من وجهين أحدُهما أنَّه جمع يمين كقول الشاعر 75

( ... يبري لها من أيْمُنٍ وأشمل ) - الرجز - فقابلها بالأشمل وفي جمعها في القسم زيادة توكيد والثاني أنَّ همزتها مفتوحة وهمزة الوصل لا تفتح مع غير لام التعريف

والجواب أمَّا الأوَّل فلا حجَّة فيه لأنَّنا لا ننكر أنَّ اليمين يجمع على ( أيمن ) في غير القسم وأمَّا ما ذكروه فلا تعرّض له بالقسم وأمَّا فتح همزتها فلغة فيها وللعرب فيها لغات فتح الهمزة وكسرها مع النون وفتحها وكسرها مع حذف النون كقولك ( ايم الله ) والخامسة ( آم الله ) بكسرها وفتحها مع حذف الياء والنون و ( مِنُ الله ) بضمَّ الميم وكسرها و ( مُ الله ) بالضم والكسر

وقال سبيويه إنَّ ( من ) هنا حرف جرّ وليست الباقية من ( ايمن ) ولوجعلت هذه الحروف والتصرَّفات في هذه الكلمة دليلاً على أنَّها ليست جمعاُ كان متمسّكاً صحيحاً

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 382 ]

باب حتَّى

وهي حرف بلا خلاف وتدخل على المفرد والجملة الأسمَّية والفعل فدخولُها على الفعل يذكر حكمه في نواصب الأفعال وأمَّا دخولها على الجملة فلا يؤثَّر فيها لفظاً ولا تقديراً وذلك كقول الشاعر 76 -

( فواعجبا حتَّى كليبٌ تسبّني ... كأن أباها نَهْشلُ أوْ مُجاشعُ ) - الطويل - وأمَّا دخولُها على المفرد فعلى ضربين أحدُهما أنَّ تجر ك ( إلى ) والثاني أن تكون عاطفة ك ( الواو )

فصل

ومعنى ( حتَّى ) اللازم لها الغاية في التعظيم والتحقير

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 383 ]

فأما عملها فليس بأصل بل محمول على غيرها لأنهَّا لمَّا دخلت على الجملة تارةً وبمعنى ( إلى ) أخرى وبمعنى ( الواو ) ثالثة وبمعنى ( كي ) رابعة لم يكن لها اختصاص تعمل بسببه لأنَّ هذه المعاني تكون في الأسماء والأفعال

فصل

وإنّما عملت عمل ( إلى ) لأنَّ إلى لانتهاء الغاية و ( حتَّى ) تشاركها في ذلك فعملت عملها في الموضع الذي يصحُّ دخول ( إلى ) فيه

فصل

وتفارق ( حتَّى ) إلى في أشياء أحدُها أنَّ ما بعد حتَّى يدخل في حكم ما قبلها كقولك قام القوم حتَّى زيد ف ( زيد ) هنا دخل في القيام ولا يلزم ذلك في قولك قام القوم إلى زيد والثاني أنَّ ما قبل ( حتَّى ) يجب أن يكون جمعاً كقولك قام القوم حتَّى زيد ولو قلت قام عمرو حتَّى زيد لم يجز وعلَّة ذلك أنَّ ( حتَّى ) تدلُّ على بلوغ العمل غايته ولفظ الواحد لا يتناول أكثر منه بحيث يجوز تخصيصه ببعضه

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 384 ]

بخلاف لفظ الجمع فإنَّهُ جاز أن يضاف الفعل إلى القوم ولا يراد دخول ( زيد ) فيهم لِعِظَمِهِ أو حقارته فإذا جئت ب ( حتَّى ) أزلَّت هذا الجواز وتنزَّلتْ ( حتَّى ) منزلة التوكيد المانع من التخصيص والثالث أنَّ ( إلى ) تدخل على المضمر و ( حتَّى ) لا تدخل عليه وعلَّة ذلك أنَّه لمَّا لزم أنَّ يكون قبلها جمع وما بعدها واحدٌ منه لم يتقدَّم على ( حتَّى ) اللفظ الظاهر ليعود الضمير إليه فلما أضمر لم يكن له ظاهر يعود عليه ضمير كقولك قام القوم حتى زيد ف ( زيد ) لم يتقدَّم له ذكر يعود عليه ضمير

فصل

وإنما جاز أن تقع ( حتَّى ) بمعنى ( الواو ) لأنَّ الواو للجمع و ( حتَّى ) للغاية والشمول والمعنيَّان متقاربان

فصل

وتفترقان في أشياء أحدُها أن ما قبلها يجب أن يكون جمعاً لما تقدَّم والثاني أنْ يكون ما بعدها من جنس ما قبلها فلو قلت جاء الناس حتَّى الحمير لم يجز لمَّا ذكرنا من إفادة معنىالغاية والتوكيد

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 385 ]

والثالث أنَّ الواو تضمر بعدها ( ربّ ) ولا تُضمر بعد ( حتَّى )

مسألة

تقول مررت بهم حتَّى زيدٍ إنْ جعلتها بمعنى ( إلى ) لم تحْتجْ إلى إعادة الباء وإنْ جعلتها كالواو أعدت الباء كما تعيدها مع الواو

مسألة

تقول أكلت السمكة حتَّى رأسِها أكلته فلك فيه الرفع بالابتداء وما بعده خبر والنصب على وجهين أحدُهما أن تنصبه بمعنى الواو فيكون ( أكلته ) توكيداً والثاني أن تنصبه بفعل محذوف دلَّ عليه ما بعده أي حتَّى أكلت رأسها ف ( حتَّى ) على هذا داخلة على الجملة تقديراً والجر بمعنى ( إلى ) وأكلته توكيد لا غير ومثل ذلك قول الشاعر 77 -

( ألقى الصحيفة كي يخفِّف رحله ... والزاد حتى نعلِّة ألقاها ) يروى ( نعلَه ) بالأوجه الثلاثة

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 386 ]

فإنْ لم تقلْ ( أكلته ) جاز الجرّ بمعنى ( إلى ) والنصب بمعنى ( الواو ) والرفع على الإبتداء والخبر محذوف ومنع الزجاجيُّ الرفع في كتاب الجمل وهو إمَّا سهوٌ وإمَّا إنْ يريد أنَّ الرفع بمعنىالواو الواو لا يجوز فأمَّا على تقدير الإبتداء وحذف الخبر لدلالة الكلام عليه فلا مانع منه

مسألة

تقول اجلس حتَّى إذا جاء زيد أعطيتك ف ( حتَّى ) هنا غير عاملة لأنَّ ( إذا ) يعمل فيها جوابُها النصب على الظرف فتغلوا ( حتَّى ) لدخولها على الجملة تقديراً وتصير كالفاء في ربط ما بعدها بما قبلها في المعنى

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 387 ]

باب الإضافة

الإضافة في اللغة الإسناد قال امرؤ القيس 78

( فلَمَّا دخلناه أضفنا ظهورنا ... إلى كل حاريّ جديد مُشطَّبِ ) - الطويل - أي أسندناها وبهذا المعنى في هذا الباب لأنَّ الاسم الأوَّل ملتصق بالثاني ومعتمد عليه كاعتماد المستند بما يستند إليه

فصل

وإنما حذف التنوين من الأوَّل لوجهين أحَدُهما أنَّ التنوين تدلُّ على إنتهاء الإسم والإضافة يدلُّ على احتياج الأوّل إلى الثاني فلم يجتمعا والثاني أنَّ التنوين في الأصل يدلُّ علىالتنكير والإضافة تخصّص فلم يجتمعا

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 388 ]

فصل

وأمَّا جرُّ الثاني بالأوَّل فلأنَّ الإضافة تقدَّر بحرف الجرّ ولكنَّه حذف ليحصل التخصيص أو التعريف فناب الإسم عن الحرف فعمل عمله كما يعمل الاسم عمل الفعل في مواضع وليس في الإضافة تقدير حرف على جهةِ التضُّمن إذْ لو كان كذلك لأوجب البناء

فصل

والإضافة تكون بمعنى ( اللام ) وبمعنى ( مِنْ ) نحو غلام زيد وأثواب خزّ ويتبيَّن الفرق بينهما بأشياء منها أنَّ التي بمعنى ( اللام ) يكون الثاني فيها غير الأوَّل في المعنى والتي بمعنى ( مِنْ ) يكون الأوَّل فيها بعض الثاني ومنها أنَّ التي بمعنى ( اللام ) لا يصحّ فيها أنْ يوصف الأوَّل بالثاني والتي بمعنى ( مِنْ ) يصحُّ فيها ذلك ومنها أنَّ التي بمعنى ( اللام ) لا يصحُّ فيها أنْ ينتصب الثاني على التمييز للأوَّل والتي بمعنى ( من ) يصحُّ فيها ذلك كقولك هذا باب حديداً

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 389 ]

فإن قيل ( يد زيد ) من أيّ الإضافتين قيل مِنَ التي بمعنى اللام لأنَّ العلامات التي ذكرناها في اللام توجد فيها دون الأخرى

فإنْ قيل ف ( كلُّ القوم ) من أيّهما قيل من اللام لمَّا تقدَّم ألا ترى أنَّ ( كلاًّ ) عبارة عن مجموع أجزاء الشيء المضاف إليه والمجزَّأُ غيرُ الأجزاء ولذلك لا تقول القوم كلٌّ ولا الكلُّ قومٌ

فصل

والإضافة المحضة تعرّف إذا كان الثاني معرفة كقولك غلام زيد وصاحب الرجل فيتعدّى التعريف من الثاني إلى الأوَّل لتخصُّصه به

وأمَّا غير المحضة فهي على ضربين أحدُهما لا يحصل منها تعريف وذلك في ثلاثة مواضع أحدُها إضافة ( مثل ) ونظائره كقولك زيد مثل عمرو لأنَّ ( مثلاً ) يقدِّر فيها التنوين إذ كانت المماثلة بين الشيئين لا تقع من وجه مخصوص وكذلك ( غير ) لأنَّ المثلَيْنِ من وجه غيران من وجهٍ آخر وكذلك الغَيْران مثلان من وجه آخر فإنْ وقعا بين متماثلين من كلِّ وجه أو متغايرين من كلِّ وجه تعرَّفا كقولك الحركة غير السكون /

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 390 ]

والثاني أسماء الفاعلين والمفعولين العاملة عمل الفعل لأنَّ التنوين فيها مقدَّر مراد وحذف تخفيفاً وانجرَّ الثاني لوجود لفظ الإضافة كقولك زيد ضارب عمروٍ غداً والثالث الصفة المشبهة باسم الفاعل نحو حسن الوجه لأنَّ التنوين فيها مرادً أيضاً والتقدير مررت برجل حسنٍ وجهه والضرب الثاني يحصل فيه التعريف وذلكْ في موضعين أحدُهما إضافة ( أفعل ) كقولك زيدٌ أفضل القوم ف ( أفضل ) معرفة عند الأكثرين وأفعل هذه تستعمل على ثلاثة أوجه أحدُها ب ( مِنْ ) كقولك زيدٌ أفضل من عمرو وهذه نكرة والثاني الألف واللام كقولك زيد الأفضل والثالث الإضافة

فصل

و ( أفعل ) هذه تضاف إلى ما هي بعضٌ له ولذلك لا تقول زيدٌ أشدُّ الحجارة ولا أفضل الحمير لأنَّه ليس منهما ومن ههنا إذا قلت زيدٌ أفره عبدٍ فجررت كان زيداً عبداً والتقدير زيداً أفره العبيد وإنَّ قلت زيدٌ أفره عبداً فنصبت لم يكن زيدٌ عبداً والمعنى عبيدُه أفرهُ من عبيدِ غيره

ومن المسألة المشهورة أفضل إخوته لا يجوز لأنَّ إضافة أفضل إليهم

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 391 ]

توجب أنَّ يكون واحداً منهم وإضافتهم إليه تدلُّ على أنَّه غيرهم لأنَّ الشيء لا يضاف إلى نفسه فيتنافيان ولذلك لو قيل مَنْ إخوته لم تعدّه منهم ولو قيل زيدُ أفضل الإخوة جاز لأنَّه واحد منهم ولذلك تعدَّه منهم

فصل

وأمَّا الضرب الثاني فهو إضافة الشيء إلى مايصحُّ أنْ يكون صفة له ك ( صلاة الأوَّلى ومسجد الجامع وجانب الغربيّ ) فيجعلونه على غير محض لأنَّ الأصل أن تقول الصلاة الأوَّلىو المسجد الجامع ولكن لّمَّا أضيف تؤول على حذف موصوف تقديره صلاة الساعة الأوَّلى ومسجد المكانِ الجامع ومن هذا الوجه لم يكن محضا إلاَّ أن التعريف يحصل به

مسألة

لا تجوز إضافة الشيء إلى نفسه وإنّ أختلف اللفظان وأجاز الكوفيُّون ذلك إذا أختلف اللفظان

وحجَّة الأوَّلين أن الغرض بالإضافة التخصيص والشيء لا يخصص نفسه ولو كان كذلك لكان كلّ شيء مخصّصاً واحتجَّ الآخرون بإضافة الشيء إلى صفته كنحو ما ذكرنا ومنه ( دار

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 392 ]

الآخرة ) و ( حبل الوريد ) و ( حبّ الحصيد ) والثاني هو الأوَّل

والجواب أنَّ جميع ما ذكروه متأوَّل على غير ظاهره وذلك أنَّ التقدير دار الساعة الآخرة وقد سماها الله تعالى ( ساعة ) في نحو قوله ( ويوم تقوم الساعة ) وأمَّا حبل الوريد فعلى ذلك أيضاً والتقدير حبل الشراب الوريد والدم الوريد أي الوارد فيه وفعيل بمعنى فاعل كثير وأمَّا حَبُّ الحصيد قتقديره حبّ الزرع الحصيد لأنَّ الذي يحصد هو الزرع لا الحبّ

مسألة

تجوز إضافة الزمان إلىالفعل كقوله تعالى ( هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم ) ولا تجوز إضافة غير الزمان إليه لأنَّ بين الزمان والفعل مناسبة إذ كان الفعل يدلُّ على الزمان [ فكأنَّك أضفت زماناً عامّاً إلى خاصّ فتخصص لأنَّ الفعل يدلُّ علىزمان ] ماض أو مستقبل والذي يضاف إليه لم يكن ماضياً بلفظه ولا مستقبلاً كاليوم والساعة

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 393 ]

فأمَّا ( أمس ) و ( غد ) فلا يضاف إلى الفعل لأنَّه مخصوص كتخصيص زمن الفعل وإنْ شئت قلت الفعل هنا في تقدير المصدر فلذلك أضيف إليه إلاَّ أنَّ المصدر لا يدلُّ على الحدث والفعل يدلَّ عليه

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 394 ]

باب التوكيد

التوكيدُ تمكينُ المعنى في النفس ويقال توكيد وتأكيد ووكَّد وأكَّد وبالواو جاء القرآن ( ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها ) ولفظه على ضربين أحدُهما إعادة الأوَّل بعينه ويكون ذلك في الأسماء والأفعال والحروف والجمل والثاني غير لفظ الأوَّل ولكن في معناه

فصل

والغرض من ذكره إزالة الاتساع وذلك أنَّ الاسم قد ينسب إليه الخبر ويراد به غيره مجازا كقولك جاءني زيد فإنه قد يراد جاءني غلامه أوكتابه ومنه عمر السلطان داراً أوحفر نهراً أي أصحابه بأمره فإذا قلت جاء زيدُ نفسه كان هو الجائي حقيقةً وقد يذكر العامّ ويراد به الخاص كقوله تعالى ( الذين قال لهم الناس إنَّ الناس قد جمعوا لكم ) والمراد بعضهم فإذا قلت قال الناسُ كلهم لم يحتمل بعضهم

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 395 ]

فصل

ويوكد الواحد بلفظين ( نفسه ) و / ( عينه ) وهما عبارتان عن حقيقة ويوكد الاثنان ب ( كلا ) و ( كلتا ) والجمع ب ( كلّهم ) و ( أجمع ) و ( أجمعين ) و ( جمعاء ) و ( جمع ) لأن هذه الألفاظ موضوعة لحصر أجزاء الشيء والإحاطة بها فما لا يتجزأ لا تدخل عليه لعدم معناها فيه ألا ترى أنَّك لو قلت كتب زيد كلُّه أو أجمع لم يكن له معنى كما يكون في قولهم كتب القوم كلُّهم

فصل

ولا توكّد النكرات وأجازه الكوفيَّون

وحجَّة الأوَّلين من وحهين أحدهما أنَّ التوكيد كالوصف وألفاظه معارف والنكرة لا توصف بالمعرفة والثاني أنَّ النكرة لا تثبت لها في النفس عين تحتمل الحقيقة والمجاز فيفرق بالتوكيد بينهما بخلاف المعرفة ألا ترى أنَّك لو قلت جاءني رجل لم يحتمل أن تفسَّره

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 396 ]

بكتاب رجل لأنَّ المجاز في هذا الاستعمال لا يغلب حتَّى يدفع بالتوكيد بخلاف لفظة ( القوم ) فإنَّه يغلب استعمالها في الأكثر فإذا أردت الجميع أكَّدت لرفع المجاز الغالب ومثل ذلك الاستثناء فإنَّه دخل الكلام ليرفع حمل لفظ العموم على الأستغراق لأنَّه يستعمل فيه غالباً

احتّج الآخرون بإنَّ ذلك قد جاء في الشعر فمن ذلك قول 79 -

( أرمي عَلْيها وهي فرعُ أجمعُ ... وهي ثلاث أذرع واصبع ) - الرجز - وقال الآخر 80 -

( إذا القعود كرّ فيها حفدا ... يوما جديداً كلّه مطرّدا ) - الرجز - وقال آخر 81 -

( ... قد صرتّ البكرة يوما أجمعا ) - الرجز - والجواب عن هذه الابيات من وجهين

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 397 ]

أحدُهما أنَّ التوكيد فيها للمعرفة لا للنكرة فقولُه أجمع توكيد ل ( هي ) ولكَّنه اضطر ففصل بالخبر بين الموكّد والموكَّد كما في الصفة وقيل في ( فرع ) ضميرّ والتوكيد له وهذا بعيد وأمَّا قولُه ( جديداً كلّه ) فهو مرفوعً على أنَّه تأكيد للضمير في ( جديد والوجه الثاني أنَّ هذه الأبيات شاذةّ فيها اضطرار فلا تُجعل أصلاً

فصل

وإنما لم ينصرف ( جُمَعُ ) لأنَّ فيه العدل والتعريف فالعدلُ عن ( جُمَعٍ ) لأنَّ واحده ( أجمع ) و ( جمعاء ) فينبغي أن يكون على ( جُمَعُ ) مثل ( حُمْر ) ولكَّنه فتحت ميمّه وصير ك ( عُمَر ) وقال أبو عليّ هو معدول عن ( جَماعى ) مثل صحراء وصحارى ولو كان عن جمع مثل حمر لما جاز فيه أجمعون ولكان يؤكد به المذكَر والمؤنّث كما يوصف بِحْمَر المذكر والمؤنَّث

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 398 ]

وأمَّا التعريف فبوضعه توكيداً للمعرفة صار كالأعلام وليس فيه أداة للتعريف وأمَّا ( جمعاء ) فَلأَلِفَيْ التأنيث

فصل

وأمَّا ( أكتع ) و ( أبصع ) وما تصرَّف منهما فلا تستعمل في التوكيد إلاَّ تبعاً ل ( أجمع ) فإنَّ جاء شيء على غير ذلك في الشعر فضرورة

مسألة

وأمَّا ( كلا وكلتا ) فاسمان مفردان مقصوران وقال الكوفيَّون هما مثنيَّان لفظاً ومعنى

وحجَّة الأوَّلين من وجوه أحدُها أنَّهما بالألف في الأحوال الثلاث إذا إضيفا إلى الظاهر وليس المثنى كذلك والثاني أنَّه لا ينطق بالواحد منهما فلا يقال في الواحد ( كِل ) بخلاف المثنى

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 399 ]

والثالث أنَّهما يضافان إلى المثنَّى ولو كانا مثنَّيين للزم أنْ يضاف الشيء إلى نفسه وهو باطل إلا ترى أنَّك لا تقول مررت بهما أثنيهماكما لا تقول مررت به واحده فإن قيل فكيف يقال مررت بهم خمستهم فيضاف الجمع إلى الجمع قيل إنَّما أجازوا ذلك لأنَّ ضمير الجمع يحتمل العدد القليل والكثيرفلا يلزمه من إضافة الخمسة ونحوها إضافة الشيء إلى نفسه والرابع أنَّ الضمير يرجع إليه بلفظ الإفراد كقوله تعالى ( كلتا الجنتين آتت أكلها ) ولو كان مثنّى في اللفظ لم يجز ذلك كما لايجوز الرجلان قام

واحتَّج الآخرون بالسماع والقياس أمَّا السماع فقول الشاعر 82ي -

( في كِلْتَ رجليْها سُلامى واحده ... كلْتاهما مقرونة بزائدهْ ) - الرجز - وأما القياس فمن وجهين أحدُهما أنَّ الضمير يعود إليه بلفظ التثنية في بعض المواضع كقول الشاعر

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 400 ]

-

( كلاهما حين جدّ الجريُ بينهما ... قد أقلعا وكلا أنفيهما رابي ) - البسيط - والثاني أنَّهما في الجرّ والنصب بالياء وفي الرفع بالألف إذا أضيفا إلى مضمر

والجواب أنَّ الشعر لا يعرفُ قائلة على أنَّه محمول على الضرورة وقد جاز حذف شطر الكلمة في الضرورة كقول لبيد 84 -

( درس المنا بِمُتَالعِ فأًبانِ ... ) - الكامل - أراد ( المنازل ) وقال العجَّاج

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 401 ]

-

( قواطناً مكّة من ورق الحمي ... ) أراد ( الحمام ) وهذا لا يقاس عليه ولا يثبت به أصل

وأمَّا عود الضمير المثّنى إليه فعلى المعنى والإفراد على اللفظ وهذا مثل ( كُلّ ) و ( مَن ) فإنَّ الضمير يعود إلى لفظهما تارة كقوله تعالى ( وكلّهم آتيه يوم القيامة فرداً ) و ( بلى من اسلم وجه لله ) وتارة يجمع حملاً على المعنى كقوله تعالى ( وكلُّ أتوه داخرين ) و ( ومن الشياطين من يغوصون له ومنهم من يستمعون إليك )

وأمَّا جعلها بالياء في الجر والنصب فلم يكن لما قالوا إذ لو كان كذلك لاستمرَّ مع المضمّر والمظهر كما في كلَّ مثنَّى وأنَّما قلبت الألف ياء مع المضمر لوجهين أحدُهما أنَّ ( كلا وكلتا ) يشبهان ( على وإلى ولدى ) في أنَّها لا تستعمل واحده بل لا بد من دخولها على الاسم وأنَّ آخره ألفً كآخرهما وكما تجعل الألف في ( على ) ياء مع المضمر كذلك ( كلا ) واختص ذلك بالنصب والجر كما أن ( على ) يكون موضعها نصباً بحقّ الأصل

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 402 ]

والثاني أنَّ ( كلا ) أذا أضيفت إلى المضمر لم تكن إلاَّ تابعةً للمثنّى فَجُعل لفظها كلفظ ما تتبعه استحساناً

فصل

وألف ا ( كلا وكلتا ) من واو عند قوم وياء عند آخرين وتاء ( كلتا ) بدلًّ من أحد الحرفين وألفها للتأنيث ونذكر ذلك في التصريف أن شاء الله

فصل

وأقوى ألفاظ التوكيد في الجمع ( كلّهم ) لأنَّها قد تكون أصلاً يليه العامل كقولك جاءني كل القوم وتكون مبتدأ كقوله تعالى ( كل نفس ذائقة الموت ) ومنه قوله تعالى ( إنَّ الامرَ كلّه لله ) فيمن رفع ومن نصب جعله توكيداً

وأمَّا ( أجمع ) وماتصرَّف منها فلا تكون إلاَّ تابعة فإذا اجتمعت ( كلٌّ ) و ( أجمع ) في التوكيد قدَّمت ( كلُّ ) عليها لشبهها بالمتبوع

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 403 ]

فصل

ولا يعطف بعض ألفاظ التوكيد على بعض لأنَّ معنى الجميع واحد بخلاف الصفة فإنَّ الصفة تدلُّ على معنى زائد على الموصوف

فصل

وإذا جمعت بين لفظي توكيد كان الثاني مفيداً زيادة التوكيد فقط كقوله تعالى ( فسجد الملائكة كلَّهم أجمعون ) وقال الزَّجاج الفائدة في ( اجمعون ) بعد ( كلّ ) الدلالة علىأنَّ سجود الملائكة وقع في حال واحدة وفي هذا نظر

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 404 ]

باب النعت

النعت والوصف بمعّنى فأمَّا ( الصفة ) فهي عند النحويَّين بمنزلة الوصف وأصلها ( وصْفة ) فحذفت واوها كما حذفت في ( عدة وزنة ) وأمَّا المتكلمون فيقرقون بين الوصف والصفة فالوصف لفظ الواصف كقولك ظريف وعالم والصفة هي المعنى العامّ الموصوف

فصل

والغرض من الوصف الفرق بين مشتركين في الاسم أو المدح أو الذم أو التعظيم فقطع الاشتراك كقولك مررت بزيد الظريف أي انَّ ثَّم جماعة كل منهم اسمه زيد / والمختص بالظرف منهم واحد ولذلك لم يوصف المضمرإذ لا اشتراك فيه لعوده إلى الظاهر والمدح والتعظيم يقعان في صفات الله عز وجل والذم كقولك مررت بزيد الخبيث الفاسق فإنَّك لا تقصد تمييزه عن غيره بل تقصد إعلام السامع بما فيه من الأوصاف المذمومة

فصل

وإنَّما لزم أن تكون الصفة بالمشتق أو الجاري مجراه لأنَّ الفرق إنَّما يحصل بأمر عارض يوجد في أحد الشيئين أو الأشياء دون باقيها وهذا إنَّما يكون في المشتقات مثل

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 405 ]

الحلية نحو الأسود والأزرق والغريزة مثل العقل والحسن والفعل نحو القيام والإكرام أو الصناعة نحو البزَّاز والعطَّار والنسب نحو بصريَّ وهاشميَّ

وأمَّا الجاري مجرى المشتقّ فمثل مررت برجل ابي عشرة وبحيّة ذراع طولها كانّك قلت مررت برجل كثير الأولاد وبحيّة مذروعة

فصل

ولابد في الصفة من ضمير يعود على الموصوف لأنَّ ذلك من ضرورة كونه مشتقا أن يعمل في فاعل مضمر أو مظهرً فالمضمر هو الموصوف في المعنى والمظهر لا بد ان يصحبه ضمير الموصوف ليصير من سببه به كقولك مررت برجل قائم زيدٌ عنده فلولا الهاء لكان الكلام أجنبيا من الاوَّل ولم يكن صفة له

فصل

وإنَّما كانت الصفة كالموصوف في التعريف والتنكير والإفراد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث والإعراب لأنَّ الصفة هي الموصوف في المعنى ومحالٌ أن يكون الشيء الواحد معرفة ونكرة ومفرداً وأكثر في حالٍ واحدة

فصل

فأمَّا قولُهم ثوب أسمال وبرمة أعشار فأنَّما جاز لَمَّا كان الثوب يجمع رقاعاً وكأن كل ناحية منه سمل والبرمة مجتمعة من أكسار فصار التقدير ذات أكسار

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 406 ]

فصل

والعامل في الصفة هو العامل في الموصوف لأنَّها هي هو في المعنى ولذلك جاز أن يحذف الموصوف ويولى العامل الصفة فتقول مررت بالظريف ولا تكرر العامل معها فلا تقول مررت بزيد بالظريف وقال الأخفش العامل فيها معنويّ وهو كونها تابعة وهذا إن به أنَّها تابعة للموصوف في الحقيقة فذلك لا يقتضي العمل وإن أراد أنَّها تابعة له في الإعراب فليس ذلك بيانا للعامل وهو مذهب الجميع وإنَّما الخلاف في العامل في هذا التابع ما هو لأنَّ التبعية معنى واحد والشيء الواحد لا يعمل أعمالا مختلفة في معمول واحد

فصل

وإذا اختلف العامل في الأسماء لم تنعت بنعت واحد كقولك جاء زيد ورأيت عمراً الظريفين فلا يجوز نصب الصفة ولا رفعها لأنَّها لفظ واحد

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 407 ]

مثنى فلو رفعت أونصُبت لتبعت أحد الأسمين وعمل فيها عامله فينقطع تبعا للآخر والتثنية تأبى ذلك لأنَّها تدل على أنَّ الصفة تابعة لهما

فصل

فأن كان الإعراب واحداً والعامل مختلف فالحكم كذلك لأنَّ العاملين لا يعملان عملاً واحداُ في معمول واحد كان العاملان بمعنى واحد كقولك ذهب زيد وانطلق عمرو فالحكم كذلك عند بعض البصريَّين لأنَّ العامل لفظ وقد خالف لفظ الثاني لفظ الأوَّل والمعنى لا يعمل هنا حتى يؤثَّر اتَّفاقهما في المعنى

فصل

إذا تكَّررت النعوت جاز حمل الجميع على الموصوف وهو الظاهر وجاز نصبها بإضمار أعني ورفعها على إضمار ( هو ) ودل هذا الإضمار على زيادة المدح والذّم لأنَّه يصير بذلك جملة مستقلة

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 408 ]

فصل

ويجوز عطف بعض الصفات على بعض تنبيهاً على زيادة المدح والذم كقولك مررت بزيد الكريم والعاقل ف ( الواو ) تدلَّ على أنَّه المعروف بذلك

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 409 ]

باب عطف البيان

وهو أن تجري الأسماء الجامدة مجرى المشتقة في الإيضاح إذا كان الثاني أعرف من الاوَّل كقولك مررت بزيد أبي عبدالله إذا كان بالكنية أعرف وبأبي عبدالله زيد إذا كان الاسم أعرف وليس هو ههنا ببدل لأنَّه كالموصوف في التعريف والتنكير وجميع ما ذكرناه في الصفة وليس البدل كذلك

وفي بعض المواضع يجوز أن يكون عطف بيان وأن يكون بدلاً وفي بعضها يتعين أحدُهما كقولك جاءني زيد أبو محمد يحتملها وفي قولك ياأيَّها الرجل زيد يتعين أن يكون عطف بيان وفي قولك يا أخانا زيداً إنْ نصبت كان بياناً وإن أردت البدل ضممت ( زيداً ) لأنَّ حرف النداء يقدر عوده مع البدل

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 410 ]

باب البدل

الغرضُ من البدل هو الغرض من الصفه وقد ذكر والفرق بين البدل والصفه أنَّ الصفه بالمشتقَّ والبدل بغير المشتقّ وأنَّ الصفة كالموصوف في التعريف والتنكير وغيرهما والبدل يجوز أن يخالفُ الْمُبْدَلَ منه في التعريف والتنكير والإظهار والإضمار وأنَّ البدل يكون ببعضً من كلّ وبمعنى يشتمل عليه الأوَّلُ والصفة بخلافِه والفرقُ بْيَن البدل وعطفِ البيان قد تقدَّم

فصل

وبدلُ الشيء في اللغة ما قام مقامَهُ وهو على هذا المعنى في أصطلاح النحويَّين ألا ترى أنَّك لو حذفت الأوَّل وأقتصرت على الثاني لأغناك عنه ولذلك قال بعضهم عبرة البدل ما صلح لحذف الأوَّل وإقامة الثاني مقامه وقال بعض النحوييَّن لا يصحُّ هذا الحدَّ والدليلُ عليه قول الشاعر 86 -

( فكأنَّهُ لَهِقُ السراة كأنَّه ... ما حاجبيه معيَّن بسوادِ ) - الكامل

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 411 ]

لو حذفت الهاء هنا فقلت كأنَّ حاجبيه معيَّن لم يستقم لأنَّ المبتدأ مثنّى والخبر مفرد واستدلَّوا أيضاُ بقولك زيد ضربت أباه عمراً ف ( عمروٌ ) بدلٌ من ( أباه ) فلو حذفته فقلت زيدٌ ضربت عمرا لم يجز لخلوّ الجملة من ضمير يعود على المبتدأ وهذا الاستدلال ضعيف جدّاً أمَّا البيت فوجه جوازه أنَّه أفرد الخبر عن المثتَّى وهويريد التثنية كما قال الآخر 87 -

( لمن زحلوقة زلُّ ... به العينانِ تنهلُّ ) - الهزج - وكقول الأخر 88 -

( وكأنَّ في العينين حَبّ قَرَنْفُلِ ... أو سُنْبلاً كُحِلَتْ به فانهلَّتِ ) - الكامل - وأمَّا المسألة فالمانعُ ثَّم الإضمارُ وهو عارض

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 412 ]

فصل

وتبدل المعرفة من المعرفة ومن النكرة والنكرة من المعرفة إلاَّ أنَّك إذا ابدلت النكرة من المعرفة فلا بدَّ من صفة النكرة كقوله تعالى ( لنسفعنْ بالناصية ناصيةٍ كاذبة ) لأنَّ المعرفة أبْيَنُ من النكرة فإذا لم تصف النكرة انتقض غرض البدل وإذا وصفتها حصل بالصفة بيان لم يكن بالمعرفة

فصل

وكلَّ الأسماء يصلح أنَّ يبدل منها إلاَّ ضمير المتكلم والمخاطب لأنَّهما في غاية الوضوح كقولك مررت بي بزيد وبك عمرو وأجازه قوم والذي جاء منه في بدل الأشتمال والبعض فالاشتمال كقول الشاعر 89 -

( ذريني إنَّ أمرك لنْ يُطَاعا ... وما ألفيتُني حِلْمي مُضَاعاً ) - الوافر - ف ( حلمي ) بدل من ( الياء ) ومن البعض قول

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 413 ]

-

( أوْعَدني بالسجنِ والأداهم ... رجلي ورجلي شَثنَةُ المناسم ) - الرجز - ف ( رجلي ) بدل من الياء

فصل

ولا يحتاج في بدل الكل إلى ضمير يعود على الأوَّل لأنَّ الثاني هو الأوَّل ويحتاج إليه في بدل البعض والاشتمال لأنَّ الثاني مخالف للاوَّل فيرتبط به بضميره كالجملة في خبر المبتدأ ويجوز حذفه إذا كان معلوماً كقوله تعالى ( وللهِ على النَّاس حجًّ البيت من استطاع إليه سبيلاً ) أي منهم

فصل

وشرط بدل الاشتمال أن يكون الأوَّل مشتملاً على الثاني والثاني قائم به كقولك يُعجبني زيدُ عقلهُ وعرفت أخاك خبره وحقُّه التقديم أي يعجبني عقل زيد ولكن لمَّا كان يكتسب من عقله وصف الحسن والإعجاب جاز أن يؤخر ويُجعل بدلاً منه فإن لم يكن كذلك لم يجزكقولك يعجبني زيد ابوه لأنَّ ( زيداً ) لا يشتمل على الاب بل كلّ واحد منهما منفصلٌ عن الاخر ويتضح بقولك ( مات زيد / اخوه ) فانه ليس من الاشتمال بل من الغلط

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 414 ]

فصل

وحقَّ بدل الغلط أن يستعمل ب ( بل ) لأنَّها موضوعة للإضراب عن الاوَّل ولكن جاز حذفها لوضوح معناها

فصل

والعامل في البدل غير العامل في المبدل منه وذلك العامل هو تقدير الإعادة أي إعادة ا لعامل الاوَّل فقولك مررت بزيد أخيك تقديره بزيد بأخيك وقال قوم العاملُ فيه عامل الأوَّل

وحجّة الأوَّلين من وجهين أحدُهما أنَّ العامل قد ظهر في كثير من الكلام فمن ذلك قوله تعالى ( قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم ) فأعاد ( اللام ) مع البدل وقال تعالة ( كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز ) فأبدل الصراط من النور وأعاد ( إلى ) وقال تعالى ( ولا تكونوا من المشركين من الذين فرَّقوا دينهم ) فأعاد ( من ) وهو كثير في القرآن والشعر

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 415 ]

والوجه الثاني أنَّ البدل كالمبدل منه في جميع أحكامه بحيث لو ابتدئ به لم يقدّر هناك محذوف بخلاف الصفة وما أجري مجراها وفلمَّا لم يكن تبعاً في الحقيقة لم يكن تبعا في العمل فلذلك قدّر له عامل أغنى عن تقدّم ذكره

واحتّج الآخرون بأنَّه لو كان له عامل يخصّه للزم إظهاره إذ ليس هناك شيء ينوب عنه

والجواب أنَّ تقدم العامل وكون الثاني هو الأوَّل أغنى عن لزوم تكَّرر العامل وليس كذلك الصفة ألا ترى أنَّ المعطوف لَمَّا كان غير الأوَّل احتاج إلى ما ينوب عن العامل فجيء بالحروف

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 416 ]

باب عطف النسق

العطفُ ليَّ الشيء والالتفات إليه يقال عطفت العود إذا ثنيته وعطفت على الفارس التفت إليه وهو بهذا المعنى في النحولأنَّ الثاني ملويُّ على الأوَّل ومثني إليه ولذلك قدَّرت التثنية بالعطف والعطف بالتثنية

فصل

ولا بدَّ في عطف النسق من حرف يربط الثاني بالأوَّل إذْ كانا غَيْرَيْنِ

فصل

وقد وضعت له حروف تشرك بين الشيئين في العامل فمنها ما لا يفيد سوى التشريك ومنها ما يفيده مع غيره

فصل

و ( الواو ) أصل حروف العطف لأنَّها لا تدل إلاَّ على الاشتراك عند المحقَّقين فأمَّا ( الفاء ) وغيرها فتدل على الاشتراك وشيء آخر فهي كالمركَّب والواو كالمفرد والمفرد أصل للمرَّكب وسابق عليه

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 417 ]

فصل

( الواو ) لا تدلُّ علىالترتيب عند الجمهور وقالت شرذمة تدلُّ عليه

وحجَّة الأوَّلين السماعُ والقياس فمن السماع قوله تعالى ( وادخلوا الباب سُجَّداً وقولوا حطَّة ) وقال في آية آخرى ( وقالوا حطّة وادخلوا الباب سًجَّداً ) والقصة واحدة , وقال لبيد 91 -

( أُغْلي السباء بكُل أدْكن عاتق أو جَوْنة قُدحَتْ وفض ختامها ) - الكامل - فالجونة الدنّ وقد حت غرفت وفضّ الختام يكون قبل الغرف وهو كثير في القرآن والشعر وأمَّا القياس فهو أنَّ الواو تقع في موضع يمتنع فيه الترتيب وتمتنع من موضع يجب فيه الترتيب

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 418 ]

فمن الأوَل قولك المال بين زيد وعمرو ولو قلت ( فعمرو ) لم بجز لأنَّ ( بيناً ) يقتضي أكثر من واحد ومن ذلك سواء زيدُ وعمرو سيّان زيد وعمرو و ( الفاء ) هنا لا تجوزلأنَّ التساوي لا يكون في الواحد ومن ذلك اختصم زيد زعمرو والفاء لا تصلح هنا ومن ذلك أنَّ العطف بالواو نظير التثنية والتثنية لا تفيد سوى الاجتماع ومن الثاني أنَّ ( الواو ) لا تستعمل في جواب الشرط لما كان مرتّبا على الشرط والفاء تستعمل فيه وأمَّا الآخرون فتمسكَّوا بشبه لا دلالة فيها على الترتيب من جهة الواو فأضربنا عن ذكرها لوضوح الجواب عنها

فصل

( الواو ) تقع على وجوه أحدها العطف المطلق والثاني ( واو الحال ) كقوله تعالى ( وطائفة منهم قد أهّمتهم أنفسهم )

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 419 ]

والثالث أن تكون بمعنى ( مع ) والرابع ان تكون للقسم والخامس أن تضمر بعدها ( رب ) والسادس أن تكون بمعنى ( الباء ) كقولك بعت الشاءَ شاةٌ ودرهم أي بدرهم

فصل

ولا تزاد ( الواو ) عند أكثر البصريَّين لوجهين أحدهما أنَّ الحروف وضعت للاقتصار أو عوضاً عن ذكر الجمل ( كالهمزة ) فإنها بدل عن ( استفهم ) أو ( أسأل ) و ( ما ) بدل عن ( أنفي ) فزيادتها تنقض هذا الغرض والثاني أنَّ الحروف وضعت للمعاني فذكرها دون معناها يوجب اللبْس وخلوَّها عن المعنى وهو خلافُ الأصل

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 420 ]

واحَّتج الآخرون بقوله تعالى ( حتّى إذا جاؤؤها وفتحت أبوابها ) ف ( الواو ) زائدة والفعل جواب ( إذا ) ولذلك لم تكن في الموضع الأول وقال الشاعر

( حتّى إذا قَملِتْ بطونُكُم ... ورأيتم ابناءكم شبَّوا ) وقَلبْتُم ظِهْرِ المِجْنّ لنا ... إن اللئيم العاجز الخبَّ ) - الكامل - والجواب أنْ جواب ( إذا ) في هذه المواضع محذوف فالتقدير في الآية حتّى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها عرفوا صحّة وما وُعدوا وعاينوه وقدّ دلّ عليه قوله تعالى ( وقالوا الحمدُ لله الذي صَدَقَنا وَعدْهَ ) والتقدير في البيت حتى إذا فعلتم هذه الأشياء عرف غدركم وفجوركم ولؤمكم

وحذف الجواب كثيرً في القرآن والشعر فمنه قوله تعالى ( ولولافضلُ الله عليكم ورحمُته وأنَّ الله تَّوابُ حكيم ) وفي هذاه السورة ( ولولا فضل الله

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 421 ]

عليكم ورحمته وأنّ الله رؤوفّ رحيم ) والتقدير لهلكتم وقوله تعالى ( ولو أنَّ قرآنا سُيَّرتْ به الجبال أو قًطُّعت به الأرض ) أي لكان هذا القرآن وحذف الجواب أبلغ في هذا المعنى من ذكره ولأنَّ الموعودَّ أو المتوعد إذا لم يذكر له جواب ذهب وهمه إلى أبلغ غايات الثواب والعقاب فيكون أبلغ في الطاعة والأنزجار

فصل

ومعنى الفاء ربط ما بعدها في بما قبلها فالعاطفة تربط بين المعطوف والمعطوف عليه فيما نسب إلى الأوَّل إلاَّ أّنَّها تدل على أنَّ الثاني بعد الأوَّل بلا مهلة وإذا وقعت جوابا علَّقت ما بعدها بما في قبلها ومن هنا قال الفقهاء تدلَّ ( الفاء ) على أنَّ ما قبلها سببّ لما بعدها ومعتبر فيه

فصل

ولا تكون ( الفاء ) زائدة لما ذكرنا في ( الواو ) وقال الأخفش قد زيدت في مواضع منها قوله تعالى ( قل إنَّ الموت الذي تفرُّون منه فإنَّه ملاقيكم ) لأنَّ

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 422 ]

الفاء تكون في خبر الذي غير زائدة والخبر هنا للموت وليس فيه معنى الشرط ومنه قول الشاعر 93 -

( لا تجزعي إنْ منفسا أهْلُكته ... فإذا هلكت فعند ذلكَ فاجزعي ) فالفاء الأولى زاائدة وقيل الثانية

فصل

و ( ثّم ) كالفاء في التشريك والتريب إلاَ أنَّها تَدُلُّ على الْمُهَلةِ إذْ كانت أكثر حروفا من الفاء وقد جاءت لترتيب الأخبار لا لترتيب المخبر عنه كقوله تعالى ( فإلينا مرجُعهم ثُمَّ اللهُ شهيدٌ على ما يفعلون ) وقال ( وأن استغفروا ربّكم ثمَّ توُبوا إليه ) وتقول زيد عالم كريم ثَّم هو شجاع

فصل

وأمّا ( أو ) فتشرك في الإعراب ولها معان أحدها الشكَّ في الخبر كقولك قام زيد أو عمرو والمعنى أحدُهما ولذلك تقول فقال كذا أو كذا ولا تقول فقالهما

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 423 ]

والثاني أن تكون لتفصيل ما أبهم كقوله تعالى ( وقالوا لن يدخل الجنَّة إلأّ مَنْ كان هودا أو نصارى ) أي قالت اليهود لن يدخل الجنَّة من إلا من كان هوداً وقالت النصارى لن يدخل الجنة إلا من كان نصارى وكذلك قوله تعالى ( كونوا هودا أو نصارى ) ومنه قول القائل كنت بالبصرة آكل السمك أو التمر أو اللحم أي في أزمنه متفرقة ولم يرد الشك والثالث أن تكون للتخيير كقوله ( فكّفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تُطْعِمُونَ أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة ) فلإن اتّصل بالأمر لم يجمع بينهما كقولك خذ درهما أو دينارا فإن وجدت قرينة تدل على الإباحة جاز الجمع بينهما كقولك جالس الفقهاء أو الزَّهاد لمن يجالسُ الأشرار

فصل

وإن اتَّصلت بالنهي وجب اجتناب الأمرين عند محققَّي النحوييَّن كقوله تعالى ( لا تُطَعِ منهم آثماً أو كفورا ) أي لا تطع أحدًهما فلو جمع بينهما لفعل المنهيّ عنه مرَّتين لأنَّ كلّ واحد منهما أحدهما

فصل

وقد تكون ( أو ) للتقريب كقولك ما أدري أأذنّ أو أو أقام أي لسرعته

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 424 ]

وإنَّ كان يعلم أنَّه أذَّن ومن ذلك قوله تعلى ( وما أمر الساعة إلاّ كلمح البصر أو هو أقرب )

فصل

ولا تكون ( أو ) بمعنى ( الواو ) ولا بمعنى ( بل ) عند البصرَّيين وأجازه الكوفَّيون

وحجَّة الأوَّلين أنَّ الأصل استعمال كل حرف فيما وضع له لئلاَّ يفضي إلى اللبس وإسقاط فائدة الوضع واحتَّج الآخرون بأنَّ ذلك قد جاء في القرآن والشعر فمن ذلك قوله تعالى ( وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون ) أي ويزيدون وقال تعالى ( حرَّمنا عليهم شحومهما إلاّ ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم ) وهي بمعنى الواو و ( الحوايا ) عطفت على الشحوم أو الظهور وقال الشاعر [ من الطويل ] 94 -

( بَدتْ مثل قَرْنِ الشمس في رونق الضُّحى ... وصورتها أوْ أنْت في العْيًن أمْلَحُ )

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 425 ]

أي بل أنت

والجواب أنَّ ( أو ) في الآية الأولى لشكّ الرأي أي لو رأيتهم لقلت هم مائة ألف أو يزيدون ةوقيل هي للتخيير وقيل للتقريب وقيل للتفصيل أي بعض الناس يجزرهم كذا وبعضهم كذا وأمَّا الآية الثانية ف ( أو ) تنبّه على تحريم هذه الأشياء وإنّ اختلفت مواضعها أو على حلَّ المستثنى وإن اختلفت مواضعه وهذا كما ذكرنا في دلالة ( أو ) على تفريق الأشياء على الأزمنة وأمَّا البيت فالمحفوُظ فيه ( أم أنت ) ولو قدّر صحّة ما رَوَوْا فهي على الشكّ أي صورتها أو أنت أملحُ من غيركما ولهذا كقولهم الحسن والحسين أفضل أم ابن الحنفية

فصل

و ( إمَّأ ) ك ( أو ) في الشك والتخيير والإباحة إلاَّ أنَّها أثبت منها في الشكَّ لأنَّك تبتدىء بها شاكّاً و ( أو ) ياتي الشكّ بها بعد لفظ اليقين

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 426 ]

فصل

وقد زعم قوم أنَّها مركَّبة من ( إنْ ) الشرطية و ( ما ) النافية لأنَّ المعنى في قولك قام إمَّا زيدٌ وإما عمرو وإنْ لم يكن قام زيد فقد قام عمرو وهذا تعسُّف لا حاجة إليه لأنَّ وضعها مفردة أقرب من دعوى التركيب وليست ( إمَّا ) من حروف العطف أمَّا الأولى فليس قبلها ما يعطف عليه وأمَّا الثانية فيلزمها الواو وهي العاطفة

فصل

وأمَّا ( لا ) فتثبت الفعل للأوَّل دون الثاني ولا يحسن إظهار العامل بعدها لئلاَّ يلتبس بالدعاء إلا ترى أنَّك لو قلت قام زيد لا قام عمروٌُ لأشبه الدعاء عليه

فصل

وإذا عطفت بالواو وزدت معها ( لا ) أفادت المنع من الجميع كقولك والله لا كلَّمت زيداً ولا عمراً ولو حذفتها جاز أن تكَّلم أحدهما لأن الواو للجمع وإعادة ( لا ) كإعادة الفعل فيصير الكلام بها جملتين

فصل

وأمَّا ( بل ) فتشرك بها في الإعراب وتضرب بها عن الأوَّل نفيا كان

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 427 ]

أو إثباتاً كقولك ما قام زيدٌ بل عمروٌ وقام زيد بل عمرو ومن هنا استعملت في الغلط وقد جاءت للخروج من قصّة إلى قصة كقوله تعالى ( أتأتون الذُّكران من العالمين ) ثَّم قال ( بل أنتم قوم عادون ) ) وقيل ههنا لا تدلَّ على أنَّ الأوَّل لم يكن بل دلَّت على الانتقال من حديث إلى حديث آخر وهذا كما يذكر الشاعر معاني ثُمَّ يقول فعد عن ذلك أو فدع ذا

فصل

وأمّا ( لكنْ ) فللاستدراك مشدَّدة كانت أو مخففة وليست للغلط إلاَّ أنَّها في العطف مخفَّفة البتَّة وما بعدها مخالف لما قبلها لأنَّ ذلك هو معنى الاستدراك ولهذا كان الاستثناء المنقطع مقدرا ب ( لكنْ ) وإذا كانت معها ( الواو ) فالعطف بها ( لا ( بلكن ) فالاستدراك لازم والعطف عارضٌ فيها

فصل

ولا يعطف بها إلاَّ بعد النفي وذهب الكوفَّيون إلى العطف بها بعد الإثبات

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 428 ]

وحجَّة الأوَّلين أنَّ الاستدراك لازم لها والاستدراك لا يكون إلاَّ المختلفين فإذا كان الأوَّل نفياً كان الثاني إثباتا فيصح أنْ يقدر العامل بعدها كقولك ما قام زيدُ لكن عمرو أي لكن قام عمرو ولا يصح ذلك بعد الإثبات كقولك قام زيد لكن عمرو لأنك إن قدرت لكن قام عمرو ولم يكن الثاني مخالفا للأوَّل وأنْ قدرت لكن ما قام عمرو لم يصح لأنَّك قدرت مع العامل ما ليس بعامل وحرف العطف إنَّما ينوب عن العامل فقط ويدل على ذلك أنَّك لو قلت قام زيدٌ لكنْ عمروٌ لم يقم كان جائزا فظهور النفي والفعل بعد الاسم دليلُ علىأنَّه لم يكن مقدرا بعد لكن

واحتَّج الآخرون بأن ( لكن ) ك ( بل ) في المعنى فكانت مثلها في العطف وهذا باطل لوجهين أحدُهما ما ذكرنا من اختلافهما في المعنى والثاني أنَّهما لواستويا في العطف لأدَّى إلى الاشتراك والأصل أنْ ينفرد كل حرف بحكم وقد ذكرنا ما يبين به الفرق بين الحرفين في الفصل قبله

فصل

وأمَّا ( أمْ ) فيعطف بها متصلة ومنقطعة فالمتَّصلة هي المعادلة لحرف الاستفهام

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 429 ]

ويقدّر الكلام فيها ب ( أيَّهما ) كقولك أزيد عندك أم عمرو أي أيَّهما عندك فإن كان بعد ( أم ) جملة تامة مخالفة للأولى كانت منقطعة كقولك ازيد عندك أم عمرو في الدار لأنَّ ( أيّا ) لا تقع ههنا وسببه أنّ ( أيهما ) اسم مفردفالخبر عنه واحد فإذا اختلف الخبران لم يستند إلى أيَّهما

فصل

فإنْ كان مكان الهمزة ( هل ) كانت ( أم ) منقطعة كقولك هل زيد عندك أم عمرو لأن ( هل ) لا تستعمل في الإثبات توبيخاً بخلاف الهمزة ألا ترى إلى قول الراجز 95

( أطَرباً وأنْتَ قِنَّسْرِيُّ ... ) - الرجز - ولو قلت هل تطرب وأنت شيخ علىالتوبيخ لم يجز وكذلك لا تستعمل

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 430 ]

( هل ) في التسوية والهمزة تستعمل فيها فلما كانت الهمزة أوسع تصرفا خصّت ( أم ) بمعادلتها

فصل

وقد تأتي ( أم ) بمعنى ( بل والهمزة ) وذلك بعد الخبر والاستفهام فمن الخبر إنها لإبل أم شاء وذلك أنَّه رأى شيئا من بعيد فظنه إبلاً ثم بان خلاف ذلك فاستفهم بعد فرجع عن الأوَّل ف ( أم ) جمعت الإضراب والاستفهام وتقول في الاستفهام هل زيد عندك أم عمرو في الدار فهما سؤالان والمتصّلة سؤال واحد

فصل

والفرق بين ( ام ) المتَّصلة و ( أو ) أنَّ ( أو ) لأحد الشيئين و ( أم ) سؤال عن المشكوك في عينه فمثاله أن تقول أزيد عندك أو عمرو شاكّ في أصل وجود أحدهما عنده فإذا قال نعم أثبتَّ وجود أحدهما مبهماً فإذا أردت التعيين قلت أزيد عندك أم عمرو فالجواب أن تقول زيد أو عمرو ولا تقول ( نعْم ) ولا ( لا ) ولو قال في جواب ( أو ) ( لا ) أو ( نعمْ ) جاز

فصل

وأمَّا ( حتّى ) فقد تكون بمعنى ( الواو ) بشروط قد ذكرت في بابها

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 431 ]

فصل

وحروف العطف غير عاملة لأنَّها لو عملت لعملت عملا واحدا والواقع بعدها أعمال مختلفة ولأنَّها غير مختَّصة بالأسماء ولا بالأفعال فعلم أنَّها نائبة عن ذكر العامل لا نائبة عنه في العمل

فصل

ولا يعطف على الضمير المرفوع المتصل حتّى يؤكد وقال الكوفَّيون يجوز من غير توكيد

حجَّة الأوَّلين أنَّ الضمير إنْ كان مستترا لم يعطف عليه لأنَّ العطف من أحكام الألفاظ لا المعاني وإنْ كان ملفوظا به فهو في حكم جزء من الفعل بدليل أنَّ الفعل يسكن له وأدلة أخرى قد ذكرناها في باب الفاعل فالعطف عليه كالعطف على بعض الكلمة فإذا أكّد قوي

واحتج الآخرون بقوله تعالى ( ما أشركنا ولا آباؤنا ) وبقول الشاعر 96

( قلت إذ أقبلت وزهرُ تهادى ... كنعاج الملا تعسّفن رملا ) - الخفيف - وبأنَّ العطف كالتوكيد والبدل

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 432 ]

والجواب أمَّا الآية فإنَّ ( لا ) سد فيها مسدّ التوكيد وأمَّا البيت فقيل ( الواو ) واو الحال و ( زهر ) مبتدأ وقيل هو شاذّ لا يقاس وأمَّا التوكيد والبدل فهما المضمر في المعنى بخلاف المعطوف

فصل

ولا يعطف على المضمر المجرور إلاَّ بإعادة الجارّ وأجازه الكوفَّيون من غير إعادة وحجَّة الأوَّلين من ثلاثة أوجه أحدُها أنَّ الضمير المجرور مع الجارّ كشيء واحد ولذلك لم يكن إلاَّ متصَّلا فالعطف عليه كالعطف على بعض الكلمة والثاني أنَّ المعطوف لو كان مضمراً لم يكن بدُّ من إعادة الجرّ فكذلك إذا كان معطوفاُ عليه

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 433 ]

والثالث أنَّ الضمير كالتنوين مع الإضافة وأنَّه على حرف واحد كما لا يعطف على التنوين كذلك الضمير

وأحتَّج الآخرون بقوله تعالى ( فاتَّقوا الله الذي تساءلون به والأرحام ) على قراءة الجرّ وبأبيات أنشدوها أمَّا الآية فقراءة الجرّ فيها ضعيفةوالقارئ بها كوفيَّ تنبيهاً على أصولهم وقيل هي واو القسم وجواب القسم ما بعدها وقيل أراد إعادة ( الباء ) فحذفها وأمَّا الأبيات فمنها ما لا يثبت في الرواية وما يثبت منها فهو شاذّ وبعضها يمكن إعادة الجارّ معه وله نظير نذكره من بعد

مسألة

ولا يجوز العطف على عاملين وإجازة الأخفش وصورته ما زيد بذاهب ولا قائم عمروً ف ( قائم ) معطوف على المجررو و ( عمرو ) معطوف على المرفوع ولا يجيزه الاخفش إلاَّ إذا ولي المجرور المجرور وتأخر المرفوع كقولك زيد في الدار والسوق وعمروٌ

وحجَّة الأولين من وجهين

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 434 ]

أحدُهما أنَّ حرف العطف نائب عن العامل وليس من قوته أن ينوب عن اثنين فلذلك لا يصحّ إظهارهما بعده والثاني أنه لو جاز العطف على عاملين لجاز على أكثر ولجاز أن يتقدم المرفوع على المجرور كقولك زيد في الدار وعمرو السوق أنَّه واحتج الآخرون بقوله تعالى ( واختلاف الليل والنهار ) إلى قوله ( آيات لقوم يعقلون ) ف ( اختلاف ) بالجرّ معطوف على ( خلقكم ) و ( آيات ) الثالثة معطوفة على ( آيات ) الأولى المنصوبة ب ( إنَّ ) وبقول الشاعر من 97 -

( هَوَّنْ علْيك فَإنَّ الأمورَ ... بكفَّ الإله مقاديُرها )

( فليسَ بآتيكَ مَنْهيُّها ... ولا قاصرٌٍ عنك مأمورُها ) - المتقارب

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 435 ]

ف ( قاصر ) معطوف على ( آتيك ) و ( مأمورها ) على ( منهيُّهَّا ) وقال آخر 98 -

( أكلَّ امرىء تحسبين امرءاً ... ونار توقَّد في الحرب نارا ) - المتقارب والجواب أمَّا الآية فلا حجَّة فيها لأنَّ الآيات ذكرت توكيداً رفعت أو نصبت لتقدّم ذكرها وأمَّا البيت فيروى بالرفع على أنَّه خبر مقدَّم وبالنصب عطفاً على موضع خبر ليس وبالجرّ على غير ما احتّج به وبيانه أنَّ ( مأمورها ) ( مرفوع ب ( قاصر ) لأنَّه من سبب اسم ( ليس ) فلا يكون عطفاً على عاملين

فإنْ قيل من شروط ذلك أن يكون الضمير هو اسم ليس ليكون من سببه والضمير في ( مأمورها ) للأمور لا للمنهي قلنا بل هي للمنهي لأنّ المنهي أمر من جملة الأمور وأَّنث الضمير لأنَّ المنهيّ مضافٌُ إلى مؤنَّث فجوز تأنيث ضميره كما قالوا ذهبتْ بعضُ أصابعه وكما قال تعالى ( فله عشر أمثالها ) والتقدير

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 436 ]

ولا يقصر عنك مأمور المنهيّات والإضافة للتمييز لأن في المنهيات مأموراً على هذا المعنى حمله سيبويه وأمَّا البيت الآخر فالتقدير فيه وكلّ نار فحذفه لتقدَّم ذكره

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 437 ]

باب7 عمل اسم الفاعل

إنَّما أُعملِ اسم الفاعل إذا كان للحال أو الاستقبال لوجهين أحدُهما أنَّه جار على الفعل المضارع في حركاته وسكناته في الأغلب ف ( ضارب ) على زنة ( يَضرب ) و ( يُكرم ) على زنة ( مُكْرِم ) فأمَّا ( مُضْرَوب ) فكان قياسه ( مضرب ) لأنَّه على زنة ( يُضرب ) ولكنّهم زادوا ( الواو ) لينفصل الثلاثي من الرباعيّ وفتحوا ( الميم ) لثقل الضمَّة مع الواو وأمَّا ( فعَلُ وفَعيِلٌ ) فسيأتي الكلام عليهما والثاني أنَّ الأصل في الأسماء ألاَّ تعمل كما أنَّ الأصل في الأفعال ألاَّ تعرب إلا أنًّ المضارع أعرب لمشابهة اسم الفاعل فينبغي ألاَّ يعمل اسم الفاعل إلاَّ ما أشبه منه المضارع في الحال والاستقبال

فصل

فأمَّا اسم الفاعل إذا كان للمضيء فلا يعمل ومن الكوفيَّين من يعمله

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 438 ]

وحجَّة الأوَّلين في ذلك أنَّ الماضي لا يشبه اسم الفاعل ولا اسم الفاعل يشبهة فلم تحمل علته في العمل كما لم يحمل الماضي على الاسم في الإعراب

واحتجَّ الآخرون بقوله تعالى ( وكلبُهم باسطٌ ذراعَيْهِ بالوصيد ) وبقوله تعالى ( فالقُ الإصباح وجاعل الليل سكناُ والشمس والقمر ) فنصب المعطوف وبقولهم هذا معطي زيد درهما أمس ولا ناصب للدرهم إلاَّ الاسم

والجوابُ أمَّا الآية الأولى فحكاية حال كما يحكى الماضي بلفظ المضارع مثل قولك مررت بزيد أمسِ يكتب وأمَّا الآية الثانية ففيها جوابان أحدُهما أنَّه على الحكاية أيضاً لأنَّه سبحانه وتعالى في كلّ يوم يفلق الإصباح ويجعل الليل سكناً والشمس والقمر حسباناً والثاني أنَّ الشمس والقمر ينتصبان بفعل محذوف أي وجعل الشمس وهكذا يقدّر في المسألة المستشهد بها أي اعطاه درهماً

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 439 ]

فصل

اسم الفاعل الْمُعْمَلُ عمل الفعل تجوز إضافته فيجرُّ ما بعده والتنوين فيه مراد وحذف تخفيفا فإنَّ ثنَّي أو جمع حذف منه النون وأضيف لا غير إنَّ لم يكن فيه ألف ولام وإن نؤنت نصبت به لا غير وكذا إذا أثبت النون فإن كان فيه ألف ولام وهو مفرد لم تضفه إلاَّ لّمَّا فيها ألف واللام على ما نبيّنه وإن كان مثنَّى أو مجموعاَ جاز أن تحذف النون وتضيف كقولك هذان الضاربا زيد ويجوز أن تنصب ويكو ن حذف النون تخفيفاً لطوله بالألف واللام فانْ أثبتّ النون لم تكن فيه الإضافة

فصل

وقد حمل قولهم هذا الضارب الرجل على الحسن الوجه في الجمع بين الألف

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 440 ]

واللام والإضافة لأنَّ الإضافة لم تعرف فيهما والجيَّدَ النصب لأنَّ الألف واللام تمنع الإضافة

فإنْ قلت هذا الضارب زيداً لم تجز الإضافة لأن القياس ترك الإضافة في الجميع إلاَّ أنَّها جازت إذا كان في الثاني ألف ولام حملاً على باب الحسن الوجه فيجري غيره على القياس

فصل

وإنَّما يعمل اسم الفاعل وما حملِ عليه عمل الفعل إذا اعتمد على شيء قبله مثل أن يكون خبراً أو حالاً أو صفة أو صلة أو كان معه حرف النفي أوالاستفهام لأنَّه ضعيف في العمل لكونه فرعاً فقوي بالإعتماد وقال الأخفش وطائفة معه يعمل وإن لم يعتمد لقوّة شبهه بالفعل

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 441 ]

فصل

ويعمل فعّال وفعول ومفعال عمل اسم الفاعل لأن ما فيها من المبالغة وزيادة الحرف جَبْرٌ لما دخلها من النقص عن اسم الفاعل في جريانه على الفعل ومن الكوفيَّين من منع إعمال ذلك وهو مذهب مخالف لنصوص العرب فقد قال الشاعر 99 -

( ضروبً بنَصْلِ السيفِ سُوق سمٍانِها ... إذا عدموا زاداً فإنَّك عاقرُ ) - الطويل - وقال آخر 100 -

( فيالرزام رشحوا بي مقدماً ... إلى الموت خواضّاً إليه الكتائبا ) - الطويل

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 442 ]

فصل

فأمَّا ( فَعِلٌ وفعيل ) فيعملان عند سيبويه للمعنى الذي ذكرنا وقال الشاعر 101 -

( حَذِرٌ أموراً لا تضيرُ وآمنٌ ... ما ليس ينُجيه من الأقد ار ) - الكامل -

فصل

و ( فُعُل وفواعلُ ) جمعاً يعملان عمل المفرد لما بينهما من المشابهة قال طرفة 102

( ثُمَّ زادُوا أنَّهم في قومهمْ ... غٌفُرٌ ذَنْبَهمٌ غَيْرُ فُجُرْ ) والعربُ تقول هؤلاء حواجُّ بيتَ الله بالنصب على الإعمال وبالجرّ على الإضافة

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 443 ]

باب الصفة المشبَّهة باسم الفاعل

وهي كل صفة لا تجري على الفعل ممّا لا مبالغة فيه نحو حسن وبطل وشديد ومشابهتها له في أنَّها تثّنى وتجمع وتؤنث وهي مشتقّة كما أنَّه مشتقٌّ ف ( حسن وحسنان وحسنون وحسنه وحسنتان وحسنات ) مثل ( ضارب وضاربان وضاربون وضاربة وضاربتان وضاربات ) وينقص عن اسم الفاعل أنَّه على غير زنة الفعل فلهذا نقص عن عمله فلا يتقدّم معموله عليه

فصل

وتجتمع الإضافة والألف واللام في هذا الباب وما حملُ عليه لما ذكرنا في باب الإضافة إلاَّ أنَّه يجوز ههنا في الاسم الثاني عدّة أوجه أحدُها مررت برجلٍ حَسَنٍ وجهُه على أنَّ ترفع بالصفة ولا ضمير فيها لارتفاع الظاهر بها والهاء تعود على الموصوف 2 ) والثاني برجلٍ حَسًنٍ وَجْهَهُ فنصب على التشبيه بالمفعول وأجاز قوم نصبه على التمييز

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 444 ]

) والثالث برجل حسنِ وجههِ بالإضافة في قول سيبويه ومنعه الأكثرون واحتجّ بقول الشماّخ 103

( أمْن دِمنتينِ عّرسَ الركبُ فيهما ... بحقْلِ الرُّخامى قد عَفَا طَلَلاهُما ) - الطويل -

( أقامت على رَبْعَيْهِما جارتا صفا ... كُمَيْتا الأعالي جَوْنَتا مُصْطلاهما ) - الطويل - ف ( جونتا ) صفة ل ( جارتا ) والضمير المثّنى لهما

ومن حجة من خالفه أنَّ ذلك يفضي إلى أضافة الشيء إلى نفسه وتأوَّلوا البيت على أنَّ الضمير للأعالي وهو خلاف الظاهر فِإنَّ حَمْلَ التثنية على الجمع ليس بقياس وليست الإضافة هنا من إضافة الشيء إلى نفسه لإنَّ ( الْحَسَنَ ) للوجه و ( الهاء ) ليست للوجه وأنَّما حصَّلت التعريف كما تحصله الألف واللام 4 ) والوجه الرابع مررت برجلٍ حسنِ الوجه بالإضافة

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 445 ]

) والخامسُ الوجْهَ بالنصب على التشبيه بالمفعول أو التمييز 6 ) والسادس الوجهُ بالرفع وفيه ثلاث مذاهب أحدُها أنَّه فاعل والعائد محذوف تقديرهُ مررت برجلٍ حسنٍ الوجه منه فحذف للعلم به كما قال تعالى ( وأمَّا من خاف مقام ربِّه ونهى النفسَ عَنِ الهوى فإنَّ الجنَّة هي المأْوى ) أي هي المأوى له ومثله حذف العائد في الصلة واشباهها والثاني أنَّ في ( حسن ) ضمير فاعل والوجهُ بدلٌ منه وجاز ذلك لماكان الوجه جزءاً من الرجل والرجل مشتملٌ عليه ولا حذف على هذا الوجه والثالث أنَّ الألف واللام بدل من الهاء وهو قول الفرّاء وهو في غاية الضعف لوجهين أحدُهما أنَّ البدل ما كان في معنى الأصل والهاء تعرّف بالإضافة والألف واللام تعرّف بالعهد وهما مختلفان والثاني أنَّهما لو كانا بدلا من الهاء هنا لكانا كذلك في غيره وليس كذلك ألا ترى أنَّك لو قلت زيدٌ الغلام حسن وانت تريد غلامه لم يجز

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 455 ]

ومن المفعول قول الآخر 107 -

( ودعوا نزال فكنت أوَّل نازل ... وعلام أركبه إذا لم أنزل ) ومنها أنَّ الألف واللام دخلتا على بعضها كقولهم النجاءك بمعنى أنجُ

فصل

وفائدة وضع هذه الاشياء من وجهين أحدُهما أنَّه أبلغ في المعنى من الألفاظ التي نابت عنها والثاني الاختصار فإنَّه لا يظهر فيها علم التثنية والجمع والتأنيث إذ كانت اسما والامر يظهر فيه ذلك

فصل

ومعظم هذه الاسماء تنوب عن الأمر للمخاطب وإنّما كان ذلك لوجهين أحدهما أنَّ المخاطب يتنبّه للمراد منه بالاشارة وما هو اخفى منها فإذا لم يكن اللفظ صريحا في الدلالة على المعنى كهذه الأسماء خص بها المخاطب ليقوى بالمواجهة

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 446 ]

) والوجه السابع أنَّ يكون في الصفة الألفُ واللام كقولك مررتُ بالرجل الحسنِ فأنْ كان ( الوجهُ ) بعدها فيه الألف واللام ففيه الرفع والنصب والجرّ على ما تقدَّم وأنْ كان ( وجهه ) بالهاء ففيه الرفعُ والنصبُ على ماتقدّم وأمَّا الجرُّ فممتنعٌ لأنَّ الإضافة مع الألف واللام في ألاوَّل لا تكون إلاَّ إذا كان في المضاف إليه الألف واللام لما بينهما من المشابهة وهنا التعريفان مختلفان وقد وقع في هذا الوجه خمسة أوجه جائزه وواحد ممتنع فأمَّا أن يكون الوجه نكرة والصفة نكرة فالأوجه الثلاثة جائزة لأنَّه قد علم أنّه لا يريد إلاَّ وجه الْمَمْرورِ به وأن كان في الصفة الألفٌ واللام فالرفع والنصب جائزان والجرّ ممتنع لما تقدم فإذن جملة الوجوه الجائزة ستَة عشرَ واثنان ممتنعان

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 447 ]

حذف

[ باب اسم التفضيل ]

فصل

وأمَّأ ( أَفْعًلُ منك ) [ فالوجه ألا تعمل في مظهر إلاَّ أن يقع المظهر أن يقع موقع المضمر لأنَّ ( أَفْعًلُ منك ) ] بعد اسم الفاعل فإنَّه لا يثنَّى ولا يجمع ولا يؤنَّث فعند ذلك تقول مررت برجلِ أفضل منه أبوه فترفع على أنَّه خبر متقدّم ومثله مررت برجل خيرٌ منه أبوه وشرُّ منه غلامه لأنَّ أصل خير وشرّ ( أخير وأشرر ) و من العرب من يَعْمِلُ أفْعَل لأنَّه وصفٌ مشتقُّ

فصل

فأمَّا ما عمله في المضمر فجائز لأنَّ مضمره ليس بلفظ بل هو النيّة فأمَّا يقعَ موقع المضضمر فقولهم ما رأيت رجلاَ أحسن في عينيه الكحل منه في عين زيد فالكحل مرفوعٌ ب ( أحسن ) وجاز ذلك لما كان المعنى أحسن هو لأنَّ الذي يحسن بالكحل الرجل لا الكحل ومنه الحديث المرفوع ( ( ما من أيّامٍ أحبَّ إلى الله فيها الصومُ من عشر ذي الجحَّة ) )

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 449 ]

فصل

وإذا صُغّر المصدرُ لم يعمل لوجهين أحدُهما أنَّ التصغير كالوصف والثاني أنَّه يبعد من شبه الفعل إذ الأفعال لا تصغَّرَ ولا عبرة بتصغير فعل التعجب لما نذكره هناك

فصل

فأنْ وصف المصدر قبل المعمول لم يعمل لأنَّ الوصف يبعده من الفعل لأنَّ الفعل لا يوصف ولأنّ الوصف يفصل بين الموصول وصلته والمصدر موصول ومعموله من صلته

فصل

وأقوى المصادر عملاً المنوَّنُ لأنَّه أشبه بالفعل إذْ كان نكره وإن الفعل لايضاف ثّم يليه المضاف لأنَّ الإضافة في حكم الأسماء وقد لا تعرفّ وإذا

حذف

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 448 ]

باب ما يعمل من المصادر عمل الفعل

فصل

كلَّ مصدر صحَّ تقديره ب ( أنْ والفعل ) عمل عمل فعله المشتقّ منه وإنَّما كان كذلك لأنَّه يشبه الفعل في أنَّ حروفه فيه وأنَّه يشاركه في ا لدلالة على الحدث وأنَّه يكون للأزمنة الثلاثة فأنْ لم يحس تقديره بأنْ والفعل لم يعْمل لأنَّ الأصل في العمل للفعل وإذا لم يصحّ تقدير الاسم بالفعل بطل شيههُ به والذي لا يقدر بأن والفعل المصدر المؤكد نحو ضربت ضربا فأما قولك ضربا زيدا فالعمل للفعل المقدر الناصب للمصدر وربَّما وقع في كلام بعض النحوييّن أنَّ ( ضرباً ) هذا هو العامل وذلك تجوّز من قائله

فصل

ويعمل المصدر وإنّ لم يعتمد بخلاف اسم الفاعل لأنَّه قوي بكونهِ أصلاً للفعل وأنَّه موصوف لا وصف

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 450 ]

عرّفت كان التعريف ساريا من الثاني إلى الأوَّل بعد أن مضى لفظه على لفظ النكرة بخلاف الألف واللام ثم ما فيه الألف واللام وعمله ضعيف لأنَّ الألف واللام أداةٌ زائدة في أوَّله تنقله من التنكير إلى التعريف في أوَّل أحواله ومع ذلك فعمله جائز لأنَّ الشبه فيه باقٍ وهو قليل في الاستعمال ولم يأت في القرآن منه مُعْمًلٌ في غير الظرف فيما علمنا وأنّا جاء معملاً في الظرف كقوله تعالى ( لا يُحِبَّ اللهُ الجهر بالسوءِ من القول ) فأمَّا قول الشاعر 104

( ضعيفُ النكاية أعداءه ... يخال الفرار يُراخي الأجل ) - المتقارب - فتقديره ضعيف النكاية في أعدائه فلمَّا حذف حرف الجر وصل المصدر وقيل لا يحتاج إلى حرف يعدّيه فأمَّا قول الشاعر 105

( لقد علمت أولى المغيرة أنَّني ... كررت فلم أنكل عن الضرب مسْمعا ) - الطويل

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 451 ]

ف ( مسمعا ) منصوب ب ( الضرب ) وقيل منصوب ب ( كررت ) وحرف الجرّ محذوف والأوَّل أقوى لأنّ المصدر أقرب إليه وهو معتد بنفسه ويروى ( لحقتُ ) وهو الناصب في أقوى الوجهين لأنَّ الفعل وإن تقدّم فهو أقوى من المصدر ولا سيما مع الألف واللام

فصل

ولا يتقدّم معمول المصدر عليه ولا يفصل بينهما بخبر ولا صفة ولا أجنبي بحال لأنَّه موصول

فصل

والمصدر لا يتحمل الضميرلأنه اسم جامد فهو ك ( زيد والغلام ) وإنَّما يحذف الفاعل معه حذفا كقوله تعالى ( أو إطعامُ في يوم ذي مسَغْبَة يتيماً ) ف ( إطعام ) خبر مبتدأ محذوف والفاعل محذوف أي إطعام هو وهو

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 452 ]

المذكور في قوله تعالى ( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ) وأجاز قوم أن يتحمَّل الضمير كما تحمله الصفة المشبَّهة وكالظرف لأنَّه يعمل في الظاهر فيعمل في المضْمُر وهذا ضعيف لأنَّ تللك الاشياء يوصف بها وتكون أحوالاً فجرت مجرى الفعل

فصل

والمصدر يضاف إلى الفاعل لأنَّه غيره بخلاف اسم الفاعل لأنَّه هو الفاعل في المعنى ويضاف إلى المفعول لأنَّه كالفاعل في تحقَّق الفعل به ويجوز أن يقدّر المصدر بفعل لم يَسَّم فاعله كقولك عجبت من ضرْبَ زيدٍ أي من أن يُضْرًب

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 453 ]

فصل

وإذا عطفت على المضاف إلى المصدر جاز أن تجرّ المعطوف حملاً على اللفظ وأنَّ تنصبه أو ترفعه حملاً على الموضع وكذلك الوصف

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 454 ]

باب أسماء الفعل

وذلك نحو ( صهْ ومهْ ورويدَ ونزالِ ) وكلّها أسماء والدليل على ذلك أشياء أحدُها أنَّها تدلُّ على معنى في نفسها ولا تدلُّ على زمانه من طريق الوضع وحقيقة القول فيه انَّ ( صَهْ ) اسم ل ( اسكُتْ ) وليس اللفظان عبارتين عن شيء واحد مثل اسكت واصمتْ ف ( صَهْ ) اسمٌ ومسمَّاه لفظ اخر وهو السَّكْتُ فالزمان معلوم من المسمىَّ لا من الاسم والوجه الثاني أنَّها تنوَّن فرقاً بين المعرفه والنكره والتعريف والتنكير من خصائص الأسماء والثالث انَّها تقع موقع الفاعل والمفعول فمن الفاعل قول زهير 106

( ولأنت أشجع من أسامة إذ ... دعيت نزال ولج في الذعر ) - الكامل

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 456 ]

والثاني أنَّها لو جعلت أمراً للغائب أو خبراً لاحتاجت في الامر إلى تقدير اللام واللام لا تقدر مع صريح الفعل فكيف تقدّر مع الاسم وأمّا الخبر عن الغائب فيفتقر إلى ذكره مقدماً أو مؤخراً وقد جاء شيء منها للغائب كقوله ( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوَّج ومن لم يستطعْ فعليه بالصوْم ) وإنَّما ساغ ذلك لتقدم الخطاب وقد حكي عن بعض العرب أنّه قال عليه رجلاً ليسي يريد ليطلب رجلاَ غيري والأصل ليس إيَّاي فحصل في الحكاية شذوذ من وجهين وحكي عن بعضهم أنَّه قيل له إليك فقال إليَّ أي قيل له تنحَّ فقال اتنحى وهذا خبر

فصل

وهذه الاسماء في لزومها وتعديها على حسب ما نابت عنه ف ( صه ) و ( مه ) و ( واهاً ) لازمة لأنَّ ( صَهْ ) ناب عن اسكت ( ومه ) عن ( اكفف ) و ( واهاٍ ) عن ( اتعجب ) ومنها ما يتعدى بحرف الجر كقولك عليك بالرفق كأنك قلت تخلّق به ومنها ما يتعدى بنفسه كقولك تراك زيداً ومناعه أي اتركه وأمنعه

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 457 ]

فصل

وأمَّا ما جاء منها خبرا فهو ( شتان ) وهواسم ل ( افترق ) ولا يكون فاعله ألا اثنين كقولك شتّان زيد وعمرو أي افترقا حملا علىأصله وقد تزاد معه ( ما ) كما قال الشاعر 108

( شتًان ما يومي على كُورِها ... ويومُ حيّان أخي جابر )

فأمَّا قول العامَّة شتان بين فلان وفلان فخطأ لعدم الفاعلْيَن والحكم بزيادة ( بين ) هنا خطأ لأنَّها لم تزد في شيء من الكلام أصلا ً وأنَّما تكرَّر في بعض المواضع توكيداً ولأنَّها لو كانت زائدة هنا لم يبق لشتان فاعل إذ كان ما بعدها مجرورا لا في موضع المرفوع إذ كانت ( بين ) لم تُزَدْ ) للتوكيد كما في قولك ما جاءني من رجل فأمَّا شتّان ما بين زيد وعمرو فأجازه الأصمعي ومنعه غيره

فصل

وأمَّا ( هَيْهات ) فبمعنى ( بَعُدَ ) ومنه

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 458 ]

-

( هيْهات منزلنا بنعف سُوَيْقَةٍ ... ) أي بَعُد فأمَّا قوله تعالى ( هَيْهَات هَيْهَات لِمَا تُوعدون ) فقيل اللام زائدة و ( ما ) الفاعل وقيل ليست زائدة والفاعل مضمر والتقدير بَعُدَ التصديق لما توعدون

فصل

وأمَّا رويد فتُستعمل مصدراً كقولك رويد زيد أي إمهال زيد ومنه قوله ( فضربَ الرِّقاب ) وتكون صفة كقولك ضعه وضعاً رويداً وهي معربة فيهما وتكون اسماً للفعل كقولك رويد زيداً أي أمهل زيداً وهي ههنا مبنيَّة وهي تصغير إرواد على حذف الزوائد لأنَّ الفعل منه أَرْوَدَ إرْوَاداً

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 459 ]

فصل

وأمَّا بَلْهَ فيكون مصدراً بمعنى غير فيجرّ ما بعده ويكون اسماً ل دَعْ فينصب ما بعده

فصل

وأمَّا ألفاظ الإغراء فالمتَّفق عليه منها عندك ودونك ووراءك ومن حروف الجرِّ عليك وإليك فعند الأكثرين أنَّه يقتصر على المسموع منها لأنَّ القياس في ذلك ابتداء وضع لغة وقاس عليها قوم فأمَّا عندك زيداً فمعناه خذه في أيّ نواحيك كان ودونك خذه من قرب وعليك بمعنى الزمه وإليك تنحَّ

فصل

ومعنى الإغراء الإلصاق والحثّ حذرا من الفوات وأمَّا التحذير فيشبه الإغراء وليس به لأنَّ قولك الأسدَ الأسدَ يدلُّ على شدَّة طلبك فراره من الأسد وقولك عليك زيداً يدلُّ على شدَّة طلبك أخذ زيد ففي هذا التحذيرُ من فواته وفي الأوَّل التحذير من قربانه

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 460 ]

فصل

والكاف المتَّصلة ب رويدك المبنيَّة حرفٌ للخطاب لا اسم والدليل على ذلك أنَّها لو كانت اسماً لكانت إمَّا مرفوعة أو منصوبة أو مجرورة فالرفع ممتنع لوجهين

أحدُهما أنَّ الكاف ليست من الضمائر المرفوعة

والثاني أنَّه لا رافع للكاف هنا لأنَّ المرفوع هنا ضمير لا يظهر

والنصب باطلٌ لأن هذا الاسم يتعدى إلى مفعول واحد وهو زيد والكاف للمخاطب فليس زيدا بل غيره

والجر باطل أيضاً لأنَّ الجرِّ يكون بالحرف وليست رويد حرفاً أو بالإضافة وهذه الاسماء لا تضاف ولأنَّها تثبت مع الألف واللام في النجاءك

فأمَّا الكاف في عندك وغيرها من الظروف وعليك وغيرها من الحروف فذكر الجماعة كالسيرافيّ وعبد القاهر وغيرهما أنَّها اسم في موضع جرّ لأنَّ هذه أسماء لا تستعمل إلاَّ مضافة وكذلك حرف الجرّ لا يدخل إلاَّ على اسم فلذلك قُضي بكَوْنِ الكاف اسماً وقال ابن بابشاذ في شرح الجمل هي حرف للخطاب كالكاف في رويدك

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 461 ]

فصل

وأسماء فعل الأمر لا يتقدَّم معمولُها عليها عند البصريِّين لقصورها عن الفعل وأنَّها غير مشتقَّة منه وأجازه الكوفيُّون واحتجُّوا بقوله تعالى ( كتابَ الله عليكم ) وبقول

110 -

( يا أيُّها الماتحُ دلْوي دونكا ... إنِّي رأيْتُ الناسَ يَحْمَدُونكا ) - الرجز -

والجواب عن الآية من وجهين

أحد أحدُهما أنَّ كتاباً منصوب على المصدر وحرمت يدلُّ على تقدير كتبتُ ذلك عليكم كتاباً وعليكم المذكورة في الآية تتعلَّق بالفعل المقدَّر

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 462 ]

والثَّاني أنَّه منصوب بفعل محذوف تقديره الزموا كتاب الله وعليكم متعلِّق ب كتاب أو حالٌ منه

وأمَّا البيت ف دلوي مرفوعٌ بالابتداء وما بعده الخبر نبَّهه بذلك على الاهتمام به ويجوز أن يكون منصوباً على تقدير خُذْ وفسَّره دونك

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 463 ]

باب ما ينتصب على التحذير

وذلك قولك الأسدَ الأسدَ تريد احذر الأسد ودلَّ التكرير على الفعلِ المحذوف والأشبهُ أنْ يكون اللفظ الأوَّلُ هو الدالَّ على الفعل لأنَّ موضع الفعل هو الأوَّل

فصل

وأمَّا إيَّاك والشرَّ فمنصوبٌ بفعل محذوف أيضاً ولا بدّ فيه من مفعول آخر معطوف ب الواو ومعدَّى إليه بحرف جرّ كقولك إيَّاك من الشرّ وإنَّما اختاروا إيَّاك لأنَّها ضمير المنصوب المنفصل وإذا حذف الفعل لزم أن يكون الضمير منفصلاً وجاؤوا بالواو وحرف الجرّ ليدلُّوا على ذلك الفعل المحذوف كأنَّه قال اتَّق الشرَّ أو ابعد من الشرِّ والمختار عندي أن يُقدَّر له فعلٌ يتعدَّى إلى مفعولين نحو جنِّب نفسك الشرّ ف نفسك في موضع إيَّاك وقد جاء بغير واو على هذا الأصل قول الشاعر من

111 -

( فإيَّاك إيَّاك المراءَ فإنَّه ... إلى الشرِّ دعَّاءٌ وللشرِّ جالبُ ) - الطويل

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 464 ]

باب ما ينتصب بفعل محذوف

فمن ذلك مرحباً وأهلاً وسهلاً وفي نصبها وجهان

أحدُهما هي مفاعيل لفعل محذوف تقديره لقيتَ رحباً وأهلاً وسهلاً فاستأنسْ

والثاني أن يكون مرحباً مصدراً أي رحبت بلادك مرحباً وسهلت سهلاً وتأهَّلت أهلاً أي تأهُّلاً فإنْ دخلت لا على هذه الكلمات بقي النصب على الوجهين ومِن العرب مَنْ يرفعهما على تقدير خبر محذوف أي لك عندي مرحب

فصل

وأمَّا ويله وويحه ووَيْسَه فينتصب مع الإضافة على تقدير ألزمه الله ويله أو على المصدر بفعل من معناها لا من ألفاظها لأنَّها لم يستعمل منها فعل فكأنَّه قال أحزنه الله حزنه فإنْ لم تضفها كان الرفع أجود كقوله تعالى

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 465 ]

( ويلٌ للمطفِّفين ) وجاز الابتداء بالنكرة لما فيها من معنى الفعل والنصب جائز كالمضاف

فصل

وأمَّا لبّيك وسعدَيْك وحنانْيك ) فمصادر والتقدير أقمت على طاعتك إقامة بعد إقامة وسعدت بها سعداً بعد سعد وتحنَّنْ علينا تحنُّناً بعد تحنُّن وشتقاقُ لبَّيْك من ألَبَّ بالمكان ولبَّ به إذا أقام وهذه التثنية في معنى الجمع عند سيبويه وأصحابه وقال سيبويه هو مفرد قلبت ألفه ياء مع المضمر مثل كلا وهذا غير صحيح لأنَّه قد جاء بالياء مضافاَ إلى الظاهر قال الشاعر 112 -

( دَعَوْتُ لما نابني مِسْوَراً ... فلبَّي فلبَّي يَدَيْ مِسْوَرِ ) - المتقارب

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 466 ]

فصل

ومَّما ينتصب بفعل محذوف قولُك لمن رأيته يرمي بسهم القرطاسَ أي أصاب القرطاسَ ولمن يطلب إنساناً هرب منه زيداً أي اطلب زيداً وإنَّما جاز حذفه لأنَّ مشاهدة الحال أغنت عنه

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 467 ]

باب ما يُشْغَلُ عنه الفعلُ بضميره

إذا كان في الكلام فعل فالأوْلى أنْ تقدِّمه على ما يصحّ أن يكون فاعلاً أو مفعولاً كقولك زيد قام وزيداً ضربت

أمَّا الأوَّل فلأنَّ الفعل أوقى من الابتداء وتقديم الخبر أوْلى من تأخيره عند السامع لأنَّ المعنى يثبت في نفسه من الابتداء

وأمَّا الثاني فلأنَّ رتبة المفعول بعد الفاعل والتأخير جائز ثم ينظر في الفعل فإنْ عمل في ضمير المفعول مثل زيدٌ ضربته فالجيِّد رفع زيد لأنَّ الفعل المذكور لا يصحُّ أنْ ينصبه لنصبه ضميره فيصير الكلام مبتدأ وخبراً إلاَّ أن يعرض له ما يكون أوْلى بالفعل على ما نبيِّنه إنْ شاء الله

ونصبه جائز بفعل محذوف يفسِّره المذكور وهذا على ثلاثة أوجه

أحدُها أنْ تقدّر مثل المذكور في اللفظ كقولك ضربتُ زيداً ضربته

والثاني أن تقدِّر فعلاً من معناه كقولك زيداً مررت به وتقديره لقيتُ زيداً ولا تقدِّر مررت لأنَّه لا يتعدَّى إلاَّ بحرف الجرّ ومن ذلك زيداً ضربت أخاه والتقدير أهنت زيداً ضربت أخاه لأنَّك لم تضرب زيداً لكنْ أهنته بضرب مَنْ هو مِنْ سببه

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 468 ]

والثالث أن تقدِّر فعلاً من معنى الكلام كقولك زيداً لست مثله أي خالفت وخالفت هو معنى لست مثله والرفع في هذا كلّه أجود

فصل

فإنْ تقدَّم الاسمَ استفهامٌ كقولك أزيداً ضربته فالنصب أجود لأنَّ الهمزة استفهام عن فعل فتقدِّره إذا كان معك ما يفسِّره فإن قلت أزيد مضروب رفعت إذ ليس معك ما يفسِّر المقدَّر الناصب

فصل

وكذلك الأمر والنهي كقولك زيداً أضربه وعمراً لا تشتمْه لأنَّهما غير خبر والمبتدأ يخبر عنه بما يحتمل الصدق والكذب إلاَّ أنْ يعرض الاستفهام وإذا نصبت كان التقدير اضرب زيداً وعليه المعنى

فصل

وأمَّا النفي فإنْ كان ب ما قدَّمته كقولك ما ضربت زيداً أو ما زيداً ضربت أو ضربته ولا تقول زيداً ما ضربته وإن كانت لا أو لم لم يلزم التقديم تقول زيداً لا اضربه ولم أضربه والفرق بينهما من وجهين

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 469 ]

أحدُهما أنَّ ما أمّ باب النفي فأُقِرَّتْ في موضعها

والثاني أنَّ ما غير عاملة في الفعل ولم عاملة ولا قد تعمل فيه في النهي فكان جعلها إلى جنب ما تعمل فيه أوْلى تقول لا زيداً ضربته فتقدّمها وتضمر الفعل لاقتضائه إيَّاه

فصل

وإنْ الشرطية كذلك تقول إن زيداً تُكْرِمْه أُكْرِمْه لأنَّ الشرط لا معنى له إلاَّ في الفعل

فصل

وكذلك العرض كقولك ألا زيداً تكرمه لتقاضيه الفعل

فصل

فأمَّا العطف فإذا كان المعطوف عليه اسماً قد عمل فيه الفعل فالجيِّد نصب المعطوف بفعل محذوف لتتشاكل الجملتان كقولك قام زيد وعَمْراً كلَّمته ولقيت بشراً وخالداً مررت به والرفعُ فيه جائز

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 470 ]

فصل

وكلُّ جملة جعلتها مُفَسَّرة للمحذوف فلا موضع لها من الإعراب لأنَّ المفسَّر المحذوف لا موضع له وإن استأنفت كان لها موضع

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 471 ]

باب المعرفة والنكرة

المعرفة في الأصل مصدر ك العرفان ولذلك تقول رجل ذو معرفة ثمَّ نُقِلَ فَجُعِل وصفاً للاسم الدالّ على الشيء المخصوص لأنَّه يعرف به وهو يدلّ عليه

وأمَّا النكرة فمصدر نكرت الشيء نكرة ونكراً إذا جهلته ثمّ وصف به الاسم الذي لا يخصّ شيئاً بعينه ولذلك تقول هذا الاسم النكرة وهذا اسمٌ نكرة كما تقول هذا الاسم المعرفة واسم معرفة

فصل

والنكرة سابقة على المعرفة لوجهين

أحدُهما أنَّ النكرة اسم للمعنى العامّ والعامّ قبل الخاصّ والخاصُّ ليس فيه العامّ ألا ترى أنَّ حيواناً فيه الإنسانُ وغيرُه والإنسان ليس فيه الحيوان العامّ فعُلم أنَّ الخاصّ واحدٌ من العامّ والكلّ أصلٌ لأجزائه

والثاني أنَّ النكرة تقعُ على الأشياء المجهولة وعلى المعدومِ والموْجود والقديم والْمُحْدَث والجسم والعَرَضِ كقولك شيءٌ ومعلومٌ ومذكورٌ وموجودٌ فإذا أردت إفهام معنى معيَّن زدت على ذلك الاسم الألفَ واللام أو الصفة وما لا زيادةَ فيه سابقٌ على ما فيه زيادة

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 472 ]

فصل

وبعض النكرات أنكر من بعض فكلّ اسم تناول مسمّيات تناولاً واحداً كان أنكر من اسم تناول دون تلك المسمّيات فعلى هذا أنكر الأشياء معدوم ومنكور وأمَّا شيءٌ فكذلك عند قوم لأنَّ المعدوم عندهم يسمَّى شيئاً وإذا اقتصر على التسمية فقط فالخطب فيه يسير فأمَّا من جعل المعدوم ذاتاً وموصوفاً وعَرَضاً فقولُه يؤدِّي إلى قِدَمِ العالم وهو مع ذلك متناقض وليس هذا موضعَ بيانه وأمَّا موجودٌ فأخصُّ من معدوم لخروج المعدوم منه والمحدثُ أخصُّ من الموجود لخروج القديم سبحانَه منه وعلى هذا المراتبُ إلى أن يصلَ إلى المشار إليه والعَلَم المختصّ فإنَّه أعرفُ المعارف فإنَّه لا يتناول إلا واحداً

فصل

والمعرفةُ ما خَصَّ الواحد بعينه إمَّا شخصاً من جنس ك زيد وعمرو

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 473 ]

وإمَّا جنساً ك أسامة للأسد وابن قترة لضرب من الحيّات وابن أوى فإنَّ هذه الأشياء أعلام ينتصبُ عنها الحال

فصل

والأداة التي تُعْرَفُ بها النكرةُ من المعرفة رُبَّ والألف واللام فما حسن دخولها عليه فهو نكرة أمَّا رُبَّ فسبب دلالتها على ما ذكرناه فيها في حروف الجرّ فأمَّا قولُهم ربّه رجلاً فالضمير هنا في حكم النكرة إذا لم يتقدَّمه ظاهر يعود عليه وإنَّما يفسّر بما بعده ولولا السماع لما قبل ولذلك لا يثنَّى هذا الضمير ولا يجمع ولا يؤنَّث وأمَّا اللام فسيأتي ذكرها

فصل

والمعارف خمسٌ الضمائرُ والأعلامُ وأسماءُ الإشارة وما فيه اللام والمضاف إلى واحد من هذه إضافة محضة

وأمَّا الضمير فبمعنى المضمر ك قتيل بمعنى مقتول وأصل الإضمار الستر ومنه قول الأعشى من

113 - ( أيا أبتي لا ترِمْ عندنا ... فإنَّا بخيرٍ إذا لم ترِمْ )

( ترانا إذا أضمرتْك البلادُ ... نُجْفَى وتُقْطَعُ منّا الرَّحِمْ ) - المتقارب

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 474 ]

فصل

وحدّ المضمر هو الاسم الذي يعودُ إلى ظاهرِ قبله لفظاً أو تقديراً والاشتقاق موجودٌ فيه وهو الاستتارُ لأنَّ الضمير لا يدُلُّ على المسمَّى بنفسه وهو في نفسه محتمل فالراجع إليه الضمير لا يبين من نفس الضمير بل هو مستور فيه

فصل

وإنَّما جيء بالضمائر للاختصار وإزالة اللبس وذلك أنَّك لو أعدت لفظ الظاهر لم يُعلم أنَّ الثاني هو الأوَّل وفيه أيضاً إطالة كقولك جاءني زيد فقلت له ولو قلت فقلت لزيد لم يعلم أنَّ زيداً الثاني هو الأوَّل

فصل

وإنَّما كان في الضمائر المرفوعة والمنصوبة متَّصل ومنفصل لأنَّ المرفوع والمنصوب الظاهرين يتقدَّمان على العامل فيهما ويتأخَّران فضميراهما كذلك فإذا تقدَّما انفصلا لحاجتهما إلى القيام بأنفسهما وإذا تأخَّرا انفصلا لاعتمادهما على العامل وأمَّا المجرور فلا يكون إلاَّ متَّصلاً لامتناع تقدُّمه على الجارِّ

فصل

وضمير المتكلِّم المنفصل المرفوع أنا والألف بعد النون زائدة في الوقف لبيان

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 475 ]

الحركة في النون ولذلك تحذف في الوصل وقد جاءت في الشعر مع الوصل على إجراء الوصل مُجرى الوقف وقرأ به نافعٌ في بعض المواضع ومنهم مَنْ يُبدل من الألف هاءُ في الوقف

فصل

وأمَّا نحن فللمخبر عن نفسه وعن غيره ذكراً أو أنثى ويكون في التثنية والجمع فإن قيل لِمَ لَمْ تفرّق في ضمير المتكلِّم بين الذكر والأنثى قيل لأنَّ سماع النطق منه يميزه لمشاهدته وأما جعل نحن في الجمع والتثنية بلفظ واحد فلأنَّ التثنية جمع في المعنى والمتكلِّم قد سوَّى فيه بين التذكير والتأنيث وهما صفتان للذات فجاز أن يسوَّى فيما يدلُّ على صفتين في الكمِّيَّة فإنَّ التثنية والجمع صفتان في الكمِّيَّة إحداهما أكثر من الأخرى

فصل

وإنَّما حُرِّكت النون لئلاَّ يلتقي ساكنان وضُمَّت النون لثلاثة أوجه

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 476 ]

أحدها أنَّ الصيغة للجمع والواو تدلُّ على الجمع نحو قاموا والزيدون والضمَّة من جنسها

والثاني أنَّ الجمع أقوى من الواحد فحرِّك بأقوى الحركات وهي الضمَّة وهذا الضمير مرفوع الموضع فحرِّك بحركة المرفوع

فصل

والاسم في أنت الهمزة والنون وهو أنَ الذي للمتكلِّم وزيدت عليه التاء للخطاب وهي حرف معنى وكان حقُّه السكون ولكنَّ حركته من أجل الساكن قبلها وفتحت لأنَّ الفتحة أخفُّ كما فتحت واو العطف ولام الابتداء ونحوهما فإنْ خاطبت المؤنَّث كسرتها للفرق وكانت الكسرة أولى لوجهين

أحدُهما أنَّها أخفّ من الضمَّة

والثاني هي أشبه ب الياء التي هي علامة التأنيث في تفعلين

فصل

فإذا جاوزت الواحد جئت ب الميم بعد التاء لتدلّ على مجاوزة الواحد وكانت الميم أوْلى بالزيادة لشبهها ب الواو التي هي حرف مدّ فإنْ أردت الاثنين

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 477 ]

زدت عليها ألفاً لأنَّها تشبه الألف في قاما وإنْ أردت جمع المذكر زدت عليها واواً هذا هو الأصل لثلاثة أوجه

أحدها أنَّها علامة الجمع في الفعل

والثاني أنَّ المؤنَّث يزاد عليه في الجمع حرفان نحو أنتن والمذكَّر أوْلى والنون تشبه الواو والميم لما فيها من الغنّة

والثالث أنَّك تظهر الواو بعد الميم مع الضمير نحو أعطيتكموه والضمائر تردّ الأصول وأمَّا من حذف من العرب فللتَّخفيف وأمْنِ اللبس

فصل

واستوى المذكَّر والمؤنَّث في أنتما كما يستويان في المظهر نحو الزيدان والهندان لأنَّ العدَّة متَّحدة والكلمة لا تحتمل علامتين لمعنيين

فصل

هو بكماله اسم لأنَّه ضمير منفصل فلم يكن على حرف واحد ولا يُقال

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 478 ]

الواو زائدة لأنَّ الضمير موضع تخفيف فلا تليق به زيادة الواو مع ثقلها وحرِّكت تقوية للكلمة ولم تُضمّ إتباعاً لئلا تجتمع الضمَّتان والواو وفتحت إذ كانت أخفّ وربَّما جاء في الشعر سكونُها وحذفُها اضطراراً

فصل

وتقول في التثنية هما وفي الجمع همو وهمْ على ما تقدَّم والصحيح أنَّهما صيغتان مرتجلتان للمعنيين وقيل الأصلُ هو حذفت الواو لما زيدت عليه الميم تخفيفاً

فصل

والياء في هي أصلٌ ك الواو في هو والتثنية هما والجمع هُنَّ على ما تقدَّم وربَّما جاء في الشعر هِيْ بسكون الياء فإنْ دخلت الفاء والواو واللام على هي جاز أن تبقى الهاء على حركتها وأن تسكن لأنَّها أشبهت عضداً وفخداً فخذاً

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 479 ]

فصل

والضمير المنصوب إيَّاي وإنَّما يقع في ثلاثة مواضع وهي إذا تأخَّر عنها الفعل أو إذا عطفت أو إذا وقعت بعد إلاَّ

فصل

واختلفوا فيها على أربعة مذاهب

فمذهب سيبويه أنَّ إيّا اسم مضمر والياء والكاف وغيرهما حروف معان والدليل على ذلك أنَّ حدَّ الاسم المضمر موجودٌ في إيّا ولذلك لا يتنكَّر بحال والياء والكاف لو كانا اسمين لكانا في موضع رفع أو نصب ولا عامل لهما هنا أو في موضع جرّ بالإضافة والاسم المضمر لا يضاف فصارت الكاف هنا كالكاف في ذاك وأولئك

وقال الخليل كلاهما مضمر إلاَّ أنَّ الأوَّل أشبه المظهر لكثرة حروفه

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 480 ]

وحكي عن بعض العرب أنَّه قال إذا بلغ الرجل الستين فإيّاه وإيّا الشوابّ وهذا ضعيف لما تقدَّم والحكاية شاذَّة لا تقوِّي الاحتجاج بها

وقال الفرَّاء الكاف هو الضمير وإيّا أُتي بها ليعتمد الضمير عليها إذ الحرف الواحد لا يقوم بنفسه وهذا ضعيف أيضاً لأنَّ إيّا على أربعة أحرف وتلك عدَّة الأسماء المتوسِّطة بين الخماسيَّة والثلاثيَّة فهي أقوى من الأصل الثلاثيّ فيبعد أن يُؤتى بها لتقويةِ ما هو حرفٌ واحدٌ ولا نظير له

وقال آخرون الجميع اسم واحد وهو بعيد أيضاً إذ ليس في الأسماء ما يتغيَّر الحرف منه لتغيُّر المعاني أمَّا الحروف الزائدة على الاسم والفعل فتختلف لاختلاف المعاني

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 481 ]

فصل

والاسم في رأيته الهاء والواو عند سيبويه ولكنَّ حُذِفتْ في الوقف وإذا وصلت ب الميم نحو رأيتهم تخفيفاً ودليلُه أنَّ هذا الضمير هو الضمير المنفصل في قولك هو وقال الزجَّاج الاسم هو الهاءُ وحدها واتَّفقوا على أنَّ الهاء والألف في رأيتهما الاسم

فصل

والتاء في قمتُ ضمير الفاعل وحرِّكت لأمرين

أحدُهما أنَّ ضمير الفالع من حيث هو فاعل يلزم ذكره فحرِّك تنبيهاً على قوَّته ولذلك سكّن له آخر الفعل

والثاني أنَّه لو سكِّن لالتبس بتاء التأنيث وإنَّما حرِّك بالضمِّ للمتكلِّم لأنَّ المتكلِّم أقوى من المخاطب وفتح في المخاطب للفرق بينهما وجعلت الكسرة للمؤنَّث إذ كانت من جنس الياء

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 482 ]

فصل

وأمَّا الكاف فلا تكون مع الفعل ضمير فاعل فلذلك لم تضمّ وفتحت في المخاطب وكُسرت في المخاطبة

فصل

والميمُ بعد الكاف مثلها بعد التاء في أنتما وأنتم وهي مضمومة مع الميم بكلِّ حال كالتاء سواء وعلَّة ذلك من وجهين

أحدُهما أنَّ الميم تشبه الواو فتحرَّك بما هو مجانس للواو ويقوِّي ذلك أنَّ قبلها ضمَّة التاء التي هي ضمير غير أنَّ هذا لا يصلح للدلالة ابتداءً ألا ترى أنَّ الكاف قد ضمَّت بعد الساكن نحو أراكُم وأعطيكم وضربتكم ولكن يصلح للترجيح

والوجه الثاني أنَّها لو فُتحت لالتبس في التثنية كقولك رأيتكما وكذلك أنتما لو فتحت التاء لاشتبهت ب أنتماء ولأنَّ التاء هنا في مجاورة الواحد فضمَّت كنون نحنُ ومن العرب من يكسر الكاف قبل ميم الجمع إذا كانت قبلها كسرة كقولك عجبت من حِلْمِكِمْ شبهاً بالهاء

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 483 ]

فصل

وياء المتكلِّم بعد الفعل والحرف هي الاسم والنون قبلها حرفٌ أُتيَ به ليقي ما قبلها من الكسر نحو كلِّمني ومنِّي وذلك أنَّ الياء مُعتدَّة بكسرتين فيجعل ما قبلها تبعاً لها للتجانس فالاسم يصحُّ كسرُ آخِرِه ولا يصحُّ ذلك في الفعل لأنَّه لَمَّا نبا عن قبول الكسرة الإعرابيَّة الواجبة بعامل فأنْ ينبوَ عن التابعة أولى

وأمَّا الحرف فلا حظَّ له من الحركة وتسمَّى نون الوقاية والكوفيُّون يسمُّونها عماداً

فصل

وإنَّما لا يؤتى بالضمير المنفصل مع القدرة على المتَّصل لأنَّ علَّة الإتيان بالضمير الاختصار والمتَّصل أخصر وجاء في الشعر للضرورة

فصل

والاسم العلم هو الموضوع على المسمَّى تمييزاً له لا لدلالته عليه اشتقاقاً ولذلك يجوز أنْ يسمَّى الأبيض حقيقةً أسود ويسمَّى الإنسان زيداً

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 484 ]

لا لزيادته وعبَّاساً لا لعبوسه بل للتمييز كما ذكرنا وإنَّما يثبت أنَّه علم يعرف به بعد المسمَّي غيرَه بالتسمية وحكم الكنى والألقاب حكمُ الأعلام في المقصود بها

فصل

والفرق بين العلم والكنية واللقب أنَّ العلم هو الذي يعرّف المسمّى وضعاً مبتدأ حتَّى يصير كعلم الثوب

والكنية من كنيت عن الشيء إذا عبَّرت عن اسمه باسم آخر فالعلم سابق على الكنية وقد توضع الكنية موضع العلم

وأمَّا اللقب فأنْ يحدَث للمسمَّى قصَّةٌ فيلقَّب بما تضمَّنته القصَّة ك أنف الناقة وعائد الكلب فأنف الناقة رجل تصدَّق بأنف ناقة فعيّب به وعائد الكلب لَقَبٌ لُقِّب به شاعر قال من 114 -

( ما لي مَرِضْتُ فلمْ يَعُدْني عائدٌ ... منكمْ ويمرضُ كَلْبُكمْ فأعودُ ) - الكامل -

فصل

واسم الإشارة للمذكَّر ذا وقال الكوفيُّون الاسم الذال وحدها والألف زائدة للتكثير

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 485 ]

وحجَّة الأوَّلين من وجهين

أحدُهما أنَّ اسم الإشارة منفصل في حكم الظاهر وليس في الأسماء الظاهرة القائمة بنفسها ما هو على حرف واحد ولا القياس يقتضيه لأنَّ القياس يقتضي أن يُبْدَأ بحرف ويوقف على آخر ومن الناس من جعل ذا اسماً ظاهراً لأنَّه يوصف ويوصف به

والثاني أنَّهم قالوا في تصغيره ذيّا فأعادوه إلى أصله إذْ هذا شأن التصغير وسيتَّضح لك في بابه

فإنْ قيل فقد يزاد في المصغَّر ما ليس منه كما لو سمَّيْتَ ب هل وقد ثمَّ صغرته فإنَّك تزيدُ عليه حَرْفاً آخر قيل دعت الحاجة بعد التسمية إلى تكميله في التصغير ولم يقم الدليل هنا على زيادة الألف قبل التصغير ليقال الزيادة مختصَّة بالتصغير

واحتجَّ الآخرون بأنَّ تثنية ذا ذان والألف والنون للتثنية فلم يبق سوى الذال

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 486 ]

والجواب عنه من ثلاثة أوجه

أحدُها أنَّ ذان ليس بتثنية ذا بل صيغة موضوعة للتثنية بدليل أنَّه لا يتنكَّر كما يتنكَّر زيد إذا ثنِّي فعلم أنَّه بمنزلة أنتما في أنَّه غير مثنَّى

والثاني يقدَّر أنَّه مثنى ولكنَّ الألف سقطت لالتقاء الساكنين ولم تقلب لإيغالها في البناء

والثالث أنَّه قد عوَّض من الذاهب بتشديد النون فكأنَّه لم يذهب

فصل

الأصل في ذا ذيّ العين واللام ياءان إلأَّ أن الثانية قد حذفت ليصير الاسم مبهماً وأبدلت الأولى ألفاً لئلاّ تشبه كي

وقال بعض البصرييِّن أصل الألف واو متحرِّكة لأنَّ باب طويت وشويت أكثر من باب حييت ثمَّ حذفت اللام وانقلبت الواو ألفاً

فصل

وحكم تا في المؤنَّث حكم ذا في المذكَّر إلأَّ أنَّ المؤنَّث يقال فيه تا وتي وذي وذه فتبدل الهاء من الياء فأمَّا أولاء فجمع المذكَّر

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 487 ]

والمؤنَّث من غير لفظه وفيه المدُّ والقصر والكاف حرف للخطاب بلا خلاف

فصل

وأمَّا اللام في ذلك ففي زيادتها وجهان

أحدهما هي لبعد المشار إليه

والثاني هي عوض من ها التي للتنبيه ولذلك تقول هذاك ولا تقول هذلك لئلاّ تجمع بين العِوض والمعوَّض وحرّكت لئلاّ يلتقي ساكنان وكسرت لأمرين

أحدُهما أنَّه الأصل في التقاء الساكنين

والثاني للفرق بينها وبين لام الملك

فصل

فأمَّا اللام في تلك فبقيت على سكونها لأنَّ الياء قبلها حذفت لئلاّ تقع الياء بين كسرتين إذ الجمع يدعو إلى كَسْرِ اللام وكسرة التاء تدلُّ على الياء المحذوفة

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 488 ]

فصل

إنَّما بني اسم الإشارة لأنَّ الإشارة معنى والموضوع لإفادة المعاني الحروف ولم يضعوا للإشارة حرفاً فينبغي أن يُعتقد أنَّهم ضمَّنوه إيَّاه طرداً لأصولهم ودلَّ على ذلك بناؤهم إيّاه ولا بدَّ للبناء من سبب

فصل

هو وهي الاسم بكمالها وقال الكوفيُّون الهاء هي الاسم وما بعدها مزيدٌ للتكثير

وحجَّة الأوَّلين أنَّه ضمير منفصل قائم بنفسه فلم يكن على حرف واحد ك أنا ونحن وذلك أنَّ قيامه بنفسه يدلُّ على قوَّته والحرف الواحد ضعيف

واحتجَّ الآخرون من وجهين

أحدُهما أنَّ الواو والياء تحذفان في التثنية والجمع نحو هما وهنَّ وهم وفي الواحد المتَّصل نحو رأيته ولو كانا منه لما حذفا

والثاني أنَّهما قد حذفا في الشعر كقول الشاعر

115 - ( فبَيْناهُ يَشْري رَحْلَهُ قَالَ قَائِلٌ ... لِمَنْ جَمَلٌ رخْوُ المِلاَطِ نَجِيبُ )

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 489 ]

وقال آخر

116 - ( ... دارٌ لسُعْدَى إذْهِ مِنْ هَوَاكا ) - الرجز -

وضرورة الشعر تردُّ إلى الأصل

والجواب أمَّا التثنية والجمع فصيغ مرتجلة لما ذكرناه في هذين

والثاني أنَّهم حذفوا الواو والياء فراراً من الثقل وذاك أنَّ الهاء مضمومة والميم تشبه الواو فلو أثبتوا الواو متحرِّكة ثَقُل اللفظ أو ظُنَّ أنَّها كلمتان ولو سكَّنوها لجمعوا بين ساكنين فكان الوجه حذفها وأمَّا حذفُها في المتَّصل ففراراً من الثقل وأمَّا حذفُها في الشعر فلا حجَّة فيه للاضطرارِ إليه وقد حذفوا ما لا يُشَكُّ أنَّه أصْل كقوله من

117 - ( درس المنا ... ) - الكامل - أي المنازل ومن