المجلد الثالث: الجماعات اليهودية.. التحديث والثقافة 5

الصفحة السابقة ß إضغط هنا

وساهم أعضاء الجماعات اليهودية أيضاً في إقامة الهياكل الأساسية اللازمة للتوسع الزراعي، وخصوصاً اللازمة لنقل وتجارة القطن وغيرها من المحاصيل الزراعية، فاهتموا بإنشاء خطوط النقل الحديدية مثل شركة سكك حديد قنا ـ أسوان (1895)، وشركة سكك حديد الدلتا المصرية المحدودة وهما أهم شركتين لنقل الأقطان والسكر من الأراضي ومعامل التكرير. كما ساهموا في تأسيس شركة ترام الإسكندرية (عام 1896) التي كانت تقوم بنقل الأقطان إلى البورصة، واشتركوا أيضاً في إدارة بعض الشركات الملاحية مثل شركة الملاحة الفرعونية التي سُجلت عام 1937 وكانت تحتكر تقريباً نقل البضائع المصرية بحرياً. وإلى جانب مساهمتهم في تأسيس كثير منشركات النقل البري والبحري، ساهم أعضاء الجماعات اليهودية في مصر في عملية التوسع العمراني التي صاحبت التوسع الزراعي. فساهموا، على سبيل المثال، في تأسيس حي سموحة بالإسكندرية وحي المعادي بالقاهرة، وفي إدارة العديد من شركات تقسيم وبيع الأراضي وشركات صناعة البناء.

كما لعب المموِّلون اليهود من أعضاء الجماعات اليهودية دوراً أساسياً في مجال تصدير القطن والمحاصيل الزراعية، وكان أكثر من 50%من الشركات المصدرة للقطن في الإسكندرية (قبل التأميم) مملوكة لهم. وكان أعضاء الجماعات اليهودية يحتلون مواقع إدارية مهمة في الشركات الأخرى، كما تركزوا في القطاعات الخاصة وفي تصدير بعض المحاصيل الزراعية المهمة مثل البصل والأرز. ونشطوا في عمليات استيراد السلع والوكالة التجارية للشركات الأجنبية، وبخاصة مع بداية العشرينيات، لاستغلال وفرة الأموال في أيدي أغنياء الحرب والرواج الذي جاء في أعقاب انتهاء الحرب العالمية الأولى. وقد قامت المحلات التجارية الكبيرة المملوكة للعائلات اليهودية، مثل محلات شيكوريل وشملا وبنزيون وعدس وغيرها، بتسويق هذه الواردات السلعية، خصوصاً المنسوجات البريطانية.

وقد ارتبطت العائلات اليهودية، سواء من خلال المؤسسات المالية والائتمانية أو من خلال المؤسسات التجارية التي كانت تمتلكها والتي كان أفرادها يحتلون فيها مواقع إدارية مهمة، بشبكة من علاقات العمل المتداخلة تدعمها علاقات المصاهرة.

ويمكن تقدير مدى مساهمة أعضاء الجماعات اليهودية في مصر في الشركات والقطاعات الاقتصادية المختلفة من خلال عضويتهم في مجالس إدارة الشركات المساهمة التي سيطرت على أهم قطاعات الأعمال في مصر منذ أواخر القرن التاسع عشر. وتشير بعض الإحصاءات إلى أن اليهود احتلوا 15,4% من المناصب الرئاسية و16% من المناصب الإدارية عام 1943، وانخفضت هذه النسبة إلى 12,7% و12,6% عامي 1947 و1948، وإلى 8,9% و9,6% عام 1951. وتشير إحصاءات أخرى إلى أن نسبة اليهود في مجالس إدارة الشركات المساهمة كانت 18% عام 1951. والواقع أن هذه نسب مرتفعة إذا ما قـورنت بنسـبتهم لإجمالي السكان والتي بلغت عام 1950 نحو 0,4% فقط.

وكان معظم رأس المال اليهودي متمركزاً عام 1956، وقبل قرارات التأميم، في الشركات العقارية يليه قطاع حلج وغزل ونسج القطن ثم التأمين والبنوك. وكانت هذهالقطاعات هي أكثر القطاعات ربحية في الاقتصاد المصري، وبخاصة خلال الفترة التي أعقبت انتهاء الحرب العالمية الأولى وحتى بداية الخمسينيات.

وفي شأن دور أعضاء الجماعات اليهودية في اقتصاد مصر، منذ نهاية القرن التاسع عشر حتى عمليات التأميم عام 1956، يمكننا أن نلاحظ ما يلي :

1 ـ لعب أعضاء الجماعات اليهودية دوراً مهماً لا باعتبارهم يهوداً وإنما باعتبارهم أعضاء في التشكيل الاستعماري الغربي الذي أتوا معه (وقد جاءت معهم أيضاً الأقليات الغربية الأخرى مثل اليونانيين والإيطاليين والإنجليز... إلخ) واستقروا ضمن إطار الامتيازات الأجنبية وأسسوا علاقات مع المجتمع هي في جوهرها علاقات اسـتعمارية. ولذا، يُلاحَظ بشـكل ملموس غياب يهود مصر المحليين، خصوصاً القرّائين، عن هذا القطاع الاقتصادي النشيط، فلم يكن عندهم رأس المال ولا الكفاءات ولا الاتصالات للاضطلاع بمثل هذا الدور.

2 ـ يُلاحَظ أن كبار المموِّلين من أعضاء الجماعات اليهودية لعبوا دور الجماعة الوظيفية الوسيطة بين الاقتصاد العالمي الغربي والاقتصاد المحلي. وقام أعضاء الجماعات اليهودية بدور ريادي نشيط في عدد من الصناعات والقطاعات الاقتصادية الجديدة التي يتطلب ارتيادها كفاءة غير عادية وجسارة، وهو الدور الذي يلعبه أعضاء الجماعات الوظيفية، وقد اشترك فيه معهم المموِّلون من أعضاء الجاليات الأجنبية الأخرى.

3 ـ تركَّز هؤلاء المموّلون في صناعات وقطاعات مالية قريبة من المستهلك (حلج القطن ـ المصارف ـ تسويق السلع ـ العقارات...إلخ) وهي قطاعات بعيدة عن الصناعات الثقيلة. ويعزى نشاط أعضاء الجماعات اليهودية في قطاع الزراعة إلى نظام ملكية الأراضي في مصر الذي فتح الباب على مصراعيه للأجانب (اليهود وغيرهم(.

4 ـ ومع تزايُد فاعلية القوى الوطنية ونشاطها في القطاع الاقتصادي، بدأ نشاط الطوائف الأجنبية يتراجع بما في ذلك نشاط المموِّلين من أعضاء الجماعات اليهودية.

5 ـ وحينما تم التأميم عام 1956، كان ذلك تتويجاً لتصاعُد هذه الحركة واختزالاً لبقية المرحلة. وقد كان قرار التأميم موجَّهاً ضد المموِّلين الأجانب والمصريين ممن كان الحكم المصري يرى أن نشاطهم يربط الاقتصاد الوطني بعجلة الاستعمار الغربي ويعوق عمليات التنمية من خلال الدولة والتي تبناها هذا النظام الوطني. ولذا، فقد هاجر كثير من هؤلاء المموِّلين وغيرهم من المموِّلين الأجانب والمصريين.

لكل ما تقدَّم، يكون من الصعب جداً الحديث عن «رأسمالية يهودية في مصر» أو «مخطَّط يهودي للهيمنة والسيطرة على الاقتصاد الوطني في مصر». فقدوم أعضاء الجماعات اليهودية إلى مصر ونشاطهم الاقتصادي فيها وخروجهم منها تم داخل إطار الاستعمار الغربي، ولم يكن هناك بُعد يهودي يعطي خصوصية يهودية لنشاط الجماعة اليهودية في مصر. وإذا كان هناك 10% من المناصب الإدارية الرئاسية في أيد يهودية، فإن نحو 90% من هذه المناصب تظل في أيد غير يهودية، ونسبة كبيرة منها في أيدي اليونانيين والإيطاليين وغيرهم. وإذا كان ثمة تعاطُف مع الحركة الصهيونية، فإنه لم يأخذ شكل ظاهرة عامة أو نمط متكرر وإنما كان اتجاهاً فردياً يمكن تفسيره هو الآخر في إطار انتماء المموِّلين من أعضاء الجماعات اليهودية إلى التشكيل الاستعماري الغربي. وتجب الإشارة إلى أن تأييد بعض الأثرياء اليهود للنشاط الصهيوني يمكن أن نضعه في إطار ما يُسمَّى «الصهيونية التوطينية»، فقد شهدت مصر خلال أواخر القرن التاسع عشر هجرة أعداد من يهود شرق أوربا (الإشكناز) إليها، كان أغلبهم من الشباب الفقير وكانوا يختلفون ثقافياً وعقائدياً وطبقياً عن الأرستقراطية السفاردية المصرية. كما تورَّط كثير منهم في الأنشطة المشبوهة، خصوصاً الدعارة، وهو ما دفع السفارد لإطلاق لقب «شلخت»، أي الأشرار، عليهم. وكان وجودهم يهدد بخلق أعباء مادية ومشاكل اجتماعية محرجة لأثرياء اليهود. ولذلك، فقد كان دعم بعض أعضاء الأرستقراطية السفاردية للأنشطة الصهيونية في مصر يهدف إلى تحويل هذه الهجرة إلى فلسطين بعيداً عن مصر. كما سعى بعضهم لدى السلطات المصرية لوقف الهجرة اليهودية القادمة إلى مصر كليةً.

هذا، ويمكن القول بأن وضع يهود مصر والدور الذي اضطلعوا به هو نمط متكرر بين أعضاء الجماعات اليهودية وأعضاء الجماعات الوظيفية الغربية الأخرى في العالم العربي ابتداءً من أواخر القرن التاسع عشر.

عائلــة رولــو

The RoloFamily

«رولو» اسم عائلة يهودية سفاردية جاءت إلى مصر خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر واحتفظت بالجنسية البريطانية. وقد امتلك روبين رولو مؤسـسة تجارية تخصَّـصت أسـاساً في استيراد النيلة (صبغة). وفي عام 1870، أسس ولداه جياكومو (يعقوب) (1847 ـ 1917) وسيمون، مع بعض الشركاء، مؤسسة مالية وتجاريةباسم «روبين رولو وأولاده وشركاهم». وتعاونت عائلة رولو من خلال هذه المؤسسة مع عائلتي قطاوي وسوارس في العديد من المشاريع التي أقاموها بالتعاون مع الماليالبريطاني سير إرنست كاسل ـ خصوصاً مشاريع الدائرة السنية وإقامة سكك حديد حلوان وتأسيس البنك العقاري المصري والبنك الأهلي المصري. وخلال الأزمة الاقتصادية التي حدثت عام 1907، صفَّى جياكومو المؤسسة ثم أقام مع أبنائه الثلاثة مؤسسة رولو وشركاه والتي جمعت بين الأنشطة المصرفية والمالية وتجارة الجملة في القطن والسكر والأرز والفحم والبن، كما امتلكت حصصاً كبيرة في بعض الشركات العقارية الكبرى (مثل: شركة وادي كوم أمبو وشركة أراضي الشيخ فضل) وشركة مصانع السكر. وعند وفاته، ترك جياكومو رولو ثروة من العقارات تُقدَّر بنحو 70 ألف جنيه. أما ابنه الأكبر روبير جياكومو رولو (1876 ـ ؟ )، فقد درس في بريطانيا، وانتُخب رئيساً للطائفة اليهودية في الإسكندرية في الفترة 1934 ـ 1948. وكان روبير جياكومو مناهضاً للصهيونية، واستقال من رئاسة الطائفة عام 1948 قبل اندلاع حرب فلسطين مباشرة بسبب خلافه مع حاخام الإسكندرية المؤيد للصهيونية.

أما روبير رولو (1869 ـ؟ )، فحقق مكانة مهمة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية في مصر، ودرس القانون في باريس ثم تولَّى رئاسة عدد من مجالس إدارة الشركات التي ساعد أباه في تأسيسها. وكان مستشاراً قانونياً للملك فؤاد الأول ومقرباً له فقام بدور الوسيط بين القصر ودار المندوب السامي البريطاني، وعملت زوجته وصيفة للملكة نازلي. وحصل هو على لقب «سير» عام 1938. وكان روبير جياكومو من كبار أعضاء الجماعة اليهودية في مصر، ولكنه لم يشارك في شئونها.

عائلة ســوارس

The Suares Family

«سوارس» اسم عائلة سفاردية من أصل إسباني استقرت في مصر منذ أوائل القرن التاسع عشر، وحصلت على الجنسية الفرنسية. وقد أسَّس الإخوة الثلاثة، روفائيل (1846 ـ 1902) ويوسف (1837 ـ 1900) وفيلكس (1844 ـ 1906)، مؤسسة سوارس عام 1875. وفي عام 1880، قام روفائيل سوارس، بالتعاون مع رأس المال الفرنسي ومع شركات رولو وقطاوي، بتأسيس البنك العقاري المصري، كما قام بالتعاون مع رأس المال البريطاني الذي مثَّله المالي البريطاني اليهودي سير إرنست كاسل بتأسيس البنك الأهلي المصري عام 1898 وتمويل بناء خزان أسوان. كما اشترك سوارس مع كاسل وعائلة قطاوي في شراء 300 لف فدان من أراضي الدائرةالسنية وإعادة بيعها إلى كبار الملاك والشركات العقارية. كذلك اشترك سوارس مع رأس المال الفرنسي في تأسيس شركة عموم مصانع السكر والتكرير المصرية عام 1897 والتي ضمتها عام 1905 شركة وادي كوم أمبو المساهمة، وكانت من أكبر المشاريع المشتركة بين شركات قطاوي وسوارس ورولو ومنَسَّى، وكانت واحدة من أكبر الشركات الزراعية في مصر. وفي مجال النقل البري، أسست العائلة شركة «سوارس لعربات نقل الركاب»، وتعاونت مع عائلة قطاوي في إقامة السكك الحديدية. كما امتلكت العائلة مساحات واسعة من الأراضي الزراعية وأراضي البناء في وسط القاهرة حيث سُمِّي أحد الميادين باسم «ميدان سوارس» (مصطفى كامل الآن). وامتلكت عائلة سوارس حصصاً وأسهما في العديد من الشركات، واحتل كثير من أفرادها مواقع رئاسية وإدارية في كثير منها. فتولى ليون سوارس (ابن فليكس سوارس) إدارة شركة أراضي الشيخ فضل وإدارة شركة وادي كوم أمبو. وعند وفاة أبيه، ترك ليون مؤسسة سوارس ليخلف أباه في إدارة البنك الأهلي والبنك العقاري المصري. ولم تلعب عائلة سوارس دوراً كبيراً في شئون الجماعة اليهودية باستثناء إدجار سوارس الذي تولَّى رئاسة الجماعة في الإسكندرية في الفترة من 1914 ـ 1917.

عائلـة شيكوريل

The Cicurel Family

عائلة يهودية سفاردية من أصل إيطالي. وقد جاء مورينو شيكوريل إلى مصر قادماً من تركيا واستقر فيها، وعمل بأحد محلات عائلة هانو اليهودية، ثم اشترى المحل عام 1887. وفي عام 1909، افتتح محلاًّ جديداً في ميدان الأوبرا والذي حوَّله أبناؤه سالومون ويوسف وسالفاتور إلى واحد من أكبر المحلات التجارية في مصر. وفي عام 1936، انضمت لهم عائلة يهودية أخرى، فأصبحوا يمتلكون معاً مجموعة محلات أركو.

وقد كان يوسف (بك) شيكوريل من مؤسسي بنك مصر (عام 1920)، كما كان أخوه سلفاتور (بك) شيكوريل عضواً في مجالس إدارة العديد من الشركات وعضواً في مجلس إدارة الغرفة التجارية المصرية ثم رئيساً لها. وكان ضمن البعثة الاقتصادية المصرية التي سافرت إلى السودان بهدف تعميق العلاقات التجارية بين البلدين وفتح مجالات جديدة أمام رؤوس الأموال المصرية في السودان. وفي عام 1946، ترأَّس سلفاتور الطائفة الإسرائيلية خلفاً لرينيه قطاوي (وكان آخر رئيس لها)، كما ترأَّس المنظمة الصهيونية بالقاهرة وكان من مؤسسي جماعة أصدقاء الجامعة العبرية.

عائلـة قطـاوي

The Cattaui Family

عائلة مصرية يهودية برز عدد من أفرادها في النشاط السياسي والاقتصادي في مصر في أواخر القرن التاسع عشر وحتى النصف الأول من القرن العـشرين، وترجع أصـولها إلى قرية قطا شـمالي القاهرة. بدأ دور هذه العائلة مع نزوح أليشع حيدر قطاوي إلى القاهرة في أواخر القرن الثامن عشر حيث حصل ابنه يعقوب (1801 ـ 1883) على امتيازات من الحكومة للقيام بأنشطة تجارية ومالية، وكان أول يهودي مصري يمنح لقب «بك». كما حصل على لقب «بارون» من الإمبراطورية النمساوية المجرية التي حملت العائلة جنسيتها. وقد أوكلت إليـه نظـارة الخزانة في فترة حكم الخديوي عباس الأول (1849 ـ 1854)، واحتفظ بهذا المنصب خلال حكم الوالي سعيد والخديوي إسماعيل، وتولَّى في أواخر أيامه رئاسة الجماعة اليهودية في القاهرة التي كانت تُسمَّى «الطائفة الإسرائيلية». وبعد وفاته، خلفه ابنه موسى قطاوي (1850 ـ 1924) في رئاسة الطـائفة، واختـير عــضواً في البرلمان المصري، كما مُنح لقب الباشوية. وكان موسى قطاوي من كبار رجال المال والبنوك، وتولَّى إدارة عدد من الشركات وساهم في تمويل مشاريع السكك الحديدية في صعيد مصر وشرق الدلتا ومشاريع النقل العام في القاهرة بالتعاون مع عائلات سوارس ورولو ومنَسَّى.

وبعد وفاة موسى، انتقلت رئاسة الطائفة إلى يوسف أصلان قطاوي (1816 ـ 1942) الذي درس الهندسة في باريس وعمل عند عودته موظفاً في وزارة الأشغال العامة. ثم سافر إلى إيطاليا لدراسة أصول صناعة السكر وعاد إلى مصر ليؤسس مصنعاً للسكر، واختير عضواً في العديد من المجالس الاستشارية للمؤسسات الصناعية والماليةواشترك عام 1920 بالتعاون مع طلعت حرب ويوسف شيكوريل في تأسيس بنك مصر. وفي عام 1915، كان يوسف قطاوي عضواً في الوفـد المصري السـاعي إلى التفـاوض مع بريطانيا لنـيل الاستقلال لمصر، كما اختير عام 1922 عضواً في اللجنة التي أُسندت إليها مهمة وضع دستور مصري جديد في أعقاب الثورة المصرية (1919) والتصريح البريطاني بمنح مصر استقلالها الشكلي (1923). وقد عمل يوسف أصلان قطاوي وزيراً للمالية عام 1924 ثم وزيراً للمواصلات عام 1925، وانتُخـب عام 1923 عضـواً في مجلس النواب عن دائرة كوم أمبو، كما كان عضواً في مجلس الشيوخ في الفترة من 1927 وحتى 1936. ونشر عام 1935 دراسة بالفرنسية تدافع عن سياسة الخديوي إسماعيل الاقتصادية. وقد تزوج من عائلة سوارس اليهودية الثرية وكانت زوجته وصيفة للملكة نازلي.

وبعد وفاة يوسف أصلان، انتُخب ابنه أصلان ليشغل مقعد أبيه في مجلس الشيوخ عام 1938، كما عمل سكرتيراً عاماً لمصلحة الأملاك الأميرية التابعة لوزارة المالية ومندوباً عن الحكومة المصرية في شركة قناة السويس ومندوباً للحكومة في البنك الأهلي المصري. أما ابنه الثاني رينيه، فقد اختير عام 1943 رئيساً للجماعة اليهودية في القاهرة. وكان عضواً في البرلمان كما كان يدير عدة مشروعات اقتصادية، ونشر بين عامي 1931 و 1936 ثلاثة مجلدات تشكل تأريخاً لفترة حكم محمد علي. وكان يوسف قطاوي من مؤسسي جمعية مصر للدراسات التاريخية اليهودية. وفي عام 1957، غادر الأخوان رينيه وأصلان مصر واستقرا في أوربا.

أما آخر الشــخصيات البارزة في عائلة قطاوي، وهو جورج قطاوي، فقد كانت اهتماماته أدبية في المقام الأول حيث نشر عدة دراسات عن الأدبين الإنجلـيزي والفرنســي، كما كان يكتـب الشـعر بالفرنسية. وقد اعتنق المذهب المسيحي الكاثوليكي مع العـديد من المثقـفين المصريين اليهود السفارد الذين تخلوا عن اليهودية.

وعلى عكس ما تدَّعي بعض المصادر الصهيونية، ليس ثمة ما يشير إلى تعاطُف الشخصيات الرئيسية في عائلة قطاوي مع المشروع الصهيوني من بعيد أو قريب، ولا إلىقيامهم بأية أنشطة من شأنها دعم هذا المشروع. بل عارض كلٌّ من يوسف أصلان قطاوي وابنه رينيه قطاوي الصهيونية، حينما تولَّى كلٌّ منهما رئاسة الطائفة اليهودية فيمصر. وحذر رينيه قطاوي يلون كاسترو، زعيم الحركة الصهيونية في مصر، من الدعوة للهجرة إلى فلسطين باعتبار أن ذلك يمس علاقة الجماعة بالسلطات المصرية. كما دعت عائلة قطاوي إلى اندماج أعضاء الجماعة اليهودية في المجتمع المصري وشجع يوسف أصلان قطاوي تأسيس « جمعية الشبان اليهود المصريين » (1934/1935) وجريدة الشمس الأسبوعية الصادرة بالعربية، وقد كان هدفهما «تمصير» أعضاء الجماعة وتعميق انتمائهم للوطن المصري.

عائلــة مِنَسَّــــى

The Menasce Family

«منَسَّى» أو «دي منَسَّى» أو «منَسَّه»، لكن النطق الشائع في مصر هو «منشه». ويُوجَد شارع في الإسكندرية يُسمَّى «شارع منشَّه». ومنَسَّه عائلة يهودية سفارديةجاءت إلى مصر من إسبانيا، ويعود أول ذكر لوجودها في مصر إلى القرن الثامن عشر. بدأ يعقوب دي منَسَّى (1807 ـ 1887) حياته صرَّافاً في حارة اليهود، وتدرَّج في عمله حتى أصبح صراف باشا للخديوي إسماعيل. ثم أسس بالتعاون مع يعقوب قطاوي مؤسسة مالية وتجارية (بيت منَسَّى وأولاده) أصبح لها أفرع في مانشستر وليفربول ولندن وباريس ومارسيليا وإستانبول، كما اشترك بالتعاون مع الخديوي إسماعيل في تأسيس البنك التركي المصري، وارتبط نشاطه بكثير من شركات ومشاريع عائلتي قطاوي وسوارس.

وفي عام 72/1873، مُنح يعقوب دي منَسَّى الحماية النمساوية، وفي عام 1875 مُنح لقب البارونية والجنسية النمساوية المجرية تقديراً للخدمات التي قدمها للتجارةالنمساوية المجرية ـ المصرية. وترأَّس يعقوب دي منَسَّى الطائفة اليهودية في القاهرة عام 1869، ثم انتقل عام 1871 إلى الإسكندرية حيث أسَّس معبد منَسَّى ومقابرمنَسَّى ومدارس منَسَّى، وترأَّس ابنه ديفيد ليفي دي منَسَّى (1830ـ 1885) رئاسة الطائفة في الإسكندرية وخلفه في رئاستها ابنه جاك (1850 ـ 1916) الذي احتفظ بها حتى اندلاع الحرب العالمية الأولى حينما اعتبرته السلطات البريطانية عدواً لأنه كان يحمل الجنسية النمساوية المجرية. وقد نقل جاك أعمال الأسرة من الأعمال الماليةوالمصرفية إلى تجارة القطن والسكر المربحة، واشترى مساحات واسعة من الأراضي في دلتا وصعيد مصر. ووصلـت ثروته عند وفاته إلى ما بين 300 و500 ألف جنيه مصري.

أما الشقيق الأصغر فليكس يهودا (1865 ـ 1943)، فدرس في فيينا وأسَّس فرع بيت منَسَّى في لندن وترأَّس الطائفة اليهودية في الإسكندرية في الفترة ما بين عامي 1926 و1933. وكان فليكس دي منَسَّى صديقاً لحاييم وايزمان، فأسَّس وترأَّس اللجنة المؤيدة لفلسطين عام 1918 كما مثَّل الحركة الصهيونية المصرية في لندن لدى المؤتمر الثاني عشر (1921).

أما ابنه جان قطاوي دي منَسَّى (1896 ـ؟ ) فقد اعتنق الكاثوليكية وانضم إلى الرهبان الدومينيكان وقام بالدعوة إلى المسيحية في الإسكندرية (وهذا نمط متكرر بين اليهود السفارد الذين كانوا يعيشون في الشرق العربي).

عائلـة موصـيري

The Mosseri Family

«موصيري» اسم عائلة يهودية سفاردية من أصل إيطالي استقرت في مصر في النصف الثاني من القرن الثامن عشر. وقد احتفظت العائلة بالجنسية الإيطالية. وحقَّق يوسف نسيم موصيري ثروته من التجارة. وبعد وفاته عام 1876، أسَّس أبناؤه الأربعة مؤسسة يوسف نسيم موصيري وأولاده. وتزوج الابن الأكبر نسيم (بك) موصيري (1848 ـ 1897) من ابنة يعقوب قطاوي، وأصبح نائب رئيس الطائفة الإسرائيلية في القاهرة وهو منصب توارثته العائلة من بعده. ولم تحقِّق عائلة موصيري انطلاقتها الحقيقية إلا في أوائل القرن العشرين (1904) عندما أسَّس إيلي موصيري (1879 ـ 1940) ابن نسيم (بك)، بالتعاون مع إخوته الثلاثة يوسف (1869 ـ 1934) وجاك (1884 ـ 1934) وموريس، بنك موصيري. حقَّق إيلي موصيري مكانة مرموقة في عالم المال والأعمال في مصر، وكان قد درس الاقتصاد في إنجلترا وتزوج من ابنة فليكـس سـوارس. وكانت تربطـه علاقات وثيقة بإسـماعيل صدقي، كما كانت له مصالح عديدة في فرنسا وعلاقات وثيقة ببيوت المال الأوربية اليهودية مثل بيوت روتشيلد ولازار وسليجمان، كما كان يمثل المصالح الإيطالية في مصر.

ومن أفراد العائلة الآخرين جوزيف موصيري الذي أسَّس شركة «جوزي فيلم» للسينما عام 1915 والتي أقامت وأدارت دور السينما واستوديو للإنتاج السينمائي وتحوَّلت إلى واحدة من أكبر الشركات العاملة في صناعة السينما المصرية. أما فيكتور موصيري (1873ـ 1928)، فكان مهندساً زراعياً مرموقاً وكانت له إسهامات مهمة في مجال زراعة القطن وصناعة السكر.

وقد ارتبط اثنان من أعضاء عائلة موصيري بالنشاط الصهيوني، فقد أسَّس جاك موصيري الذي درس في إنجلترا وحضر المؤتمر الصهيوني الحادي عشر (عام 1913) المنظمة الصهيونية في مصر (عام 1917). أما ألبير موصيري (1867 ـ 1933)، فدرس الطب في فرنسا حيث تعرَّف إلى هرتزل ونوردو، وبدأ في إصدار جريدة صهيونية باسم «قديماه» وخدم في الجيش البريطاني خلال الحرب العالمية الأولى كطبيب. وبعد الحرب، ترك الطب وبدأ (عام 1919) في إصدار جريدة أسبوعية في القاهرة بعنوان إسرائيل صدرت في البداية بالعبرية فقط ثم بالعربية والفرنسية بعد ذلك. وقد استمرت زوجته في إصدار الجريدة بعد وفاته وحتى عام 1939 حينما هاجرت إلى فلسطين. وقد خدم ابنهما مكابي موصيري (1914 ـ 1948) كضابط في البالماخ وقُتل في إحدى العمليات العسكرية أثناء حرب 1948.

فيكتور هراري (1857-1945(

Victor Harari

مموِّل مصري يهودي سفاردي اسمه (سير) فيكتور. جاء والده إلى مصر في الثلاثينيات من القرن التاسع عشر قادماً من بيروت. وقد أكمل هراري دراسته في إنجلترا وفرنسا، ثم عمل موظفاً في وزارة المالية المصرية وأصبح مدير الحسابات المركزية ثم مدير الخزانة، كما كان مندوب الحكومة المصرية في لجنة إصلاح ميزانية الأوقاف. وفي عام 1905، بدأ نشاطه الخاص وأصبح مُمثِّلاً للمالي البريطاني اليهودي سير إرنست كاسل، وترأَّس عدداً من الشركات التي أُقيمت بالتعاون بين كاسل ومجموعة قطاوي ـ سوارس ـ منَسَّى ـ رولو، وانتخب عام 1929 عضواً بمجلس إدارة البنك الأهلي المصري. وحصل على لقب سـير عام 1928 تقديراً للخدمـات التي قدَّمها للحكومة البريطانية.

يوسـف بتشـوتـو (1857-1945(

Joseph Betshoto

اقتصادي مصري يهودي وُلد في الإسكندرية لعائلة سفاردية ذات أصول إيطالية قدمت إلى مصر من حلب. وقد بدأ حياته موظفاً في مؤسسة تجارية، وأسَّس عام 1896 تجارته الخاصة فأقام عام 1917 شركة لاستيراد المنسوجات القطنية. واكتسب بتشوتو سمعة طيبة كخبير اقتصادي، كما كان عضواً في مجالس إدارة عدد من الشركات وعضواً بالغرفة التجارية بالإسكندرية. وعُيِّن عام 1922 عضواً بالمجلس الاقتصادي للحكومة المصرية. وكان بتشوتو متعاطفاً مع الحركة الوطنية المصرية، فانضم إلى حزب الوفد وانتُخب عضواً بمجلس النواب ثم دخل مجلس الشيوخ عام 1924. كما كان نائباً لرئيس اللجنة المؤيدة لفلسطين والتي تأسست عام 1918 ورئيساً للبناي بريت (أبناء العهد) في الإسكندرية.

الباب الثامن: رأسماليون من أعضاء الجماعات اليهودية في الولايات المتحدة

رأسماليون من الأمريكيين اليهود (اليهود الجدد(

American-Jewish (Neo-Jewish) Capitalists

يُلاحَظ أن معظم الرأسماليين الأمريكيين اليهود أمريكيون تماماً وإن كانوا قد تأثروا بعض الشيء، في المراحل الأولى، بميراثهم الاقتصادي. فالتجار السفارد في القرن السابع عشر كانوا من كبار تجار الرقيق ومموِّلي الجيوش إلى جانب التجار المتجولين الذين كثيراً ما كانوا يصنعون بعض سلعهم بأنفسهم لأنهم حرفيون وتجار.

أما في المرحلـة الألمانيـة من تاريـخ الجماعة اليهودية في الولايـات المتحدة (1776 ـ 1880)، فيُلاحَـظ ما يلي:

1 ـ معظم هؤلاء من أصل ألماني وليس من أصل روسي/بولندي (يديشي)، ولعل هذا يعود إلى أن المهاجرين من ألمانيا قد جاءوا من بلد حقق طفرات واسعة في مجال التحديث والتصنيع، ولذا فهم يحملون معهم خبرات ملائمة للمجتمع الأمريكي، وهو ما يعني أن المهاجرين من ألمانيا كانوا قد تحرروا أيضاً من عدد كبير من الشعائر والأوامر والنواهي التي كان يمكن أن تعوقهم عن الحركة والحراك. كل هذا على خلاف يهود شرق أوربا.

2 ـ وصل اليهود الألمان منذ منتصف القرن التاسع عشر وبأعداد صغيرة. وقد جاءوا بعد أن كانت اليهودية الإصلاحية قد ظهرت واستحدثت صيغة مخففة للعقيدة اليهودية. وساهم كل هذا في عملية اندماجهم وسرعتها (على عكس يهود شرق أوربا الذين جاءوا بأعداد كبيرة يؤمنون بالأرثوذكسية(.

3 ـ ملأ المهاجرون اليهود من ألمانيا كثيراً من الفراغات وراكموا الثروات بسرعة، كما أن جذورهم في أوربا وعلاقاتهم المالية والتجارية فيها ساعدتهم على تحقيق النجاح في أعمالهم (على عكس يهود شرق أوربا الذين كانوا مُنبتِّي الصلة بأوربا(.

4 ـ وصل المهاجرون الألمان والاقتصاد الأمريكي في حاجة ماسة إلى خبراتهم كرأسماليين ومموِّلين، على عكس يهود شرق أوربا الذين وصلوا والاقتصاد الأمريكي في حاجة إلى أيد عاملة.

ويُلاحَظ أن الرأسماليين الأمريكيين اليهود (من أصل ألماني) اتجهوا نحو المصارف والاستثمارات العقارية. وأنهم، مع عدم سيطرتهم على قطاع البنوك والمال، احتلوا مكانة مميَّزة في مجال النشاط المصرفي الاستثماري. وقد لعبت المؤسسات المالية المملوكة لعائلات يهودية ذات أصول ألمانية، مثل عائلات سليجمان ولويب وووربورج وجولدمان وليمان وسبير، دوراً حيوياً في عملية التراكم الرأسمالي والنمو الصناعي في الولايات المتحدة خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. وتحقَّق ذلك بفضل علاقاتهم المالية المتشعبة المتداخلة في أوربا، وهو ما أتاح لهم قدراً كبيراً من التنسيق فيما بينهم ومقدرة على توفير رأس المال بكميات أكبر وبشكل أسرع نسبياً من المؤسسات المصرفية الأمريكية المماثلة.

ثم اتجه الرأسماليون الأمريكيون اليهود نحو الصناعات الخفيفة ومتاجر التجزئة ذات الأقسام المتعددة. وكانت من الأنشطة الاقتصادية الجديدة التي تميَّزت بهامشيتها وبقدر كبير من المخاطرة. ونجح اليهود في دخول هذه المجالات وحققوا فيها نجاحاً ومكانة بارزة بفضل ميراثهم الاقتصادي كجماعات وظيفية ذات خبرات تجارية ومالية واسعة. وبالإضافة إلى ذلك، لم تكن كثير من الأنشطة الاقتصادية الأخرى في الاقتصـاد الأمريكي (مثل الصـناعات الثقيلة) متاحة أمامـهم بالقدر الكافي. وتُعَدُّ عائلات جمبل وروزنوالد وستراوس من العائلات الأمريكية اليهودية التي حققت نجاحاً كبيراً في مجال متاجر التجزئة ذات الأقسام المتعددة. ومع وصول المهاجرين من شرق أوربا، ازدهرت صناعة الملابس الجاهزة التي كان يحتكرها الرأسماليون من أعضاء الجماعة اليهودية من أمثال ليفي شتراوس الذي تُعَدُّ شركته، التي أسسها في النصفالثاني من القرن التاسع عشر، أكبر شركة للملابس الجاهزة في العالم في وقتنا الحاضر. واحتلت جماهير المهاجرين من يهود اليديشية المواقع الدنيا في السلم الاجتماعيوالطبقي الأمريكي في بداية الأمر، وانضم الجزء الأكبر منهم إلى الطبقات العاملة. إلا أن كثيراً منهم سرعان ما بدأوا يخطون خطوات سريعة في مجال التجارة والأعمالوبدأوا في اقتحام الأنشطة الاقتصادية الجديدة ذات الطابع التجاري أو الصناعي الخفيف، التي بدأ ظهورها في أوائل القرن العشرين، محققين فيها نجاحاً ملموساً بفضلخبراتهم الاقتصادية والتجارية السابقة. وقد برز الرأسماليون الأمريكيون اليهود خلال الثلاثينيات في قطاع النشر الصحفي والإعلام، وفي مجال الراديو والسينما.

واحتل الرأسماليون الأمريكيون اليهود مكانة مهمة أيضاً في صناعة مستحضرات التجميل. فأسس ماكس فاكتور في أوائل القرن العشرين شركة لمستحضرات التجميل أصبحت من أكبر الشركات في العالم في هذا المجال. كما تُعَدُّ هيلينا روبنشتاين من أبرز الشخصيات التي عملت في هذه الصناعة. وتُعَدُّ شركة استي لودر ثالث أكبر شركة عاملة في مجال مستحضرات التجميل في الولايات المتحدة في الوقت الحاضر.

وفي القرن العشرين، اتجه نشاط الرأسماليين من أعضاء الجماعات اليهودية، نحو البورصة والعقارات وصناعات الترفيه، إلى جانب الأنشطة سالفة الذكر. ففي عام 1936، كان اليهود متركزين في البورصة وأعمال السمسرة، وكان 16 % من سماسرة الأسواق المالية يهوداً. ولكنهم لم يسيطروا على البنوك أو يُمثَّلوا في الصناعة الثقيلة إلا بدرجة صغيرة (حيث إن سابع أكبر شركة صلب، لا غير، كان يمتلكها يهودي). كما لم يسيطروا على أيٍّ من شركات السيارات، ولم يوجد أي رأسمالي يهودي في شركات حيوية، مثل شركات الفحم أو المطاط أو الكيماويات. إلا أن البعض منهم احتل مكانة مهمة في قطاع التعدين مثل عائلة لويسون وعائلة جوجنهايم التي أسَّست واحدة من أكبر الشركات المنتجة للمعادن في العالم.

وقد بيَّن أحد الكُتَّاب أن الرأسماليين الأمريكيين اليهود يتواجدون في تلك الصناعات التي يلتقي فيها الصانع بالتاجر، وأن هذا التواجد استمرار لتقاليد الحرفي التاجر. ووضعهم هذا يجعلهم جزءاً لا يتجزأ من الهرم الإنتاجي الأمريكي لا أداة يهودية مستقلة له. فهو من ناحية يعتمد على الصناعات الثقيلة التي يمتلكها البروتستانت أساساً، وهو يبيع لسوق أمريكي تتحكم فيه طموحات وأحلام الإنسان الاستهلاكي الأمريكي.

وفي عام 1985 كان يوجد 114 يهودياً من بين أكثر400 شخص ثراءً في أمريكا، أي أن أعضاء الجماعة اليهودية يشكلون داخل هذه الفئة نسبة 24ـ 26%. ورغم أنهم يشكلون 54.2% فقط من السكان، فإنهم يحصلون على 5% من الدخل القومي، كما يشكلون 7% من الطبقة الوسطى الأمريكية. وهناك 900 ألف أسرة يهودية تنتمي إلى الطبقة الوسطى أو إلى الشرائح العليا من الطبقة الوسطى من حوالي مليوني أسرة يهودية، وذلك مقابل 13,5 مليون أسرة أمريكية تنتمي إلى الطبقة نفسها من حوالي 53 مليون أسرة أمريكية. ومتوسط الدخل السنوي لليهودي الأمريكي هو 23,300 دولار مقابل 21,300 دولار للأبيسكوبليان (وهم المسيحيون الأنجليكيون الذين يُعَدُّون أكثر طبقات المجتمع ثراءً) و14 ألف دولار للمعمدانيين البروتستانت (أفقر البروتستانت). ويُلاحَظ أننا اسـتبعدنا السـود والبورتوريكيين لأن معـظم هـؤلاء تحت خط الفقر. وجاء في إحصاءات عام 1982/1983 أن هناك 900 ألف يهـودي تحت مسـتوى خـط الفـقر. وقـد ظل اليهود، برغم كل ثرائهم، خارج نطاق ملكية الصناعات الثقيلة.

ولكن الثراء لا يَصلُح معياراً للاستقلال أو الهيمنة، فهو ثراء قد حققه أعضاء الجماعة اليهودية داخل المجتمع الأمريكي ومن خلال آليات الحراك والتراكم المتاحة للجميع. وقد حققوا ما حققوه من بروز وثراء غير عادي لعدة أسباب، من بينها خبراتهم التجارية السابقة، وتزايُد معدل علمنتهم قياساً إلى بقية أعضاء الجماعات الدينية، وارتفاعمستواهم التعليمي عن بقية جماعات المهاجرين. ومما يؤكد أن الثراء لا يصلح مؤشراً على الهيمنة أن الصناعات الثقيلة لا تزال في يد المسيحيين البروتستانت أساساً. وقدذكرت مجلة فوربيس ، في عددها لعام 1985، أسماء أغنى أربعمائة أمريكي في الولايات المتحدة، فكان منهم مائة وأحد عشر يهودياً. وتركزت أغلبيتهم الساحقة في العقارات والسمسرة والمضاربات والملاهي والبورصة والإعلام (أي حوالي 27%)، بينما لم يكن لهم وجود في صناعات حيوية، مثل تكرير البترول، سوى بضعة أفراد من عائلات بلاوستين وماكس فيشر وأرماند هامر الملقب بملك البترول.

ولعل أهم يهودي في إحدى الصناعات الثقيلة هو إدجار برونفمان الذي اشترى أسهم شركة دي بونت للكيماويات، كما اشترى آخر من عائلة كراون أسهم شركة جنرال ديناميكس، وهي شركة لتصنيع عتاد الحرب. ويمكن الإشارة هنا إلى أن بعض الرأسماليين الأمريكيين اليهود احتلوا مراكز اقتصادية ومالية مهمة في الدولة والحكومة الأمريكية، وبخاصة خلال فترات الحربين العالميتين وفيما بعدهما، بفضل خبراتهم التجارية والمالية المهمة. وتميَّزت أغلبية هذه المراكز بطابعها الاستشاري ولكنها لم تنطو على قوة سياسية حقيقية. ومن بين هؤلاء، برنارد باروخ الذي عمل مستشاراً لعدة رؤساء أمريكيين، وأيوجين ماير، وبعض أفراد عائلتي ووربورج ومورجنتاو.

ويمكن اعتبـار كثير من الرأسـماليين من أعضـاء الجماعات اليهودية، وخصوصاً الأمريكيين منهم، ممثلين لما يمكن تسميته «صهاينة الدياسبورا» أو «الصهاينة التوطينيين». وتعود صهيونية هؤلاء إلى عام 1882 حين تعثَّر التحديث في روسيا القيصرية (وبولندا)، تدفَّق إلى الولايات المتحدة الآلاف من يهود اليديشية، وهي الكثافة البشرية ذات الطابع الحضاري السلافي الفاقع، اليهودي الأرثوذكسي الواضح، الظاهر التدنِّي طبقياً. ولم تُقابَل هذه الهجرة بكثير من الترحاب من جانب أعضاء البورجوازية من اليهود الأمريكيين ذوي الأصول الألمانية الذين حققوا قدراً كبيراً من النجاح ونجحوا في الاندماج في المجتمع وتبنوا صيغة مخففة من اليهودية هياليهودية الإصلاحية، ذلك أن هذه الكثافة البشرية هددت مواقعهم الطبقية ومكانتهم الاجتماعية. فهم «يهود»، شأنهم في هذا شأن يهود اليديشية، ولكنهم من أصول ألمانية «رفيعة»، ولذا يكنون الاحتقار الألماني التقليدي للعناصر السلافية «المتخلفة». ولذا، تحرك يهود أمريكا المندمجون، لإنشاء مؤسسات هدفها أمركة هؤلاء المهاجرينالجدد وسرعة استيعابهم في المجتمع الأمريكي، وكذلك لغوث ومساعدة يهود اليديشية في أوطانهم الأصلية بهدف الحد من هجرتهم إلى الولايات المتحدة (تُوصَف هذه المؤسسات بأنها مؤسسات خيرية هدفها إنقاذ اليهود). وامتداداً لهذا القلق ساهم الرأسماليون من أعضاء الجماعات اليهودية في دعم الهجرة والاستيطان اليهودي في فلسطين، ثم قدموا التأييد السياسي والدعم المالي للكيان الصهيوني بعد تأسيسه. وهو موقف ينبع في المقام الأول من انتمائهم لأوطانهم أو لهويتهم الأمريكية، ولا يختلف موقفهم عن غيرهم من الرأسماليين الغربيين أو الأمريكيين الذين يرون ترادف مصالح بلادهم مع مصالح إسرائيل التي يعتبرونها قاعدة للمصالح الرأسمالية والإمبريالية في الشرق العربي.

ولذا، يكون الحديث عن «رأسمالية يهودية»، لا عن رأسماليين من أعضاء الجماعات اليهودية، حديثاً مضللاً يخلع الاستقلالية على ظاهرة تابعـة. وربما، لو أن هـناك رأسـمالية يهودية، لتبعها المشروع الصهيوني، وقامت هي بتمويله لصالحها. ولكن المشروع الصهيوني كان دائماً، منذ وعد بلفور إلى الاتفاق الإستراتيجي بين الولاياتالمتحدة والدولة الصهيونية، يبحث عن راعٍ غربي يوفر له الأمن والدعم والتمويل، ويحوِّل الرأسماليين من اليهود داخل التشكيلات الرأسمالية القومية المختلفـة إلى أداة للضغط يسـتخدمها لصالحه. ولكن العكس أيضاً صحيح، إذ أن الدول الغربية تستخدم هؤلاء الرأسماليين أداة للضغط على الدولة الصهيونية أحياناً.

ومن القضايا التي ينبغي إثارتها، مدى اشتراك الرأسماليين من أعضـاء الجماعـات اليهودية في النشـاطات التجارية والمالية غير المشروعة، مثل التهرب من الضرائب ومراكمة الثروات من خلال الغش التجاري. ولكن لا توجد دراسة إحصائية مقارنة دقيقة تثبت أن معدل الغش والتهريب بين الرأسماليين الأمريكيين اليهود يفوق المعدل القومي، كما لا توجد دراسات توضح ما إذا كانت يهودية الرأسمالي هي التي تفسر الجرائم التي ارتكبها أم أن من الأجدى تفسيرها على أساس عدم انتماء الرأسمالي عضو الجماعة اليهودية كعنصر مهاجر لم يتحدد انتماؤه بعد. ومن ثم، لابد أن نقارن نسبة هذه الجرائم بين الرأسماليين اليهود وغيرهم من الرأسماليين من أعضاء الجماعات المهاجرة الأخرى.

أما فيما يتصل بالمهنيين ورجال السياسة من الأمريكيين اليهود، فهم عادةً من أبناء الجيل الثالث الذين وُلدوا في الولايات المتحدة وتلقوا تعليماً جامعياً ونسوا الوطن القديم تماماً (إلا كذكريات رومانسية) وأصبحوا جزءاً من المؤسسة الأمريكية الثقافية والسياسية ولا يمكن الحديث عن أية خصوصية مميِّزة لهم.

عائلـــة برنتانـــو

Family The Brentano

عائلة أمريكية يهودية صاحبة أكبر مؤسسة لبيع وتداوُل الكتب في العالم. وقد أسسها أوجست برنتانو (1831 ـ 1886) الذي هاجر إلى الولايات المتحدة قادماً من النمسا عام 1853 وبدأ حياته في بلده الجديد بائعاً للجرائد في شوارع نيويورك. وفي عام 1858، فتح أول متجر له لبيع الكتب، ثم افتتح عام 1870 متجر برنتانو الأدبي الذي أصبح أكبر متجر لبيع الكتب في نيويورك وملتقى المثقفين والأدباء والكُتَّاب. وفي عام 1877، باع برنتانو مؤسسته لأولاد أخيه الثلاثة أوجست (1853 ـ 1899)، وآرثر (1858 ـ 1944)، وسيمون (1859 ـ 1915)، الذين نجحوا في توسيع نشاط المؤسسة وفتح أفرع لها في لندن وباريس وغيرهما من مدن العالم.

عائلـة بلاوســتاين

The Blaustein Family

عائلة أمريكية يهودية من رجال الصناعة. هاجر لويس بلاوستاين (1869 ـ 1937) من روسيا، واستقر في الولايات المتحدة عام 1888 حيث بدأ حياته في وطنه الجديد بائعاً متجولاً للكيروسين. وفي عام 1892، التحق بشركة ستاندرد أويل للبترول للعمل فيها، وتدرَّج في عمله حتى وصل عام 1910 إلى مركز إداري. وفي العام نفسه، ترك عمله بالشركة وأسَّس شركة أميركان أويل للبترول (أموكو) في مدينة بالتيمور. وقد سارع لويس بلاوستاين في الاستفادة من التزايد المطرد في استخدام السيارات، حيث طوَّر وقوداً عالي الجودة، وأقام محطات عديدة لتموين السيارات بالوقود شكلت 5% من إجمالي عدد المحطات في الولايات المتحدة. وشهدت شركته توسعاً كبيراً وتحولت إلى إحدى أكبر المؤسسات البترولية في البلاد. وفي عام 1924، اشترت شركة بان أميركان للبترول والنقل (وهي شركة عملاقة دخلت فيما بعد تحت سيطرة وإدارة شركة ستاندرد أويل أف أنديانا) نصف حصة شركة بلاوستاين مقابل خمسة ملايين من الدولارات، ثم اندمجت معها عام 1933. واتسعت الشركة وأصبح لها معامل لتكرير البترول وموانئ للسفن، وامتد نشاطها أيضاً إلى مجال البنوك والتأمين والعقارات والنقل البحري.

وقد اشترك جيكوب بلاوستاين (1892 ـ 1970)، ابن لويس بلاوستاين، في بناء الشركة وتنميتها منذ أن تأسست، وتولَّى عدة مناصب إدارية وتنفيذية بها ثم أصبح رئيساً لها بين أعوام 1933 ـ1937. وفي فترة الحرب العالمية الثانية، ساهم جيكوب بلاوستاين بخبراته في حقل البترول حيث عُيِّن نائباً لرئيس لجنة التسويق للإدارة البترولية الأمريكية.

وكان جيكوب بلاوستاين من بين أغنى أغنياء الولايات المتحدة. وكان نشيطاً في مجال الشئون اليهودية، فترأَّس اللجنة الأمريكية اليهودية في أعوام 1949 ـ 1954، كما كان عضواً في مجالس إدارة الجامعة العبرية ومعهد وايزمان للعلوم في إسرائيل. وقام جيكوب بلاوستاين بدعم نشاط اللجنة الأمريكية اليهودية المُشتركَة للتوزيع، وكان عضواً في مؤتمر المطالب اليهودية ضد ألمانيا، وساهم في تحديد العلاقة بين الدولة الصهيونية والجماعات اليهودية فاتفق مع بن جوريون عام 1950 على ألا تتدخل إسرائيل في الشئون اليهودية الأمريكية ولا يتدخل اليهود الأمريكيون في السياسة الداخلية لإسرائيل. وجاء ذلك بعد أن دعا بن جوريون الشباب اليهودي الأمريكي للهجرة إلى إسرائيل، الأمر الذي أثار استياء زعماء الجماعة اليهودية في الولايات المتحدة الذين كانوا يضعون انتماءهم الأمريكي في المرتبة الأولى. ومن هنا يأتي الدعم المادي والمعنوي من جيكوب بلاوستاين وغيره من يهود الولايات المتحدة لإسرائيل، سواء أكان ذلك بشكل مباشر أم كان من خلال التنظيمات اليهودية الأمريكية في إطار ما نسميه بالصهيونية التوطينية. والآن، تُعتبَر عائلة بلاوستاين من بين أغنى أربعمائة عائلة وشخصية أمريكية، وقد قُدِّرت ثروتها عام 1985 بنحو 850 مليون دولار.

عائلـــة جمــبل

The Gimbel Family

عائلة تجارية أمريكية من رواد تجارة التجزئة في الولايات المتحدة الأمريكية. هاجر آدم جمبل (1817 ـ 1896) من بافاريا في ألمانيا إلى الولايات المتحدة عام 1835، واستقر في نيو أورليانز حيث عمل بائعاً متجولاً. وفي عام 1842، افتتح أول متجر له، الأمر الذي أذن ببداية تأسيس الإمبراطورية التجارية التي أقامها أبناؤه وأحفاده من بعده.

وقد أسَّس ولداه الكبيران جيكوب (1851 ـ 1922) وأيزيك (1857 ـ 1931) مؤسسة إخوان جمبل، وافتتحا متجراً متعدد الأقسام لتجارة التجزئة في فلادلفيا عام 1894 تحت إدارة أخويهما تشارلز (1860 ـ 1932) وأليس (1865 ـ 1950). وقد كان أعضاء الجماعات اليهودية من أوائل من بادروا بتأسيس متاجر التجزئة الضخمة التي كانت الحاجة إليها تزداد لتلبية الاحتياجات الاستهلاكية للطبقات الوسطى المتنامية. وكان ميراث اليهود كجماعة وظيفية مالية ذات خبرات تجارية ومالية واسعة يؤهلهم لدخول هذه المجالات التي كانت تتطلَّب قدراً كبيراً من المجازفة وروح الريادة. وقد اتسعت تجارة العائلة، فتم افتتاح أول متجر لهم في نيويورك عام 1910. وفي عامي 1923 و1926، قاموا بشراء مؤسستين تجاريتين أخريين، وبالتالي أصبح لجمبل أفرع عديدة في جميع أنحاء الولايات المتحدة. وفي عام 1927، تولى برنارد (1855 ـ 1966) ابن أيزيك إدارة شركة إخوان جمبل، ثم ابنه بروس (1913 ـ ) من بعده إدارتها، وقد وصل حجم شبكة متاجر جمبل عام 1961 إلى 53 متجراً في جميع أنحاء الولايات المتحدة حققت مبيعاتها أرقاماً قياسية.

عائلــــة جوجنهايـم

The Guggenheim Family

عائلة أمريكية يهودية من رجال الصناعة تعود جذورها إلى المقاطعات الألمانية في سويسرا في القرن السابع عشر. وقد أسَّس العائلة في الولايات المتحدة ماير جوجنهايم (1828 ـ 1905) حيث استقر بها عام 1848 وأسَّس مع أبنائه السبعة شركة لاستيراد المنسوجات المطرزة من سويسرا. وفي نهاية السبعينيات من القرن التاسع عشر، باعت الأسرة تجارتها في مجال التطريز، ودخلت صناعة التعدين حيث أسَّست مصانع لصهر وصقل المعادن في الولايات المتحدة والمكسيك. ثم بدأت الأسرة في شراء المناجم وتطويرها. وفي غضون 20 عاماً، نجحت شركة جوجنهايم في السيطرة تماماً على صناعة التعدين في الولايات المتحدة بعد أن استولت عام 1901 على الشركة الأمريكية الكبرى المنافسة لها وحققت ثروة طائلة قُدِّرت بحوالي 500 مليون دولار.

وتولَّى أبناء ماير السبعة إدارة أعمال الأسرة بعد وفاة أبيهم، وكان من أبرزهم دانيال جوجنهايم (1856 ـ 1930) الذي امتد نشاط الشركة في ظل إدارته إلى جميع أرجاء العالم. فتم تطوير مناجم الذهب في ألاسكا ومناجم الماس في أفريقيا والنترات في شيلي والنحاس في أمريكا ومزارع المطاط في الكونغو البلجيكي. وتم تأسيس مصانع لصهر وصقل المعادن في جميع أنحاء العالم. وبالتالي، أصبحت شركة جوجنهايم من أكبر الشركات المنتجة للمعادن في العالم.

وقد عمل ابنه هاري فرانك جوجنهايم (1890 ـ 1971) في أفرع الشركة في أمريكا اللاتينية، وعُيِّن عام 1929 سفيراً للولايات المتحدة في كوبا. وكان لأعضاء عائلة جوجنهايم، شأنهم في ذلك شأن العائلات الأمريكية الثرية، مساهمات عديدة في المجالات الخيرية وبخاصة في مجــال الفنـون. وقــد تنصَّر بعـض أفراد العائلة.

عائلـة جولـدمــان

The Goldman Family

عائلة أمريكية يهودية من رجال البنوك ذات أصول ألمانية. وقد استقر ماركوس جولدمان (1821 ـ 1904) في الولايات المتحدة عام 1848، وعمل بائعاً متجولاً في ولاية بنسلفانيا ثم تاجراً للملبوسات في مدينة فلادلفيا قبل أن يبدأ نشاطه المالي في مدينة نيويورك عام 1869. وانضم إليه ابنه هنري جولدمان (1857 ـ 1937) ثم صمويل ساخس (الذي تزوج ابنة جولدمان) وشقيقه هاري ساخس ليؤسسوا معاً المؤسسة المالية جولدمان، ساخس، وشركاؤهما. وقد تعاونت هذه المؤسسة مع المؤسساتالمالية البريطانية في تحويل رأس المال الأوربي للاستثمار في الولايات المتحدة، وفي تمويل النمو الصناعي الكبير التي كانت تشهده البلاد منذ نهايات القرن التاسع عشر. ونجحت المؤسسات المالية المملوكة لعائلات يهودية ذات أصول ألمانيا بصفة عامة في تدبير رأس المال بكميات أكبر، وبشكل أسرع نسبياً من غيرها من المؤسسات المالية الأمريكية، وذلك بفضل علاقاتها المتشعبة في أوربا وبفضل العلاقات المتداخلة بين هذه العائلات، الأمر الذي كان يُسهِّل عملية التنسيق فيما بينها. وقد كان لمؤسسةجولدمان علاقات وثيقة بشركة إخوان ليمان المالية، حتى أنهما اشتركتا معاً في تمويل صناعة وتسويق السلع الاستهلاكية. وقد اعتزل هنري جولدمان العمل في عام 1918، وكان من أشد مؤيدي ألمانيا خلال الحرب العالمية الأولى. ولا تزال مؤسسة جولدمان ساخس من أقوى المؤسسات المالية الاستثمارية في الولايات المتحدة.

عائلــة روزنوالـــد

The Rosenwald Family

عائلة تجارية أمريكية يهودية ذات أصول ألمانية. وقد عمل جوليوس روزنوالد (1862 - 1932)، الذي هاجر والداه من ألمانيا إلى الولايات المتحدة، في مجال صناعة وتجارة الملابس. وفي عام 1895، اشترى روزنوالد رُبع حصة شركة سيرز روباك وشركاه، وهي مؤسسة تجارية للبيع من خلال الكتالوج تتلقى الطلبات بالبريد وتلبيها بواسطة البريد أيضاً، وتولَّى روزنوالد منصب نائب الرئيس، ثم أصبح عام 1909 مديراً للشركة، ثم أصبح رئيساً لمجلس الإدارة عام 1925. وقد تحولت هذه الشركة في ظل رئاسته إلى أكبر مؤسسة من نوعها في الولايات المتحدة. وبسبب ميراثهم الاقتصادي، كان أعضاء الجماعة اليهودية في الولايات المتحدة من العناصر الرائدة في مجال المؤسسات والمتاجر متعددة الأقسام للبيع بالتجزئة.

وكان روزنوالد من كبار المساهمين في المجالات الخيرية والثقافية اليهودية وغير اليهودية. وساهم خلال الحرب العالمية الأولى في غوث ضحايا الحرب من اليهود في أوربا، كما ساهم بستة ملايين من الدولارات لدعم مشاريع الاستيطان اليهودي الزراعي في الاتحاد السوفيتي. وبرغم معارضته للصهيونية بسبب ما كانت تثيره من مسألة ازدواج الولاء، ساهم في دعم المؤسسات التعليمية والزراعية للتجمع الاستيطاني اليهودي في فلسطين. وقد نبع موقف روزنوالد، شأنه شأن كثير من اليهود المندمجين من أعضاء البورجوازية الأمريكية، من الرغبة في الحد من هجرة يهود اليديشية إلى الولايات المتحدة لما كان يشكله ذلك من تهديد لمكانتهم الاجتماعية وأوضاعهم الطبقية. وكانت نهاية الحرب العالمية الأولى تنذر بتدفُّق هجرة يهودية جماعية جديدة إلى الولايات المتحدة، وبالتالي كانت جهود روزنوالد وأمثاله باتجاه تحسين أوضاع الجماعات اليهودية في أوطانهم الأوربية الأصلية حتى لا يضطروا إلى الهجرة، وكذلك باتجاه تسهيل الاستيطان اليهودي في فلسطين لتحويل تيار الهجرة إليها مع رفض إقامة دولة يهودية بها حتى لا يتعرضوا للاتهام بازدواج الولاء.

وبعد وفاة روزنوالد عام 1935، تولَّى ابنه الأكبر لسنج يوليوس روزنوالد (1891 ـ 1979) رئاسة مجلس إدارة الشركة. وقد ساهم لسنج في تأسيس المجلس الأمريكي لليهودية عام 1943، وهو تنظيم يهودي معاد للصهيونية يعتبر أن اليهودية عقيدة دينية وحسب وليست انتماءً قومياً. وترأَّس لسنج روزنوالد هذا المجلس منذ تأسيسه وحتى عام 1959. وقد شن المجلس حملة عنيفة ضد الصهيونية أثناء مناقشة الأمم المتحدة لقضية فلسطين عام 1947. وبعد إنشاء إسرائيل، أثار المجلس قضية ازدواج الولاء والمواطنة المزدوجة لليهود.

أما شقيقه وليام روزنوالد (1903 ـ )، فقد عمل لفترة في شركة أبيه، ثم اتجه نحو الأنشطة المالية حيث أسس مؤسسة السندات الأمريكية وشركة أمَتك. وكان لوليام روزنوالد نشاط واسع في مجال الشئون اليهودية، حيث ترأَّس مجلس إدارة «النداء اليهودي الموحَّد» واحتل منصب نائب رئيس مجلس الإدارة في لجنة التوزيع المشتركة وفي اللجنة الأمريكية اليهودية وفي خدمة هياس المتحدة.

عائلة سـتراوس

The Strauss Family

عائلة أمريكية تجارية كانت من أصحاب سلسلة المتاجر المتعددة الأقسام للبيع بالتجزئة، كما عملت أيضاً في المجال الصناعي وفي القطاع الحكومي والدولة. ومن أهم شخصيات في هذه العائلة لازاروس ستراوس (1809 ـ 1898) مؤسس العائلة الذي قدم من ألمانيا عام 1852 ليستقر في الولايات المتحدة، وانتقل عام 1865 إلى مدينة نيويورك حيث عمل في استيراد وتجارة الأواني الفخارية. وفي عام 1874، دخل ولداه إزيدور (1845 ـ 1912) ونيثان (1848ـ 1931) شـركاء في متـجر متعدد الأقسـام ثم أصبحـا عام 1887 مالكيه الوحيدين. وقد تحوَّل هذا المتجر إلى واحد من أكبر المتاجر من نوعها في الولايات المتحدة. ودخل إزيدور شريكاً أيضاً في سلسلة متاجر أبراهام وستراوس متعددة الأقسام عام 1893. وما بين عامي 1894 و1895، دخل إزيدور الكونجرس (البرلمان) الأمريكي. كما ترأَّس الاتحاد التعليمي الذي أُعيد تنظيمه عام 1893 لكي يساهم في أمركة المهاجرين الجدد من يهود شرق أوربا الذين تدفقوا على الولايات المتحدة منذ الثمانينيات من القرن التاسع عشر. وكان إزيدور أيضاً عضواً في اللجنة الأمريكية اليهودية.

أما نيثان، فقـد اهتم بشـكل خاص بالأنشـطة التي يُقال لها خيرية، وبقضايا الصحة العامة، حيث أسَّس معملاً لبسترة اللبن ومحطات لتوزيعه في مدينة نيويورك. وامتد اهتمامه هذا إلى فلسطين، حيث أسَّس معهد باستير، وتعاون مع منظمة هاداساه الأمريكية الصهيونية في تأسيس سلسلة محطات نيثان ستراوس لصحة ورفاه الطفل، كما أسس مركزي نيثان ولينا ستراوس للصحة في مدينتي القدس وتل أبيب. وقد أنفق ستراوس خلال العقدين الأخيرين من حياته حوالي ثُلثي ثروته على مشاريعه المتعددة في فلسطين لخدمة التجمع الاستيطاني اليهودي بها (وقد أُطلق اسم نيثانيا على هذه البلدة في فلسطين عرفاناً بفضله). وبرغم ما تبديه مشاريع ستراوس في فلسطين من جوانب إنسانية، إلا أنها كانت تُخفي وراءها محاولات البورجوازية الأمريكية اليهودية (من أصل ألماني) تحويل هجرة يهود اليديشية بعيداً عن الولايات المتحدة للأسباب التي أسلفنا ذكرها، ولذلك فقد دعم الاستيطان والهجرة اليهودية إلى فلسطين، وذلك برغم معارضته (مثله مثل غالبية الأمريكيين اليهود) للصهيونية ولفكرة إنشاء دولة يهودية في فلسطين خوفاً مما قد تثيره من اتهامات بازدواج الولاء، وهو ما سميناه «الصهيونية التوطينية».

أما الأخ الثالث أوسكار سولومون ستراوس (1850 ـ 1926)، فدرس القانون، وعُيِّن وزيراً مفوضاً لدى تركيا في الفترة بين عامي 1887 و1889 مكافأة لجهــوده فيانتخاب ج. كليفلاند للرئاسـة الأمريكية. وأُعيد تعيينه مرة ثانية في المنصب نفسه بين عامي 1898 و1900، ثم عُيِّن سفيراً للولايات المتحدة في تركيا في الفترة بينعامي 1909 و1910. ونجح إبَّان فترة خدمته في دعم نشاط البعثات التبشيرية المسيحية والمصالح الأمريكية في الإمبراطورية العثمانية. وفي عام 1902، عيَّنه الرئيس روزفلت عضواً ممثلاً للولايات المتحدة لدى محكمة العدل الدولية في لاهاي، وجُدِّد تعيينه في هذا المنصب أربع مرات. وفي عام 1906، اختاره الرئيس روزفلت وزيراً للتجارة والعمل، وأصبح بذلك أول يهودي أمريكي يحتل منصباً وزارياً.

وقد اهتم سولومون ستراوس بالقضايا والشئون اليهودية، فتدخَّل لدى الحكومة والخارجية الأمريكية لمساعدة يهود روسيا ورومانيا، واشترك في الحملة التي نجحت عام 1911 في إلغاء معاهدة 1832 بين روسيا والولايات المتحدة، كما اشترك في تأسيس اللجنة الأمريكية اليهودية في عام 1906. وبرغم معارضته للصهيونية، إلا أنه (انطلاقاً من صهيونيته التوطينية) ساهم في تمويل عدة مشاريع في فلسطين لخدمة الاستيطان اليهودي بها. كما أيَّد سولومون ستراوس المشاريع الإقليمية الرامية لتوطـين يهـود شـرق أوربا في مناطق أخرى غير فلسطين. وفي لقاء له عام 1899 مع هرتزل، في فيينا، اقترح سولومون ستراوس على هرتزل أن يذهب إلى إستنبول بنفسه للتفاوض بدلاً من الاعتماد على الوسطاء، كما أكد له أهمية النظر في منطقة بلاد الرافدين والعراق كمنطقة صالحة للاستيطان اليهودي. وقد اشترك سولومون ستراوس في تأسيس صندوق بارون دي هيرش الذي كان يهدف إلى دمج المهاجرين الجدد من اليهود وسرعة استيعابهم في المجتمع الأمريكي. وكان له كتابات عديدة حاول فيها إبراز العلاقة بين المفاهيم اليهودية والثقافة الأمريكية. كما كان أول رئيس للجمعية التاريخية اليهودية في أمريكا.

أما جيسي إزيدور ستراوس (1872 ـ 1936)، وهو ابن إزيدور، فقد تخرَّج في جامعة هارفارد عام 1893، والتحق بتجارة العائلة. وفي عام 1919، أصبح رئيساً لمؤسسة مايسي التي تحولت تحت إدارته إلى أكبر متجر من نوعه في العالم. وقد عمل جيسي مديراً لعدة مؤسسات مالية وتجارية أخرى، وعيَّنه الرئيس روزفلت سفيراً للولايات المتحدة لدى فرنسا (عام 1933) حيث اهتم بتحسين العلاقات التجارية بين البلدين.

وخلفه، في رئاسة متجر مايسي، شقيقه بيرسي سلدن ستراوس (1876 ـ 1944) الذي تخرَّج أيضاً في جامعة هارفارد وارتبط بعدة مشاريع تعليمية وخيرية يهودية وغير يهودية. وفي الفترة بين عامي 1922 و1930، تولَّى بيرسي رئاسة الجمعية الزراعية اليهودية التي كانت تقوم بتوطين المهاجرين الجدد من اليهود في مستوطنات زراعية منتشرة في أنحاء الولايات المتحدة. ومما يُذكَر أن تكدُّس المهاجرين الجدد في أحياء نيويورك وبوسطن وفلادلفيا كان يسبب حرجاً شديداً لليهود من أعضاء البورجوازية الأمريكية (ذات الجذور الألمانية) حيث كانت هذه الأحياء تعاني من فقر. كما تفشت الجريمة في صفوفها، وهو ما جعلها في كثير من الأحيان مصدراً للإثارة، وبالتالي فقد اتجهت جهود هذا القطاع من البورجوازية الأمريكية نحو توزيع المهاجرين في أنحاء البلاد بعيداً عن مناطق تكدُّسهم في هذه المدن الرئيسية. وفي عام 1935، تولَّى جيسي ستراوس إدارة المؤسسة الاقتصادية لللاجئين.

وتولَّى جاك إزيدور (1900 ـ 1985)، ابن جيسي إزيدور، إدارة المتجر عام 1928، ثم أصبح نائباً للمدير عام 1939 ثم مديراً عاماً له عام 1940، ثم رئيساً لمجلس الإدارة عام 1956. وقد نشط شقيقه روبرت كينيث ستراوس (1905 ـ ) في الإجراءات الخاصة بسياسات روزفلت الاقتصادية الجديدة التي عُرفت باسـم الصفقة الجديـدة (نيو ديل).

أما نيثان ستراوس الأصغر (1889 ـ 1961)، ابن نيثان ستراوس، فعمل في تجارة الأسرة لبعض الوقت، إلا أن اهتمامه الأساسي كان في مجال الصحافة حيث عمل محرراً وناشراً لمجلة فكاهية في الفترة ما بين عامي 1913 و1917 ثم نائباً لرئيس تحرير جريدة جلوب في نيويورك، ولكنه استقال منها عام 1920 بسبب خلافه مع الخط السياسي للجريدة، ودخل في العام نفسه مجال الحياة السياسية حيث أصبح عضواً ديموقراطياً في مجلس الشيوخ عن ولاية نيويورك. وعُيِّن نيثان في عدة مناصب حكومية، وبخاصة في قطاع الإسكان، كما ترأَّس محطة إذاعية. واشترك ستراوس في العديد من الأنشطة اليهودية التي يقال لها خيرية، كما عمل مديراً لمؤسسة فلسطين الاقتصادية (بالستاين إيكونوميك كوربوريشن).

وقد تولَّى بيتر ستراوس (1917 ـ ) إدارة المحطة الإذاعية بعد والده. ونجح، بعد شراء عدة محطات أخرى، في تأسيس مجموعة ستراوس الإذاعية. وتولَّى بيتر بعض المناصب المحلية والدولية المهمة، فعمل مساعداً تنفيذياً لمدير منظمة العمل الدولية في جنيف بين عامي 1950 و1955، ثم مديراً لمكتب المنظمة في الولايات المتحدة بين عامي 1955 و1958. كما عيَّنه الرئيس الأمريكي جونسون عام 1967 مساعداً لمدير برنامج المعونة الأمريكية لأفريقيا.

أما روجر وليامز ستراوس (1893 ـ 1957)، ابن أوسكار سولومون ستراوس فتزوج ابنة رجل الصناعة الأمريكي اليهودي دانيال جوجنهايم، وانضم إلى الشركة الأمريكية لصهر وصقل المعادن المملوكة لعائلة جوجنهايم وأصبح مديراً لها عام 1941 ثم رئيساً لمجلس الإدارة عام 1947. وقد لعب روجر ستراوس دوراً بارزاً في نشاط الحزب الجمهوري، كما كان عضواً عام 1954 في البعثة الأمريكية لدى الجمعية العامة للأمم المتحدة. واهتم روجر ستراوس بالأنشطة اليهودية، فأسَّس عام 1928 المؤتمر القومي للمسيحيين واليهود، ثم المجلس العالمي للمسيحيين واليهود عام 1947. وكان روجر وليامز عضواً في مجلس الأبرشيات الأمريكية العبرية وفي اللجنة الأمريكية اليهودية وفي المؤسسة الأمريكية للتمويل والإنماء من أجل إسرائيل. وقد عمل ابنه أوسكار ستراوس الثاني (1914 ـ ) في الخارجية الأمريكية، ثم التحق بأعمال أبيه حيث أصبح عام 1963 رئيساً لشركة جوجنهايم للتنقيب، ودخل شقيقه روجر وليامز الأصغر (1917 ـ ) مجال النشر حيث أسَّس عام 1945 دار النشر المرموقة فارار ستراوس وشركاه في نيويورك.

عائلــة سـليجمان

The Seligman Family

عائلة أمريكية يهودية من رجال المال والبنوك ذات أصول ألمانية. هاجر جوزيف سليجمان (1819 - 1880) إلى الولايات المتحدة الأمريكية (عام 1837) حيث أسَّس مع إخوته تجارة لبيع الملابس بالجملة، ثم دخلوا مجال المال والبنوك بفضل الأرباح التي حققوها في تجارتهم، فأسسوا بنك سليجمان (عام 1864) الذي أصبح له أفرع في باريس وفرانكفورت. وقد ساهم سليجمان، خلال الحرب الأهلية الأمريكية، في بيع ما قيمته 200 مليون دولار من السندات المالية الحكومية في أوربا. كما اشترك بنك سليجمان في تمويل بناء السكك الحديدية، وتمويل بناء قناة بنما، وتمويل العديد من المشاريع الصناعية ومشاريع الخدمات العامة، وهي مشاريع كانت تشهد توسُّعاً كبيراً في الولايات المتحدة خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. ووصل حجم رأس مال البنك عام 1887 عشرة ملايين دولار. وعمل سليجمان أيضاً كمستشار مالي لبعض الحكومات الأجنبية، كما اشترك في تدبير القروض للحلفاء خلال الحرب العالمية الأولى.

ونجح بنك سليجمان، مثله مثل غيره من البنوك الأمريكية المملوكة لعائلات يهودية ذات أصول أوربية، في تدبير كميات كبيرة من رأس المال وبشكل سريع، وذلك بفضل علاقتهم المتشعبة في أوربا وبفضل العلاقات الوثيقة بين هذه البنوك التي كانت تدعمها روابط الزواج، وهو ما أتاح لهم فرصة التنافس بشكل فعال مع المؤسسات المالية الأخرى في فترة كانت تشهد طلباً شديداً على رأس المال في الولايات المتحدة في ظل التوسع الصناعي السريع.

ومازال بنك سليجمان مستمراً في العمل حتى الوقت الحاضر. إلا أنه، في ظل تنامي النظام المصرفي الرأسمالي الحديث بمؤسساته المالية الضخمة، فقد أهميته كمؤسسة مالية عائلية.

عائلــة لويســـون

The Lewisohn Family

عائلة أمريكية يهودية من رجال الصناعة. وُلد ليونارد لويسون (1847 ـ 1902) في ألمانيا ابناً لتاجر مرموق، وانتقل إلى الولايات المتحدة عام 1865 حيث أسس مع أخويه يوليوس وأدولف (1849 ـ 1938) مؤسسة إخوان لويسون. وكانت هذه الشركة من الشركات الأمريكية الرائدة في مجال تطوير مناجم النحاس وانتقلت سريعاً إلى مجال المبيعات العالمية للنحاس والرصاص. وفي عام 1898، أسَّس الأخوان ليونارد وأدولف لويـس، بالتعـاون مع هـنري روجرز ووليام روكفلر، شركة المعادن المتحدة للمبيعات. واشترك أدولف في شركات عديدة أخرى عاملة في مجال التعدين حقَّق من ورائها ثراءً طائلاً أتاح له المشاركة بشكل فعال في الأنشطة الثقافية والتعليمية والخيرية، اليهودية وغير اليهودية. وظل أدولف رئيساً لجمعية الوقاية والحماية العبرية لمدة ثلاثين عاماً، كما كان ممن أسَّسوا منظمة إعادة التأهيل والتدريب (أورت) الأمريكية عام 1924. وكانت هذه الجمعيات والمنظمات موجهة أساساً لإعادة تأهـيل واسـتيعاب المهاجرين من يهود اليديشية القادمين من شرق أوربا، والذين كانت ثقافتهم اليديشية وعقائدهم المغايرة وأوضاعهم الطبقية الدنيا تشكل إحراجاً وتهديداً للمكانة الطبقية لليهود من أعضاء البورجوازية الأمريكية ذوي الأصول الألمانية والتي اهتمت بسرعة أمركة واستيعاب المهاجرين الجدد في وطنهم الجديد.

ودخل فردريك لويسون (1882 ـ 1959)، ابن ليونارد، تجارة العائلة عام 1898، حيث اشترك في تأسيس الشركة الأمريكية لصهر وصقل المعادن وفي تأسيس شركة انكونادا للنحاس، كما عمل على تطوير مناجم الذهب والبلاتنيوم في كولومبيا. واهتم سام أدولف (1884 ـ 1951)، ابن أدولف لويس، بالنشاط التعديني والمالي للعائلة، وكان له نشاط بارز في المنظمات الأمريكية المُنظمة للنشاط والعلاقات الصناعية والعمالية. كما كان عضواً بارزاً في المنظمات الخيرية اليهودية.

ومثلها مثل سائر العائلات البورجوازية الأمريكية، كان لعائلة لويسون مساهمات عديدة في مجال الفنون والثقافة والأنشطة اليهودية وغير اليهودية مما يُقال لها خيرية.

عائلــــة ليمــان

The Lehman Family

عائلة تجارية ومالية أمريكية يهودية ذات أصول ألمانية استقرت في الولايات المتحدة بعد ثورة 1848 في ألمانيا. وقد أسَّس الإخوة هنري (1821 ـ 1855) وإمانويل (1827 ـ 1907) وماير ليمان (1830 ـ 1897) شـركة الإخـوان ليمان عام 1850 التي تخصَّصت في تجارة السلع، وخصوصاً القطن. وهي الشركة التي توسَّع نشاطها بعد افتتاح مكتب لها في نيويورك عام 1858 ليشمل المعاملات التجارية في مجالات النفط والسكك الحديدية والمرافق العامة. وفي عام 1906، بدأت الشركة تتجه نحو الأنشطة المالية والمصرفية الاستثمارية، واهتمت بشكل خاص بتمويل المشاريع الاستهلاكية، مثل: المتاجر متعددة الأقسام للبيع بالتجزئة، ومحال تأجير السيارات، وشركات التمويل. وكانت هذه الأنشطة الاقتصادية لا تزال أنشطة جديدة نسبياً وذات طابع هامشي، وكانت بالتالي تنطوي على قدر كبير من المخاطرة. وقد برز في هذه المجالات، وفي غيرها من الصناعات الخفيفة، المهاجرون الجدد من اليهود وأبنائهم، وذلك بفضل ميراثهم كجماعات وظيفية ذات خبرة مالية وتجارية وبسبب عدم وجود مجالات اقتصادية أخرى متاحة أمامهم داخل الاقتصاد الأمريكي. وقد تعاونت شركة ليمان في هذه العمليات مع مؤسسة جولدمان ساخس التي كانت تُعَدُّ من أهم المؤسسات المالية الأمريكية آنذاك، واستمرت علاقة التعاون الوثيق بينهما حتى أواخر العشرينيات. وارتبطت عائلة ليمان أيضاً من خلال المصاهرة بعائلات يهودية ثرية أخرى مثل عائلة لويسون الصناعية. وفي عام 1929، تم تأسيس مؤسسة ليمان كمؤسسة مالية استثمارية خاضعة لشركة إخوان ليمان. وتحوَّلت هذه المؤسسة بفضلمجهودات روبرت ليمان (1891 ـ 1969)، حفيد إيمانويل، إلى واحدة من أكبر أربعة بنوك استثمارية في الولايات المتحدة (عام 1867). وقد استثمر ليمان بشكل مكثف في قطاع الطيران المدني الذي كان لا يزال في بداياته، الأمر الذي أعطى قطاع النقل الجوي المدني في الولايات المتحدة دفعة قوية. وتزعزع وضع مؤسسة ليمان في أوائل السبعينيات نتيجة الكساد الذي أصاب الاقتصاد الأمريكي ونتيجـة بعـض المشاكل الداخلـية، إلا أنها نجـحت في اسـتعادة وضعها. وفي عام 1977، اندمجت مؤسسة ليمان مع مؤسسة كون لويب وشركائه المالية.

وكان هربرت هنري ليمان (1878 ـ 1963) أحد البارزين من أفراد العائلة في الحياة السياسية الأمريكية وفي مجال الشئون اليهودية أيضاً. وقد انضـم هربرت ليمان كشـريك، إلى الإخـوان ليمان عام 1908، ثم احتل منصب نائب حاكم ولاية نيويورك عام 1928، ثم أصبح حاكماً لها عام 1932، وهو منصب احتفظ به لمدة عشرةأعوام. كما كانت تربطه علاقات وثيقة بالرئيس الأمريكي روزفلت. فاهتم بتطبيق سياسته الاقتصادية الجديدة التي عُرفت باسم الصفقة الجديدة (نيوديل). واحتل هربرت ليمان منصب مدير عام إدارة الأمم المتحدة للغوث وإعادة التأهيل في الفترة 1945 ـ 1946، ثم أصبح عضواً في مجلس الشيوخ الأمريكي في الفترة 1949 ـ 1956. واهتم ليمان بالقضايا والشئون اليهودية، وشارك في تأسيس اللجنة الأمريكية اليهودية المشتركة للتوزيع بعد الحرب العالمية الأولى. ورغم معارضته للصهيونية، شجع الهجرة اليهودية إلى فلسطين وساهم في إقامة مؤسسات اقتصادية تدعم الاستيطان اليهودي بها. وبعد إقامة دولة إسرائيل، كان هربرت ليمان من مؤيديها داخل وخارج مجلس الشيوخ الأمريكي. كما ترأَّس اللجنة القومية للاحتفال بالذكرى العاشرة لتأسيس إسرائيل. ويمكن أن نرى دعم هربرت ليمان لإسرائيل في إطار ما نسميه «الصهيوينة التوطينية» حيث يقوم اليهودي بدعم الهجرة والاستيطان اليهودي في إسرائيل دون أن يهاجر إليها بنفسه. وهذا موقف نابع، في المقام الأول، من ارتباط مصالحه الاقتصادية والطبقية بمصالح وطنه الأمريكي الرأسمالي، وتماثُل هذه المصالح مع مصالح إسرائيل كقاعدة له في الشرق الأوسط.

عائلـــة مورجنتـــاو

The Morgenthau Family

عائلة أمريكية يهودية من المموِّلين والعاملين بالقطاع الحكومي والدولة. وُلد هنري مورجنتاو (1856 ـ 1946) في ألمانيا، ثم هاجرت أسرته إلى الولايات المتحدة عام 1865 واستقرت في مدينة نيويورك. ودرس مورجنتاو القانون واشتغل بالمحاماة، إلا أن اهتمامه اتجه نحو قطاع العقارات فساهم في تكوين ورئاسة شركة عقارية (شركة هنري مورجنتاو) في الفترة 1905 ـ 1913.

وقد اعتزل مورجنتاو مجال الأعمال ودخل مجال العمل السياسي، فاشترك في الحملتين الرئاسيتين للرئيس الأمريكي وودرو ويلسون في عامي 1913 و1916، وكوفئ على مجهوداته بتعيينه سفيراً للولايات المتحدة لدى تركيا في الفترة 1913 - 1916. وعمل من خلال هذا المنصب على رعاية نشاط البعثات المسيحية التبشيرية فيالدولة العثمانية ومتابعة أوضاع الجماعات اليهودية والأرمن بها. ولا يُعَدُّ قيامه برعاية التبشير المسيحي واليهود وأرمن الدولة العثمانية ذا علاقة بيهوديته الحقيقية أو المزعومة، وإنما هو جزء من نشاطه كسفير أمريكي لدى الدولة العثمانية. وفي الإطار نفسه، لعب مورجنتاو دوراً مهماً في دعم التجمع الاستيطاني اليهودي في فلسطين خلال الحرب العالمية الأولى، حيث أرسل برقيات عاجلة إلى اللجنة الأمريكية اليهودية لإبلاغها بالأوضاع المتردية للمستوطنين اليهود في فلسطين وطلب منحة مالية عاجلة قيمتها خمسون ألف دولار أُرسلت بالفعل إلى فلسطين. ورغم هذا الموقف، كان مورجنتاو معارضاً للصهيونية حيث اعتبرها «استسلاماً وليس حلاًّ للمسألة اليهودية »، كما اعتبر أن تحقيق المشروع الصهيوني « سيُفقد يهود الولايات المتحدة ما اكتسبوه من حرية ومساواة وإخاء »، ومعنى ذلك أنه سيثير مسألة ازدواج الولاء ويشجع العناصر المعادية لليهود. وكان اليهود المندمجون من أعضاء البورجوازية الأمريكية (ذوي الخلفية الألمانية) يعتبرون أنفسهم أقلية دينية يتجه ولاؤها لوطنهم الأمريكي الذي ينتمون إليه. إلا أنهم، بصفة عامة، تبنوا تأييد إقامة دولة يهودية في فلسطين، وذلك في محاولة لتحويل هجرة يهود اليديشية بعيداً عن الولايات المتحدة، لما كان يشكلهذلك من تهديد للمكانة الاجتماعية والأوضاع الطبقية لأثرياء اليهود، خصوصاً أن الحرب العالمية الأولى كانت تنذر بتدفُّق هجرة يهودية واسعة باتجاه الأراضي الأمريكية.

وفي عام 1917، قام الرئيس الأمريكي ويلسون بتكليف مورجنتاو بمهمة سرية إلى تركيا لمحاولة حثها على التخلي عن ألمانيا وعقد صلح منفرد مع الحلفاء. إلا أن هذاالسلام كان ضد الخطط الإمبريالية لبريطانيا الرامية إلى الاستيلاء على أراضي الدولة العثمانية. كما كان ضد المخططات الصهيونية الرامية إلى الاستيلاء على فلسطين، ولهذا أرسلت بريطانيا حاييم وايزمان للقاء مورجنتاو في جبل طارق قبل وصوله إلى تركيا حيث نجح في إقناعه بالعدول عن مهمته. (تُذكَر هذه الواقعة عادةً كدليل على مدى قوة اللوبي اليهودي ومقدرته على تحريك الأحداث وتوجيهها بما يخدم صالحه وهي بالفعل كذلك، ولكنها مع هذا تظل الاستثناء الذي يؤكد القاعدة فهي واقعة نادرة. كما يُلاحَظ أن اللوبي هنا لم يكن لوبي يهودياً وإنما كان بريطانياً أيضاً. كما أن نجاح مورجنتاو لم يُغيِّر أياً من الثوابت الإسـتراتيجية الأمــريكية وإنما ينصرف إلى إحدى التفصيلات). وبعد الحرب، لعب مورجنتاو دوراً نشيطاً في مواجهة مشاكل اللاجئين في أوربا. وكان من مؤيدي تأسيس عصبة الأمم، وترأَّس لجنتها لتوطين اللاجئين عام 1923، وأشرف على عملية التبادل السكاني لأكثر من مليون شخص بين تركيا واليونان. وفي عام 1919، ترأَّس لجنة أمريكية لتقصِّي أوضاع الجماعـة اليهودية في بولندا، وكان من مؤسسي الصليب الأحمر الدولي.

أما هنري مورجنتاو الأصغر (1891 ـ 1967)، فهو ابن هنري مورجنتاو. وكان خبيراً زراعياً فترأَّس مجلس المزارع الفيدرالي وإدارة الائتمان الزراعي في بداية تطبيق الرئيس الأمريكي روزفلت لسياسته الاقتصادية الجديدة عام 1932. وفي عام 1934، عُيِّن وزيراً للخزانة، وظل في هذا المنصب حتى وفاة روزفلت عام 1945. وساعدت إصلاحاته الضريبية وسياسته المالية في إخراج البلاد من حالة الكساد الاقتصادي التي كانت تعاني منه، كما كان من أوائل الداعين إلى ضرورة تعبئة الموارد الصناعية والمالية للبلاد استعداداً لدخول الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية. وفي عام 1943، نجح هنري مورجنتاو الأصغر في الحصول على موافقة وزارة الخارجية الأمريكية لخطة وضعها المؤتمر اليهودي العالمي لتحويل موارد مالية أمريكية لإنقاذ يهود فرنسا ورومانيا. كما كان وراء تشـكيل مجلـس لاجئي الحــرب الذيأسَّسه روزفلت عام 1944. وقبل انتهاء الحرب مباشرةً، طرح مورجنتاو مشروعاً أثار كثيراً من الجدل يتضمن تقسيم ألمانيا وتحويلها إلى منطقة زراعية. وبعد اعتزالهالعمل العام، اتجه مورجنتاو بشكل نشيط نحو الشئون والقضايا اليهودية، فتولَّى في الفترة 1947 ـ 1950 منصب رئيس النداء اليهودي الموحَّد ثم عُيِّن رئيساً شرفياً له في الفترة 1950 ـ 1953. ولعب النداء اليهودي الموحَّد دوراً مهماً في دعم دولة إسرائيل الجديدة من خلال المبالغ الكبيرة التي جمعها. وقد كان مورجنتاو من مؤيديإسرائيل، فرأس مجلس إدارة الجامعة العبرية بين عامي 1950 و1951، كما ترأَّس المؤسسة الأمريكية للتمويل والإنماء من أجل إسرائيل، وتزعَّم حملة بيع سندات إسرائيل. ويُعتبَر موقف مورجنتاو تجاه إسرائيل مناقضاً لموقف والده تجاه الصهيونية. وهذا تعبير عن التحول الذي طرأ على موقف اليهود المندمجين من أعضاء البورجوازية الأمريكية بعد تأسيس دولة إسرائيل، إذ اتضح لهم مدى عمق تلاقي المصالح بينها وبين الولايات المتحدة. فالدولة الصهيونية، كما تبيَّن لهم، إن هي إلا قاعدة للولايات المتحدة ولمصالح الرأسمالية والإمبريالية في المشرق العربي. وبالتالي، فإن تأييدهم لإسرائيل ودعمهم لها مادياً وسياسياً ومعنوياً لا يشكل أي تعارض مع انتمائهمالأمريكي الأساسي ولا يعرِّضهم للاتهام بازدواج الولاء، فتأييدهم لأي منهما ينبع من تأييدهم للأخر ويصب فيه. ومن هنا، يمكن اعتبار مورجنتاو ممثلاً لما نسميه «الصهيونية التوطينية» التي تدعم إسرائيل من منظور أمريكي بالدرجة الأولى.

أما روبرت موريس مورجنتاو (1919 - )، فعمل بالمحاماة ثم عُيِّن مدعياً عاماً في نيويورك. وارتبط بأنشطة عصبة محاربة الافتراء واتحاد نيويورك للأعمال الخيرية اليهودية.

عائلـة ووربــورج

The Warburg Family

عائلة أمريكية يهودية من رجال المال ذات جذور إيطالية استقرت منذ بداية القرن السابع عشر في ألمانيا. وفي عام 1798، أسَّس موسى ماركوس ووربورج (تُوفي عام 1830) وشقيقه جيرسون (توفى عام 1825) مؤسسة مصرفية في مدينة هامبورج باسم «م.م. ووربورج وشركاه». ومن أهم شخصيات العائلة ماكس ووربورج (1867 ـ 1946) الذي ترأَّس مؤسسة ووربورج في ألمانيا. وقد كان ماكس ووربورج شخصية مالية مرموقة، فكان عضواً في مجالس إدارة العديد من المؤسسات الصناعية الألمانية، وقدَّم خدمات كثيرة للحكومة الألمانية قبل مجئ النازي إلى الحكم، كما كان من بين أعضاء البعثة الألمانية لمؤتمر السلام في باريس عام 1919. وكان من قيادات الجماعة اليهودية في ألمانيا، وكانت له مساهمات خيرية كثيرة لصالح المؤسسات اليهودية المختلفة. وفي الفترة بين عامي 1933 و1938، قدَّم ماكس ووربورج مساعدات مهمة للمنظمات اليهودية التي كانت تساعد اليهود على الهجرة من ألمانيا وعلى توطينهم في دول أخرى. وقد استولت السلطات النازية على مؤسـسته عـام 1938، فهـاجر إلى الولايات المتحدة عام 1939، وأصبح عضواً في اللجنة الأمريكية اليهودية وعضواً في لجنة التوزيع المشتركة، كما ساهم في تأسيس منظماتمختصة بمساعدة وغوث المهاجرين الجدد من اليهود إلى الولايات المتحدة.

أما بول موريتز ووربورج (1868 ـ 1932)، شقيق ماكس ووربورج، فهو أحد الشـركاء في مؤسـسة ووربورج الماليـة منذ عام 1895. وقد تزوج في العام نفسه ابنة المالي الأمريكي اليهودي سولمون لويب صاحب المؤسسة المالية الأمريكية المهمة كون لويب وشركاه، وانضم إلى هذه المؤسسة بعد انتقاله إلى الولايات المتحدة عام 1902. ولعب بول ووربورج دوراً مهماً في إعادة تنظيم القطاع المصرفي الأمريكي حيث شارك في وضع التشريعات الخاصة بتأسيس نظام الاحتياطي الفيدرالي عام 1913. وقد عيَّنه الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون عضواً في مجلس الاحتياطي الفيدرالي ثم نائب رئيس له عام 1917. وظل، حتى بعد عودته إلى نشاطه المالي الخاص عام 1921، عضواً ثم رئيساً للمجلس الاستشاري. وكان ماكس ووربورج نشطاً في مجال الأعمال الخيرية والخدمة العامة، اليهودية أو غير اليهودية، فساهم في نشاط اللجنة الأمريكية اليهودية للتوزيع المشترك، وفي أعمال الجمعية الأمريكية من أجل التوطين الزراعي لليهود في روسيا. ومما يُذكَر أن عائلة ووربورج كانت تُعَدُّ من صفوة العائلات اليهودية ذات الأصول الألمانية في الولايات المتحدة، التي وجدت من صالحها دعم المؤسسات التي كانت تقوم باستيعاب المهاجرين الجدد وأمركتهم، تماماً كما اهتمت بدعم المؤسسات التي كانت تعمل على تحسين أوضاع الجماعات اليهودية في بلادهم الأصلية، مثل المنظمات التي اهتمت بدعم التوطين الزراعي لليهود في روسيا وشرق أوربا، وبالتالي عملت على الحد من هجرتهم إلى الولايات المتحدة، وبخاصة بعد الحرب العالمية الأولى التي كانت تنذر ببدء هجرة يهودية جماعية ثانية باتجاه الأراضي الأمريكية.

أما فليكس موريتز ووربورج (1871 ـ 1937)، شقيق بول ووربورج، فقد انتقل عام 1894 إلى الولايات المتحدة حيث تزوج ابنة المالي اليهودي المرموق يعقوب شيف عام 1895، وأصبح شريكاً في مؤسسته المصرفية كون لويب وشركاه. وساهم من خلال مشاركته في هذه المؤسسة في التحول الاقتصادي والصناعي الذي شهدته الولايات المتحدة في نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، وقد كان للمؤسسات المالية المملوكة لعائلات يهودية ذات أصول ألمانية دور بارز في هذا المجال. وكان لفليكس ووربورج نشاط مهم في مجال الشئون اليهودية حيث ترأَّس اللجنة الأمريكية اليهودية للتوزيع المشترك منذ تأسيسها عام 1914 وحتى عام 1932، كما كان أحد كبار المساهمين في نشاط الجمعية الأمريكية من أجل التوطين الزراعي لليهود في روسيا، وهو أيضاً مؤسِّس المنظمة الاقتصادية لللاجئين وغيرها من المنظمات اليهودية التي كانت تعمل على استيعاب المهاجرين الجدد وإعادة تأهيلهم للاستقرار في الولايات المتحدة. ورغم أن فليكس ووربورج عارض الصهيونية في بادئ الأمر، باعتبار أنها تثير قضية ازدواجية ولاء اليهود الأمريكيين، وتثير العناصر المعادية لليهود، إلا أنه نشط في دعم الاستيطان اليهودي في فلسطين. وفي عام 1926، دعم المؤسسة الاقتصادية لفلسطين والجامعة العبرية، ثم تعاون مع لويس مارشال (رئيس اللجنة الأمريكية اليهودية) وحاييم وايزمان في توسيع الوكالة اليهودية لتضم أعضاء من غير الصهاينة. وتولَّى فليكس ووربورج رئاسة مجلس إدارتها، لكنه استقال منها عام 1930 احتجاجاً على الكتاب الأبيض البريطاني الذي حدَّ من الهجرة اليهودية إلى فلسطين، كما عارض عام 1937 المشروع البريطاني لتقسيم فلسطين. ويمكن إطلاق صفة «صهيوني توطيني» على فليكس ووربورج إذ أنه موَّل ودعم الاستيطان اليهودي في فلسطين دون الهجرة إليها بنفسه، وذلك تحقيقاً وحمايةً لمصالحه الطبقية والاقتصادية كمواطن أمريكي بالدرجة الأولى.

وقد وُلد جيمس بول ووربورج (1896 - 1969)، ابن بول ووربورج، في ألمانيا، ثم انتقل إلى الولايات المتحدة عام 1902 وهو في سن السادسة. وخدم جيمس ووربورج في الجيش الأمريكي خلال الحرب العالمية الأولى، ثم دخل مجال المال حيث كان رئيساً لبنك أكسبتانس الدولي ومديراً لبنك مانهاتن. كما كان من بين أعضاء لجنة المفكرين التي كونها الرئيس الأمريكي روزفلت خلال السنوات الأولى من سياسته الاقتصادية الجديدة. وعمل خلال الحرب العالمية الثانية نائباً لمدير مكتب الإعلام الحربي. ولجيمس ووربورج كتابات عديدة في الشعر والاقتصاد والشئون الخارجية والعامة.

وعمل فردريك ماركوس ووربورج (1897 ـ 1973)، ابن فليكس ووربورج، مع عدة مؤسسات مصرفية (كالمؤسسة الدولية الأمريكية) في الفترة 1909 ـ 1921، وعمل في مؤسسة ووربورج المالية في الفترة 1922 ـ 1927، وفي مؤسسة إخوان ليمان في الفترة 1927 ـ 1930. وفي عام 1931، أصبح فردريك ووربورج شريكاً في مؤسسة كون لويب وشركاه.

أما بول فليكس ووربورج (1904 - 1965)، وهو أيضاً من أبناء فليكس ووربورج، فعمل في عدة مؤسسات مالية ومصرفية ونشط خلال الثلاثينيات في نقل اللاجئين منالأطفال من ألمانيا النازية إلى الولايات المتحدة. وخلال الحرب العالمية الثانية، عمل كضابط مخابرات في الجيـش الأمريكي، ثم كملحق عسـكري في السـفارة الأمريكية في باريس. كما عمل في السفارة الأمريكية في لندن في الفترة ما بين عامي 1946 و1950. وكان بول فليكس ووربورج عضواً بارزاً في الحزب الجمهوري الأمريكي.

أما إدوارد مورتيمور موريس ووربورج (1908 ـ )، فلم يشترك بشكل نشيط في الأعمال المالية لعائلته، بل وجه اهتمامه للمجالات الخيرية والثقافية والفنية، اليهودية وغير اليهودية. وترأَّس اللجنة الأمريكية اليهودية المشتركة للتوزيع في الفترة 1941 ـ 1966، كما كان رئيساً للنداء اليهودي الموحَّد في الفترة 1950 ـ 1955، ثم رئيساً شرفياً له منذ عام 1956. وامتد اهتمام إدوارد ووربورج إلى المؤسسات الإسـرائيلية، فأصـبح من أمناء المؤسسة الثقافية الأمريكية ـ الإسرائيلية، وعضواً في مجلس مديري الجامعة العبرية.

ولجميع أفراد عائلة ووربورج، مثلهم مثل غيرهم من العائلات البورجوازية الأمريكية، مساهمات كبيرة في المجالات الخيرية والتعليمية والثقافية، اليهودية وغير اليهودية.

سـولومون لويب (1828-1913)

Solomon Loeb

مالي أمريكي يهودي وُلد في ألمانيا ثم هاجر إلى الولايات المتحدة (عام 1849) حيث عمل في تجارة الأقمشة والملابس الجاهزة، وفي عام 1867 أسـس بالتعاون معأبراهام كون المؤسـسة المالية كون لويب وشـركاه. وقد تزوجـت ابنتاه من رجلي المال جيكوب شـيف وبول ووربورج. اشترك شيف، الذي أصبح فيما بعد من قيادات الجماعة اليهودية في الولايات المتحدة، في إدارة مؤسسة لويب المالية التي تحوَّلت إلى إحدى أهم مؤسستين ماليتين في الولايات المتحدة حيث ساهمت في عملية التراكم الرأسمالي والتحول الصناعي التي كانت تشهده البلاد في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين. وبصفة عامة، لعبت العناصر اليهودية من البورجوازية المالية، خصوصاً ذوي الأصول الألمانية، دوراً مهماً في هذا المجال، وذلك بفضل شبكة علاقاتهم المتشعبة داخل المؤسسات المالية الأوربية، وكذلك بفضل العلاقات التجارية والمالية المتداخلة فيما بينها والتي كانت تعززها روابط الزواج، وهو ما أتاح قدراً كبيراً من التنسيق وسهل لهم تدبير رأس المال بكميات كبيرة وبشكل سريع نسبياً. وقد اشتركت مؤسسة لويب في تمويل بناء السكك الحديدية الأمريكية والتي كانت تُعَدُّ العمود الفقري للتطور الصناعي الأمريكي، كما ساهمت في تدبير القروض المحلية والخارجية. ولا تزال مؤسسة كون لويب وشركاه تعمل في الوقت الحاضر، إلا أنها فقدت أهميتها كمؤسسة عائلية في ظل نمو النظام الرأسمالي المصرفي الحديث القائم على العلاقات بين مؤسسات مالية ضخمة، وليس على أساس العلاقات الشخصية والعائلية.

ليفي ستراوس (1829-1903)

Levi Strauss

أمريكي يهودي من العاملين في صناعة الملابس. وُلد في ألمانيا، ثم هاجر إلى الولايات المتحدة حيث استقر في مدينة نيويورك عام 1848. وفي عام 1850، دخل مجال تجارة الأقمشة والملابس الجاهزة، وبدأ في تصنيع سراويل من الأقمشة القطنية المتينة تُسمَّى «البلوجينز» اكتسبت قبولاً واسعاً بين جماهير العمال والفلاحين. وقد اتسعت شهرة هذه السراويل التي كانت تُسوَّق تحت الاسم التجاري «ليفايز Levi's»، وأصبحت بحلول منتصف القرن العشرين تُسوَّق في العالم أجمع.

وحقق ليفي ستراوس ثراءً طائلاً وأسس مع إخوته وزوج اخته ديفيد ستيرن وأبنائه شركة ليفي ستراوس وشركاه. وقد كان ليفي أحد أعضاء الجماعة اليهودية التي قامت فعلاً بتأسيس صناعة الملابس الجاهزة في الولايات المتحدة والتي ظلت تسيطر لفترة طويلة على هذه الصناعة التي كانت تُعتبَر، مثلها مثل غيرها من الصناعات الخفيفة والاستهلاكية، من الأنشطة الاقتصادية الجديدة التي نشأت لتلبي احتياجات الطبقات العمالية التي صاحبت النمو الصناعي الكبير في البلاد. وقد كان اليهود، لميراثهم كجماعات وظيفية ذات خبرة في صناعة الملابس والنسيج، وبسبب أعمال الرهونات التي كانوا يعملون بها، مُؤهَّلين لدخول هذه المجالات الجديدة.

وتُعَدُّ شـركة ليفـي سـتراوس أكبر شـركة للملابس الجاهزة في العـالم، إذ قُدِّرت قيمة أسـهمها عام 1985 بحوالي 775 مليـون دولار. وقد انتقلت ملكية وإدارة الشركة الآن إلى أفراد عائلة هاس، ورثة ليفي ستراوس.

ســيمون بامبرجــر (1846-1926)

Simon Bamberger

من رجال التعدين والصناعة الأمريكيين اليهود، وحاكم ولاية يوتا الأمريكية. وُلد في ألمانيا ثم هاجر إلى الولايات المتحدة حيث التحق بتجارة إخوته. وفي عام 1869، انتقل إلى ولاية يوتا حيث لحق به إخوته للإشراف على تجارته. ونجح بامبرجر في امتلاك منجم ذهب. وبعد 17 عاماً من الصراع مع المنافسين، نجح مع إخوته في تأسيس خط حديد بامبرجر الذي ربط بين عاصمة ولاية يوتا (سولت ليك سيتي) ومدينة أوجدن في الولاية نفسها. وفي عام 1898، بدأ بامبرجر دخول مجال العمل العام، فدخل مجلس نواب الولاية في الفترة بين عامي 1903 و1907. ثم انتخب حاكماً لولاية يوتـا في الفترة بين عامي 1916 و1920. وبذلك، أصبح بامبرجر أولديموقراطي وأول شخص غير مورموني الديانة يحتل هذا المنصب. وقد أدخل بامبرجر من خلال هذا المنصب عدة إصلاحات في قطاع الخدمات العامة إلى جانب بعض الإصلاحات الخاصة بالعمال والفلاحين والمدرسين.

ويُعَدُّ بامبرجر أحد مؤسسي الجماعة اليهودية في ولاية يوتا والتي ترأَّسها فيما بعد. وقد دعم بامبرجر صندوق يوتا للاستيطان والذي أسسته الجمعية الزراعية اليهودية بهدف توطين يهود من نيويورك وفيلادلفيا في مستوطنة كلاريون الزراعية. وقد كان للأثرياء من أعضاء الجماعات اليهودية، أمثال بامبرجر، دور مهم في عملية استيعاب مئات الآلاف من المهاجرين من يهود شرق أوربا الذين تدفقوا على الولايات المتحدة منذ بدايات القرن العشرين وفي دمجهم اقتصادياً وثقافياً في المجتمع الأمريكي.

جيكوب شيف (1847-1920(

Jacob Schiff

مالي وثري أمريكي. من قيادات الجماعة اليهودية البارزين في الولايات المتحدة في أوائل القرن العشرين. وُلد في فرانكفورت (ألمانيا) لعائلة يهودية مرموقة من رجال الدين والعلماء، وتلقَّى تعليماً دينياً وعلمانياً ثم انخرط في مجال عمل أبيه حيث كان يعمل سمساراً في مؤسسة روتشيلد المالية. وفي عام 1865، هاجر إلى الولايات المتحدة هو وسولومون لويب، وانضم إلى مؤسسته المالية «كون لويب وشركاه» ونجح بفضل قدراته المالية في أن يرأس هذه المؤسسة عام 1885 عند اعتزال لويب. وكانت هذه المؤسسة واحدة من أهم مؤسستين ماليتين في الولايات المتحدة لعبت دوراً مهماً في دفع عجلة النمو الصناعي الذي كانت تشهده الولايات المتحدة في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. وعمل شيف، بالإضافة إلى ذلك، مديراً ومستشاراً للعديد من المؤسسات المالية التي كانت تُعَدُّ العمود الفقري للتوسع الصناعي الأمريكي. كما اشترك في تمويل العديد من القروض المحلية والخارجية من أهمها قرض قيمته 200 مليون دولار لليابان خلال الحرب الروسية اليابانية (1904 ـ 1905). وقد كان شيف معادياً لروسيا القيصرية بسبب سياستها القمعية تجاه الأقليات ومن بينهم أعضاء الجماعة اليهودية. ولهذا، فقد استخدم نفوذه لمنع أية قروض أمريكية للحكومة الروسية، كما لعب دوراً بارزاً في الحملة التي أدَّت إلى فسخ المعاهدة الأمريكية الروسية لعام 1832 بعد أن رفضت الحكومة الروسية دخول مواطنين أمريكيين من اليهود إلى أراضيها.

ومع تعثُّر التحديث في روسيا القيصرية (وبولندا) تدفَّق الآلاف من يهود اليديشية إلى الولايات المتحدة. ولذا تحرَّك شيف (مع غيره من يهود أمريكا المندمجين) لإنشاء مؤسسات هدفها أمركة هؤلاء المهاجرين الجدد وسرعة استيعابهم في المجتمع الأمريكي. في هذا الإطار، تكونت اللجنة الأمريكية اليهودية (عام 1906) التي ساهم شيف في تأسيسها. وكان لشيف، برغم انتمائه إلى الحركة الإصلاحية، دور إضافي مهم في دعم المؤسسات الدينية الأرثوذكسية والمؤسسات التعليمية التي كانت تخدم المهاجرينالجدد. فنجد أنه ساهم بأكثر من نصف مليون دولار فيما عُرف بخطة جالفستون والتي كانت تهدف إلى نقل المهاجرين الجدد إلى الولايات المتحدة وتوزيعهم من خلال مكتب النقل على مناطق غرب وجنوب غرب الولايات المتحدة بعيداً عن مراكز تجمُّعهم في أحياء نيويورك وفيلادلفيا وبوسطن، والتي كان فقرها وتكدُّسها وجرائمها تشكل مصدراً لإحراج اليهود المندمجين من أعضاء البورجوازية الأمريكية. وظل شيف معارضاً للصهيونية، وأشار إلى أنها تضع ولاء اليهود لوطنهم الأمريكي موضع شك، كما تثير معاداة اليهود، واعتبرها حركة علمانية تتعارض مع الديانة اليهودية ومع المواطنة الأمريكية. إلا أن شيف وغيره من يهود أعضاء البورجوازية دعموا التجمع الاستيطاني اليهودي في فلسطين لخوفهم من تدفُّق هجرة جماعية جديدة إلى الولايات المتحدة تعمق المشاكل التي أثارتها الهجرة الأولى. ذلك بالإضافة إلى أن المشروع الصهيوني جاء في إطار المصالح الغربية الرأسمالية. وساهم شيف في المشاريع الزراعية في فلسطين، كما اشترك في تأسيس معهد حيفا الفني. وقد اشترى سندات في الاتحاد الاستعماري اليهودي (جويش كولونيال ترست) الذي أسَّسه هرتزل عام 1899 وأعرب عام 1917 عن تأييده لإعادة بناء صهيون «كمركز ثقافي كبير للشعب اليهودي». وبذلك، يمكن اعتبار شيف صهيونياً توطينياً يدعم الاستيطان اليهودي في فلسطين من منظور أمريكي.

برنــارد بــاروخ (1870-1965)

Bernard Baruch

ثري أمريكي يهودي من رجال المال والدولة. وُلد في الجنوب الأمريكي لعائلة هاجرت من بروسيا لتستقر في الولايات المتحدة عام 1855. تخرَّج في جامعة سيتي كوليج في نيويورك، وانضم في عام 1889 لمؤسسة آرثر هاوسمان للسمسرة ثم أصبح شريكاً بها عام 1896 وعضواً ناجحاً في بورصة نيويورك. وقد نجح باروخ، بفضل قدراته الفائقة في الشئون المالية ودراسته المتعمقة لآليات أسواق المواد الخام مثل الذهب والنحاس والمطاط وغيرها، في جمع ثروة كبيرة بلغ حجمها ثلاثة ملايين من الدولارات (عام 1902).

دخل باروخ مجال العمل العام عام 1916 حيث اختاره الرئيس الأمريكي ويلسون عضواً باللجنة الاستشارية لمجلس الدفاع القومي ثم رئيساً للجنة المواد الخام والمعادن للاستفادة من خبراته ودرايته الواسعة في هذا المجال. وتولَّى خلال الحرب العالمية الأولى رئاسة مجلس صناعات الحرب. وأصبح، من خلال هذا المنصب، المتحكم الفعلي في الاقتصاد الأمريكي خلال فترة الحرب. وبانتهاء الحرب، أصبح باروخ المسـتشار الاقتصـادي الخاص للرئيـس ويلـسون في مؤتمر فرساي للسلام. وقد ظل باروخ منذ ذلك الحين يقدم استشاراته الاقتصادية والمالية والسياسية أيضاً للرؤساء الأمريكيين. وخلال الحرب العالمية الثانية، استعان به الرئيس روزفلت لمواجهة مشاكل النقص في بعض المواد الخام، كما كان ضمن المشاركين في وضع خطط إعادة البناء لفترة ما بعد الحرب. واختير باروخ، عام 1946، ممثلاً للولايات المتحدة لدى لجنة الأمم المتحدة للطاقة النووية، حيث قدَّم مشروعاً حول الرقابة الدولية على الطاقة والأسلحة النووية عُرف باسم «خطة باروخ». ويُعتبَر هذا المشروع أول سياسة أمريكية مُعلنة تجاه هذا الموضوع.

وقد كان باروخ من اليهود المندمجين من أعضاء البورجوازية الأمريكية، وكان يعتبر أن مواطَنته الأمريكية تفوق أي انتماء آخر. ومن هذا المنطلق، عارض الصهيونية ورفض فكرة إقامة دولة على أساس الانتماء الديني. وبالإضافة إلى ذلك، كان باروخ يخشى ما قد تثيره الصهيونية من مسألة ازدواج الولاء ومعاداة اليهود، خصوصاً أنه تعرَّض للهجوم بشكل غير مباشر في مقال نُشر في جريدة ديربورن إنديبندت المملوكة لرجل الصناعة الأمريكي هنري فورد عام 1921 بعنوان « دزرائيلي في أمريكا: يهودي ذو قوة خارقة » وهو تلميح لنفوذه الاقتصادي والسياسي لدى دوائر السلطة الأمريكية. وقد نشرت هذه الجريدة سلسلة من المقالات بين عامي 1920 و1927، هاجمت فيها أعضاء الجماعة اليهودية في الولايات المتحدة واتهمتهم بالسيطرة على اقتصاد البلاد. وقد تراجع فورد عن اتهاماته هذه فيما بعد. ويُفسِّر الكاتب الأمريكي ليني برنر في كتابه اليهود في أمريكا اليوم هذا الهجوم بأنه كان تعبيراً عن مخاوف المؤسسة الرأسمالية الأمريكية البروتستانتية، بعد قيام الثورة البلشفية في روسيا، من سيطرة « رجال المال من اليهود البلاشفة » على اقتصاد البلاد. فمن ناحية كان لتمركز كثير من أعضـاء الجماعـات اليهودية في قطاعـات اقتصادية معيَّنة، مثل: القطاع المصرفي الاستثماري، والصناعات الخفيفة، وصناعة السينما، وتجارة التجزئة، والصحافة، وغير ذلك من الأنشطة المماثلة، ما يعطي انطباعاً بالسيطرة والقوة. وبالفعل، كان المهاجرون من اليهود وأبنائهم قد اتجهوا إلى هذه الأنشطة الاقتصادية التي كانت لا تزال تُعتبَر أنشطة جديدة وتتميَّز بالهامشية نظراً لأن كثيراً من الأنشطة الاقتصادية التقليدية الأخرى لم تكن متاحة أمامهم. وقد كان لميراث اليهود، كجماعات وظيفية مالية، دور في تأهيلهم لاقتحام هذه المجالات بنجاح برغم ما كانت تنطوي عليه من مخاطرة، وقد حقَّق كثير منهم من خلالها بفضل خبراتهم وعلاقاتهم المالية والتجارية الواسعة والمتداخلة ثراءً طائلاً وحراكاً اجتماعياً سريعاً وبروزاً فيها بشكل واضح ولافت للنظر. ومن ناحية أخرى، ارتبط أعضاء الجماعات اليهودية في أذهان الكثيرين بالحركات الثورية والاشتراكية.

وقد جاء كثير من يهود شرق أوربا الذين تدفقوا على الولايات المتحدة منذ نهايات القرن التاسع عشر حاملين الأيديولوجيات الثورية والاشتراكية، وكانوا من العناصر النشيطة داخل الحزب الشيوعي الأمريكي والحركات العمالية الأمريكية خلال العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين. وكانت هجرة يهود اليديشية بصفة عامة مصدر قلق في أوساط اليهود المندمجين من أعضاء البورجوازية الأمريكية من أمثال باروخ، لما كانت تثيره ثقافتهم اليديشية وعقائدهم المغايرة وأوضاعهم الطبقية الدنيا من تهديد للمكانة الاجتماعية لأثرياء اليهود ومواقعهم الطبقية. ولذا، فقد تعاملوا مع هذه الهجرة على عدة جبهات؛ فمن ناحية اهتموا بسرعة أمركة المهاجرين الجدد واستيعابهم في النسيج الاقتصادي والثقافي للبلاد، ومن ناحية ثانية اهتموا بتحسين أوضاع يهود أوربا في أوطانهم الأصلية حتى لا يُضطروا إلى الهجرة، ومن ناحية ثالثة عملوا على إيجاد مناطق أخرى لتوطينهم سواء في فلسطين أو في غيرها. وقد رسم باروخ خطة مفصلة لإعادة توطين يهود أوربا في المستعمرات البريطانية في أفريقيا أو في أنجولا البرتغالية، كما اقترح عام 1939 تأسيس « الولايات المتحدة الأفريقية » في أوغندا لتكون ملجأ لليهود ولجميع ضحايا الاضطهاد.

ورغم موقفه المعارض بشكل مبدئي للصهيونية، فإننا نجده عام 1947 يؤيد قرار تقسيم فلسطين بل يساهم في الضغط على مبعوث فرنسا لدى الأمم المتحدة لتأييد القرار مهدِّداً إياه بسحب المعونة الأمريكية لفرنسا في حالة رفضها القرار. ولا شك في أن موقفه هذا جاء في إطار المصالح الأمريكية التي كانت تدرك جيداً أهمية كيان استعماري استيطاني إحلالي في المشرق العربي يعمل كقاعدة لها وللمصالح الغربية والرأسمالية في المنطقة حيث كانت المصالح الاقتصادية والطبقية والسياسـية لباروخوأمثاله في نهـاية الأمر ترتبط بها بشـكل وثيق.

هيلينـا روبنشــتاين (1871-1965(

Helena Rubenstein

واحدة من أبرز الشخصيات التي عملت في مجال صناعة مستحضرات التجميل. وُلدت في بولندا، ودرست الطب لفترة قصيرة، ثم هاجرت إلى أستراليا حيث نجحت في تصنيع وتسويق مستحضرات تجميل البشرة وفقاً لوصفة ورثتها عن والدتها. وأصبح لها خلال ثلاث سنوات تجارة رابحة في هذا المجال. وفي عام 1894، انتقلت هيلينا روبنشتاين إلى بريطانيا حيث افتتحت في لندن صالوناً للتجميل، وسرعان ما افتتحت صالونات أخرى في مختلف أنحاء أوربا. وأصبحت هيلينا روبنشتاين، في غضون عشرين عاماً، من أبرزالشخصيات العاملة في مجال مستحضرات التجميل في أوربا. وفي عام 1914، انتقلت إلى الولايات المتحدة حيث أصبحت منذ ذلك الحين مقراً دائماً لأعمالها. وقد حققت ثراءً كبيراً وصل إلى مائة مليون دولار عند وفاتها. كما وصل حجم المبيعات السنوية لشركتها إلى 60 مليون دولار.

وبصفة عامة، كان أعضاء الجماعة اليهودية من أبرز المستثمرين في مجال الصناعات الخفيفة والاستهلاكية. وساهم ميراثهم الاقتصادي كجماعة وظيفية ذات خبرات مالية وتجارية واسعة في تسهيل دخولهم إلى هذه المجالات.

وقد اهتمت هيلينا روبنشتاين بإسرائيل، فأقامت بها مصنعاً بالقرب من الناصرة. وفي إطار اهتمامها بالفنون، أهدت جناحاً يحمل اسمها إلى متحف تل أبيب للفنون. كما تقدَّم مؤسسة هيلينا روبنشتاين منحاً سنوية للفنانين الشبان الإسرائيليين.

إيوجــين مايــر (1875-1959(

Eugene Meyer

من رجال البنوك الأمريكيين اليهود. وهو أحد العاملين في الإدارة الحكومية ومحرر صحفي وناشر تنصَّر في مرحلة لاحقة من حياته. وُلد في كاليفورنيا، وكان والده منرجال البنوك الدوليين، فعمل لفترة معه إلا أنه أقام عام 1901 مؤسسته المالية الخاصة باسم «إيوجين ماير الأصغر وشركاه». ولعب ماير دوراً بارزاً لمدة ستة عشر عاماً في تنمية صناعات النفط والنحاس والسيارات الأمريكية، واكتسب سمعة ممتازة من خلال قدرته على خَلْق وإدارة مشاريع تربط ما بين التمويل الحكومي والقطاع الخاص الصناعي والزراعي. وفي عام 1917، صفَّى ماير أعماله واتجه نحو العمل في الحكومة الأمريكية حيث تولَّى عدة مناصب استشارية وإدارية مهمة مرتبطة بالمجهود الحربي حقَّق فيها نجاحاً ملموساً بفضل خبراته المالية والصناعية. وفي عام 1930، عيَّنه الرئيس الأمريكي هوفر رئيساً لمجلس الاحتياطي الفيدرالي. وكوَّن ماير مؤسسة إعادة التعمير والتمويل عام 1932، وكان أول رئيس لها. وفي عام 1933، اشترى صحيفة واشنطن بوست ونجح في زيادة حجم توزيعها إلى أربعمائة ألف نسخة يومياً. وبعد الحرب العالمية الثانية، عيَّنه الرئيـس الأمريكي ترومان رئيسـاً للبنك الدولي لإعادة التعمير والإنشاء. وتمتلك ابنته كاترين جراهام شركة واشنطن بوست التي تضم إلى جانب واشنطن بوست مجلة نيوزويك وعدداً من المحطات الإذاعية.

ماكس فاكتور (1877-1938)

Max Factor

من منتجي مستحضرات التجميل الأمريكية. وُلد في بولندا حيث حصل على بعض التدريب في فن الماكياج، ثم هاجر إلى الولايات المتحدة. وأسَّس عام 1909 شركة لمستحضرات التجميل، بدأت بداية متواضعة ثم تطورت لتصبح من أكبر شركات مستحضرات التجميل في الولايات المتحدة والعالم.

لازار كابـــلان (1883-1986(Lazer Kaplan

تاجر ماس أمريكي، ومؤسس واحدة من أكبر شركات تقطيع الماس في العالم. وُلد في روسيا حيث كان والده يشتغل صائغ جواهر ويقوم بإصلاح الساعات. وفي عام 1896، انتقل مع أسرته إلى انتويرب في بلجيكا حيث بدأ يتلقَّى تدريبه. وحينما هاجرت أسرته إلى الولايات المتحدة، فضَّل هو الاستمرار في بلجيكا ليؤسِّس تجارتهالخاصة. افتتح أول محل جواهر له في عام 1903، ولكنه، في أعقاب اجتياح ألمانيا لبلجيكا عام 1914، هاجر إلى الولايات المتحدة واستقر في نيويورك حيث أسَّس شركة باسم «لازار كابلان وأولاده» لتقطيع وصقل الماس. وقد اكتسبت شركته سمعة طيبة. وحقَّق كابلان شهرة واسعة حينما وكلت إليه عام 1936 مهمة تقطيع واحدة من أشهر الماسات في التاريخ. وساهم كابلان من خلال شركته التي أصبحت شركة عالمية تعرف باسم « لازار كابلان انترناشيونال » في تحويل مدينة نيويورك إلى أهم مركز لصناعة الماس في العالم.

ديفـيد سـارنوف (1891-1971(

David Sarnoff

من الرواد الأمريكيين اليهود الذين عملوا في مجال الإذاعة والتليفزيون. وُلد في روسيا وانتقل إلى الولايات المتحدة عام 1900 ثم انضـم إلى شـركة ماركوني للتلغراف عام 1906 حيث تدرَّج سريعاً. وعندما تأسَّست مؤسسة الإذاعة الأمريكية واختصارها آر. سي. آيه R.C.A وضمت شركة ماركوني إليها، أصبح سارنوف المدير التجاري للمؤسسة الجديدة عام 1919 ثم رئيسها عام 1930. وقـد أدرك سـارنوف إمكانيات النمو الضخم الكامنة في مجال الإذاعة، فأسَّس شركة الإذاعة الوطنية إن. بي. سي N.B.C. عام 1926 كشركة تابعة لمؤسسة آر. سي. آيه. R.C.A كما اهتم بالتليفزيون وبتطويره كجهاز غير مكلف لتقديم خدمة إخبارية وترفيهية لقطاع واسع من الجماهير. وكان لقدرات سارنوف الإدارية والعلمية الأثر الأكبر في تحويل شركة آر. سي. آيه. إلى أكبر مجمع إلكتروني في العالم، وصل حجم أعماله في نهاية الستينيات إلى ملياري دولار في مجالات تراوحت بين الإذاعة والتليفزيون والحاسبات الآلية والأقمار الصناعية.

وبصفة عامة، لعب أعضاء الجماعة اليهودية دوراً مهماً في مجال وسائل الإعلام في الولايات المتحدة وكانوا من العناصر الرائدة بها، فأسسوا وسيطروا لفترة طويلة على أهم شبكات الإذاعة والتليفزيون الأمريكية.

وكان سارنوف نشيطاً في مجال الشئون اليهودية في الولايات المتحدة، كما كان عضواً شرفياً في معهد وايزمان للعلوم في إسرائيل. وقد التحق ابنه روبرت سارنوف (1918 ـ ) بشركة الإذاعة الوطنية إن. بي. سي. حيث كان رئيساً لها ثم رئيساً لمجلس إدارتها. وفي عام 1966. عُيِّن رئيساً لشركة آر. سي. آيه، وفي عام 1967 عُيِّن مديراً تنفيذياً أعلى لها.

أرمـــاند هامـــر (1898-1990(

Armand Hammer

ثري أمريكي يهودي من رجال الصناعة والأعمال. وُلد في نيويورك لعائلة من المهاجرين من يهود اليديشية استقرت في الولايات المتحدة عام 1875. وبدأ في بناء ثروته وإمبراطوريته وهو لا يزال طالباً في جامعة كولومبيا، حيث حقَّق المليون الأول من خلال تطوير وتوسيع المؤسسة الصيدلية المتعثرة التي كان يمتلكها والده. وفي عام 1921، سافر إلى الاتحاد السوفيتي ضمن بعثة طبية لغوث ضحايا الحروب الأهلية والمجاعة. وتبيَّن له هناك مدى حاجة الاتحاد السوفيتي للغذاء، فأسرع بتدبير شحنات من الحبوب إلى الاتحاد السوفيتي مقابل منتجات سوفيتية من أهمها الفراء. وحقَّق هامر مكاسب مباشرة من وراء هذه العملية التي فتحت أمامه أيضاً مجال العمل داخل الدولة السوفيتية الجديدة حيث توثقت علاقته بلينين الذي منحه امتيازات خاصة للعمل داخل الاتحاد السوفيتي. واستقر هامر في موسكو حيث افتتح أول مصنع لإنتاج الأقلام الرصاص. وحقَّقت أعماله نجاحاً كبيراً، وإن ظلت مشكلة إخراج ثروته من الاتحاد السوفيتي قائمة، فقام بشراء التحف والقطع الفنية التي خلَّفتها الأرستقراطية والبورجوازية القيصرية وخرج بها من روسيا عام 1930 ليعيد بيعها في الغرب بمكاسب ضخمة. وخلال الحرب العالمية الثانية، أقام هامر معملاً لتقطير الخمور في الولايات المتحدة، وتوسَّع في هذا المجال إلى أن أصبحت له إمبراطورية في مجال صناعة الخمور. وفي عام 1954، باع أعماله في مجال الخمور واشترى شركة أوكسيدنتال للبترول بمبلغ مائة ألف دولار فقط، ونجح في تحويلها إلى تاسع أكبر شركة بترول في الولايات المتحدة حيث بلغ حجم مبيعاتها 19 بليون دولار. وأصبح يُطلَقعلى هامر لقب «ملك البترول». وقد اتسع مجال نشاط شركته ليشمل الفحم والأسمدة والزراعة والكيماويات والبلاستيك والمعادن.

ولم يكن هامر مهتماً بالشئون والقضايا اليهودية بشكل خاص. لكنه ساعد في عقد السبعينيات، من خلال علاقته بالقادة السوفييت، في رفع بعض القيود المفروضة على هجرة يهود الاتحاد السوفيتي. ويبدو أن هامر عمل في تلك الفترة على عدم إبراز علاقته بإسرائيل لحماية مصالحه البترولية مع بعض الدول العربية. ولعب هامر دوراً بفضل علاقته الشخصية بالزعيم السوفيتي جورباتشوف، في التمهيد لفتح باب الهجرة واسعاً أمام هجرة اليهود السوفييت في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات. وكان هامر صديقاً لمناحم بيجن. وقد اقترح على الرئيس المصري أنور السادات، أثناء مفاوضات كامب ديفيد، خطة صناعية واسعة تجمع رأس المال الأمريكي من جهة وبعض الصناعات المصرية والإسرائيلية (خصوصاً صناعات الفوسفات والبوتاس والغاز الطبيعي المصري) من جهة أخرى. كما اهتم هامر بدعم مشاريع التنقيب عن البترول في إسرائيل، فساهم في تأسيس شركة أمريكية إسرائيلية لهذا الغرض عام 1985 بتمويل قدره 200 مليون دولار، وقدَّم تبرعات كبيرة لكلٍّ من منظمة هاسـاداه الصهيونية وجامعـة تل أبيب.

لكن الانتماء اليهودي لهامر لا يُفسِّر دعمه لإسرائيل، فهذا الدعم جزء لا يتجزأ من الدعم الأمريكي (الحكومي والشعبي) لدولة تدافع عن المصالح الأمريكية وتُوجَد على مقربة من منابع البترول. ولا يختلف هامر في هذا عن المئات من الرأسماليين الأمريكيين الذين يرون أن المصالح الأمريكية والمصالح الإسرائيلية متضافرة.ولعل اتساع نشاط هامر وحماسه الزائد لإسرائيل لا ينبع من يهوديته وإنما ينبع،في الأساس،من ارتباطه بسلعة حيوية إستراتيجية مثل البترول.

ولا شك في أن دوره المهم في مسألة هجرة اليهود السوفييت جاء في إطار اعتبارات الصراع بين الشرق والغرب والذي كان هامر مؤهلاً للقيام بدور مهم فيه بفضلعلاقاته التاريخية والوثيقة بالاتحاد السوفيتي. ومما يُذكَر أن الولايات المتحدة، والغرب بصفة عامة، لجأ إلى استخدام قضية هجرة اليهود السوفييت وقضايا حقوق الإنسانبشكل عام ضمن آليات صراعه مع الاتحاد السوفيتي ودول شرق أوربا.

ماكس راتنـر (1907- )

Max Ratner

رجل صناعة أمريكي يهودي. وُلد في بولندا وهاجر مع أسرته إلى الولايات المتحدة وهو في الثالثة عشرة. وبعد هجرته بعام، اشترك راتنر مع أسرته في تأسيس شركة للإنشاءات الصناعية في مدينة كليفلاند بولاية أوهايو الأمريكية. وتحوَّلت هذه الشركة على مر الأعوام إلى مؤسسة ضخمة تُقدَّر قيمتها بملياري دولار. وقد ترأَّس راتنر أعمال الأسرة في أعقاب حصوله عام 1929 على شهادة جامعية في القانون.

ويُعَدُّ راتنر من كبار المستثمرين في إسرائيل. واهتمامه بالكيان الصهيوني يعود إلى الثلاثينيات عندما استثمر أمواله في بناء فندق شارون في بلدة هرتزليا. وقد كان هذا المشروع بداية مشاريع عديدة لاحقة شملت جميع قطاعات الاقتصاد الإسرائيلي (صناعة الإطارات ـ صناعة الثلاجات ـ صناعة الألومنيوم والنحاس ـ صناعة النظارات الطبية). وفي المجال الزراعي، أدخل في الخمسينيات بذور القطن (من كاليفورنيا) إلى إسرائيل، وأقام شركة «أجنحة إسرائيل» وهي أول شركة تأسست في إسرائيل لرش المبيدات بالهيلكوبتر. كما أسَّس شركة لغزل القطن الإسرائيلي، وأخرى لتوزيع الإنتاج الزراعي الإسرائيلي. كما اشترك في مشاريع أخرى متنوعة في مجالات العطور والسياحة وتوظيف المهاجرين. وفي بداية التسعينيات، ساهم راتنر مع شركة أفريقيا ـ إسرائيل للإنشاءات في مشروع مشترك قيمته ملايين الدولارات لإقامة الأبراج السكنية ذات العشرين طابقاً في إسرائيل. وقد عمل راتنر لمدة عشـر سـنوات رئيساً للغرفة التجارية الأمريكية الإسرائيلية، ثم ترأَّس مجلس إدارتها. وخلال فترة رئاسته، وصل حجم الاستثمار الأجنبي الخاص في إسرائيل إلى ذروته، وزاد عدد الشركات الأمريكية التي لها فروع تابعة في إسرائيل. وقد امتدت اهتمامات راتنر في إسرائيل إلى الجوانب الاجتماعية والثقافية والسياسية حيث قام بدعم مؤسسات تعليمية وفنية وثقافية كما دعم بعض التنظيمات السياسية الإصلاحية.

ويرى راتنر أن الاقتصاد الإسرائيلي لا يوفر المناخ اللازم لجذب قدر كاف من الاستثمارات الأجنبية اللازمة لخلق فرص عمل للمهاجرين السوفييت. وهو ينتقد اعتمادإسرائيل الزائد على المعونات الخارجية باعتبار أنها تضعف قدرتها الذاتية على النمو والتطور، ويطالب بالقضاء على الجوانب الجماعية في الاقتصاد الإسرائيلي وتطويره نحو الاقتصاد الحر.

ماكس فيشـر (1908-)

Max Fisher

رجل صناعة أمريكي يهودي وُلد في الولايات المتحدة. دخل مجال صناعة البترول حيث كان أول من طوَّر صناعة البترول في ولاية ميشجان الأمريكية، وأدخل أساليب جديدة في مجال تكرير البترول خلال الثلاثينيات والأربعينيات. واشترك فيشر في تأسيس شركة أورورا للبنزين، وترأَّس مجلس إدارتها حتى عام 1957. وامتد نشاطه إلى مجالي التمويل والعقارات، فكان عضواً في مجالس إدارة العديد من المؤسسات المرموقة. وقد كان فيشر من الأعضاء البارزين في الحزب الجمهوري الأمريكي، واختاره الرئيس نيكسون بعد انتخابه عام 1968 مستشاراً خاصاً للشئون المدنية والاجتماعية.

وكان فيشر نشيطاً في مجال الشئون اليهودية حيث ترأَّس النداء اليهودي الموحَّد بين عامي 1965 و1967، كما ترأَّس مجلس الاتحادات اليهودية في الأعوام 1969 ـ 1972، وترأَّس كذلك مجلس محافظي الوكالة اليهودية لإسرائيل في الفترة بين عامي 1971 و1983. كما ساهم فيشر في تمويل أوائل مشاريع البتروكيماويات في إسرائيل. ويأتي دعم فيشر لإسرائيل في إطار ما نسميه «الصهيونية التوطينية»، أي أنه يدعم إسـرائيل مادياً وسـياسياً ومعنوياً دون أن يهاجر إليها بنفسه، فهو موقف ينبع في الأساس من انتمائه لوطنه الأمريكي وارتباط مصالحه الاقتصادية والطبقية والسياسية بالمصالح الرأسمالية لهذا الوطن، وهو موقف لا يثير الاتهامات بازدواج الولاء حين تتطابق المصالح الأمريكية الإمبريالية مع مصالح إسرائيل كقاعدة لها في الشرق الأوسط.

وتُقدَّر ثروة فيشر بحوالي 225مليون دولار، وكان يُعدُّ عام 1985 بين أغنى أربعمائة شخصية أمريكية في الولايات المتحدة.

تــد أريسون (1924-)

Ted Arison

ثري أمريكي الجنسية من أصل إسرائيلي يعمل في مجالات النقل البحري والبنوك والعقارات وصالات القمار. وُلد أريسون في فلسطين عام 1924، ودرس في الجامعة الأمريكيـة في بيروت بين عـامي 1940 و1942، ثم عمل مديراً لشركة م. ديزينجوف في تل أبيب في الفترة 1946 ـ 1948. وفيما بين عامي 1949 و1951، خدم أريسون في الجيش الإسرائيلي. وفي عام 1952، هاجر إلى الولايات المتحدة حيث حصل على الجنسية الأمريكية. وحقَّق في الولايات المتحدة نجاحاً وثراءً كبيراً حيث اعتبرته مجلة فوربس الأمريكية عام 1985 من بين أغنى أربعمائة شخصية أمريكية لتلك السنة، وقُدِّرت ثروته بحوالي 300 مليون دولار. وقد امتلك أريسون أو ترأَّس عدة شركات من بينها شركة ترانس اير في الفترة بين عامي 1959 و1966، ثم شركة أريسون للنقل البحري في ميامي بين عامي 1966 و1971، ثم شركة هاميلتون هولدنج في ميامي منذ عام 1979. كما أنه، منذ عام 1972 يمتلك ويرأس خطاً ملاحياً للرحلات البحرية باسم كارنيفال كروز لاينز في ميامي أيضاً.

ويُعَدُّ أريسون نموذجاً جيداً لما يُسمَّى «الدياسبورا الإسرائيلية»، وهم الإسرائيليون الذين يهاجرون من إسرائيل ليستقروا عادةً في الولايات المتحدة والذين وصل عددهم إلى ما بين 500 و 700 ألف (أو مليون إذا أضفـنا أطفالهم). ولا يوجد مـا يــدل علـى أن أصـول أريسون الإسرائيلية قد وجَّهت نشاطاته الرأسمالية وجهة خاصة.

عـزرا خدوري زيلكـــا (1925-)

Ezra Khedouri Zilka

مالي أمريكي الجنسية من أصل عراقي، وُلد لعائلة عراقية من رجال التجارة والمال. أسَّس والده خدوري زيلكا (1884 ـ 1956) مؤسسة مصرفية في بغداد عام 1899، حيث نجح في نشاطه المالي وافتتح أفرعاً في كلٍّ من دمشق وبيروت والقاهرة وأصبح يُلقَّب بروتشيلد الشرق. وفي عام 1941، انتقل مع أسرته إلى الولايات المتحدة. وفي الولايات المتحدة، عمل عزرا مع والده وإخوته الثلاثة في تأسيس شبكة عالمية للتمويل والمعاملات المصرفية. وقد فقدت العائلة جزءاً كبيراً من ثروتها بعد استيلاء العراق على مصرف العائلة في بغداد وتأميم فرع القاهرة. إلا أن العائلة استمرت في نشاطها المالي في الولايات المتحدة، وبخاصة في مجال الاستثمارات المصرفية. وتُقدَّر ثروة عزرا زيلكا بحوالي 150 مليون دولار، وهكذا، فإنه يُعَدُّ (عام 1985) من بين أغنى أربعمائة شخصية أمريكية في الولايات المتحدة.

إدجــار برونفمـان (1929-)

Edgar Bronfman

من رجال الصناعة الأمريكيين اليهود. وُلد في مونتريال بكندا ابناً لرجل الصناعة الكندي صمويل برونفمان. وفي عام 1953، انضم إلى شركة أبيه (العاملة في مجال تقطير الخمور) وهي شركة سيجرام. وفي عام 1955، انتقل إلى نيويورك حيث حصل على الجنسية الأمريكية. وفي عام 1957، أصبح رئيساً للفرع الأمريكي لشركةسيجرام. وبعد وفاة أبيه عام 1971، تولَّى برونفمان الإدارة الكاملة للشركة، فأصبح رئيس مجلس الإدارة والمدير العام للشركة الأم في كندا وللفرع الأمريكي. وقد نمتوتشعبت أنشطة ومصالح إمبراطورية سيجرام في ظل إدارته، وأصبحت تضم ممتلكات للغاز الطبيعي والنفط في آسيا وأوربا إلى جانب حصة مهمة في شركة الكيماويات العالمية دوبونت. ولبرونفمان دور نشيط، مثل أبيه، في مجال الشئون اليهودية، فترأَّس منذ عام 1981 المؤتمر اليهودي العالمي، وتعامل من خلال هذا المنصب مع العديد من القضايا الخاصة بالجماعات اليهودية في العالم. كما يحتل برونفمان مراكز مهمة في منظمات يهودية أخرى مثل اللجنة الأمريكية اليهودية والمؤتمر الأمريكي اليهودي، وعصبة محاربة الافتراء.

وبرونفمان ممثل جيد لما يمكن تسميته «صهاينة الدياسبورا» أو «الصهاينة التوطينيون» الذين لا يمانعون في القيام بنشاط صهيوني حماسي يأخذ شكل ضغط سياسي من أجل المُستوطَن الصهيوني ودعمه مالياً، كما لا يمانعون في تمويل النشاط الاستيطاني الصهيوني مادام لا يضر بسمعتهم ولا يلقي بأي ظلال من الشك على ولائهم لأوطانهم. فإن كانت الولايات المتحدة ضد الاستيطان في الضفة الغربية، فإنهم يقفون ضده، وإن كانت لا تمانع فيه فإنهم يجارونها في ذلك، فمواقفهم نابعة من انتمائهم لأوطانهم ولأمريكيتهم.

وكثير من هؤلاء يتبنَّى موقفاً صهيونياً دفاعاً عن هويته الإثنية الأمريكية اليهودية، ومن ثم فإن تأييدهم لإسرائيل لا ينبع من الموقف الصهيوني الخاص بنفي الدياسبورا، أي توظيف الجماعات اليهودية في العالم وتصفيتها، وإنما من محاولة للحفاظ عليها وعلى ميراثها الحضاري. ولذا، نجد أن حديثهم عن إسرائيل يفترض وجود تفاعُل بين فرعين أو قطبين متساويين، على عكس الخطاب الصهيوني الذي يفترض وجود مركز واحد.

وقد لخص برونفمان هذا الموقف في قوله: « إن الأيديولوجيا الصهيونية الكلاسيكية ترفض إمكان وجود يهودي آمن ومهم في المنفى (أي في العالم)، وتعتبر الحياة في المنفى حياة نفي، وهي نظرية غريبة عن تفكير معظم اليهود الذين يعيشون في المجتمعات المتحضرة والديموقراطية (أي في المجتمعات الغربية) ». وقد اتهم برونفمان المجتمع الصهيوني بأنه مجتمع مادي يتنكر للقيم اليهودية، منقسم على نفسه، غير مستقر، تحتكر فيه السلطة الأرثوذكسية السلطة الدينية، وتتجاهل الدولة الرأي العام ورأي يهود العالم. وقد ردت عليه الصحافة الإسرائيلية رداً وقحاً يستخدم كل الأنماط الإدراكية واللفظية المعادية لليهود والتي تصنفهم على أنهم شخصيات هامشية مريضة. فأشارت صحيفة معاريف إلى برونفمان باعتباره « عملاق الويسكي، اليهودي الأمريكي، الذي حصل على مكانته في العالم اليهودي بفضل الملايين التي يمتلكها لا بفضل أي نشاط يهودي عام.. وهو مشهور أساساً بكونه بطلاً تعيساً لقضية طلاق مثيرة ». ورد صحيفة معاريف يبيِّن مدى ترسَّخ أنماط معاداة اليهود في الوجدان الإسرائيلي.

جورج سوروس (1929-)

George Soros

رجل أعمال من أصل مجري يهودي، سافر إلى بريطانيا في منتصف الأربعينيات حيث تخرج في جامعة لندن. تأثر بأفكار كارل بوبر صاحب فكرة "المجتمعالمفتوح"،والذي هاجم الدولة القومية بشراسة، كما تأثر بنظرية اللاتحدد ونظرية الكوانتم. ويعتبر سوروس نفسه من أتباع دوكينز،الفليسوف الدارويني والأستاذ بجامعةأوكسفورد. ولعل الخط الأساسي في فكره هو الإيمان بالنسبية المطلقة ورفض فكرة الحدود، وضمن ذلك حدود الدولة القومية والحدود الأخلاقية.

وفي أوائل الستينيات بدأ سوروس العمل في فرع المقاصة المتخصص بالمضاربات بين مختلف أسواق البورصة. ويقول إنه اكتشف يومها "أن أموالاً كثيرة يمكن الحصول عليها من جراء نقل أموال بين مختلف أنحاء المعمـورة نظــراً لاختـلاف أسعار صرفها بين نقطـة وأخـرى". ثم عمـل في عدد من بيوت المال البريطانية حتى عام 1956 حين هاجـر إلى الولايــات المتحــدة ليعمـل مـديراً للاستثمارات الماليــة لشركــة أرنولــدو بليشودر،كما تربطه علاقات قوية بعائلتي روتشيلد وجولدسميد. ثم قام بتأسيس شركته الخاصة "كوانتم فاند" وجمع ثروته بالأساس من المضاربـات الماليـة.

وفي نهاية السبعينيات كان قد كوَّن ثروة طائلة جداً، لكنه لم يصبح مشهوراً إلا عام 1992 حين راهن على تراجع الجنيه الاسترليني فاقترض الكثير منه لأجل قصير وحوَّله إلى ماركات ألمانية، وتحقق ما راهن عليه وخرج الجنيه الاسترليني من نظام النقد المالي الأوربي وفَقَد ما يزيد عن 12% من قيمته وكان الفرق ربحاً صافياً لسوروس يعادل المليار دولار.

أنشأ سوروس العديد من الصناديق المتخصصة بمساعدة الدول الشيوعية سابقاً، بشكل يفوق المساعدات الأمريكية الفيدرالية لهذه الدول(أكثر من 160 مليون دولار لعام 1996). وأسس الكثير من المراكز التي تشجع التعليم ونشر الثقافة النسبية، في كل أنحاء العالم. كما أنه يدعم بقوة نشاطات جمعيات حقوق الإنسان.وقد أنفق الصندوق الذي أسسه لهذه الغاية في نيويورك أكثر من مليار دولار العام الماضي.

وأثناء الأزمة المالية التي اجتاحت جنوب شرق آسيا في أغسطس 1997، ألقى رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد اللوم على المضاربين الأجانب الذين يتلاعبون بالأسواق المالية، وعلى رأسهم سوروس.ولأول وهلة قد تبدو هذه الأزمة مجرد شاهد جديد على مؤامرة اليهودي ضد اقتصاديات الأغيار (الآسيويين). ولا بأس أيضاً من التشديد على مثال ماليزيا "المسلمة" حتى تكتمل أركان التفسير التآمري.

غير أن مراجعة تاريخ جورج سوروس تبين لنا أن هذا النموذج التفسيري لا يفيد كثيراً، فقد اعترف هو نفسه، في حديث له لشبكة التليفزيون الأمريكية WNET-TV عام 1993، أنه تواطأ مع قوات الاحتلال النازي للمجر أثناء الحرب العالمية الثانية. وساعد على نهب ممتلكات اليهود في المجر مقابل سلامته الشخصية.

إن سوروس هو نموذج جيد للرأسمالي المضارب "غير المنتمي"، الذي لا يتوانى في سبيل جمع الربح عن المضاربات في الأسواق المالية، أية أسواق، أو حتى عن بيع يهود المجر (بني وطنه وعقيدته!) إلى أعدى أعدائهم. وهو جزء من الاقتصاد الفقاعي (بالإنجليزية: بابل إيكونومي bubble economy) أو الاقتصاد المشتق (بالإنجليزية: دريفاتيف إيكونومي derivative economy)، اقتصاد المضاربات الذي لا علاقة له بالعمليةالإنتاجية نفسها، الذي لا يكن احتراماً كبيراً للإنتاج الصناعي أو الدولة القومية. وما يفسر سلوك سوروس ليس «يهوديته»، وإنما انتماءه لهذا النوع من الاقتصاد فهو لا يؤمن بوحدانية الله ولا يكفر بها، فهو غير مكترث بها أساسا،إذ أن إيمانه يتركز حول واحدية السوق وآلياته التى لا تعرف لا الله ولا الإنسان، والتى تدور وتحول كل شىء إلى مادة استعماليه، لا تفرق بين مسلم ومسحيى ويهودى وهندوكى.

الرأسماليون من الأمريكيين اليهود في قطاع الصحافة والإعلام

American Jewish Capitalists in the Press and Media

يُلاحَظ أن المستثمرين من أعضاء الجماعات اليهودية في الولايات المتحدة من العناصر الرائدة في مجال الصحافة. وتمتلك دار صمويل نيوهاوس للنشر واحدة من أكبر الشبكات الإعلامية في الولايات المتحدة وتضم المجلات والصحف ودور النشر ومحطات الإذاعة والتليفزيون. وتُعتبَر عائلات سولزبرجر وأننبرج وبوليتزر من العائلات الرائدة أيضاً في مجال النشر الصحفي والمجلات. وربما يرجع ذلك إلى أن القطاع الإعلامي في المجتمع قطاع جديد يتطلب الانخراط فيه روحاً ريادية، وهو مجال بدأ يكتسب أهمية مع تزايُد معدلات النمو الصناعي وما صاحبه من نمو الطبقات العمالية والمتوسطة التي كانت في حاجة إلى خدمة إخبارية غير مكلِّفة. وقد ساعد موروث اليهود الاقتصادي والاجتماعي، أي كونهم جماعات وظيفية، على أن يدخلوا هذا القطاع ويستثمروا فيه رأسمالهم وخبراتهم واتصالاتهم.

ورغم أن 3و1% فقط من الجرائد الأمريكية مملوكة لأفراد أو أسر يهودية، إلا أن أكثر هذه الجرائد والمجلات أهمية وانتشاراً مملوكة لأعضاء الجماعة اليهودية في الولايات المتحدة. ولكن يجب الإشارة إلى أنه لا يُلاحَظ وجود نمط يهودي خاص في هذه الجرائد والمجلات التي يمتلكها مموِّلون من أعضاء الجماعات اليهودية إذ أنها تدافع عن السياسة الخارجية لأمريكا وتلتزم بفلسفتها في الحكم، وتُعبِّر عن الاتجاهات والآراء والمصالح الاقتصادية والسياسية المختلفة والمتعددة داخل المجتمع الرأسمالي الأمريكي. ومن هنا يمكن اعتبار توجُّهها الصهيوني نابعاً من التزامها الأمريكي.

جوزيـف بوليتــزر (1847-1911(

Joseph Pulitzer

ناشر صحفي ومحرر أمريكي. وُلد في المجر لأب يهودي وأم مسيحية كاثوليكية، وهاجـر إلى الولايـات المتحــدة وعمــره 17 سنة. وفي عام 1868، انضــم إلى صـحيـفة ناطقـة بالألمانيــة (في مدينـة ســانت لويس). وبعد ثلاث سنوات، اشترى حصة في الصحيفة ثم أصبـح رئيــس تحريرها، لكنه باع حصته فيما بعد محقِّقاً ربحاً كبيراً. وفي عام 1878، اشترى صحيفتين كانتا تصدران في سانت لويس حيث دمجهما في صحـيفة واحدة باسـم بوست ديسباتش التي حقــقت نجاحاً كبيراً. وفي عام 1883، انتقل إلى نيويورك حيث اشترى صحيفة ذي وورلد التي حقَّقت في غضون 3 سنوات مكسباً قدره نصف مليون دولار سنوياً. وفي عام 1887، أسَّس صحيفة ذي إيفننج وورلد. وكـان من عوامـل نجــاح هذه الصحف الثـلاث الترويج المكثف لها، والإثارة الإخبارية التي كانت تشتمل عليها، والتجديد في كلٍّ من الطباعة والعرض.

وقد أسَّس بوليتزر مدرسة الصحافة في جامعة كولومبيا، وأوصى قبل وفاته بتخصيص جوائز تحمل اسمه (جوائز بوليتزر) تُقدَّم للأعمال الصحفية والأدبية والفنية المتميِّزة.

وقد استمر ابنه الأصغر جوزيف بوليتزر (1885 ـ 1955) في إصدار صحيفة سانت لويس بوست ديسباتش بنجاح، بينما تدهورت أوضاع الصحيفتين اللتين كانتا تصدران في نيويورك على أيدي ابنيه الآخـرين رالـف (1879 - 1959) وهـربرت بوليتزر (1897 ـ 1957)، الأمر الذي اضطرهما إلى بيعهما عام 1931. وقد أضافت العـائلة إلى ممتلكاتها، فيمـا بعـد، صحف أخرى ومحطات تليفزيون.

آرثــر ســـولزبرجر (1891-1968(

Arthur Sulzberger

ناشر وصحفي أمريكي يهودي. وُلد في مدينة نيويورك لعائلة يهودية مرموقة استقرت في الولايات المتحدة منذ عام 1795. وقد تزوج سولزبرجر من ابنة أدولف أوكس (1858 ـ 1935) مالك وناشر جريدة نيويورك تايمز التي حوَّلها أوكس من جريدة متعثرة إلى إحدى أهم وأكبر الصحف في الولايات المتحدة والعالم. وعند وفاة أوكس في عام 1935، أصبح سـولزبرجر ناشـر الجريدة ورئيـس شركة نيويورك تايمز.

وقد كانت جريدة نيويورك تايمز تُعبِّر بصفة عامة عن رؤية مصالح البورجوازية الأمريكية وعن رؤية الصفوة من اليهود المندمجين ذوي الأصول الألمانية المنتمين لهذه البورجوازية. وقد تبنَّى أوكس، وسولزبرجر من بعده، موقفاً معادياً للصهيونية خوفاً من مسألة ازدواج الولاء وما قد تثيره من عداء لليهود.

وقد عـارض أوكـس، الذي كان عضواً في اللجنة الأمريكية اليهودية، وعد بلفور عام 1917. كما أعلن في أعقاب زيارته لفلسطين عام 1937 أنه « إذا كان عليَّ أن أختار بين أمريكا كوطن وبين فلسطين، فإنني أختار أمريكا حتى لو أن ذلك يعني أن أتخلى عن يهوديتي ». وفي عام 1943، ساهم سولزبرجر في تأسيس المجلس الأمريكي لليهودية المعادي للصهيونية، والذي اعتبر اليهودية عقيدة دينية وحسب وليس انتماءً قومياً، كما أكد ضرورة اندماج اليهود ثقافياً واجتماعياً في مجتمعهم الأمريكي. وحرصت الجريدة على ألا يظهر على صفحاتها ما قد يعرِّضها للاتهام بأنها جريدة يهودية، كما لم تتبن موقفاً حاسماً تجاه هتلر. لكن من الممكن تفسير هذا الموقف في إطار التوجه اليميني للجريدة، خصوصاً أنه قد سبق لها أن أيَّدت موسوليني عند توليه السلطة في إيطاليا في عام 1922.

أما بعد تأسيس إسرائيل، فقد تبنت عائلة سولزبرجر وجريدة نيويورك تايمز موقفاً مؤيداً لإسرائيل ولكن من منطلق أنها قاعدة للمصالح الرأسمالية الإمبريالية في منطقة الشرق الأوسط تعمل على مواجهة وتقويض النفوذ السوفيتي في المنطقة.

وقد أعربت الجريدة على صفحاتها عن ضرورة إقامة تحالف واسع معاد للسوفييت في الشرق الأوسط يجمع بين إسرائيل والنظم العربية الرجعية. ومن هنا، تتجه الجريدة إلى انتقاد احتلال إسرائيل للأراضي العربية لأنه يُشكِّل عقبة أمام هذا التحالف. كما لا تتردد في عرض الجرائم الإسرائيلية ضد الفلسطينيين على صفحاتها تدعيماً لموقفها.

وتمتلك عائلة سولزبرجر، إلى جانب جريدة نيويورك تايمز، جرائد أخرى ومحطات للتليفزيون، وتُقدَّر ثروتها بأكثر من 450 مليون دولار. ومنذ عام 1963، يتولى آرثر أوكس سولز برجر1926 ، ابن آرثر سولزبرجر، إصدار ورئاسة جريدة نيويورك تايمز.

صـمـويل نيوهـاوس (1895-1979(

Samuel Newhouse

ناشر أمريكي يهودي يمتلك واحدة من أكبر الشبكات الإعلامية في الولايات المتحدة حيث تضم العديد من المجلات والصحف ودور النشر ومحطات الإذاعة والتليفزيون. وُلد في الولايات المتحدة لأبوين من أصل روسي ونمساوي، ودرس القانون، ثم دخل مجال النشر الصحفي عام 1922 عندما اشترى جريدة متعثرة في نيويورك (أدفانس) بمبلغ 98 ألف دولار، ونجح في تطويرها وزيادة حجم توزيعها إلى أن أصبحت تُقدَّر في غضون ست سنوات بأكثر من مليون دولار. وخلال فترة الكساد الاقتصادي في الثلاثينيات، اشترى خمس جرائد أخرى. وفي عام 1955، وفيما وُصف آنذاك بأنه أكبر صفقة في تاريخ الصحافة الأمريكية، دفع نيوهاوس أكثر من 18 مليون دولار مقابل جريدتين وأربع محطات للإذاعة والتليفزيون. وفي عام 1959، اشترى حصص مؤسـستين للنـشر تنـشران مجموعة مهمة من المجلات ذائعة الصيت وواسـعة التوزيع همـا مؤسـسة كونده ناسـت (التي تنـشر مجلات فوج، و جلامور، و هاوس آند جاردن)، ومؤسسة ستريت آند سميث (التي تنشر مجلة مدموازيل). وفي عام 1976، أبرم نيوهاوس صفقة ضخمة أخرى حينما اشترى شبكة بوث الصحفية والتي تضم ثماني صحف مقابل 305 ملايين دولار. ويمتلك نيوهاوس أيضاً مجلاتنيويوركر، و فانيتي فير ودار نشر راندوم هاوس و28 جريدة. وقد كانت هذه الإمبراطورية الضخمة تربطها شبكة عائلية قوية احتل فيها أفراد عائلة هاوس المواقع الإدارية والمناصب المهمة. وبصفة عامة، لعب أعضاء الجماعة اليهودية في الولايات المتحدة دوراً مهماً في مجال الصحافة والإعلام.

وفي عام 1960، قدَّم نيوهاوس منحة قدرها مليونا دولار لجامعة سيراكيوز الأمريكية لتأسيس مركز نيوهاوس للاتصالات، ليكون أكبر معهد تعليمي وبحثي في مجال الإعلام في العالم.

وعند وفاته، كانت إمبراطوريته الإعلامية تضم 31 جريدة حجم توزيعها أكثر من ثلاثة ملايين نسخة، وخمس محطات إذاعة، ومحطات للتليفزيون (للمشتركين فقط) تضم أكثر من 175 ألف مشترك، والعديد من المجلات.

الباب التاسع: الاشتراكية والجماعات اليهودية

الفكر الاشتراكي الغربي وموقفه من الجماعات اليهودية

Western Socialist Thought: Its Attitude toward the Jewish Communities

تتسم النظرة الاشتراكية إلى أعضاء الجماعات اليهودية بالإبهام نفسه الذي تتسم به رؤية عصر الاستنارة إليهم. فقد دعا مفكرو عصر الاستنارة إلى المساواة بين كل البشر، وبالتالي إلى إعتاق اليهود وإعطائهم حقوقهم السياسية والاقتصادية كاملة. وهذا تيار أساسي في الفكر الاشتراكي يُوجَد في كثير من كلاسيكيات هذا الفكر.

لكن إعتاق اليهود، بل الإنسان عموماً، يتم في إطار مفاهيم علمانية مادية مثل مفهوم الإنسان الطبيعي أو المادي أو العالمي أو الأممي. فهو مفهوم مادي اختزالي يُسقط أية خصوصية أو هوية، ويرى الإنسان باعتباره جزءاً من الطبيعة/المادة. ويترتب على هذه المقدمات عدة نتائج أهمها رفض خصوصية اليهود العرْقية، ثم يُنظَر إليهم باعتبارهم مواطنين عاديين وحسب يمكن دمجهم في المجتمع وإعطاؤهم حقوقهم كافة. ومن ثم نجد أن كثيراً من كلاسيكيات الفكر الاشتراكي ترفض الفكرة الصهيونية التي ترى أن اليهود أمة عرْقية مستقلة.

ولكن، كما أن هناك تياراً داخل فكر حركة الاستنارة يرى أن اليهود عنصر له خصوصيته، وأن تخلُّصه من هذه الخصوصية أمر صعب بل مستحيل أحياناً، فإن الفكرالاشتراكي قد اشتمل على مثل هذا التيار. وهو يترجم نفسه أيضاً إلى اتجاه معاد لليهود ومتحيِّز للصهيونية في آن واحد. ويطرح أتباع هذا التيار فكرة هوية يهودية مستقلة عضوية يُفترَض فيها عادة أنها ذات طابع شرقي أو آسيوي أو سامي. وقد ازداد الاهتمام بهذا الجانب مع تزايُد الاهتمام بالعنصر الهيليني (الآري فيما بعد) في الهوية الغربية. وهو اهتمام صار محورياً في الخطاب السياسي الغربي في النصـف الثاني من القرن التاسـع عشر. وقد أكد هيجل على ما أسماه «الطابع الشرقي» للروح القوميةاليهودية التي لم تدرك المثل العليا (الهيلينية) للحرية والعقل، فظلت اليهودية لذلك مرتبطة بشعائر بدائية لاعقلانية أو طقوس لا روح فيها تسبَّبت في نهاية الأمر في إدخال العنصر العبراني السلبي على الحضارة الغربية.

وكجزء من هجومهم على المؤسسات القائمة في المجتمع، قام المفكرون الاشتراكيون بالهجوم الضاري على المسيحية وعلى كل الأفكار الدينية، فوجَّهوا النقد إلى اليهودية باعتبارها أساس المسيحية، بل باعتبارها شكلاً متخلفاً منها. واتهموا اليهودية أيضاً بأنهـا تتضمن عناصر نفعية أنانية تشجع اليهود على الاهتمام بأنفسهم وعلى كُره البشر. كما أن اليهودية تشجع اليهود على ضرب العزلة حول أنفسهم وعلى البقاء سجناء شعائرهم البدائية المتخلفة مثل قوانين الطعام التي تجعل اندماجهم مع بقية الجنس البشريمستحيلاً. بل إن بعضهم ذهب إلى حد القول بأن اليهودية تتضمن عناصر هضمية أو معوية، وأن كل إشارة إلى الإله في العهد القديم مرتبطة بالطعام، وأن تقديم القرابينالبشرية كان أحد العناصر المكوِّنة للعبادة اليسرائيلية القديمة.

وللقضية أيضاً جانب اقتصادي، فكثير من المفكرين الاشتراكيين ينظر إلى اليهود بوصفهم عنصراً هامشياً غير منتج يتركز في التجارة والأعمال المالية ولا يتجه إلى الصناعة أو الزراعة أبداً (أي أنهم جماعة وظيفية وسيطة). كما أن بعض الاشتراكيين يرون أن ثمة علاقة عضوية بين اليهود والرأسمالية، خصوصاً في شكلها التجاري المتمثل في الأعمال المالية والبورصة.

لكل ما تقدَّم، ذهب بعض المفكرين الاشتراكيين إلى أن اليهود يشكلون جماعة بشرية غير سوية وغير طبيعية. وكان الحل الذي يطرحونه هو ضرورة تخليص اليهود من هويتهم المتخلفة أو الخسيسة أو الأنانية (البورجوازية أو الرأسمالية) وتحويلهم إلى عناصر منتجة ودمجهم في المجتمع أو تأكيد هويتهم وتوطينهم في فلسطين داخل مجتمع تعاوني اشتراكي. وقد ساوى كارل ماركس بين " برجزة " المجتمع (أي سيادة العلاقات التعاقدية البورجوازية فيه) من جهة، وبين تهويده من جهة أخرى.

ومن أوائل الدعاة إلى الاشتراكية المفكر كونت دي سان سيمون (1780 ـ 1825)، وهو ممن يسمون «الاشتراكيين الطوباويين»، أي المثاليين. ويبدو أنه يوجد تيار يهودي مشيحاني في فكره، إذ طالب بتأسيس مجتمع صناعي يحكمه نخبة من العلماء وأصحاب الأعمال والمصرفيين الذين يهتدون بهدي «المسيحية الجديدة» ـ وهي مسيحية علمانية (أو لادينية) لا تستند إلى الإيمان بالإله أو باليوم الآخر أو الزهد في الدنيا ـ وهي تشبه في ذلك اليهودية الإثنية. وثمة إشارة في كتابات سان سيمون إلى الماشيَّح الأم، وهي أنثى يهودية من الشرق ستصوغ الأخلاق الجديدة. وبطبيعة الحال، سيتمتع اليهود بالمساواة الكاملة في هذا المجتمع الجديد. وقد كان الكثير من تلاميذ سان سيمون وحوارييه من اليهود.

وأدَّى هذا العنصر اليهودي اللاديني الفاقع في اشتراكية سان سيمون إلى رد فعل عنيف من الكنيسة ومن شارل فورييه (1772 ـ 1837) أحد أهم المفكرين الاشتراكيين وأحد أهم النقاد الاشتراكيين لليهود. ويذهب فورييه إلى أن التجارة هي مصدر كل الشرور، وأن اليهود هم تجسيد لها، كما أنهم المستغلون الاقتصاديون الرئيسيون في أوربا. واليهود (في تصوُّره) ليسوا جماعة دينية، وإنما هم جماعة قومية غير متحضرة وبدائية ومعادية للحقيقة، ولابد للمجتمع من التخلص منها بالدمج أو الطرد. ومعنى ذلك أنه يتحرك في إطار فكرة الشعب العضوي المنبوذ.

وقد أشار فورييه إلى قوانين الطعام اليهودية كقرينة على صدْق كل الشائعات التي أطلقها أعداء اليهود عنهم مثل اتهامهم بأنهم يعتبرون سرقة المسيحي أمراً مباحاً لهم شرعاً. ولذا، يرى فورييه أن لفظتي «يهودي» و«لص» مترادفتان، وأن الإنسان عند التعامل معهم لا يتوقع سوى أكاذيب ولا شيء سوى الأكاذيب التي يشجعهم عليهادينهم. بل يرى فورييه أن اليهـود عنصر تجاري لا ارتبـاط ولا انتماء له بوطن. ولذا، فهم لا يتورعون عن ارتكاب أعمال الخيانة العظمى ويعملون جواسيس لكل الأمم وجلادين لها. وهم كذلك غير مبدعين في الفنون والآداب ولا يتميَّزون إلا بسجل طويل من الجريمة والقسوة. ونشاطات اليهود الاقتصادية كلها هامشية وشرهة وغير منتجة، فهم لا يعملون أبداً بالزراعة ويشتغلون بالتجارة والأعمال المالية. وهم إلى جانب هذا متمرسون في التهرب من دفع الضرائب ولا يستثمرون رأسمالهم في الصناعة أبداً حتى لا يرتبط مصيرهم بمصير الدولة التي يعيشون فيها. ويقتصر نشاطهم التجاري على الاستيراد والتصدير حتى يحرموا تجار البلاد المضيفة من الاحتكاك بالبلاد الأخرى. وهم يحققون الثروات الهائلة على حساب المواطنين، خصوصاً أنهم بخلاء إلى درجة أن بإمكانهم العيـش على أقل القليل وهو ما يسـاعدهم على مراكمة الثروة بسـرعة. ومن الواضح أن فورييه يتحـدث عن الجمـاعة الوظيفيـة الوسيطة، ولكنه نظراً لجهله بهذه الظاهرة وتواتُرها في المجتمعات الأخرى تصوَّر أنها ظاهرة يهودية وحسب، وأن خصائص أعضاء الجماعة الوظيفية هي خصائص لصيقة بطبيعة اليهود، أينما كانوا وعَبْر التاريخ.

وقد طرح فورييه برنامجاً لحل المسألة اليهودية، وذلك عن طريق دمج اليهود بالقوة اقتصادياً وروحياً. وهذا لن يتأتى إلا بالقضاء على خصوصيتهم اليهودية القومية الاقتصادية عن طريق تطبيق قوانين قاسية عليهم، ومنعهم من الاشتغال بالأعمال التجارية، وإبعادهم عن الحدود والسواحل والأماكن التي يمكنهم أن يمارسوا فيها التهريب والتجارة، وكذلك عن طريق توطينهم بالقوة في القرى. ويجب أن يواكب عملية الدمج الاقتصادي عملية دمج روحي عن طريق التعليم حتى يتخلى اليهود عن مبادئهمالشريرة.

والحل الثاني للمسألة اليهودية الذي يطرحه فورييه قد يبدو وكأنه نقيض الأول، ولكنه في الواقع امتداد له. فإذا كان الحل الأول يفترض إمكانية التخلص من الشعب العضوي المنبوذ عن طريق تخليصه من هويته الكريهة ودمجه، فإن الحل الثاني الذي ورد في كتاب الصناعة الزائفة (1835 ـ 1836) إذ يرى أنه يمكن التخلص منهم عن طريق توطينهم في فلسطين وسوريا ولبنان ليصبحوا أمة معترفاً بها لها ملك وعلم وقناصل وعملة! ويتوجه فورييه بالنصح إلى اليهود، فبدلاً من مضاربات البورصة يمكنهم تحويل فلسطين وما حولها في المنطقة الممتدة من لبنان إلى سيناء إلى أرض صالحة للسكنى عن طريق توفير منافذ لنهر الأردن والبحر الميت على موانئ البحر الأحمر، وأن يتم ري الصحراء وزراعة الغابات الخضراء فيها بواسطة الجيوش الصناعية والمزارع التعاونية وذلك بتمويل روتشيلد وبدعم أوربا، وهذا أدق وصف لعملية الاستيطان الصهيوني وللزراعة الصهيونية التعاونية المسلحة ولكل من الصهيونية التوطينية والاستيطانية (وقد قضت الحركة الصهيونية بين اليهود نحو سبعين عاماً لتكتشف هذه الصيغة البسيطة). ويجب أن نشير إلى أن تاريخ نشر الكتاب هو أيضاً الوقت الذي طُرحت فيه المسـألة الشـرقية وبحدة بسـبب ثـورة محمد علي على السلطان العثماني.

وقد ترك فورييه أعمق الأثر في الفكر الاشتراكي بعده. فنجد أن تلميذه ألفونس توسينيل (1803 ـ 1885) يؤلف كتابه اليهود ملوك العصر: تاريخ الإقطاع المالي (1845) حيث يمثل الإقطاع المالي البنوك في أوربا وفرنسا. والكتاب ليس هجوماً عنصرياً تقليدياً على اليهود إذ يُحذِّر الكاتب في البداية من أنه سيستخدم كلمة «يهودي» لا بمعناها المحدد الذي يشير إلى جماعة إثنية أو دينية، وإنما يستخدمها بالمعنى الشائع لها، أي «مصرفي» أو «مراب» أو «تاجر». ولذا، فإنه يستخدم هذه الكلمة للإشارة إلى كل من يشتغل في الأمور المالية، كل الطفيليين غير المنتجين الذين يعيشون على وجود الآخرين وجهدهم. وقد ربط توسينيل بين القدس اليهودية وجنيف البروتستانتية الكالفنية، فكأن من يقول « يهودي» يقول «بروتستانتي، أي تجار وطيور جارحة». وقد وصل توسينيل إلى أن اليهود، أي كبار المموِّلين، هيمنوا على أوربا في القرن التاسع عشر.

وقد ظهر هذا الاتجاه أيضاً في كتابات أدولف ألايزا الذي ترأَّس مجلة لا رينوفاسيون الناطقة باسم الحركة الاشتراكية من أتباع فورييه وأعطاها اتجاهاً معادياً لليهود. ويرى ألايزا أن اليهود مثل البكتيريا القذرة (وهذه صورة مجازية استخدمها الزعيم الصهيوني نوردو ثم الزعيم النازي هتلر من بعده) تؤدي إلى عفن المكان الذي تصل إليه. فاليهودي يتآمر ضد الأمن الوطني مثل دريفوس. وربطت مدرسة فورييه أيضاً بين ماركس والبلشفية من جهة، وبين ماركس واليهودية من جهة أخرى.

وتُعبِّر آراء ميخائيل باكونين (1814 ـ 1876)، المنظِّر والمفكِّر الفوضوي الروسي، عن كُره عميق لليهود. ففي كتابه الاعتراف الذي ألفه في السجن عام 1851، انتقد قادة الاستقلال في بولندا لاتخاذهم موقفاً إيجابياً تجاه اليهود. وقد نُشر عام 1869 رداً على خطاب من موسى هس أشار فيه إلى اليهود باعتبارهم أمة من المُستغلِّين تقف على الطرف النقيض تماماً من مصالح البروليتاريا. ويمكن فَهْم موقفه هذا من اليهود من خلال حقيقتين، أولاهما: خلافه الفكري الحاد مع الاشـتراكيين وبالذات اليهـود، منهم كارل ماركـس وموسى هس وأمثالهما. وثانيتهما: الدور البارز لأعضاء الجماعة اليهودية في التجارة والمال في أوربا، وهو ما كان نتاجاً لميراثهم التاريخي كجماعات وظيفية هامشية. وقد ذهب باكونين إلى أن اليهود يشكلون خطراً أكبر من اليسوعيين، وأنهم القوة الحقيقية في أوربا، إذ يسيطرون بشكل مطلق على التجارة والبنوك وعلى ثلاثة أرباع الصحافة الألمانية وعلى جزء كبير من صحافة الدول الأخرى. ووصف باكونين الفوضوي ظهور ماركس وأعماله بأنها ظهور جديد للنبي موسى، وأنه يعتبر نموذجاً يمثل الشعب اليهودي.

وقد كان عداء الاشتراكيين والثوريين لليهود يستند إلى تحليل طبقي يفترض فيه أصحابه علميته وموضوعيته. ولكن مع العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر، وظهورالخطاب العرْقي واكتساحه الفكر الأوربي، نجد أن أتباع فورييه أيضاً يتبنون التفسير العرْقي. فالعرْق اليهودي، بحسب تصوُّرهم، قبيح من الناحية الجسدية، فوجوههم تخرق قواعد الجماليات تماماً كما تخرق روحهم الروح الآرية (الهيلينية من قبل) التي تتسم بالجمال. والعرْق اليهودي لا يمكن دمجه ولا هضمه، وهو عرْق طفيلي كليةً، فاليهودي في كل مكان وزمان كان طفيلياً يصيب المجتمعات بالتحلل. وهم طفيليون لأسباب عرْقية ولا يمكنهم أن يغيِّروا دورهم، تماماً كما لا يمكن للمخلوقات الطفيلية التي تقتل الأجساد الحية أن تتوقف عن وظيفتها. وهم معروفون بشكل خاص بمقدرتهم على تخريب قوانين البلاد التي ينتمون إليها.

ويُلاحَظ أن كل هذه الأوصاف هي أوصاف الشعب العضوي المنبـوذ ، فما الحــل إذن؟ طرحت المجلة، الناطقة بلسان أتباع فورييه، حلاًّ صهيونياً حيث طلبت من اليهود الجلاء عن فرنسا طواعية. ولذا، توجهت بنداء إلى اليهود: "أيها اليهود! إلى أعالي سيناء، حيث أرسل الإله بالوصايا العشر التي تخرقونها دائماً، إلى موسـى والإلـه الذي تركتمـوه بسـبب حبكم الشديد للذهب... اعبروا البحر الأحمر مرة أخرى، ولتنزلوا إلى الصحراء مرة أخرى، إلى أرض الميعاد التي تنتظركم، الأرض الوحيدة التي تناسبكم، أيها الشعب الشرير الوقح الخائن، اذهبوا إلى هناك". وهذا هو الحل الاستعماري الصهيوني، إرسال كل مشاكل أوربا إلى الشرق.

ومن الطريف أنه برغم صهيونية مثل هذه الحلول التي طُرحت عام 1899 بعد عقد المؤتمر الصهيوني الأول، فإن المجلة لم تُعط أية أهمية للحركة الصهيونية أو المنظمةالصهيونية. بل إنه حينما نشر أحد أتباع فورييه ويُدعى فيرييه كتيبه المسألة اليهودية (1902)، فإنه يقدِّم رؤية إيجابية للحركة الصهيونية ويفرق بين يهود الغربالمندمجين الذين سيبقون في أوطانهم ويهود شرق أوربا (أي يهود اليديشية) الذين يجب تهجيرهم إلى وطن قومي خارج فلسطين لأنها ـ حسب تصوُّره ـ غير مناسبة. ورد عليه ألايزا قائلاً إنه يؤيد الحل الصهيوني الذي طرحه تيودور هرتزل من ناحية المبدأ، ويحب أن يرى اليهود في وطنهم وأن هذا سيحقق مصلحتهم، وأكثر من هذا فإنه سيحقق مصلحة فرنسا ذاتها! ولكنه عبَّر عن شكه في إمكانية تحقُّق هذا الحلم بسبب طبيعة اليهود الهامشية.

وقد أصبح ارتباط اليهود بالرأسمالية وكبار المموِّلين موضوعاً أساسياً متواتراً في الفكر الغربي امتزج بالأطروحة العرْقية التي تنظر إلى اليهود بوصفهم ساميين (مقابل الآريين). ويُلاحَظ أن مقولة «الآريين» انفصلت بالتدريج عن مقولة «الهيلينيين»، وبالتالي فقدت بعدها الثقافي واكتسبت بعداً عرْقياً فاقعاً. ولذا، نجد أن بعض الكتاب يقرنون بين التاجر اليهودي والتاجر اليوناني باعتبارهما من التجار الوسطاء.

وتبلور كتابات يوجين دوهرنج ( 1833 ـ 1921) هذه الاتجاهات كافة، فكتابه الحالة اليهودية كمسألة عرْقية وأخلاقية وحضارية ينسب النزعة الليبرالية في الاقتصاد السياسي (أي الرأسمالية والديموقراطية) إلى اليهود الذين يتهمهم باستغلال مبدأ الاقتصاد الحر وتسخيره في خدمة الاحتكار اليهودي الذي يحاول استعباد كل الناس. ورغم أن اليهود يلعبون دوراً طبقياً، فإنهم يُشكِّلون عرْقاً وضيعاً لا مثيل له. واتجاه اليهود نحو التجارة يعود إلى أن جمجمة الإنسان اليهودي ليست جمجمة إنسان مفكر فهي ملأى على الدوام بالربا والشئون التجارية. فاليهود، إذن، فئة تجارية نظراً لأن خصائصهم العرْقية تجعلهم ينزعون نحو التجارة، وهم يحققون ترابُطاً غير عادي بسبب شعائرهم القديمة التي لم يطرحوها جانباً تماماً. وتهمة الدم، بحسب رأي دوهرنج، ذات أساس علمي، فهي تعود إلى التضحيات البشرية التي كان اليهود يقدمونها. وقد استمرت هذه التضحيات بسبب رغبة قيادات اليهود في أن تجعل كل فرد في الجماعة اليهودية متورطاً في جريمة قتل الأطفال المسيحيين.

وحل المسألة اليهودية بالنسبة لدوهرنج هو أيضاً خليط عرْقي اشتراكي علمي، فهو ينادي باعتماد سياسة الاكتفاء الذاتي وبالاقتصاد الموجَّه وبنوع من الاشتراكية المقيدةوبالحفاظ على الشرف العرْقي الذي يستدعي إنقاذ جميع الدوائر العامة وعالم المال والأعمال من تسلُّط اليهود وسيطرتهم. وبهذا، فإن دوهرنج قد وحَّد بين الرأسماليينبوصفهم تشكيلاً اقتصادياً واليهود بوصفهم عرْقاً وقرن بينهم. ولهذا، فهو يرفض الحل الصهيوني لأن الصهيونية ستدعم قوة اليهود العالمية، ويجد أن الحل الأسمى للمسألةاليهودية هو القتل والطرد. ومن هذا المنظور، فإن مفكراً اشتراكياً مثل ماركس، في رأي دوهرنج، هو الشر المجسد بسبب نظرياته الشيوعية وعرْقه اليهودي، فقد استقى كل نسقه الفكري من القانون الموسوي رغم أنه قد تم تعميده. وقد ظهرت الأطروحة مرة أخرى في كتابات ورنر سومبارت عن علاقة الرأسمالية باليهودية ووصلت إلى ذروتها في الفكر النازي.

وينبغي ألا نتصوَّر أن هذه الرؤية المعادية لليهود مقصورة على المفكرين غير اليهود وحدهم، ففرديناند لاسال (1825 ـ 1864) المفكر الألماني الاشتراكي اليهودي كانت له آراء شبيهة. فقد أكد تنصُّله من اليهودية لأنه يبغض اليهود، إذ لا يرى فيهم سوى سلالة منحلة لماض عظيم ولَّى. وبعد قرون طويلة من العبودية، اكتسب هؤلاء الرجال سمات العبيد. ويجب ذكر أنه كان يوجد عديد من المفكرين، من الاشتراكيين اليهود، لم يهتموا باليهود واليهودية، وإنما افترضوا أن المساواة داخل المجتمع الاشتراكي ستحل المشاكل كافة.

وقد يكون من المفيد ذكر أن ماكس فيبر يستخدم أيضاً منظوراً دينياً لتحليل إشكالية ظهور الرأسمالية في الحضارة الغربية، ولكنه طرح فكرة الرأسمالية الرشيدة مقابل الرأسمالية المنبوذة. وقد وجد أن الرأسمالية الرشيدة مرتبطة بالكالفنية في حين ترتبط الرأسمالية المنبوذة باليهود، وبالتالي فإن اليهود من هذا المنظور غير مسئولين عن ظهور الرأسمالية. (انظر الباب المعنون «الرأسمالية والجماعات اليهودية»).

الصفحة التالية ß إضغط هنا