الترجمة العلمية

الخاتمة

يشهد التعليم الجامعي في الكثير من اقطار العالم

تغييرات جوهرية في توجهاته، وفي بنيته الأساسية بسبب

تحديات العولمة وما يسمى بالنظام الدولي الجديد . وتسعى

الدول الكبرى بوسائلها المختلفة الى نشر الثقافة الغربية

ومقوماتها الحضارية الى حد الإستهانة بثقافات وحضارات

الأمم الاخرى.

ولأن اللغة أهم سمات الهوية القومية لأي بلد من

البلدان ، لذا عمدت الدول الكبرى الى تشويه لغتنا العربية

وإظهار هذه اللغة بمظهر العجز وعدم القدرة على تلبية

متطلبات النهوض العلمي خلافًا للحق والحقيقة، ومن هنا تبرز

أهمية الحفاظ على سلامة اللغة العربية وتطويرها لإستيعاب

جميع مفردات التطور العلمي والتقني، والعمل بكل الوسائل

43

على اعتمادها لغة للعلم والأدب وكل فنون المعرفة ،

ومحاربة كل التيارات والدعوات التي تقلل من شأنها .

ولا يمكن تحقيق ذلك ما لم تشهد جامعاتنا ومؤسساتنا

التعليمية نهوضًا حقيقيًا في مجالات تعريب العلوم والمعارف

المختلفة، ذلك إن الجامعات تمثل أهم أدوات التغيير في

عصرنا الراهن، والحفاظ على الهوية الوطنية والقومية ،

والقضاء على التبعية الثقافية لأي بلد من البلدان . ولا شك ان

عملية ضخمة كالتعريب تتطلب أن تتظافر كل الجهود الخيرة

لإنجاحها وتذليل معوقاتها بأذن الله .

44

المصادر

1. وقائع مؤتمر تعريب التعليم العالي في الوطن العربي.

وزارة التعليم العالي والبحث العلمي المديرية العامة لمركز

. التعريب / 1978

2. جريو ، داخل حسن .

بعض مواصفات وسبل اعداد المترجم العلمي .

مجلة المجمع العلمي ، الجزء الثالث ، المجلد السابع والسبعون

.2000

45

الفصل الثاني

واقع تعريب العلوم الهندسية

في جامعات العراق وآفاقه

مجلة التعريب ، العدد العاشر، المركز العربي للتعريب والترجمة

. والتأليف والنشر، دمشق ، 1995

46

47

تأريخ التعليم الهندسي

يعود تاريخ التعليم الهندسي في العراق إلى عام 1921

اذ أسست أول مدرسة للهندسة حينذاك بإسم كلية الري

التدريبية، وكان عدد الطلبة المنتمين إليها ثمانية طلاب فقط، ثم

بلغ العدد عشرين طالبًا في سنة 1922 . وفي عام 1924

تخرجت أول دفعة من المدرسة، وعين أكثر خريجيها في

دوائر الري والمساحة. وفي سنة 1926 أصبحت المدرسة

مرتبطة بوزارة المعارف، بعد أن كانت مرتبطة بوزارة

المواصلات والأشغال، وارتفع مستواها وصارت لا تقبل إلا

خريجي المدارس المتوسطة .

وفي سنة 1932 ألغيت المدرسة لأسباب تربوية ومالية،

وقد أُعيد فتحها سنة 1935 من قبل وزارة المواصلات

والأشغال، وقبل فيها أربعون طالبًا وجعلت مدة الدراسة فيها

ثلاث سنوات . وفي سنة 1942 قررت وزارة المواصلات

والأشغال تحويل المدرسة إلى كلية للهندسة وحصر قبولها

بخريجي المدارس الثانوية وجعلت الدراسة فيها أربع سنوات .

وفي سنة 1946 أُلحقت الكلية بوزارة المعارف، وفي سنة

1958 أُلحقت بجامعة بغداد.

48

وانشئت في عام 1961 كلية حديثة للهندسة التطبيقية بإسم

المعهد الصناعي العالي ، وأُسست كلية الهندسة في الموصل

عام 1963 ، وكلية الهندسة في البصرة عام 1964 ، كما

أُسست كلية الهندسة في جامعة صلاح الدين عام 1968 .وفي

أوائل الستينيات أُنشئت كلية بمعونة من منظمة اليونسكو بإسم

كلية الهندسة التكنولوجية، لتصبح فيما بعد نواة الجامعة

التكنولوجية التي أُسست عام 1975 ، ومنذ ذلك الحين والتعليم

الهندسي في العراق يشهد تطورًا  مطَّردا.

1987 أنشئت كلية الهندسة / وفي العام الدراسي 1986

في الجامعة المستنصرية ببغداد ، وفي العام الدراسي

1989/1988 أُنشئت ثلاث كليات هندسية في كل من جامعات

بابل وتكريت والانبار ، وأنشئت كلية رابعة في العام الدراسي

1993/1992 في جامعة الكوفة . ترتبط جميع كليات الهندسة

المذكورة اعلاه بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي.

هناك كليات هندسية أخرى ترتبط بجهات أخرى، هي

1989 وترتبط / كلية الهندسة التي أُنشئت في العام الدراسي 88

بجامعة النهرين المرتبطة بديوان رئاسة الجمهورية ، والكلية

49

الهندسية العسكرية المرتبطة بوزارة الدفاع، وأكاديمية الخليج

العربي للدراسات البحرية العائدة إلى وزارة الدفاع.

وبذلك نرى أن عدد كليات الهندسة حاليًا في العراق هو

13 ) كلية موزعة في انحاء القطر المختلفة ، يدرس فيها )

، 1994/ 27413 ) طالبًا وطالبة في العام الدراسي 1993 )

ويشرف على تدريسهم ( 849 ) عضو هيئة تدريسية ، هذا

إضافة إلى الجامعة التكنولوجية التي تضم عشرة أقسام علمية

ثمانية منها اقسام هندسية يدرس فيها نحو ( 8000 ) طالبًا

وطالبة يشرف على تدريسهم ( 450 ) عضو هيئة تدريسية.

وفي العراق هناك كذلك ( 30 ) معهدًا تقنيًا موزعة في أنحاء

القطر المختلفة وذلك لإعداد الملاكات التقنية الوسطى في

جميع التخصصات الهندسية والتقنية.

كما تم إستحداث ثلاث كليات تقنية في بغداد والموصل

1994 لتخريج مهندسين / والبصرة في العام الدراسي 1993

تطبيقيين بعد دراسة عملية ونظرية أمدها اربع سنوات،

ومنحهم شهادة بكالوريوس هندسية.

50

يبلغ عدد طلبة الكليات التقنية ( 500 ) طالبً وطالبة للعام

1995 ، ويبلغ عدد طلبة المعاهد التقنية / الدراسي 1994

1994 . ترتبط / 27389 ) طالبًا وطالبة للعام الدراسي 1993 )

جميع هذه المعاهد والكليات التقنية بهيئة تعرف باسم هيئة

المعاهد الفنية التي أُنشئت في العام 1972 ، وهي ترتبط ايضًا

بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي.

يمنح خريجو هذه المعاهد شهادة الدبلوم الفني التي أمد

دراستها سنتان بعد الدراسة الثانوية ، على حين تمنح كليات

الهندسة شهتدة بكالوريوس علوم في الهندسية التي امد دراستها

اربع سنوات بعد الدراسة الثانوية. تستهدف خطط وزارة

التعليم العالي والبحث العلمي تخريج مهندس واحد مقابل ثلاثة

تقنيين مقابل ( 30 ) عام لا ماهرًا.

واقع التعليم الهندسي

لا يختلف التعليم الهندسي في العراق عن مثيله في

معظم الأقطار العربية من حيث الشكل أو المضمون، إذ ما

زال يعتمد النظم والمناهج الدراسية المعتمدة في اقطار اوربا

الغربية بعامة، وفي بريطانيا والولايات المتحدة الامريكية

51

بخاصة. وما زالت اللغة الانكليزية هي اللغة السائدة في التعليم

الهندسي على الرغم من أن تعليمات وقوانين التعليم العالي

تنص صراحة على أن اللغة العربية هي لغة التعليم الرسمي.

ويكاد يكون التعليم الهندسي نسخة طبق الاصل لما هو عليه

الحال في الجامعات البريطانية والأمريكية اذ تدرس المواد

الدراسية نفسها من قبل أعضاء هيئة تدريسية تلقى معظمهم

تحصيلهم العلمي في تلك الدول. وتستخدم الكتب الدراسية

الأجنبية، وكذا الحال بالنسبة إلى الاجهزة والمعدات المخبرية

وبقية المستلزمات الدراسية ، لذلك نجد أن خريجي الكليات

الهندسية لا يعانون من أي مشكلات عند ابتعاثهم للدراسة في

الاقطار الأوربية أو الامريكية.

وبفحص مناهج الدراسات الهندسية والتقنية يمكن ملاحظة

الآتي:

-1 يغلب الطابع النظري ولاسيما في الرياضيات في

الدراسات الهندسية مقارنة بالدراسات التقنية .

-2 تهتم الدراسات التقنية بالجوانب التطبيقية بدرجة أكبر

منها في الدراسات الهندسية .

52

-3 يغلب التخصص الدقيق في الدراسات التقنية على حين

يكون التخصص العام هو السمة البارزة في

التخصصات الهندسية .

-4 تهتم الدراسات التقنية بتطوير المهارات على حين تهتم

الدراسات الهندسية بتطوير المفاهيم الهندسية .

-5 تهتم الدراسات الهندسية بمبادىء التصاميم الهندسية

العامة ، على حين تعتمد الدراسات التقنية التصاميم

الشائعة الاستعمال في الصناعة لأغراض التعليم

التقني.

تبذل الكليات الهندسيةالعراقية جهودا حثيثة للارتقاء بالتعليم

الهندسي والتقني كمًا " ونوعا " لارتباطه بحركة المجتمع

وتطوره وتلبية متطلباته اذ تسعى هذه الكليات الى إعداد

المهندس الخريج القادر على متابعة التطور العلمي والتقني في

حقل اختصاصه في المرحلة الاولى من عمله ، وان يكون

جزءًا من هذا التطور بإضافاته وإبداعاته في المرحلة اللاحقة

بعد تمكنه من مهنته الهندسية ، ولا يمكن تحقيق ذلك الا من

خلال نظام تعليمي هندسي رصين ومتميز، يواكب روح

العصر، ويلبي متطلبات التنمية السريعة، ويوافق الامكانات

والموارد المتاحة، ويراعي الأبعاد الإنسانية والإجتماعية

53

والإقتصادية للمهنة الهندسية التي تتطلب أن يكون المهندس ذا

نظرة إنسانية وسياسية وذا خبرة بالمجتمع الذي يمارس

مهنته فيه .

فمطلوب منا إذن إعداد تعليم هندسي راقٍ يهدف إلى

الامتياز والجودة والتفوق واعداد الشخصية الهندسية المتكاملة

والمتوازنة فكرًا وعلمًا وخلقًا ، والمتفهمة لحاجات المجتمع،

والمدركة لطموحات الأمة ونزوعها إلى التقدم والرقي كي

تتبوأ مكانها اللائق بين أمم الأرض كافة، فتكون أمة علم وأمة

حضارة ، ذلك أن بلاد وادي الرافدين وبلاد وادي النيل َليسا

هما مهدًا للحضارة وحسب، بل هما أيضًا مهد الهندسة والتقنية

إذ حقق قدماء العراقيين وقدماء المصريين إنجازات هندسية

وتقنية رائعة قبل أكثر من ستة الآف سنة.

وقد تمثلت هذه الانجازات بمشاريع الري وتشييد المباني

والجسور وشق الطرق وتعبيدها وبناء الأهرامات واستصلاح

الأراضي. وهذه الانجازات جميعها تعد نماذج ممتازة للمهارة

الهندسية ودقة الحسابات وحسن التنفيذ.

54

كما شهدت البلاد العربية في العصور الإسلامية المختلفة

نهضة علمية مهمة تمثلت بتطور علوم الكيمياء والبصريات

وإنشاء معامل الورق والسكر والصابون والعطور. وقد

أصبحت هذه العلوم جزءًا من حضارة ذلك العصر.

فحري بنا ونحن نشهد التطور السريع لمختلف العلوم

والمعارف وتسابق الدول على امتلاك ناصية العلم وحلقات

التقنية المتقدمة وتوظيفها لتحقيق أغراضها ومآربها ، أن نسعى

وبكل الوسائل إلى تأصيل العلوم واستنبات التقنية في موطنها

وبيئتها العربية ونشرها بلغتنا العربية ... لغة العلم والحضارة،

والتخلص نهائيًا من حالة الاغتراب التي تشد علماءنا وباحثينا

ومفكرينا إلى بلاد غير بلادهم ، والدراسة والتدريس بغير

لغتهم الأمر الذي يتطلب منا حتمًا إعادة نظر جادة بمناهج

التعليم الهندسي والتقني ونظم دراسته وطرائق تدريسه من

منظور قومي ورؤية عربية بإتجاه خلق مدرسة هندسية عربية

قلبًا وقالبًا تسهم في الحضارة الانسانية بإسهامات مبدعيها

وعلمائها ومهندسيها من خلال إنجازاتهم ونتاجاتهم العلمية،

وبذلك نعيد لأمتنا مكانتها الإعتبارية التي تستحقها بين أمم

الأرض ، لا أن نعيش مستهلكين لإِنجازات غيرنا ونتاجاتهم،

55

ذلك أن الحضارة نتاج إنساني مشترك قوامه العلوم والثقافة

والتقنية في عالم اليوم كما في عالم الأمس.

تعريب التعليم الهندسي

يعود تاريخ تعريب التعليم الجامعي في العراق بعامة،

وتعريب التعليم الهندسي والتقني بخاصة، إلى العام 1976 اذ

ألزم مجلس التعليم العالي والبحث العلمي جامعات العراق

ومؤسسات التعليم بالبدء بتعريب التعليم العالي في الصفوف

الجامعية الأولى بصورة تامة ابتداءً من العام الدارسي

1978/1977 بإستثناء مادة دراسية واحدة تدرس باللغة

الانكليزية على أن يطبق ذلك على الصفوف الثانية في السنة

التالية وهكذا حتى يشمل جميع الصفوف.

ولغرض تنظيم عمليات التعريب هذه تم تأليف لجنة وطنية

عليا برئاسة وزير التعليم العالي والبحث العلمي وعضوية

رؤساء الجامعات وممثل عن المجمع العلمي العراقي وممثل

عن مجلس البحث العلمي لوضع الأسس العامة لتعريب التعليم

الجامعي وتأليف اللجان الاختصاصية.

56

أما فيما يتعلق بالقطاع الهندسي والتقني فقد تألفت لجنة قطرية

من كبار أساتذة كليات الهندسة وأقسام الجامعات التكنولوجية

لأختيار الكتب العلمية المراد تأليفها/ ترجمتها من قبل كليات

الهندسة واقسام الجامعة التكنولوجية، وكذلك اختيار اعضاء

الهيئة التدريسية المناسبين لتأليفها او لترجمتها. وقد  عهد بمهمة

تأليف الكتب العلمية باللغة العربية او ترجمتها، إلى الهيئة

العلمية المؤلفة من عمداء كليات الهندسة ورؤوساء الأقسام

العلمية في الجامعات التكنولوجية.

كما أسس في ديوان وزارة التعليم العالي والبحث العلمي

مركز خاص بالتعريب بإسم مركز التعريب. يتولى هذا المركز

التخطيط لعملية التعريب، وإعداد الدراسات وإختيار كتب

الترجمة والكتب المنهجية ونشر المصطلحات العلمية المعتمدة

من قبل المجامع اللغوية العربية للنهوض بتعريب التعليم

العالي ، وقد أسهم مركز التعريب بإقامة أول مؤتمر لتعريب

التعليم العالي في الوطن العربي عقد في بغداد للفترة بين آذار

وغاية السابع منه عام 1978 ، وشارك فيه نخبة من علماء

وأساتذة الجامعات العربية والمجامع اللغوية العربية وممثلون

عن المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم التابعة لجامعة

57

الدول العربية والمدير العام للمنظمة العالمية للتربية والعلوم

والثقافة (اليونسكو) .

وقد باشرت جميع هذه الهيئات واللجان عملها في اختيار الكتب

المراد تعريبها تأليفًا أو ترجمة عبر آلية واضحة ومحددة بدءًا

من اختيار الكتب وتوفير المعاجم ومرورًا بتكليف المؤلفين/

المترجمين والخبراء العلميين تقويم الكتب المؤلفة / المترجمة

من الناحية العلمية، والمقومين اللغويين مراجعتها لغويًا

والتوثق من استيفائها لشروط السلامة اللغوية، وانتهاء بإحالتها

إلى المطابع وتوزيعها على الجامعات.

وعملية كبيرة كهذه تتطلب تضافر جهود جهات عديدة وحركة

سريعة ودؤوبة ومرونة عالية في العمل بعيدًا عن الرتابة

والتعقيد في الاجراءات من اجل إنجاز عملية التعريب التي

تتطلب توفير الكتب المنهجية والكتب المساعدة وكتب المصادر

والمراجع والمصطلحات ، وكذلك إعداد الملاكات التدريسية

المؤمنة بعملية التعريب والقادرة على تنفيذه بكفاية عالية. لذا

ارُتئي اعتماد سياسة اللامركزية في التعريب إذ إلغيت جميع

هيئات التعريب واللجان الاختصاصية في اوائل عقد

الثمانينيات ، وانيطت مهامها بالجامعات مباشرة على أن تنسق

58

الجامعات وتتبادل المعلومات فيما بينها منعًا لبعثرة جهودها

وتكرار ترجمة الكتب نفسها.

وقد أَلفت في الجامعات لجان باسم لجان التعريب تتولى

الاشراف على عملية تأليف الكتب باللغة العربية أو ترجمتها

وفق تعليمات مركزية وضعتها وزارة التعليم العالي والبحث

العلمي تعرف باسم تعليمات تعضيد البحث العلمي وتأليف

الكتب العلمية وترجمتها.

تقوم مجالس الأقسام العلمية ومجالس الكليات بإِختبار الكتب

المراد تأليفها وترجمتها تبعًا للمناهج الدراسية المعتمدة واختيار

أعضاء الهيئة التدريسية لتأليفها أو ترجمتها بعد موافقة مجلس

الكلية المعني بذلك ولجنة التعريب وتصديق رئاسة الجامعة

بالتعريب وفق صيغة تعاقدية واضحة ُتحدد فيها التزامات

الطرفين وانجاز الكتاب وفق مدة زمنية معينة ، ويلتزم عضو

الهيئة التدريسية بانجاز الكتاب طبقًا للمنهج المقرر

وبالمواصفات المحددة بعد خضوعه للتقويم العلمي واللغوي ،

وتلتزم الجامعة بطبع الكتاب على نفقتها وتسويقه لحسابها

وامتلاك حقوق الطبع والنشر لعدة سنوات مقابل صرف

مكافآت مجزية للمؤلف أو المترجم.

59

ويمكن عضو الهيئة التدريسية الاستفادة من الكتاب المؤلف أو

المترجم لغرض الترقية العلمية كجزء من نتاجه العلمي بهدف

تشجيع عملية التعريب. وقد الزمت التعليمات أن يتم التدريس

باللغة العربية حتمًا ، كما ألزمت تعليمات الدراسات العليا كتابة

رسائل الدبلوم العالي والماجستير والدكتوراه باللغة العربية إلا

في الحالات الاستثنائية التي يصعب فيها الحصول على

المصادر والمراجع باللغة العربية ، عندها يلزم الحصول على

موافقة مجلس الكلية على كتابة الرسائل باللغة الانكليزية.

وقد شهد تعريب التعليم الهندسي منذ ذلك الحين تقدمًا كبيرًا

حيث تم تأليف العشرات من الكتب الهندسية والتقنية أو

ترجمتها، واصبح التدريس باللغة العربية مقبو لا ومألوفًا لدى

اعضاء الهيئة التدريسية والطلبة على السواء. إلا أن هذه

العملية بدأت تشهد في السنوات الأخيرة حالة انحسار شديد

وعزوف من قبل أعضاء الهيئة التدريسية والطلبة على السواء

تحت ذريعة المساس بالمستوى العلمي وعدم القدرة على

مواكبة التطور العلمي والتقني وتجديد العلوم والمعارف

المختلفة ، وقد زادت ظروف الحصار الاقتصادي الجائر

المفروض على العراق المشكلة تعقيدًا اذ لم يعد بالامكان

60

الحصول على الورق ومستلزمات الطباعة بسهولة. كما لم يعد

بالامكان الحصول على الكتب والدوريات العلمية الحديثة.

وبرغم كل هذه الصعوبات فما زالت التدريسات في كليات

الهندسة وأقسام الجامعة التكنولوجية تتم باللغة العربية في

معظم المواد الدراسية، وتعتمد كتب معربة واجنبية في آن

واحد مع بروز اتجاه وميل واضح إلى اعتماد اللغة الانكليزية

أكثر فأكثر من ذي قبل. وإذا ما استمرت الحال على هذا

المنوال فلا ريب بعودة سيادة اللغة الانكليزية في التدريسات

الهندسية والتقنية كما كانت الحال عليها سابقًا ما لم يتم

التصدي لهذه الحالة بحزم وقوة من قبل أعلى الجهات

المسؤولة عن التعليم العالي تخطيطًا وتنفيذًا ، والعمل على

خلق بيئة جامعية سليمة اللغة وأصيلة الجذور وصادقة الانتماء

إلى محيطها العربي والإسلامي والمعتدة بنفسها وانجازاتها

العلمية ، ويذكر أن قانونًا قد صدر في العراق برقم ( 64 ) لسنة

1977 باسم قانون الحفاظ على سلامة اللغة العربية { 3} ونص

في مادته الثانية على الآتي:

- على المؤسسات التعليمية في مراحل الدراسة كافة

اعتماد اللغة العربية لغة التعليم ، وعليها أن تحرص

61

على سلامتها ، لفظًا وكتابة ،وتنشئة الطلاب على حسن

التعبير والتفكير بها ، وإدراك مزاياها والاعتزاز بها.

ونصت مادته التاسعة:

يكون المجمع العلمي العراقي المرجع الوحيد في وضع

المصطلحات العلمية والتقنية وعلى الاجهزة المعنية

الرجوع إليه بشأنها.

تحتفل الجامعات والمعاهد والمدارس والوزارات

المختلفة في اليوم الخامس والعشرين من شهر تشرين

الأول من كل عام بيوم يعرف بيوم الضاد إجلا لا وتكريمًا

للغتنا العربية الجميلة.

مقومات التعريب

يتوهم من يتصور أن المقصود بالتعريب هو ترجمة

الكتب الأجنبية إلى اللغة العربية أو التدريس باللغة العربية

فحسب، بل هو في حقيقة الأمر أوسع وأعمق من عملية

الترجمة كثيرًا إذ إن مفهوم التعريب يعني أنه أداة التعبير

عن الأفكار العلمية والقضايا التقنية بلغة عربية عصرية

62

سليمة، وأنه الوسيلة لنشر العلوم والمعارف المختلفة بين

الناس بلغة عربية سلسة مفهومة من قبلهم بيسر وسهولة .

كما أنه يعني القدرة على نقل النتاج العلمي والمعرفي

العربي إلى شعوب وامم أخرى بلغاتها القومية للإسهام في

الثقافة والحضارة الانسانية ، ذلك أن العلوم والثقافة هي

نتاج إنساني تسهم فيها شعوب العالم المختلفة بحسب

امكاناتها ودرجة تطورها ، وامتنا العربية برغم ما تعاني

من مشاكل وصعوبات وتواجه من تحديات وانقسامات حادة

في الوقت الحاضر ، فهي تضم علماء ومفكرين ومبدعين

في شتى التخصصات العلمية والتقنية ممن لهم باع طويل

ونتاج علمي غزير ينبغي لنا تعريف العالم بهم وبنتاجهم

العلمي واسهاماتهم في الفكر الانساني الخلاق اسوة بأقرانهم

في دول العالم الأخرى.

وخلاصة القول أن عملية التعريب تعني إنشاء مدارس

علمية وفكرية عربية الوجدان والضمير واللغة والانتماء

والتعبير عن حاجات الأمة وتطلعها المشروع إلى التقدم

والازدهار.

63

تبدأ عملية التعريب أو لا بترجمة أمهات الكتب العلمية

والتقنية الأجنبية ، ويتطلب ذلك تهيئة مستلزمات الترجمة

بدءًا بإعداد مترجمين اكفياء يجيدون اللغة العربية ولغة

اجنبية واحدة على الأقل، ويفضل أن يكونوا قد تلقوا

تعليمهم في أحد البلدان المتقدمة واطلعوا عن كثب على

واقع الحركة العلمية والتقنية فيها وعايشوا أجواء لغتها،

وحيث إن العلوم الهندسية والتقنية تشهد تدفقًا معرفيًا

هائ لا في شتى التخصصات ، ولغرض مواكبة هذا التدفق

لابد من اعتماد وسائل ترجمة آلية حديثة كما هو سائد في

البلدان الأخرى التي سبقتنا في هذا المضمار ، والاستفادة

من تجاربها الرائدة ، أي لابد باختصار من اعتماد الترجمة

الآلية الفورية ويتطلب هذا توفير التخصيصات المالية

اللازمة لذلك . وهنا لابد أن تتضافر جهود أكثر من قطر

عربي واحد لتخفيف ضغط الأعباء المالية ولتعميم الفائدة

عليها جميعًا، وبعدها يتم إنشاء هيئات وطنية من كبار

الاساتذة الجامعيين ورجال الفكر لأنتقاء الكتب العلمية

والتقنية المراد ترجمتها سنويًا وفق خطط علمية وبرامج

تنفيذية دقيقة ، ومراجعة هذه الخطط بين الحين والآخر

للتوثق من حسن سير تنفيذها.

64

ونظرًا لما للكتاب الجامعي من أثر كبير على الطالب

علميًا ونفسيًا ينبغي ايلاؤه عناية خاصة بالنسبة للشكل

والمضمون. أي أن يكون الكتاب الجامعي رصينًا بمادته

العلمية وانيقًا بشكله ومواكبًا لأحدث التطورات العلمية

والتقنية. وان تكون لغته العلمية واضحة ومفهومة وخالية

من التعقيدات والمماحكات اللغوية إلى ابعد الحدود.

وبتطوّر عملية الترجمة يمكن الانتقال وفق خطط

مدروسة بعناية إلى تأليف الكتب الهندسية والتقنية بعد بناء

القاعدة العلمية والتقنية الصلبة كيما تكون انطلاقة التأليف

العربية قوية راسخة الجذور لضمان الرصانة العلمية

للكتاب الهندسي والتقني بحيث لا يقل مستواه إن لم يكن

إفضل من الكتب الاجنبية.

وبعدها تستمر الترجمة من اللغة العربية وإليها

والتأليف جنبًا إلى جنب بحيث نصبح مساهمين فاعلين في

النتاج العلمي الانساني لا مستهلكين له فقط. وهكذا كان

حال امتنا العربية المجيدة في عصورها الذهبية اذ قامت

بنقل علوم الفرس واليونان وغيرهم إلى لغتنا العربية أو لا ،

ثم نهضت بعدها بتأليف كتبها العربية في الطب والفلك

65

والبصريات والكيمياء وغيرها لتعكس التطور العلمي،

ولتعبر عن اسهامها الفاعل في الحضارة الإنسانية ، وكذا

الحال بالنسبة لأوربا في بداية عصر نهضتها اذ قامت بنقل

علوم العرب وأمم أخرى.

ومسألة آخرى لابد أن يوليها المسؤولون عن التعريب

الهندسي والتقني هي مسألة اختيار المصطلحات العلمية

والتقنية السهلة والمقومة من قبل أكبر عدد من

المختصصين قدر المستطاع وبالتنسيق مع المجامع اللغوية

والاستفادة من معاجمها إلى ابعد حد ممكن منعًا لبعثرة

الجهود ووصو لا إلى مفاهيم ومصطلحات عربية معتمدة في

أقطارنا العربية، وخلق لغة عربية تقنية حديثة تواكب روح

العصر وتحافظ على أصالتها في آن واحد.

وأخيرًا نقول إن التعريب لا يعني الأنغلاق على الذات

والتعصب الأعمى كما يشيع بعضهم، إنما هو على العكس

من ذلك تمامًا فهو الانفتاح والأطلاع على النتاج العلمي

والتقني بأبهى صوره وأرقى إشكاله والإسهام والتفاعل

مع هذا النتاج أخذًا وعطاءً، لذا مطلوب منا الأهتمام بتعلم

اللغات الأجنبية الحية بغية الاطلاع على علوم شعوبها

66

وحضارتها بصورة مباشرة. ولهذا الغرض نرى ضرورة

الزام الطلبة الذي يتقدمون للدراسات العليا في كليات

الهندسة النجاح بأحدى اللغات الأجنبية الحية كجزء من

متطلبات القبول ، وكذلك تدريس بعض المواد الهنديسة

على مستوى الدراسات الهندسية الأولية والعليا وكتابة

بعض الدراسات والبحوث ونشرها بإحدى اللغات الأجنبية

الحية كي نضمن اهتمام الطالب بتعلم أحدى هذه اللغات

والإلمام بها بصورة جيدة ، ففي بريطانيا على سبيل المثال

لا يقبل الطالب في الدراسة الهندسية الجامعية الأولية ما لم

يكن ناجحًا في إحدى اللغات غير الانكليزية على الرغم من

شيوع اللغة الانكليزية وانتشارها الواسع في العالم وكونها

أهم اللغات المستخدمة ، لا في العلوم الهندسية والتقنية

فحسب بل في كل شيىء تقريبًا ، وبرغم ذلك تصر

الاوساط التعليمية البريطانية على ضرورة إلمام الطالب

الجامعي بلغة اجنبية. ولا يختلف الحال عن ذلك كثيرًا في

بقية الأقطار الأوربية وأقطار امريكا الشمالية التي غالبًا ما

تتطلب جامعاتها إلمام الطالب بأحدى اللغات الألمانية أو

الفرنسية أو الروسية وربما اللغة اليابانية في السنوات

الأخيرة كشرط مسبق للقبول في الدراسات العليا إضافة إلى

لغة البلد الوطنية.

67