اللباب علل البناء والإعراب 5

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 490 ]

118 - ( ورق الحمي ) - الرجز -

أي الحمام

فصل

اللام وحدها للتعريف وقال الخليل الألف واللام للتعريف بمنزلة هل وبل

وحجَّة الأوَّلين من وجهين

أحدهما أنَّ التعريف الحاصل في الاسم يجعله غير النكرة ولذلك إذا جاء آخِرُ بيت نكرة وآخر بعده معرفة لم يكن إيطاءً ك رجل والرجل كما لو كان الثاني على غير لفظ الأوَّل بالكلِّيَّة ولا يتحقَّق ذلك إلاَّ بامتزاج الأداة بالاسم كبعض حروفه وهذا في الحرف الواحد يتحقَّق والدليلُ على أنَّهم قصدوا ذلك أنَّهم سكنوا اللام إذ كان امتزاج الساكنين أشدّ

والثاني أنَّ الألف قبل اللام همزة وصل تسقط بغيرها وإذا تحرّكت اللام سقطت في لغة جيدة كقولهم تجمرن لحمر ولو كانت من الأصل لم تسقط كهَلْ وقد

والثالثُ أنَّ التعريف ضدُّ التنكير ودليل التنكير حرف واحد هو التنوين فينبغي أن يكون دليل مقابله واحداً

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 491 ]

واحتجَّ الآخرون من وجهين

أحدُهما أنَّ الهمزة قبل اللام مفتوحة ولو كان همزة وصل لضمَّت أو كسرت وإذا لم تكن وصلاً كانت أصلاً

والثاني أنَّ الشاعر إذا اضطر إلى جعل اللام آخر بيت جاء في أوَّل الآخر بالألف واللام كقول الراجز

199 - ( دَعْ ذا وعَجِّل ذا وألْحِقْنا بذلْ ... بالشحمِ إنّا قد مَلِلْناهُ بَجَلْ ) - الرجز -

وقال آخر من

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 492 ]

120 - ( مثل سَحْق البُرْدِ عفّى بعدك القطر ... مغناه وتأويب الشمال ) - الرمل -

فجعْلُه بالألف واللام نصفَ البيت أو آخره دليلٌ على أنَّهما جميعاً كلمة

والجواب أمَّا فتح الهمزة فلكثرة وقوعها في الكلام وقد فتحت همزة ايمن وهي وصل ولم يخرجها ذلك عن زيادتها وأمَّا قطعها في الشعر فلا يدلُّ على ما ذكر لأنّا تقول إنَّ الهمزة سقطت والباقي اللامُ وحدها وإنَّما أعاد الألف مع اللام ليصحَّ سكون اللام

فصل

واللام على وجوه

أحدُها استغراقُ الجنس كقولك الرجلُ أفضلُ من المرأة أي جميع هذا الجنس خيرٌ من جميع الجنس الآخر وليس آحاده خيراً من آحاده

والثاني أن تكون لتعريف الواحد من الجنس من حيثُ هو جنس كقولك الدينار خيرٌ من الدرهم أي أيّ دينار كان فهو خيرٌ من أيّ درهم كان

والثالث أن تكون للمعهود بين المتكلِّم والمخاطب كقولك لمن تخاطبه جاء الرجل الذي عهدناه

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 493 ]

والرابع أن تكون لتعريف الحاضر كقولك هذا الرجل فأمَّا قوله تعالى ( فعصى فرعونُ الرسول ) فمن المعهود السابق لتقدُّم ذكر الرسول نكرة فعاد إليه

والخامس أن تكون بمعنى الذي نحو الضارب والقائم

والسادس أن تكون زائدة كالداخلة على الذي وسنبيّن ذلك في الموصولات وحكي عن بعض العرب قبضت الخمسة العشر الدرهم ولا يُقاس عليه

وقال الكوفيُّون الألف واللام تكون بدلاً من هاء الضمير كقولك مررت بالرجل الحسنِ الوجهُ إذا رفعت وليس بشيء إذ لو كان كذلك لجاز أن تقول مررت بزيد فكلَّمني الغلام أي غلامُه وليس بجائز ولأنَّ الهاء اسمٌ مُضْمر يعرّف بما قبله بالإضافة والألف واللام حرف يعرّف بوجه آخر فهما مختلفان من هذين الوجهين

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 494 ]

مسألة

أعرف المعارف الْمُضْمَر عند سيبويه ومن تابعه

وقال ابنُ السرّاج أسماءُ الإشارة أعرف منه ومن العَلَمِ

وقال الكوفيُّون العلم أعرفُ منهما

وحجَّة الأوَّلين أنَّ المضمر لا اشتراك فيه لتعينه بما يعود إليه ولذلك لا يوصف ويوصف به بخلاف العلم فإنه فيه اشتراك ويميز بالوصف والمبهم يوصف ويوصف به ويقع اسم الإشارة على كل حاضر ويقع فيه اشتراك حتى لو كان بحضرتك جماعة فقلت هذا من غير إقبال واحد لم يعلم المراد إلا بانضمام الإقبال إليه

واحتج ابن السراج بأن اسم الإشارة يعرف بالعين والقلب فهو أقوى وهذا ضعيف لأن ذلك راجع إلى تعرفه عند المتكلم فأما السامع فلا يعلم ما في قلب

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 495 ]

الناطق ب هذا وإنما يعرف المشار إليه بالإقبال عليه وهو شيء غير الاسم ويدل عليه أن اسم الإشارة يصفر ويثنى ويجمع ولا يفتقر إلى تقدم ذكر فهو في ذلك كالمظهر المحض

واحتج الآخرون بأن العلم لا اشتراك فيه وضعاً وإنَّما تقع الشركة فيه اتِّفاقاً والضمير يصلح لكلِّ مذكور وقد يكون المذكور قبله نكرة فيصير هو نكرة أيضاً ولذلك دخلت عليه رُبَّ في قولهم ربّه رجلاً

والجواب أمَّا العلم فيعرف بالوضع ويفتقر تعريفه إلى إعلام المسمَّى به غيرَه بأنَي سُميت هذا الشيء كذا ثمَّ تقع فيه الشركة وقد زيدت فيه الألف واللام نحو قول الشاعر من

121 - ( باعد أمَّ العمْروِ مِنْ أسيرِها ... حُرَّاس أبوابٍ عَلَى قُصُورِها ) - الرجز - يروي بالعين والغين وكلَّ ذلك لا يوجد في المضمر ثمَّ إنَّ العلم يتنكَّر كقولك

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 496 ]

مررت بزيد وزيد آخر وفي التثنية والجمع والإضافة والضمير لا يتنكَّر فأمَّا عوده إلى نكرة فلا ينكِّره لأنَّه يقطع على من عُني بالضمير فهو متعيّن

فأمَّا ربّه رجلاً فشاذّ وقد جُعلت النكرة بعده مفسّره له بمنزلة تقدُّمها عليه

فصل

في الفصل ويسمِّيه الكوفيُّون العماد وهو أنا ونحن وهو للغائب وهي ولا يفصل إلاَّ بضمائر المرفوع المنفصل على حَسَب ما قبله من المتكلِّم والمخاطب والغائب وإنَّما سمِّي فصلاً لأنَّه يجمع أنواعاً من التبيين فيؤكد الخبر للمخبر عنه ويفصل الخبر من الصفة فيعيّن ما بعده للإخبار لا للوصف ويعلم أن الخبر معرفة أو قريب من المعرفة

فصل

ولا موضع له من الإعراب وقال الكوفيُّون له موضع فعند بعضهم هو تابعٌ لما قبله وعند بعضهم حكمُه حكمُ ما بعده

والدليلُ على أنَّه لا موضع له دخولُ اللام عليه في خبر كان كقولك إنْ كنا

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 497 ]

لنحن الذاهبين وقد يقع لفظ الفصل في موضع لا يحتمل غيره كقوله تعالى ( تجدوه عند الله هو خيراً ) وجاز ذلك هنا لأنَّ أفعل منك قد يخصّص فقرب من المعرفة وفي موضع يصلح أن يكون توكيداً فيكون له موضع ويحتمل أن يكون مبتدأ وما بعده الخبر

فصل

وتقول كنت أظنُّ أنَّ العقرب أشدُّ لسعة من الزنبور فإذا هو هي

وقال الكوفيُّون فإذا هو إيّاها

وحجَّة الأوَّلين أنَّ هو مبتدأ والخبر لا يخلو إمَّا أن يكون إذا التي للمفاجأة لأنَّها مكان فيلزم أن يكون الضمير الثاني حالاً وإمَّا أن يكون الخبر الضمير الثاني وإيّا من ضمائر المنصوب لا المرفوع فإذا بطل القسمان تعيّن أن تكون هي خبر المبتدأ

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 498 ]

واحتجَّ الآخرون من وجهين

أحدُهما أنَّ جماعة من العرب شهدوا عند يحيى بن خالد حين اجتمع سيبويه والكسائي وأصحابه بقول الكوفيّيون

والثاني أنَّ التي للمفاجأة يجوز أن يرتفع ما بعدها بأنَّه مبتدأ وخبر وأن ينتصب على إضمار أجد وعلى ذلك جاءت الحكاية

وقال ثعلب هو عماد أي وجدته إيّاها

والجواب عن الحكاية من وجهين

أحدُهما أنَّ الذين اجتمعوا بباب يحيى بن خالد من العرب بذل لهم أصحاب الكسائيّ والفرّاء مالاً على أن يقولوا بما يوافق قولهم ولم يشعر بذلك الكسائيّ والفرّاء

والثاني أنَّ ذلك من شذوذ اللغة كما شذَّ فتحُ لام الجرِّ والجرُّ ب لعلَّ

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 499 ]

والجزم ب لن وغير ذلك وأمَّا النَّصْبُ بعد إذا فلا يكون إلاَّ على الحال وإيّا لا يكون حالاً ولا يصحُّ النصب ب يجد لأنَّها تفتقر إلى مفعولين وليسا في الكلام على أن تقدير ذلك لا دليل عليه ولا يصحُّ جعل هو فصلاً لأنَّ الفصل يكون بين اسمين وليسا هنا

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 500 ]

باب مالا ينصرف

قد سبق في صدر الكتاب معنى الصرف وينبغي أن يعلم أنَّ الأصل في الأسماء المعربة الصرف لأن العلَّة في الإتيان بالصرف موجودة في جميعها إلاَّ أنَّ ضرباً منها شابه الفعل من وجهين فمنع ذلك الضرب من الجرِّ والتنوين اللذين لا يدخلان الفعل

فإنْ قيل هلاَّ منع الشبه من وجه واحد قيل لا يمنع لوجهين

أحدُهما أنَّ استحقاق الاسم الصرف أصلٌ متأكّد فالشبه الواحد دون تأكُّده بالأصالة

والثاني أنَّ الانتقال عن الأصل إلى حكم الفرع يفتقر إلى دليل يرجّح عليه إذ لو تساويا لم يكن الانتقال أوْلى من البقاء والشبه الواحد لا يرجّح الأصالة وصار كالحق في الذمَّة لا يثبت إلاَّ بشاهدين لأنَّ البراءة أصل

فصل

ومعنى شبه الاسم للفعل أنْ يصير فرعاً وبيانه أنَّ الفعل فرْعٌ على الاسم من جهات

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 501 ]

إحداها أنَّه مشقٌّ من المصدر وهو اسم والمشتقُّ ثان للمشتقِّ منه

والثانية أنَّ الفعل يخبر به لا عنه والاسم يخبر به وعنه والأدنى فرع على الأعلى

والثالثة أنَّ الأفعال تحدث من مسمَّيات الأسماء والحادث متأخِّر عن المحدث وإذا ثبت هذا في الفعل فالاسم يصير فرعاً بحدوث أمر ثان لغيره ومسبوق به

وتلك الأمور تسعة وزن الفعل والتعريف والزيادة والوصف والعدل والعجمة والجمع والتركيب وكلٌّ منها مسبوقٌ بضدِّه أو خلافه

فصل

فوزن الفعل مسبوق بوزن الاسم كسَبْق الاسم للفعل

فصل

والتعريف مسبوق بالتنكير إذ هو الأصل يدلُّ على ذلك أشياء

أحدُها أنَّ النكرة أعمُّ والعامّ قبل الخاصّ لأنَّ الخاصّ يتميَّز عن العامِّ بأوصاف زائدة على الحقيقة المشتركة والزيادة فرع

والثاني أنَّ جميع الحوادث يقع عليها اسم شيء فإذا أردت اسم بعضها خصصته بالوصف أو ما قام مقامه والموصوف سابق على الوصف

والثالث أنَّ التعريف يفتقر إلى علامة لفظيَّة أو وضعيَّة والنكرة لا تحتاج إلى علامة

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 502 ]

فصل

وأمَّا التأنيث فمسبوق بالتذكير وفرع عليه لوجهين

أحدُهما أنَّ كلّ عين أو معنى فهو شيء ومعلوم ومذكور وهذه الأسماء مذكَّرة فإذا علم أنَّ مسمَّياتها مؤنَّثة وضع لها اسمٌ دالٌّ على التأنيث

والثاني أنَّ التذكير لا علامة له والتأنيث له علامة وذلك يدلُّ أنَّه فرع على التذكير

فصل

والعدل هو أن يُقام بناء مقام بناء آخر من لفظه فالمعدول عنه أصلٌ للمعدول

فصل

وأمَّا الألف والنون الزائدتان فتشبهان الألف في حمراء من أوجه

أحدها أنَّهما زيدا معاً كما أنَّ ألفي التأنيث كذلك

والثاني أنَّ بناء الألف والنون في التذكير مخالف لبنائه في التأنيث كمخالفة بناء مذكَّر حمراء لبناء مؤنَّثها فالمؤنَّث من فعلان فعلى

والثالث أنَّ تاء التأنيث لا تدخل على فعلان فعلى كما لا تدخل على حمراء

والرابع أنَّهما جاءا بعد سلامة البناء كما جاء ألفا التأنيث بعد سلامته

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 503 ]

والخامس أنَّهما اشتركا في ألف المدِّ قبل الطرف الزائد

فصل

فأمَّا عثمان وعريان إذا سمِّي فيمتنع صرفُهما للزيادة والتعريف وينصرفان في النكرة بخلاف عطشان وسكران فإنَّه لا ينصرف في النكرة أيضاً لوجهين

أحدهما أنَّ الألف والنون كألفي التأنيث فيما ذكرنا

والثاني أنَّه وصف قد اجتمع فيه سببان

فصل

فأمَّا الجمعُ ففرعٌ مسبوق بالواحد فإذا صار إلى أمثال مفاعل ومفاعيل لم ينصرف معرفة ولا نكرة وإنَّما كان كذلك لأنَّ جمعه هذا الجمع قائم مقام جمعين

أحدهما مطلق الجمع والثاني فيه وجهان

أحدُهما أنَّه لا يمكن جمعه مرَّة أخرى فكأنَّه جمع مرَّتين وصار مطلق الجمع بمنزلة أسطار جمع سطر وأساطير جمع ثان لا يجمع مرّة أخرى فهو نظير مساجد ودنانير في أنَّها لا تجمع

والثاني أنَّه جمع لا نظير له في الآحاد وعدم النظير يؤكّد فيه الجمع حتى يجعله بمنزلة ما جمع مرَّتين وليس كذلك رجال وكتب لأنَّ لهما نظيراً في الآحاد وهو كتاب وطنب وقد نقض هذا ب أكلب وأجمال فإنَّهما لا نظير لهما في الآحاد وهما مصروفان

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 504 ]

وقد أجبت عنه بأنَّ الفرق بين أكلب وأجمال وبين الآحاد حركة فقط وذلك أنَّ أكلباً مضموم اللام وفي الآحاد كثير على أَفْعَل نحو أحمر وأفكل وليس بينهما إلاَّ اختلاف حركة وكذلك أجْمال مثل إجمال إلاَّ في الفتحة والكسرة وذلك اختلاف يسير بخلاف هذا الجمع فإنَّه يخالف الواحد في الحروف والحركات

فإنْ قيل فما الحكم في سراويل وشراحيل وحضاجر قيل أمَّا سراويل فقيل هو أعجميٌّ مفرد فينصرف في النكرة ولا ينقض ما أصَّلنا لأنَّ المراد ما لا نظير له في الآحاد العربيَّة وقيل هو جمع سروالة فعلى هذا لا ينصرف معرفة ولا نكرة

وأمَّا شراحيل فجمع يسمى به الواحد

وأما حضاجر فواحدتها حِضَجْر قال الشاعر

122 - ( حضجر كأمّ التوأمينِ توكّأت ... على مرفقيها مستهلَّة عاشر )

وسُمِّي الواحد بالجمع

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 505 ]

فصل

وأمَّا العجمة ففرع على العربية لأنَّها طارئة عندهم بأوضاعهم

فصل

وأمَّا التركيب ففرع على الإفراد لأنَّه ضَمٌّ مفرد إلى مفرد على قصد جعلهما اسماً لشيء واحد وإذا تقررت الفرعيَّة للاسم من هذه الوجوه ظهرت مشابهته للفعل من جهة الفرعيَّة

ويترتَّب على هذه الأصول مسائل

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 506 ]

باب مسائل المنع من الصرف

مسألة

وزن الفعل المانع من الصرف هو ما يختصُّ بالفعل ويغلب عليه نحو أحمد وأعْصُر لأنَّ أَفْعَل وأَفْعُل في الأفعال أكثر منه في الأسٍماء فأمَّا فُعِل فمن المختصّ بالأفعال والدُّئِل اسم لدويّبة تشبه الهرَّة وهو في الأصل فعل نقل فسُمِّي به على أنَّ جماعة لا يثبتونه وقيل هو مغيّر

وأمَّا ما يوجد من الأوزان في الاسم والفعل كثيراً فمصروف لأنَّ الفرعيَّة لم تثبت فيه إذ ليس تغليب حكم الأفعال فيه أولى من العكس بخلاف المختصّ والغالب فإن كثرته في الأفعال وعدمه وقلَّته في الأسٍماء توجب جعله كالمستعار في الأسماء فمن ذلك فَعَّل لم يأتِ منه في الأسماء إلاَّ خَضَّم وبذَّر وعثَّر مواضع

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 507 ]

وشلَّم وهو بيت المقدس وبقّم وهو صبغ معروف وقيل ليس بعربيّ فإنْ سمِّيت به شيئاً لم تصرفه لما ذكرنا

مسألة

فإنْ سمِّيت بوزن الفعل وفي أوَّله همزة وصل قطعت الهمزة وأبقيتها على حركتها لأنَّ القطع حكم الأسماء وإن كانت فيه تاء التأنيث نحو ضَرَبتْ أبدلت منها في الوقف هاء لأنَّها تحرَّكت بعد التسمية فصارت كتاء التأنيث الداخلة على الاسم

مسألة

فإنْ سمِّيت ب قيل وبيع صرفت لأن هذا الوزن يكثر في الأسماء ولم ينقل إلى أصله الذي هو فعل لأنَّه رفض وصار كأنَّه أصْلٌ

مسألة

فإنْ سمِّيْت بالفعل وفيه ضمير الفاعل حكيته ولم تعربه لأنَّه جملة

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 508 ]

فلا يكون لها حرف إعراب فمن ذلك تأبَّط شرّاً وذرَّى حبّاً وشاب قرناها وبرق نحره كلّ هذه أسماء رجال

مسألة

إذا كان الاسم على ثلاثة أحرف ساكن الأوسط معرفة نحو هنْد ودعْد فالأجود ترك صرفه وقال الأخفش لا ينصرف

وحجَّة الأوَّلين السماعُ والقياس فالسماع قول الشاعر من

123 - ( لم تتلفَّعْ بفضلٍ مِئْزرها ... دعْدٌ ولم تُغْذَ دعْدُ في العُلَبِ ) - المنسرح

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 509 ]

فصرف الأوَّل وأمَّا القياس فهو أنَّه أخفُّ الأسماء إذْ كان أقلّ الأصول عدداً وحركةً فعادلت خفَّته أحد السببين

واحتجَّ الآخرون بوجود السببين ولا عبرة بالخفَّة لأنَّ موانع الصرف أشباه معنويَّة فلا معارضة بينها وبين اللفظ

مسألة

فإنْ سمِّيت مؤنَّثاً بمذكَّر ساكنِ الأوسط نحو عمْرو لم تصرفه لأنَّه نَقْلُ الأصل إلى الفرع فازداد الثقل بذلك فعادلت الخفَّة أحد الفروع فبقي فرعان

مسألة

فإنْ تحرَّك الأوسط لم تصرفه معرفة ك سقر لأن حركة الأوسط كالحرف الرابع لأمرين

أحدُهما أنَّ الحركة زائدة على أقلِّ الأصول فصار الاسم بها كالرباعيّ

والثاني أنَّها في النسب كالحرف الخامس ألا ترى أنَّك لو نسبت إلى جَمزَى لقلت جمزيّ فحذفت الألف كما تحذفها في الخماسيّ نحو المرتمي ولو كان

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 510 ]

الأوسط ساكناً لجاز إثبات الألف وحذفها كالنسب إلى حبلى يجوز حبليٌّ وحبلويّ

مسألة

فإنْ سمِّيت المذكَّر بمؤنَّث ثلاثيّ نحو هند وقدم صرفته معرفة ونكرة لأنَّك نقلت فرعاً إلى أصْل أزال معنى الفرع وهو التأنيث فخفَّ لذلك

مسألة

فإنْ كان المؤنَّث أربعة أحرف فصاعداً وسمِّيت به مذكَّراً أو مؤنَّثاً لم تصرفه معرفة لأنَّ الحرف الرابع كتاء التأنيث بدليل أنَّه يمنع من زيادة التاء في التصغير كقولك في عقرب عقيرب وفي زينب زيينب ولو كان ثلاثة أحرف مثل قدر وأذن لأتيت بالتاء فقلت قديرة وأذينة فدلَّ أنَّ المانع الحرف الرابع فأشبه تاء التأنيث وإنَّما يعرف تأنيث الأسماء بالسماع فإذا كان الاسم لم يوضع إلاَّ للمؤنَّث جرى مجرى علامة التأنيث في لفظه

مسألة

علامة التأنيث في الأسماء التاء والألف فإذا كان أحدهما فيه قلت هو مؤنَّث سواء سُمِّي به المذكَّر أو المؤنَّث ف التاء أحد وصفي العلّة المانعة فإذا انضمَّ إليها التعريف امتنع الصرف وأمَّا الألف فإذا لم يكن قبلها ألف سكنت نحو حبلى وإنْ وقعت بعد ألف المدّ نحو حمراء حرِّكت فانقلبت همزة وإنَّما

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 511 ]

حرِّكت لئلاّ يجتمع ساكنان وحذفُ إحداهما لا يجوز لأنَّك إن حذفت الأولى بطل المدُّ وإن حذفت الثانية بطلت علامة التأنيث وإنْ حرِّكت الأولى بطل المدّ أيضاً فتعيَّن تحريك الثانية

مسألأة

ألفُ التأنيث علَّة مستقلَّة تمنع الصرف بخلاف التاء وإنَّما كان كذلك لأنَّ مطلق التأنيث فرع ولزومهُ كتأنيثٍ آخرَ والألف بهذه المنزلة لأنَّها صيغت مع الكلمة من أوَّل أمرها وتبقى معها في الجمع نحو حبلى وحبالى وليست فارقة بين مذكَّر ومؤنَّث بخلاف التاء فإنَّها تدخل على لفظ المذكَّر فتنقله إلى المؤنَّث ولا تلزم

مسألة

فأمَّا عُريان فينصرف في النكرة إذْ ليس فيه سوى الوصف والألف والنون لا يشبهان ألفي التأنيث لأنَّ التاء تدخل عليه فتقول عريانة وأمَّا سرحان فليس بوصف وتقول في جمعه سراحين فتقلب الألف ياء بخلاف ما قبل ألف التأنيث

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 512 ]

مسألة

إذا سمِّيت ب أحمر وبابه زال معنى الصفة ولذلك يسمَّى من ليس أحمر أحمر وقيل التسمية لا تُوقعه إلاَّ على من له من الحمرة صفة له ويمتنع صرفه بعد التسمية للتعريف ووزن الفعل إجماعاً فإنْ نكَّرته لم تصرفه عند سيبويه وتصرفه عند الأخفش

حجَّة الأوَّلين أنَّه صفة في الأصل مستعار في التسمية فإذا نكّر أجري عليه حكم أصله في الوصف والتنكير ألا ترى أنَّ أربعاً منصرف مع اجتماع الوصف والوزن كقوله تعالى ( ومنهم من يمشي على أربع ) ما كان ذلك إلاَّ نظراً إلى الصفة وهو العدد وأنَّ التاء تدخل عليه نحو أربعة وأنَّ نقله لم يخرجه عن حكمه كذلك أحمر

واحتجَّ الآخرون بأنَّ معنى الوصف غيرُ باق بعد التنكير فليس فيه سوى الوزن وقد ذكرنا ما يصلح جواباً له

مسألة

فإنْ سمِّيت مؤنَّثاً ب حائض وفاضل لم تصرفه للتعريف والتأنيث فإنْ نكَّرته صرفته اتِّفاقاً لأنَّه لم يبق فيه سوى التأنيث والوصفُ بفاعل غير مختصّ بالأوصاف فإنَّ فاعلاً يوجد في الأسماء نحو كاهل

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 513 ]

مسألة

إذا كان الوصف تاء التأنيث نحو ضاربة انصرف في النكرة مع اجتماع الوصف والتأنيث لأنَّ تاء التأنيث هنا لا يعتدُّ بها لأنَّها دخلت لمجرَّد الفرق

مسألة

المعدول عن المعرفة نحو عمر وزفر لا ينصرف معرفة للعدل والتعريف فإنْ قيل ما فائدة عدله قيل شيئان

أحدُهما توكيد المعنى المشتقّ منه في المسمَّى كالعمارة والزَّفر

والثاني الإعلام بأنَّ عامراً لا يُراد به الوصف بل التسمية

فإنْ قيل على كم وجهاً فُعَلُ قيل على أربعة أوجه

أحدُهما المعرفة وهو لا تدخله الألف واللام نحو جُشم وقثم

والثاني الجنس نحو جُرَذ ونُغَر هذا ينصرف بكلِّ حال لأنَّه غير معدول

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 514 ]

والثالث الجمع نحو غُرَف ورطب

والرابع الوصف نحو حطم فأمَّا فسق وخُبَثُ فيستعمل في النداء للمذكَّر خاصَّة وهو مبنيّ فإنْ سمَّيت صرفته لأنَّه لم يعدل إلاَّ في النداء

مسألة

وأمَّا ما عُدِلَ من الصفات فيجيء على فعال نحو ثُلاث ورُباعَ وعلى مَفْغَل نحو مَثْنى ومَوْحَد وهو غيرُ مَصْروفٍ على كُلِّ حال لاجتماعِ الوصف والعدل

وقال بعضهُم هو معْدول في اللفظِ والمعنى فاللفْظُ معدول عن لفظ اثنين وثلاثة وأمَّا في المعنى فإنَّ مثنى يعبِّر به عن جماعة جاؤوا اثنين اثنين وثُلاث عن ثلاثة ثلاثة بخلاف اثنين فإنَّه لا يدلُّ على أكثر من أحدين وثلاثة لا يدلُّ إلاَّ على ثلاثة آحاد

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 515 ]

مسألة

فأمَّا أُخَر جمع آخر وأخرى فلا ينصرف للعدل والوصف وفي معنى عدله أوجه

أحدُها أنَّ أخر هنا للمفاضلة فأصلُه أن يقال آخر من كذا أي أشدّ تأخّراً منه ثُمَّ عُدِل عن مِنْ واستعمل استعمال الأسماء والصفات التي لغير المفاضلة نحو أبيض وأسود

والثاني أنَّ القياس استعماله بالألف واللام ك الفضلى والوسطى والفُضَل والوُسَط فعدل عن الألف واللام

مسألة

لا فرق في الجمع الذي لا نظير له بين أن يكون بعد ألفه حرف مشدَّد أو حرفان منفصلان لأنَّ المشدَّد حرفان في الحقيقة فأمَّا ما بعد ألفه ثلاثة أحرف فشرطه أنْ يكون الأوسط ساكناً نحو قناديل فإنْ كان متحرِّكاً ك صياقلة انصرف لأنَّ له نظيراً في الآحاد نحو طواعية ورفاهية ورجلٌ عباقية وكذلك إنْ كان آخره ياء النسبة نحو مدائنيّ لأنَّها تشبه تاء التأنيث لما نبيِّنه في النسب

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 516 ]

مسألة

فإنْ كان بعد الألف حرفان الثاني ياء نحو جوار فهو منوَّن في الرفع والجرِّ غير منوَّن في النصب واختلفوا في هذا التنوين فقال بعضهم هو تنوين الصرف لأنَّ الياء حذفت تخفيفاً فبقيت جوار مثل دجاج فانصرف وقال آخرون هو عوض من الياء وليس بمنصرف وقال آخرون هو عوض من حركة الياء المستحقّة فلَمَّا اجتمع التنوين والياء حذفت لالتقاء الساكنين فأمَّا في النصب فلا ينصرف لكمال البناء

مسألة

فأمَّا الترامي والتعامي فينصرف بكلِّ حال لأنَّ وزنه تفاعل كتقاتل وتضارب ولكنْ كُسرت عينه لتسلم الياء

مسألة

لا تمنع العجمة من الصرف إلا مع التعريف ولو اجتمع في الاسم أكثر من علَّتين وذلك نحو أذربيجان فإنَّ فيها خمسّ علل التعريف والعجمة والتأنيث والتركيب والألف والنون الزائدتان فإنْ نكَّرته صرفته وعلَّة ذلك أنَّ التعريف

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 517 ]

علَّة قويَّة كثيرة الدور في الكلام حتى إنَّها في الشعر قد أقيمت مقام علَّتين وليس ذلك لغيره

مسألة

وقد يكون اللفظ محتملاً للصرف وتركه لاختلاف أصله وذلك ك حسّان إن أخذته من الحسِّ لم تصرفه للتعريف والزيادة وإن أخذته من الحسن صرفته لأنَّ النون أصل وكذلك يعقوب إن كان أعجميّاً لم تصرفه وإن أردت اسم ذكر القَبْجِ صرفته إذ ليس فيه سوى التعريف وهكذا إسحاق إن جعلته أعجميّاً لم تصرفه وإن جعلته مصدراً في الأصل صرفته فأمَّا إبليس فلا ينصرف للعجمة والتعريف وقال قوم هو من الإبلاس وليس كذلك لأنَّه لو كان منه لانصرف إذ ليس فيه سوى التعريف

مسألة

فأمَّا يربوع ونظائره فينصرف إذ ليس في الأفعال يفعول

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 518 ]

مسألة

فأمَّا مرَّان وهي الرماح فإذا سُمِّي به انصرف لأنَّه من المرانة للينها بالتدريب وأمَّا رمَّان إذا سُمِّي به فلا ينصرف عند سيبويه لأنَّه من الرمِّ وهو الجمع والإصلاح وقال الأخفش النون أصلٌ لأنَّه كثير في أسٍماء النبات فُعّال نحو قُلاَّم وثفَّاء

فأمَّا أُباتر فينصرف بكلِّ حال لأنَّه كثير الأسماء مثاله نحو دلامص وعكامس وعلابط

مسألة

يجوز في حضرموت ونحوِه ثلاثة أوجه

أحدُها بناء الاسم الأوَّل وإعرابُ الثاني إلاَّ أنَّه لا ينصرف في المعرفة للتعريف والتركيب وبني الأوَّل لشبه الثاني بتاء التأنيث إذ كان مزيداً على الاسم وفتح للطول كما فتح ما قبل تاء التأنيث

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 519 ]

والوجه الثاني أن تضيف الأوَّل إلى الثاني فتعربهما إلا أن كرب لا ينصرف لأنَّه مؤنَّث معرفة ومنهم من يصرفه فيجعله مذكَّراً وأمَّا ياء معدي فساكنة بكلِّ حال لأنَّ الكلمتين صارتا كالواحدة فلو حرِّكت لتوالت الحركات وثقلت خصوصاً في الياء بعد الكسرة

والوجه الثالث أنْ تبنيهما لتضمُّنهما معنى حرْفِ العطف ك خمسة عشر

مسألة

فأمَّا سيبويه ونفطويه وعمرويه فمبنيَّة ولكن تنوَّن في النكرة كما تنوَّن الأصوات وأسماء الفعل ويذكر ذلك في المبنيَّات إن شاء الله تعالى

مسألة

أسماء البلدان منها ما ذكَّرته العرب فصرفته نحو واسط ودابق ومنها ما أنَّثته نحو مصر ودمشق ومنها ما جوَّزت فيه الأمرين

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 520 ]

مسألة

فأمَّا أسماء القبائل فما كان موضوعاً على القبيلة كان مؤنَّثاً نحو حمير وما كان اسماً للحيّ أو أبي القبيلة كان مذكَّراً نحو تميم وقد جاء الوجهان في ثمود

مسألة

حكم ما لا ينصرف ألاَّ يجرّ ولا ينوَّن لما ذكرنا في صدر الكتاب من أنَّ الصرف هو التنوين فأمَّا الجرُّ فليس من الصرف على الصحيح وإنَّما سقط تبعاً لسقوط التنوين إذ كانا جميعاً لا يدخلان الفعل فما يشبهه كذلك ولذلك إذا اضطر الشاعر إلى تنوين المجرور كَسَرَهُ لأنَّ سقوط الكسر كان تبعاً لسقوط التنوين فإذا انتفى الأصل انتفى التبع

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 521 ]

فإنْ قيل للأفعال أحكامٌ وخصائص فلِمَ لَمْ يثبت للاسم المشبه للفعل غير منع الجرِّ والتنوين وهلاَّ امتنع الألف واللام أو كونه فاعلاً أو نحو ذلك

قيل هذه الخصائص لها معنى في الأسماء فلو مُنِعَها الاسم لبطل ذلك المعنى بخلاف الجرِّ والتنوين فإنَّ منع الاسم منهما لا يبطل معنى فيه

مسألة

إذا أضيف مالا ينصرف أو دخلته الألفُ واللام كُسِرَ في موضِع الجرِّ وفي ذلك وجهان

أحدُهما أنَّ كسرة الجرِّ سقطت تبعاً لسقوط التنوين بسبب المشابهة وسقوطه بالألف واللام والإضافة بسبب آخر فلا يسقط الجرُّ تبعاً له ولذلك قال النحويُّون فأمن فيه التنوين أي أنَّ سقوط التنوين بسبب المشابهة كان استحساناً لا ضرورة ولذلك يجوز للشاعر اتِّباعهً فأمَّا سقوط الألف واللام والإضافة فكالضرورة ولذلك لا يسوغ للشاعر الجمع بينهما

والوجه الثاني أنَّه بالألف واللام والإضافةِ يبعد من شبه الفعل الحاصل بالفرعية فيعود إلى حقِّه من الجرِّ فإنْ قيل فحرفُ الجرِّ من خصائص الاسم وكذلك الفاعليَّة والمفعوليَّة ولا تردّه هذه الأشياء إلى الصرف قيل أمَّا حرف الجرِّ فلا يُحدث في الاسم معنى ينافيه فيه الفعل فإنَّ الاسم يبقى معناه مع حرف الجرِّ بحاله بخلاف

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 522 ]

الألف واللام والإضافة فإنَّهما تحدثان فيه التخصيص الذي ينبو عنه الفعل وأمَّا كونه فاعلاً أو مفعولاً فهو أمرٌ يرجع إلى ما يحدثه العامل

مسألة

الاسم بعد دخول الألف واللام والإضافة غير منصرف لما تقدَّم أنَّ مانع الصرف قائم وأنَّ الجرَّ سقط لزوال ما سقط تبعاً له وقال قوم هو منصرف وبنوه على أصلين

أحدهما أنَّ الجرِّ من الصرف

والثاني أنَّه بدخول الألف واللام والإضافة ضعف شبه الاسم بالفعل على ما تقدَّم

مسألأة

يجوز للشاعر أن يصرف مالا ينصرف للضرورة على الإطلاق

وقال الكوفيُّون ليس له ذلك في أفعل منك

وحجَّة الأوَّلين أنَّه اسمٌ معربٌ نكرة فجاز للشاعر صرفه كبقيَّة الأسماء التي لا تنصرف

واحتجَّ الآخرون بأنَّ منك تجري مجرى الألف واللام والإضافة ولذلك ينوبان عن مِنْ فكما لا تنوّن مع الألف واللام والإضافة لا تنون مع منْ

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 523 ]

والجوابُ أنَّ ذلك لا يصحُّ لأنَّ مِنْ وإن خصّصت ولكنْ بَعْضَ التخصيص والاسم بعد ذلك نكرة بخلاف الألف واللام والإضافة

مسألة

يجوز للشاعر ترك صرف ما ينصرف للضرورة ومنعه المبرِّد

واحتجَّ الأوَّلون بقول العبَّاس بن مِرْداس من

124 - ( وما كان حصْنٌ ولا حابسٌ ... يفوقان مِرْداسَ في مَجْمعِ ) - المتقارب - وبأنَّ التنوين زائدٌ دالٌّ على خفَّة الاسم وبالتعريف يحدث له نوعُ ثِقَل فلذلك جاز

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 524 ]

له إجراء السبب مُجرى السببين ويدلُّ عليه أنَّ الشاعر يُجري الوصل مُجرى الوقف حتَّى إنَّه يصل الاسم المؤنَّث بالهاء كما يقف عليه فَلأَنْ يجوز له حذفُ التنوين وإبقاء الحركة أوْلى والمبرِّد يروي البيت

125 -

( ... يفوقان شَيْخيَ في مَجْمعِ ) وما رواه سيبويه ثابتٌ في الرواية فلا طريق إلى إنكاره

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 13 ]

باب الأفعال

قد ذكرنا في أول الكتاب حدَّ الفعلِ وعلاماتِه وذكرنا في باب المصدر أنَّه مشتقٌّ من المصدر وبقي الكلامُ في أقسامه وأحكامِه

فصل

واقسامُ الأفعال ثلاثةٌ ماضٍ وحاضرٌ ومستقبلٌ

وأنكر قومٌ فعل الحال

وحُجَّة الأولين أنَّ الفعل اشتُقَّ من المصدر ليدلَّ على الزمان فينبغي أن ينقسم بحسب انقسامِه ولا أحدَ ينكرُ زمنَ الحالِ وهو الآن فكذلك الفعل الدالّ عليه فهو

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 14 ]

واسطةٌ بين الماضي والمستقبل ولذلك قال تعالى ( له ما بينَ أيْدِينا وما خَلْفَنا وما بينَ ذلك ) قالوا أراد الأزمنة الثلاثة

ومنه قولُ زهير من - الطويل -

( وأعلمُ ما في اليومِ والأمسِ قبلَه ... ولَكِنِّني عَنْ عِلْمِ ما في غَدٍ غمِ )

واحتجَّ الآخرون بأن ما وُجِدَ من أجزاءِ الفعل صارَ ماضياً وما لم يوجدْ فهو مستقبلٌ وليس بينهما واسطةٌ

والجواب أنَّ النَّحْويين يريدونَ بفعل الحال فعلاً ذا أجزاءٍ يتَّصلُ بعضُها ببعض كالصلاة والأكل ونحوهما وهذا يُعقل فيه الحالُ قسماً ثالثاً لأنَّه يُشارُ إليه وهو متشاغلٌ به ولم يقْضِه ويفرّق بين حالِه الآن وحالِه قبلَ الشُّروع وبعد الفراغِ

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 15 ]

فصل

واختلفوا أيُّ أقسام الفعل أصل لغيره فقال الأكثرون هو فعلُ الحال لأنَّ الأصلَ في الفعل أن يكون خبراً والأصل في الخبر أن يكونَ صِدْقاً

وفعلُ الحالِ يُمْكِنُ الإشارةُ إليه فتحقَّق وجودُه

فيصدق الخبر عنه وقال قومٌ الأصلُ هو المستقبلُ لأنَّه يخبر عنه عن المعدوم ثم يخرج الفعل إلى الوجود فيخبر عنه بعد وجوده

وقال الآخرون هو الماضي لأنَّه لا زيادةَ فيه ولأنَّه كَمُلَ وجودُه فاستحقَّ أن يسمَّى أصلاً

فصل

الأصلُ في الفعلِ البناءُ لأنَّ الإعرابَ دخلَ للفعل بين الفاعل والمفعول وليسَ في الفعل فاعلٌ ولا مفعولٌ فصارَ كالحرفِ

فصل

والأصلُ أن يُبنى على السكونِ لأنَّ البناءَ ضدٌّ الإعرابِ على ما ذُكِرَ في صدرِ الكتاب إلا أنَّ الفعلَ الماضي حُرِّكَ لشبهه بالمضارع إذ كان يقع موقعه في نحو

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 16 ]

قوله ( ويومَ يُنْفَخُ في الصُّورِ فَفَزِعَ ) أي فيفزع

وفي الشَّرطِ والجزاء إذا ذهبتَ ذهبتُ

وفي الحالِ كقولك مررتُ بزيد قد كتبَ كقولك يكتب والشَّبه يقتضي إثباتَ حكمِ من أحكامِ المشابهِ للمشابهِ والحركةُ من أحكامِ المضارعِ إلاَّ أنَّ حركة المضارعِ إعرابٌ وحركةَ الماضي بناءٌ وعلَّةُ ذلك أنَّ إعرابَ المضارعَ فَرعٌ على الاسم والماضي فَرْعٌ على المضارع والفروعُ تنقصُ عن الأصولِ فكيفَ بفرع الفرع

فصل

وإنَّما جُعلت حركتُه فتحةً لأمرين : أحدهما : أنَّ أمثلةَ الفعلِ الماضي كثيرةٌ فاختِير له أخفُّ الحركاتِ تعديلاً والثاني أنَّ الغرضَ تمييزُ هذا المبنيَّ على المبنيِّ على السكون والتمييزُ يحصلُ بالفتحة وهي أخفُّ فلا يُصار إلى الثقيل

وقيل لو كُسِر لَبُنِيَ على كسرةٍ لازمةٍ والفعلُ لم يدخُلْه الجرّ مع أنه عارضٌ ولم يضمّ لأنَّ مِنَ العربِ مَنْ يحذِفُ واوَ الجمع ويجعلُ الضمةَ دليلاً عليها نحو ضَرَبٌ في ضَربوا وهذا وجهٌ ضعيف

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 17 ]

مسألة

فعلُ الأمرِ الذي ليسَ فيه حرفُ مضارَعةٍ مبنيٌّ على السكونِ وقال الكوفيُّون هو مُعْرَبٌ بالجزم واحتجَّ الأوَّلون من وجهين

أحدهما أنَّ الأصلَ في الفعل البناءُ وإنَّما أُعْرِبَ لمشابهتِه الإسمَ والمشابهةُ تتحقَّقُ بحرفِ المضارعةِ فقط فإذا فُقِدَ فُقِدَتْ فيخرجُ على الاصْل

والثَّاني أن نَزَال وبابَه مبنيٌّ لقيامِه مقامَ الأمرِ فلو كانَ مُعْرَباً لم يُبْنَ ما قامَ مقامَه

واحتجَّ الآخرون من وجهين أحدهما أنَّ الأصلَ في قُمْ لِتَقُمْ فحُذِفَ تخفيفاً وقد جاء ذلك في المضارع الصريح قال الشاعر من - الطويل -

( على مِثْلِ أصحابِ البعُوضَة فاخمِشي ... لكِ الويلُ حُرَّ الوجهِ أو يبكِ مَنْ بكى )

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 18 ]

وقال آخر من - الوافر -

( محمّدُ تَفْدِ نفسَك كلُّ نفسٍ ... إذا ما خفتَ مِنْ شيءٍ تَبَالا )

أي لتفد وقرئ ( فَبِذلكَ فَلْتَفْرَحُوا ) على الخطاب أي فافْرَحُوا

والوجه الثاني أنَّ حروفَ العلَّة تسقطُ من هذا الفعل نحو اغْزُ واسْعَ وارْمِ كما تسقطُ بالجازم

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 19 ]

والجوابُ عن الأول من وجهين أحدهما أنَّ قُمْ و اذهبْ أصلٌ بنفسه وليس الأصلُ فيه ما ذكروا لأنَّه لو كانَ كذلك لَلَزِمَ منه حذفُ العامل وحرفِ المضارعة وتغييرُ الضيغة وكلٌّ ذلك مخالفٌ للأصل ولا سماعَ يدلُّ عليه

والثاني يقدّر أنَّ الأصل ما ذكروا ولكنْ بهذا الحذفِ زالَ شَبَه الفعل بالاسم فعاد إلى البناء

والثالث أنَّ الجزمَ يحتاجُ إلى جازم وتقديرُ الجازم ممتنعٌ لوجهين

أحدهما أنَّه لا يصحُّ ظهورُه مع هذه الصيغة فلا تقول لاذهبْ والمقدّرُ كالمنطوقِ به

والثاني الجازمُ أضعفُ من الجارِّ والجارُّ لا يبقى عملُه بعد حذفه فالجازم أولى

فأمَّا البيت فهو خبرٌ وليسَ بأمرٍ وحذفُ الياء ضرورةٌ ولو قدَّر أنه حذفَ اللامَ فلا يصح مثله في مسألتنا لوجهين أحدهما أنَّ حرفَ المضارعةِ باقٍ هناك وليسَ بموجودٍ هنا فلا يلزمُ من حذفِ

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 20 ]

شيءٍ واحد حذفُ شيئين ولا يلزم من حذفِ ما عليه دليلٌ وهو حرف المضارعة حذفُ ما لا دليل عليه

والثاني أنَّ ذلكَ شاذٌّ سوَّغته الضرورة

وأمَّا الوجه الثاني فليسَ بشيءٍ لأنَّ البناءَ يُذهبُ الحركةَ فيذهبُ الحرفَ القائمَ مقامَها وحروفُ العلّة قامت مقامَ الحركة على ما نبيِّنه

مسألة

الفعلُ المضارعُ أُعربَ لِشَبَهِهِ بالاسم من أوجه

أحدها أنَّه يكونُ شائعاً فتخصصَ بالحرف كقولك زيد يصلِّي فيحتمل أنْ يكونَ في الصلاة وأنْ يكونَ لم يشرعْ فيها وإذا قلت سيصلي اختص كما أنَّ رجلاً يحتملُ غيرَ واحدٍ ثم يختصُّ بواحدٍ بالألف واللام

والثاني أنَّ اللامَ تدخلُ عليه في خبرِ إنَّ كقوله تعالى ( وإنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ ) ولا تدخلُ على الأمر والماضي وحقّها أنْ تدخُلَ على الاسمِ لأنَّها لامُ الابتداء زُحلِقت إلى الخبر فلولا قوةُ الشَّبَه لم تدخلْ على هذا الفعل

والثالثُ أنه على زِنَةِ اسم الفاعل عدةً وحركةً وسكوناً ف يضرب مثلُ ضاربٍ في ذلك ويُكْرِم مثل مُكرم وقد شذَّ عنه ينصب فهو نَصِب وبابه ولما أشْبَهه من هذهِ الأوجهِ الخاصّة أُعطي حُكماً من أحكامه لأنَّ ذلك

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 21 ]

قضاه الشَّبه كما أنَّ الاسمَ لمّا شابه الفعلَ مُنع الصرف فإن قيل لِمَ لَمْ يُجعل من أحكام الاسم غير الإعراب قيل الإعراب لا يغيّر معنى الفعل وغيره من أحكام الاسم تغيّر معنى الفعل فينبو عن قبوله

مسألة

إعراب الفعل المضارع استحسانٌ وقال الكوفيون أُعْربَ كما أُعْرِبَ الاسمُ واحتجَّ الأولون بأنَّ معنى الفعلِ واحدٌ في كلّ حالٍ وهو الدَّلالة على الْحَدث وزمانِه ولا يُضاف إليه بالعاملِ الدَّاخل عليه معنىً آخر وإعرابُ الأسماء يَفْرُق بين المعاني المختلفة الحادثةِ العارضةِ على المسمَّى وإنما أُعرب الفعل للشبه على ما تقدَّم

واحتجَّ الآخرون بأنَّ الإعرابَ في الفعل يَفْرُق بين المعاني ألا ترى أنَّ قولَك لا تَأْكُلِ السمكَ وتَشْرَبِ اللبنَ إذا جزمت الثَّاني كان له معنى فإذا نصبتَه أو رفعتَه كان له معنى آخر وكذلك أريدُ أن أزورَك فيمنعني البوابُ فالرفع يدلُّ على خلاف ما يدل عليه النصب وكذلك لا يَسَعُني شيءٌ ويعجزَ عنك وكذلك لِتضربُ زيداً إنْ جزمتَ كانَ أمراً وإن نصبت كان عِلَّة

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 22 ]

والجواب إنَّ اختلافَ المعنى فيما ذكروا حاصل بالإعراب لا بعدم الإعراب فإنَّكَ لو سكَّنت في هذه المواضع كلّها لعرفتَ المعنى بدليلٍ آخر فالواو في قولك لا تأكل السمك وتشرب اللبنَ للعطف فيحتمل أن يُعطفَ على لفظِ الفعلِ الأوَّل فيكونَ نهياً عنهما جميعاً مُجْتَمعين ومُنْفَردين فعندَ ذلك يُجْزَم على تقدير ولا تشرب اللبن ويُحتَمل أنْ تُريدَ به العطفَ على الموضع ومعنى الجمع ولا يصحّ ذلك إلا بإرادة أنْ ليصير المعنى لا تجمعْ بينَ أكلِ السمك وشرب اللبن ولو ظهرت أنْ لفُهم المعنى بدون الإعراب وكذلك لو ظهرتْ لا فاللَّبْسُ جاء من حذف العامل فأقمتَ الحركاتِ مقامَ ظُهوره لا أنَّ معنى الفعل تغيّر بالعامل كما تغيَّر الاسم بالفعل فيكون تارةً فاعلاً وتارةً مفعولاً والفعل مع عامله قد يكون له موضع الاسم المفرد المفتقر الى عاملٍ ومن ها هنا كان الرفعُ في قولك فيمنعني البواب هو الوجهُ لأنك لو نصبت عطفته على أزورك وذلك مُراد والمنعُ ليسَ بمراد فيفسد المعنى بسبب العطف الموجب للتشريك ولذلك لو سكنتَ لم يفسد المعنى فقد رأيت الإعراب بالنصب كيف أفسدَ المعنى ولو نصبتْ العربُ الفاعلَ ورفعتِ المفعولَ لحصلَ الفرْقُ ولو نصبتْ هنا لفسدَ المعنى لِمَا ذكرنا والرفع فيه لم يتعيَّن ليصحح المعنى بل النصب هو المتعين لِفساد المعنى وكذلك لا يسعني شيء ويعجزَ عنك الرفعُ يُفْسِد المعنى لأنَّه يصير لا يسعني شيء ولا يعجزُ عنك فبوجود الرفع يَفْسُدُ المعنى وفي الأسماء بعدم الإعراب يَفْسُد المعنى وأما قولك ليضربْ زيد فلا يلتبس إذا كان هذا الكلام وحدَه بل يكون أمراً لا محالة فإذا انضمّ إليه كلامٌ آخرٌ يَصْلُح أن يكون عِلَّةً له فُهِمَ المعنى وإن سكَّنته

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 23 ]

فصل

لا يصيرُ الفعلُ مضارعاً إلا بزيادة الحروف لأنَّ الحركاتِ موجودةٌ في الماضي من ضَمٍّ وفتحٍ وكسر وإنَّما زيدت الحروفُ المذكورةُ لأنَّ أوْلى ما زيد حروفُ المدِّ لِمَا ذكرنا في أوَّل الكتاب إلاَّ أنَّ الألف لِسُكونها لا يُمْكن الابتداءُ بها فَجُعِلت الهمزةُ بدلها إذ كانت أختها في المخرج والواو لا تزاد أولاً لوجهين

أحدُهما ثِقَلُها ولذلك لم تُزَدْ أولاً في موضعٍ ما

والثَّاني أنَّه يؤدي في بعض المواضعِ إلى اجتماع ثلاث واوات فاء الكلمة وحرف المضارعة وحرف العطف وذلك مُسْتَثْقَلٌ مستنكر فجعلت التاء بدَلها لِما ذكرناه في القَسَم ولم يعرِضْ للياء مانع واحْتِيج إلى حرفٍ آخر لتمام أدلَّة المعاني فزِيدت النون إذ كانت تشبه الواو

فصل

والفعل هنا إمّا أنْ يكونَ خبراً عن المتكلِّم وحدَه أو عنه وعمّن معه أو عن المخاطَبِ أو عن الغائبِ ولذلك كانتْ حروفُه أربعةً

فصل

وإنَّما خَصَّت الهمزةُ بالمتكلم لوجهين

أحدهما أنَّها أوَّلُ الحروفِ مَخْرجاً فَجُعِلت دليلاً على المتكلم إذْ كان مَبْدءاً للكلام

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 24 ]

والثَّاني أنَّ الواحدَ مقابلٌ للجمع وعلامةُ الجمع الواو فجعل علامة الواحد المتكلم الهمزةَ التي مخرجها مقابلٌ لمخرج الواو فمخرجحما أوَّل ومخرج الواو آخر وما بينهما وسطٌ كما أنَّ الواحد أوَّلُ والجمعَ آخِرٌ والتثنية وسط

فصل

وإنَّما جُعلت النونُ للجمع لوجهين

أحدهما أنَّها تُشبه الواوَ والواوُ علامةُ الجمع

والثاني أنَّها جُعلت ضميراً لجمع المؤنث نحو ضَرَبْنَ فلذلك زيدت أولاً للجمع

فصل

وأما التاء فمختصّ بها المخاطَبُ المذكَّرُ كما جُعلتْ ضميراً له في قولك ضربت وفي المؤنث هي علامة تأنيث الفاعل نحو قامتْ فجُعلت أولاً في المضارع لهذا المعنى وأمَّا الياء فجعلت للغائبِ لما فيها من الْخَفاء المناسب لحالِ الغائب ولذلك لم يكن للغائبِ الواحد ضمير ملفوظ به في الفعل نحو زيد قام

فصل

وإنَّما جُعلت هذه الحروفُ أولاً لأمرين

أحدهما أنها ناقلةٌ للفعل من معنىً إلى معنىً آخر فكونها أولاً يدل على المعنى المنقول إليه بأوَّل نظرٍ

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 25 ]

والثاني أنَّ الآخِرَ موضعُ الإعراب والحشوَ موضعُ اختلاف الأبنية فلم يبق سوى الأوَّل

مسألة

إذا تجرّد المضارعُ عن عامِل الجزم والنصب ارتفعَ لوقوعه موقعَ الاسم وقال الفرّاء يرتفعُ لتعرِّيه من الجوازم والنواصب وقال الكسائيّ يرتفع بحرف المضارعة

واحتجَّ الأوَّلون بأن وقوعَه موقع الاسم يُكْسِبه قوَّةً يشبه بها الاسم وأوَّل أحوال الاسم في الاعراب الرفعُ فيصير كالمبتدأ في ارتفاعه لأوَّليته وأنَّ الرفعَ أوَّلُ ولا فرق بين أن يكون ذلك الاسم مرفوعاً أو غيره لأنَّه ارتفع لوقوعِه مَوْقِعَ الاسمِ من حيثُ هو اسم لا من حيث هو مرفوعٌ

واحتجَّ الفرّاء من وجهين

أحدهما أن تعرّيه من العوامل اللفظية واستقلاله دونها يدلُّ على قوَّته فأشبه بذلك المبتدأ

والثاني أنَّ ارتفاعَه لوقوعه موقع الاسم باطلٌ بخبر كاد فإنه مرفوع ولا يقع موقع الاسم ومذهب الكسائي فاسدٌ فتعيَّن التعليل بالتعرِّي واحتجَّ للكسائي بأنَّ الفعل قبل حَرْف المضارعة مبنيّ وبعد وجوده وحدَه مرفوعٌ والرفعُ عملٌ لا بدَّ له من عاملٍ ولم يحدث سوى الحرفِ فوجبَ أنْ يُضافَ العملُ إليه وإنَّما بطل عمله بعامل آخر لأنه أقوى منه كما إنْ الشرطية يبطل عملها ب لم

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 26 ]

والجوابُ عن كلامِ الفرّاء من ثلاثة أوجه

أحدها أنه تعليل بالعدم المحض وقد أفْسَدْناه في باب المبتدأ

والثاني ما ذكرتموه يؤول إلى ما قلناه لأنّه بيّن قوة الفعل باستقلاله وبذلك وقعَ مَوْقِعَ الاسم

والثالث أنَّ ما قاله يُفْضي إلى أنّ أوَّل أحوالِ الفعلِ مع النَّاصب والجازم والأمرَ بعكسه وأمَّا خبرُ كاد فالأصلُ أن يكونَ اسماً لِمَا ذكرنا في بابه وإنَّما أُقيم الفعلُ مقامَه ليدلَّ على قُرْبِ الزَّمان وأمَّا كلامُ الكسائيّ إنْ حُمل على ظاهره ففاسدُ لثلاثةِ أوْجه

أحدها أنَّه عدَّد حرف المضارعة وغيرَه وهو وقوعُه مَوْقعَ الاسم فلم يَلْزَم إضافةُ العَمل إلى الحرف

والثَّاني أنَّ حَرْفَ الْمُضارعة صارَ من سِنْخ الكلمةِ وبعضُ الكلمة لا يعمل فيها

والثَّالث أنَّ الناصبَ والجازم يُزيل الرفعَ ولو كانَ حرفُ المضارعة عاملاً لما بطل بعاملٍ قبلَه بِخلافِ إنْ لأنَّ عملَها بطل بعاملٍ بعدها

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 27 ]

مسألة

مثلةُ الخمسةُ وهي تَفْعلان ويَفْعَلان وتَفْعَلُون ويفعلون وتَفْعلين مُعْرَبةٌ وليسَ لها حرفُ إعرابٍ والدليلُ على أنَّها مُعْرَبة من وجهين

أحدهما أنَّ المعنى الذي أُعرب به المضارع موجودٌ فيها من غير مانع

والثَّاني أنَّ النونَ تثبت في رفعِها وتسقط في غيره

وهذا الاختلاف إعرابٌ والدليلُ على أنه لا حرفَ إعْراب لها أنَّه لو كانَ لكانَ إمَّا الحرفَ الذي قَبْل حرفِ العلة أو حرف العلة أو النون والأوّلَ باطل لأنَّه لو كانَ حرفَ إعرابٍ لكانت حركتُه حركةَ إعرابٍ وليست كذلك بل هيَ تابعةً لحرفِ العلَّة مناسبةً لطبيعته والثاني باطل أيضاً لأنَّه اسمٌ في مَوْضعِ رفعٍ معمولٌ للفعل فلي سَ منه ولا علامةَ لشيء هو فيه والثَّالثُ باطلٌ أيضاً لوجهين أحدهما أنَّ النونَ حرفٌ صحيحٌ تَسْقُط في النَّصب والجزْم فلم تَكُنْ حرفَ إعراب كسائر الحروف والثَّاني أنَّها واقعةٌ بعد الفاعلِ الموصولِ بالفعلِ وهذا الحائلُ يُحيل كونَها من الفعلِ لَفْظاً أو حُكْماً فثبت ما قلنا

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 28 ]

مسألة

الفعلُ المعْرَبُ يَعْرِضُ له البناءُ لشيئين

أحدهما نونُ التّوكيد لأنَّ حركةَ آخرِه صارتْ دالَّةً على معنى وهو كونُ الفاعلِ واحداً أو جماعةً أو مؤنثاً فلم يَبْقَ الحرفُ محلاًّ لحركةِ الإعراب فيعودُ إلى أصلِه من البناء

والثَّاني نونُ جماعةِ المؤنث نحو يَضْرِبْنَ لأنَّ هذه النون أوجبت تسكينَ الحرفِ الأخير في الماضي فوجبَ إسكانُه في المضارع وإنما كان ذلك لأمرين

أحدهما أنَّ الماضيَ سُكِّن لئلاّ تتوالى أربعُ حركاتٍ وكذلك هو في المضارعِ وسكونُ الثَّاني عارضٌ لا يعتدُّ به وإن السّاكنَ غيرُ حَصِين وحَرْفُ المضارعة متحرِّكٌ وهو من نَفْسِ الفعلِ وإنَّ زيادة الحرفِ نابَ مَنابَ الحركة

والثَّاني أنَّه أشْبَه الماضي في أنَّ حُروفَه باقيةٌ فيه وأنَّ أحدَهما يقعُ موقعَ الآخرِ فحمْلُه عليه في البناء أقْرَبُ من حَمْل الفعلِ على الاسم في الإعراب

مسألة

الفعلُ المعتلُّ الآخر نحو يَغْزَو ويَرْمي لا يُحرِّكُ آخره بالضمة لِثِقَلها عليه

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 29 ]

على الاسمِ المنْقُوص بل أكثر فأماَّ تقديرُ الضمَّةِ فيحتملُ وجهين كما ذكَرْنا في ياء قاضي وأما الالفُ فتقدَّرُ الحركة عليها البتةَ كالاسم المقصور

مسألة

تقول الرجال يَعْفُون والنِّساءُ يَعْفُون فاللفظُ واحدٌ والتقديرُ مختلف ففعلُ الرجال حُذِفت منه اللامُ لسكونها وسكون واو الضمير بعدها كما حذفت الياءُ من يرمون والنون علامة الرفع وفعلُ النِّساء لم يُحذفْ منه شيءٌ لأنَّه مبنيّ وواوه لامُه والنون اسم مضمر ولذلك ثبتت في الأحوال الثلاث على صورةٍ واحدة

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 30 ]

بابُ

نواصب الفعل

أصلها أنْ المصدريّة وإنَّما عَمِلت لاختصاصها بالفعل وإنَّما نَصبتْ لأنَّها أشبهتْ أنَّ العاملةَ في الأسماء من أربعة أوجه

أحدها أنَّ لفظَها قريبٌ من لفظها وإذا خُفّفت صارت مثلَها في اللفظ

الثَّاني أنَّها وما عَمِلت فيه مصدرٌ مثل أنَّ الثقيلة

والثالث أنَّ لها ولِمَا عملتْ فيه موضعاً من الإعراب كالثقيلة

والرابع أنَّ كلَّ واحدةٍ منهما تدخلُ على جملةٍ

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 31 ]

فصل

وأنْ والفعل في تقدير المصدر ولذلك يُقدَّر المصدرُ بأنْ والفعل وأنه لا يجوز تقديم معمولِ أنْ عليها ولا معمول معمولها عليها ولا عليه كقولكَ أريدُ زيداً أنْ تضربَ ولا أريدُ أنْ زيداً تضرب لأنَّ الصِّلة لا تتقدَّمُ على الموصولِ

مسألة

إذا حُذفت أنْ فالجيِّد أنْ لا يبقى عملُها إلاَّ أن يكون ثَمَّ بدلٌ مثل الفاء ونحوها وقال الكوفيون يبقى عملُها

وحُجَّةُ الأوَّلين قولُه تعالى ( تَأْمُرُونِّي أعْبُدُ ) وبأنَّ عوامل الأفعال ضعيفةٌ ولا تعمل محذوفةً

واحتج الآخرون بأشياء جاءت في الشعر وهي شاذَّة أو مُتَأوِّلة وقد قاسوا

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 32 ]

ذلك على عوامل الأسماء وهو قياسٌ فاسد لأنها أقوى من عواملِ الأفعال ولو جازَ مثل ذلك لجاز يضربْ زيد وأنت تريد ليضربْ

فصل

وأما لَنْ فتعملُ لاختصاصها وتنصِبُ لشبهها بأنْ من وجهين

أحدهما أنَّها تخلّص الفعلَ للاستقبال كما تخلّصه أنْ

والثاني أنها نقيضتها فتلك تثبته وهذه تنفي ما ثبتته تلك ولن جواب سيفعل أو سوف تفعل وجواب أريد أن تفعل فإنه يقول لن أفعل

مسألة

لن مفردةٌ وقال الخليل هي مركَّبة من لا وأن إلاَّ أنَّ الهمزة حذفت تخفيفا ثم حذفت الألف لسكونها وسكون النون بعدها

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 33 ]

واحتج الأولون بأنَّ الأصلَ عدمُ التركيب وإنَّما يُصارُ إليه لدليلِ ظاهر ولا دليلَ على ذلك بل الدليلُ يدلُّ على فساده وبيانه من وجهين

أحدهما جوازُ تقدُّم معمول معمولها عليها كقولك زيداً لن أضرب وأنْ لا يتقدم عليها ما في حيِّزها وبذلك احتج سيبويه على الخليل وقد اعتذر عنه بأنَّ التركيب غيَّر الحكمَ كما غيَّر المعنى وهذه دعوى ألا ترى أنَّ لولا لما تغيرت في المعنى للتركيب لم يتغيَّر الحكم في التقديم والتأخير

والوجه الثاني أن لا أن يتقدّمها ما يتعلق بالمعنى ولن لا يلزم فيها ذلك

فصل

وأما كي فتكونُ ك أنْ في العمل بنفسِها فلا يُضْمَر بعدها شيءٌ وذلك

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 34 ]

اذا ادخلتْ عليها اللامُ كقوله تعالى ( لِكَيْلا تَأْسَوْا ) إلاَّ أن فيها معنى التعليل فلذلك لا يحسنُ أن تقول أريد كي تقوم

والوجه الثاني أن تكونَ حرفَ جرٍّ بدليلِ دخولها على الاسم كقولك كَيْمَهْ بمعنى لِمَهْ وما اسم للاستفهام والهاء لبيان الحركة والألف محذوفة ولو كانتْ كي بمعنى أنْ لم تدخل على الاسم فإذا دخلتْ هذه على الفعل كانتْ أنْ بعدَها مضمرةً لأنَّ حرفَ الجرِّ لا يعملُ في الفعل فتضمر معه أنْ لتصيرَ داخلةً على الاسم في التقدير وهذا هو حكم اللاَّم فإنْ دخلت اللامُ على كي وجبَ أنْ تصيّر بمعنى أنْ لأنَّ حرف الجرّ لا يدخلُ على مثله

فصل

وأمَّا إذن فحرف مفرد وقال الخليل أصلُها إذْ أنْ فحذفت الهمزة وركِّبا كما قال في لن وهذه دعوى مجرَّدة

وإذن تعمل بخمس شرائط

أحدها أن تكونَ جواباً

والثانية أنْ لا يكونَ معها حرف عطف

والثالثُ أنْ يَعْتَمد الفعل عليها

والرابعة أنْ لا يُفْصَل بينها وبين الفعل بغير اليمين

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 35 ]

والخامسة أن يكونَ الفعل مستقبلاً

فإن قيل لِمَ عملت إذن ثمَّ لِمَ عملتْ عندَ وُجود هذه الشرائط لا غير ثم لِمَ عملت النصبَ

والجوابُ عن الأول والثاني أنَّها اختصّت بالفعل عند اجتماع هذه الشرائط وكلُّ مختصٌّ يعملُ

وأما الجوابُ عن الثالث فلأنَّها أشبهتْ أنْ في إخلاصِ الفعل للاستقبال واختصاصها بالجواب واختصاص الجوابِ في مثلِ هذا بالفعل فعلى ما ذكرنا تترتَّب المسائلُ

مسألة

إذن في عوامل الأفعال ك ظننت في عواملِ الأسماء لأنَّ ظننتُ تعمل إذا وقعت في رتبتها وتُلغى إذا أُزيلت عنها وكذلك إذن لأنَّها إذا اعتمد الفعل عليها وابْتُدِئ بها في الجواب وقعت في رتبتها كقول القائل أنا أزورُك

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 36 ]

فتقول مجيباً إذَنْ أُكرمَك فإذا قلت أنا إذنْ أكرمُك فقد وقعتْ إذن بين المبتدأ وخبره فيبطلُ عملها ويعتمد الفعلُ على أنا وكذلك إن قلت أنا أكرمُك إذن فإن قيل إذن هنا يلزمُ إلغاؤها وظننت في مثل هذا لا يلزم قيلَ الفَرْقُ بينهما أنَّ عواملَ الأسماء أقْوى من عواملِ الأفعالِ خصوصاً إذا كانت أفعالاً وعاملُ الفعل لا يكونُ إلاَّ حرفاً

مسألة

فإن فصلت بينهما ب لا أو باليمين لم يبطُل عملُها لأن لا لا تُبطلُ عمل أنْ واليمينُ مؤكدَّة

مسألة

فإن كانَ معها حرفُ عطفٍ كقولك فإذنْ أكرمَك وإذن أُحسنَ إليك جازَ إعمالُها لأنَّ الواو والفاء قد يُبتدأ بهما وجازَ إلغاؤها لأنَّ حرفَ العطف يُدْخِلُ ما بعدها في حكم ما قبلها فيبطل الاعتماد عليها ومنه قوله تعالى ( فإذاً لا يُؤتُونَ النَّاسَ نَقيراً ) وفي بعضِ المصاحف ( وإذاً لا يَلْبَثُوا خَلْفَك ) والجيدُ الإلغاء

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 37 ]

مسألة

إذا حدَّثَكَ إنسانٌ حديثاً فقُلْتَ إذنْ أظنُّك صادقاً رَفَعْتَ لأنَّ الظنَّ هنا ثابتٌ في الحال وقد ذكرنا أنها لا تعملُ إلا في المستقبل

مسألة

إذن إذا وقعت خَبَراً ووُقِفَ عليها جازَ أنْ تبدلَ نونُها ألفاً لأنها أشبهت التنوين إذْ كانت ساكنةً بعد فتحةٍ

فصل

تُضْمَر أنْ بعد الفاء في جوابِ الأشياء الثمانية الأمر والنَّهي والاستفهام والنَّفي والتمنِّي والدُّعاء والعرض والتحضيض

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 38 ]

وقال الْجَرْمي تعمل الفاءُ بنفسها وقال الكوفيون ينتصب الفعل على الخِلاف

وحجَّة الأولين أنَّ الفاءَ لا تنفكُّ من معنى العطف والربط ولا تختصُّ بل تدخلُ على الكلماتِ الثلاث وما هذا سبيله لا يعمل فعند ذلك يُحتاج الى إضْمارٍ لاستحالةِ العطف هنا على اللفظ ألا ترى أنَّ قولَك زُرْني لا يصحّ أنْ تَعْطِفَ عليه فأزورَك لأنَّ العطفَ يُشْرِكُ بين الشيئين ومعلومٌ أنَّ الأمر لا يشارك الخبر وأنَّ الأولَ سببٌ للثاني والسببُ والمسَبِّبُ مختلفان فعند ذلك يُعدَل إلى العطف على المعنى ولا يتحققُ ذلك إلا بإضمار أنْ وأنْ يقدِّرَ الأوَّلُ بمصدر فالتقدير لِتكنْ منكَ زيارةٌ فزيارةٌ مِنِّي وبذلك يتبين ضعفُ قولِ الجَرْمي وأمَّا مذهَبُ الكوفيِّين فقد أبطلناه في غير موضع

فصل

وتُضْمَرُ أنْ بعد اللاَّم وقال الكوفيون هيَ العاملةُ بنفسها

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 39 ]

حجّة الأوَّلين أنَّ اللامَ حرفُ جرٍّ داخلةٌ للتَّعليل وهي الَّتي تدخلُ على المفعولِ له وحرفُ الجرِّ لا يعملُ في الفعل فتُضْمَر أنْ ليصيرَ الفعلُ معها في تقدير الاسم فتدخلَ اللامُ عليه ولذلك يجوزُ أن تظهر أنْ معها كقولك جِئْتُ لأنْ تُكْرِمَني

واحتجَّ الآخرون من وجهين

أحدهما أنَّها بمعنى كي وكي تعملُ بنفسها فكذلك ما هو في معناها

والثاني أنَّ جَعْلَها جارَّةً يفسُدُ من جهة دخولها على الفعل وتقدير أنْ لا يصحح ذلك

ألا ترى أنه لا يجوز أن تقول أمَرْتُكَ تُكْرمَ زَيْداً تريدُ بأن تكرمَ زيداً فيتعيَّن أنْ تكونَ هي الناصبة

والجواب عن الأول من وجهين

أحدهما أنَّ كي حرفُ جرٍّ أيضاً وأنْ بعدها مضمرةٌ فلا فَرْقَ بينهما

والثاني يُسْلِم إلى أنَّ كي تنصِبُ بنفسها ولكن لمَ تكون اللامُ كذلك واتفاقهما في المعنى يوجب اتحادهما في العمل ألا ترى أنَّ أنَّ الناصبة للاسم مثل أن الناصبة للفعل المستقبل في المعنى إذ كلّ واحدةٍ منهما مصدريّة يعمل فيها ما قبلها ولم يلزمْ من ذلك اتحادُهما فإنَّ تلكَ تختصُّ بالأسماء حتى لو وقعَ الفعلُ

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 40 ]

بعدها مخففةً لم تعمل بخلاف أن الخفيفة ولذلك استُعْمِلت اللامُ معَ صريح المصدر ولم تُستعمل كي معه وإنْ كانا سواءً في المعنى

وأمَّا الفرق بينها وبين الباء فلأنَّ اللاَّمَ تدلُّ على غرض الفاعل وما من فاعل إلاَّ وله غرضٌ في الفعل وليسَ كلُّ فعلٍ يكونُ له سببٌ تستعمل الباء معه فلمَّا كَثُرَ استعمالُ اللام جازَ أنْ تُحذفَ أنْ لظهورِ معناها كما كَثُرَ حذفُ رُبَّ مع الواو والباء في القسم وحذفٌ لا في جوابه

فصل

وتُضمَرْ أنْ بعد الواو في قولك لا تأكلِ السَّمَكَ وتَشْرَبَ اللبنَ إذا نهيتَه عن الجمع ونَصْبُه عند الكوفيين على الصَّرْف وهو معنى الخلاف

حُجَّةُ الأوَّلين أنَّ الواو هنا ليستْ عاطفةً في اللفظ لأنَّ ذلك يُوجبُ كونَ النَّهي عن كلِّ واحدٍ منهما وعن الجمع بينهما وذلك يوجب جزم الثاني فإذا لم تُرِدْ هذا المعنى عَدَلْتَ إلى تقديرٍ يصحُّ معه هذا المعنى وذلك بإضمارِ أنْ ليصير المعنى لا تأكلِ السَّمَكَ مَعَ أنْ تَشْربَ اللَّبنَ لأنَّك تريدُ لا يُجْمَع بينهما والواو ومعَ تفيدان الجمع ولكنْ لا يصحّ ذلك إلاَّ مع أنْ لأنَّ الواوَ لا تعمل بنفسها كما أنَّ معَ لا تُضاف إلى الفعل ومذهبُ الكوفيين مبنيِّ على النصب على الخلاف وقد بيَّنا فساده

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 41 ]

مسألة

لو رفعتَ وتشربُ اللبن على أنْ تكونَ في موضعِ الحال استقامَ المعنى والإعرابُ فأمَّا قول الشاعر من - الكامل - ( لا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وتَأْتِيَ مِثْلَهُ ... عارٌ عَلَيكَ إذا فَعَلْتَ عَظيمٌ )

فالنَّصبُ فيه هو الوجهُ والجزمُ خطأ لأنَّ المعنى يصير لا تَنْهَ عن قبيحٍ ولا تَفْعَلْ قبيحاً وَتَرْكُ النَّهيِ عن القبيحِ قبيحٌ وإنَّما أرادَ الشاعرُ أنَّ مَنْ يَنْهي غيرَه عن شيءٍ وهو يَرْتَكِبُه فقد غشَّ نفسَه ونصحَ غيره والرفعُ في البيت جائزٌ في المعنى واللفظ

مسألة

تقولُ لا يَسَعُني شيءٌ ويعجزَ عنك فتنصِبُ ما بعدَ الواو ب أن مضمرة

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 42 ]

والمعنى لا يجتمع في شيءٍ واحدٍ أنْ يسعني وأن يضيق عنك أي أنا وأنت مشتركان فيما يحسن ويقبح ويضيق ويتسع فكيف نفترق في ذلك ولو رفعت لصار المعنى نفياً وآل المعنى إلى أنَّه لا يَسَعُني شيءٌ ولا يضيقُ عنك وهذا عكس المعنى

مسألة

إذا عطفتَ الفعلَ على مصدرٍ أضمرتَ معه أنْ ونصبتَه ليصيرَ عطفَ اسمٍ على اسم وبقّيت النصبَ لِيَدُلَّ على العاملِ المراد ومنه من - الوافر -

( وَلُبْسُ عَباءةٍ وتقرَّ عَيني ... أحبُّ إليَّ مِنْ لُبْسٍ الشَّفوفِ )

مسألة

والواوُ الَّتي تُضمرُ بعدَها أنْ بمعنى الجمع يقالُ هي بمعنى الجواب لأنَّ

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 43 ]

المعنى إذا أكلتَ السَّمكَ فلا تشربِ اللَّبنَ وإنْ شربتَ اللَّبنَ فلا تأكلِ السمكَ وإنْ وسعني وسعَكَ

فصل

وتُضْمَرُ أنْ بعد أو إذا كانتْ بمعنى حتَّى وإلاَّ كقولك سَأزُورُكَ أوْ تَمْنَعَني لأنَّك أردتَ إلاَّ فلا بُدَّ من إضمار أنْ ليصير التقديرُ على وفْق المعنى أي سأزورك إلاَّ مع منعك أو إلا عند منعك ولو رفعتَ لصارت لأحدِ الشيئين أي سأزورُك أو سَتَمْنَعُني

مسألة

تقول ما تأْتينا فتحدّثُنا فيجوزُ الرفعُ على مَعْنَيين

أحدُهما نَفْيُ الأمرين جميعاً أيْ ما تأتينا وما تُحَدِّثُنا

والثَّاني أنْ تكونَ نفيتَ الإتيانَ وأثبتَّ الحديثَ أي أنتَ تحدِّثُنا وما تأتينا

والنَّصْب جائزٌ على مَعْنيين أيضاً

أحدُهما أنْ تريدَ نفيَهما على سبيلِ الإنكارِ على مُدَّعي الإنكار أي أنت ما تأتينا فكيفَ تحدِّثنا

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 44 ]

والثاني أنَّ تنفيَ الحديثَ وثُثْبِتَ الإتيانَ أي ما تأتينا إلا لم تحدّثنا وإنَّما أضمرت أنْ ها هنا ليصيرَ المصدرُ معطوفاً على المعنى إذْ كان معنى الثاني مخالفاً لمعنى الأوَّل

فصل

وتُضْمَرُ أنْ بعد حتّى إذا كانت غايةً أو كانَ ما قبلها سبباً لِمَا بعدَها

فالأوَّلُ كقولك لأنْتَظِرَنَّه حتَّى يقدمَ فالانتظار يتَّصل بالقدوم لأنَّ المعنى إلى أنْ فحتَّى ها هنا جارّة فلذلك أضمرت بعدها أنْ

وأمَّا الثاني فكقولك أطعِ الله حتَّى يُدْخِلَكَ الجنَّة أي كي يُدْخِلَك فالطَّاعةُ سببٌ للدُّخول ولا يَلْزَم امتدادُ السببِ إلى وجود المسَبّب وكما أنَّ كي واللام تُضْمَرُ بعدَها أنْ كذلك حتَّى

وقال الكوفيون حتَّى هي النَّاصبةُ لأنَّ أنْ لا تظهر معها في غالب الاستعمال فصارت بدلاً منها

وقال الكسائيّ النصب ب إلى وكي بعد حتى لأن المعنى عليهما وحتّى غَيرُ عاملة ولذلك تدخل على الجملة فلا تعمل فيها

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 45 ]

والمذهبُ الأوّلُ فاسدٌ لأنَّ حتَّى حرفُ جرّ بمعنى إلى وبمعنى اللام وليستْ بَدَلاً من أنْ أمَّا عندنا فلأنَّها جارّة بنفسها

مسألة

ينتصبُ الفعلُ بعد حتَّى على المعنيين المذكورين ويرتفعُ على مَعْنَيين

أحدهما أنْ يكونَ الفعلُ الذي بعدَها وسببُه ماضيين كقولك سرتُ حتَّى أدْخُلُها إذا كُنتَ قد سِرتَ ودخلتَ فكأنَّك قلتَ سرتُ فدخلتها ماضياً

والثَّاني أن يكونَ السببُ ماضياً وما بعدها حالاً كقولكَ سرتُ حتَّى أدخلُها إذا قلتَ ذلكَ وأنتَ في حال الدخول وإنَّما رفعتَ فيهما لأنَّ النصبَ يكونُ بإضمارٍ أن وأنْ تخلّصُ الفعلَ للاستقبال فلذلك إذا كانَ ماضياً أو حالاً لم ينتصبْ لأنَّ أنْ لا تصلحُ فيه وكذلك لا يرتفع بعدَ النفيِ والاستفهام لأنَّهما سَببين في الحال كقولك ما سرتُ حتَّى أدخلَها وأسرت حتَّى تدخلَها وكلّ ما في معنى النفي نفي فإنْ قلتَ مَنْ سارَ حتَّى يدخلَها جاز الرفعُ لأنَّ الاستفهامَ عن السائر لا عن السير فإنْ قلتَ كان سيري حتَّى أدخلَها لم يجزِ الرفعُ لأنَّه خبر كان والرفع على معنى العطف فيصيرُ داخلاً في المعطوف عليه ولا يبقى لكان خبر فإنْ قلت كانَ سيري أمسِ حتى أدخلها جاز الأمران

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 46 ]

مسألة

لا يجوزُ إظهارُ أنْ بعد حتَّى لأنَّ ذلك لم يُنْقَلْ إلا في شاذّ لا يُعتدَّ به ووجهُهُ من القياس أنّ حتَّى لَمَّا كانتْ عاملةً في موضعٍ وغيرَ عاملةٍ في آخر كانَ معناها الغايةَ في كُلِّ موضع أشبهت بذلك واو القَسَم فلمْ يظهرِ الفعلُ معه وهو العاملُ الذي يتعلَّقُ به الجار وكذلك عاملُ الظَّرف وخبرُ المبتدأ في لولا وفي لعمرك

مسألة

لا يجوزُ إظهارُ أنْ مع لام كي في النفي كقوله تعالى ( ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ المؤمنينَ ) وأكثَرُهم يخصُّ التمثيل بكان وأجاز الكوفيُّون إظهارَها

وحجّة الأوَّلين من وجهين

أحدهما أنَّ النفيَ هنا جوابٌ إثْبات فعلٍ لا يَظْهَرُ معه والجوابُ على وَفْق المُجاب عنه فكأنَّ قائلاً قال سَيَذَرُ المؤمنين فقال ما كان لِيَذَرَ المؤمنين

والثَّاني أنَّ الكلامَ طالَ بالنفي فلم يُزِدْ عليه شيءٌ آخر مع ظهور الْمُراد كما في خبر لولا وخبر لَعَمْرُك ومنَ العجبِ إجازةُ الكوفيين إظهارٌ أنْ بعدها في قولهم اللامُ هي العاملة

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 47 ]

باب الجوازم

الجزمُ في اللغة القطعُ فلذلك كانَ في الكلام حذفَ الحركةِ أو ما قامَ مقامها

فصل

إنَّما أُعملت لم لأنَّها اختصَّت وإنما جَزَمتْ لثلاثة أوجهٍ

أحدها أنَّ الفعلَ في نفسه ثقيلٌ ولم تنقُله إلى زمنٍ غير زمن لفظه فيزداد ثِقَلاً فَناسبَ أنْ يكونَ عملُها الحذفَ

والثاني أنَّها تشبه إنْ الشرطية من حيثُ أنَّها تنقلُ الفعل من زمان إلى زمان فجزمتُ كما تجزمُ إنْ

والثالث أنَّ لم تردُّ المضارعَ إلى معنى المضيِّ فالفعلُ باعتبارِ لفظه يستحقُّ الحركةَ الإعرابية وباعتبار معناه يستحقُّ البناءَ فَجُعل له حكمٌ متوسطٌ وهو السكون الذي هو في المبنيّ بناءٌ وفي المعرب حاصلٌ عن عامل

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 48 ]

فصل

فإنْ دخلَ حرفُ الشَّرط على لم أقرَّ معنى الاستقبال فيه لأنَّ الشرطَ لا يكونُ إلاَّ بالمستقبل فلذلك قدّم عليها وبقيت لم للنفي فقط فب إنْ بطل أحد معنييها ولو بقيَ المضيُّ لم يبقَ ل إنْ معنىً وكلُّ أمر يُحافظ فيه على معنى اللفظين ولو من وجهٍ أولى من أمرٍ يَلْزمُ منه حذف أحد المعنيين بالكلِّيَّة

فصل

وأمَّا لَمَّا فهي لم زيدت عليها ما وصار لها معنى آخر فإذا وقع المستقبلُ بعدها جزمته وجاز أن تقفَ عليها كقولك تكلمتَ ثُمَّ قطعت ولَمَّا أي ولما تُنْهِ ولا يجوز ذلك في لم وإنْ وقعَ بعدها الماضي صارتْ ظرفاً واقتضت جواباً كقوله تعالى ( ولما تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ ) ولولا ما لم يجز ذلك

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 49 ]

فصل

وأمَّا لامُ الأمر فعملت لاختصاصها وإنَّما جَزَمتْ لأمرين

أحدهما ما تقدم من أنّها أحدثت في الفعل معنىً زاد ثِقَلُه به

والثاني أنَّ الأمر طلبٌ وهو غرض للآمر فأشبهت لامُه لام المفعول له وتلك جارّة فيجبُ أنْ تكون هذه جازمةً لأنَّ الجزم في الأفعال نظيرُ الجرِّ في الأسماء ولشبهها بها كُسرِت

فصل

فإنْ دخلتْ عليها الواوُ والفاءُ سُكِّنت في اللغة الجيِّدة لئلا تتوالى الحركاتُ فإنْ دخلت عليها ثمّ فالجيّد كسرها لأنَّ ثمَّ منفصلة وقد سكَّنها قومٌ لشبهها بالواو

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 50 ]

فصل

وأمَّا لا في النهيِ فعملت لاختصاصها وجَزمت لِمَا جزمتْ له الّلامُ وقيل النّهي كالأمرِ من طريق المعنى فصح حمله عليه في الجزم

فصل

وأماَّا ( إنْ ) الشرطية فهي أُمُّ أدواتِ الشرطِ لوجهين

أحدهما أنها حرفٌ وغيرها من أدواته اسمٌ والأصلُ في إفادةِ المعاني الحروفُ

والثاني أنها تُستعمل في جميع صُوَرِ الشَّرطِ وغَيْرُها يَخُصُّ بعضَ المواضع ف مَنْ لمن يَعْقِل وما لما لا يَعْقِل وكذلك باقيها كلِّ منها ينفردُ بمعنىً وإنْ مفردةً تصلحُ للجميع

مسألة

فعلُ الشَّرطِ والجزاء مُعْربان وحُكي عن المازني أنَّهما مبنيّان وحجّة الأوّلين أنَّ المعنى الذي أُعرب له الفعل موجودٌ ودخولُ معنى التعليق فيه لا يُبطِلُ ذلك كما لا تُبطله أن ولم ولن

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 51 ]

واحتجَّ الآخرون بأنَّ الفعلَ هنا لا يقعُ موقعَ الاسم فكان مبنيّاً كالأمر

وهذا لا يصحُّ لوجهين

أحدهما أنَّه لم يُعربْ لوقوعه موقعَ الاسم حتى يُبنى لزوال ذلك وإنما رُفع لهذا الموقع

والثاني هو باطل ب لن يفعل فإنه لا يقع موقع الاسم وهو معرب

مسألة

واختلف الأولونَ في الجازم لفعلِ الشرط وجوابه فقالَ محققو البصريين إنْ هي الجازِمة لهما وقال بعضُهم إنْ تجزم الأوَّل ثم تجزمان الجواب وقالَ بعضُهم إنْ تَجْزِمُ الأوَّلَ ثمَّ يُجْزِمُ الأوَّلُ الجوابَ

وقال الكوفيون إنْ تجزم الأوَّل وينجزمُ الجوابُ على الجوارِ

وحجة الأوّلين أنَّ إنْ تقتضي الفعلين فعملت فيهما كالابتداء وككان وإنَّ وظننتُ

واحتج القائل الثاني بأنَّ إنْ ضعيفةٌ فلا تعمل في شيئين فتقوّى بالثاني كما ذكرْنا في عاملِ الخبر

واحتج الثالث بأنّ الفعلَ الأولَ يقتضي الثاني فعملَ فيه

واحتجَّ الرابع بأنَّ الحرفَ ليسَ في قوّتهِ العملُ في الفعلين والفعلُ لا يعملُ في الفعل فتعيَّن أنْ يكونَ على الجوارِ لما فيه من مشاكلة للأوَّل وقد جاء الإعراب على الجوار كثيراً

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 52 ]

والجواب إنَّ عملَ الفعلِ في الفعل غيرُ سائغٍ لأنَّ الفعلَ لا يقتضي الفعلَ ولا عملَ بدون اقتضاء العاملِ للمعمول وهذا يمنعُ أن يعمل وحدَه أوْ مع غيره وأمَّا الإعراب على الجوارِ فلا يُصار إليه إلاّ عند الضرورة ولا ضرورةَ

مسألة

إذا دخلت إنْ على لم كان الجزمُ ب لم لا بها وإنْ دخلت على لا كانَ بها لا ب لا والفرق بينهما أنَّ لم عاملٌ يلزمه معمولُه ولا يفرّق بينهما بشيء وإنْ يجوزُ أن يفرّق بينها وبين معمولها بمعمولِ معمولِها نحو إنْ زيداً تضربْ أضْرِبْه وتدخل أيضاً على الماضي فلا تعمل في لفظه ولم لا تفارقُ العمل وأمَّ لا فليست عاملةٌ في النفي فأضيف العمل إلى أنْ فالأوَّل كقوله ( وإنْ لَمْ يَنْتَهُوا ) والثاني كقوله تعالى ( وإلاَّ تَغْفِرْ لِي )

مسألة

لا تكون إنْ بمعنى إذْ وأجازه الكوفيّون

حجّة الأوَّلين من وجهين

أحدهما أنَّ إذْ اسمٌ وإنْ حرف ووقوع الحرف بمعنى الاسم بعيدٌ في السماع والقياس

والثاني أنَّ معنى إنْ مخالفٌ معنى إذْ

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 53 ]

واحتجَّ الآخرون بقوله تعالى ( وإنْ كَنْتُمْ فِي رَيْبٍ ) والمعنى إذْ كنتم لأنَّ إنْ للمتردِّد ولم يكن في ريب اليهود تردُّد

والجواب أنَّ العرب تَذْكُرُ مثلَ ذلك على جهة الاحتجاج والإلزام للخصم حتَّى يعترف وكذلك يقولُ الرجل لابنه إنْ كنتَ ابني فأطعني ويدلُّ على أنَّها للشرط مجيء الفاء في جوابها وأنَّه لا يعمل فيها ما قبلها

فصل

ولما كانت مَنْ للعموم وفي العموم إبهامٌ وقعت شرطاً لشبهها بإنْ في هذا المعنى وكذلك بقيَّةُ أدوات الشرط إلا أنَّ في مَنْ وأخواتها ما ليس في إنْ إذْ كانت اسماً يقع مبتدأ ومفعولاً ومجروراً

فصل

وأمَّا مَهْمَا ففيها قولان

أحدهما هي اسم مفردٌ للعموم لأنَّ الأصل عدم التركيب

والثاني هي مركبة وفي أصلها قولان

أحدهما أصلها - ماما فالأولى شرطية والثانية للتوكيد مثلها في إنْ ما - إمَّا واينما إلا أن الألف الأولى قلبت هاءً لئلا يستنكر تكرير اللفظ وهو قول الخليل

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 54 ]

والثاني أن اصلها مه التي بمعنى اكفف وما شرطية والمعنى اكفف عن كل شيء ما تفعل افعل

ويدلُّ على أنَّ مهما اسمٌ أو فيها اسمٌ عودُ الضمير إليها في مثل قوله تعالى ( مهما تأتنا به من آية )

فصل

وأمَّا حيثُ فلا تَجْزِمُ إلاَّ إذا كانتْ معها ما لوجهين

أحدهما أنَّ حيث تلزم إضافتها إلى الجمل والمضاف يعمل الجر وهو من خصائص الأسماء فلا يعملُ الجزمَ المختصَّ بالأفعال

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 55 ]

والثاني أنَّ حيثُ تقعُ بعدها الأسماءُ والأفعالُ فلم تختصّ فأدخلت عليها ما لتقطعها عن الإضافة فتهيء لها العمل في الفعل بخلاف أين ومتى فإنهما يَجْزِمان من غير ما لأنهما لا يضافان

فصل

أصلْ إذْما عند سيبويه إذْ الزمانية رُكِّبت معها ما فنقلِتها عن الاسميّة فهما حرفٌ ولمّا نُقلت عن ذلك جُعلتْ شرطيّة لأنَّها في الأصلِ ظَرْفُ زمانٍ ماضٍ فلمّا نُقلتْ استعملتْ فيما مقتضاه الزمان وقال غيره ليست مركبة

فصل

ولا يجازى ب إذا في الاختيار لأنَّها تُستعمل فيما لا بدَّ من وقوعه كقولك

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 56 ]

إذا احمرَّ البُسْرُ تأتينا فاحمرارُه كائنٌ لا محالةَ ووقتها معين فيما تضاف إليه وبابُ الشرط مختصٌّ بما هو محتملُ للكونِ وقد جاء الجزمُ بها في الشعر

مسألة

لا يجوزُ أن يعملَ في أدوات الشرط شيءٌ قبلها إلاَّ حرفُ الجرِّ لأنَّ أداةَ الشرط تُثبت فيما بعدها معنىً فكان لها صدر الكلام كأداة الاستفهام والنفي فأمَّا قولُ الشاعر من - الخفيف -

( إنَّ مَنْ لامَ في بني بنتِ حَسّانَ ... أَلُمه وأعْصِه في الْخُطُوبِ )

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 57 ]

ففي إنَّ ضميرُ الشأن ومَنْ مبتدأ كقوله تعالى ( إنَّه مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً )

فصل

وإذا وقع بعد أداةِ الشَّرط اسمٌ كانَ العاملُ فيه فعلاً إمَّا الذي يليه كقولك إنْ زيداً تضربْ أضرِبْه أو فعل محذوف يفسره المذكور كقوله تعالى ( وإنْ أحدٌ مِنَ المشركينَ استجارَكَ ) ف أحدٌ فاعل أي إن استجارَ أحدٌ وقال الكوفيون يرتفع بالعائد وقال بعضهم هو مبتدأ

ولدليلُ الأوَّل أنَّه لا معنى ل إنْ إلاَّ في الأفعال ولذلك لا تقعُ بعدها جملةٌ من اسمين فإذا لم يكن مذكوراً قُدِّر لتصحيح المعنى ولذلك يبقى الجزمُ في الفعلِ بعدَ الاسم كقولِ الشاعر من - الرمل - ( صَعْدَةٌ نابِتَةٌ في حائرٍ ... أيْنَما الريحُ تميّلْها تَمِلْ )

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 58 ]

وقال عديّ من - الخفيف - ( ومتى واغِلٌ يَنُبْهُمْ يحيّوهُ ... وتُعْطَفُ عليه كأسُ السَّاقي )

فصل

والجزاءُ يكونُ بالفعلِ المجوزمِ ولا يحتاجُ إلى الفاء لأنَّ حكمَ الفعل المعلَّق بفعل الشرط أن يعقبه فاستُغْنِىَ عن حرفٍ يدلّ على التعقيب فإذا لم تجزمْ أو جئت باسم جئت بالفاء في الجواب لتدلَّ على التعقيب الذي هو حكمُ الجزاء وربّما حُذِفَتْ وهو قليل وأكثر ما يأتي حَذْفُها إذا كان فعلُ الشرط ماضياً كقوله تعالى ( وَإنْ أطعْتُموهم إنَّكم لَمُشْرِكون ) وقد جاء مع المستقبل كقول الشاعر من - البسيط

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 59 ]

( مَنْ يَفْعلِ الحسناتِ الله يشكرها ... والشرُّ بالشرِّ عِنْدَ اللهِ مِثْلانِ )

ولا يقاس عليه

فصل

وتُقامُ إذا التي للمفاجأة مقام الفاء كقوله تعالى ( وإنْ تُصِبْهُمْ سيئةٌ بما قدَّمت أيديهم إذا هُمْ يَقْنَطون ) لأنَّ المفاجأة تعقيبٌ

فصل

فأما قول الشاعر من - الرجز - ( يا أقرعُ بنُ حابسٍ يا أقرعُ ... إنَّك إنْ يُصرعْ أخوك تصرعُ )

فمذهبُ سيبويه أنَّ تصرعُ خبر إنَّ والشرط معترض بينهما وجوابه محذوفٌ أغنى عنه ما قبلَه ومذهبُ المبرِّد هو خبر مبتدأ محذوف أي فأنتَ تصرعُ

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 60 ]

فصل

ويجوز أنْ يُحذفَ جوابُ الشرطِ تارةً وفعلُ الشرط أخرى فمثالُ الأوَّل من - الطويل - ( أقيموا بَنِي النُّعْمانِ عنّا صدورَكم ... وإلاَّ تُقِيموا صاغرينَ الرؤوسا )

أيْ إنْ لا تقيموها مختارين تقيموا الرؤوسَ صاغرين ومن الثاني قول الآخر من الوافر

137 - ( فطلِّقْها فلستَ لها بكفءٍ ... وإلاَّ يَعْلُ مَفْرِقَكَ الحُسامُ )

أي إلاَّ تطلَّق ويجوزُ في البيت الأول مثل هذا

فصل

ومَنْ وما وما أشبههما إذا وقعت مبتدأ في الشرط فالخبر فعلُ الشرط وحدّه وقال بعضهم الخبرُ الشرطُ والجزاءُ

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 61 ]

وحجَّة الأوَّلين أنْ مَنْ اسمٌ تام وفعل الشرط فيه ضميرٌ يعود عليه لا محالةَ ولا يلزم في الجواب أن يكون فيه ضميره وهذا حكم الخبر كقولك مَنْ يقم يقم زيدٌ

وحُجَّةُ الآخرين أنَّ الكلامَ لا يتمُّ إلا بالجواب فكان داخلاً في الخبر ويصير كقولك زيدٌ إنْ يَقُمْ أقمْ معه فالشرط والجواب جميعاً الخبر

وقد أُجيبَ عن هذا بأنَّ الجوابَ هنا أجنبيٌّ عن المبتدأ ومَنْ يعملُ الفعلُ فيها بعدَها النصبَ كقولك مَنْ تضربْ أضربْ فيكونُ هو الخبرَ عنها كقولك زيدٌ ضربته لأنَّه لو تجرَّد عن ضميرِ المفعولِ كانَ ناصباً لزيدٍ وأمَّا افتقارُ الكلامِ إلى الجواب فشيءٌ أوجبَهُ التعليقُ ألا ترى أنَّ قولك لولا زيدٌ لأكرمتك لا يتمّ فيه

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 62 ]

الكلام إلاَّ بالجواب وليسَ الجوابُ داخلاً في الخبر ولذلك جعلت الخبر في الاستفهام هو الفعل كقولك مَنْ قام لَمَّا لم يُحْتَجْ إلى التمام بالجواب

مسألة

لا يُجازَى ب كيف وقال الكوفيون يُجازى بها

حجَّة الأولين أن كيف لو جوزي بها إما أن يعرف ذلك بالسماع أو بالقياس على المسموع لا وجه إلى الأول فإنَّه لا يَثْبتُ فيه سماعٌ ولا وجهَ إلى الثاني لثلاثةِ أوجه

أحدها أنَّ معنى أدوات الشرط تعليقُ فعلٍ بفعل وكيف لو عَلَّقت لعلّقت حالَ الفاعل أو المفعول بحالٍ أخرى والفعل يمكن الوقوفُ عليه لظهورِه والحالُ لا يمكنُ ذلك فيها لخفائها

والثَّاني أنَّ من الأحوالِ ما لا يدخلُ تحتَ الاختيار فلا يصحُّ أن يعلَّقَ عليها حال ألا ترى أنَّه لو قالَ كيفَ تذهبْ أذهبْ فذهبَ مكرهاً أو مغموماً لم يصحّ

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 63 ]

تكلُّفُ ذلك في جواب الشرط ومثلُ ذلك لو كانَ فعلاً لم يصحّ المجازاة به كقولك إنْ متَّ متُّ

والثَّالث أنَّ تلك الأدواتِ التي هي أسماءٌ يَرْجِعُ إليها ضميرٌ لا محالةَ وكيفَ اسمٌ لا يصحُّ أنْ يرجعَ إليها ضميرٌ فلم يصحّ قياسها عليها ولا يصحّ قياسُها على الحرف في عدم عود الضمير كما تقاس بقية الأسماء على أنْ في عدم الضمير إليها

واحتج الآخرون بأنه يصحّ أن يقال كيف تصنعُ أصنعُ بالرفع فكذلك في الجزم والجوابْ عنه من وجهين

أحدُهما أنَّ استعمالَ مثلِ هذا بعيد ولو وردَ عن ثقةٍ فوجهه أنَّه قصدَ حالاً معلومة بقرينةٍ تُميّزها عندَه وهذا يصحّ مع الرفع لا معَ الجزم لأنَّ أسماءَ الجزم حكمها العموم إذا جَزمتْ

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 64 ]

فصل

فإذا حُذِفت الفاء جزمْتَ في جميعها إلاَّ في النفي لأنَّ النفيَ عدمٌ والعدمُ لا يُجازَى به أو لا يصحّ التعليق به ولا يكون سبباً لغيره والفاء تدلُّ على أنَّ الأول سببٌ للثاني

مسألة

تقول لا تدنُ من الأسدِ تَسْلَمْ منه فتجزمُ والتقدير إنْ لا تدنُ تسلمْ فالتباعد منه سببُ السَّلامة فإن قلت لا تدنُ من الأسدِ يأكلْك لم يجزْ لأن تقديره إلاَّ تدنُ منه يأكُلْك والتباعدُ منه ليسَ بسببٍ في أكله فإنْ قيلَ لِمَ لَمْ يُقدّر إنْ تدْنُ قيلَ يجبُ أنْ يكونَ المقدَّرُ من جنس الملفوظ به فكما لا تقدِّر في الأمر النهي كذلك لا تقدِّرُ في النهي الإيجابَ ألا تراك لا تقول ابعُدْ من الاسد يأكلْك تريد إلاَّ تبعدْ يأكلْك

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 65 ]

مسألة

الأمرُ والنهيُ ونحوهما لا يُجزَمُ بأنفسِهما بل بشرط مقدَّرٍ لأنَّ الكلامَ تمَّ عليهما بدونِ الجواب كقولك زرْني ولا تُهنّي جملة تامة بخلاف إنْ ومَنْ

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 66 ]

باب النُّونين

مسألة

لا تدْخلُ هاتانِ النونان على غيرِ الأفعال لأنَّ المُرادَ منهما توكيدُ ما لم يقعْ ليكونَ حاملاً على الإيقاع ولذلكَ اختصَّا بالقَسم والأمر والنهي والاستفهام وهذا لا يتحققُ في غيرِ الفعل

مسألة

الفعل المضارعُ يُبنى مع نونِ التوكيد لأنَّها تؤكِّد فعليته فيعود إلى أصله من البناء وقد ذكرنا ذلك قبل بأشبع من هذا

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 67 ]

مسألة

إنَّما فُتح ما قبلَ هذه النون في الواحدِ لأمرين

أحدهما أنَّ الضمة تدلُّ على الجمع والكسرةَ تدلٌّ على التأنيث والسكونَ على جمع المؤنث فبقيت الفتحةُ للواحد

والثاني أنَّ وقوع هذه النون في الواحد أكثر فاختيرَ له الفتح تخفيفاً

مسألة

الحركة قبل النون بناء وقال قوم هي لالتقاء الساكنين وحجَّة الأولين أنّها لو كانت لالتقاءِ السَّاكنين لم يُرَدَّ المحذوف قبلها نحو بيعَنّ وقُولنَّ لأنَّ حركةَ التقاء الساكنين غيرُ لازمةٍ فيصير كقوله ( قمِ اللَّيلَ ) وبعِ المتاع ولَمَّا قلت قومنَّ وبِيعنّ صحَّ ما ذكرنا

مسألة

النون الخفيفة أصلٌ كما أن الثقيلة أصلٌ وقال الكوفيون هي مخففةٌ من الثقيلة

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 68 ]

وحجّة القولِ الأوَّل أنَّ الثقيلةَ أشدُّ توكيداً من الخفيفة واصلُ التوكيدِ سابقٌ على زيادتِه والسابقُ أصلٌ للمسبوق وتخفيفُها من الأخرى يدلُّ على أنَّ الثقيلةَ أصلٌ فهي بأنْ تكونَ فرعاً على الخفيفةِ أولى من العكس ولأنَّ التخفيفَ تصرّفٌ والحروف تبعد عنه

مسألة

لا تدخلُ النونُ الخفيفةُ على فعلِ الاثنين وجماعةِ النسوة وقال يونس والكوفيون يجوز

وحجَّة الأوَّلين من وجهين أحدهما أنَّ السماعَ لا يشهدُ به والقياسُ على الثقيلة متعذِّرٌ لأنَّ كلاًّ منهما أصلٌ يفيد ما يفيده الآخر ولا بدَّ في الأصلِ المقيس عليه من اتِّحاد العلَّة وتماثلِ الحكمين

والثاني أنه يلزم من ذلك جمعُ بينَ ساكنين والثاني غيرُ مدغم وذلك لا يجوز ولا يجوزُ تحريكُ الثَّاني لأنَّه يُخرج النون عن حكمها وهو السكون فلذلك لم تحرك هذه النون لساكن بعدها

واحتجَّ الآخرون بأنها نون توكيد فلحقت ما تلحقه الثقيلة واعترضوا على ما ذكرنا من وجهين

أحدهما أن الألف فيها مدّ يشبه الحركة فيجوز وقوع الساكن بعدها

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 69 ]

والثاني أن الجمع بين ساكنين قد ورد كقولك التقتْ حلقتا البِطان وغير ذلك

والجواب أنَّا قد بيَّنا الفرق بين الخفيفة والثقيلة وأمَّا مدة الألف فلا تجري مجرى الحركة لاستحالة تحرك الألف ولأنها لو كانت كالحركة لجاز أن يليها كلّ ساكنْ وليس كذلك وأمَّا وقوع المدغم بعدها نحو دابّة وأصيّم وتُمودّ الثوبُ فسبب ذلك أن المدغم حرف واحد متحرك في اللفظ وإن كان في التقدير حرفين ولذلك حسُن فيه ولم يحسن في غير المدغم وقد دعا توهّم الجمع بين ساكنين هنا بعضَهم إلى قلب الألف همزةً مفتوحةً فقال دَأَبَّةٌ وشَأَبَّةٌ وأمَّا حَلْقَتا البِطان فشاذٌّ لا يقاس عليه

مسألة

النونُ الثقيلةُ تفتحُ إلاَّ أنْ تقعَ قبلها ألفٌ نحو تضربانِّ واضربنانِّ وإنَّما حُرِّكت

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 70 ]

لئلا يجتمعَ ساكنان وفُتحت طلباً للتخفيف خصوصاً مع المثلين وإنما كُسرت بعد الألف تشبيهاً بنون تضربانِ وهو الأصل في التحريك لالتقاء الساكنين

مسألة

إنَّما زيدت الألفُ قبلَ نونِ التوكيد في فعلِ جماعة النسوة لئلاّ تتوالى ثلاثُ نُوناتٍ زوائد على الفعل ففُصل بالألف بينهما فإنْ قيل فقد قالوا في المضارع تَحْنِنَّ من حنَّ يحِنُّ وفي الماضي حَنّنَّ وهي ثلاثُ نونات قيل ثِنْتان منها من نفسِ الفعل وواحدةٌ ضميرٌ بخلاف التوكيد

فإنْ قيل كيفَ تؤكّد جمعَ المؤنث من هذا الفعل هل تقول احننّانّ فمعك الآن خمسُ نونات ثِنتان من نفس الفعل وواحدة ضمير وثنتان للتوكيد

فإنْ قيلَ فإنْ كان هذا الأمر من أنَّ يئِنُّ كيفَ يُلفظُ به قيل يقال ايننان فتقلب الهمزة ياءً لسكونها وانكسار ما قبلها فإنْ أردتَ ذلك من وَدَّ قلتَ ايدَدنان فتقلب الواو ياءً لسكونها وانكسار ما قبلها فإنْ أردتَ ذلك من سنَّ يسُنّ قلت اسنُنْنانّ وإنْ أردته من وَضُؤ يَوْضُؤ قلت اوْضؤنانِّ وإن أردته من أزّ يئزّ قلت أوْزُزْنانّ فإن أردتَ ذلك من وقع قلت قَعْنَانّ وإنْ أردتَه من رأى قلت ريْنانّ ووزنه فينانّ فالمحذوف عين الكلمة ولامها فإنْ أردته من

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 71 ]

خاف وقام قلتَ خافنّ يا زيدُ وخافُنّ وخافِنّ وخَفْنَانِّ وإذا تفطَّنتَ لهذه المسائل وقفتَ على حقيقة الباب إن شاء الله تعالى

مسألة

إذا وقفتَ على النون الخفيفة المفتوح ما قبلها أبدلت منها ألفاً كقوله تعالى ( لَنَسْفَعاً ) ( وليكوناً من الصاغرين ) لأنَّ هذه النون أشبهتِ التنوينَ في نصب الأسماء فإنْ وقفتَ على المضموم ما قبلها والمكسور لم تبدل منها شيئاً بل تحذفها وتردُّ الكلمةَ إلى أصلها فتقول اضربوا واضربي وهل تضربونَ لأنَّ التنوينَ لا يُبْدَل منه مع غير الفتحة فالنونُ في الأفعال أولى

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 72 ]

مسألة

إذا وقفت على بَدَل النون ثم أجريت الوصلَ مُجرى الوقف حذفتَ الألفَ من اللفظ لالتقاء الساكنين ولا تُثبتُ النونَ التي هي أصل لأنَّك لو أثبتَّها لحرَّكتها وذلك لا يجوز بخلاف التنوين فإنَّه يحرِّك لالتقاء الساكنين والفرْقُ بينهما أنَّ التنوين أكثر تصرّفاً من النون وهو واقع في الأسماء التي هي الأصل وللأموال من التصرف ما ليس للفروع

فصل

إذا وقعتْ نونُ التوكيد بعدَ الواو حركتَها بالضمّ وبعدَ الياء حركتها بالكسر نحو اخشوُنَّ ولا تَرْضَيِنّ فالواو ها هنا ضمير الجماعة ولامُ الكلمة محذوفةٌ والفتحةُ تدلُّ على الألف المنقلبة عن اللامِ ولم يَجُزْ حذفُ الضمير لأنَّك قد حذفتَ اللام فلو حذفتَ الضمير لضممت ما قبلَ النون أو كسرته فلا يبقى على الألف دليلُ وليس كذلك قولك اِرْمُنّ واَرْمِنّ لأن ضمة الميم تدلُّ على الواو والكسرة تدلُّ على الياء المحذوفة

مسألة

إذا أمرْتَ جماعةَ النساء وأكَّدته من قولك وأي قلت اينانّ أمّا الواو التي هي فاء الفعل فحذفت لوقوعها بين ياءٍ وكسرةٍ في قولك ءُئي وبقيت الهمزةُ والياءُ والنونُ بعد الياء ضمير والأخيرة للتوكيد فإن كانْ ذلك من أوى قلت

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 73 ]

ايتونيانّ فالأولى همزة وصل والياء بدل من الهمزة الأصليّة فإنْ أكَّدت فعل الواحدة قلت من وأى إنَّ يا هندُ ففاء الكلمة محذوف فبقيَ اِيْ فحذفت الياء لسكونها وسكونِ النون بعدها وتقول من أوى ايْوَنَّ

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 74 ]

بابُ

الإعراب والبناء

قد ذكرنا في أوَّل الكتاب معنى الإعراب وحدَّه ونحنُ نذكر في هذا الباب معنى البناءِ وحدَّه وعِلَله والحركاتِ التي تُبنى الكلمة عليها وامتناعَ الجمع بين الساكنين ولِمَ كان الأصل في التحريك الكسرَ

أما معنى البناء فهو الثبوت واللزوم كبناء الحائط وحدُّه في النحو لزوم آخر الكلمة سكوناً أو حركةً وإن شئت قلتَ هو أنْ لا يختلف آخر الكلمة لاختلاف العامل فيها

فصلُ

والحروفُ كلُّها مبنيَّة وكذلكَ الأصلُ في الأفعال ولا يفتقِرُ ذلك إلى علَّةٍ لأنَّ الكلمةَ موضوعةٌ عليه وإنَّما يُعلَّلُ الإعراب لأنَّه زائدٌ على الكلمة ولَمَّا كان الأصلُ في الأسماء أنْ تُعربِ لِمَا بيَّنا في أول الكتاب احتيج إلى تعليل ما بُني منها ولَمّا كانَ الأصلُ في كلّ مبنيّ ! السكونَ احتيج إلى تعليل ما حُرِّكَ منه وإلى تعليلِ تعيينِ حركةٍ دونَ غيرِها وسأبيّنُ ذلك إنْ شاء الله تعالى

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 75 ]

فصل

وإنَّما كانَ الأصلُ في البناء السكونَ لأمرين

أحدُهما أنَّهُ ضدُّ الإعراب والإعرابُ يكون بالحركةِ فضدّه بضدّها

والثاني أنَّ الحركة زائدةٌ والأصلُ أنْ لا يُزاد شيءٌ إلا للحاجة إليه

فصل

وإنَّما يُحرّكُ المبنيّ لأمرين

أحدهما التقاء الساكنين والآخر شَبهَه بالمعرب

وإنَّ وإنما احتيج إلى تحريك الثاني لالتقاء الساكنين لأنَّك إذا نطقت بالسَّاكن الأوَّل صار كالموقوف عليه فإذا أردتَ النطقَ بالثاني كنتَ كالمبتدئ به والابتداءُ بالساكن ممتنعٌ

فصل

والأصلُ في التحريك لالتقاء الساكنين الكسرُ لأربعة أوجهٍ

أحدها أنَّ الكسرة علامةُ الجر والسكونَ علامةُ الجزم والجرُّ والجزمُ نظيران إذ الجرُّ مختصٌّ بالأسماء والجزمُ بالأفعال فعند الحاجة إلى تحريك المجزوم حُرِّك بحركة نظيره ثم حُمِل بقيّةُ السواكن عليه لاتِّفاقهما في السكون

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 76 ]

والثاني أنَّ الكسرةَ أقلُّ من الضمَّةِ والفتحة لأنَّهما يكونان في الأٍسماءِ والأفعال إعراباً وبناءً ولا كسر في الأفعال ولا فيما لا ينصرفُ من الأٍسماء والحملُ على الأقلّ عند الحاجة أولى

والثالثُ أنَّ الضمةَ ثقيلةٌ جداً والفتحة قريبة من السكون جداً والكسرُ وسطٌ بينهما

والرابع أنَّ الفعلَ يدخله الضمُّ والفتحُ مع الاختيار فكُسِر عند الاضطرار لتكمّل له الحركات

فصل

وتحريكُ أحدِ السَّاكنين أوْلى من حذفِه لأنَّ الضرورةَ تندفعُ به مع بقاءِ حروفِ الكلمة والحذف يُنقصها فلا يُصارُ إليه إلا للضرورة

فصل

والأصلُ تحريكُ الساكنِ الأوَّل لأنَّه به يُتوصَّل إلى النطقِ بالثاني فهو كهمزة الوصل وقال قوم الأصلُ تحريكُ ما هو طرفُ الكلمة أوَّلَ الساكنين كانَ أو ثانيهما لأنَّ الأواخرَ مواضعُ التغيير ولذلك كانَ الإعرابُ آخراً

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 77 ]

باب حيثُ

وهي ظرف مكان وقال الأخفشُ تكون زماناً أيضاً كقول طَرَفة من - المديد - ( للفتى عقلٌ يعيشُ به ... حيثُ تهدي ساقَه قدمُه )

أي مدّةَ حياتِه وهذا غيرُ لازمٍ إذ يمكن أن يكون المعنى في أيِّ مكانٍ كان

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 78 ]

فصل

وهي مبهمةٌ يبيِّنُها ما بعدها ولا تكادُ العرب تُوقِعُ بعدها المفردَ بل تبيِّنُها بالجملة وذلك لشدة إبهامها وإرادة تعيّنها بإضافتها إلى المعيّن وذلك لأنَّك لو قلتَ جلستُ حيثُ الجلوسِ أو حيثُ زيدٍ لم يكن في ذلك إيضاحٌ تامٌّ لاحتمالِه فإذا قلتَ حيثُ جلسَ زيدٌ لم يبقَ فيه احتمالٌ وقد جاء المفردُ بعدها في الشعر كقول الراجز

( ... أمَا ترى حيثُ سهيلٍ طَالِعَاً )

ويروى سُهيلٌ بالرفع على الابتداء والخبر محذوف دلَّت عليه الحال وهي قوله طالعاً ويُروى بالجر فمنهم من يقول بإضافتها إلى المفرد وهي مبنيّةٌ كقوله تعالى ( مِنْ لَدُنْ حكيمٍ خبيرٍ ) ومنهم من ينصب حيث ويُعربها ويجرّ ما بعدها بالإضافة

فصل

وأمَّا حالُها في الشَّرط فتُكفّ عن الإضافة على ما بيَّناه

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 79 ]

فصل

وهي مبنيةٌ على الضمِّ في اللغة الجيدة وفيه ثلاثة أوجه

أحدُها أنها ناقصةٌ لا تتمّ إلاَّ بجملةٍ توضحها فهي كالذي

والثاني أنَّها خرجت عن نظائرها من أسماء الأمكنة فإنَّ مُبْهَمها يتَّضح بالإضافة إلى المفرد نحو خلفك وقدامك

والثالث أنَّها تضمَّنت معنى حرفِ الإضافة إذْ من حكم كل مضافٍ أن يَظْهَر بعده حرفُ الإضافة نحو غلامُك وثوبُ خزٍ وقدّام لك فَلَمّا لم يظهر كانَ متضمناً لها والاسم إذا تضمَّن معنى الحرف بُني

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 80 ]

فصل

وإنَّما حُرِّك آخرها لئلا يلتقي ساكنان فأمَّا من ضمّها فله في ذلك وجهان

أحدهما أنَّها أشبهت قبلُ وبعدُ في وقوعها على كلِّ الجهات وأبعاضِها فأُلحقت بهما

والثاني أنَّ معظمَ أسماءِ الأمكنةِ مُعْرَبٌ يتَّضح بالمفرد فًلَمَّا خالفت أخواتها قوّيتْ بأنْ بُنيت على الضمِّ تنبيهاً على أنَّ حقَّها الإعراب ومن العربِ العربِ مَنْ يَبْنيها على الفتح طلبا للخفة ومنهم من يبنيها على الكسر وهو الأصلُ في التقاء الساكنين

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 81 ]

باب قبلُ وبعدُ

وهما ظرفانِ على حسبِ ما يضافان إليه إنْ أُضيفا إلى المكان كانا مكانين وإنْ أُضيفا إلى الزمان كانا زمانين وقد يُحذفُ الزمانُ بينهما وبينَ ما يضافانِ إليه كقولك جئت قبلَ زيدٍ أي قبل مجيء زيدٍ

فصل

وهما مبهمانِ إذا كانا ظرفين فلا يَبْينُ معناهما إلا بذكرِ ما هما ظرفانِ له ومِنْ هنا لزمَتْهُما الإضافةً لفظاً أو تقديراً

فصل

ويضافانِ إلى المفرد لأنَّ الإبهام يزولُ به إذا كانا بعضَه أو مضافين له مِنْ جنسه

فصل

ويعربانِ في الإضافةِ إذا لم توجد فيهما علّةُ البناء فخرجا على الأصل

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 82 ]

ويبنتيانِ إذا قُطعا عن الإضافةِ كقوله تعالى ( للهِ الأمرُ مِنْ قبلُ ومِنْ بَعْدُ ) وفي ذلك ثلاثة أوجه

أحدها أنَّهما تنزّلا منزلةَ بعضِ الكلمة إذْ كانا مبهمين لا يتَّضحان إلا بالمضافِ إليه فإذا قُطعا عنه لم يَزُلِ الإبهامُ إلاَّ بالنَّظر في معنى الكلام وإذا أضيفا فُهِمَ معناهما باللفظ المتَّصل بهما وليسا كالحروفِ التي معناها في غيرِها ولا كالذي المفتقرة إلى الجملةِ

والوجهُ الثاني أنَّهما تضمّنا معنى لامِ الإضافةِ إذْ كانا مختصين مع القطع كاختصاصهما مع ذِكْرِ المضاف إليه والإضافةُ مقدَّرةٌ بالّلام وبتقديرها يتضمنانِ معناها والاسم إذا تضمَّن معنى الحرف بُنيَ

والثالثُ أنَّه لا يُخبر بهما ولا عَنْهما بعد قطعِهما عن الإضافةِ ولا يتمُّ بهما الصلة فَجَريا مجرى الحرف

فصل

وحُرِّكا تنبيهاً على أنَّ بِناءهما عارضٌ فلهما تمكّنُ ولم يحرّكَا لاجتماع الساكنينِ ألا ترى أنَّ قولك يا حكمٌ في النداء محرّكٌ ولا ساكن قبل الطَّرف لكن لِمَا ذكَرْنا

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 83 ]

فصل

وحُرِّكا بالضمِّ لثلاثة أوجهٍ

أحدها أنَّ الضمَّ أقوى مِنْ غيره فاختير زيادة في التنبيه على تمكّنهما

والثاني أنَّهما في حال الإضافة يُحركانِ بالفتح والكسرِ دون الضمّ فضُمَّتا في البناء لتتكمّل لهما الحركاتُ

والثالثُ أنَّهما لمّا اقتضيا المضافَ إليه وحُذف عنهما عُوِّضا منه أقوى الحركات

فصل

ويُسمّى قبلُ وبعدُ وفوقُ وتحتُ وبقية الجهات الست غاياتٍ وفيه وجهان

أحدهما أنَّها حدودٌ ونهاياتٌ لما تحيط به وغايةُ الشيء آخره فسمّيت بمعناها

والثاني أنَّ تمام الكلام يحصل بالمضاف إليه بعدها فإذا قُطعا عنه صارتْ هي آخراً وغايةُ نائبةً عن غيرها

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 84 ]

باب قط

أمَّا المخففةُ فبمعنى حَسْبُ وبُنيت لأنَّها وقعتْ موقعَ المبنيّ وهو فعلُ الأمر مثل صه ومه وسكِّنت على الأصل ومثلها قدْ بمعنى حسبُ ولا تنوّن في المعرفة وتنوّن في النكرة فإذا أدخلتهما على ياء المتكلم قلت قَطِي وقَدِي فلم تُلحق النون لأنَّهما اسمان ومن العرب مَنْ يُلْحِقُ النونَ فيقول قطْني وقدْني لتسلَم السكونُ

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 85 ]

فصل

فأمَّا قطُ المشدَّدة فمعناها ما مضى من الزمان دون المستقبل وبنيت لوجهين

أحدهما أنَّها أشبهتِ الفعلَ الماضي إذ كانتْ لا تكون إلاَّ له

والثاني أنها تضمنت معنى في لأنَّ حكمَ الظرف أن تحسن فيه في ولمّا لم تحسن ها هنا كانَ الظرف متضمناً لها وقيل تضمنت معنى منذُ التي تقدرُ بها المدة أو ابتداء المدة لأن قولك ما رأيته قطٌّ أي منذ خلقتُ وإلى الآن

فصل

وحرِّكت لئلا يجتمع ساكنان وضُمَّت لأنَّها أشبهت منذُ وقيلَ قُوِّيت بالضمِّ إذْ كانت نائبة عن مُنْذُ وما بعدها

فصل

وإذا حذفت المضاف إليه مع فوقُ وتحتُ وعلُ بنيت الباقي على الضمِّ للعلَّة التي ذكرناها في قبلُ

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 86 ]

فصل

واين مبنيةٌ لتضمُّنِها معنى حرفِ الاستفهام والشَّرط وحُرِّك آخِرُها لئلا يلتقيَ ساكنانِ وفتحَ ولم يكْسِرْ على الأصلِ فِراراً من اجتماع الياءِ والكسرةِ مع كَثْرةٍ الاستعمال

فصل

وكيفَ مبنيةٌ مثل أينَ وهي اسمٌ والدليل على ذلك السّماعُ والقياس فالسماعُ قول بعض العرب على كيف تبيع الأحمرين

وقال الآخر انظر إلى كيف تصنع وهذا شاذُّ الاستعمال والحكاية الثانية شاذّةٌ القياس أيضاً لأنَّ كيف استفهامٌ والاستفهام لا يعملُ فيه ما قبله

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 87 ]

إلاّ حرفُ الجرِّ إذا تعلَّقَ بما بعده وها هنا قد تعلّق بما قبله وأمَّا القياسُ فمن ثلاثة أوجه

أحدها أنَّ الاسمَ يُبدلُ منها كقولك كيفَ زيدٌ أصحيحٌ أم مريضٌ والاسمُ لا يُبدل إلاّ من الاسم

والثاني أنَّ الاسم يُجاب به عنها كقولك كيفَ زيد فتقول صحيحٌ ولو كانت حرفاً لَما أجيب عنها إلا بالحرف

والثالث التقسيم وهو أنْ يقالَ لو كانت حرفاً لَما تمَّ الكلام بها مع اسمٍ واحدٍ مع أنها ليست حرفَ نِداء ولو كانت فعلاً لَمَا وليها الفعلُ من غير حاجزٍ بينهما وقد وليها كقولك كيف صنعتَ فتعيّن أن تكونَ اسماً لأنَّه الأصل

فصل

وأمَّا أيّان فهي بمعنى متى وبُنيت لتضمُّنها معنى حرفِ الاستفهام وفتح آخرها لأنَّه أخفّ بعد الياء والألف التي بينهما حاجزٌ غير حصين

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 88 ]

فصل

وأمّا الآن فاسمٌ لدخول الجار عليها كقولك من الآن وإلى الآن وكذلك الألف واللام

وقال الفرّاء هي فعلٌ وهذا بعيدٌ لأنَّها لو كانت فعلاً لم تدخل عليها اللامُ ولا عبرةَ باليجدّعُ واليتقصّعُ لشذوذهما ولأنه لو كان فعلاً لكان فيه ضمير الفاعل ولا يصح تقدير ذلك فيه وهي اسم للوقت الحاضر وقال قوم الآن حدّ ما بين الزمانين أي طرف الماضي وطرف المستقبل وقد يتجوز بها عمّا قرب من الماضي ويقرب من المستقبل وألفها منقلبة عن ياءٍ لأنَّها من آن يأْيَن إذا قرب وقيل أصلها أوان فقلبتِ الواوُ ألفاً ثم حُذفت لالتقاء الساكنين وهذا بعيدٌ لأنَّ الواو قبل الألف لا تُقلب كالجواد والسَّواد واتفقوا على بنائها فعلى قولِ الفرّاء هي فعلٌ ماضٍ فلا ريبَ في بنائها واختلفَ الباقون في علّة البناء فقال

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 89 ]

المبرّد وبن السرّاج خالفت نظائرها لأنَّها نكرة في الأصل استُعملت من أوَّل وضعها بالألف واللام وباب اللام أن تدخل على النكرة وقال الزجَّاج بُنيت لتضمُّنها معنى حرف الإشارة لأن المعنى في قولك فلانٌ يصلّي الآن أي في هذا الوقت وقال أبو عليّ بنيت لتضمُّنِها معنى لام التعريف لأنَّها استُعملت معرفةً وليست عَلَماً والألف واللام فيها زائدتان

فصل

في هلمّ قولان

أحدهما هي اسم للفعلِ فلا يظهر فيه علمُ التثنيةِ والجمع والتأنيث وبها جاء القرآنُ قال الله عزّ وجلّ ( هلمَّ شُهداءَكم ) وفي آية أخرى ( والقائلينَ لإخوانهم هَلُمَّ إلينا )

والقول الثاني هي فعلٌ تظهر فيه علامةُ التثنيةِ والجمعِ والتأنيث نحو هلمّا

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 90 ]

وهلُّموا وهلّمي وأمَّا جماعة النسوة فالجيد فيها هَلْمُمْنَ وقد قيلَ غيرُ ذلك ولا يُعرّج عليه

فإذا جُعلت اسماً للفعل فمعناها احضُروا أو أقبلوا وهي مركَّبة إذا كانت فعلاً من ها ولمّ فأصلها هاالمم فحذفت ألفُها وهمزةُ الوصل فلزِم الإدغام لمّا تحركت اللام وبُنيت إذا كانت اسماً لوقوعها موقع المبنيّ وفتحت لطول الكلمة وثَقُلَ الضمُّ للإدغام

فصل

ومن أسماء الفعل ها بمعنى خُذْ وفيها لغاتٌ

إحداها هاءَ بهمزةٍ مفتوحةٍ للمذكر وفي المؤنث هاءِ وفي التثنية هاءا وفي الجمع هاؤوا ومنه قوله ( هَاؤُمُ اقرَؤوا )

واللُّغةُ الثَّانيةُ ها بغير همزٍ في كلّ حال

واللُّغةُ الثَّانية ها بغير همزٍ في كلّ حال

والثَّالثة هاكَ فَيُجْعَلُ مكانَ الهمزةِ كافاً وبُنيت لوقوعِها موقعَ الأمر

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 91 ]

فصل

وأما هيت فاسمٌ للفعلِ ومعناه هَيْتَ لكَ فبُني لوقوعِه موقعَ الفعل الماضي وقيلَ لوقوعِه موقعَ الجملة وقيلَ هو مقدَّر بمبتدأ وخبر أي أنا متهيّئةٌ لك وقيلَ هو واقعٌ موقعَ الأمرِ أي ايتني

فصل

وأما هاتِ ففعلٌ صريحٌ يقالُ هاتَا يُهَاتي مهاتاةٌ مثل رامى وحامى

فصل

وأمَّا هُنا فاسمٌ للمكان الحاضر وقد تُستعمل في الزمان مجازاً كقوله تعالى

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 92 ]

( هنالِك دَعا زكريّا ربَّه ) فإذا دخلت عليها الكافُ صارَ للمكان البعيد لأن الحاضر يعرفه المخاطب وإذا لم يعرفه كان بعيدا وصارَ بمنزلة هذا فإن زدتَ اللام فقلت هنالك كان أبعدَ كما ذكر في ذلك وإنَّما بُنِيت هنا لتضمُّنها معنى حرفِ الإشارة

فصل

وأمَّا ثَمَّ فاسمٌ للمكانِ البعيدِ عنك وبُني لتضمّنه حرف الإشارة أيضاً ولا يجوزُ ثَمّكَ كما جازَ هناك لأن ثَمَّ للبعيدِ فلا حاجةَ إلى إدخالِ الكافِ عليه لأنَّ من شأنِها أن تنقل القريب إلى البعيد

فصل

أسماءُ العدد إذا استُعملتْ في العدِّ مَبْنِيَّةً كقولك واحد اثنان ثلاثة لأن الغرض منها العدُّ فقط فهي كالأصوات فإنْ وصلتَ بعضَها ببعضٍ أبقيتَ الهاءَ على لفظها وإن اجتمع ساكنان حركتَ الأوَّلَ كقولك واحدٍ اثنان والجيِّدُ أن تحركَ

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 93 ]

الدال بالكسرِ على الأصل وريَّما يجوز أن تلقيَ حركةَ الهمزةِ على الهاء في ثلاثة أربعة فتفتح الهاء فإنْ أخبرتَ عن العدد أو وصفته أعربته

فصل

وحروف التهجي إذا أردت بها الهجاء فقط مبنيَّةً لأنها كالعدد فيما ذكرنا من حيث الغرض منها العدّ فهي كالأصوات فإن أخبرت بها أو عنها أو وصفتها أعربتَها وما كان آخره ألفاً نحو با تا ثا تزيدُ عليه ألفاً أُخرى ليُكمّلَ اسماً ثم تحرِّكُ الثانية فتقلب همزة

فصل

والأصوات المحكيّة مبنيّة ك غاق في حكاية صوت الغراب وعَدَسْ في زجْر البغال لأنَّ الغرضَ منها نفسُ الحكاية والإعرابُ يُراد للفرق بين المعاني

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 94 ]

وما التقى فيه ساكنان حُرِّكَ الثاني بالكسر على الأصل إلاَّ أن يعرِض فيه ثِقَلٌ فيحرّك بالفتح نحو هَيْدَ في زجر الإبل

فصل

وأمَّا جَيْرِ فَبمعنى نَعَمْ في أكثرِ الاستعمال فهي حرف ك نَعَمْ وحُرِّكَ بالكسرِ لالتقاء الساكنين ولم يكثر استعمالُها ففتح كما فتحت أين

فصل

ومن اسماء الفعلِ إيهِ بمعنى حدّثنا وتنوّن في التنكير على ما هو أصلُ الباب فإنْ أردتَ أن تكفَّه عن الحديث قلت إيهاً وفتحتَ هذه للفرْقِ بين طلبِ الحديث وطلب السكوت

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 95 ]

فصل

والمضافُ إلى ياء المتكلِّم مبنيّ عند الجمهور لثلاثة أوجه

أحدها أنَّ الاسمَ المعرَبَ صار تابعاً للياء إذْ لا يكون ما قبلَها إلاّ مكسوراً وإذا صارَ تابعاً في الحركة صارَ تابعاً للمضمر في البناءِ

والثاني أنه خرج عن نظائرِه من المضافات إذْ ليس فيها ما يتبَعُ غيرَه

والثالث أنَّ الإعرابَ اختلافُ آخر الكلمة وهذا ممتنع ها هنا لفظاً وتقديراً فكانَ مبنيّاً بخلافِ المقصور فإنَّ المانعَ من ظهور الحركةِ الألفُ فَلوْ خرجَ المقصورُ على أصلِه لأمكنتْ فيه الحركةُ وحرفُ الإعراب في صاحبي وما أشبهه قابلٌ للحركاتِ بنفسِه وإنما امتنع لغيره فافترقا ن

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 96 ]

باب

ما يجوز في ضرورة الشعر

اعلم أن ضرورة إقامة الوزن تدعو إلى جوازِ ما تمهّد في القواعد الكلية خلافُه ولذلك جاز للشاعر زيادةُ كلماتٍ يُقوِّم بها الوزن وحذف شيء ليُصَحَّحَ كما قال لبيد من - الكامل - ( ... درسَ الْمَنا بمتالعٍ فأبانِ )

يريد المنازل وقال العجاج من - الرجز - ( ... قواطناً مكَّةَ من وُرْقِ الحَمِي )

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 97 ]

يريد الْحَمام وسنذكرُ في هذا الباب ما يجوزُ للشاعر عند الضرورة مفصَّلاً إن شاء الله تعالى واعلم أنَّ معظمَ ما يجوزُ في ضرورةِ الشعر يَرْجعُ إلى أصلٍ قد رَجَحَ عليه أصلٌ آخر فالشَّاعر يحاولُ ذلك الأصلَ المتروكَ عند الضرورةِ

فصل

فمن ذلك صرفُ مالا ينصرف وقد ذكرناه في بابه وكذلك تركُ صرفِ ما ينصرف

فصل

ويجوز للشاعر قصر الممدود مطلقاً وقال الفرّاء لا يجوز إلا إذا كان له بعد القصر نظيرٌ في الأبنية

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 98 ]

وحجَّةُ الأوَّلين أنَّ القصرَ جازَ للضَّرورةِ وهو حَذْفُ الزائدِ والرجوع إلى الأصلِ فسوّيَ فيه بينَ ما له نظيرٌ وما لا نظيرَ له

واحتجَّ الفرَّاء بأن الضرورةَ تردُّ إلى أصل وجوابُه من وجهين

أحدُهما أن هذا لا يطّرد في كلَِّ موضعٍ ولذلك جازَ تأنيث المذكر وهو رجوعُ من الأصل إلى الفرع

والثَّاني أن قَصْرَ الممدود ردٌّ إلى الأصل من وجهٍ وهو حذفُ الزائد ولا يُعْتَبرُ أن يكون ردّاً إلى كلّ الأصول إذْ ذلك محال

فصل

وأما مدّ المقصور فغير جائزٍ عند البصريين لأنَّه زيادة في الكلمة ولذلك لم يُسغ للشاعر أن يزيد أيّ حرفٍ شاء بخلاف قصْر الممدود فإنه حذف الزائد والأصل عدم الزيادة

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 99 ]

وقال الكوفيون هو جائز واحتجوا بقول الشاعر من - الوافر -

( سَيُغْنيني الذي أغْناك عنِّي ... فَلا فَقْرٌ يَدُومُ ولا غِناءُ )

فمدَّ الغنا وهو مقصور

والجواب أنَّه يُروى بفتح العين على أنه مصدر أغنيت عنه غناءً وإغناءً ومَنْ رواه بالكسر جعلَه مصدَر غانيتُ وتَغَانيت مثل قولك قاتلتُه قِتالاً وترامينا رِماءً أي ترامياً

فصل

ويجوز له إظهارُ المدْغَم لأنه الأصلُ كما أنَّ الأصلَ التصحيحُ ومنه قولُ الشَّاعر من - الرجز - ( ... الحمدُ لله العليِّ الأجْلَلِ ) وقال الآخر من - البسيط

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 100 ]

( مهلاً أعَاذِلَ قد جَرَّبْتِ من خُلُقِي ... أنِّي أجُودُ لأقْوامٍ وإنْ ضَنِنُوا )

أي الأجلّ وإن منّوا وهذا أحسنُ من الزيادة والنقصان

فصل

ويحذف التنوين في الشعر لالتقاء الساكنين قال أبو الأسود الدؤلي من - المتقارب - ( فألفيُته غيرَ مُسْتَعْتَبٍ ... ولا ذاكرِ اللهَ إلاَّ قليلا )

بنصب اسم الله وقرأ بعض القرّاء ( ولا الليلُ سابقُ النهارَ ) بالنصب أي سابقٌ النهار

فصل

ومن ذلك حذف الياء بعد الكسرة والواو بعد الضمَّة فمن الأوَّل قول الشاعر من - الوافر

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 101 ]

( فَطِرْتُ بِمُنْصُلي في يَعْمَلاتٍ ... دوامي الأيْدِ يَخْبَطْنَ السَّرِيحا )

أي الأيدي ومن الثاني قولُ الشاعر من - الطويل -

فبيناهُ يشْرِي رحْلَه قالَ قائلٌ ... لِمَنْ جملٌ رِخوُ المِلاطِ نجيبُ )

وقال آخر في حذف الياء من - الرجز -

( ... دارٌ لسُعْدى إذْهِ مِنْ هَوَاكا )

وإنَّما ساغ ذلك لدلالة الكسرة والضمَّة على المحذوف

فصل

ويجوز حذفُ حركة الياءِ هيَ وهُوَ على إجْراءِ الوصلِ مجرى الوقْفِ كقول الشاعر من - البسيط -

( ... ثمَّ انصرفْتُ وهيْ منِّي على بال )

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 102 ]

فصل

ومن ذلك تذكيرُ المؤنَّث لأنَّ الأصلَ هو المذكَّر فروج فيه الأصل ولأن المؤنث والمذكّر يشتركان في اسمٍ آخر مذكر كالمنزل والدار فإنَّ الدارَ منزلٌ فمن ذَكَّرها حَمَله على معنى المنْزِل ومما جاء في ذلك من المؤنَّث الذي ذكّر وهو لمن يعقِل قولُ الشاعر من - السريع -

( قامتْ تُبَكّيه على قبره ... مَنْ ليَ من بعْدِك يا عامرُ )

( ترتكتني في الدار ذا غُربةٍ ... قد ذلَّ مَنْ ليس له ناصرُ )

أرادات ذات غربةٍ وجاز لمّا كانت المرأةُ إنساناً وقال آخر من الهزج

152 - ( وممّن ولدوا عامرُ ... ذو الطول وذو العرضِ )

يريد ذات الطول لأنَّ عامر قبيلةٌ ولذلك لم يصرف وقال آخر من - المتقارب -

( فلا مزنةٌ وَدَقَتْ ودْقَها ... ولا أرضَ أبقلَ إبقالَها )

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 103 ]

فإن قيل كان يمكن أن يقول أبقلتِ إبقالها فيلقي كسرة الهمزة على التاء قيل الجواب عنه من أوجه

أحدها أنَّ إلقاءَ حركةِ الهمزةِ يلزَمُ منه حذفُ أصلٍ أو كالأصل وحذفُ التاء حذفُ زائدٍ

والثاني أن الإلقاء أقلّ في الاستعمال من حذف التاء في مثل هذا

والثالث أن هذا طريقٌ والإلقاء طريق فلا يُتخيَّر على اللغوي أحدهما وقال من - المتقارب -

( فإمَّا تَرَيْنِي وَلي لَمَّةٌ ... فإنَّ الحوادثَ أوْدَى بها )

أي أودتْ فجاز ذلك لَمّا كان الحوادث والحدثان بمعنىً والجمع هنا للجنس والمفرد جنسٌ فإنْ قيل لو قال أودت لاستقام الوزن قيل نعم ولكن يلزم منه حذف الرَّدْف والقافية مُرْدَفَة

فصل

فأمَّا تأنيثُ المذكر فأضعفُ من عكسه إذْ كان ترْكَ الأصل إلى الفرع مع أنَّه قد

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 104 ]

جاء حمْلاً على المعنى فمن ذلك قراءة بعض القرّاء ( تَلْتَقِطُه بعضُ السيّارةِ ) فأنَّث والفاعلَ بعضُ لما كان بعض السيارة سيارةً وقالوا ذهبتْ بعضُ أصابعهِ وقال جرير من - الوافر -

155 - ( إذا بعضُ السنينَ تعرّقتنا ... كفى الأيتامَ فقْدَ أبي اليتيمِ )

وقال آخر من - الكامل -

( لَمّا أتى خبرُ الزبيرِ تواضعتْ ... سُوُرُ المدينةِ والجِبالُ الخُشَّعُ )

وفي التأنيث هنا وجهان

أحدهما أنه ذهب بالسُّور مذهب الجدران

والثَّاني أنَّه لَمَّا أضافه إلى المؤنَّث جعل له حكمه كما قال تعالى ( مَنْ جاءَ بالحسنةِ فلهُ عشرُ أمثالها )

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 105 ]

فأنَّث العشرَ والأمثالُ مذكّرة ولكنْ أضيفتْ إلى ضميرِ الحسنةِ وروي عن بعض الفصحاء أنَّه قالَ ألم ترَ إلى ما كان من فلانٍ فقيل له ماذا فقال جاءته كتابي فاحتقرها فأُنْكِرَ ذلك عليه فقال أليسَ صحيفةً

فصل

وقد يشدِّد المخفف في نحو قول الشاعر من - الرجز -

( ... ببازلٍ وجْناءَ أو عَيْهَلِّ )

وقول الآخر من - الرجز -

( تعرَّضتْ لي بمكانٍ حِلَّ ... تعرّضَ المُهْرة في الطِّوَلِّ )

وكقول الآخر من - الرجز

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 106 ]

( ... ضخم يحبُّ لخلق الأضخمّا )

والأصل تخفيف هذه الأواخر والوجه في تشديدها أنه أراد الوقف ومذهب كثير من العرب الوقفُ على المشدَّد على أن تجعل التشديد بدل الحركة أو التنوين إلاَّ أن الشاعر أجرى الوصلَ مُجرى الوقف

فصل

ويجوز له تخفيف المشدَّد وذلك في القوافي كقول امرئ القيس من - المتقارب -

( ... تحرَّقتِ الأرضُ واليومُ قَرْ )

ومنها

( ... وَيْحَكَ ألْحَقْتَ شَرّاً بِشرْ )

وهذا أسهل من الذي قبله ومنه قول الفرزدق من الطويل

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 107 ]

( تنظَّرتُ نَصْراً والسّماكينِ أيْهُما ... عليَّ معَ الغيثِ استهلَّتْ مواطرُه )

يريد أيّهما

فصل

ومن ذلك حذف الهمزة تخفيفاً كقوله من - البسيط -

( ويل أمِّها في هواءِ الجوِّ طالعةُ ... ولا كهذي الذي في الأرض مطلوبُ ) أي ويلُ أمّها

فصل

ومن ذلك قلب الهمزة ألفاً إذا انفتح ما قبلها وياءً إذا انكسر وواواً إذا انضمّ إلا أن هذا قريبٌ إلى القياس وقرئ به القرآن

فصل

ومن ذلك قطع ألف الوصل كقول الشاعر من - الطويل

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 108 ]

فَمَا تربُ أثْرى لو جمعتَ تُرابَها ... بأكثرِ من إبني نزارٍ على العدّ )

وكقول الآخر من - الطويل -

( إذا جاوز الإثنين سرٌّ فإنَّه ... بِنَشْرٍ وإفشاءِ الحديثِ قمينُ )

والوجه فيه أنَّه أجْرَى الوصلَ مَجْرَى الابتداء كما أُجْرِيَ مُجرى الوقف وأمَّا وصلُ همزةِ القَطْع فيكونُ بالإلقاء ويُذكَر في موضعه

فصل

وأمَّا الترخيمُ في غيرِ النداءِ ونصبُ ما بعد الفاءِ في غيرِ جوابِ الأشياء السبعةِ وحذفُ الفاءِ في الجوابِ فقد ذُكِرَ في موضِعه

فصل

وأمَّا إبدالُ أحد الحرفين في التَّشْديد فيُذْكَرُ في التصريف إن شاء الله

فصل

ويجوز إبقاء حروف المدّ في الفعل المجزوم كقول الشاعر من - البسيط

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 109 ]

( هجوتَ زبّانَ ثم جئتَ معتذرً ... من هجوِ زبّانَ لم تهجو ولم تدعِ )

فلم يحذف الواو ومن الألف قول الآخر من - الرجز -

( إذا العجوزُ غضبتْ فطلّقِ ... ولا تَرَضّاها ولا تملّقِ )

وقال آخر من - الطويل -

( وتَضْحَكُ مني شيخةٌ عَبْشَميَّةٌ ... كأنْ لم تَرَى قبْلي أسيراً يمانيا )

ومن الياء من الوافر

( ألمْ يأتيكَ والأنباءُ تَنْمي ... بما لاقت لَبونُ بني زيادِ )

ووجْهُ ذلك أنَّه أخرجَ الأفعالَ على الأصل وجعل الجزم في الحركات المستحقّة في الأصل وقال قوم لامات هذه الأفعال محذوفةٌ بالجزم والحروف الموجودة الآن

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 110 ]

فاشية عن إشباع الحركات فأمَّا فاعل يأتيك في البيت الأخير فقيل هو مضمر دلَّ عليه ما قبله وقيل فاعله بما لاقت والباء زائدة

فصل

وقد حذف الإعراب في الشعر ورُويت في ذلك أبياتٌ منها من - الرجز -

( لَما رأى أنْ لادَعَهْ ولا شِبَعْ ... مال إلى أرطأةِ حِقْفٍ فأضطجعْ )

وقول الآخر من - الرجز -

( ... إذا اعوججنَ قلنَ صاحِبْ قوّمِ )

فأجرى الوصل مجرى الوقف والمبرِّد والزجَّاج ينكران ذلك ولا يعتدان بالأبيات الواردة فيه لشذوذها وضعف الرواية فيها وقال آخر من - السريع -

( فاليومَ أشْرَبْ غير مستحْقِب ] ... إثماً من الله ولا واغل )

فسكن وقالوا الرواية فاشربْ

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 111 ]

فصل

ومما جاء في ذلك من الشعر ضرورةً حَذْفُ الضمير من الفعل لدلالة الضمّةِ عليه كقول الشَّاعر من - الوافر -

( فلو أنَّ الأطبّا كانُ حَوْلي ... وكانَ مع الأطبّاء الأُساةُ )

أي كانوا وقد جاء أشدُّ من هذا كقول الآخر من - الرجز -

( لو أنَّ قومي حين أدعوهم حَمَلْ ... على الجِبالِ الصمِّ لا رفضّ الجبلْ )

أي حَمَلوا هذا مع الإسكان

ومما جاء للضرورة حذف بعض الكلمة كقول لبيد من - الكامل -

( درس المنا بمتالعٍ فأبان ... )

أي المنازل وقال العجاج من - الرجز -

( ... قواطناً مكَّة من وُرْقِ الْحَمِي )

أي الْحَمام فحذف الألف والميم وكسر الميم الأخرى وقيل حذف الميم الأخيرة وحدها وكسر الأولى فصارت الألف ياءً وقال آخر من - الطويل

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 112 ]

( فلستُ بآتِيه ولا أسْتطيعُه ... ولاكِ اسقِني إنْ كان ماؤك ذا فَضْلِ )

أي ولكن وضرورةُ الشّعرِ أكثرُ من هذا وقد نبَّهْنا على أصلها

اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 113 ]