الباب السادس عشر: الأسرة
الأسـرة
Family
«الأسرة» بالعبرانية «مشباحاه». ومدلول هذا المصطلح يختلف من مجتمع لآخر. وفي المجتمع العبراني القديم (القَبَلي) كانت الأسرة تعني في واقع الأمر «العشيرة» إذ كانت تستند إلى قرابة الدم والعلاقة التعاقدية (الزواج) والجوار، والموالي ممن كانوا يطلبون الأمن ويلجأون إليها. ولكن، بعد تغلغل العبرانيين في كنعان واستقرارهم فيها، اختفت هذه الأسرة القبلية وحلت محلها الأسرة الممتدة التي كانت تُسمَّى بالعبرية «بَيْت» وكانت تتكون من الأبوين والأبناء والخدم. وكان الأب هو رب الأسرة الذي يقف على رأسها وتخضع له الزوجة. ومع هذا، كانت الزوجة تحتفظ بثروتها، وكان لها حق التصرف فيها، ولكن لم يكن لها حق في أن تُطلِّق أو ترث. بل كانت تعدُّ أحياناً جزءاً من هذا الميراث. وكانت الأسرة العبرانية النواة الحقيقية للحياة الاجتماعية العبرانية، كما هو الحال في معظم المجتمعات القَبَلية.
ومع العصورالوسطى، كانت قوانين الشريعة اليهودية قد تبلورت؛ ومن بينها قوانين الزواج والزواج المُختلَط، والطلاق وزواج الأرملة، والجنس والطهارة والشعائر الدينية المختلفة المرتبطة بالأسرة، وهي قوانين زودت مؤسسة الأسرة داخل أعضاء الجماعات اليهودية بإطار وفر لها قدراً عالياً من التماسك والاستمرار.
ولكن هذه الشريعة لم تكن مُطبَّقة على الجماعات اليهودية كافة، فالتنوع على مستوى الممارسة كان عميقاً جداً، إذ أن مؤسسة الأسرة بين الجماعات اليهودية كانت تتأثر بالتشكيل الحضاري والاجتماعي الذي كانت توجد فيه. وفي العصر الحديث، يتضح هذا بشكل جلي في الغرب إذ تآكلت مؤسسة الأسرة بين اليهود (شأنها في ذلك شأن مؤسسة الأسرة في العالم الغربي) بل في كل التشكيلات الاجتماعية التي تتزايد فيها معدلات التحديث والعلمنة (التوجُّه نحو المنفعه واللذة) اللذين ينتج عنهما تزايد سلطة الدولة بحيث تضطلع مؤسساتها بكثير من وظائف الأسرة (مثل تنشئة الأطفال) كما تتزايد النزعات الفردية، فيقل ارتباط المرء بأسرته ويتركها عندما يصل إلى سن السادسة عشرة. وتنتشر حركات تحرير المرأة والتمركز حول الأنثى وما يتبع ذلك من إصرار المرأة على العمل خارج المنزل وإحساسها بأن تربية الأطفال هو استغلال لها لأنه عمل بلا أجر. ويؤدي كل هذا (مع زيادة التوجه نحو اللذة) إلى تناقص معدلات الإنجاب وتزايد الزواج المُختلَط وانتشار ظاهرة التعايش بين الذكور والإناث بلا زواج وتزايد معدلات الطلاق والأطفال غير الشرعيين.
وحسب إحصاءات عام 1991، فإن الأسرة التقليدية بين اليهود (زوجاً وزوجة كليهما من اليهود ومتزوِّجين للمرّة الأولى وعندهما أكثر من طفل واحد) قد اختفت تماماً تقريباً في الولايات المتحدة ولا تمثل سوى 14% من كل الأسر اليهودية. وقد صرح أحد الدارسين أن هذه هي البداية وحسب، إذ يعيش اليهود في عالم فردي علماني ذي توجه استهلاكي لا يوجد فيه إجماع ويفعل كل فرد فيه ما يروق له/لها! ويُعَدُّ تآكل الأسرة من أهم أسباب موت الشعب اليهودي.
المرأة اليهوديـة
Jewish Woman
يتواتر تعبير «المرأة اليهودية» في كثير من الدراسات، وهو تعبير ليس له أية قيمة تفسيرية أو تصنيفية، إذ أن المرأة اليهودية في أمريكا في العصر الحديث (التي لا تمارس أية شعيرة من شعائر اليهودية) لا يربطها أي رابط بالمرأة اليهودية في بغداد في العصر العباسي الأول إذ كانت ترتدي زياً مختلفاً وتمارس معظم شعائر دينها وتنظر للعالم نظرة مخـتلفة. ويمكن تناول موضـوع المرأة من منظورين: ديني، وتاريخي. ولنبدأ بالمنظور الديني.
تذهب العقيدة اليهودية إلى أن حواء خُلقت من ضلع آدم حسب الشريعة اليهودية، لتكون أنيساً له (تكوين 2/21 - 25). ولكن، حسب رؤية يهودية أخرى وردت في القبَّالاه، خُلقت امرأة أخرى من طين وهي تُدعى ليليت مساوية تماماً للرجل، ثم تمرَّدت عليه وعلى علاقتها معه ومن ذلك وضع الجماع، وهو أن ينام الرجل على أنثاه. ومع أن حواء لعبت دوراً أساسياً في معصية الإله إذ حرَّضت آدم على أن يأكل من الشجرة، إلا أن موقف الشريعة اليهودية هو أساساً الإيمان بالمساواة الإنسانية الكاملة بين الرجل والمرأة (تكوين 1/27). صحيح أن الوظيفة الأساسية للمرأة هي إنجاب الأطفال وتربيتهم، لكن هذا لا يترتب علىه أي تمييز بينهما في أمور المعاملات بسبب اختلاف الوظيفة الموكلة إلى كلٍّ منهما. فإن ألحق ثور ضرراً برجل أو امرأة أو طفل، يتعيَّن على صاحبه أن يدفع التعويض نفسه، وإن كانت المرأة حاملاً، فقد يزيد هذا من العقوبة. وعقوبة الزنى توقَّع على كلٍّ من الزاني والزانية، وعلى الجماع بالمحارم. وتتطلَّب الشريعة اليهودية أن يظهر اليهودي احتراماً متساوياً للأب والأم.
ويظهر الاختلاف بين الرجل والمرأة في العبادات، فلم يكن هناك كاهنات، وإن كان من المعروف أن النساء اشتركن في موكب استقبال سفينة العهد في القدس (صموئيل ثاني 6/19)، وكان بينهنَّ نبيات وعرافات. وقد أُعفيت النساء من كل الوصايا المرتبطة بزمان ومكان محدَّدين، فلم يكن مكلفات بأداء شعائر الحج، ولا أداء الصلوات في المعبد، وإن ذهبن إلى المعبد تم فصلهن عن الرجال. وبطبيعة الحال، لم يكن بإمكان المرأة أن تلتحق بالمدارس التلمودية العليا، كما أن شهادتها لا تُقبَل. ويذهب أحد المراجع إلى أن النساء وُضعن، من بعض النواحي، على قدم المساواة مع العبيد والأطفال. لكن هناك شعائر تقوم بها المرأة (ثلاث شعائر) هي شعائر الطهارة (الخاصة بالعادة الشهرية: نيداه)، وإيقاد شموع السبت والأعياد، وخَبز خُبز الحلاَّ (أي الرغيف الذي يُقدَّم في وجبة السبت). والشعائر الثلاث مرتبطة بالأسرة، ولهذا فمن المفترض أن تكون الأنثى متزوجة، وهذا يعني أن الأنثى غير المتزوجة لا تتمتع بمكانة أو منزلة عالية. وليس من الممكن عقد قران فتاة على رجل إلا بموافقتها.ومن ناحية أخرى، فإن تَعدُّد الزوجات مباح حسب الشريعة اليهودية، وإن حرَّمه الحاخامات في الغرب في القرن الحادي عشر. وتحرِّم اليهودية الزنى والبغاء، وإن كان التحريم غير قاطع.
ويحتوي التلمود على نصوص تؤكد أهمية المرأة في حياة الرجل والأسرة وتتحدث عنها بكثير من العطف والفهم، فالرجل بدون امرأة يعيش بلا أفراح ولا بركة. كما أن التلمود يقرن بين المرأة والشخيناه (التجسد الأنثوي للإله). ولذا، كان الحاخام يوسف يقف قبل أن تدخل أمه ويقول: « لأقف قبل صول الشخيناه ». ويجب على الرجل ـ حسب الرؤية التلمودية ـ ألا يهين زوجته لأن السيدات يتسمن بحساسية أكبر من الرجال، كما أن إيمان المرأة أعمق من إيمان الرجل. وتتسم النساء برقة القلب. ولكن التيار الغالب في التلمود هو الإشارة إلى جوانبها السلبية، فهن ثرثارات («أنزل الإله عشرة مكاييل من الكلام للعالم وأخذت النساء تسعة»). كما وصفت النساء بأنهن طماعات يتجسسن على الأسرار، كما أنهن كسولات وغيورات ودائمات الشجار. ومثل هذه الأقوال هي جزء من الفلكلور الشعبي أكثر من كونها تعبيراً عن موقف الشريعة. ومع هذا، فإن هذه الأفكار الفلكلورية تحدِّد، في كثير من الأحيان، سلوك المرء أكثر من الشريعة التي يؤمن بها.
ولكن هناك الدعاء الذي يتعيَّن على اليهودي أن يردده كل يوم، إذ يحمد الإله أنه خلقه يهودياً وليس من الأغيار، وخلقه رجلاً وليس امرأة. وقد حاول الفقه اليهودي تفسير هذا الدعاء بأنه حمد للإله على أنه أتاح للرجل اليهودي فرصة أكبر في تننفيذ التعاليم، والأوامر والنواهي.
والمرأة جزء أساسي من الصور المجازية التي تتواتر في العهد القديم، فالحلول الإلهي في الشعب يعبَّر عنه بأنه حب الرب للشعب وهذا يشبه حب الرجل للمرأة أو الزوج لزوجته، وابتعاد الشعب عن الرب يشبه الزنى. والشعب هنا يصبح مثل المرأة اللعوب. وهذه الصور المجازية أساسية في نشيد الأنشاد والتوراة التي يُشار إليها بأنها أنثى، فهي ابنة الرب وعروسه التي تجلس إلى جواره على العرش. وقد تَعمَّق هذا الاتجاه في القبَّالاه التي تؤكد أهمية العنصرالأنثوي في كيان الإله، فمن بين التجليات النورانية العشرة (سفيروت) توجد ثلاثة ذات طابع أنثوي واضح: الأم والعروس والشخيناه. وأخيراً هناك الشخيناه، وهي التعبير الأنثوي عن الإله، وهي أيضـاً الشـعب. والإله ذكر وأنثى في الوقت نفسـه، ولذا يجب أن يظل الذكر مع الأنثى. وماذا يفعل الإنسان إذن عند السفر، حيث سيصبح الرجل ذكراً بمفرده؟: عليه أن يصلي للإله قبل سفره، وهو لا يزال بعدُ ذكراً وأنثى (أي ومعه زوجته)، حتى يجتذب روح بارئه، فتحل فيه الشخيناه، وتتحد معه، فيصبح هو نفسه ذكراً وأنثى أثناء سفره. ولكن العنصر الأنثوي في التراث القبَّالي ينتمي إلى اليسار، وهو جانب الحكم الصارم، وهو أيضاً الجانب الآخر مصدر النزعة الشيطانية. لذا، نجد أن المرأة ارتبطت بهذا التصنيف أيضاً. وذهب القبَّاليون إلى أنها غير قادرة على أن تصل إلى درجات الفكر العليا.
وعلى المستوى التاريخي، يمكن أن نشير إلى بعض النساء اللائي لعبن دوراً بارزاً، فهناك أولاً الأمهات، سارة وهاجر، في عصر الآباء. وتلعب أخت موسى دوراً بارزاً في فترة الهجرة من مصر إلى فلسطين. ومن الأسماء المهمة «دبوراه» التي كانت من القضاة. ويمكن الإشارة أيضاً إلى كلٍّ من راعوث وإستير ويهوديت، وكل هذه الشخصيات شبه أسطورية. ولكن، داخل التاريخ الحقيقي، يمكن أن نشير إلى عثاليا (زوجة أخاب)، وسالومي ألكسندراالحشمونية، وبيرنيكي (عشيقة تيتوس وأخت أجريبا الثاني)، وأختها دورسيلا (عشيقة عدة ملوك وشخصيات مهمة في عصرها). ولا نسمع بعد ذلك عن دور المرأة في الجماعات اليهودية إلا في عصر النهضة، وقد ارتبطت بدايات الأدب اليديشي بالمرأة، فجمهور هذا الأدب كان أساساً من النسوة. أما الدراسات الجادة (الفقهية والدينية)، فكانت تُكتَب بالعبرية والآرامية. ومع حلول القرن الثامن عشر وبداية حركة التنوير، قامت بعض النسوة اليهوديات المثقفات بفتح صالونات أدبية مهمة كانت ملتقي كبار المثقفين. ومن النساء اليهوديات المرموقات في العصر الحديث الشاعرة الأمريكية اليهودية إما لازاروس، وإما جولدمان الفوضوية الأمريكية، وروزا لوكسمبرج الفوضوية الشيوعية الألمانية، وإن كان من الصعب اكتشاف البُعْد اليهودي في رؤيتهن للعالم أو في نشاطهن. ومن الشخصيات الطريفة التي تستحق الذكر عذراء لادومير (1805 ـ 1892)، وهي أنثى اضطلعت بدور التساديك الحسيدي. وكان لها أتباع ومريدون، ولعل ظهورها في حد ذاته تعبير عن تزايد معدلات العلمنة في التجمعات اليهودية، وعن تآكل المجتمعات التقليدية التي عاش فيها اليهود. وقد ساعدت الهجرة على تحطيم البقية الباقية من الدور التقليدي للمرأة داخل الجماعات اليهودية. وقد كان لهذا أثره العميق، فيُلاحَظ مثلاً انتشار البغاء بين النساء اليهوديات (وخصوصاً في منطقة الاستيطان) في الفترة من عام 1882 حتى عام 1935، كما تزايد الزواج المُختلَط بين النساء مع بداية الستينيات، وهي ظاهرة لم تكن معروفة تقريباً بين النساء اليهوديات فقد كانت مقصورة على الذكور. وقد أدَّى هذا بدوره إلى تزايد ضعف الأسرة اليهودية.
ومن الحقائق التي تستحق التسجيل أن معظم من يؤدُّون الصلاة الآن داخل المعابد اليهودية في الولايات المتحدة من النساء لأن أعداداً لا بأس بها منهن لا يعملن. هذا على عكس الجماعات اليهودية التقليدية، حيث كان الذهاب إلى المعبد مقصوراً على الرجال تقريباً. ولابد أنه، مع ازدياد عمل النساء، سيقل عدد المصليات.
وقد اشتركت النساء في حركة الاستيطان الصهيوني في فلسطين. وهذا أمر مُتوقَّع باعتبار أن الاستعمار الصهيوني استعمار استيطاني إحلالي، بمعنى إحلال كتلة بشرية متكاملة محل السكان الأصليين. ومن ثم، لابد أن تحوي هذه الكتلة قدراً كافياً من النساء يضمن لها التوازن والاستمرار. وقد اشتركت النساء في الزراعة المسلحة. وبعد إنشاء الدولة، مُنحت النساء حقوقاً متساوية مع الرجال، وهن يجندن في الجيش في مهام غير قتالية أساساً، وإن كان بعضهن يعملن في المهام القتالية أيضاً. وتُعفَى الفتيات من أسر أرثوذكسية من التجنيد. والمشكلة الكبرى التي تواجهها النساء في إسرائيل هي في الأحوال الشخصية التي لا تزال تُدار حسب القوانين الدينية، فتظهر مشاكل خاصة بالزواج والطلاق. ومن أهم هذه المشاكل، مشكلة وثيقة الطلاق (جيط) حين يرفض الزوج منح زوجـته هذه الشـهادة التي تنص على أنها مطلقـة شرعاً، وفي هذه الحالة تصبح المرأة «عجوناه»، أي منفصلة عن زوجها دون أن تكون مطلقة، فلا يمكنها الزواج مرة أخرى. وتواجه النساء في الكيبوتس مشاكل عديدة، وخصوصاً أن تقسيم العمل لا يزال يتم على أساس الجنس. والقانون الإسرائيلي يُعرِّف اليهودي بأنه من وُلد لأم يهودية، أما من وُلد لأب يهودي وأم من الأغيار فليس يهودياً.
وهناك منظمات عديدة خاصة بالإناث بين أعضاء الجماعات اليهودية ومن أهمها:
ـ المجلس القومي للمرأة اليهودية. وقد تأسَّست هذه المنظمة عام 1893 في الولايات المتحدة. وهي من أقدم المنظمات اليهودية الأمريكية الخاصة بالمرأة، ويبلغ حجم العضوية بها حوالي 100.000 عضو. وتنشط المنظمة في مجالات حقوق المرأة والخدمة الاجتماعية و العلاقات الاجتماعية داخل الجماعة.
ـ المنظمة النسوية الأمريكية لإعادة التأهيل والتدريب. وهي منظمة مرتبطة بمنظمة أورت العالمية المتخصصة في برامج التدريب المهني والفني. وقد تأسست هذه المنظمة عام 1928 في الولايات المتحدة الأمريكية وتضم أكثر من 100.000 عضو، وهي تهتم بمجال واسع من القضايا الاجتماعية في الولايات المتحدة.
ـ رابطة المرأة اليهودية في إنجلترا.
ـ الجمعية النسائية في فرنسا. وتهتم بالمجالات الثقافية والاجتماعية.
وتوجد منظمات يهودية نسائية في ألمانيا وهولندا وغيرهما من دول أوربا. كما توجد منظمة صهيونية نسائية هي الهاداساه، وهي أكبر المنظمات الصهيونية وأكثرها عدداً، ولعل هذا يعود إلى أن عدد النساء اليهوديات في أمريكا اللائي لا يعملن كبير (بسبب ثراء الجماعة اليهودية). كما أن من الصعب أن نسمِّي مثل هذه المنظمة «صهيونية». فقد قُدِّم مشروع قرار إلى المؤتمر الصهيوني الثامن والعشرين في القدس عام 1972، نص على أن من يشغل منصباً قيادياً في المنظمة الصهيونية ولا يهاجر إلى إسرائيل خلال أربع سنوات من انتخابه لا يُنتخَب مرة أخرى. وقد أثار الاقتراح ما يشبه الثورة، وهدد وفد منظمة الهاداساه بالانسحاب إذا تمت الموافقة عليه وبالفعل سُحب مشروع القرار. ولذا، فإن هذه المنظمة الصهيونية النسائية هي منظمة نسائية بالدرجة الأولى ويمكن أن نعتبر أن ما يُسمَّى «النشاط الصهيوني» نشاط اجتماعي يساعد النساء الأمريكيات اليهوديات من ساكنات الضواحي والمدن على تزجية وقت الفراغ وإضفاء معنى على حياتهن في مجتمع استهلاكي تتآكل فيه المطلقات والكليات.
الجنس
Sex
««جنس» بالعبرية «مين» ترى اليهودية الحاخامية أن الجنس غريزة إنسانية طبيعية، وأن على الإنسان أن يشبعها من خلال العلاقات الزوجية. ويكرس التلمود أجزاء كبيرة لتناول هذا الموضوع، كما يشجع الزواج المبكر للحفاظ على الفضيلة. ويُحرَّم على الزوج أن يجامع زوجته أثناء فترة العادة الشهرية، ولمدة اثنى عشر يوماً بعدها (فترة الحيض أو الدنس «نيداه»). ونظراً لطول المدة، فقد كان الزوجان ينامان عادةً في فراشين مختلفين. وكان على الزوجة أن تأخذ حماماً طقوسياً بعد انتهاء فترة الحظر. وتُحرِّم اليهودية الزنى والدعارة والشذوذ الجنسي بين الرجـال (أما بين النسـاء، فإن هـذا الأمر ليـس محرَّماً بقدر ما هو مكروه). ولا تُحرِّم اليهـودية تعـدُّد الزوجات وإن كان الحاخامـات قد حرَّموه. ولا يعتبر التلمود الزنى بامرأة من الأغيار، متزوجة أو غير متزوجة، محرماً. أما التحريم، في العهد القديم، فيقتصر على «زوجة أخيك» لا زوجة الغريب. وفي إحدى الفتاوى، جاء أن إناث الأغيار «زوناه» وجمعها «زونوت» أي «عاهرات» حتى لو تهودن. ولكن هناك فتاوى أخرى تُحرِّم الزنى كليةً باليهوديات أو بنساء الأغيار.
ومع هذا، تسلك بعض شخصيات العهد القديم سلوكاً منافياً تماماً للقيم الدينية اليهودية نفسها (اعتداء أحد أبناء يعقوب على جارية أبيه ـ العلاقة بين يهودا وثامار زوجة ابنه ـ داود وامرأة أوريا الحيثي ـ إبراهيم وزوجته في مصر). وكان على الحاخامات تفسير ذلك، والتوفيق بينه وبين الرؤية الدينية العامة. وفي العهد القديم تتواتر صور مجازية جنسية، وخصوصاً في سفر هوشع ونشيد الأنشاد، ولكن هذه الصور المجازية تُفسَّر بأنها من قبيل المجاز، كما هو الحال في الشعر الصوفي. وفي فترة الهيكل الثاني أخذ تمثالا الملاكين (كروب) اللذان كانا على تابوت العهد، حسب بعض الآراء، شكل ذكر وأنثى في وضع عناق جنسي. وكان التابوت يُحمل في أعياد الحج، فيقول الحاخامات للجماهير: «هكذا يحب الإله جماعة يسرائيل» (ومن المعروف أن تشبيه علاقـة الإله بالإنسـان بعـلاقة الذكر بالأنثى أمر شائع في العقائد الحلولية). وقد ظـل موقـف العهـد القديم غامضاً للغـاية إزاء مشكلة البغاء. وهو غموض استمر إلى أن استقرت دعائم اليهودية الحاخامية.
وكما تقدَّم، أخذت اليهودية الحاخامية موقفاً متشدداً من الإباحية الجنسية. وقد بيَّن موسى بن ميمون، متبعاً أرسطو، أن حاسة اللمس أدنى الحواس باعتبارها الحاسة المرتبطة بالجنس. وقد نجح هذا الإطار الحاخامي التلمودي في أن يضرب عزلة حول اليهود، وأن يضبط سلوكهم الجنسي، وخصوصاً أنه كان من المحرَّم عليهم الاختلاط بأعضاء المجتمع الخارجي. وقد كانت المؤسسة الحاخامية، في تلك الآونة، شديدة القوة إذ أن المؤسسة الحاكمة كانت تعطيها من الصلاحيات ما يسمح لها بالتحكم في أعضاء الجماعة اليهودية. والواقع أن عملية الضبط الاجتماعي للجماعات الإنسانية الصغيرة تكون في العـادة أكثر نجـاحاً من عمليات الضـبط في المدن والتجمعات الكبيرة. ولذا، يمكن النظر إلى حوائط الجيتو باعتبارها أيضاً سياجاً أخلاقياً للجماعات اليهودية حتى عصر الإعتاق.
ومن المعروف، حسب الإحصاءات المتوافرة لدينا، أن نسبة الأطفال غير الشرعيين (وهو مؤشر جيد على السلوك الجنسي) بين أعضاء الجماعات اليهودية في الغرب أقل من النسبة على المستوى القومي، ويبدو أن السلوك اليهود الجنسي كان يميل نحو المحافظة.
ومع هذا، فإن ثمة استثناءات من هذه الصورة العامة، ففي إسبانيا المسيحية يُلاحَظ أن سلوك أعضاء الطبقة الأرستقراطية اليهودية كان يتسم بالانحلال الجنسي (ولعل هذا يعود إلى الثراء، وإلى عدم وجود أسوار الجيتو). وفي الجو الإباحي لعصر النهضة الإيطالية نجد الظاهرة نفسها. فكثير من الفتيات اليهوديات اشتغلن بالبغاء بعد الانغماس في الجنس. ومن أهم المؤشرات على مدى الإباحية المنتشرة بين أعضاء الجماعة اليهودية آنذاك، تلك الإحصاءات التي يوردها العالم الإسرائيلي روفائيل باتاي والتي تقول إنه كان في فلورنسا في القرن الخامس عشر نحو مائة أسرة يهودية وحسب، ومع ذلك فقد رُفعت ضدها ثمان وثمانون قضية منها أربع وثلاثون مرتبطة بقضايا الآداب والأخلاق وسبع عشرة قضية مرتبطة بالقمار. ويضيف باتاي أن القضايا لم تكن تُرفَع إلا في حالات قليلة، الأمر الذي يدل على أن حالات الزنى والقمار كانت أعلى من ذلك كثيراً داخل جماعة لا تزيد على مائة أسرة. ولكن حالة إيطاليا كانت الاستثناء، فأغلبية يهود العالم كانوا مُقسَّمين بين الدولة العثمانية وشرق أوربا.
ولكن، داخل سياج الجيتو نفسها، ظهر الفكر القبَّالي الحلولي الذي طوَّر كثيراً من الأفكار والصور المجازية الجنسية الجنينية في العهد القديم ومنحها قدراً من المركزية. وأصبحت الصورة المجازية الجنسية (أي تشبيه تماسك أجزاء الكون بالتشابك الجنسي) صورة مجازية أساسية لا يمكن إدراك العالم بدونها. ويدور التراث القبَّالي حول أسطورة الخلق: خلق الإله، وخلق الإنسان. فالإله يخلق نفسه (في قبَّالاة الزوهار) من خلال التجليات النورانية العشرة، أما في القبَّالاه اللوريانية فإن الإله يخلق نفسه من خلال الانكماش ثم الانتشار والتبعثر. والذات الإلهـية، في القبَّالاه، تحـوي داخلها عناصر تذكير وعناصر تأنيث، فالحوخمه أو الأب العلوي (العلة الذكرية الأولى) تُدخل علاقة جنسية مع البيناه أو الأم العلوية (العلة الأنثوية الأولى)، وهما يقابلان أبا وأما في القبَّالاه اللوريانية، فينجبان في قبَّالاة الزوهار الابن (عريس يسرائيل) والابنة (جماعة يسرائيل)، ولهما أيضاً ما يقابلهما في القبَّالاه اللوريانية. وكان من الممكن أن يتم خلق الإله وتُنجَز وحدة العالم حينما يتحد الابن والابنة، أي الإله مع يسرائيل، وهو اتحاد يُنظَر إليه من خلال صورة مجازية جنسية.
وتظهر المقولة الجنسية في تصوُّر أن اليسود (أساس العالم) هو نفسه التساديك اليهودي (الرجل التقي) وهو أيضاً القضيب الإلهي الذي تمر منه الرحمة الإلهية حتى تصل إلى الشخيناه (التعبير الأنثوي عن الإله) التي تأخذ شكل عضو التأنيث، فهي كالوعاء السلبي الذي يتلقى ولا يعطي، فالشخيناه هي أيضاً جماعة يسرائيل. وبذا يتم التوحد بين الإله والشعب. وتشير كلمة «يحود» العبرية إلى الوحدة وأيضاً إلى الجماع الجنسي في النصوص القانونية. ويُطلَق على هذا التوحد أيضاً اسم «هازيفوُّج هاقادوش» أي «الزواج المقدَّس». وحينما صعد موسى إلى جبل سيناء كان مثل ابن الإله الذي ضاجع الشخيناه، والهيكل هو مخدع الشخيناه الذي يحل فيه الإله ليضاجعها، ولذا فحينما هُدم الهيكل توقَّف اليحود أو التوحد/الجماع بينهما.
وقد أثرت الصورة المجازية الجنسية في البناء الديني اليهودي، فاختيار الإله للشعب يصبح مثل اختيار الذكر للأنثى، كما أن العذاب الذي يلقاه اليهود بسبب اختيارهم هو مثل تعذيب الذكر للأنثى، ولذا فإنه يصبح مصدراً للذة. ويُشار إلى الشعب، باعتباره التعبير الأنثوي عن الإله، على أنه بنـت صهيون (وليس ابن صهـيون)، وهـو أيضاً التوراة، عروس الإله التي تجلس إلى جواره على العرش والتي تُزَف إلى الماشيَّح حينما يأتي إلى هذا العالم. ونشيد الأنشاد هو نشيد زفاف الشعب (الأنثى) إلى الإله (الذكر)
ولقد أصبح تفسير التوراة مثل الجماع الجنسي، فالتوراة التي أمامنا (توراة الخلق) هي مجرد رداء، وفي الأعماق توجد توراة الفيض (ويُلاحَظ هنا صورة الفيض الجنسية). وكلما تَعمَّق الدارس خلعت التوراة أحد أرديتها حتى يصل إلى معناها الحقيقي، أي يراها «وجهاً لوجه» ويعرفها، أي يجامعها، تماماً مثلما رأى موسى الشخيناه وجهاً لوجه فعرفها، أي جامعها. والهدف من الصلاة أن يتحقق اليحود أو (الوحدة/الجماع) بين الملك والماترونيت (العنصر الأنثوي)، وأن تفيض بركة الإله (ذات الطابع الجنسي). ويصبح الهدف من المتسفوت، (أي الأوامر والنواهي) هو الشيء نفسه. ولذا، فقبل أن يقوم أي يهودي بأي عمل، فإن عليه أن يردد الصيغة التالية: "من أجل التوحد بين المقدَّس المبارك والشخيناه". والهدف من صلاة الصباح الإسهام في هذه العملية الجنسية. وكل فقرة توازي مرحلة من مراحل الوحدة. فبعد الفقرة الأولى، تقترب الابنة المقدَّسة (ماترونيت) مع وصيفاتها. وبعد الثانية، يضع الإله ذراعه حول رقبتها ثم يلاطفها ويربِّت على ثديها. وفي نهاية الصلاة، يتم الجماع. وقد أوصى الحاخام لوب (المُعلِّم من برودواي) بأن يفكر الإنسان في امرأة عارية أثناء الصلاة حتى يصل إلى أعلى درجات السمو. وقد شاعت القبَّالاه في القرن السادس عشر في أوربا، وحلَّت محلَّ التلمود كأساس للوجدان ومصدر للقيم الأخلاقية، حتى هيمنت تماماً على الوجدان اليهودي بين يهود اليديشية في شرق أوربا، وهم أغلبية يهود العالم. ويقول روفائيل باتاي إن أحد أسباب شيوع كتب القبَّالاه هو أنها كانت كتباً إباحية يقبل الناس على قراءتها بشغف شديد.
لكن ظاهرة مركزية الصورة المجازية الجنسية وشيوعها تحتاج إلى تفسير. والواقع أنه يمكننا أن نقول إن اليهودية الحاخامية، بتشدُّدها، أحاطت اليهودي بعدد هائل من التحريمات والأوامر والنواهي (وقد حرَّم الحاخامات في كثير من الحالات ما أحل َّ الإله، ولعل شعائر السبت التي أخذت تتزايد على مر السنين خير مثال على ذلك). وقد يكون كل هذا قد خلق إحساساً عميقاً بالذنب بين أعضاء الجماعات في أوربا، وخصوصاً بسبب وجودهم في تربة مسيحية تنظر إلى الجسد باعتباره شيئاً كريهاً، وبسبب الفقر الذي عاشوا فيه، الأمر الذي زاد من حرمانهم وشقائهم. وقد حدث نتيجة هذا ردُّ فعل عنيف، هو في جوهره، حسب قول باتاي، «تجنيس للإله وتأليه للجنس» (من الغريزة الجنسية). ويجب أن نشير إلى أن هذه الظاهرة ليست مقصورة على اليهود، بل هي ظاهرة تعم كثيراً بين الحركات الصوفية الحلولية، وإن أخذت شكلاً متطرِّفاً في حالة يهود شرق أوربا. كما أن الأنساق الدينية الحلولية المتطرفة عادةً ما تتبدَّى في ترخيصية جنسية. فإذا كان الإله يحل في كل شيء، فإن كل شيء يصبح الإله ومن ذلك الجنس، بل خصوصاً الجنس الذي يُعَدُّ هو الآخر تعبيراً عن الإله، بل يُعَدُّ أكثر الأشياء تعبيراً عنه بسبب ما يحيطه من غموض وأسرار وبسبب ما يتضمنه من فقدان للذات وإحساس بالفيضــان والفيــض. وقد عقد باتــاي مقـارنة بين القبَّالاه والديـانة الهنـدوكية الحلــولية، وبيَّن عمـق التشابه بينهما.
ومما زاد الأمور تطرُّفاً ظهور حركات مسيحية منشقة في روسيا ابتداءً من القرن السابع عشر، مثل السكوبتسي (المخصيون) والخليستي (الذين يضربون أنفسهم) وغير ذلك، وهي جماعات تُحرِّم الجماع الجنسي تماماً من ناحية، ثم تقيم من ناحية أخرى احتفالات ذات طابع جنسي داعر. وقد تأثر يهود اليديشية بتلك الحركات. ولعل كل ذلك قد أدَّى إلى تهيئة الجو لظهور شبتاي تسفي الذي نادى بالترخيصية، وبإسقاط الأوامر والنواهي، وبدأ في ممارسات جنسية كانت تُفسَّر تفسيراً رمزياً من قبَل أتباعه. وبعد إسلامه ظهرت الحركات الشبتانية، وخصوصاً الدونمه والفرانكية، التي جعلت الإباحية الجنسية طقساً دينياً أساسياً، والتي أدركت الإله من خلال صور مجازية جنسية واضحة. وكانوا يقولون إنه "كلما ازداد الإنسان انحلالاً ازداد ارتفاعه وسموُّه، وكلما ازداد خرقاً للشرائع كان هذا دليلاً على وصوله واقترابه". وقد آمنوا بما يُقال له «العالياه» من خلال «اليريداه»، أي الصعود من خلال الهبوط. وقد ورثت الحركة الحسيدية معظم هذه الاتجاهات الإباحية الترخيصية ونادت بما أسمته «عفوداه بجشيموت»، أي «الخلاص بالجسد»، وإن حاولت تفسير ذلك تفسيراً رمزياً.
وقد كان هذا هو الإطار الفكري السائد بين يهود أوربا عشية الانعتاق، وكان الفكر الشبتاني متغلغلاً تماماً حتى في صفوف القيادات الحاخامية، كما أن القبَّالاه كانت قد هيمنت تماماً على الوجدان الديني اليهودي وكانت تُعَدُّ أساساً للتشريع أو على الأقل لتفسير الشعائر والشرائع.
ومن الواضح أنه لا يمكن فهم ظاهرة مثل فرويد إلا في إطار الفكر القبَّالي الشبتاني، فالواقع أنه برغم اختياره أسطورة يونانية (أوديب) ومصطلحات لاتينية (إجو، وسوبر إجو، وإيد super ego, and id ,ego)، فإن مصطلحه الكامن وصوره الأساسية مستقاة من التراث القبَّالي الذي درسه وهو في فيينا التي كان يوجد فيها واحد من أهم القبَّاليين في عصره (ويُقال إن كلمة «إيد» هي اختصار لكلمة «ييد» اليديشية، أي يهودي). كما أن حديث رولان بارت عن لذة النص كلذة جنسية له ما يناظره في الفكر القبَّالي.
ولذا، فليس غريباً أن نجد أن سلوك أعضاء الجماعات اليهودية في الغرب يختلف مع الانعتاق عنه قبله. والواقع أن سقوط الجيتو، واليهودية الحاخامية، وانتشار القبَّالاه، جعلت اليهود مرشحين لدخول عصر الإباحة والإباحية الحديثة من أوسع أبوابه. وقد ساعد على ذلك تَعثُّر التحديث في شرق أوربا، الأمر الذي أدَّى إلى هجرة الملايين من قراهم وجيتواتهم إلى العالم الجديد، حيث لا ضوابط ولا آليات ضبط اجتماعية أو دينية، فتآكلت الأسرة اليهودية وزاد عدد الأطفال غير الشرعيين بعد أن كانت هذه ظاهرة غير معروفة تقريباً بين أعضاء الجماعات في الغرب.
وقد ظهر قدر كبير من عدم التماسك بين أعضاء الجماعات في نهاية القرن التاسع عشر، فوجدت أعداد كبيرة منهم من البغايا والقوادين، وبين المشتغلين فيما نسميه صناعات اللذة (حقل نشر المجلات والكتب الإباحية ـ النوادي الليلية ـ حقل صناعة السينما التي لا تلتزم بمقاييس أخلاقية عالية). ومع اندماج أعضاء الجماعات اليهودية في مجتمعاتهم، وتزايد معدلات العلمنة، أصبح من الملاحَظ أن درجة الانحلال وعدم التماسك لا تختلف عن درجة الانحلال وعدم التماسك في المجتمع ككل.
وتتمتع الدولة الإسرائيلية بواحد من أعلى مستويات العلمنة في العالم. وقد انعكس هذا على سلوك الإسرائيليين الذي يتسم بكثير من الحرية الجنسية. وقد ساهم في ذلك أن المجتمع الإسرائيلي مجتمع مهاجرين يعتمد على السياحة كمصدر أساسي من مصادر الدخل. ويتسم كل من المهاجر والسائح (وهما من الشخصيات الوظيفية الهامشية) بأن درجة التزامهما بقيم المجتمع ليست عالية. والسائح بالذات لا يلتزم إلا بقيمة المتعة. كما أن القوات المسلحة الإسرائيلية تضم عدداً كبيراً من المجندات اللائي يوجدن مع عدد كبير من الذكور في مناطق مختلفة، وتحت ظروف تتسم بانعدام الضبط الاجتماعي، الأمر الذي يؤدي إلى توسيع رقعة الحرية الجنسية ويشجع على السلوك غير المنضبط.
وقد قامت الصهيونية بتحويل اليهودية من عقيدة دينية قومية إلى عقيدة قومية الأمر الذي يعني إمكانية استخدامها لضبط سلوك المستوطن الإسرائيلي على المستوى القومي. ولكن لا يمكن، بطبيعة الحال، توظيفها لضبط السلوك الجنسي للمستوطن على المستوى الشخصي. ولذا، فقد نشأت ظواهر مرتبطة بالحرية الجنسية مثل انتشار البغاء، وأخيراً الأيدز، كما يُلاحَظ زيادة عدد الأطفال غير الشرعيين. وقد ظهر مؤخراً قانون يسمح بممارسة البغاء في الدولة الصهيونية بشكل قانوني يتزايد يوماً بعد يوم. ولا توجد لدينا إحصاءات دقيقة، ولكننا نعرف (حسب إحصاءات 1986) أن 45% من الإسرائيليات اللائي في المرحلة العمرية 21 سنة فأكثر يتزوجن لأنهن يتوقعن طفلاً، وأن 11% من الفتيات اللائي يتزوجن في إسرائيل (بغض النظر عن أعمارهن) يتزوجن وهن حوامل. والواقع أن إباحة الإجهاض محاولة أخرى لهذا الاتجاه حيث إن نسبة الإجهاض من أعلى النسب في العالم، فقد سـجَّلت المسـتشفيات الحكومية نحـو سبعين ألـف حالة إجهاض سنوياً، الأمر الذي يعني أن الحالات أكثر من ذلك كثيراً. وينتشر الشذوذ الجنسي أيضاً في إسرائيل (ويُقال إن نسبته تصل إلى 10% بين الرجال). وقد وصف وزير السياحة السابق (أمنون روبنشتاين) المجتمــع الإسرائــيلي بأنــه من أكثر المجتمعات إباحيــةً، وأشــار إلى شارع دزنجــوف (أحد الشـوارع الكبرى في تل أبيب) باعتباره «زبالة دزنجوف» إذ تُعرَض فيه الأفلام الإباحية وتروَّج المخدرات (وقد عُرضت فيه مؤخراً مسرحية تمثل الملك داود وصديقه يوناثان تربطهما علاقة جنسية شاذة).
وتتسم الحياة في الكيبوتسات بالحرية الجنسية، إذ لا يتم فصل أفراد الجنسين إلا بعد سن الثامنة عشرة تقريباً. أما فيما قبل ذلك، فإنهم يقضون معظم الوقت معاً ويمارسون كل الأنشطة الإنسانية المختلفة مثل الاستحمام معاً. ولكن يبدو أن العلاقة الجنسية داخل الكيبوتس (بين أعضائه) أصبحت تشبه علاقة الإخوة بالأخوات، فلقد ظهرت أنماط للتعامل تشبه أنماط التعامل داخل الأسرة الواحدة، وظهرت أشكال من التابو (الحظر) تلقائياً. ومن الملاحَظ أن أعضاء الكيبوتس الواحــد لا يتزوجــون فيما بينهــم، إلا فيما ندر، ولا يتزوجون إلا بأعضاء الكيبوتسات الأخرى في معظم الأحيان.
الزنــــى
Adultery
كلمة «الزنى» يقابلها في العبرية كلمة «نيئوف»، وأحياناً «زينوت». وهي استخدام فضفاض لأن كلمة «زينوت» تعني بالمعنى الدقيق للكلمة «البغاء». وتحرم اليهودية الزنى، كما جاء في الوصايا العشر. وقد عُرِّف الزنى بأنه علاقة جنسية بين امرأة متزوجة ورجل غير زوجها، وعقوبتها الموت للاثنين. أما الأنثى غير المتزوجة إن دخلت علاقة جنسية عرضية (مع يهودي) فإن ذلك أيضاً أمر مكروه ولكنه غير محرَّم، وثمرة مثل هذه العلاقة لا يكون مامزير. وعقوبة زوجة الكاهن الزانية أقسى من عقوبة الزانية العادية. وثمرة هذه العلاقة «مامزير»، أي طفل غير شرعي. وتذهب بعض الفتاوى اليهودية إلى أن الوصايا الخاصة بالزنى لا تنصرف إلا إلى «زوجة أخيك»، أي العبراني الأمر الذي يعني أن نساء الأغيار مباحات. ولكن الرأي السائد بين الحاخامات هو أن اليهودي الذي يزني بامرأة من الأغيار زان أيضاً، ومن حق زوجته أن تطلب الطلاق منه. وعلى العكس من هذا، ذهبت بعض الحركات الشبتانية إلى أن الوصية الخاصة بالزنى تعني العكس تماماً في التوراة الخفية (توراة الفيض)، فحينما تقول الوصية «لا تزن» فإن المعنى الباطني هو «فلتزن». أما بالنسبة إلى الرجل المتزوج الذي يدخل علاقة جنسـية مع أنثى غـير متزوجة، فإن الأمر مكروه ولكنه ليـس محرَّماً.
الـــزواج
Marriage
«الزواج» بالعبرية «نيسوئين»، وتشجع العقيدة اليهودية اليهود على الزواج والإنجاب: "وباركهم الله وقال لهم أثمروا وأكثروا واملأوا الأرض" (تكوين 1/28). ولعل حركة الأسينيين التي يُقال إن أفرادها امتنعوا عن الزواج كانت استثناء يثبت القاعدة. ومع هذا، فإن ثمة نظرية تذهب إلى أنهم لم يكونوا جماعة مترهبنة، وإنما نظمت عملية الزواج بحيث لم تكن تتم إلا بين أعضاء الجماعة وحسب. والزواج كصورة مجازية مهمة في العهد القديم، كما أن القبَّالاه اللوريانية جعلتها صورة مجازية مركزية، إذ يتزوج الإله من الشعب، وكل الأوامر والنواهي تهدف إلى إنجاز هذا الزواج المقدَّس.
وفي الماضي، كان الزواج يتم في ثلاث خطوات: الأولى «شيدرخين» وهو طلب يد الفتاة، والثانية «إيروسين» أو «قيدوشيم» أو «قيدوشين»، وهي تشبه عقد القران عند المسلمين، وبموجبها تصبح المرأة اليهودية زوجة شرعية لمن تقدَّم إليها، ولا يمكنها الزواج من آخر إلا إذا مات زوجها أو طلقها. ويجب أن تتم هذه الخطوة أمام شهود. وعلى الزوج إما أن يدفع نقوداً، بالعبرية «مهار» أي «ماهار»، أو يوقع شهادة الزواج «كتوباه»، أو يجامع زوجته دون أن يدفع لها مهراً أو يكتب عقد زواج (والطريقة الأخيرة أقلها حدوثاً، كما أن بعض الحاخامات رفض هذا الإجراء).
أما الخطـوة الثالثـة في الزواج، فهي تحقيق الزواج نفسه (نسـوئين)، وهـذا يقابل الزفاف عند العرب (أو «الدُخلة» بالعامية المصرية). ويصاحب الزفاف احتفالات تختلف من بلد إلى بلد حسب العادات والتقاليد المحلية، فيهود كوشين يحتفلون بطريقة مختلفة عن يهود الولايات المتحدة في العصر الحديث، أو عن يهود الجبال الذين لا يزالون يمارسون عادة خطف العروس، كما هو الحال في مجتمعهم. ولكن من أكثر أشكال الزواج شيوعاً زواج يهود اليديشية. وربما يعود هذا إلى أنهم كانوا يشكلون الأغلبية العظمى من يهود العالم، وهؤلاء هم الذين هاجروا إلى الولايات المتحدة، ونقلوا معهم أشكال الاحتفال بالزفاف الخاصة بهم، كما أن هوليود ساعدت على إشاعة هذا الشكل من الاحتفال. ويبدأ الاحتفال بينهم، بحضور عشرة أشخاص على الأقل (وهو نفس عدد النصاب في الصلاة) من بينهم حاخام. ويقف العريس والعروس تحت كوشة تُسمَّى «هوبا» (المحفة)، ويقرأ الحاخام بعض الأدعية طالباً البركة (براخوت)، ثم يضع العريس خاتماً ذهبياً غير مُزَّين بأحجار في يد العروس، وتُقرأ شهادة الزواج (كتوباه) ثم تُقرَأ بعض الأدعية والابتهالات مرة أخرى. وأحياناً يُطلَب إلى العروس أن تدور سبع مرات حول العريس، وتُقرأ الأدعية أحياناً على كأس خمر يشرب منه العريس والعروس، ويُطلَب إلى العريس أن يكسر كأساً، علامة على حزنه على الهيكل. ولم يَعُد اليهود، في معظم أنحاء العالم، يحتفلون بعقد القران منفصلاً عن الزواج نفسه.
وليس الزواج في اليهودية من الشعائر المقدَّسة، كما هو الحال في المسيحية، وإنما هو عقد ذو طابع أخلاقي ديني، ولا يمكن أن يتم إلا بموافقة الأنثى. ولا تُحرِّم اليهودية تعدد الزوجات، وإن كان الفقه اليهودي قد منعه ابتداءً من القرن الحادي عشر في الغرب، ثم امتد المنع إلى كثير من بلاد العالم الأخرى، وإن كان لا يزال هناك بعض اليهود يمارسون هذا الحق الشرعي. ويناقش التلمود الأمور المتعلقة بالزواج في أحد أسفاره.
ولا يحل لليهود الزواج من المحارم. ويتشدد القرّاءون في تعريف المحارم. كما لا يُباح ليهودي أن يتزوج من مامزير (شخص غير شرعي). ويُمنَع الزواج المُختلَط من الأغيار بتاتاً (ومع هذا، كان هناك في الماضي درجات، فزواج اليهود من الكنعانيين ذكوراً أم إناثاً كان محظوراً، ولكن الزواج من الذكور العمونيين والمؤابيين ومن الذكور والإناث المصريين والأدوميين من أبناء الجيل الثالث بعد تهودهم كان غير محظور). أما الكاهن، فيمتنع زواجه من مطلقة. ولا تستطيع الأرملة أن تتزوج إلا بعد مرور تسعين يوماً على موت زوجها. وإذا كان شقيق زوجها على قيد الحياة وليس لها أطفال، فإن اليهودية توجب عليه الزواج منها. وإذا اختفى الزوج ولم يُعرَف مصيره، تصبح المرأة عجوناه، أي لا يحق لها الزواج إلا بقرار محكمة شرعية. ولا تُحرِّم اليهودية الطلاق ولكن لا يمكن للمطلقة الزواج إلا بعد الحصول على شهادة الجيط، أي القسيمة الشرعية للطلاق التي لا تَصدُر إلا بعد أن تتأكد المحكمة الحاخامية من أن المرأة قد طلقها زوجها فعلاً.
وقد سبَّبت هـذه القيـود كثيراً من المشـاكل للمستوطنين في إسرائيل،حيث تشرف المحاكم على عمليات الزواج والطلاق، فكثير منهم لا يعرف مثلاً أنه كاهن إلا حينما يتقدم طالباً الزواج من مطلقة.
وقد كان الزواج العمود الفقري للجماعات اليهودية في العالم، فهو أساس التماسك والتضامن. كما أنهم، كجماعة وظيفية، لا يتزاوجون إلا فيما بينهم، حتى لا يذوبوا في محيطهم الحضاري. وكان كثير من الجيتوات يُحرِّم على اليهود المقيمين فيها الزواج من يهود جيتو آخر، وذلك حتى لا يعطيهم هذا حق السكنى في الجيتو. وكان الزواج بين السفارد والإشكناز نادراً حتى عهد قريب، ولكن معدلاته أخذت في الارتفاع.
وحينما ظهرت الدولة المطلقة في أوربا، فإنها كانت تتدخل في تنظيم الزواج بين أعضاء المجتمع ومنعهم أعضاء الجماعات اليهودية، فكـان بعضـهم لا يستطيع الزواج إلا بعد سـن معيَّنة، حتى لا يتكاثر عددهم، ولم يكن يسمح للبعض بالزواج على الإطلاق. وفي محاولة تحديث اليهود في النمسا، في القرن التاسع عشر، لم يكن يُسمَح لبعض اليهود بالزواج إلا بعد قراءة كتاب عن الدين اليهودي كتبه أحد دعاة التنوير. وفي العصر الحديث، تزايدت معدلات الزواج المُختلَط، وبدأت الأجيال الجديدة اليهودية تُحجم عن الزواج والإنجاب، وهذه ظاهرة عامة في الغرب الآن وتساهم في ظاهرة موت الشعب اليهودي.
وثيقة الزواج
Ketubbah
«وثيقة الزواج» مصطلح يقابله في العبرية كلمة «كتوباه»، وهي الوثيقة التي تُسجَّل فيها الالتزامات المالية والأخلاقية للعريس تجاه عروسـه، وتعـتبر وثيقة الزواج أحد شـروط الزواج حسـب الشريعة اليهودية. ويجب أن تحمل الوثيقة توقيع شاهدين، وتُكتَب الكتوباه عادةً بالآرامية. ويُضاف إليهـا الآن ملخـص بلغة البلـد الذي يعيـش فيه اليهودي. وتحتفظ العروس بالوثيقة.
وقد قام اليهود المحافظون بتعديل صيغة الشهادة. أما اليهودية الإصلاحية، فتخلت عنها تماماً. ويتناول الجزء الخاص من التلمود والمسمَّى «كتبوت» كل الأمور المتعلقة بهذه الوثيقة. وعادةً ما كانت هذه الوثيقة تُكتَب على الرق وتُزيَّن حوافها.
زواج الأرملــــــة
Levirate Marriage
«زواج الأرملة» يُطلَق عليه «يبُّوم» بالعبرية. والأرملة في العبرية «ماناه» وهي من أصل لغوي يعني «الصامتة» وهي غير «يباماه» أي "الأرملة التي مات زوجها ولم تنجب أطفالاً". ويُحرِّم العهد القديم زواج أرملة الأخ إذا كان لها أطفال، لكنه يوجب مثل هذا الزواج إذا لم يكن لها أطفال. وقد جاء في سفر التثنية (25/5 ـ 10): "إذا سكن إخوة معاً ومات واحد منهم وليس له ابن فلا تصير امرأة الميت إلى خارج لرجل أجنبي. أخو زوجها يدخل عليها ويتخذها لنفسه زوجة ويقوم لها بواجب أخي الزوج. والبكر الذي تلده يقوم باسم أخيه الميت لئلا يُمحَى اسمه من يسرائيل".
وإن لم يرض الرجل أن يأخذ امرأة أخيه تصعد امرأة أخيه إلى الباب إلى الشيوخ وتقول قد أبى أخو زوجي أن يقيم لأخيه اسماً في يسرائيل. لم يشأ أن يقوم لي بواجب أخي الزوج. فيدعوه شيوخ مدينته ويتكلمون معه، فإن أصرَّ وقال لا أرضى أن أتخذها، تتقدم امرأة أخيه إليه أمام أعين الشيوخ وتخلع نعله من رجله وتبصق في وجهه وتصرخ وتقول هكذا يُفعَل بالرجل الذي لا يبني بيت أخيه. فيُدعى اسمه في يسرائيل «بيت مخلوع النعل». (وهذه شعائر الحليتساه). وتصبح المرأة عجوناه إن رفـض الأخ أن يتزوجـها ويخضع هو لطقـوس خلع النعل، وقد تظل المرأة عجوناه إن كان الأخ قاصراً أو غائباً أو مفقوداً.
الطــلاق
Divorce
«الطلاق» بالعبرية «جيطين» ويتم الطلاق حسب الشريعة اليهودية في محكمة حاخامية، وتنتهي الإجراءات بأن يعطي الرجل زوجته قسيمة طلاق تُسمَّى في التوراة «سفير كيرتوت» أي كتاب الطلاق (تثنية 24/3)، وتُسمَّى في التلمود «جيط»، ويكون في حضور شهود أو أمام محكمة شرعية (بيت دين). وتتلخص وظيفة المحكمة في التأكد من أن الإجراءات تتفق مع القانون الديني، ولا تتنافى معه. ثم يسجل كاتب المحكمة الطلاق، ويعطي نسخة من القسيمة لكل من الزوجين. والطلاق، حسب الشريعة اليهودية، من حق الرجل، يمارسه متى أراد، وإن كان من المعروف أن قسائم الزواج (كتوباه) كثيراً ما كانت تحتوي على شروط تحمي الزوجة من أهواء الرجل.
وحصول المرأة على قسيمة الطلاق أمر أساسي، إذ أن اليهودي من حقه أن يعدد الزوجات، على الأقل من الناحية النظرية. ولذا، فبإمكانه الزواج دون أن يكون معه نسخة من القسيمة. أما المطلقة التي هجرها زوجها، أو حتى طلقها أمام المحاكم المدنية دون أن يسلمها وثيقة الطلاق (جيط) التي لابد أن تتم أمام المحكمة الشرعية لكي يتم بمقتضاها فسخ الزواج شرعاً، فتبقى «عجوناه»، أي «مهجورة ومربوطة في آن واحد». وفي شريعة التلمود، تُعرَّف «العجوناه» بأنها الزوجة المهجورة المرتبطة بزوج غائب، والتي لا تعرف على وجه اليقين ما إذا كان على قيد الحياة أم لا، أو التي طُلِّقت مدنياً ولم تحصل على شهادة جيط ولذلك لا يحق لها الزواج من جديد، وزواجها من رجل آخر يُعتبَر عملاً من أعمال الزنى، ويعتبر أولادها غير شرعيين.
وفي البلاد الغربية، حيث لا تعترف المحاكم بقسيمة الطلاق الشرعية، لا يمنح الحاخام هذه القسيمة إلا بعد التأكد من أن الطلاق قد تم أمام المحاكم المدنية. ومع هذا، لا تعترف المحاكم الحاخامية بالطلاق المدني إلا بعد إكماله بقسيمة الطلاق الشرعية.
وفي إسرائيل، يقع الطلاق، مثله مثل الزواج، تحت سلطة المحاكم الحاخامية. ومع تزايد معدلات الطلاق في الغرب، وخصوصاً في الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، أصبح الطلاق إحدى المشاكل التي تواجه المؤسسة الحاخامية، إذ يصل العديد من المهاجرات السوفيتيات المطلقات اللائي لم يحصلن على قسيمة الطلاق، وبالتالي فكل منهن عجوناه، وحينما تتزوج للمرة الثانية ترفض الحاخامية أن تعترف بزواجها. ومن المتوقع أن تصبح مشكلة قسيمة الطلاق الشرعية من أهم المشاكل التي ستواجه المُستوطَن الصهيوني، وربما تصل هذه المشكلة في أهميتها مشكلة التهود على يد حاخام غير أرثوذكسي، الأمر الذي لا تعترف به المحاكم الحاخامية في إسرائيل، كما أنها ستزيد تفاقم حدة قضية الهوية اليهودية.
قسيمة الطلاق الشرعية (جيط)
Get
«جيط» هي «القسيمة الشرعية للطلاق»، وبدونها تصبح المرأة اليهودية عجوناه، أي مطلقة لا يمكنها الزواج. وتنقسم قسيمة الطلاق إلى قسمين: العام (توفيس) وهو الديباجة العامة في كل قسائم الطلاق، والخاص (توريف) وهو الجزء الخاص بالحالة المدوَّنة في القسيمة. وعادةً ما تنتهي قسيمة الطلاق بعبارة «إن من حق المطلقة أن تتزوج من أي رجل». ويجب أن يُكتَب التاريخ الصحيح بعناية، وبعد الانتهاء من إعداد القسيمة يسلمها الزوج لزوجته في حضور شهود. وبعد أن تأخذ الزوجة القسيمة تعطيها للمحكمة الشرعية التي تعطيها وثيقة تثبت أنها تم تطليقها حسب الشرع ثم تمزق المحكمة القسيمة حتى لا تثار أية شكوك بشأنها في المستقبل، ثم تحفظها وهي ممزقة. ويوجد في التلمود جزء خاص بالجيط والعجوناه.
العجوناه
Ajuna
كلمة «عجوناه» كلمة عبرية مشتقة من فعل عبري بمعنى «يسجن» أو «يربط». والعجوناه امرأة يهودية اختفى زوجها ولكن السلطات الدينية ليست على ثقة من وجوده على قيد الحياة، ولذا فهي مرتبطة برجل لا يمكنها أن تعيش معه فعلياً، ولكنها لا تستطيع أن ترتبط بآخر لأنها من الناحيـة النظرية متزوجـة، فهي مهجـورة ومربوطة في آن واحد معاً. ولهذا، لا يحق لها الزواج من جديد. وينطبق المصطلح الآن على الزوجات اللائي هجرهن أزواجهن دون أن يطلقوهن، أولئك اللائي طُلِّقن دون الحصول على قسيمة الطلاق الشرعية (جيط) التي لابد أن توثِّقها محكمة شرعية (بيت دين). وتلجأ بعض السيدات إلى المحاكم الشرعية لإكراه الزوج على منح الوثيقة، لكن هذه المحاكم تتحرك ببطء شديد كما أنه في كثير من الأحوال لا يمكن الوصول إلى الزوج. ولا يزال هذا التقليد التلمودي سارياً في إسرائيل. ولا تستطيع العجوناه أن تتزوج للمرة الثانية زواجاً دينياً شرعياً، وإذا تزوجت دون شهادة الجيط، فإن أطفالها يُعتبَرون غير شرعيين، أي مامزير حسب الشريعة اليهودية. ومن المتوقع أن يزداد عدد السيدات العجونات بين المهاجرين من المجتمعات الغربية بسبب ارتفاع معدلات الطلاق فيها. وقد لوحظ وجود عدد كبير من النساء العجونات بين المهاجرين السوفييت، ويعود هذا إلى أن الحاخامية في إسرائبل لا تعترف بالطلاق المدني الذي تُصدره المحاكم السوفيتية والتي لا تملك أن تُصدر وثيقة الجيط رغم اعتراف الحاخامية بالزيجات التي تتم أمام هذه المحاكم. وقد لوحظ أن أعداداً من النساء العجونات بدأن ينكرن أنهن مطلقات حتى لا يفقدن حقوقهن وحتى لا يصنف أولادهن باعتبارهم «مامزير».وتوجد في إسرائيل ما بين ثمانية إلى عشرة آلاف عجوناه. ولم يحدث أن منحت المحاكم الشرعية الإسرائيلية عبر تاريخها وثائق الجيط رغم إرادة الزوج إلا في ثلاثين حالة فقط. وكانت وثيقة الجيط مسئولة عن وجود عدد كبير من المطلقات في جاليشـيا لا يمكنهن الزواج،الأمر الذي أدَّى إلى انتشـار البغاء بينهن.
طفل غير شرعي (مامزير)
Mamzer
«طفل غير شرعي» مصطلح يقابل مصطلح «مامزير» وهي كلمة عبرية معناها «طفل يهودي غير شرعي». ومنزلة المامزير أقل من منزلة اليهودي العادي لأنه ثمرة علاقة جنسية محرَّمة (من وجهة نظر أسفار موسى الخمسة والشريعة الشفوية)، مثل زواج رجل من امرأة محرمة عليه كأخته أو أمه، أو اتصال امرأة يهودية متزوجة اتصالاً جنسياً بغير زوجها، وهي علاقات عقوبتها الرجم. ويُحرَّم على اليهودي مولداً أن يتزوج من مامزير، لكن المامزير يمكنه أن يتزوج من مامزير مثله، أو من متهود، وهذا يعني أن الطفل غير الشرعي في منزلة المتهود. وأولاد المامزير مامزير مثله حتى لو كان متزوجاً من يهودي أو يهودية. أما إذا كان المامزير من الأغيار، فإن أبناءه يُعدّون من الأغيار.
ويجب التنبيه إلى أن ولادة الطفل خارج الزواج لا تجعله بالضرورة طفلاً غير شرعي أو مامزير، فالأم اليهودية غير المتزوجة تنجب أطفالاً شرعيين إذا كان والد الطفل يهودياً بالمولد وغير متزوج وليس محرماً عليها الزواج منه شرعاً. وفي هذه الحالة، سواء تزوج الرجل المرأة أو لم يتزوجها، فإن هذا لا يغيِّر مكانة الطفل. ولعل هذا هو ما يجعل تجارب مثل الكيبوتس ممكنة، إذ يصبح الزواج أمراً غير مهم، بل هامشياً.
ويُسمَّى الطفل المشكوك في أبوته «شيتوكي»، وهي كلمة تعني حرفياً «غير معروف الأصل» لأن أمه ترفض أن تكشف شخصية الأب، أو لأنها لا تعرفه. وفي أغلب الأحوال، لا يُعتبَر هذا الطفل مامزير باعتبار أنه وُلد لأم يهودية!
ويُطلَق على الطفل اللقيط بالعبرية «أسوفي»، وهو ليس مامزير وإنما هو غير معروف النسب. ويتوقف الأمر على المكان الذي وجد فيه. فإذا وُجد بالقرب من حي يهودي، فهو مامزير، وإذا وجد بالقرب من حي للأغيار فهو من الأغيار. ومع هذا، لا يستطيع مثل هذا الطفل أن يتزوج من مامزير آخر، لأنه مشكوك في انتمائه اليهودي ككل!
ويُعتبَر أي يهودي قرّائي مامزير، إذ أن اليهود الحاخاميين يعترفون بأن الزواج القرّائي شرعي، بينما الطلاق غير شرعي، وبالتالي فإن كل امرأة قرّائية تُطلَّق ثم تتزوج للمرة الثانية يكون زواجها الثاني غير شرعي وثمرته مامزير. ولأن هذه العملية استمرت عبر الأجيال، فإن كل القرّائين صاروا مامزير. ومع هذا، فقد ظهرت فتاوى أخرى ترى أن التشريعات الحاخامية لا تعترف بالزواج القرّائي نفسه. وتحدث أكثر حالات المامزير حينما تتزوج امرأة مطلقة لم تحصل على الجيط (قسيمة الطلاق) من زوجها الأول، إذ أنها من وجهة نظر القانون الشرعي تظل في ذمة زوجها الأول، ومن ثم فالزواج الثاني زواج غير شرعي وأولادها منه غير شرعيين.
وهناك أيضاً «هلا»، وهو الطفل الذي يكون ثمرة زواج كاهن وامرأة لا يحل له أن يتزوجها بسبب انتمائه إلى سلك الكهنوت. ومثل هذا الطفل لا يفقد أية حقوق، ولكنه لا يُعتبر كاهناً.
الباب السابع عشر: التقويم اليهودي
التــقويم اليهودي
Jewish Calendar
لا نعرف الكثير عن تقويم العبرانيين، وإن كنا نعرف أنه كان يبدأ في الخريف، وأنه كان قمرياً يُضاف إليه شهر كل أربعة أعوام حتى يتفق التقويم القمري والتقويم الشمسي. كما أننا لا نعرف حتى أسماء الشهور باستثناء أربعة (أبيب وزيف في الربيع، وبول وإيثانيم في الخريف). والتقويم اليهودي الحالي، الذي استقرت معالمه في القرن الأوَّل الميلادي، يعود إلى أيام التهجير البابلي.
ويبدو أنه ظهرت تقاويم مختلفة. وثمة إشارة في سفر الملوك: الأوَّل (12/32 ـ 33) إلى أن يربعام ملك المملكة الشمالية اتَّبع تقويماً مغايراً للتقويم المتبع في المملكة الجنوبية، وقد اتَّبع السامريون تقويم المملكة الشمالية. وكان للصدوقيين تقويمهم الخاص بهم، كما أن للقرائين تقويمهم أيضاً حتى الوقت الحالي.
وتتحدث المشناه عن أربعة رؤوس سنوات، أي أربعة تقاويم:
1 ـ أوَّل نيسان، لتحديد الأعياد وحكم الملوك (وهو التقويم الديني).
2 ـ أوَّل إيلول، لدفع عشور الماشية.
3 ـ أوَّل تشري، لحساب السنة السبتية، وسنة اليوبيل، والعام المدني (وهو التقويم المدني).
4 ـ أوَّل أو منتصف شفاط، لغرس الأشجار.
ومع هـذا، لا يحتفل اليهـود بعيد رأس السـنة إلا في تشري وحسب، وهو العيد الذي يُسمَّى بالعبرية «روش هشاناه».
وحينما يسرد اليهودي شهور السنة، يبدأ بشهر نيسان أوَّل شهور التقويم المدني، وليس تشري، أي أن رأس السنة يقع في سابع شهورها، كما هو موضح في الجدول التالي:
1 ـ نيسان 30 يوماً آخر مارس ـ أبريل.
2 ـ إيار 29 يوماً آخر أبريل ـ مايو.
3 ـ سيفان 30 يوماً آخر مايو ـ يونيه.
4 ـ تموز 29 يوماً آخر يونيه ـ يوليه .
5 ـ آف 30 يوماً آخر يوليه ـ أغسطس.
6 - إيلول 29 يوماً آخر أغسطس ـ سبتمبر.
7 - تشري 29 يوماً آخر سبتمبر ـ أكتوبر (وهو أوَّل الشهور في التقويم البابلي، وفيه يقع رأس السنة).
8 ـ حشوان 29 أو 30 يوماً آخر أكتوبر ـ نوفمبر.
9 ـ كسليف 29 أو 30 يوماً آخر نوفمبر ـ ديسمبر.
10 ـ تيفت 29 يوماً آخر ديسمبر ـ يناير.
11 ـ شفاط 30 يوماً آخر يناير ـ فبراير.
12 ـ آدار 29 يوماً آخر فبراير ـ مارس.
ومن المرجح أنها عادة قديمة جداً مصدرها الأهمية الخاصة لشـهر نيسان عند اليهود، ففي هذا الشهر خرج موسى بقومه من مصر. وهو أيضاً الشهر الذي يقع فيه أهم أعيادهم على الإطلاق، عيد الفصح، وهو أوَّل الأعياد حسب التقويم الديني. وهو كذلك عيد الربيع، كما ورد في سفر الخروج (12/2): "هذا الشهر يكون رأس الشهور".
والتقويم اليهودي تقويم معقد، ولهذا التعقيد سببان: أولهما أن حساب الشهور يتبع الدورة القمرية، فنجد أن الشهور مكونة إما من ثلاثين يوماً أو تسعة وعشرين يوماً، وبذلك تصبح السنة 354 يوماً. في حين أن حساب السنين يتبع الدورة الشمسية وذلك حتى يستطيع اليهود الاحتفال بالأعياد الزراعية في مواسمها. والفرق بين السنة الشمسية والسنة القمرية أحد عشر يوماً، فكان لابد من تعويض هذا الفرق في عدد الأيام حتى يتطابق الحسابان، وتم إنجاز ذلك بإدخال تعديلات معقدة على تقويمهم بحيث يتطابق التقويمان تمام التطابق مرة كل عشرين عاماً، فأضافوا شهراً كاملاً مدته ثلاثون يوماً في كل عام ثالث وسادس وثامن وحادي عشر ورابع عشر وسابع عشر وتاسع عشر من هذه الدورة العشرينية، وهكذا. وهذا الشهر الذي يُقحَم على السنة، يأتي بعد آدار، ويُسمَّى «آدار شني»، أي «آدار الثاني» (أواخر فبراير أو مارس) حيث تصبح سنتهم الكبيسة مكوَّنة من ثلاثة عشر شهراً. أما السبب الثاني لتعقيد التقويم اليهودي، فهو سبب شعائري بحت، فمثلاً لا ينبغي أن يقع عيد يوم الغفران أو عيد رأس السنة قبل أو بعد يوم السبت. ولذلك، فقد تُؤجَّل بداية السنة عندهم يوماً أو يومين حسب الأحوال، فتصبح السنة اليهودية العادية 353 أو 354 أو 355 يوماً. أما السنة الكبيسة، فيزاد عليها شهر كامل فتصبح 383 أو 384 أو 385 يوماً. وطبقاً للحسابات اليهودية الفلكية، هناك أيام محدَّدة يبدأ فيها كل شهر، ولا يجوز أن يبدأ بغيرها. وفي جميع الأحوال، يجب أن تظل الفترة من أوَّل نيسان إلى أوَّل تشري 177 يوماً. وكانت بداية الشهور، «روش حودش» (حرفياً «رأس الشهر») تُعرَف حين يذهب شاهد عيان إلى السنهدرين ويُعلن أنه رأى القمر، فتُوقَد النيران إعلاناً عن رؤية القمر. ولذلك، فقد جرت العادة منذ ذلك الوقت (عند أعضاء الجماعات اليهودية خارج فلسطين) على الاحتفال بالأعياد يومين على التوالي لصعوبة تحديد اليوم الفعلي لظهور القمر الجديد في فلسطين.
وكان تحديد التقويم ورأس السنة من أهم مهام السنهدرين في فلسطين. ويبدو أن هذه المهمة صارت من أهم مظاهر الاستقلال والهيمنة. ولذلك، كانت قيادات يهود بابل تحاول أن تضطلع بهذه المهمة، كلما سنحت لها الفرصة. فعلى سبيل المثال، حينما سُحق تمرُّد بركوخبا قاموا بأولى هـذه المحـاولات، ولكنهـم اضـطروا إلى التنازل عنها فيما بعد. ولكن، بعد تحوُّل الإمبراطورية الرومانية إلى المسيحية، وانفصال الجماعات اليهودية تماماً عن فلسطين، قام أمير اليهود (البطريرك أو الناسي) هليل الثاني عام 359 بإعلان القواعد الرياضية السرية لحساب التقويم، الأمر الذي أنهى ما تبقَّى للقيادة اليهودية في فلسطين من سلطة. وقد حاول علماء فلسطين، في القرن العاشر، أن يستعيدوا سلطة تحديد التقويم، ولكن علماء العراق نجحوا في كبحهم بعد أن ازدادوا نفوذاً لوجودهم في مركز السلطة. وقد استقر التقويم اليهودي وأصبح تحديده يخضع للحسابات الفلكية.
ولم يكن التقويم اليهودي يحدِّد في بداية الأمر تاريخ السنة بشكل مستقر أو متعارف عليه، فكان حساب السنوات يتم بالرجوع إلى أحداث مهمة مثل: الخروج من مصر، أو حادث يَسهُل تَذكُّره مثل زلزال، أو بداية حكم ملك. ومنذ فترة الهيكل الثاني، اتبع اليهود حسابات غير اليهود، وخصوصاً بعد حكم السلوقيين الذي بدأ عام 312 ق.م. ولكن، ابتداءً من القرن الثالث الميـلادي، بدأ وضع حسـاب التقــويم اليهــودي بالعـودة إلى تاريـخ الخـلق. وفـي أدبيات التلمود، ثمة رأيان يذهب أحدهما إلى أن الخلق بدأ في نيسان (أوَّل الشهور)، في حين يذهب الثاني إلى أنه بدأ في تشري (الشهر السابع). وقد استقر الأمر على اعتبار أنه في تشري (عيد رأس السنة). وقد ازدادت هذه العادة شيوعاً مع العصور الوسطى. وقد حـدَّد حاخــامات اليهود تاريخ بدء الخليقة (على أساس التورايخ التـــوراتية) بســنة 3760 قبـل الميــلاد. ويمكن التوصل إلى الســنة اليهـودية، بإضـافة التــاريخ الافتراضــي لخلق الكون إلى التاريخ الميلادي. وبحسب هذا التقويم، يوافق عام 1995 ـ 1996 الميلادي سنة 5756 اليهودية (وهو مجموع 3760 + 1996).
ويُلاحَظ أن التقويم الإسلامي يبدأ بالهجرة، كما أن التقويم المسيحي يبدأ بميلاد المسيح، وهي مناسبات تاريخية محددة. أما التقويم اليهودي، فيجعل نقطة بدايته لحظة كونية هي خلق العالم (تماماً مثل نقطة نهايته وهي لحظة عودة الماشيَّح التي ينتهي عندها التاريخ الإنساني). وأسماء الشهور في التقويم اليهودي بابلية، فتموز مثلاً هو أحد الآلهة البابلية، وتشري من «تشرينو» وتعني «البداية». وتُستخدَم أحياناً حروف عبرية بدلاً من الأرقام في التواريخ اليهوديــة. ويتَّبع أعضــاء الجماعـات اليهودية التقويم المدني الذي يبدأ بتشـري (رأس السـنة) للأغـراض الدينيــة. ويستخدمون في حياتهم العادية التقاويم المدنية السائدة في البلاد التي يعيشون في كنفها. ولا تظهر السنة اليهودية إلا في الوثائق الدينية مثــل عقـود الزواج والشهادات الصادرة من معاهد الدراسة الحاخامية.
ومع تصاعُد معدلات العلمنة في الدولة الصهيونية، بدأت بعض الأصوات التي تطالب بالتخلي عن التقويم اليهودي. وقد رفعت أم أحد الجنود الذين لقوا حتفهم أثناء غزو لبنان دعوى أمام المحكمة وطالبت فيها بإلغاء السنة اليهودية على أن يحل محلها التقويم الجريجوري.
وفيما يلي تقويم يهودي من عام 5758 حتى عام 5760، أي حتى عام 2000 ميلادية:
التقويم اليهودي حتى عام 2000 ميلادية
التقويم / 5758 / 5759 / 5760
تشري / 2 أكتوبر 1997 / 21 أكتوبر 1998 / 11 سبتمبر 1999
حشفان / 1 نوفمبر 1997 / 20 نوفمبر 1998 / 11 أكتوبر 1999
كسليف / 30 نوفمبر 1997 / 20 نوفمبر 1998 / 10 نوفمبر 1999
تيفت / 30 ديسمبر 1997 / 20ديسمبر 1998 / 10 ديسمبر 1999
شفاط / 28 يناير 1998 / 18 يناير 1999 / 8 يناير 2000
آدار / 27 فبراير 1998 / 17 فبراير 1999 / 7 فبراير 2000
نيسان / 28 مارس 1998 / 18 مارس 1999 / 8 مارس 2000
إيار / 27 إبريل 1998 / 17 أبريل 1999 / 6 أبريل 2000
سيفان / 26 مايو 1998 / 16 مايو 1999 / 6 مايو 2000
تموز / 25 يونيه 1998 / 15 يونيه 1999 / 4 يونيه 2000
آف / 24 يوليو 1998 / 14 يوليه 1999 / 4 يوليه 2000
إيلول / 23 أغسطس 1998 / 13 أغسطس 1999 / 5 أغسطس 2000
تشـري
Tishri
««تشري» كلمـة مشـتقة من اللفظ الأكادي «تشرينو»، وتعني «البداية»، وهو الشهر السابع في التقويم الديني اليهودي وأوَّل شهر في التقويم المدني، ويتكون من 30 يوماً. ويوافق هذا الشهر سبتمبر ـ أكتوبر، وأوَّل أيامه عيد رأس السنة اليهودية (روش هشَّاناه). ولذا، فإن هذا اليوم هو أيضاً يوم الحساب، حيث يحاسب الإله العالم بأسره. ويقع صوم جداليا في الثالث من هذا الشهر (أيام التكفير العشرة) التي تبدأ في عيد رأس السنة لتصل إلى نهايتها في عيد يوم الغفران. ويقع عيد المظال بين الخامس عشر والثالث والعشرين منه، ويتضمن عيد الثامن الختامي (شميني عتسيريت) وبهجة التوراة (سمحات توراه).
حشــفان
Heshvan
كلمة «حشوان» اختصار لكلمة «مرحشوان» وهي من عبارة بابلية تعني «الشهر الثامن»، و«حشوان» هو الشهر الثامن في التقويم الديني اليهودي، وثاني شهور التقويم المدني وهو 29 أو 30 يوماً، ويوافق أكتوبر - نوفمبر. وقد صدر وعد بلفور في السابع عشر من حشوان، ولذا فإنه يُحتفَل به في ذلك اليوم!
كسـليف
Kisleve
««كســليف» من الكلـمة الأكادية «كيسليمو». وهو تاسع شهور التقويم الديني اليهودي، وثالث شهور التقويم المدني، ويتكون من 29 أو 30 يوماً، ويوافق نوفمبر ـ ديسمبر. ويبدأ عيد التدشين في الخامس والعشرين من كسليف، حين تُشعَل أوَّل شموع شمعدان التدشين، ويستمر العيد ثمانية أيام (ثاني أو ثالث أيام تيفت).
تيفت
Tevet
«تيفت» من الكلمة الأكادية «تبيتو»، وهو عاشر شهور التقويم الديني اليهودي، ورابع شهور التقويم المدني، ويتكون من 29 يوماً، ويوافق ديسمبر ـ يناير. وفي هذا الشهر، بدأت جيوش نبوختنصر حصارها للقدس. ولذا، فإن ذكرى هذا اليوم يتم إحياؤها بصوم العاشر من تيفت.
شــفاط
Shevat
««شفاط» من الكلمة الأكادية «شفاطو»، وهو الشهر الحادي عشر في التقويم الديني اليهودي، وخامس شهور التقويم المدني، ويتكون من 30 يوماً، ويوافق يناير - فبراير. ويقع عيد السنة الجديدة للأشجار في الخامس عشر منه.
آدار
Adar
««آدار» من الكلمة الأكادية «أدارو»، وهو الشهر الثاني عشر في التقويم الديني اليهودي، وسادس شهورالتقويم المدني، ويتكون من 29 يوماً، ويوافق فبراير ـ مارس. وأهم الأعياد في هذا الشهر عيد النصيب في الرابع عشر منه (في السنوات الكبيسة). وهو يشمل آدار ريشون (أي آدار الأول) الذي يتكون من ثلاثين يوماً، وآدار شني (أي آدار الثاني) وهو من تسعة وعشرين يوماً. وفي هذه الحالة، تُنقَل المناسبات والأعياد كافة إلى آدار الثاني.
نيسان
Nisan
««نيسان» من الكلمة الأكادية «نيسانو»، وهو أوَّل شهور التقويم الديني اليهودي، وسابع شهور التقويم المدني، ويتكون من 30 يوماً، ويوافق مارس ـ أبريل. ولقد جاء في المشناه أن أوَّل نيسان هو أوَّل يوم في السنة للملوك والأعياد.
ولقد كان خروج جماعة يسرائيل من مصر في منتصف نيسان، ومن ثم يُحتفَل بعيد الفصح في الفترة من الخامس عشر إلى الحادي والعشرين منه. ومنتصف نيسان هو أيضاً بداية عيد الحصاد. ويُسمَّى نيسان في أسفار موسى الخمسة شهر أبيب، أي الربيع. ويقع يوم هاشواح (يوم المحرقة) في السابع والعشرين منه.
ومع هذا، فإنه يُمنَع الصيام والجنازات والحزن خلال هذا الشهر، فهو كما تقدَّم شهر الربيع، كما أنه «زمان حرتنو»، أي «فصل حريتنا».
إيَّـــار
Iyyar
««إيّار» من الكلمة الأكادية «إيّار»، وهو ثاني شهور التقويم الديني اليهودي، وثامن شهور التقويم المدني، ويتكون من 29 يوماً، ويوافق أبريل ـ مايو. ويُشار إليه في العهد القديم باسم «زيف» أي «الروعة» أو «الجلال» باعتبار أن الربيع يصل قمة ازدهاره في هذا الشهر. ويقع عيد لاج بعومير في الثامن عشر منه، وكذلك عيد استقـلال إســرائيل (احتـلال فلســطين من وجهــة نظرنـا) في الخـامـس منه، وكذلك ذكرى التحرير (سقوط القدس) في اليوم الثامن والعشرين.
سيفان
Sivan
««سيفان» من الكلمة الأكادية «سيمانو»، وقد سُمِّي باسم الإله السامي للقمر الإله سين (جبل سيناء)، وهو ثالث شهور التقويم الديني اليهودي، وتاسع شهور التقويم المدني، ويتكون من 30 يوماً، ويوافق مايو ـ يونيه. ويقع عيد الأسابيع في السادس والسابع من سيفان. وكان عيد الأسابيع قديماً عيد الحصاد حيث كانت تُحضَر إلى الهيكل بواكير الحصاد وتُقدَّم قرباناً.
تمـــــوز
Tammuz
««تمُّوز» من الكلمة الآشورية البابلية «دوزو» أو «دوموزي»، أي «الإله تمُّوز». وهو رابع شهور التقويم الديني اليهودي، وعاشر شهور التقويم المدني، ويتكون من 29 يوماً، ويوافق يونيه ـ يوليه. ويوافق اليوم السابع عشر من تمُّوز، ذكرى اختراق نبوختنصر حائط القدس في 586 ق.م. ويُقال إن جيوش تيتوس الرومانية اخترقت حوائط القدس هي الأخرى في التاريخ نفسه. ويصوم اليهود في ذلك اليوم. ويُعَد يوم 7 تموز ابتداء أسابيع الحداد الثلاثة التي تصل إلى نهايتها في التاسع من آف.
آف
Av
««آف» من الكلمة الأكادية «أبو»، وهو خامس شهور التقويم الديني اليهودي، والشـهر الحادي عـشر في التقويم المدني، ويتكون من 30 يوماً، ويوافق يوليه ـ أغسطس. وأهم أيامه هو التاسع منه والذي يوافق ذكرى سقوط الهيكلين الأوَّل والثاني. وقد ارتبط هذا التاريخ بكوارث أخرى في تواريخ الجماعات اليهودية. وتصل أسابيع الحداد الثلاثة التي تبدأ في السابع عشر من تموز نهايتها في التاسع من آف. وتُعتبَر التسعة أيام، من أوله حتى التاسع منه، أكثر الأيام حزناً. ويُسمَّى الشـهر «مناحم» أي «المؤاسي»، لا لأن الأحـزان ستُؤاسى بعد التاسع منه، وإنما لأن الماشيَّح سيولد في التاسع من آف.
إيلول
Elul
««إيلول» من الكلمة الأكادية «إيلولو»، وهو سادس شهور التقويم الديني اليهودي، والشهر الثاني عشر في التقويم المدني، ويتكون من 29 يوماً، ويوافق أغسطس ـ سبتمبر. ولا توجد أعياد أو أيام صيام في إيلول. ومن ثم، فهو يُعتبَر إعداداً لليهود لأيام الأعياد الكبرى.
الباب الثامن عشر: الأعياد اليهودية
أعيــــــــــاد يهوديــــــــة
(Jewish Festivals (Holy Days
كلمة «أعياد» تقابلها في العبرية كلمة «حَجِّيم» (مفردها «حَج»)، ويقابلها أيضاً «موعيد» أو «يوم طوف». وتُستخدَم كلمة حجيم للإشارة إلى عيد الفصح وعيد الأسابيع وعيد المظال (أعياد الحج الثلاثة). أما كلمة «موعيد» (وجمعها: موعاديم)، فتشير إلى الأعياد السابقة، وكذا لعيد رأس السنة (روش هشَّاناه) ويوم الغفران، « هذه مواسم الرب المحافل المقدَّسة التي تنادون لها في أوقاتها » (لاويين 23/4). ويتسع النطاق الدلالي لكلمة «أوقاتها» (موعاديم) لتشير أحياناً إلى كل « المحافل المقدَّسة » ومنها السبت وعيد بداية الشهر القمري (عدد 28/11). وكان الأنبياء يشيرون إلى كل هذه الأعياد باعتبارها « المحافل المقدَّسة ». ومع هذا، تُستخدَم كلمة «موعاديم» أحياناً للإشارة إلى أعياد الحج الثلاثة وحسب. وبالتالي، فإن كلمة «موعاديم» أكثر اتساعاً في معناها من كلمة «حجيم» لأنها تشمل الدلالة على كل الأعياد. أما أيام الصوم والفرح التي يقررها اليهود أو حاخاماتهم بأنفسهم، فيشار إليها بأنها «يوم طوب»، أي «يوم طيب أو سعيد أو مبارك». ولذا، فلا يَلْزم تقديم أية قرابين أو تضحيات فيها (صموئيل أوَّل 25/8، وإستير 8/17).
وتنقسم الأعياد اليهودية إلى قسمين: الأعياد التي جاء ذكرها في التوراة، أي التي نزلت قبل التهجير، وتلك التي أُضيفت بعد العودة من بابل. ومن بين أهم أعياد القسم الأوَّل: يوم السبت (وهو ليس عيداً بالمعنى الدقيق)، وأعياد الحج الثلاثة (وهي أعياد زراعية ارتبطت بأحداث تاريخية)، وعيد الفصح، وعيد الأسابيع، وعيد المظال، وعيد الثامن الختامي (شميني عتسيريت) الذي يَعُده البعض عيداً مستقلاً، ثم أيام التكفير وهي رأس السنة اليهودية (روش هشَّاناه)، ويوم الغفران (يوم كيبور)، وأخيراً عيد القمر الجديد (روش حودش) وهو أقل أهمية من الأعياد الأخرى. أما مجموعة الأعياد التي أضيفت بعد نزول التوراة، فهي: عيد النصيب (بوريم)، وعيد التدشين (حانوخه)، وعيد لاج بعومير، والخامس عشر من آف، وعيد رأس السنة للأشجار. ومع أن التاسـع من آف يوم صوم وحداد على سـقوط القـدس وهَدْم الهيكل، فإنه يُعتبَر أيضاً عيداً. وتُعَدُّ الأيام الأولى والأخيرة في أعياد الفصح والمظال والأسابيع ورأس السنة ويوم الغفران أعياداً أساسية يُمنَع فيها العمل إلا إعداد الطعام (وحتى هذا مُحرَّم في يوم الغفران). أما الأيام التي تقع بين اليومين الأوَّل والأخير، فيُباح فيها القيام بالأعمال الضرورية. ولا يُحرَّم العمـل في الأعيـاد الأخرى، مثل النصيب والتدشين.
ويضم الاحتفال بأي عيد يهودي ثلاثة عناصر:
1 ـ المرح الذي يأخذ شكل المأدبات الاحتفالية (باستثناء يوم الغفران) والامتناع عن العمل في الأعياد المهمة.
2 ـ الأدعية والابتهالات التي تضاف إلى الصلاة (عاميدا).
3 ـ طقوس احتفالية خاصة مثل أكل خبز الفطير في عيد الفصح، وإيقاد الشموع في عيد التدشين، وزرع الأشجار في عيد رأس السنة للأشجار.
وقد بدأت أصوات الاحتجاج تعلو في الأوساط اللادينية داخل إسرائيل على ما يسمونه «الجانب الجنائزي» في الأعياد اليهودية. ففي شهر مارس، يُحتفَل بعيد النصيب الذي يشير إلى تهديد اليهود بالإبادة في فارس. وفي شهر أبريل، يحل عيد الفصح، حيث يروي اليهود قصص عبوديتهـم في مصر وما عانـوه من مشقة في الهرب عبر الصحراء. وفي شهر أبريل (27 نيسان) يحتفلون بيوم الإبادة (يوم هاشواه) ثم بيوم الذكرى (يوم هازيخارون). وتُضاف إلى كل هذا أعياد أخرى مثل التاسع من آف وأيام الصيام الحدادية التي لا تنتهي، الأمر الذي يترك أثراً سيئاً في الأطفال الإسرائيليين.
ويُحتفَل بالأعياد خارج إسرائيل مدة يومين ما عدا عيد يوم الغفران، وذلك ناتج عن عادة قديمة مصدرها الخوف من عدم وصول الحجاج إلى الأرض المقدَّسة في الموعد المحدد، فكانت الأعياد تزاد يوماً من باب الاحتياط. وثمة تفسير آخر يذهب إلى أن اليوم الإضافي تعويض عن غياب قداسة الأرض بسبب وجودها في يد المغتصبين. ويكتفي اليهود الإصلاحيون بالاحتفال بالعيد في أيامه المقررة.
وبالنسبة إلى كيفية إقامة الشعائر الدينية في الأعياد ومدى التمسك بها، يمكن تقسيم اليهود في إسرائيل وخارجها إلى فئتين: فهناك اليهود الأرثوذكس، وهم الفئة الأكثر محافظة وتمسكاً بتقاليد الأعياد (وهؤلاء يقيمون معظم الشعائر). وتولي الدولة الصهيونية هؤلاء اهتماماً خاصاً، فهي تزيد مثلاً برامج نشرات الأنباء في الإذاعة والتلفزيون مساء السبت حتى يتسنى لهم سماع ما فاتهم طيلة اليوم، لأن استعمال الكهرباء من المحرمات في ذلك اليوم المقدَّس. أما الفئة الثانية، فهم اليهود العلمانيون في إسرائيل وخارجها. وموقف هؤلاء من الأعياد متنوع، إذ يوجد أولاً أولئك الملحدون الصريحون الاندماجيون (وهؤلاء يُسقطون أي احتفال بالعيد كليةً). وفي إحصاء عام 1989 (في الولايات المتحـدة)، لوحظ أن حـوالي 90% احتفلـوا بعيد يوم الغفران، 83.4% احتفلوا بعيد الفصح، و75% بعيد التدشين، و36% يقيمون شعائر السبت، وقد يتراءى للمرء بناء على ذلك أن ثمة حفاظاً على الهـوية اليهـودية، ومن ثم على الشـعائر الدينية، ولكـن يُلاحَظ ما يلي:
1 ـ أن مثل هؤلاء اليهود لا يقيمون كل الشعائر، وإنما يقيمون بعضها وحسب، كما يروق لهم، ويبدو أن عدد من يقيم كل الشعائر لا يزيد على 5%.
2 ـ يُلاحَظ أن هؤلاء لا يقيمون شعائر تتطلب كبتاً للذات وإرجاء للذة، وإنما يقيمون الشعائر الاحتفالية وحسب. ففي عيد يوم الغفران، نجد أنهم لا يصومون قط ولا يمتنعون عن الجماع الجنسي، وإنما يذهبون إلى المعبد لمقابلة أصدقائهم ويخرجون معاً ويقيمون الحفلات، تماماً مثلما يحدث في احتفالات بلوغ اليهودي سن التكليف الديني (برمتسفاه) إذ تحوَّلت هذه الحفلات إلى مظهر من مظاهر الاستهلاكية الأمريكية.
وهذا يقودنا إلى استخلاص ما يلي:
1 ـ أن العيد لم يَعُد جزءاً من زمان مقدَّس أو دورة كونية يحاول الإنسان أن يربط بينه وبينها عن طريق إقامة الشعائر، وإنما هو تحقيق للذات الفردية. ومن ثم، فقد أصبح جزءاً من وقت الفراغ يشبه عطلة نهاية الأسبوع الهدف منه الترويح عن النفس (الركيزة النهائية للنسق) لا كبح جماحها.
2 ـ أن اليهودي في الأعياد يحقق ذاته الإثنية عن طريق تأكيد انتمائه إلى الجماعة الإثنية اليهودية، لا إلى جماعة دينية تلتزم بشعائر دينها، أي أن الأعياد تمت علمنتها تماماً. وهذه ظاهرة عامة في الحضارة الغربية إذ تمت علمنة احتفالات عيد الميلاد تماماً حتى أصبح أكبر موسم للاستبضاع وزيادة اللذة.
ويُلاحَظ أنه في إطار علمنة الأعياد، قد تختفي بعض الأعياد، ولكن البعض الآخر يمكن أن يتم بعثه وتأكيد أهميته إذ تصبح الأعياد جزءاً من الفلكلور. وبالفعل، يُلاحَظ أن كثيراً من أعضاء الجماعات اليهودية في إسرائيل وخارجها، الذين لا يدينون بأي إيمان، بدأوا يوقدون الشموع ليلة السبت أو في عيد التدشين ويبذلون جهداً لإعادة تفسير المحتوى الديني للعيد ليصبح عيداً قومياً أو إثنياً.
ولكن يُلاحَظ تحوُّل آخر في مدى أهمية الأعياد. فيُلاحَظ مثلاً أن عيد الفصح بدأ يفقد أهميته ومركزيته بين أعضاء الجماعات اليهودية في الغرب رغم أنه أهم الأعياد اليهودية. وعلى العكس من هذا، بدأ عيد التدشين يكتسب مركزية خاصة رغم أنه ليس عيداً مهماً من منظور ديني (ولذا، فإنه لا يُحرَّم فيه العمل). ولكن عيد التدشين يتزامن مع احتفالات عيد الميلاد في الغرب، وأعضاء الجماعات اليهودية يكتسبون هويتهم الحضارية من خلال الحضارات التي يعيشون بين ظهرانيها. ولذا، اكتسبت هذه الفترة من السنة أهمية خاصة، وإن لم يوجد عيد يهودي لملئها فإن أعضاء الجماعات اليهودية سيواجهون مشكلة. ولا شك في أن عيد التدشين قد حل مشكلة الكريسماس أو احتفالات الميلاد المسيحي بالنسبة للأسرة اليهودية، إذ يتيح لأطفالهم الاحتفال بعيد الميلاد على طريقة يهودية فلا يشعرون بالحرمان. وهذا على عكس إسرائيل حيث لا توجد احتفالات بعيد الميلاد. ومن ثم، لا تنشأ حاجة إلى الاحتفال بعيد ما في هذا الوقت من السنة. ولكن، يُلاحَظ أن عيد النصيب قد اكتسب شعبية خاصة في إسرائيل بسبب مضمونه القومي الفاقع وخصوصاً أنه تصاحبه حفلات تنكرية وتشجيع على الانفلات المؤقت يجعله يشبه الكرنفال.
لكن عملية التحويل هذه ليست عسيرة في إطار الحلولية اليهودية إذ يُلاحَظ أن كل الأعياد اليهودية ابتداءً من عيد الفصح، مروراً بعيد الخـروج من مصر، وانتهاءً بعيـد الاسـتقلال (عيد إنشاء الدولة الصهيونية)، هي أعياد دينية قومية تتداخل فيها القيم الأخلاقية والقيم القومية، والقيم المطلقة والقيم النسبية. والملاحَظ أن تداخل العناصر الدينية مع العناصر القوميــة يقابله تداخل آخر هو تداخـل الطبيعـة والتاريـخ. ولعـل هـذا تعبـير آخـر عن التركـيب الجيولوجـي اليهـودي الذي تتراكـم داخلـه طبقـات وعناصر عديدة، فقد تداخلت عبادة يهـوه (إله التاريخ) التي تتجه نحو التوحيد وعبادة بعل (إله الطبيعة) التي تميل نحو الحلولية. وتداخلت من ثم أعياد العبادتين وامتزجت. كما أن تداخل الطبيعة والتاريخ في الأعياد اليهودية هو أيضاً تعبير عن الطبقة الحلولية التي هي بدورها تعبير عن الواحدية المادية الكونية التي ترد كل شيء إلى مستوى واحد. فالإله يحل في كل شيء؛ في التاريخ اليهودي والطبيعة ويساوي بينهما، وهو ما يجعل الزمن الطبيعي يرتبط بالزمن أو التاريخ اليهودي، وهذا ما يجعل معظم الأعياد الدينية مرتبطاً بدورة الطبيعة.
ويُلاحَظ أن اليهود،في إسرائيل وخارجها،تحت تأثير الصهيونية (التي تعبِّر عن الحلولية بدون إله والتي تدور حول عنصرين اثنين من الثالوث الحلولي: الشعب والأرض أو الطبيعة)، يؤكدون المغزى القومي للأعياد (الشعب) وعلى الجانب المرتبط بالفصول (الطبيعة) على حساب المغزى الديني (الإله). ويتجلى هذا، على سبيل المثال،في الاحتفال بعيد الأسابيع، فهو عيد زراعي ولكنه أيضاً عيد نزول التوراة.ومن هنا،فإننا نجد المحتفلين يهملون الجانب الثاني أو يقللون أهميته ويؤكدون الجانب القومي والطبيعي. وهم يهتمون بالغ الاهتمام بعيد رأس السنة للأشجار.وهذا يتفق مع الاتجاه العام نحو صهينة الدين اليهودي بحيث تتم العودة إلى تلك العناصر الحلولية الأولى في العهد القديم ويتم إهمال العناصر الأخلاقية العالمية التوحيدية.وقد أضافوا في إسرائيل أعياداً جديدة ذات طابع قومي أو طبيعي مثل الاحتفال بتمرُّد بركوخبا،وعيد ميلاد هرتزل،وعيد استقلال إسرائيل،وقد جعلوا للإبادة النازية يوماً.
ولكن هذه العلمنة، أو الحلولية بدون إله، تصل إلى الذروة في الكيبوتسات التي تحتفل بالأعياد بدون معبد يهودي، ولا حاخامات ولا صلوات، والتي استبعدت تماماً أية إشارة إلى الإله. وإن جاءت الإشارة إليه بسبب ضرورة النص أو أية ضرورة رمزية، فإنه لا يُقدَّم له الشكر، بل يتـم تأكيد الجـانب القـومي والزراعي أو الطبيعي. وعلى سـبيل المثال، تضاف إلى كتاب احتفالات عيد الفصح (هاجاداه) أحداث قومية أخرى، مثل استقلال دولة إسرائيل، ويصبح الخروج من مصر هو نضال الشعب اليهودي الذي حقق حريته دون تدخُّل إلهي. بل هناك من يطالب في إسرائيل بالاحتفال بعيد الفصح (عيد تحرُّر اليهود من العبودية في مصر وخروجهم منها) في يوم إعلان إسرائيل باعتبار أن هذا هو اليوم الذي تحقَّق فيه التحرُّر بالفعل. كما تُذكَر أحداث أخرى توصف بأنها «قومية» مثل هجرة اليهود السوفييت. أما ما يتصل بالعنصر الطبيعي، فإن الإشارة العابرة إلى الربيع في الهجاداه الدينية تصبح موضوعاً أساسياً في الهجاداه العلمانية. وفي ليلة عيد الفصح نفسه، أضافوا عيداً جديداً مرتبطاً بالطبيعة يُسمَّى «سفيرات هاعومير» أي «حساب الشعير». وفي هذا الاحتفال، يشكل أعضاء الكيبوتسات وأولادهم موكباً، ويذهبون للغناء والرقص في الحقول ثم تُقطَع بضع سنابل قمح بطريقة احتفالية، وتوضع في قاعة الاحتفالات في الكيبوتسات، وفي بقية أيام العيد يجرى الاحتفال بالعيد وشعائره من خلال الغناء والموسيقى. والشيء نفسه يُقال عن عيد الأسابيع، فالمحاصيل السبعة التي ورد ذكرها في سفر التثنية (الحنطة والشعير والكروم والرمان والزيتون والتين والعسل) يتم تأكيد أهميتها من خلال الغناء والرقص، ويُخصَّص يوم في هذا العيد يُسمَّى «هاجيجات هابيكوريم» (عيد بواكير الثمار)، حيث يُعقَد اجتماع جماهيري وتُقدَّم أولى الثمار إلى الصندوق القومي اليهودي (بدلاً من الهيكل والإله في النسق الحلولي الوثني القديم). وقد خُصِّص يوم في عيد المظال سُمِّي «هاجيجات هاسيف»، أي «عيد الحصاد» للاحتفال ببداية السنة الزراعية وسقوط الأمطار، ويُحتفَل به أحياناً ليلاً حول حمام السباحة، وهو ما يشي بطابعه الحلولي الوثني (ولا تذكر أيٌّ من المراجع التي تتناول هذا الموضوع الطابع الجنسي لهذه الاحتفالات). والواقع أن ذلك يمكن أن يُفسَّر على أساس أنه أمر طبيعي وعادي ومُتوقَّع في كثير من المجتمعات الحديثة، ولكننا نعرف أن هذا هو ما يحدث بالفعل، وهو أمر متفق تماماً مع الحلولية الوثنية إذ أن العبادات الحلولية عادةً ما تترجم نفسها إلى احتفال ذي طابع جنسي ترخيصي.
والاحتفال بعيد الغفران يأخذ شكل عزف مقطوعات موسيقية، وإنشاد بعض الأغاني التي قد يكون من بينها دعاء كل النذور، ثم تُعقد حلقة نقاش. وقد أضافت بعض الكيبوتسات أعياداً أخرى، من بينها عيد «هجيجات هاجَّز» (جّْز الأغنام)، ولا يُحتفَل به إلا في الكيبوتسات التي تمتلك قطعاناً. ويقوم أعضاء مثل هذه الكيبوتسات بجَّز فرو آخر خروف بمصاحبة الموسيقى والرقص، ثم يقومون بعرض بعض البضائع التي يدخل الفرو فيها.ومن الأعياد الأخرى المستجـدة،«هـاجيـجات هاكيـراميم» (عيد الكرمات)، والاحتفـال به يأخذ كمـا هو مُتـوقَّع شكــل موســيقى ورقـص وغنـاء. وتحتفل الكيبوتسات بأيام أخرى مثل عيد تأسيس الكيبوتس أو ذكرى سقوط أحد أعضاء الكيبوتس في الحروب الكثيرة ضد العرب.
ويأخذ هذا الاتجاه نحو علمنة الأعياد شكلاً مضحكاً أحياناً، ففي احتفال عيد التدشين يقول المتدينون "من يتكلم بجبروت الرب"(مزامير 106/2)، ولكن اللادينيين، في محاولة لتأكيد الجانب القومي، يقولون «من يتكلم بجبروت إسرائيل» (وإسرائيل هنا هي الشعب والدولة).وفي عيد الاستقلال، يغيِّرون النص الذي يقول: "هذا هو اليوم الذي صنعه الرب" (مزامير 118/24) بحيث يصبح "هذا هو اليوم الذي صنعه الجيـش الإسـرائيلي".بل،في أحـد الأعياد،يردد الأطفـال عبارة:"وهكذا تبيد جميع أعدائك يارب" (من أنشودة دبوراه في سفر القضاة 5/31).أما أطفال الكيبوتسات فيرددونها على النحو التالي:"وهكذا تبيد جميع أعدائك يا إسرائيل".ويقول الدينيون:"يزكور إلوهيم"، أي "اذكروا الرب"، أما اللادينيون فيقولون: "يزكور عام يسرائيل"، أي "اذكروا شعب إسرائيل"، أو "أنونذكور"، أي"سنذكر"، فكأن العلاقة هنا هي علاقة مع الذات وحسب.
ويوجد في آخر هذا الباب تقويم الأعياد وأيام الصوم حسب التقويمين اليهودي والميلادي حتى عام 2000 ميلادية.
أيام الأعياد الكبرى
High Holidays
عيدا رأس السنة (1 ـ 2 تشري) ويوم الغفران (10 تشري) يُعَدَّان من أهم الأعياد اليهودية، وفي عيد رأس السنة تتم محاسبة جميع البـشر ويصدر الحـكم في يوم الغفران. وتُسمَّى الأيام من 1 ـ 10 تشري «ياميم نورائيم»، أي «أيام التكفير أو الندم» (حرفياً: أيام الرهبة). وقد وردت العبارة لأوَّل مرة في كتاب في القرن الرابع عشر، وهي تشير إما إلى الأيام التي أشرنا إليها أو إلى الفترة من 1 إيلول حتى يوم الغفران.
عيد رأس السنة اليهودية (روش هشاناه)
Rosh Hashanah
«عيد رأس السنة اليهودية» هو عيد «روش هشَّاناه» بالعبرية، أي «رأس السنة». وهو عيد يُحتفَل به لمدة يومين في أوَّل تشري (سبتمبر/أكتوبر). وقد ورد في المشناه أربعة أيام أخرى باعتبارها «رأس السنة»:
1 ـ أوَّل نيسان: أول العام وهو لتحديد حكم الملوك العبرانيين، ولتحديد الأعياد (التقويم الديني). ولذا، فإن اعتلى ملك العرش في شهر آدار،وهو آخر شهور التقويم الديني، فإن الشهر الذي يليه يشكل العام الثاني من حكمه.وعيد الفصح حسب هذا التقويم أوَّل أعياد السنة،وليس عيد رأس السنة. ويذكر التلمود أن أوَّل نيسان هو أيضاً رأس السنة لشراء القرابين بالشيقل التي يتم جمعها في آدار.
2 ـ أوَّل إيلول: هو أوَّل العام لدفع عشور الحيوانات، إذ كانت تُدفَع العشور عن الماشية التي تُولَد بين أوَّل إيلول وآخر آف.
3 ـ أوَّل تشري: أوَّل العام المدني، وتتضمن أيضاً حساب حكم الملوك الأجانب، ولحساب السنة السبتية، وعام اليوبيل. ويُحرَّم الزرع والحصاد منذ أوَّل هذا الشهر. كما يُعَدُّ تشري رأس السنة من الناحية الدينية. ويرى بعض الحاخامات أن أوَّل تشري هو رأس السنة بالنسبة إلى دفع عشور الحيوانات أيضاً، وبالتالي فلا يوجد سوى ثلاثة رؤوس للسنة حسب هذا الرأي.
4 ـ أوَّل شفاط (أو منتصف شفاط): رأس السنة للأشجار باعتبار أنه في ذلك اليوم تسـقط أكـبر كمية من الأمطار حسبما ورد في التلمود.
ومع ذلك، فإن اليهود لا يحتفلون إلا برأس السنة التي تقع أول تشري، وهي وحدها التي يُشار إليها باسم «روش هشَّاناه».
وحينما يعد يهودي شهور السنة، فإنه لا يبدأ بتشري الذي يُحتفَل فيه برأس السنة، وإنما يبدأ بنيسان (أوَّل شهور التقويم الديني)، وربما كان هذا يعود إلى أن نيسان قد ورد ذكره في التوراة على أنه رأس الشهور. وهو كذلك الشهر الذي يُحتفَل فيه بالخروج، أهم أحداث التاريخ المقدَّس عند اليهود، وهو التاريخ الذي تم فيه خلق العالم (والحاخامات لا يتفقون جميعاً مع هذا الرأي). وهكذا تقع رأس السنة في سابع شهورها. ويشير العهد القديم إلى هذا اليوم باعتباره أوَّل يوم في سابع شهر (لاويين 23/24). ويعود هذا التناقض إلى أن الحضارة العبرانية كانت تدور في فلك الحضارة البابلية المتفوقة التي صبغت الشرق الأدنى القديم بصبغتها. وكان شهر تشري رأس السنة بالنسبة إلى البابليين («تشرينو» تعني «البداية» في اللغة البابلية) الذين كانوا يعتقدون أن كل آلهتهم تجتمع في ذلك اليوم في معبد مردوك (كبير الآلهة) لتجديد العالم، وللحكم على الأفراد والشعوب. وقد تبع العبرانيون البابليين في ذلك، وكان هذا اليوم، أي «روش هشَّاناه»، يُسمَّى «يوم هازيخارون» (يوم التذكر والذكرى) أو يوم «هدين» (يوم الحساب). وهو لم يُسمَّ باسمه هذا إلا في المشناه، أي في مرحلة لاحقة (وفي هذه يتبدَّى ما نسميه تركيب اليهودية الجيولوجي التراكمي).
وليس لعيد رأس السنة ذكرى تاريخية معيَّنة، كما أنه لا يُعتبَر أهم من الأعياد اليهودية الأخرى. ومع هذا، فقد اكتسب هذا العيد دلالة دينية وقدسية خاصة. فلقد جاء في المشناه أنه اليوم الذي بدأ فيه الإله خلق العالم (ولكن، حسب رواية أخرى، بدأ خلق العالم في نيسان)، وهو اليوم الذي تمر فيه المخلوقات كقطيع الغنم أمام الإله. ومن ثم، فعلى اليهودي أن يحاسب نفسه في هذا اليوم عما ارتكبه من ذنوب (وفي هذه الشعائر أصداء بابلية). وعيد رأس السنة أوَّل أيام التكفير التي يبلغ عددها عشرة، والتي تنتهي بأقدس يوم لدى اليهود على الإطلاق، وهو يوم الغفران (يوم كيبور). ويُحيِّي اليهود بعضهم بعضاً في عيد رأس السنة اليهودية بقولهم: « فليُكتب اسمك هذا العام في سجل الحياة السعيدة ». ومن أهم طقوس ذلك اليوم النفخ في النفير (شوفار)، حيث ينفخون فيه بثلاثة أصوات مختلفة لكل صوت منها دلالته الخاصة. وهم في هذا اليوم أيضاً، يرتدون الثياب البيضاء أثناء الصلاة.
ويرتبط كثير من التقاليد اليهودية بهذا العيد، فمثلاً تُجهز أطباق من الطعام ذات دلالة معيَّنة، كالخبز والتفاح المغموس في العسل، والذي يؤكل مع تلاوة صلوات تعبِّر عن الأمل في سنة حلوة قادمة، أو يُقدَّم رأس حيوان حتى يكون المرء هو الرأس دائماً ولا يكون الذنب أبداً. أما في اليوم التالي من العيد، فلابد له أن يذوق فاكهة جديدة لم يسبق له أن أكلها طوال الموسم الماضي. وهناك تقليد يُتَّبع أيضاً في هذا العيد، إذ يذهب اليهود عصر ذلك اليوم إلى الأنهار، أو أي مكان فيه مياه جارية، ليتلوا الصلوات ويُلقوا خطايا العام المنصرم إلى المياه لتحملها بعيداً، وبذلك يبدأون العام الجديد بلا ذنوب. ويُقال أيضاً في تفسير هذا التقليد إن أسماك الأنهار وعيونها المفتوحة دائماً تُذكِّر الناس بعين الإله الساهرة التي لا تغفل عن مراقبة مخلوقاته (هذه عادة شائعة بصفة خاصة بين الجماعات الإشكنازية، وهي ترجع إلى القرن الرابع عشر وتُسمَّى «تشليخ»). ومن الجدير بالذكر أن رأس السنة اليهودية هو العيد الوحيد الذي يُحتفَل به في إسرائيل لمدة يومين على التوالي. وقد بدأت حركات تحرير المرأة بين اليهود في القيام باحتفال «تشليخ» مقصور على النساء اليهوديات وحدهن دون الرجال.
تشــليخ
Tashlikh
انظر: «عيد رأس السنة اليهودية (روش هشاناه)».
عيــد المظــــال (ســـوكـوت)
Feast of Tabernacles; Succot
«عيد المظال» ترجمة لكلمة «سوكوت
العبرية وتعني «المظال». وكلمة «المظال» العربية هي صيغة الجمع لكلمة «مظلة». وعيد المظال ثالث أعياد الحج عند اليهود، إلى جانب عيد الفصح وعيد الأسابيع. وقد سُمِّي هذا العيد على مدى التاريخ بعدة أسماء من بينها «عيد السلام» و«عيد البهجة». وهو يبدأ في الخامس عشر من شـهر تشـري (أكـتوبر)، ومدته سـبعة أيام ، بعد عـيد يوم الغفران. والمناسبة التاريخية لهذا العيد هي إحياء ذكرى خيمة السعف التي آوت العبرانيين في العراء أثناء الخروج من مصر (لاويين 23/43). وكان هذا العيد في الأصل عيداً زراعياً للحصاد، فكان يُحتفَل فيه بتخزين المحاصيل الزراعية الغذائية للسنة كلها، ولذا فإنه يُسمَّى بالعبرية «حج ها آسيف»، أي «عيد الحصاد».
وقد جاء في سفر اللاويين إشارة إلى هذا العيد: « وتأخذون لأنفسكم في اليوم الأوَّل ثمر أشجار بهجة وسعف النخل وأغصان أشجار غبياء وصفصاف الوادي » (23/40). وقد أجمع الحاخامات على أن أشجار «بهجة» هذه هي نبات حمضي يُسمَّى «الأُتْرُج»، وهو نوع من الموالح يشبه الليمون. ويتم الاحتفال بأن يأخذ اليهود النباتات الأربعة المشار إليها، فيمسكوا بالأغصان بيمناهم بعد ربطها بطريقة خاصة ويلوحوا في كل اتجاه (شرقاً وغرباً، وإلى الجنوب والشمال، وإلى أعلى وأسفل) رمزاً إلى أن الإله هو رب الطبيعة. ويؤخذ أحد الأسفار من تابوت لفائف الشريعة ويوضع على المنصة الذي يتلو فيه القارئ (بيماه) فيدور المصلون حوله مرة إلا في اليوم الأخير حيث تؤخذ كل الأسفار ويدورون حولها سبع مرات. وبعد ذلك، يقيمون في أكواخ مصنوعة من أغصان الشجر في الخلاء تُدعى «سوكاه». ولابد أن يصنع اليهودي هذه الأكواخ بنفسه، أو على الأقل يشارك في صنعها. ويُكتفَى الآن في الدول الغربية الباردة بعمل مظلة صغيرة من السعف، تُنصَب في إحدى الشرفات بالسكن، ويتناولون فيها وجبات الطعام. وقد يُكتفى ببـناء سـوكاه بجوار المعبد اليهودي حيث يتناول فيها اليهود وجبة رمزية، على أن يقضوا ليلتهم في بيوتهم.
وقد لاحَظ بلوتارك الشبه بين طقوس السوكاه وعبادات ديونيزيوس الإغريقية. ولعل هذا يعود إلى أن السوكاه تُغطَّى بأوراق الكرم، وتُعلَّق عليها عناقيد العنب، وكان اليهود يشربون داخلها الخمر ويغنون ويرقصون. كما أن الإطار الحلولي الذي تُعبِّر عنه الأعياد يُفسِّر هذا الجانب في عيد المظال كما يُفسِّر كونه عيد طبيعة وعيد تاريخ.
واليوم الأوَّل من أيام العيد (الأوَّل والثاني عند أعضاء الجماعات اليهودية خارج فلسطين) يُعتبر يوماً مقدَّساً يُحرَّم فيه العمل. أما اليوم الثامن (التاسع خارج فلسطين)، فهو عيد الثامن الختامي (شميني عتسيريت) لأنه يختم الأعياد الكثيرة الواقعة في شهر تشري، ويتبعه عيد بهجة التوراة (سمحت توراه). ولكنهما يُدمجان في إسرائيل (ويُعطّل العمل في كلا اليومين).
السوكاه
Sukah
أكواخ من أغصان الشجر يقيمها اليهود في الخلاء في عيد المظال (سوكوت).
عيـد يــوم الغفــران (يـوم كـيبور)
Day of Atonement; Yom Kippur
«يوم الغفران» ترجمة للاسم العبري «يوم كيبور». وكلمة «كيبور» من أصل بابلي ومعناها «يطهر». والترجمة الحرفية للعبارة العبرية هي «يوم الكفارة». ويوم الغفران هو في الواقع يوم صوم، ولكنه مع هذا أضيف على أنه عيد، فهو أهم الأيام المقدَّسة عند اليهود على الإطلاق ويقع في العاشر من تشري (فهو، إذن، اليوم الأخير من أيام التكفير أو التوبة العشرة التي تبدأ بعيد رأس السنة وتنتهي بيوم الغفران). ولأنه يُعتبَر أقدس أيام السنة، فإنه لذلك يُطلَق عليه «سبت الأسبات»، وهو اليوم الذي يُطهِّر فيه اليهودي نفسه من كل ذنب. وبحسب التراث الحاخامي، فإن يوم الغفران هو اليوم الذي نزل فيه موسى من سيناء، للمرة الثانية، ومعه لوحا الشريعة، حيث أعلن أن الرب غفر لهم خطيئتهم في عبادة العجل الذهبي. وعيد يوم الغفران هو العيد الذي يطلب فيه الشعب ككل الغفران من الإله. ولذا، فإن الكاهن الأعظم كان يقدم في الماضي كبشين (قرباناً للإله نيابة عن كل جماعة يسرائيل) وهو يرتدي رداءً أبيض (علامة الفرح) وليس رداءه الذهبي المعتاد. وكان الكاهن يذبح الكبش الأوَّل في مذبح الهيكل ثم ينثر دمه على قدس الأقداس. أما الكبش الثاني، فكان يُلقَى من صخرة عالية في البرية لتهدئة عزازئيل (الروح الشريرة)، وليحمل ذنوب جماعة يسرائيل (وكما هو واضح، فإنه من بقايا العبادة اليسرائيلية الحلولية ويحمل آثاراً ثنوية، ذلك أن عزازئيل هو الشر الذي يعادل قوة الخير). ولا يزال بعض اليهود الأرثوذكس يضحون بديوك بعدد أفراد الأسرة بعد أن يُقرَأ عليها بعض التعاويذ. وهناك طقس يُسمَّى «كابَّاروت» يقضي بأن يمسك أحد أفراد الأسرة بدجاجة ويمررها على رؤوس البقية حتى تعلق ذنوبهم بالدجاجة. وفي هذا العيد، كان الكاهن الأعظم يذهب إلى قدس الأقداس ويتفوه باسم الإله «يهوه» الذي يُحرَّم نطقه إلا في هذه المناسبة. ولا تزال لطقـوس الهيكل أصداؤها في طقـوس المعـبد اليهـودي في الوقت الحاضر، إذ يُلف تابوت لفائف الشريعة بالأبيض في ذلك اليوم على عكس التاسع من آف حيث يُلف بالأسود.
ويبدأ الاحتفال بهذا اليوم قبيل غروب شمس اليوم التاسع من تشري، ويستمر إلى ما بعد غروب اليوم التالي، أي نحو خمس وعشرين ساعة، يصوم اليهود خلالها ليلاً ونهاراً عن تناول الطعام والشراب والجماع الجنسي وارتداء أحذية جلدية، كما تنطبق تحريمات السبت أيضاً في ذلك اليوم، وفيه لا يقومون بأي عمل آخر سوى التعبد. والصلوات التي تُقام في هذا العيد هي أكثر الصلوات اليومية لليهود وتصل إلى خمس، وهي الصلوات الثلاث اليومية مضافاً إلىها الصلاة الإضافية (مُوساف) وصلاة الختام (نعيَّلاه)، وتتم القراءة فيها كلها وقوفاً. وتبدأ الشعائر في المعبد مساءً بتلاوة دعاء كل النذور ويختتم الاحتفال في اليوم التالي بصلاة النعيلاه التي تعلن أن السماوات قد أغلقت أبوابها. ويهلل الجميع قائلين: «العام القادم في القدس المبنية»، ثم يُنفخ في البوق (الشوفار) بعد ذلك.
ويُطلَق على حرب أكتوبر حرب يوم الغفران لأن عبور القوات العربية تم في ذلك اليوم من عام 5733 حسب التقويم اليهودي.
ويحتفل معظم أعضاء الجماعات اليهودية بهذا العيد، ومن بينهم اليهود العلمانيون، ولكن احتفالهم به يأخذ شكلاً علمانياً، فهم لا يمارسون أية شعائر مثل الصوم أو الامتناع عن الجماع الجنسي (الأمر الذي يتطلب كبحاً للذات)، وإنما يقيمون يوماً احتفالياً فيحصلون على إجازة ويذهبون إلى المعبد حيث تقوم الجماعة بممارسات تؤكد الهوية الإثنية الآخذة في التآكل. وعلى ذلك، فإن الاحتفال بالعيد تعبير عن رغبة عارمة لدى عدد كبير من أعضاء الجماعة في الحفاظ على هويتهم وتعبير أيضاً عن إدراكهم أنها هوية تتجه إلى الاختفاء.
وتقوم بعض الكيبوتسات العلمانية بتطوير الاحتفال بهذا العيد داخل إطار حلولي دنيوي، أو حلولية بدون إله، فيبدأ الاحتفال في ليلة عيد الغفران بإقامة صلاة علمانية لإحياء ذكرى كل من عاشوا من قبل في الكيبوتس، وتُعلّق صورهم في قاعة الاجتماعات وتُقرَأ أسماؤهم أثناء الصلاة! ويبدأ الاحتفال بتلاوة مقطوعة من أعمال يتسحاق تابنكين، وهو من قادة حركة الكيبوتـس الموحـد كما لو كانت أعماله نصوصاً مقدَّسة. وتُتلى بعض القصائد والأغاني ، وقد يكون من بينها دعاء كل النذور. والهدف من الاحتفال المشاركة في الذكريات والأحزان، أي أن الذاكرة الشعبية هي الركيزة النهائية. ثم يقضي أعضاء الكيبوتس بقية الليلة واليوم التالي في حلقة نقاش حول إحدى القضايا التي تهمهم مثل الانتفاضة. وقد لخص أحد أعضاء الكيبوتس مشاعره بعد هذا الاحتفال شبه الديني بقوله: « لم أُصلِّ ولم أصم، ولكنني شاركت في تجربة جماعية، في تَذكُّر موتانا وتجربة حياتنا ». ومن الواضح أن الاحتفال ينم عن مدى تغلغل الحلولية الدنيوية، حيث يصبح الإنسان والطبيعة هما محل القداسة، فيحتفل الإنسان بنفسه ويعبر عنها دون إشارة إلى أي إطار خارج عنها، وبالتالي تصبح الذكرى (أي الذات في الماضي) أو حياة الإنسان (الذات في الحاضر) أو تطلعاته (الذات في المستقبل) الموضوعات الأساسية، كما أن العناصر الكونية يتم تأكيدها.
يــوم الغفران
Yom Kippur
انظر: «عيد يوم الغفران».
يــوم كيــبور
Yom Kippur
«يوم كيبور» كلمة عبرية تشير إلى يوم الغفران.
انظر أيضاً: «عيد يوم الغفران».
كـابَّـاروت
Kapparot
صيغة جمع لكلمة «كابَّاراه» العبرية وتعني «تكفير». وهي إحدى الشعائر اليهودية التي يتم من خلالها نقل خطايا اليهودي الآثم بشكل رمزي إلى طائر. ولا يمارس هذا الطقس الآن سوى بعض اليهود الأرثوذكس في عيد يوم الغفران (يوم كيبور)، كما يُمارَس أحياناً في عيد رأس السنة. وتأخذ الشعيرة الشكل التالي: تُتلى بعض المزامير وفقرات من سفر أيوب ثم يُدار حول رأس اليهود طائر (ديك إذا كان الآثم ذكراً ودجاجة إذا كان أنثى) يُفضَّل أن يكون أبيض اللون ثم يُتلى الدعاء التالي: « هذا هو بديلي، قرباني، الذي ينوب عني في التكفير عني. هذا الديك (أو الدجاجة) سيلقى حتفه، أما أنا فستكون حياتي الطويلة مفعمة بالسلام ». ثم يُعطَى الطائر بعد ذلك لأحد الفقراء، أما أمعاؤه فتُعطَى للطيور. وقد تَعدَّل الطقس إذ يذهب بعض الحاخامات إلى أنه يمكن إعطاء نقود تعادل ثمن الطائر.
ولم يأت ذكر لهذا الطقس في التوراة أو التلمود ويظهر أول ما يظهر في كتابات الفقهاء (جاؤون) في القرن التاسع. وقد اعترض بعض الحاخامات في بداية الأمر على هذا الطقس لأنه يشبه الشعائر الوثنية وقد وافق على هذا الاعتراض كل من نحمانيدس ويوسف كارو. ولكن الوجدان الشعبي يميل لمثل هذه الشعائر، فهي تُقرِّب العابد من الإله بطريقة محسوسة، ولهذا كُتب لها الاستمرار، وخصوصاً أن القبَّاليين أحاطوها بكثير من الهالات الصوفية الحلولية. ثم تم قبولها بالتدريج حتى أن الحاخام إيسيريلز جعلها إجبارية. وهذا يُبيِّن الخاصية الجيولوجية التراكمية في اليهودية. وفي اليديشية والعبرية الدارجة أصبحت كلمة «كاباروت» تعني «خسارة مالية» أو «جهداً لا طائل من ورائه».
عيد التدشين (حانوخه)
Hannukah
«عيد التدشين» هو الاسم العربي لعيد «حانوخه» وهي كلمة عبرية معناها «التدشين». ويستمر عيد التدشين ثمانية أيام بدءاً من الخامس والعشرين من كسلو (يقابل ديسمبر) حتى 3 تيفت. والمناسبة التاريخية لهذا العيد هي دخول يهودا الحشموني (أو المكابي) القدس وإعادته للشعائر اليهودية في الهيكل. من هنا كانت تسميته بعيد التدشين. ويُقال إن يهودا المكابي، حينما دخل الهيكل، وجد أن الزيت الطاهر الذي يحمل ختم الكاهن الأعظم لا يكفي إلا يوماً واحداً (وكان من الضروري أن تمر ثمانية أيام قبل إعداد زيت جديد كما تقضي التوراة). فحدثت المعجزة، واستمر الزيت في الاحتراق مدة ثمانية أيام بدلاً من يوم واحد. ولذلك، صُمِّم لهذا اليوم شمعدان مينوراه خاص من تسعة أفرع، فتُوقَد شمعة في الليلة الأولى، ثم تُضاف ثانية في اليوم التالي، وهكذا حتى اليوم الثامن. وتُقرَأ بعض الفقرات من سفر العدد، ثم يُضاف وصف لمعجزة الحانوخه في تلاوة العميداه أثناء الصلاة.
وقد قرر الحاخامات أن تُقرَأ فقرات من سفر زكريا (4/6) « لا بالقدرة ولا بالقوة بل بروحي قال رب الجنود ». وقد أراد الحاخامات بذلك أن يقللوا من شأن الجانب العسكري للعيد، وأن يركزوا على الجانب الروحي. ولكن العكس يحدث الآن في الأوساط اليهودية تحت تأثير الصهيونية، وفي الدولة الصهيونية على وجه الخصوص، إذ يبالغون في الاحتفال بهذا العيد وفي تأكيد الجانب القومي.
وعيد التدشين ليس في الواقع من الأعياد التي وردت في العهد القديم. وقد كان هذا العيد عيداً بلا أهمية كبيرة. ولذا، فهو العيد الوحيد (باستثناء عيد النصيب) الذي لا يُحرَّم فيه العمل. وكان يُحتفَل به بطريقة بسيطة جداً، فتُوقَد شمعة واحدة في أول يوم، ثم شمعتان في اليوم التالي، وهكذا إلى أن تُوقَد الشموع الثمانية. وكان رب الأسرة يتلو دعاءً، وتُنشد الأسرة أغنية بسيطة لشكر الإله يشار فيها إلى السلوقيين بوصفهم " الكلاب" (حرفياً: العدو الذي ينبح). وكان الأطفال يلعبون لعبة بسيطة. ولم تكن أيام عيد التدشين تختلف عن أيام الأسبوع الأخرى. ولكن العيد بحكم توقيته (الخامس والعشرين من ديسمبر) يقع في الفترة نفسها التي يحتفل فيها المسيحيون بأهم أعيادهم (عيد الميلاد). ولما كان أعضاء الجماعات اليهودية يكتسبون هويتهم من خلال الحضارة التي يعيشون بين ظهرانيها، فإن عيد التدشين يكتسب أهمية خاصة، حتى صار هذا العيد غير المهم من أهم الأعياد على الإطلاق وأصبح صدى لعيد الكريسماس. فهناك المينوراه المقابل لشجرة الكريسماس، كما أن الهدايا تُعطَى للأطفال في ذلك العيد. وقد تمت علمنة العيدين بحيث تحوَّلا إلى مناسبتين للمرح واللعب. بل بلغ تقليد الكريسماس إلى حد أن الأدعية التي كانت تُتلى في عيد التدشين والأغاني والألعاب التقليدية لأطفال اليهود اختفت تقريباً وحل محلها ما يُسمَّى «شجرة الحانوخه» (التدشين)، وهي تعادل شجرة الكريسماس. وهناك «العم ماكس رجل الحانوخه» الذي يوزع الهدايا، وهو مقابل سانتا كلوز. ومن الطريف أن العيد، بعد أن فقد هويته اليهودية تماماً، يُنظَر إليه باعتباره أهم تعبير عن الهوية اليهودية.
ويُحتفَل بالعيد في إسرائيل على أنه عيد ديني قومي، فتُوقَد الشمعدانات في الميادين العامة، وتُنظَّم مواكب من حملة المشاعل. وأثناء الاحتفال، يصعد آلاف الشبان إلى قلعة ماسادا.
عيد النصيب (بوريم)
Purim
«عيد النصيب» هو الاسم العربي لعيد البوريم، و«بوريم» كلمة عبرية مشـتقة من كلمة «بـور» أو «فـور» البابلية ومعناها «قرعة» أي «نصيب». وكان عيد النصيب يُدعى أيضاً «يوم مسروخت» إشارة إلى «الباروكة» التي كان يرتديها الشخص في عيد النصيب في القرن الأول قبل الميـلاد (وقد سـمَّى العرب هذا العيد «عيد الشجرة» أو «عيد المساخر»). وعيد النصيب يُحتفَل به في الرابع عشر من آدار. وهو عيد بابلي، كانت الآلهة البابلية تُقرِّر فيه مصير البشر. ويوم الرابع عشر من آدار هو اليوم الذي أنقذت فيه إستير يهود فارس من المؤامرة التي دبرها هامان لذبحهم، ولهذا ففي اليوم الذي يسبق العيد يصوم بعض اليهود ما يُسمَّى «صوم (تعنيت) إستير»، إحياءً لذكرى الصوم الذي صامته إستير وكل اليهود في شوشانه قبل ذهابها إلى الملك تستعطفه لإلغاء قرارات هامان (حسب الرواية التوراتية). وكان قد تقرَّر بالقرعة (أي بالنصيب) أن يكون يوم الذبح في الثالث عشر من آدار ـ ومن هنا التسمية.
ويحتفل اليهود بهذا العيد بأن يقرأ أحدهم سفر إستير من إحدى اللفائف الخمس (أي من مخطوطة خاصة مكتوبة بخط اليد) ليلة العيد وفي يوم العـيد نفسه. ويتعيَّن على الجمـيع، وضمن ذلك النسـاء والأطفال، أن ينصتوا إلى القارئ. ويصاحب هذا العيد الكثير من الصخب، إذ كان اليهود عند ذكر اسم هامان، أثناء قراءة سفر إستير، يُحدثون جلبة أو يدقون بالعصى التي في أيديهم وكأنهم يضربون هامان وينكلون به. ويتوقف القارئ تماماً عن التلاوة حتى يتلاشى الصوت، ثم يتلو مرة أخرى إلى أن يصل إلى كلمة «هامان» مرة أخرى. ويقدم اليهود في هذا العيد الهدايا إلى الأصدقاء والمحتاجين، كما أن الأسر تتبادل الطعام. ومن العادات الأخرى، تناول فطيرة خاصة يدعونها «أذن هامان». وكذلك كان أعضاء الجماعات يحتفلون بالعيد بارتداء الأقنعة، كما كانوا يقومون في العالم الغربي بتمثيل مسرحيات عن قصة إستير التي مُثِّلت أول مرة في جيتو البندقية عام 1531، وهي مسرحيات متأثرة بالكرنفالات الإيطالية والتمثيليات المسيحية التي تُسمَّى التمثيليات الأخلاقية (بالإنجليزية: مورلايتي بلييز morality plays). كما كانوا يسرفون في الشراب حتى أن بعض فقهاء اليهود أفتوا بأنه بوسع اليهودي أن يغرق في الشراب إلى درجة أنه لا يعرف (أثناء قراءة سفر إستير) الفرق بين الدعاء على هامان، والدعاء لمردخاي. وجاء في المشناه أنه قد تُلغَى كل الأعياد إلا عيد النصيب لأن اليهود سيظلون دائماً مخلصين لإلههم ولشعبهم. ولذا، سيكون هناك دائماً هامان يتآمر لتدمير الشعب. ومع هذا، اختفى هذا العيد تقريباً في الولايات المتحدة نظراً لتفاعل اليهودية الأمريكية مع محيطها الحضاري، فهذا العيد يقع في فبراير حيث لا توجد أية أعياد أمريكية أو مسيحية، الأمر الذي أدَّى إلى ضمور العيد، على عكس عيد التدشين الذي يتزامن مع احتفال عيد الميلاد المسيحي، ولهذا أصبح عيداً مهماً للغاية.
وهناك أعياد نصيب أو بوريم خاصة بكل جماعة يهودية تحتفل فيها بنجاتها من إحدى الكوارث مثل بوريم القاهرة (28 آدار الذي أصبح يُحتفَل به ابتداءً من عام 1524) وبوريم بادوا (10 إيلول)، وهناك أعياد بوريم خاصة بكل فرد. والاحتفال بهذه الأعياد الخاصة يشبه الاحتفال بالعيد الديني، فتُكتَب قصة المناسبة التي يُقام العيد من أجلها على لفيفة وتُقرَأ أثناء الاحتفال، وتُقام الولائم وتُتلى أدعية خاصة. وكان عيد البوريم وصوم إستير من أهم الأعياد بالنسبة إلى يهود المارانو المتخفين، فقد كانوا مضطرين إلى إظهار غير ما يبطنون، تماماً مثل إستير التي كانوا يعدونها بطلتهم الدينية.
عيد الفصح أو الفسح
Passover
«عيد الفصح» أو «عيد الفسح» هو المصطلح المقابل العربي للكلمة العبرية «بيساح». ويبدأ عيد الفصح في الخامس عشر من شهر نيسان ويستمر سبعة أيام في إسرائيل (وعند اليهود الإصلاحيين) وثمانية أيام عند اليهود المقيمين خارج فلسطين. ويُحرَّم العمل في اليومين الأول والأخير (وفي اليومين الأولين واليومين الأخيرين خارج فلسطين). وتُقام الاحتفالات طوال الأيام السبعة. أما الأيام الأربعة الوسطى فيلتزم فيها بتناول خبز الفطير دون أن يقترن ذلك بطقوس احتفالية كبرى. وعيد الفصح أول أعياد الحج اليهودية الثلاثة. وإذا أخذنا المغزى التاريخي للعيد، فإنه يُشار إليه بالأسماء التالية:
1 ـ «حج البيساح». و«بيساح» كلمة عبرية تعني «العبور» أو «المرور» أو «التخطي»، ومن هنا التسمية الإنجليزية «باس أوفر Passover» إشارةً إلى عبور ملك العذاب فوق منازل العبرانيين دون المساس بهم وإشارةً إلى عبور موسى البحر.
2 ـ وهـو أيضـاً العـيد الـذي كـان يُضـحَّى فيه بجمل أو جدي (باشال).
3 ـ وهو كذلك عيد خبز الفطير غير المخمر (حج هامتسوت).
4 ـ يُحتفَل في هذا العيد بذكرى نجاة شعب يسرائيل من العبودية في مصر (زمن حيروتينو) ورحيلهم عنها.
أما إذا نظرنا إلى معنى العيد الطبيعي أو الكوني، فإنه يشار إليه بأنه «عيد الربيع». ويكون العبور هنا هو عبور الشتاء وحلول الربيع محله (حج هاآبيب).
ويذكر سيسل روث أن كلمة «بيساح» نفسها لا تعني العبور وحسب، وإنما هي مأخوذة من جذر بمعنى «يرقص» أو «يقفز». ولعل هذا يربط بين كل المعاني التاريخية والطبيعية السابقة. وهكذا نجد أن ميلاد الشعب بالخروج من مصر، وميلاد الطبيعة والكون، شيئان متداخلان تمام التداخل في إطار البنية الحلولية اليهودية.
ويبدو أن عيد الفصح نتاج امتزاج عيدين قديمين: أولهما عيد أبيب (الربيع أو الاخضرار). وهو عيد الاحتفال بالربيع على عادة الحضارات التي سادت الشرق الأدنى القديم، وقد كانت تصاحبه طقوس صاخبة احتفالاً بالخصوبة. وكان المحتفلون يقدمون أول أبكار الأرض إلى المعبد (خروج 23/19). أما العيد الآخر، فهو عيد المتسوت (الخبز غير المُخمَّر)، وهو عيد غير معروف الأصل. وهناك إشارة في سفر الخروج (23/15) تذكر أن خروج جماعة يسرائيل من مصر قد تزامن مع هذا العيد، أي أن الخروج كان بالصدفة أثناءه. وكانت العبادة اليسرائيلية القديمة تحرم استخدام الخميرة في الخبز في بعض أوقات السنة. وقد امتزجت طقوس العيدين السابقين مع عناصر أخرى من العبادة اليسرائيلية والحضارات الوثنية التي عاش أعضاء جماعة يسرائيل بين ظهرانيها لتكوِّن طقوس عيد الفصح.
والواقع أن طقوس الاحتفال بهذا العيد كثيرة ومعقدة، نظراً لتعدد مصادرها الأمر الذي يبين تركيب اليهودية الجيولوجي التراكمي بشكل واضح. ورغم أن هذه المصادر دنيوية، وأحياناً وثنية، فإن حاخامات اليهود قد فسروها بطريقة تضفي عليها مغزى دينياً. ويبدأ العيد بليلة التفتيش عن الخميرة. ويجب على اليهودي فيها أن يتأكد من أن أية خميرة تصلح للخبز قد أُبعدت عن البيت تماماً، ثم بعد ذلك يبدأ الاحتفال نفسه، ويُسمَّى «سدَر»، وهي كلمة عبرية معناها «نظام». ويتَّبع السدَر نظاماً محدَّداً فيُقرأ القيدوش في البداية ويحمد اليهودي الإله على أنه أعطى جماعة يسرائيل أعيادها، ثم تُغسَل الأيدي فيما يشبه الوضوء. وتدور معظم الطقوس حول أمرين: مائدة الفصح، وحكاية الفصح. فتوضع على مائدة الفصح حزمة من النباتات المرة كالخس أو الشيكوريا أو الكرفس (مارور)، ثم كأس من الماء المالح أو المخلوط بالخل (رمز الحياة القاسية التي عانوا منها في مصر، ورمز دموع جماعة يسرائيل) أو المأكولات الكريهة على النفس (مثل تلك التي أكلها أسلافهم أثناء الفرار في الصحراء)، وبجانب ذلك يوضع شيء من الفاكهة المهروسة أو المدقوقة في الهون والمنقوعة في النبيذ (رمز الملاط الذي كانوا يستخدمونه في البناء في مصر)، كما يوضع ذراع خروف مشوي (تذكرةً بالحمل الذي كان يُضحَّى به)، وبيضة مسلوقة (تذكرةً بقربان العيد). ولنا أن نلاحظ أن التفسيرات التي أوردناها للطقوس لا يأخذ بها كل اليهود، كما أنها ظهرت في فترة لاحقة لظهور الطقوس نفسها.
ولكن أهم شيء على مائدة الفصح هو خبز المتسوت أو خبز الفطير الذي لا تداخله خميرة، والذي لا يأكل اليهود سواه طيلة هذا اليوم؛ تذكيراً لهم بأنهم عند فرارهم مع موسى من وجه فرعون لم يكن لديهم وقت للتأنق في الخبز والانتظار على العجين (حسب تفسير الحاخامات)، أو يُقال لأن الخميرة تشبه الشر المخبأ (حسب تفسير القبَّالاه). ويوضع على مائدة عيد الفصح ثلاثة أرغفة من خبز الفطير ترمز إلى كلٍّ من الكهنة واللاويين وجماعة يسرائيل. ومن يأكل خبزاً مخمراً في هذا اليوم ينظر إليه وكأنه انفصل عن الشعب اليهودي انفصالاً كاملاً. وقد يضيف البعض رغيفاً رابعاً رمزاً لليهود المضطهدين في بعض بلاد العالم.
ويتم تناول هذه الأطعمة والمأكولات حسب نظام معيَّن، فتُغمس الأعشاب في الماء المالح، ويُكسر رغيف الفطير الأوسط، ويُخبأ نصفه ليبحث الأطفال عنه ولا يؤكل هذا النصف إلا بعد نهاية الوجبة. والنظام الذي يتبعه السدر متأثر تماماً بنظام المأدبات في الحضارة اليونانية الرومانية كما عرفها معلمو المشناه (تنائيم). وفي مثل هذه المأدبات، كان الضيوف يأكلون مشهيات (خضراوات مغموسة في الخل، وفاكهة مهروسة) ثم يدخلون بعد ذلك إلى غرفة العشاء نفسها حيث يشاركون في الوجبة الأساسية التي تتكون من لحم وخبز وهم مضطجعون على الأرائك. وكان الضيوف يشربون الخمر مع المشهيات، ثم يشربونها مرة ثانية مع الطعام نفسه، ومرة ثالثة وأخيرة بعد العشاء.
وقد ظهر أثر هذه العادة في مائدة عيد الفصح إذ تبنَّى اليهود فكرة الكؤوس الثلاثة وأضافوا إليها كأساً رابعة تُشرب أثناء تلاوة القاديش. ولذا، توضع على مائدة الفصح أربعة أقداح (أربع كوسوت) من النبيذ يشربها أعضاء الأسرة، وهي ترمز إلى وعد الإله لليهود بتخليصهم وقيامه بإنقاذهم من مصر بنفسه دون وساطة. وقد تمت عملية الإنقاذ على أربع مراحل (سأخرجكم، وسأرسلكم، وسأخلصكم، وسأجعلكم شعبي المختار)، كما يُقال إن الكؤوس الأربع رمز للشعوب الأربعة التي أذلت العبرانين، وهم: البابليون والفرس واليونانيون والرومان، ويُضاف قدح خامس يُترك دون أن يمسه أحد لأنه كأس النبي إيليا الذي سينزل من السماء قبل قدوم الماشيَّح المخلِّص. كما يضاف أحياناً الآن قدح سادس وتصحبه صلاة شكر للإله على قيام دولة إسرائيل! وأمام مائدة الفصح، توضع أريكة يضطجع عليها رئيس العائلة، ويقص على أفراد أسرته قصة الخروج، وهذا الجزء من السدر يُسمَّى «هاجاداه». ويأخذ القص شكل إجابة عن أسئلة يوجهها أطفال الأسرة. وهي على ثلاث صيغ تناسب كل صيغة سناً معيَّناً. ويجب على كل يهودي أن يستمع إلى القصة ويخوض التجربة كما لو كانت تجربة شخصية يخوضها بنفسه. ويتبادل أعضاء الأسرة التهنئة بهذا العيد بقولهم: « نلتقي العام القادم في أورشليم »، وهي التهنئة التي حولتها الصهيونية من مفهوم ديني معنوي إلى مفهوم سياسي. ويتداول اليهود في هذا العيد كتباً يُطلَق عليها اسم «هاجاداه» تحتوي على قصة الخروج من مصر.
وهذا العيد يرتبط أساساً بواقعة الخروج من مصر، ولذا نجد أن الصراع، بين السلوقيين حكام سوريا والبطالمة حكام مصر، قد ألقى بظلاله على عيد الفصح، فالمدراش الخاص بعيد الفصح والذي وافقت عليه سلطات الهيكل تحت نفوذ البطالمة، أكد أن لابان هو تجسيد سوريا (آرام) التي كان يحكمها السلوقيون، وأنه يحاول الفتك بأخيه يعقوب، ولذا فقد جاء إلى مصر حسب أوامر الإله. ولكن بعد سنة 200 ق. م، وبعد استيلاء السلوقيين على الحكم، تغيرت موازين القوى في المنطقة وتغيَّرت من ثم طقوس عيد الفصح فتم تأكيد وضع مصر كمنفى بإيعاز من السلوقيين منافسي البطالمة، وأصبح الخروج من مصر هو الحرية (ويُقال إن يهود الإسكندرية كانوا يتحدثون عن الخروج دون تأكيد وضع مصر).
وارتبط عيد الفصح بتهمة الدم، إذ كان يسود الاعتقاد بين العامة أن أعضاء الجماعات اليهودية يعجنون خبزهم بدم طفل مسيحي. ويُقال إنه، لهذا السبب، كانت تُفتَح الأبواب بعد الانتهاء من مأدبة الفصح حتى يرى غير اليهود ما يدور في المنزل. ولم يكونوا يشربون نبيذاً أحمر في هذه المأدبة للسبب نفسه.
ويحتفل كثير من أعضاء الجماعات اليهودية والإسرائيليين بعيد الفصح كمناسبة قومية. ولذا، فإنهم لا يتَّبعون كثيراً من طقوسه، وبالذات الخاصة بخبز الفطير. وقد لوحظ أن 10% من الإسرائيليين الذين لا يتناولون خبز الفطير في هذا العيد يتدافعون إلى المخابز في الأحياء العربية لشراء الخبز المخمر، وتضاعف هذه المخابز إنتاجها في هذه الفترة نظراً لأنه يُحظَر بيع مثل هذا الخبز في تلك الفترة في المناطق اليهودية. وقد أصدر رئيس لجنة الداخلية بالكنيست مؤخراً قراراً يَمنَع السكان العرب في القدس من بيع الخبز والمأكولات الأخرى التي تحتوي على خميرة أثناء أسبوع عيد الفصح (باعتبار أن القدس بيت جماعة يسرائيل). ودخل الجنود الإسرائيليون، وأجبروا المخابز على إغلاق أبوابها كما أجبروا الحوانيت على عدم بيع الخبز. وبذا أصبح مفروضاً على العرب أن يأكلوا خبز الفطير أثناء ذلك العيد.
ويختلف السفارد عن الإشكناز في الاحتفال بهذا العيد. فالسفارد يأكلون، على سبيل المثال، الأرز والبقول (كالحمص والفول)، وهو ما لا يفعله الإشكناز. كما أن السفارد يحرصون على أن يقذف بعضهم بعضاً بالبصل ليُذكِّروا أنفسهم بالمصريين حيث كانوا يضربون اليهود، في حين أن الإشكناز يرون أن هذه طريقة شرقية «متخلفة» للاحتفال بالعيد.
سـدَر
Seder
«سدَر» كلمة عبرية تعني «نظام» أو «ترتيب». وتشير «سدَر» كمصطلح إلى الاحتفالات بالأعياد التي تحتاج إلى ترتيبات مسبقة. وهي عادةً تشير إلى الليلة الأولى (الليلتين الأوليين خارج فلسطين) من احتفال عيد الفصح (خروج 23/14 ـ 19) حيث تتسم بطقوسها المركبة الخاصة بحمل التضحية (باشال)، وفطير الخبز غير المخمر (متسوت)، والأعشاب البرية (مارور)، والكؤوس الأربع (أربع كوسوت). وتُقام هذه الطقوس على النحو التالي:
1 ـ تبدأ الاحتفالات بقراءة القيدوش التي يحمد فيها اليهودي الإله على أنه أعطى جماعة يسرائيل أعيادها،ويشرب أول كأس من الخمر.
2 ـ يغسل رب الأسرة يديه فيما يُشبه الوضوء.
3 ـ تُغمَس الأعشاب في الخل أو الماء المملح.
4 ـ تُوضع أرغفة خبز الفطير، الواحد فوق الآخر، قبل ابتداء الاحتفال. وأثناء الاحتفال نفسه، يُقطَّع الرغيف الذي في الوسط إلى نصفين، ويُخبأ النصف الذي يُدعى «أفيكومان»، أي «ما بعد المأدبة»، ويُؤكل في نهاية المأدبة تذكرةً بحَمَل التضحية الذي كان يُؤكل في الماضي مع نهاية المأدبة حتى يبقى طعمه في الفم. ومن المعتاد أن يبحث الأطفال عن النصف المخبأ. وتُعطَى جائزة لمن يعثر عليه. وبعد تناوله، لا يؤكل شيء بقية الليلة.
5 ـ تُتلى أنشودة دينية بالآرامية يتم فيها ترديد ما معناه: "هذا هو خبز المعاناة الذي أكله آباؤنا في مصر. من هو في جوع فليأت وليأكل. ومن هو في عوز فليأت وليحتفل بعيد الفصح معنا هذا العام. العام القادم في أورشليم. في هذا العام نحن مازلنا عبيداً، وسنكون أحراراً في العام القادم".
6 ـ تُتلى الهاجـاداه، فيتلو أصـغر الأطفال الأربعة أسـئلة تبدأ بالعبارة «ماه نيشتاناه »، أي "لمَ هذه الليلة مختلفة عن بقية الليالي؟" وتُروى قصة الهاجاداه أساساً من أجل الأطفال، فيروي القاص (رب البيت المضطجع على أريكته) قصة العبودية في مصر والخروج منها. ويشرح الراوي رموز مائدة الفصح، ويلي ذلك قراءة العبارة التالية: "في كل عصر يتعيَّن على اليهودي أن يعـتبر نفسـه وكأنه خرج هو نفسـه من مصر". وبذا، ينتهي الجزء المسمَّى «الهاجاداه» في السدر، ثم تُشرب الكأس الثانية بعد تلاوة دعاء يحمد اليهود فيها الإله على خلاصهم في الماضي، ويطلبون منه الخلاص في المستقبل.
7 ـ غسل اليدين مرة أخرى قبل قطع خبز الفطير.
8 ـ يُتلى دعاء شكر للإله « الذي... أعطى الخبز ».
9 ـ يُؤكل أجزاء من رغيف خبز الفطير الأول (العلوي)، ثم يُؤكل نصف الرغيف الثاني (الأوسط).
10 ـ تُغمَس الأعشاب الخضراء في الفاكهة المهروسة، وتُؤكل.
11 ـ تُصنَع شطيرة (ساندويتش) من رغيف خبز الفطير الثالث (السفلي) والأعشاب المريرة، وتُؤكل.
12 ـ تُؤكل الأطعمة الأخرى في مأدبة العيد.
13 ـ يبحث الأطفال عن نصف الرغيف المخبأ ويُؤكل.
14 ـ تُتلى صلاة شكر، وتُشرب الكأس الثالثة.
15 ـ تُتلى مزامير الشكر للإله (مزامير 115 ـ 118)، وتُشرب الكأس الرابعة، ويُفتَح باب المنزل. ومع نهاية المأدبة، تُتلى بعض فقرات العهد القديم (خروج 12/42) للدلالة على أن أعضاء جماعة يسرائيل لا يخافون شيئاً، وإن كان يُقال إن السبب الحقيقي هو إعطاء فرصة لغير اليهود لأن يروا أنهم لا يأكلون خبزاً معجوناً بدم طفل مسيحي، وللسبب نفسه كانوا يشربون نبيذاً أبيض، مع أن النبيذ الأحمر مُفضَّل حسب العرف الديني.
خبز الفطير (متساه)
Matzah
«خبز الفطير» هو الخبز الذي لا تدخله خميرة، ويعبَّر عنه في العبرية بكلمة «متساه» وجمعها «متسوت»، وهو نوع من الخبز يمكن إعداده بسرعة. ولذا، يُشار إليه بأنه الخبز الذي يُعَدُّ للضيوف غير المُتوقَّعين (تكوين 19/3). وهو أيضاً «خبز الخروج» أو الخبز الذي يأكله اليهود في عيد الفصح الذي يُسمَّى أيضاً «عيد المتسوت». والتفسير الديني لخبز الفطير هو أن أعضاء جماعة يسرائيل، عند خروجهم من مصر، كانوا في عجلة من أمرهم، فعجنوا خبزهم بدون خميرة، لأنه لم يكن لديهم وقت للتأنق. ولكن يبدو أن هذا الخبز يعود إلى أحد احتفالات الربيع في كنعان، فقد كانت تُعَد فطائر من عجين غير مخمر من المحصول الجديد وتُؤكل بوصفها جزءاً من الطقس الديني. ويُلاحَظ أن حظر استخدام الخميرة في المنزل ينطبق على كل أيام عيد الفصح. أما أكل خبز الفطير نفسـه، فهو فريضة دينية يجب أن يؤديها اليهودي في اليوم الأول من عيد الفصح (وفي اليومين الأول والثاني بين أعضاء الجماعات خارج إسرائيل) وإن كان من المستحسن أن يُؤكل هذا الخبز طيلة الأسبوع. وفي إسرائيل يتزاحم المواطنون اليهود على المخابز العربية لشراء خبز عادي، حتى لا يضطروا إلى أكل خبز الفطير حيث يكون محظوراً على المخابز اليهودية أن تحتفظ بخميرة أثناء فترة العيد. ومؤخراً، طُبِّق هذا الحظر على المخابز العربية في القدس. وفي الآونة الأخيرة، لجأت الحاخامية إلى حيلة شرعية حتى لا يكون هناك أي خميرة في إسرائيل فتُباع أية خميرة في إسرائيل لأحد العرب قبل عيد الفصح، ثم تُشترَى بعد العيد!
كتاب احتفالات عيد الفصح (هاجاداه)
Haggadah
«هاجاداه» كلمة عبرية معناها «القص» أو «القول»، وهي الصيغة الثابتة التي تُروَى بها قصة الخروج في الليلة الأولى من احتفالات عيد الفصح، وهي جزء من السدر (النظام). والنطاق الدلالي للكلمة مرن، فهي قد تُستخدَم للإشارة إلى كل السدر، كما تُستخدَم للإشارة إلى الكتب التي تحوي القصة، أو تشير إلى كتب السدر نفسـها. وهي تشير أيضاً إلى مجموعة الصلوات والأدعية والتعليقات المدراشية والمزامير وقصة العبودية في مصر والخروج منها، وإلى شكر الإله على تخليص اليهود من العبودية والتوسل إليه أن يخلصهم في العام القادم.
وسرد قصة الخروج فرض ديني، فقد جاء في سفر الخروج (13/8): « وتخبر ابنك في ذلك اليوم قائلاً من أجل ما صنع إليّ الرب حين أخرجني من مصر». ويكتفي القراءون بقراءة الفقرات المناسبة في العهد القديم، ولكن اليهود الحاخاميين يفضلون أن يأخذ القص شكل العرض والتفسير المدراشي لهذه الفقرات، فتأخذ شكل أسئلة وأجوبة. ويطرح هذه الأسئلة أصغر الأطفال الموجودين في المأدبة، فيقول: «ماه نيشتاناه»: أي "لم هذه الليلة مختلفة عن بقية الليالي؟"، ثم يتبعه بأربعة أسئلة عن خبز الفطير (متسوت)، والأعشاب المرة (مارور)، وعن عادة الاضطجاع أثناء الأكل. والإجابة عن هذه الأسئلة هي الهاجاداه بالمعنى المحدد للكلمـة. وهي تأخـذ أيضاً شـكل صيغة ثابتـة مقررة من قبل، فتبدأ الإجابة بالإشارة إلى أن اليهود كانوا عبيداً في مصر، يتبعها بعض التعليقات المدراشية على فقرات من سفر التثنية (26/5 ـ 8) وذكر الأوبئة العشرة، ثم تُتلى أنشودة شكر.
وكتب الهاجاداه مكتوبة بالعبرية وبها بعض العبارات الآرامية، وهي عادةً محلاة بالصور. وتحتفظ كثير من الكيبوتسات في إسرائيل بهاجاداه خاصة بها، مُصوَّرة تصويراً خاصاً، ولها ألحانها الخاصة أيضاً. كما أصدر الجيش الإسرائيلي هاجاداه خاصة به محلاة بصور عسكرية، وتهدف هذه الطبعة إلى المزج بين كل المهاجرين الذي يتسمون بعدم التجانس الثقافي. وقد بدأت بعض الجماعات اليهودية مؤخراً في إصدار طبعات من الهاجاداه تحذف بعض الصيغ التقليدية، وتضيف مادة جديدة مثل الإشارة إلى الحركة الصهيونية وتأسيس إسرائيل. وقد ألَّف الكاتب الإسرائيلي حاييم حزاز هاجاداه إسرائيلية حديثة تماماً للاحتفال بعيد الاستقلال لا بعيد الفصح، باعتبار أن استقلال إسرائيل أكثر أهمية من الخروج القديم من مصر فهو يمثل التحرر الحقيقي والكامل لليهود من كل بلاد العبودية. كما وضعت بعض مفكرات حركة اليهودية المتمركزة حول الأنثى كتاب هاجاداه خاصاً بالنساء، فبدلاً من كأس النبي إلياهو وضعن كأس الكاهنة مريم وبدلاً من الأبناء الأربعة نجد البنات الأربع، وهكذا. كما وضعت إحدى الجماعات اليهودية المدافعة عن البيئة هاجاداه «بعد تحرير الحمل»، أي أنه لا يتم التضحية بالحمل أو أكل لحمه ويُكتفى بأكل الأعشاب والخضروات.
الميمونــه
Maimuna
يُقال إن كلمة «الميمونه» تعود إلى كلمة «ميمون» العربية بمعنى «السعيد»، و«الميمونه» احتفال يعقده يهود المغرب، وكثير من العرب اليهود، في آخر يوم من أيام عيد الفصح. وهو اليوم الذي يوافق ذكرى وفاة ميمون بن يوسف (والد موسى بن ميمون) الذي عاش في فاس لبعض الوقت. وفي هذا اليوم، تُصَف على الموائد تلك الأطعمة والمشروبات التي لها دلالة رمزية مثل دوارق اللبن الحلو، وأكاليل أوراق الشجر والزهور، وغصون شجر التين، وسنابل القمح، كما يوضع دورق فيه سمكة حية (رمزاً للخصوبة). ويتضمن الطعام خساً يُغمَس في العسل واللبن المخيض، وفطائر مغطاة بالزبد والعسل. ويُوضع إناء فيه دقيق، داخله بعض الأشياء والحلي الذهبية (رمزاً للثراء)، وإناء فيه خميرة (لخَبْز أول رغيف بالخميرة بعد انتهاء الحظر على استخدامها). وأحياناً يُوضع طبق من الدقيق عليه خمس بيضات، وخمس حبات فول وبلح. وفي ليلة هذا الاحتفال، لا يأكل اليهود سوى منتجات الألبان وبسكوبت صُنع بطريقة خاصة تُسمَّى «موفليتا»، ولا يأكلون أي نوع من اللحم. كما أنهم يزورون بعضهم البعض ويتبادلون الطعام. وفي يوم الميمونه نفسه، يخرج اليهود إلى الحقول والمقابر والشواطئ. ويحتفل يهود المغرب في إسرائيل بالميمونه، وهو ما يثير حفيظة اليهود الإشكناز بسبب طابعه الشرقي.
عـــيد الاســـتقلال
Independence Day
«عيد الاستقلال» ترجمة لعبارة «يوم هاعتسماءوت» العبرية. و«عيد الاستقلال» هو العيد الذي يحتفل فيه الإسرائيليون بإنشاء الدولة الصهيونية (يوم 14 مايو حسب التقويم الميلادي، 5 إيار حسب التقويم اليهودي). ويشير له الفلسطينيون باصطلاح «النكبة»، باعتبار انه ذكرى ما حل بهم من تشريد نتيجة لاغتصاب المستوطنين الصهاينة لواطنهم. وإذا كان يوم 5 إيار يوم جمعة أو سبت، فإن الاحتفال بالعيد يكون يوم الخميس الذي يسبقه ويكون عطلة رسمية في إسرائيل. وتبدأ احتفالات العيد على جبل هرتزل في القدس بجوار مقبرته. ويبدأ المتحدث باسم الكنيست الاحتفال بأن يوقد شعلة، ثم اثنتى عشرة شعلة أخرى رمزاً للقبائل العبرية الاثنتى عشرة، ثم يسير حملة المشاعل في استعراض. وكان الاستعراض العسكري للقوات المسلحة الإسرائيلية، والذي كانت تُعرَض فيه أحدث الأسلحة التي حصلت عليها الدولة، أهم فقرات الاحتفال، ولكنه توقَّف بعد عام 1968. وقد حل محله الآن اسـتعراض عسـكري لفصائل الجـدناع. وتُقام احتفالات رياضية وراقصة، كما تُمنَح جوائز إسرائيل في ذلك اليوم. وينتهي الاحتفال بإطلاق المدافع، على أن يكون عدد الطلقات مساوياً لعدد سني الاستقلال، ولهذا فقد أُطلقت أربعون طلقة عام 1988.
وداخل الإطار الحلولي، يكتسب الاحتفال بمناسبة قومية أبعاداً دينية ويكون للاحتفال جانب ديني، وقد قررت الحاخامية الكبرى في إسرائيل أن يبدأ الاحتفال بقراءة المزامير (107، 97، 98)، وينتهي بالنفخ في البوق (شوفار) الذي لا يُستخدَم إلا في المناسبات الدينية الجليلة مثل عيد رأس السنة (روش هشَّاناه). وتُتلى العبارات التالية: « فلتكن مشيئتك أن تجعل من نصيبنا أن نسمع الشوفار يعلن مقدم الماشيَّح سريعاً، كما جعلت من نصيبنا أن نرى بداية الخلاص». وتُعدَّل الصلـوات في ذلك اليوم، كما هـو الحـال دائماً مع الأعياد اليهودية.
وبرغم صبغ المناسبة القومية بصبغة دينية فاقعة، فإن بعض العناصر التي يقال لها «دينية» في إسرائيل لا ترى أن تعبير الحاخامية عن أهمية المناسبة كاف. وبالفعل، فقد أدخلت هذه العناصر كثيراً من التعديلات على الصلوات، كما قرروا قراءة أجزاء من التوراة (من سفر التثنية 7/1ـ 8/18 و30/1 ـ 10). وهناك دعوة الآن إلى إلغاء يوم الصيام الخاص بهدم الهيكل وبسقوط القدس في أيدي الرومان باعتبار أنه تم استردادها كما تم إنشاء الهيكل الثالث (الدولة الصهيونية).
وقد قامت الأوساط غير الدينية، هي الأخرى، بصياغة قراءات وأدعية للاحتفال بهذا اليوم على نمط الاحتفال بعيد الفصح. وقد كتب المؤلف الإسرائيلي حاييم حزاز هاجاداه للجيش الإسرائيلي بهذه المناسبة. أما وزارة المعارف، فقد نشرت مختارات وأدعية، وقررت شـرب ثلاث كؤوس من الخمر (على غرار الكؤوس الأربعـة في عيد الفصح): أولاها للدولة، والثانية للقوات المسلحة، والثالثة للشعب اليهودي. ومن بين الإضافات الأخرى، إعلان عدد السنوات التي مرت منذ استقلال الدولة قبل النفخ في البوق (شوفار) في صلاة المساء، وهم في هذا يتبعون نمطاً دينياً معروفاً لدى يهود اليمن الذين يتبعون النهج السفاردي، إذ يُتلى دعاء يذكر فيه المصلون السنوات التي مرت منذ هدم الهيكل. أما العبارة التي تُتلى في عيد الاستقلال في إسرائيل، فهي: "اسمعوا يا إخوتي،... اليوم [كذا] مضت [كذا] سنوات منذ بداية خلاصنا، وعلامته تأسيس الدولة". ولعل تغيير الصلوات والأدعية للتعبير عن المناسبة القومية، وكذلك صياغة الاحتفال بعيد الاستقلال على نمط الأعياد اليهودية، وخصوصاً عيد الفصح، تعبير آخر عن تداخل الجانب الديني والجانب القومي، والمطلق والنسبي، الذي هو بدوره تعبير عن الطبقة الحلولية داخل التركيب الجيولوجي اليهودي.
ويحتفل نواطير المدينة، وهي جماعة يهودية معادية للصهيونية، بيوم الاستقلال على أنه يوم صوم وحداد، ويحرقون فيه علم إسرائيل. هذا، وعادةً ما تُستخدَم كلمة «استقلال» في العالم الثالث للإشارة إلى استقلال بلد مُستعمَر في آسيا أو أفريقيا عن القوة الإمبريالية الغربية التي تستعمره. أما بالنسبة إلى إسرائيل، فقد تم إعلان الدولة الصهيونية حينما نجح المستوطنون الصهاينة، بمعاونة الإمبريالية الغربية، في احتلال جزء من فلسطين، وفي طرد جزء كبير من سكان البلد الأصليين، وفرضوا وجودهم فرضاً عن طريق القوة المسلحة، أي أن ما يُسمَّى «الاستقلال الإسرائيلي» هو في واقع الأمر «احتلال واستيطان وإحلال» من منظور الفلسطينيين الذي فقدوا أرضهم.
ويسبق عيد الاستقلال، يوم الذكرى، وهو يوم إحياء ذكرى الجنود الــذين ســقطوا في حـرب 1948. وكانت إسرائيل قد أعدت لاحتفالات ضخمة للذكرى الأربعين لإنشاء الدولة، كما أعدت لعمل إعلامي ضخم. ولكن اندلاع الانتفاضة فوَّت الفرصة على الصهاينة إذ أن الصحافة العالمية ركزت اهتمامها على الفلسطينيين، وعلى إبداعهم في نضالهم اليومي ضد الدولة الصهيونية.
يــــوم الذكـــــرى
Remembrance Day
«يوم الذكرى» هو ترجمة لعبارة «يوم هازيخارون» العبرية. و«يوم الذكرى» هو يومٌ يقيمه المستوطنون الصهاينة قبل يوم 5 إيار، وهو اليوم الذي يحتفلون فيه بعيد الاستقلال. ويكرَّس هذا اليوم لذكرى الجنود الذين سقطوا في حرب 1948 والحروب التي تلتها.
ويبدأ هذا اليوم بإطلاق صفارة إنذار في كل أنحاء الدولة في مغرب اليوم السابق، فتُنكَّس الأعلام، وتُغلَق دور اللهو بأمر القانون، وتُقام الصلوات في المعابد اليهودية، وتُوقَد الشموع فيها، كما تُعلن صفارات الإنذار في الصباح عن دقيقتي حداد يتوقف فيهما النشاط تماماً في الدولة الصهيونية بكاملها. ثم تُطلَق صفارة إنذار أخرى للإعلان عن انتهاء اليوم وبداية عيد الاستقلال. ويُتلى في الصلوات التي تُقام في ذلك اليوم المزمور (144) الذي يقول: "مبارك الرب صخرتي الذي يُعلِّم يدي القتال وأصابعي الحرب ". وقد لاحَظ الفيلسوف الديني الإسرائيلي اليهودي يشياهو لابيوفيتش أن الاحتفال بيوم الذكرى يزداد حدة عاماً بعد عام لأن قائمة أسماء الضحايا تزداد يوماً بعد يوم.
عيد الأسابيع (شفوعوت)
Shavout
«عيد الأسابيع» يشار إليه بالعبرية بكلمة « شفوعوت» أي «الأسابيع». وعيد الأسابيع أحد الأعياد اليهودية المهمة، فهو من أعياد الحج الثلاثة، مع عيد الفصح وعيد المظال جنباً إلى جنب. ويأتي هذا العيد بعد سبعة أسابيع من عيد الفصح ومن هنا تسميته. ومدة هذا العيد يومان، هما السادس والسابع من شهر سيفان (9 - 10 يونيه)، وهو بهذا يُعتبَر من أعياد الحصاد. وكان يهود مصر الذين لا يعرفون العبرية يسمونه باليونانية «بنتيكوست»، ويعني «الخمسين»، لأنه كان يقع بعد مرور تسعة وأربعين يوماً، أو بعد سبعة أسابيع من اليوم الذي يقدِّم فيه الفلاحون اليهود أولى ثمار الحصاد (بكوريم)، مع رغيفين، إلى الكهنة في الهيكل.
لكن هذا العيد ليس عيداً زراعياً وحسب، وإنما هو أيضاً عيد له مناسبة تاريخية، وهي نزول التوراة والوصايا العشر على موسى فوق جبل سيناء، فهو إذن عيد زواج الإله بالشعب. ولذا، فهم يزينون المعابد بالزهور والنباتات ويقيمون حفل زفاف للتوراة وكأنها عروس. أما في التراث القبَّالي، فإن الليلة السابقة على العيد هي الليلة التي تُعدُّ فيها العروس نفسها للزواج من العريس. ولهذا، فإن كل من يقرأ في كتب العهد القديم الأربعة والعشرين ويفسرها تفسيراً صوفياً حلولياً، يُعتبَر وكأنه يُزيِّن العروس. وأثناء الليل، يصبح القبَّالي الدارس للتوراة شاهداً على زفاف التوراة (أو الشخيناه) إلى الإله. وإذا سئل العريس (الإله) في اليوم التالي عمن زيَّن الشخيناه، فستكون الإجابة: إنه ذلك العارف بأسرار القبَّالاه. وقد تطورت طريقة الاحتفال حتى أنه (في اليوم التالي) كان أحد اليهود يرفع التوراة قبل قراءة الوصايا العشر، ثم يقرأ عقد زواج بين العريس (الرب) والعذراء (جماعة يسرائيل) التي هي أيضاً الشخيناه. وقد أوحى إليهم الرقم 49، وهو حاصل ضرب 7*7، بتأويلات صوفية حلولية عديدة، فهو يمثل الفترة التي قضاها أعضاء جماعة يسرائيل في الصحراء بعد خروجهم من مصر إلى أن حان وقت خلاصهم وزواجهم بالتوراة.
ويُقرَأ في هذا العيد سفر راعوث، وهي امرأة من مؤاب تهودت وأظهرت ولاءً للشعب اليهودي. ويُقال أيضاً إن الملك داود، وهو من نسل راعوث، تُوفي في ذلك اليوم. كما تَرد في سفر راعوث إشارة إلى الشعير والقمح. وفي إسرائيل يأخذ أعضاء مزارع الكيبوتس والموشاف باكورة إنتاج الأرض، ويقدمونه لا إلى الهيكل، وإنما إلى الصندوق القومي اليهودي.
التاسع من آف
Ninth of Av
«التاسع من آف» ترجمة لعبارة «تشعاه بآف» العبرية. وهو يوم صوم وحداد عند اليهود في ذكرى سقوط القدس وهدم الهيكلين الأول والثاني (وهما واقعتان حدثتا في التاريخ نفسه تقريباً حسب التصور اليهودي). وتربط التقاليد اليهودية بين هذا التاريخ وكوارث يهودية أخرى يُقال إنها وقعت في اليوم نفسه، حتى وإن كان الأمر ليس كذلك، مثل: سقوط قلعة بيتار (135م)، وطرد اليهود من إنجلترا (1290)، وطردهم من إسبانيا (1462).
ويُقرَأ كتاب المراثي في المعبد اليهودي بعد صلاة المساء في هذا العيد. كما تُقرأ أثناء صلاة الصباح، أو بعدها، مراث تتناول كوارث التاريخ اليهودي في ضوء شموع خافتة، ويجلس المصلون إما على الأرض أو يجلسون على مقاعد منخفضة (علامة الحداد). ويزور اليهود المدافن في ذلك اليوم، ويصلون من أجل عودة جماعة يسرائيل إلى فلسطين. وفي التاسع من آب، يُحرَّم الاستحمام والأكل والشرب والضحك والتجمل، ولا يحيي المصلون بعضهم البعض في ذلك اليوم.
ويُقال إن الماشيَّح سيولد في التاسع من آف ـ ولذا، فإن بعض نساء اليهود يمسحن شعورهن بالزيت. ولا يحتفل اليهود الإصلاحيون بهذا اليوم. وقد اقترح مناحم بيجين أن يُحتفَل بذكرى الإبادة في التاسع من آب، ولكن المؤسسة الدينية رفضت اقتراحه بدعوى أن التاسع من آب مناسبة دينية، أما الإبادة فليست كذلك.