الولاء والبراء في الإسلام 3

ومن زعم أنه رضي بدين الكفار، واحتج بقوله تعالى:

{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ {1}لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ {2} وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ {3} وَلا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ {4} وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5} لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ {6} [سورة الكافرون: 1-6].

فظن هذا الملحد أن قوله (لكم دينكم ولي دين) معناه أنه رضي بدين الكفار، ثم قال هذه الآية منسوخة فيكون قد رضي بدين الكفار، فهذا من أبين الكذب والافتراء على محمد صلى الله عليه وسلم، فإنه لم يرض قط إلا بدين الله الذي أرسل به رسله، وأنزل به كتبه.. ونظير هذه الآية قوله تعالى:

{وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُمْ بَرِيئُونَ

ص185

مما أعمل وأنا بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ {[سورة يونس: 41].

وقوله تعالى:

{فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ"{[سورة الشورى: 15].

وإذا كان الله سبحانه قد قال:

{وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)215} فإن عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ}[سورة الشعراء : 216 – 217].

فبرأه من معصية من عصاه من أتباعه المؤمنين، فكيف لا يبرئه من كفر الكافرين الذين هم أشد له معصية ومخالفة؟)(136).

ص186

ورحم الله عبد الله بن عباس حين قال في شأن هذه السورة (ليس في القرآن أشد غيظاً لإبليس منها، لأنها توحيد وبراءة من المشرك)(137) وقال الأصمعي: كان يقال لـ (قل يا أيها الكافرون) و (قل هو الله أحد) المشقشقتان. أي أنهما تبرئان من النفاق [1].

فرج من الله قريب

قال ابن إسحاق: (فلما أراد الله عز وجل إظهار دينه وإعزاز نبيه صلى الله عليه وسلم، وإنجاز موعده له، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في الموسم الذي لقيه فيه النفر من الأنصار، فعرض نفسه على قبائل العرب، كما كان يصنع في كل موسم، فبينما هو عند العقبة لقي رهطاً من الخزرج أراد الله بهم خيراً، فقال لهم صلى الله عليه وسلم من أنتم؟ قالوا: نفر من الخزرج قال: أمن موالي يهود؟ قالوا: نعم. قال: أفلا تجلسون أكلمكم؟ قالوا: بلى فجلسوا معه، فدعاهم إلى الله عز وجل وعرض عليهم الإسلام، وتلا عليهم القرآن.. فقال بعضهم لبعض: يا قوم تعلموا والله إنه للنبي الذي توعدكم به يهود فلا تسبقكم إليه. فأجابوه فيما دعاهم إليه، وقبلوا منه ما عرض عليهم من الإسلام. وقالوا: إنا قد تركنا قومنا، ولا قوم بينهم من العداوة والشر ما بينهم، فعسى أن يجمعهم الله بك، فسنقدم عليهم فندعوهم إلى أمرك، ونعرض عليهم الذي أجبناك إليه من هذا الدين، فإن يجمعهم الله عليه فلا رجل أعز منك، ثم انصرفوا إلى بلادهم وقد آمنوا وصدقوا، فلما قدموا المدينة ذكروا لقومهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوهم إلى الإسلام حتى فشا فيهم، فلم تبق دار من دور الأنصار إلا وفيها ذكر من رسول الله صلى الله عليه وسلم)(139).

أجل: بعد كل ذلك العناء وتلك المصابرة هيأ الله اللطيف الخبير من ينصر هذا الدين ويعلي كلمته، وينشره في الأرض بعد أن آوى رسول الله وأصحابه الأوائل. إنه لشرف دونه كل شرف أن يسموا (الأنصار) أنصار الله، أنصار

ص187

نبيه، أنصار دينه أنصار عباده المؤمنين، وليسوا أنصار الجاهلية وطواغيتها وجبابرتها الذين هم في أعين الناس كبار وهم حقيقة الأمر صغار وأقزام!!

ولما كان العام المقبل وصل إلى مكة من الأنصار اثنا عشر رجلاً، فلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعقبة الأولى فبايعوه، وكانت البيعة على الإسلام وأرسل معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير (140)رضي الله عنه يقرئهم القرآن، ويعلمهم الإسلام، ويفقههم في الدين، ويؤمهم في الصلاة (141).

وقدم مصعب رضي الله عنه ومعه وفد كريم من الأنصار في موسم الحج فكانت بيعة العقبة الكبرى حيث تساءلوا وهم خارجون من المدينة: حتى متى نترك رسول الله يطوف ويطرد في جبال مكة ويخاف؟

(لقد بلغ الإيمان أوجه في هذه القلوب الفتية، وآن لها أن تتنفس عن حماسها، وأن تفك هذا الحصار الخانق المضروب حول الدعوة والداعية (142).

صيغة البيعة

تكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلا القرآن، ودعا إلى الله، ورغب في الإسلام ثم قال: (أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم) فأخذ البراء

ص188

بن معرور (143) بيده ثم قال: نعم والذي بعثك بالحق نبياً لنمنعك مما نمنع منه أزرنا (144) فبايعنا يا رسول الله فنحن والله أبناء الحروب، وأهل الحلقة (145)، ورثناها كابراً عن كابر. فاعترض أبو الهيثم بن التيهان (146) فقال:يا رسول الله إن بيننا وبين الرجال حبالاً وإنا قاطعوها – يعني اليهود – فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا؟ قال: فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: " بل الدم الدم والهدم الهدم أنا منكم وأنتم مني، أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم " (147) .

قال ابن هشام: الهدم الهدم: يعني الحرمة، أي ذمتي ذمتكم وحرمتي حرمتكم (148)

ثم قال: أسعد بن زرارة (149) فقال: رويداً يا أهل يثرب: فإنا لم نضرب إليه أكباد الإبل إلا ونحن نعلم أنه رسول الله، وإن إخراجه اليوم مناوأة للعرب كافة، وقتل خياركم وإن تعضكم السيوف، وإما أنتم قوم تصبرون على ذلك

ص189

فخذوه وأجركم على الله، وإما أنتم قوم تخافون من أنفسكم جبنة فبينوا ذلك، فهو أعذر لكم عند الله، فقالوا يا أسعد: أمط عنا بيدك، فوالله لا نذر هذه البيعة ولا نستقيلها، ثم قاموا إليه رجلاً رجلاً فبايعوه (150).

أجل: (وإنه الإيمان بالله والحب فيه، والإخوة على دينه، والتناصر باسمه، ذلك كله كان يتدافع في النفوس المجتمعة في ظلام الليل بجوار مكة السادرة في غيها، يتدافع ليعلن أن أنصار الله سوف يحمون رسوله كما يحمون أعراضهم، سوف يمنعونه بأرواحهم، فلا يخلص إليه أذى وهم أحياء) (151).

ترى: أي صورة أعظم من هذه الصورة لهذا الولاء الصادق؟ لقد كانت بيعة على دين الله ومرضاته. وانظر إلى رد المصطفى صلى الله عليه وسلم " بل الدم الدم والهدم الهدم أنا منكم وأنتم مني أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم " هذه هي الصلة الحقيقية والوشيجة الصادقة لعلاقة المسلم بأخيه المسلم. لقد أصبح الدم واحداً. " أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم " وهكذا تنقطع علائق الدم الجاهلي والتناصر الجاهلي والولاء الجاهلي ليحل محلها الولاء الإسلامي والوقوف في الصف الإسلامي والبراءة من الكفر وأهله واعتناق الإخوه الجديدة التي أمر الله بها. إنها البديل الصالح لتلك الوشائج الجاهلية كما قال صلى الله عليه وسلم "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً " (152).

وهكذا نصل إلى معرفة ما فعل الله بنبيه ودعوته ومن معه، وما هيأ لهم من النصرة والمنعة والدار التي يقام فيها حكم الله وشريعته ومنهاجه في الأرض. أرض الأنصار. أرض الذين يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة.

فإلى صورة جديدة مشرقة للولاء في العهد المدني.

ص190

الفصل السادس

الولاء والبراء في العهد المدني

لما أراد الله إظهار دينه، وإعزاز عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم ومن معه، أمره بالهجرة لتكون مبدأ فاصلاً بين الحق والباطل، وبين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان (153).

ولقد كانت الهجرة إيذاناً من المولى جل وعلا بقرب وعده الذي وعد به المؤمنين وهو وعد دائم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها قال تعالى:

{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ {[سورة النور: 55].

ولقد وقع هذا التمكين الرباني بالفعل ولذلك نجد القرآن يذكر المؤمنين بهذا

ص191

التمكين والنصر فيقول:

{وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {[سورة الأنفال: 26].

وسيبقى هذا الوعد بالتمكين ما دام المسلمون ملتزمون بالشرط وهو عبادته وحده لا شريك له.

نبذة تاريخية

لما أذن الله بالهجرة: خرج المسلمون إلى المدينة زرافات ووحداناً، ولم يبق بمكة منهم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعلي حيث أقاما بأمر منه صلى الله عليه وسلم إلا من احتبسه المشركون كرهاً.

ولما رأى المشركون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تجهزوا، وخرجوا وساقوا الذرارى والأطفال والأموال إلى المدينة، وعرفوا أنها دار منعة، وأن أهلها أهل حلقة وشوكة وبأس: خافوا خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم ولحوقه بهم حيث سيشتد أمره وتقوى شوكته، فلذلك اجتمعوا في دار الندوة ولم يتخلف أحد من أهل الرأي والحجا منهم ليتشاوروا في أمره.

وخرجوا من ذلك الاجتماع برأي واحد: وهو أن يقوم من كل قبيلة شاب ثم يضربوه ضربة رجل واحد ليتفرق دمه في القبائل.

ولكن حماية الله ونصرته لنبيه صلى الله عليه وسلم أكبر من مكر أولئك المجرمين، فقد نزل جبريل عليه السلام على المصطفى صلى الله عليه وسلم يأمره أن لا ينام في مضجعه تلك الليلة.

ص192

وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه صاحبه الأمين أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وبقي علي بن أبي طالب رضي الله عنه، حيث نام تلك الليلة في فراش المصطفى صلى الله عليه وسلم. وينتهي الأمر بخسارة وذلة (الملأ) من قريش (154).

ووصل المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى دار الهجرة، دار النصرة والمنعة، حيث وجد "أنصار الله" فكانت هذه الهجرة نصراً للمؤمنين المهاجرين الذين وجدوا من يؤويهم وينصرهم ويشاركهم الأموال والمساكن وحتى الأزواج!! وكانت نصراً أيضاً للأنصار حيث قُضي على الأحن والأحقاد الجاهلية بين أوسهم وخزرجهم، وعلى كيد اليهود الذين كانوا يشيعون بينهم الفرقة والفتنة.

وكان أول عمل قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة هو بناء المسجد. لينطلق منه النداء الرباني "الله أكبر الله أكبر" وليكون هذا المسجد الطاهر هو الملتقى التربوي للأمة المسلمة يتلقون فيه وحي الله عن رسول الله، ويتعلمون أمور دينهم، وهذا المسجد هو أيضاً مكان القيادة العسكرية الإسلامية التي انطلقت في سبيل الله.

وبعد ذلك: (آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار في دار أنس بن مالك، وكانوا تسعين رجلاً نصفهم من المهاجرين ونصفهم من الأنصار آخى بينهم على المواساة، يتوارثون بعد الموت دون ذوي الأرحام إلى حين وقعة بدر، فلما أنزل الله عز وجل:

{وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ{ [سورة الأحزاب: 6].

رد التوارث إلى الرحم دون عقد الأخوة) (155).

إن هذه الإخوة الإيمانية هي الوشيجة العظمى، والرابطة الفريدة في علاقات البشر بعضهم مع بعض، فلقد أحس كل مؤمن – كما يقول الأستاذ محمد قطب –

ص193

سواء كان مهاجراً أم أنصارياً برباط جديد يربطه بأخوته في الله، فكل واحد منهم يحب أخاه كحبه لنفسه، مع أنه ليس من قبيلته ولا بينهما آصرة دم بل أن آصرة الدم – حين كانت في الجاهلية – لم تكن تنشىء في نفس أحدهم ذلك الحب الصافي العجيب الذي يحسه الآن لأخيه في العقيدة.

ترى ما الفرق بين لقاء الجاهلية ولقاء الإسلام؟

والجواب: أن الأمر ليس سراً، ولا سحراً، ولكنه الإسلام يلتقي فيه الناس على العقيدة في الله، لأن كلاً منهم يحب الله ورسوله، فلا تكون ذواتهم بارزة ولا متوفرة لاقتناص المصلحة من الآخر كما هي الحال في العلاقات الجاهلية، وإنما الجانب البارز هو الحب في الله " (156).

وقفة عند المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار

إن هذه الأخوة جديرة بالدراسة والاعتبار. ذلك أنه نتج عنها أمور عظيمة في حياة المسلمين سواء في مستوى "الأمة والدولة" أم على مستوى الأفراد .

فأما ما يتعلق بهم أمة: فقد كانت هذه المؤاخاة هي الركيزة الأساسية في تكوين مفهوم "الأمة المسلمة" أمة التقت على العقيدة في الله، وعاشت لأجل تلك العقيدة وليس لرباطة الدم أو الحسب والنسب، أو الأرض أو اللون أو اللغة، أو الجنس فيها أي حساب يذكر إذا تعارض ذلك مع العقيدة. والله سبحانه وتعالى هو صاحب المنة والفضل في ذلك فهو القائل:

{وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ

ص194

قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فأنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ {103} وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {104} وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ{ [سورة آل عمران: 103 – 105].

لقد أصبح المؤمنون أولياء بعضهم لبعض، كل منهم يحب أخاه كحبه لنفسه، ويناصره ويجاهد من أجله، ويؤثره على كل قريب وحبيب من مال أو أهل أو عشيرة أو ولد.

{وَالْمُؤْمِنونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ{ [سورة التوبة: 71].

واشتد كيانهم فكانوا كالجسد الواحد "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً ثم شبك صلى الله عليه وسلم بين أصابعه " (157) وعن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى " (158).

ص195

ولقد أثنى الله سبحانه وتعالى على المهاجرين والأنصار. فقال سبحانه عن المهاجرين :

{لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ{ [سورة الحشر: 8].

ثم يثني سبحانه على الأنصار بقوله:

{وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ{ [سورة الحشر: 9].

بل إن الأمر أصبح أكبر من ذلك. فهؤلاء الأنصار الذين آووا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن معه وآزروهم ونصروهم وبذلوا لهم النفس والنفيس ابتغاء رضوان الله قد أصبح حبهم من العقيدة التي يدين بها المسلم ربه، وبغضهم وكراهيتهم نفاق ففي الحديث الصحيح "آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار " (159).

ص196

وقال صلى الله عليه وسلم (الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق، فمن أحبهم أحبه الله ومن أبغضهم أبغضه الله)(160).

وبهذه الأخوة تكون (المجتمع الإسلامي) ذلك المجتمع الذي تظله راية لا إله إلا الله وتحكمه الشريعة الربانية، ويسوده الحب والتفاني، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر، والجهاد رهبانية، والدعوة إلى سبيله ومنهاج حياته، القوي فيه ضعيف حتى يؤخذ الحق منه، والضعيف فيه قوي حتى يأخذ حقه، ولاؤه لله ورسوله والمؤمنين وبغضه وكراهيته لأعداء الله ولو كانوا أقرب قريب، وجدوا حلاوة الإيمان وطعمه، وعرفوا الكفر وأهله حتى أن أحدهم يحب أن يلقى في النار ولا يعود إلى الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما قال صلى الله عليه وسلم – وهذا ما تحقق فيهم – (لا يجد أحد حلاوة الإيمان حتى يحب المرء لا يحبه إلا الله، وحتى أن يقذف في النار أحب إليه من أن يرجع إلى الكفر بعد أن أنقذه الله وحتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما)(161).

وبهذه المؤاخاة الإيمانية وجد (التكافل الاجتماعي) وبرزت فيه صور خالدة لم توجد قط إلا فيه وحده!!

ومنها ما رواه البخاري أنهم لما قدموا المدينة آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع، فقال سعد لعبد الرحمن: إني أكثر الأنصار مالاً، فأقسم مالي نصفين! ولي امرأتان فانظر إلى أعجبهما إليك فسمها لي أطلقها، فإذا انقضت عدتها فتزوجها!! قال عبد الرحمن: بارك الله لك في أهلك ومالك، أين سوقكم؟ فدلوه على سوق بني قينقاع فما انقلب إلا ومعه فضل من أقط وسمن، ثم تابع الغدو حتى جاء يوماً وبه أثر صفرة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (مهيم)؟ قال: تزوجت. قال: (كم سقت إليها)؟ قال: نواة من ذهب (162)(وإن إعجاب المرء بسماحة سعد لا يعدله إلا إعجابه بنبل عبد الرحمن

ص197

الذي زاحم اليهود في سوقهم وبزهم في ميدانهم، واستطاع بعد أيام أن يكسب ما يعف به نفسه ويحصن به فرجه، ذلك أن علو الهمة من خلائق الإيمان)(163).

وخلاصة القول: إن هذه المؤاخاة (كانت تدريباً عملياً على الأخوة الإسلامية التي تبعثها تلك العقيدة في نفوس المؤمنين بها {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ{ [سورة الحجرات: 10]، وكان تدريباً عملياً على (التكافل) وهو معنى من المعاني العميقة في بناء الجماعة الإسلامية. القادرون يكفلون غير القادرين على أساس الأخوة في الله من جانب وعلى أساس التصرف في مال الله بما يرضي الله من جانب آخر)(164) ولم يعرف تاريخ البشرية كله حادثاً جماعياً كحادث استقبال الأنصار للمهاجرين. بهذا الحب الكريم. وبهذا البذل السخي. وبهذه المشاركة الرضية. وبهذا التسابق إلى الإيواء واحتمال الأعباء. حتى ليروى أنه لم ينزل مهاجر في دار أنصاري إلا بقرعة **.

سمات الولاء والبراء في العهد المدني

لئن كانت سمات العهد المكي – كما سبق القول في ذلك – هي: بيان الحجة وإقامتها. والصبر على الأذى وكف الأيدي، والهجر الجميل،فإن ذلك كان لحكمة ربانية، منها: أن ذلك كان لتربية الأمة على هذا الدين الحنيف، وصقل النفوس على ضوء منهاجه، والتقليد الكامل بأمر الله ورسوله في الفعل والترك على حد سواء.

ولكن الأمر أخذ صورة أخرى في العهد المدني، فمن الهجرة إلى المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، إلى قيام الدولة المسلمة إلى الجهاد في سبيل الله وهيمنة الشريعة الإسلامية.

وأول ما نذكره في العهد: هو الوثيقة التي كتبها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين

ص198

المهاجرين والأنصار، ومن تبعهم، حيث وادع فيها اليهود، وعاهدهم، وتركهم على دينهم وأموالهم وشرط عليهم. وقد أوردها ابن إسحاق دون سند (165) وأوردها البنا في شرح مسند الإمام أحمد (166)، وأوردها أصحاب السير والمغازي.

على أنني سأقتصر على بعض فقراتها التي تخص موضوع الموالاة. جاء في أولها: (بسم الله الرحمن الرحيم: هذا كتاب من محمد النبي صلى الله عليه وسلم بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب، ومن تبعهم فلحق بهم، وجاهد معهم، أنهم أمة واحدة من دون الناس)(167).

(... وأن لا يحالف مؤمن مولى مؤمن من دونه، وأن المؤمنين المتقين على من بغى منهم أو ابتغى دسيعة (168) ظلم، أو إثم أو عدوان، أو فساد بين المؤمنين، وأن أيديهم عليه جميعاً. ولو كان ولد أحدهم، ولا يقتل مؤمن مؤمناً في كافر، ولا ينصر كافراً على مؤمن، وأن ذمة الله واحدة، يجير عليهم أدناهم، وأن المؤمنين بعضهم موالي بعض دون الناس، وأنه من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة غير مظلومين ولا متناصرين عليهم، وإن سلم المؤمنين واحدة، لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله إلا على سواء وعدل بينهم).

وإنه لا يحل لمؤمن أقر بما في هذه الصحيفة وآمن بالله واليوم الآخر أن ينصر محدثاً ولا يؤويه، وأنه من نصره أو آواه فإن عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة، ولا يؤخذ منه صرف ولا عدل. وإنكم مهما اختلفتم فيه من شيء فإن مرده إلى الله عز وجل وإلى محمد صلى الله عليه وسلم وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين)(169) .

وهذه الوثيقة هي الصورة الصادقة لحقوق (حيث وردت بما يجعل المجتمع الإسلامي مجتمعاً متلاحماً متماسكاً، وكفلت – أيضاً – حقوق أهل الديانات الأخرى ما داموا يعيشون تحت مظلة الحكم الإسلامي.

ص199

وقد لخص الإمام ابن القيم رحمه الله صورة المجتمع المدني آنذاك بقوله: (لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة صار الكفار معه ثلاثة أقسام: قسم صالحهم ووادعهم على ألا يحاربوه، ولا يظاهرون عليه، ولا يوالوا عليه وهم على كفرهم، آمنون على دمائهم وأموالهم.

وقسم حاربوه ونصبوا له العداوة.

وقسم تاركوه، فلم يصالحوه ولم يحاربوه، بل انتظروا ما يؤول إليه أمره وأمر أعدائه، ثم من هؤلاء من كان يحب ظهوره وانتصاره في الباطن، ومنهم من كان يحب ظهور عدوه عليه وانتصارهم، ومنهم من دخل معه في الظاهر وهو مع عدوه في الباطن، ليأمن الفريقين وهؤلاء هم المنافقون.

فعامل كل طائفة من هذه الطوائف بما أمره به ربه تبارك وتعالى)(170).

***

وقد اتضح لي من خلال هذا البحث أن هناك ثلاثة أمور هامة هي سمات هذا العهد:

(1) كيد أهل الكتاب للإسلام (ثم النهي والتحذير من موالاتهم وطاعتهم).

(2) ظهور النفاق والمنافقين.

(3) البراء من هؤلاء وأولئك: أي المفاصلة التامة بين المسلمين وأعدائهم ولها صور ترد في موضعها.

أولاً: كيد أهل الكتاب للإسلام وتحذير المسلمين من موالاتهم

تتفق نظرة المنصفين الباحثين في التاريخ اليهودي: أن اليهود أمة حاقدة، الخداع طبعها، والغدر ديدنها، ومحادة الله ورسله خلقها، ولحكمه الله يعلمها انتقلت الرسالة من بين إسرائيل فكان خاتم الأنبياء هو محمد بن عبد الله الهاشمي القرشي العربي صلى الله عليه وسلم وقد كان كيد اليهود – خاصة – قد بدأ منذ أن كان رسول الله

ص200

صلى الله عليه وسلم في مكة حيث كانت تعاون قريشاً في أسئلة العناد التي توجه للمصطفى صلى الله عليه وسلم، وذلك مثل قولهم لقريش: اسألوه عن الروح، وعن أصحاب الكهف، وغير ذلك مما هو معلوم من سورة الكهف.

ولما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه إلى المدينة، قامت قيامة اليهود، فلم يهدأ لهم بال، ولم يهنأ لهم عيش. وذلك أن قيام الدولة المسلمة في الأرض له أثره الكبير، عليهم فالإسلام هو الذي يكسر شوكتهم، ويفضح مكنوناتهم، ويحرر الناس من شرورهم، ويمزق شملتهم وسيطرتهم وجبروتهم. ومن هنا لم يفتأوا يكيدون للإسلام ورسوله والمؤمنين، وينصبون العراقيل في وجه من يريد الإسلام وولد النفاق والمنافقون في أحضانهم، وخانوا الله ورسوله فلم يتقيدوا بالوثيقة الآنفة الذكر، وغدروا بالمسلمين فوالوا المشركين والكفار، وآذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهموا بما لم ينالوا.

ولذلك عني القرآن المدني وخاصة أكبر سوره – وهي البقرة وآل عمران والنساء والمائدة – بكشف سترهم وفضحهم، وبيان كيدهم. والآيات الكريمة في هذا كثيرة جداً ولكنني أورد طرفاً منها هنا. ليتضح (للمسلمين) المخدوعين بهم اليوم الذين يوالونهم بل يقتدون بهم. ما عليه أعداء الله الذين هم قتلة الأنبياء ودعاة الفساد في الأرض.

قال تعالى:

{وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ{[سورة البقرة: 109].

ص201

وفي سورة آل عمران:

{وَدَّت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ{ [سورة آل عمران: 69].

{وَقَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُواْ بِالَّذِيَ أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْـهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُواْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ{[سورة آل عمران: 72].

{وَقَالُواْ كُونُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ{[سورة البقرة: 135].

{مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَاللّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ{ [سورة البقرة: 105].

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ {

ص202

{لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ } [سورة آل عمران: 118].

فهذه الآيات وغيرها مما في مثل معناها: تبين كيدهم وما يتربصون به للإسلام وأتباعه. ولذلك جاءت آيات كثيرة في تحذير المؤمنين ونهيهم عن الاستماع للكفار عامة ولأهل الكتاب خاصة، أو طاعتهم، أو اتخاذهم أولياء، أو الركون إليهم. وسأقتصر هنا أيضاً على بعض هذه الآيات لأنه سيأتي مزيد من تفصيل هذا في الفصل التالي إن شاء الله حول صور الموالاة.

قال تعالى: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ{[سورة البقرة: 120].

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ {149}بَلِ اللّهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ{[سورة آل عمران: 149 – 150].

ص203

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ {100}وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ{[سورة آل عمران: 100-101].

ورد في سبب نزول هاتين الآيتين: أن شاس بن قيس اليهودي – وكان شيخاً قد أغبر في الجاهلية، عظيم الكفر، شديد الضغن على المسلمين، شديد الحسد لهم – مر على نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأوس والخزرج، في مجلس جمعهم، يتحدثون فيه، فغاظه ما رأى من جماعتهم وألفتهم، وصلاح ذات بينهم في الإسلام بعد الذي كان بينهم في الجاهلية من العداوة فقال: قد اجتمع ملأ بني قيلة بهذه البلاد، لا والله ما لنا معهم إذا اجتمعوا بها من قرار! فأمر شاباً من اليهود كان معه فقال: اعمد إليهم فاجلس معهم، ثم ذكرهم بعاث - أحد أيامهم في الجاهلية – وما كان فيه، وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الأشعار، ففعل. وتكلم القوم عند ذلك فتنازعوا وتفاخروا حتى تواثب رجلان من الحيين، فتقاولا، وقال أحدهما لصاحبه: إن شئت رددتها جذعة! وغضب الفريقان جميعاً وقالا: أرجعا السلاح السلاح، موعدكم الظاهرة – وهي الحرة فخرجوا إليها، وانضمت الأوس والخزرج بعضها إلى بعض على دعواهم التي كانوا عليها في الجاهلية.

وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين، حتى جاءهم فقال: (يا معشر المسلمين: الله الله أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد إذ هداكم الله إلى الإسلام وأكرمكم به، وقطع به عنكم أمر الجاهلية واستنقذكم به من الكفر، وألف به بينكم، ترجعون إلى ما كنتم عليه كفاراً!!). فعرف القوم أنها نزغة من الشيطان، وكيد من عدوهم، فألقوا السلاح من أيديهم وبكوا، وعانق الرجال من الأوس والخزرج بعضهم بعضاً، ثم انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سامعين مطيعين، قد أطفأ الله عنهم كيد عدو الله

ص204

فأنزل الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ{ الآية.

قال جابر بن عبد الله، ما كان طالع أكره إلينا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأومأ إلينا بيده، فكففنا وأصلح الله تعالى ما بيننا، فما كان شخص أحب إلينا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما رأيت يوماً أقبح ولا أوحش أولا وأحسن آخراً من ذلك اليوم (171).

ويوجه الله عباده المؤمنين ويرشدهم – بعد أن ذكر قصة بني إسرائيل مع موسى عليه السلام في قصة ذبح البقرة – بقوله:

{أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ{75}وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىَ بَعْضٍ قَالُواْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ {76}أَوَلاَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ{[سورة البقرة : 75 – 77].

ص205

ثم يأتي التحذير الأقوى في سورة المائدة

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فإنهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ{ [سورة المائدة: 51].

{ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ {55} وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فإن حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ {56}يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين{[سورة المائدة: 55-57].

إن هذه النصوص وغيرها: قد ربت المسلمين على معرفة كيد أهل الكتاب للإسلام والمسلمين، فقطعت ما في نفوس بعض المسلمين من ود وولاء لهؤلاء الأعداء، من أجل أن يكون الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين فقط.

ثانياً: النفاق والمنافقون:

إن المؤمنين في العهد المكي كانوا مبتلين، يعذبون، ويضطهدون ومع ذلك صبروا واحتسبوا فلم يكن في مكة حينئذ إلا فريقان: فريق المؤمنين الصابرين،

ص206

وفريق الكفار والمشركين الجبابرة ولم يكن هناك (منافقون) لأن النفاق طبيعته المراوغة والاحتيال وهذا الدين لم يكن يقدر عليه في مكة إلا المؤمنون الصادقون.

أما في المدينة، وبعد قيام دولة المسلمين وهيمنة حكم الله وشرعه فقد وجد المنافقون وهذا أمر معهود من أصحاب النفوس الضعيفة الجبانة، التي تخاف السلطة الإسلامية فتظهر لها الإسلام، وتحب الكفر وأهله ولكنها لا تجرؤ على المصارحة به.

والمنافقون: (قوم أظهروا الإسلام ومتابعة الرسل، وأبطنوا الكفر ومعاداة الله ورسله، فهم في الدرك الأسفل من النار كما قال تعالى:

{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا{[سورة النساء: 145].

(فالكافرون المجاهرون أخف منهم، وهم فوقهم في دركات النار، لأن الطائفتين اشتركتا في الكفر ومعاداة الله ورسله، وزاد عليهم المنافقون بالكذب والنفاق. وبلية المسلمين بهم أعظم من بليتهم بالكفار المجاهرين ولهذا قال تعالى في حقهم:

{هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ {[سورة المنافقون: 4].

ص207

ومثل هذا اللفظ يقتضي الحصر. أي: لا عدو إلا هم، ولكن لم يردها هاهنا حصر العداوة فيهم، وأنهم لا عدو للمسلمين سواهم، بل هذا من إثبات الأولوية والأحقية لهم في هذا الوصف، وأنه لا يتوهم بانتسابهم إلى المسلمين ظاهراً، وموالاتهم لهم ومخالطتهم إياهم أنهم ليسوا بأعدائهم، بل هم أحق بالعداوة ممن باينهم في الدار، ونصب لهم العداوة وجاهرهم بها.

(فإن ضرر هؤلاء المخالطين المعاشرين لهم – وهم في الباطن على خلاف دينهم – أشد عليهم من ضرر من جاهرهم بالعداوة وألزم وأدوم. لأن الحرب مع أولئك ساعة أو أياماً ثم ينقضي ويعقبه النصر والظفر، أما هؤلاء فمعهم في الديار والمنازل صباحاً ومساء، يدلون العدو على عوراتهم، ويتربصون بهم الدوائر ولا يمكنهم مناجزتهم.. صحبتهم توجب العار والشنار، ومودتهم تحل غضب الجبار، وتوجب دخول النار.

(من علقت به كلاليب كلبهم ومخاليب رأيهم مزقت منه ثياب الدين والإيمان وقطعت له مقطعات من البلاء والخذلان، فهو يسحب من الحرمان والشقاوة أذيالاً، ويمشي على عقبه القهقرى إدباراً منه وهو يحسب ذلك إقبالاً)(172).

وكان من نعمة الله سبحانه وتعالى على هذه الأمة أن لا يتركها مختلطة بغير تمييز بين المؤمن والمنافق، ذلك أن عدم التمييز يؤدي إلى ضياع القدوة الحسنة في المجتمع الإسلامي، ويؤدي أيضاً إلى ذوبان الصورة للمسلم الصادق.

(وفي المنتسبين للإسلام أناس (نفعيون) لا هم لهم إلا الحصول على المال أو أي مأرب من مآربهم الدنيئة، فإذا انتصر المؤمنون كانوا معهم، وإذا أصيبوا كانوا عليهم، ثم أن منهم أصحاب الأهداف الخبيثة والأغراض الهدامة ممن قد امتلأت قلوبهم بالحقد والحسد، فهم يتربصون بالمسلمين الدوائر، ويتظاهرون لهم بأنهم معهم، ولكنهم يخونونهم في أحرج المواقف)(173).

ولما كان الأمر كذلك ميز الله الصادق من الكاذب عن طريق الابتلاء

ص208

والامتحان قال تعالى:

{الم {1}أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ {2} وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ{[سورة العنكبوت: 1-3].

{إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ {140}وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ{ [سورة آل عمران: 140 – 141].

{مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ{[سورة آل عمران: 179].

أجل: إنه لابد من التمييز بين الخبيث والطيب، فالابتلاء سنة ربانية في تمحيص النفوس وصقلها على الحق، ثم إن الله سبحانه يحب من عباده تكميل عبوديتهم على السراء والضراء، وفي حال العافية والبلاء، فلله سبحانه على العباد

ص209

في كلتا الحالتين عبودية بمقتضى الحال.. لا تحصل إلا بها، ولا يستقيم القلب بدونها، كما لا تستقيم الأبدان إلا بالحر والبرد، والجوع والعطش، والتعب والنصب، فتلك المحن والبلايا شرط في حصول الكمال الإنساني والاستقامة المطلوبة منه (174) .

والحديث عن المنافقين طويل وقد كتب فيه في القديم والحديث (175).

وقد سبق لي في التمهيد أن تكلمت عن أنواع النفاق وأحكامه، وأتكلم هنا عن أبرز أفعال وصفات المنافقين في كيدهم للدعوة الإسلامية.

(1) من أخطر ما ارتكبه المنافقون: موالاة اليهود والنصارى ضد المسلمين وقد فضحهم القرآن في عدة مواضع ومنها سورة الحشر، قال تعالى:

{أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ {11} لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُوا لا يَنصُرُونَهُمْ وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنصَرُونَ{ [سورة الحشر: 11-12].

وقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ

ص210

عَلَيْهِم مَّا هُم مِّنكُمْ وَلا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ { [سورة المجادلة: 14].

ذكر السدي ومقاتل: أنها نزلت في عبد الله بن أبي وعبد الله بن نبتل المنافقين: فقد كان أحدهما يجالس النبي صلى الله عليه وسلم ثم يرفع حديثه إلى اليهود (176). وهذه الآية كقوله تعالى:

{مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَـؤُلاء وَلاَ إِلَى هَـؤُلاء وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً{ [سورة النساء: 142].

ولقد نزلت سورة كاملة فيهم هي سورة (المنافقون) بين الله فيها أنهم يظهرون ما لا يبطنون، وأنهم يحرصون على إضعاف صف المسلمين

{هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ{ [سورة المنافقون: 7].

وفيها أيضاً: {يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ{[سورة المنافقون: 8].

ص211

روى البخاري ومسلم في سبب نزولها عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (كنا غزاة فكسع رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار، فقال الأنصاري: يا للأنصار، وقال المهاجري: يا للمهاجرين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم(ما بال دعوى الجاهلية؟ قالوا يا رسول الله كسع رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار، فقال: (دعوها فإنها منتنة) فسمعها عبد الله بن أبي فقال: قد فعلوها، والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، قال عمر: دعني أضرب عنق هذا المنافق: قال صلى الله عليه وسلم (دعه. لا يتحدث الناس أن محمـداً يقتل أصحابه)(177).

قال محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمرو بن قتادة: أن عبد الله بن عبد الله بن أبي لما بلغه ما كان من أبيه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنه بلغني أنك تريد قتل عبد الله بن أبي فيما بلغك عنه،فإن كنت فاعلاً فمرني به، فأنا أحمل إليك رأسه، فوالله لقد علمت الخزرج ما كان لها من رجل أبر بوالديه مني، إني أخشى أن تأمر به غيري فيقتله، فلا تدعني نفسي أنظر إلى قاتل عبد الله بن أبي يمشي في الناس فأقتله، فأقتل مؤمناً بكافر، فأدخل النار. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (بل نترفق به ونحسن صحبته ما بقي معنا)(178).

وذكر عكرمة وغيره: أن الناس لما قفلوا راجعين إلى المدينة وقف عبد الله بن عبد الله بن أبي على باب المدينة، واستل سيفه، فجعل الناس يمرون عليه، فلما جاء أبوه عبد الله بن أبي قال له ابنه: وراءك، فقال: مالك ويلك؟ قال: والله لا تجوز من ها هنا حتى يأذن لك رسول الله صلى الله عليه وسلم – وكان إنما يسير ساقة - (179) فشكى إليه عبد الله بن أبي ابنه، فقال الابن: والله يا رسول الله لا يدخلها حتى تأذن له، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أما إذ أذن لك رسول الله صلى الله عليه وسلم فجز الآن (180)

ص212

وحقاً إنها صورة رائعة لصدق الإيمان أن يقول الابن لرسول الله: إن كنت فاعلاً فمرني به فأنا أحمل إليك رأسه!! إنه ما حمل هذا الابن على هذا الفعل إلا قوة الإيمان وعمق الولاء والبراء في نفسه.

(2) من أقبح صفاتهم: رفض التحاكم إلى شريعة الله، والتحاكم إلى الطواغيت التي تحقق رغباتهم، قال تعالى:

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا {60}وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا {61}فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَآؤُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا {62} أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغًا { [سورة النساء60-63].

ورفضهم لحاكمية الله رفض للإيمان كما قال تعالى:

{وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ {47}وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ

ص213

بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ {48} وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ {49}أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ{[سورة النور: 48-50].

ثم يضع الله ميزاناً دقيقاً في هذه القضية بين المؤمن والمنافق.

فأما المؤمن الصادق فإنه ينقاد إلى حكم الله ويرضى به ويقول: سمعت وأطعت:

{إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {[سورة النور:51].

هذه هي صفة المؤمن، أما المنافق فصفته الإعراض والاستكبار عن حكم الله، قال تعالى:

{ وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ }.

(3) من صفاتهم وأفعالهم الدنيئة: التخذيل في صف المسلمين، والتجسس للكفار وكشف عورات المسلمين لهم. قال الله عنهم:

{الَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ{ [سورة آل عمران: 168].

ولقد أصيب المسلمون في غزوة أحد بالدهشة حين رجع ثلث الجيش بزعامة ابن أبي. وكذلك قعودهم عن غزوة تبوك وغيرها.

ص214

وفي موالاتهم للكفار يقول الله في شأنهم

{بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا {138} الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فإن العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا {[سورة النساء: 138 – 139].

وأخبرنا سبحانه أنهم هم:

{الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فإن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ اللّهِ قَالُواْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُواْ أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُم مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً{ [سورة النساء: 141].

ولقد فضحتهم سورة التوبة خاصة فقد ورد فيها قوله تعالى:

{إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ {45} وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَـكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ {46}

ص215

لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ {47} لَقَدِ ابْتَغَوُاْ الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُواْ لَكَ الأُمُورَ حَتَّى جَاء الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ {48} وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ {49}إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُواْ قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِن قَبْلُ وَيَتَوَلَّواْ وَّهُمْ فَرِحُونَ{ [سورة التوبة: 45- 50].

ففي هذه الآيات بيان من الله للمؤمنين أن هؤلاء المنافقين لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالاً لأنهم جبناء، مخلدون، ولأسرعوا بينكم بالنميمة والبغضاء، والفتنة.(181) وقال الله فيهم أيضاً.

{وَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَجَاهِدُواْ مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُوْلُواْ الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُواْ ذَرْنَا نَكُن مَّعَ الْقَاعِدِينَ {86} رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ{[سورة التوبة: 86 – 87].

ص216

ولهم مواقف أخرى كثيرة، ولكنه سبحانه وتعالى حذر المؤمنين منهم وبين لرسوله صلى الله عليه وسلم أنه سبحانه وتعالى لو شاء لأراهم لرسول الله عياناً ولكنهم يعرفون بلحن القول:

{وَلَوْ نَشَاء لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ {[سورة محمد: 30]

وسنعرف بعد قليل كيف كان البراء منهم، وكيف كان هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم.

ثالثاً: البراء في العهد المدني أي: المفاصلة التامة بين المسلمين وجميع أعدائهم

لئن كانت التربية في العهد المكي تمتاز بضبط النفس، والصبر على الأذى، وتبليغ الدعوة وإعداد العدة مع حبس دواعي الانطلاق، وكف حدة الإقدام:

فإن التربية في المدينة مبنية على هذه الأسس ولكن في شكل جديد، حيث انطلق المؤمنون في سبيل الله لإعلاء كلمة الله، والضرب على يد أعداء الله بقوة لا تعرف الضعف، وعزيمة لا تعرف الوهن (182). من هنا كان الجهاد في سبيل الله هو أبرز سمات هذا العهد الزاهر، وهو أول صورة من صور البراء والمفاضلة بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان في العهد المدني وبعد الهجرة النبوية والجهاد وجه جديد من وجوه الثبات على العقيدة، واحتمال المشقات والأذى في سبيل الذود عنها من الأعداء (183).

ص217

والحديث عن الجهاد طويل طويل، وآياته كثيرة وكذلك الأحاديث النبوية فيه، وفهم الناس لمقصده مختلف، خاصة في العصور المتأخرة، فقد وجد من المسلمين أناس أصيبوا بالهزيمة النفسية أمام شبهات الكفار والملحدين والمستشرقين والمستغربين على حد سواء!.

ففي الوقت الذي يقول فيه أعداء الله. إن دين الإسلام انتشر بالسيف وجد ممن ينتسبون للعلم والعلماء من يدافع – حسب زعمه – عن الإسلام؟ فيلوي أعناق النصوص الشرعية لتوافق ما زعمه دفاعاً عن الإسلام! ومن هنا يوضع الإسلام في مقام الدفاع، ويصور على أنه كالذي يقاتل في معركة انسحاب، حيث كلما طرأت شبهة انبرى لها من يدافع!!

والذي نعتقده ونراه الحق في هذه القضية: أن هذه مهزلة سخيفة لم تحدث إلا في القرون المتأخرة، حين صارت الغلبة للكفر وأربابه، واندحر المسلمون من مقام القيادة والجهاد إلى مقام الاستخذاء والضعف والدفاع والتبعية العمياء.

وقد كتب علماء فضلاء من علماء المسلمين حول هذا الموضوع ما يكفي ويشفي ويغني(184). ومن المهم في هذا المقام: أن نعرف هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم وسيرته مع أعداء الله، وجهاده لهم. وللإمام ابن القيم رحمه الله تلخيص قيم أورده هنا بتمامه نظراً لأهميته.

قال رحمه الله في زاد المعاد:

(أول ما أوحى إليه ربه تبارك وتعالى: أن يقرأ باسم ربه الذي خلق، وذلك أول نبوته، فأمره أن يقرأ في نفسه ولم يأمره إذ ذاك بتبليغ. ثم أنزل عليه.

{يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ {1}قُمْ فَأَنذِرْ{[سورة المدثر: 1-2].

ص218

فنبأه بقوله: (اقرأ) وأرسله بـ (يا أيها المدثر) ثم أمره أن ينذر عشيرته الأقربين، ثم أنذر قومه، ثم أنذر من حولهم من العرب ثم أنذر العرب قاطبة، ثم أنذر العالمين، فأقام بضع عشرة سنة بعد نبوته ينذر بالدعوة بغير قتال، ولا جزية، ويؤمر بالكف والصبر والصفح.

ثم أذن له في الهجرة، وأذن له في القتال، ثم أمره أن يقاتل من قاتله، ويكف عمن اعتزله ولم يقاتله، ثم أمره بقتال المشركين حتى يكون الدين كله لله. ثم كان الكفار معه بعد الأمر بالجهاد ثلاثة أقسام:

(1) أهل صلح وهدنة، (2) وأهل حرب، (3) وأهل ذمة.

(فأمر أن يتم لأهل العهد والصلح عهدهم، وأن يوفي لهم به ما استقاموا على العهد،فإن خاف منهم خيانة نبذ إليهم عهدهم ولم يقاتلهم حتى يعلمهم بنقض العهد. وأمر أن يقاتل من نقض عهده. ولما نزلت سورة (براءة) نزلت ببيان حكم هذه الأقسام كلها، فأمره فيها أن يقاتل عدوه من أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية أو يدخلوا في الإسلام، وأمره فيها بجهاد الكفار والمنافقين، والغلظة عليهم، فجاهد الكفار بالسيف والسنان، والمنافقين بالحجة واللسان.

(وأمره فيها بالبراءة من عهود الكفار، ونبذ عهودهم إليهم، وجعل أهل العهد في ذلك ثلاثة أقسام.

(1) قسماً أمره بقتالهم، وهم الذين نقضوا عهده ولم يستقيموا له فحاربهم وظهر عليهم.

(2) وقسماً لهم عهد مؤقت لم ينقضوه، ولم يظاهروا عليه، فأمره أن يتم لهم عهدهم إلى مدتهم.

(3) وقسماً لم يكن لهم عهد ولم يحاربوه، أو كان لهم عهد مطلق فأمره أن يؤجلهم أربعة أشهر فإذا انسلخت قاتلهم. وهي الأشهر الأربعة المذكورة في قوله

{فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ { [سورة التوبة: 5].

ص219

فالحرم هاهنا أشهر التيسيير أولها يوم الآذان وهو اليوم العاشر من ذي الحجة، وهو يوم الحج الأكبر الذي وقع فيه التأذين بذلك، وآخرها العاشر من ربيع الآخر. وليست هي الأربعة المذكورة في قوله تعالى:

{إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ{ [سورة التوبة:36].

فإن تلك: واحد فرد، وثلاثة سرد، رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ولم يسير المشركين في هذه الأربعة.فإن هذا لا يمكن لأنها غير متوالية، وهو إنما أجلهم أربعة أشهر، ثم أمره بعد انسلاخها أن يقاتلهم فقتل الناقض لعهده، وأجل من لا عهد له، أوله عهد مطلق أربعة أشهر وأمره أن يتم للموفي بعهده إلى مدته فأسلم هؤلاء كلهم، ولم يقيموا على كفرهم إلى مدتهم، وضرب على أهل الذمة الجزية.

فاستقر أمر الكفار معه بعد نزول (براءة) على ثلاثة أقسام: محاربين له وأهل عهد، وأهل ذمة.

(ثم آلت حال أهل العهد والصلح إلى الإسلام فصاروا معه قسمين: محاربين وأهل ذمة. والمحاربون له خائفون منه، فصار أهل الأرض معه ثلاثة أقسام: مسلم مؤمن به ومسالم آمن وخائف محارب) (185).

وقد ركز القرآن الكريم على أهداف الجهاد في غير ما آية. فمنها قوله تعالى:

{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه{[سورة الأنفال: 39].

ص220

قال عبدالرحمن بن زيد بن أسلم: " ويكون الدين كله لله " لا يكون مع دينكم كفر (186).

وقال تعالى:

{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ { [سورة التوبة: 33].

وقال:

{وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ {40} الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ{ [سورة الحج: 40-41].

إن الجهاد في الإسلام: هدفه أن يعبد الله وحده في الأرض، وأن تهيمن شريعته، ويتحرر الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن تأليه البشر إلى ألوهية الواحد الأحد (187) ومن هدف الجهاد أيضاً إنقاذ المستضعفين في الأرض

{وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ

ص221

هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا{ [سورة النساء:75].

وإليك تفصيل صور البراء من كل طائفة، وكيفية جهاد المسلمين لهم:

أ- صور البراءة من المشركين:

(1) بعد أن قامت الدولة المسلمة في المدينة، كان لابد من اجتثاث شجرة الشرك في مكة وغيرها وقد نزلت سورة التوبة بقتال المشركين، وتفصيل ذلك ورد في تلخيص ابن القيم الذي سبق ذكره. قال تعالى:

{بَرَاءةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ {1}فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ وَأَنَّ اللّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ {2}وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فإن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ {3}إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ {4} فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ

ص222

وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍفإن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {5} وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ {6} كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ اللّهِ وَعِندَ رَسُولِهِ إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَاسْتَقِيمُواْ لَهُمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ {7} كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ {8} اشْتَرَوْاْ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ {9} لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ {10}فإن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ {11} وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ {12}أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَؤُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤُمِنِينَ {13}

ص223

قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ {14} وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللّهُ عَلَى مَن يَشَاء وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ{[سورة التوبة: 1-15].

(2) منعهم من دخول المسجد الحرام قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاء إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ { [سورة التوبة: 28].

قال ابن كثير: كان نزول هذه الآية سنة تسع. ولهذا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً صحبة أبي بكر رضي الله عنهما عامئذ، وأمره أن ينادي في المشركين، "أن لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان" (188) فأتم الله ذلك وحكم به شرعاً وقدراً (189).

(3) منع النكاح بالمشركات: ذكر ابن جرير – وهو يتحدث عن صلح الحديبية – أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم نسوة مؤمنات فأنزل الله عز وجل{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِن َّفإن عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُم مَّا أَنفَقُوا

ص224

وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ{[سورة الممتحنة: 10].

قال فطلق عمر رضي الله عنه يومئذ امرأتين كانتا له في الشرك (190).

(4) منع إقامة المسلم في دار الشرك، وذلك بعد أن أعز الله دينه وعباده، وقامت لهم دولة فحينئذ تحرم الإقامة بدار الشرك خشية على المسلم أن يفتن، ولكي ينضم إلى جماعة المسلمين فهم أخوته وأولياؤه من دون الناس. قال صلى الله عليه وسلم " أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين " قالوا: يا رسول الله لم؟ قال: لا تراءى ناراهما " (191).

"ب" البراء من أهل الكتاب:

كما سبق أن قلنا: أن الجهاد هو أكبر مظاهر المفاصلة بين المسلمين وجميع أعدائهم – ومنهم أهل الكتاب – فإنه لابد أن نشير إلى بعض ما نزل في مفاصلة أهل الكتاب إضافة إلى مبدأ جهادهم.

ومن ذلك قوله تعالى في سورة آل عمران التي عنيت بهم كثيراً وكشفت ما لديهم:

{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ {70} يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ{ [سورة آل عمران: 70-71].

ص225

{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَاللّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ {98} قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنتُمْ شُهَدَاء وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ { [سورة آل عمران: 98 –99].

وفي سورة المائدة قوله تعالى :

{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُـونَ {59}قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَـئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَاء السَّبِيلِ{ [سورة المائدة: 59 – 60].

ففي هذه الآيات وغيرها نجد التقريع لأهل الكتاب والتنديد بباطلهم ومخازيهم.

ثم يأتي النص القرآني للرسول صلى الله عليه وسلم – وللمؤمنين من ورائه – بأن يقولوا لأهل الكتاب أنهم ليسوا على شيء حتى يقيموا شرع الله ويحكموا كتابه

{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّىَ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ

ص226

وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ{[سورة المائدة: 68].

وهذه الآية الكريمة من أعظم ما بين صورة البراء من أهل الكتاب. ولقد كان جهاد المصطفى صلى الله عليه وسلم وأصحابه لأهل الكتاب – بني قينقاع وبني قريظة وبني النضير – صورة واضحة بارزة في مفاصلتهم وجهادهم والبراء منهم.

وسيرد الحديث عن إجلائهم عن أرض الجزيرة في الفصل السادس من الباب الثاني.

(ج) البراء من المنافقين:

مفاصلة المنافقين والبراءة منهم تؤخذ من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم، وفي ذلك يقول العلامة ابن القيم:

(وأما سيرته صلى الله عليه وسلم في المنافقين: فإنه أمر أن يقبل منهم علانيتهم، ويكل سرائرهم إلى الله، وأن يجاهدهم بالعلم والحجة. وأمره أن يعرض عنهم، ويغلظ عليهم، وأن يبلغ بالقول البليغ إلى نفوسهم، ونهاه أن يصلي عليهم وأن يقوم على قبورهم، وأخبر أنه إن استغفر لهم فلن يغفر الله لهم) (192).

وقد قلنا فيما سبق: أن من أبرز صفات المنافقين موالاة الكفار، وكراهية دين الله والتخذيل في صف المسلمين لذلك حين يبين الله حالهم للمؤمنين: كان لابد من مفاصلتهم والبراءة منهم ونزل في ذلك آيات توضح صور هذه المفاصلة وذلك البراء ومنها:

(1) الإعراض عنهم والغلظة عليهم: وقد جاء ذلك مقروناً بجهاد الكفار،

ص227

فالغلظة على المنافق من أنواع الجهاد قال تعالى:

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ{ [سـورة التوبة: 73].

(وهي نفس آية 90 من سورة التحريم) وسورة التوبة فضحتهم فضحاً عظيماً حتى إنها سميت بـ،" الفاضحة". ففي صحيح البخاري عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: سورة التوبة؟ قال: التوبة هي الفاضحة، ما زالت تنزل: ومنهم، ومنهم حتى ظنوا أنها لم تبق أحداً منهم إلا ذكر فيها " (193).وفي سورة النساء {وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُواْ مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً{[سورة النساء: 81].

(2) النهي عن الصلاة عليهم أو القيام على قبورهم:

{وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ {[سورة التوبة: 84].

ص228

قال ابن كثير: وهذا حكم عام في كل من عرف نفاقه، وإن كان سبب نزول الآية في عبدالله بن أبي بن سلول رأس المنافقين (194).

(3) لا يقبل لهم عذر في التخلف عن الجهاد، ومن ثم عدم قبولهم فيه مرة أخرى. قال تعالى:

{فإن رَّجَعَكَ اللّهُ إِلَى طَآئِفَةٍ مِّنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُل لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَدًا وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُم بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُواْ مَعَ الْخَالِفِينَ{[سورة التوبة : 83].

{ يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُل لاَّ تَعْتَذِرُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ {94} سَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَكُمْ إِذَا انقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ {95} يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْاْ عَنْهُم ْفإن تَرْضَوْاْ عَنْهُم ْفإن اللّهَ لاَ يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ {[سورة التوبة: 94 – 96].

ص229

(4) عدم الاستغفار لهم. قال تعالى:

{اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ{[سورة التوبة: 80].

{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ {5} سَوَاء عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ{[سـورة المنافقون : 5-6].

(د) قطع الموالاة مع الأقارب إذا كانوا محادين لله ورسوله:

قلنا في العهد المكي: إن المؤمن كان مأموراً بصلة والديه الكافرين وإحسان معاشرتهما وليس في ذلك ولاء على أية حال إلا إنه لم يؤمر بمقاطعتهما ومفاصلتهما ولكن الصورة تختلف في العهد المدني بعد قيام الدولة المسلمة وجهاد الكفار والمشركين. حيث جاءت المفاصلة التامة بين المؤمن وقريبه المشرك أو الكافر أو

ص230

المنافق ونزل في ذلك آيات كثيرة منها قوله تعالى:

{لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ{ [سورة المجادلة: 22].

قال أهل العلم في سبب نزولها: أنها نزلت في أبي عبيدة عامر بن الجراح حين قتل أباه عبدالله بن الجراح يوم أحد، وفي أبي بكر حين دعا ابنه للمبارزة يوم بدر، وفي عمر حيث قتل خاله العاص بن هشام يوم بدر، وفي علي وحمزة حين قتلوا عتبة وشيبة ابني ربيعة والوليد بن عتبه يوم بدر (195). وقيل غير ذلك من الأسباب (196).

وهذه الآية الكريمة تشير إلى المفاصلة الكاملة بين حزب الله وحزب الشيطان، وأن المؤمن يجب عليه أن ينحاز إلى الصف المسلم متجرداً من كل عائق أو جاذب ومرتبطاً في العروة الواحدة بالحبل الواحد. ومن ثم فلا نسب ولا صهر، ولا أهل ولا قرابة، ولا ظن ولا جنس ولا عصبية ولا قومية حين تقف هذه الوشائج دون ما أراد الله. وإنما هي العقيدة من وقف تحت رايتها فهو من حزب الله، ومن استحوذ عليه الشيطان فوقف تحت راية الباطل فلن تربطه بأحد من

ص231

حزب الله رابطة (197). وفي سورة التوبة يأتي الأمر الأخير بالمفاصلة. وبيان أن القضية: قضية إيمان أو كفر وليست قضية جزئية أو ثانوية. قال تعالى:

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إَنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ {23} قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ{[سورة التوبة: 23- 24].

فهذا أمر من الله بمباينة الكفار وإن كانوا آباء أو أبناء، ونهي عن موالاتهم إذا اختاروا الكفر على الإيمـــان (198).

قال القرطبي: وهذه الآية – آية 23 – باقية الحكـم إلى يوم القيامة في قطع الولاية بين المؤمنين والكافريــن (199). وقال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله، ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون): هو مشرك مثلهم لأن من رضي بالشرك فهو مشرك ([2]).

وهذا السياق القرآني الكريم قد استعرض ألوان الوشائج والمطامع واللذائذ ليضعها في كفه، ويضع العقيدة ومقتضياتها في الكفة الأخرى.

ص232

الآباء والأبناء والإخوان والأزواج والعشيرة (وشيجة الدم والنسب والقرابة والزواج) والأموال والتجارة (مطمع الفطرة ورغبتها) والمساكن المريحة (متاع الحياة ولذتها).. وكل ذلك في كفة وفي الكفة الأخرى: حب الله ورسوله وحب الجهاد في سبيله. الجهاد بكل مقتضياته وبكل مشتقاته وما يتبعه من نصب وتعب، ومن تضييق وحرمان وألم وتضحية وجراح واستشهاد. الجهاد المجرد من الصيت والذكر والظهور والمباهاة والفخر والرياء.

وما يكلف الله المؤمنين هذا التكليف إلا وهو يعلم أن فطرتهم تطيق ذلك، فالله لا يكلف نفساً إلا وسعها، وإنه لمن رحمة الله بعباده أن أودع فطرتهم هذه الطاقة العالية من التجرد والاحتمال، وأودع فيها الشعور بلذة الاتصال بالله التي لا تعدلها أي لذة. لذة الاستعلاء على الضعف والهبوط والخلاص من ثقلة اللحم والدم، والارتفاع إلى الأفق المشرق الوضي (201)

وخلاصة القول: إن الولاء والبراء قد اكتملت صورته الحقيقية في العهد المدني حيث قامت دولة الإسلام الراشدة وأصبحت الأخوة الإيمانية فيها هي الرابطة الحقيقة، ودونها تهدر كل رابطة. وشرع الجهاد للكفار والمشركين ومن نقض عهده. وجاء الأمر بالغلظة على المنافقين والإعراض عنهم. وحصلت البراءة من كل قريب لا يؤمن بالله ورسوله ولا بدين الحق ولو كان أباً أو أخاً أو زوجاً أو غير ذلك مما تعارف الناس عليه أنه رابطة!

ولقد تميز المسلمون واستعلوا بدينهم، وافتخروا بالانتماء إلى هذا الدين الذي هو سبب تلك العزة والرفعة والسيادة حين فتحوا الشرق والغرب. ولن يكون للمسلمين اليوم أو غداً عز إلا بالرجوع إلى هذه العقيدة عن حب وولاء لدين الله والمؤمنين به، وبراء من كل كافر ومشرك ومنافق ولو كان أقرب قريب. وأما الإحسان إلى الوالدين وبرهما – وهما كافران – أمر باق إلى قيام الساعة.

ص233

الفصل السابع

صور الموالاة ومظاهرها

إن جمع صور الموالاة ومظاهرها في فصل مستقل أمر له أهميته في مثل هذا البحث، وذلك حتى يكون القارئ على بينة من الأمور والقضايا التي تمسها قضية الولاء والبراء.

وأحب أن أنبه في هذا المقام على أنني لم ألزم نفسي بتتبع الحكم الشرعي في كل صورة من هذه الصور، وذلك لصعوبة القطع بالحكم في كل قضية، لأنه – كما يقول أهل العلم – قد يكون القول أو الفعل كفراً ولكن هناك ما يصرفه عن ظاهره فيما بين العبد وبين ربه، ولكن على العموم فهذه الصور تتفاوت من كون فاعلها خارجاً من الملة كمن يحب الكفار لأجل كفرهم إلى الكبيرة من الكبائر كتعظيمهم والثناء عليهم (202) . وذلك أن (مسمى الموالاة يقع على شعب متفاوتة منها ما يوجب الردة كذهاب الإسلام بالكلية، ومنها ما هو دون ذلك من الكبائر والمحرمات)(203). وقد حرص الدين الإسلامي على إخلاص العبادة (وهي الطاعة والانقياد) لله وحده والبراءة من كل متبوع أو مرغوب، أو مرهوب، وتعلق القلب بربه في الخشية والخوف والرجاء والعون والنصرة، لأن (كل من علق قلبه بالمخلوقين أن ينصروه أو يرزقوه أو يهدوه: خضع قلبه لهم، وصار فيه من العبودية لهم بقدر ذلك.. ومعلوم أن أسر القلب أعظم من أسر البدن، واستعباد القلب أعظم من استعباد البدن فإن من استعبد بدنه واسترق وأسر لا

ص234

يبالي إذا كان قلبه مستريحاً من ذلك مطمئناً، بل يمكنه الاحتيال في الخلاص. أما إذا كان القلب متيماً لغير الله فهذا هو الذل والأسر المحض)(204).

وخطورة موالاة الكفار تبرز في أن ضررها على المسلمين كافة أعظم من خطر من يكفر في نفسه فقط. ذلك أن (الإضرار بالمسلمين يزيد على تغيير الاعتقاد، ويفعله من يظن سلامة الاعتقاد، وهو كاذب عند الله ورسوله والمؤمنين في هذه الدعوى والظن، ومعلوم أن المفسدة في هذا أعظم من المفسدة في مجرد تغيير الاعتقاد)(205) وإليك تفاصيل موالاة الكفار (206).

(1) الرضى بكفر الكافرين وعدم تكفيرهم أو الشك في كفرهم أو تصحيح أي مذهب من مذاهبهم الكافرة (207).

ويتضح هذا الأمر في كونه ولاء للكفار: إنه يسرهم ويسعدهم أن يروا من يوافقهم على كفرهم ويجاريهم على مذاهبهم الإلحادية.

وقد سبق في التمهيد القول بأن من معتقد أهل السنة والجماعة: إن حب القلب وبغضه يجب أن يكون كاملاً. فالذي يحب الكافر لأجل كفره فهو كافر بإجماع الأمة، ولم يخالف في ذلك أحد من علماء المسلمين.

يقول ابن تيمية رحمه الله:

(أما حب القلب وبغضه، وإرادته وكراهيته فينبغي أن تكون كاملة جازمة لا توجب نقص ذلك إلا بنقص الإيمان. أما فعل البدن فهو بحسب قدرته. ومتى كانت إرادة القلب وكراهته كاملة تامة وفعل العبد معها بحسب قدرته فإنه يعطي ثواب الفاعل الكامل، ذلك أن من الناس من يكون حبه وبغضه وإرادته وكراهته بحسب محبة نفسه وبغضها، لا بحسب محبة الله ورسوله وبغض الله ورسوله، وهذا من نوع الهوى،فإن اتبعه الإنسان فقد

ص235

اتبع هواه

{وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ { [سورة القصص: 50](208)

إذن: فالمحبة والرضى أمران جازمان لا يخرجان عن كونهما كفراً إذا كانا للكفار أو إيماناً إذا كانا للمؤمنين.

(2) التولي العام واتخاذهم أعواناً وأنصاراً وأولياء أو الدخول في دينهم وقد نهى الله عن ذلك فقال:

{لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ{ [سورة آل عمران: 28].

قال ابن جرير في تفسيرها:

(من اتخذ الكفار أعواناً وأنصاراً وظهوراً يواليهم على دينهم ويظاهرون على المسلمين فليس من الله في شيء. أي قد برئ من الله وبرئ الله منه، بارتداده عن دينه ودخوله في الكفر. (إلا أن تتقوا منهم تقاة) أي إلا أن تكونوا في سلطانهم فتخافوهم على أنفسكم فتظهروا لهم الولاية بألسنتكم وتضمروا العداوة، ولا تشايعوهم على ما هم عليه من الكفر ولا تعينوهم على مسلم بفعل) (209)

وقال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ

ص236

وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ{ [سورة المائدة: 51].

قال ابن جرير رحمه الله في تفسيرها:

(من تولى اليهود والنصارى من دون المؤمنين فإنه منهم. أي من أهل دينهم وملتهم، فإنه لا يتولى متول أحداً إلا وهو به وبدينه وما هو عليه راض، وإذا رضيه ورضي دينه فقد عادى ما خالفه وسخطه وصــار حكمه حكمه) (210).

وقال ابن حزم: صح أن قول الله تعالى: {وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ { إنما هو على ظاهره: بأنه كافر من جملة الكفار، وهذا حق لا يختلف فيه اثنان من المسلمين (211).

وقال ابن تيمية:

أخبر الله في هذه الآية: أن متوليهم هو منهم وقال سبحانه: {ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء { [سورة المائدة : 81].

فدل على أن الإيمان المذكور ينفي اتخاذهم أولياء ويضاده ولا يجتمع الإيمان واتخاذهم أولياء في القلب. فالقرآن يصدق بعضه بعضاً (212).

وقال ابن القيم:

(إن الله قد حكم ولا أحسن من حكمه أنه من تولى اليهود والنصارى، فهو منهم " ومن يتولهم منكم فإنه منهم " فإذا كان أولياؤهم منهم بنص القرآن كان لهم حكمهم. وهذا عام، خص منهم من يتولاهم ودخل في دينهم بعد التزام الإسلام فإنه لا يقر ولا تقبل منه الجزية. بل إما الإسلام أو السيف

ص237

لأنه مرتد بالنص والإجماع، ولا يصح إلحاق من دخل في دينهم من الكفار قبل التزام الإسلام بمن دخل فيه من المسلمين لأن من دان بدينهم من الكفار بعد نزول القرآن فقد انتقل من دين إلى دين خير منه – وإن كانا جميعاً باطلين – وأما المسلم فإنه قد انتقل من دين الحق إلى الدين الباطل بعد إقراره بصحة ما كان عليه وبطلان ما انتقل إليه فلا يقر على ذلك)(213).

ويستبعد الأستاذ سيد قطب أن يكون بين المسلمين، من يميل إلى اتباع اليهود والنصارى في الدين. وإنما المراد ولاء التحالف والتناصر. يقول رحمه الله:

(إن الولاية المنهي عنها ولاية التناصر والتحالف معهم، ولا تتعلق بمعنى اتباعهم في دينهم، فبعيد جداً أن يكون بين المسلمين من يميل إلى اتباع اليهود والنصارى في الدين. إنما هو ولاء التحالف والتناصر الذي كان يلتبس على المسلمين أمره، فيحسبون أنه جائز لهم بحكم ما كان واقعاً من تشابك المصالح والأواصر، ومن قيام هذا الولاء بينهم وبين جماعات من اليهود قبل الإسلام وفي أوائل العهد بقيام الإسلام في المدينة حتى نهاهم الله عنه وأمر بإبطاله. يوضح ذلك قوله تعالى بشأن المسلمين الذين لم يهاجروا

{مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ { [سورة الأنفال: 72].

أي ولاية التناصر والتعاون وليس ولاية الدين.

(نقول هذا: لأن البعض يخلط بين دعوة الإسلام إلى السماحة في معاملة أهل الكتاب والبر بهم في المجتمع المسلم الذي يعيشون فيه وبين الولاء الذي لا يكون إلا لله ورسوله وللجماعة المسلمة. ناسين ما يقرره القرآن الكريم من أن أهل الكتاب بعضهم أولياء بعض في حرب الجماعة المسلمة، وأن هذا شأن ثابت

ص238

لهم، وأنهم لن يرضوا عن المسلم إلا أن يترك دينه ويتبع دينهم.

وسذاجة أية سذاجة، وغفلة أية غفلة: أن تظن أن لنا وإياهم طريقاً واحداً نسلكه للتمكين للدين!! أمام الكفار والملحدين. فهم مع الكفار والملحدين إذا كانت المعركة ضد المسلمين.

فلندع من يغفل عن هذا ولنكن واعين للتوجيه القرآني: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء { الآية (214).

(3) الإيمان ببعض ما هم عليه من الكفر،أو التحاكم إليهم دون كتاب الله كما قال تعالى:

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً{ [سورة النساء: 51].

ونظير هذه الآية قوله تعالى عن بعض أهل الكتاب:

{وَلَمَّا جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ كِتَابَ اللّهِ وَرَاء ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ {101}وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ{ [سورة البقرة: 101-102].

فأخبر سبحانه أنهم اتبعوا السحر وتركوا كتاب الله كما يفعله كثير من اليهود وبعض المنتسبين إلى الإسلام. فمن كان من هذه الأمة موالياً للكفار: من المشركين أو أهل الكتاب ببعض أنواع الموالاة كإتيانه أهل الباطل واتباعهم في شيء من فعالهم ومقالهم الباطل: كان له من الذم والعقاب والنفاق بحسب ذلك (215). وإن هذه الصورة من صور الموالاة قد وقع فيها معظم المنتسبين إلى الإسلام اليوم، فالإيمان ببعض ما هم عليه أمر واقع في (العالم الإسلامي) لا ينكره إلا مكابر جاهل، فها هي الببغوات من أبناء أمتنا وممن ينطقون بألسنتنا قد آمنت بالشيوعية مذهباً تارة وبالاشتراكية تارة أخرى، وبالديمقراطية نظاماً أو العلمانية دستوراً، فأخذت هذه المبادئ الكافرة وطبقتها في بلاد المسلمين ملزمة الناس بعبادتها (في الطاعة والانقياد والتنفيذ) ونصبت العداء لكل مسلم موحد ينادي في الأمة أن تعود إلى كتاب الله وسنة رسوله.

وهذه الردة الجديدة سيأتي تفصيل الحديث عنها إن شاء الله – في الباب الأخير.

وإن من الإيمان ببعض ما هم عليه: مسألة فصل الدين عن الدولة وإنه لا علاقة للإسلام بالسياسة فهذه أيضاً فرع للقضية السابقة لم توجد إلا في أوروبا أيام الاضطهاد الكنسي لرجال العلم. ولكن أين الإسلام دين العدل ودين السياسة ودين القوة من (هرطقة) رجال الكنيسة حتى يأتي بعض الأقزام فيستورد تلك السموم من أوروبا ليلبس الإسلام قناعاً مزيفاً فيقول: الإسلام علاقة بين العبد وربه والسياسة لها رجالها ولها قضاياها التي لا تمت إلى الدين بصلة (216).

(4) مودتهم ومحبتهم. وقد نهى الله عنها بقوله:

{لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ

ص240

بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ {[سورة المجادلة:22].

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (أخبر الله أنك لا تجد مؤمناً يواد المحادين لله ورسوله فإن نفس الإيمان ينافي موادته كما ينفي أحد الضدين الآخر، فإذا وجد الإيمان انتفى ضده موالاة أعداء الله. فإذا كان الرجل يوالي أعداء الله بقلبه كان ذلك دليلاً على أن قلبه ليس فيه الإيمان الواجب) (217).

وقال تعالى:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ{ [سورة الممتحنة: 1].

(5) الركون إليهم: قال تعالى:

{ وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ }[سورة هود: 113].

قال القرطبي: الركون حقيقته: الاستناد والاعتماد، والسكون إلى الشيء والرضا به (218). وقال قتادة معنى الآية: لا تودوهم ولا تطيعوهم. قال ابن جريج: لا تميلوا إليهم.

ص241

وهذه الآية دالة على هجران أهل الكفر والمعاصي من أهل البدع وغيرهم فإن صحبتهم كفر أو معصية. إذ الصحبة لا تكون إلا عن مودة كما قيل

عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدى ([3]).

وقال تعالى {وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً {74} إِذاً لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا { [سورة الإسراء: 74 – 75].

وإذا كان هذا الخطاب لأشرف مخلوق صلاة الله وسلامه عليه فكيف بغيره؟ (220).

(6) مداهنتهم ومداراتهم ومجاملتهم على حساب الدين قال تعالى:

{وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ{[سورة القلم: 9].

والمداهنة والمجاملة والمداراة على حساب الدين أمر وقع فيه كثير من (المسلمين) اليوم وهذه نتيجة طبيعية للانهزام الداخلي في نفوسهم. حيث رأوا أن أعداء الله تفوقوا في القوة المادية فانبهروا بهم، ولأمر ما رسخ وترسب في أذهان المخدوعين أن هؤلاء الأعداء هم رمز القوة ورمز القدوة – فأخذوا ينسلخون من تعاليم دينهم مجاملة للكفار ولئلا يصمهم أولئك الكفرة بأنهم (متعصبون)! وصدق المصطفى صلى الله عليه وسلم، إذ يقول في مثل هؤلاء (لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً شبراً وذراعاً ذراعاً حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم).

قلنا. يا رسول الله: اليهود والنصارى؟ قال: (فمن)؟(221).

ص242

إن المداهنة والمجادلة قد تبدأ بأمر صغير ثم تكبر وتنمو حتى تؤدي – والعياذ بالله – إلى الخروج من الملة. وهذه إحدى مزالق الشيطان فليحذر المسلم منها على نفسه، وليعلم أنه هو الأعز وهو الأقوى إذا امتثل منهج الله وتقيد بشرعه ومقتضيات عقيدته.

ومن الأمور الواضحة في تاريخ المسلمين: أن من أكبر العوامل في انتصارهم – بعد الإيمان بالله ورسوله – الاعتزاز بالإسلام. يصدق ذلك ويؤيده قول الفاروق رضي الله عنه: (إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام فمهما نطلب العز بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله)(222).

(7) اتخاذهم بطانة من دون المؤمنين قال تعالى:

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ{[سورة آل عمران: 118].

نزلت هذه الآية في أناس من المؤمنين كانوا يصافون المنافقين، ويواصلون رجلاً من اليهود لما كان بينهم من القرابة والصداقة والجوار فأنزل الله هذه الآية تنهاهم عن مباطنتهم خوف الفتنة منهم عليهم (223).

وبطانة الرجل: خاصته تشبيهاً ببطانة الثوب التي تلي بطنه لأنهم يستبطنون أمره ويطلعون منه على ما لا يطلع عليه غيرهم. وقد بين الله العلة في النهي عن مباطنتهم فقال (لا يألونكم خبالاً) أي لا يقصرون ولا يتركون جهدهم فيما يورثكم الشر والفساد، ثم إنهم يودون ما يشق عليكم من الضر والهلاك.

ص243

والعداوة التي ظهرت منهم: شتم المسلمين والوقيعة فيهم، وقيل: باطلاع المشركــين علـى أسرار المسلمين (224). وفي سنن أبي داود قوله صلى الله عليه وسلم: (الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم مــن يخالل)(225).

(8) طاعتهم فيما يأمرون ويشيرون به (226). قال تعالى ناهياً عن ذلك:

{وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا{ [سورة الكهف: 28].

وقال:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ{ [سورة آل عمران: 149].

وقال: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ{ [سورة الأنعام: 121].

قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: (وإن أطعتموهم إنكم لمشركون) حيث عدلتم عن أمر الله لكم وشرعه إلى قول غيره، فقدمتم عليه غيره فهذا هو

ص244

الشرك، كما قال تعالى: {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ { [سورة التوبة: 31](227).

(9) مجالستهم، والدخول عليهم وقت استهزائهم بآيات الله. وقال تعالى في النهي عن مجالستهم:

{وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ { [سورة النساء: 140].

قال ابن جرير:

(قوله (إنكم إذاً مثلهم) أي إنكم إذا جالستم من يكفر بآيات الله ويستهزئ بها وأنتم تسمعون فأنتم مثلهم إن لم تقوموا عنهم في تلك الحال، لأنكم قد عصيتم الله بجلوسكم معهم وأنتم تسمعون آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها.

(وفي الآية دلالة واضحة على النهي عن مجالسة أهل الباطل من كل نوع من الكفرة والمبتدعة والفسقة عند خوضهم في باطلهم (228).

وفي الحديث (لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم مثل ما أصابهم)(229).

ص245

(10) توليتهم أمراً من أمور المسلمين:

كالإمارة والكتابة وغيرها والتولية شقيقة الولاية لذلك فتوليتهم نوعاً من توليهم.وقد حكم الله أن من تولاهم فإنه منهم. ولا يتم الإيمان إلا بالبراءة منهم. والولاية تنافي البراءة فلا تجتمع البراءة والولاية أبداً.

(والولاية إعزاز فلا تجتمع هي وإذلال الكفر أبداً. والولاية صلة فلا تجامع معاداة الكافر أبداً. ولو علم ملوك الإسلام بخيانة النصارى الكتاب – مثلاً – ومكاتبتهم الفرنج أعداء الإسلام، وتمنيهم أن يستأصلوا الإسلام وأهله، وسعيهم في ذلك بجهد الإمكان: لثناهم ذلك عن تقريبهم وتقليدهم الأعمال فهذا الملك (الصالح) كان في دولته نصراني يسمى: محاضر الدولة أبا الفضل بن دخان ولم يكن في المباشرين أمكن منه. كان قذى في عين الإسلام، وبثرة في وجه الدين. بلغ من أمره أنه وقع لرجل نصراني أسلم برده إلى دين النصرانية وخروجه من الملة الإسلامية، ولم يزل يكاتب الفرنج بأخبار المسلمين، وأعمالهم، وأمر الدولة وتفاصيل أحوالها.

وكان مجلسه معموراً برسل الفرنج والنصارى وهم مكرمون لديه، وحوائجهم مقضية عنده، ويحمل لهم الإدرار والضيافات، وأكابر المسلمين محجوبون عن الباب لا يؤذن لهم، وإذا دخلوا لم ينصفوا في التحية ولا في الكلام. وحدث أن اجتمع في مجلس (الصالح) أكابر الناس من الكتاب والقضاة والعلماء فسأل السلطان بعض الجماعة عن أمر أفضى به إلى ذكر مخازي النصارى فبسط لسانه في ذلك وذكر بعض ما هم عليه من الأفعال والأخلاق. وقال من جملة كلامه: إن النصارى لا يعرفون الحساب، ولا يدرونه على الحقيقة لأنهم يجعلون الواحد ثلاثة والثلاثة واحداً. والله تعالى يقول:

{لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ{ [سورة المائدة: 73].

وأول أمانتهم وعقد دينهم: (بسم الأب والابن وروح القدس إله واحد)

ص246

فأخذ هذا المعنى بعض الشعراء وقال في قصيدة له:

كيف يدري الحساب من جعل الوا حد رب الورى تعالى ثلاثة

ثم قال: كيف تأمن أن يفعل في معاملة السلطان كما فعل في أصل اعتقاده ويكون مع هذا أكثر النصارى أمانة؟ وكلما استخرج ثلاثة دنانير دفع إلى السلطان ديناراً وأخذ لنفسه اثنين ولا سيما وهو يعتقد ذلك قربة وديانة؟

وانصرف القوم واتفق أن كبت النصراني بطنته، وظهرت خيانته فأريق دمه وسلط على وجوده عدمه (230).

(11) استئمانهم وقد خونهم الله: قال تعالى:

{وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }[سورة آل عمران: 75].

(12) الرضى بأعمالهم والتشبيه بهم، والتزيي بزيهم (231).

(13) البشاشة لهم والطلاقة وانشراح الصدر لهم وإكرامهم وتقريبهم ([4])

(14) معاونتهم على ظلمهم ونصرتهم ويضرب القرآن لذلك مثالين هما: امرأة لوط التي كانت ردءاً لقومها، حيث كانت على طريقتهم، راضية بأفعالهم القبيحة، تدل قومها على ضيوف لوط. وكذلك فعل امرأة نوح (233) .

ص247

(15) مناصحتهم والثناء عليهم ونشر فضائلهم (234) وهذه الصورة ظهرت واضحة في العصور الأخيرة فقد رأينا (أفراخ المستشرقين) – مثلاً – ينشرون فضائلهم وأنهم أصحاب المنهج العلمي السديد و.. و.. الخ. كذلك جاء من ينشر (فضائل) الغرب أو الشرق مضيفاً عليها ألقاب التقدم والحضارة والرقي، واصماً الإسلام والمنتسبين إليه بالرجعية والجمود والتأخر عن مسايرة الركب الحضاري والأمم المتقدمة!!

(16) تعظيمهم وإطلاق الألقاب عليهم مثل: السادة والحكماء ومبادأتهم بالسلام

(ومما يجب النهي عنه ما يفعله كثير من الجهال في زماننا إذا لقي أحدهم عدواً لله سلم عليه ووضع يده على صدره إشارة إلى أنه يحبه محبة ثابتة في قلبه. أو يشير بيده إلى رأسه إشارة إلى أن منزلته عنده على الرأس وهذا الفعل المحرم يخشى على فاعله أن يكون مرتداً عن الإسلام لأن هذا من أبلغ الموالاة والموادة والتعظيم لأعداء الله) (235).

والتعظيم واللقب الرفيع رمز للعزة والتقدير وهما مقصورتان على المؤمن. أما الكافر فله الإهانة والذلة وقد ورد في الحديث الصحيح النهي عن مبادأتهم بالسلام فقال صلى الله عليه وسلم (لا تبدؤا اليهود ولا النصارى بالسلام، فإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه)(236) وسيأتي تفصيل هذه القضية في الباب الثاني.

(17) السكنى معهم في ديارهم وتكثير سوادهم (237) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من جامع المشرك وسكن معه فإنه مثله) (238). وقال (لا تساكنوا المشركين ولا تجامعوهم فمن ساكنهم أو جامعهم فليس منا)(238).

ص248

وسوف يأتي بمشيئة الله – في الباب الثاني تفصيل لهذه المسألة إذا كانت هناك ضرورة لهذه المساكنة.

(18) التآمر معهم، وتنفيذ مخططاتهم والدخول في أحلافهم وتنظيماتهم والتجسس من أجلهم، ونقل عورات المسلمين وأسرارهم إليهم والقتال في صفهم (239)، وهذه الصورة من أخطر ما ابتليت به أمتنا في هذا العصر.

ذلك أن وجود ما يسمى في المصطلح الحديث (الطابور الخامس)قد أفسد أجيال الأمة في كل مجال سواء في التربية والتعليم أم في السياسة وشؤون الحكم أم في الأدب والأخلاق أم في الدين والدنيا معاً. وصدق الشاعر محمود أبو الوفا فيما نقله عنه أستاذنا الفاضل الشيخ محمد قطب أنه قال حين خرج الاستعمار الإنجليزي من مصر: (خرج الإنجليز الحمر وبقي الإنجليز السمر!!) – نعم إن داءنا هم الإنجليز السمر.

ترى من هو الساهر على تنفيذ خطة (دنلوب) في التربية والتعليم؟ ومن هو القائم بتنفيذ مخططات اليهود الثلاثة: فرويد وماركس ودور كايم في أفكارهم الخبيثة؟ (240). إنهم المستغربون من أبناء هذه الأمة الذين حققوا لأعداء الله ما لا يحلمون به. ولكن هيهات لهم فإن الله يقول:

{وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ {171} إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ {172} وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ{ [سورة الصافات:171 – 173].

(19) من هرب من دار الإسلام إلى دار الحرب بغضاً للمسلمين وحباً للكافرين (241)

ص249

(20) من انخرط في الأحزاب العلمانية أو الإلحادية كالشيوعية والاشتراكية والقومية والماسونية وبذل لها الولاء والحب والنصرة (242).

ما يقبل من الأعذار

وما لا يقبل في هذه الصور

قد يعتذر بعض الموالين للكفار بأنهم يخافون على سلطانهم وأموالهم ومراكزهم وغير ذلك من المخاوف التي لا تصح، ولا يعتبرها الله، عذراً لهم فيعذرهم من أجلها. لأنها من تزيين الشيطان وتسويله، وحب الدنيا والطمع في زينتها.

والله سبحانه وتعالى لم يقبل عذراً لأحد في إظهار موالاته للكفار وطاعتهم وموافقتهم على دينهم إلا عذراً واحداً هو: الإكراه: قال تعالى:

{مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَـكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ {106} ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّواْ الْحَيَاةَ الْدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ{ [سورة النحل: 106 – 107].

وقال سبحانه: {لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً{[سورة آل عمران: 28].

ص250

والإكراه لا ينفع أحداً فيما يتعلق بالرضى القلبي، والميل الباطني إلى الكفار لأنه غير مأذون فيه على أية حال لقوله تعالى (وقلبه مطمئن بالإيمان) ولأن الإكراه لا سلطان له على القلوب. فإنه لا يعلم ما في القلب إلا الله.

فمن والى الكفار بقلبه ومال إليهم فهو كافر على كل حال.فإن أظهر موالاته بلسانه أو بفعله عومل في الدنيا بكفره وفي الآخرة يخلد في النار، وإن لم يظهرها بفعل ولا قول وعمل بالإسلام ظاهراً عصم ماله ودمه وهو منافق في الدرك الأسفل من النار (243).

موقف المسلم تجاه هذه الصور:

الولاء والبراء هو الصورة الفعلية للتطبيق الواقعي لهذه العقيدة وهو مفهوم ضخم في حس المسلم بمقدار ضخامة وعظمة هذه العقيدة. والله سبحانه وتعالى يقول:

{قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ{ [سورة البقرة: 256].

والله جل جلاله أراد للمسلم – بل للإنسان – الكرامة في هذه الأرض

{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ { [سورة الإسراء: 70].

فحين يكون ولاء المسلم لله ولدينه وحزبه المؤمنين فهو بهذا يقدر هذا التكريم

ص251

حق قدره، ويعبد الله حق عبادته، لأنه تخلى بل وعادى كل عبودية تريد إخضاعه لسلطانها من دون الله.

أما حين ينتكس فيعبد غير الله – سواء بالشعائر أم بالشرائع أم بالطاعة والانقياد – فإنه بهذا يهبط من تلك المكانة والكرامة إلى عبودية أهواء شتى، وآراء ومذاهب تمزق عليه حياته وتضيع عليه آخرته، فيعيش شقياً – وإن زعم أنه سعيداً – ذلك أن مقياس السعادة والشقاوة، في التصور الإسلامي نابع من عبادة الله وحده وتحكيم شرعه والخلوص له، أو عكس ذلك: عبادة الطاغوت والهوى والشهوة وتلك هي دركات الشقاء التي يعيش فيها كل من أعرض عن هدى الله ودينه.

وموالاة غير المؤمنين – فضلاً عن أنها ردة وعصيان لله سبحانه – هي مصدر التذبذب والفصام النكد في حياة فاعلها، لأنه لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء. وفي هذا العصر الذي اختلطت فيه المفاهيم، واضطربت فيه الآراء، وخلط الحق بالباطل بل أقصي الحق ورفعت شارة الباطل: أين يقف المسلم؟ أين يكون ولاؤه ولمن يكون وهو يرى الكفر الصريح معلناً ومنفذاً في حياة الناس ثم يوضع لذلك (لافتة بسيطة) إن هذا لا يتعارض مع الإسلام؟ ومثال ذلك من يدين بالاشتراكية أو الديمقراطية أو العلمانية أو القومية أو الشيوعية ثم يقال: هذا لا يعارض الإسلام لأنه علاقة بين العبد وربه. لمن يكون ولاء المسلم وهو يرى شرع الله مبعداً من الأرض ومحارباً، ثم يستورد القانون البشري ليكون هو دستور الناس في حياتهم ومنهج مسيرتهم ويقال، إن هذا لا يعارض الإسلام لأن التشريع الإسلامي – سواء قيلت بلسان الحال أو المقال، - لم يعد مسايراً لركب الحضارة والتطور؟!

لمن يكون ولاء المسلم وهو يرى المنافقين يتمسحون باسم الإسلام وهم في الحقيقة أخطر على الدين من أعدائه الصرحاء؟

هذه أسئلة وأسئلة غيرها كثيرة.. والإجابة عليها تكمن في الحقيقة التالية: إنه لا يمكن للمسلم أن يكون ولاؤه لله ولدينه وللمؤمنين خالصاً إلا إذا كان مدركاً

ص252

لحقيقة التوحيد (لا إله إلا الله محمد رسول الله) متمثلاً لها، مدركاً مدلولها ومعناها عارفاً بمقتضياتها ولوازمها.

ثم علمه بالجاهلية والشرك والكفر والردة والنفاق حتى لا يكون مصيدة للوقوع في هذا الشر. لأنه لا يعرف الإسلام من لا يعرف الجاهلية.

ثم علمه بحقيقة الولاء والبراء في المفهوم الإسلامي الصحيح وهو: أن الولاء والحب والنصرة للمؤمنين من أي جنس كانوا وبأي لغة نطقوا وفي أي مكان حلوا، لأنه لا يؤمن بما تؤمن به الجاهليات من لوثة الدم ونتن العرق وخسة التراب.

فهو مع إخوانه المؤمنين بقلبه ولسانه وماله ودمه، يألم لألمهم ويفرح لفرحهم وبغضه وبراءه لجميع أعداء الله سواء كانوا كفاراً أصليين أم مرتدين أم منافقين وموقفه منهم: الجهاد بالنفس والمال والقلم واللسان وكل ما أوتي من طاقة وعلى حسب جهده وطاقته.

إن هذه الحقيقة هي التي – إذا أدركها المسلم وعمل بها يستطيع بها أن يحدد موقعه من كل صورة من الصور السابقة وغيرها، فيعرف من يوالي ومن يعادي، وماذا يريد الإسلام منه وماذا يريد للإسلام من أعدائه.

وهو بهذا يكون مسلماً واعيًاً بعزة الله غير واهن ولا حزين لأن الله معه وهو القائل:

{وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }(244) [سورة آل عمران: 139].

ومن كان الله معه فلن تضيره أن تجتمع البشرية بكاملها لأن تضره فهي بمجموعها لا تستطيع ذلك إلا إذا كان الله يريد له ذلك وإلا فهي أعجز من أن تنال منه شيئاً بسيطاً بغير قدر الله وإرادته.

ص253

الفصل الثامن

الرد على الخوارج والرافضة

في عقيدة الولاء والبراء

قد يقول بعض من لا يدرك حقيقة العقيدة، ولا يعي مفاهيم (لا إله إلا الله): أن مصطلح الولاء والبراء من مصطلحات الخوارج والشيعة فكيف يدرج في معتقد السلف الذين هم أهل السنة والجماعة؟

والجواب على هذا الاعتراض: من عدة وجوه:

(1) نحن مطالبون بما ورد في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فهما عقيدتنا وشريعتنا ونظام حياتنا، وأحسب أني قد ذكرت عدداً كبيراً جداً من عشرات الآيات في الولاء والبراء وعشرات الأحاديث النبوية الصحيحة في هذه القضية.

(2) من منطلق سلفنا الصالح نقول: لسنا مستعدين للتنازل عن أي أمر من أمور ديننا الصغيرة – فضلاً عن أمور العقيدة الكبرى لأجل أن ناعقاً أخذ بعض مصطلحاتنا وبنى عليها مفاهيمه البدعية المنكرة.

(3) هل يستطيع مسلم يؤمن بكتاب الله وسنة رسوله أن يقول إن إبراهيم عليه السلام – وهو القدوة الأولى في الولاء والبراء – كما ذكرنا – استخدم مصطلحات الخوارج والرافضة الذين جاءوا بعده بآلاف السنين؟ سبحانك هذا بهتان عظيم.

(4) إن قضية الولاء والبراء كمبدأ عقدي: مبدأ صحيح لا غبار عليه ورد به كتاب الله وسنة نبي الله ولكن الخطأ كل الخطأ والبدعة كل البدعة هو ما بنى

ص254

عليه هؤلاء السفهاء – من خوارج – ورافضة – من مفاهيم سقيمة خرجوا بها عن النصوص الصريحة وإجماع الأمة المحمدية. وصدق القائل.

وما ضر الورود وما حوته إذا المزكوم لم يطعم شذاها

معتقد الخوارج في هذه القضية

أما الخوارج فهم الذين قال فيهم إمام أهل السنة أحمد بن حنبل رضي الله عنه: (هم الذين مرقوا من الدين. وفارقوا الملة، وشردوا عن الإسلام، وشذوا عن الجماعة فضلوا السبيل والهدى، وخرجوا على السلطان، وسلوا السيف على الأمة، واستحلوا دماءهم وأموالهم وعادوا من خالفهم إلا من قال بقولهم. وكان على مثل قولهم ورأيهم، وثبت معهم في بيت ضلالتهم، وهم يشتمون أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وأصهاره وأختانه، ويتبرأون منهم، ويرمونهم بالكفر والعظائم، ويرون خلافهم في شرائع الإسلام.. يقولون من كذب كذبة، أو أتى صغيرة أو كبيرة من الذنوب فمات من غير توبة: فهو في النار خالداً مخلداً أبداً.. وهم قدرية جهمية مرجئة رافضة، لا يرون الجماعة إلا خلف إمامهم.. ولا يرون للسلطان عليهم طاعة، ولا لقريش عليهم خلافة. وأشياء كثيرة يخالفون عليها الإسلام وأهله. وكفى بقوم ضلالة: أن يكون هذا رأيهم ومذهبهم ودينهم وليسوا من الإسلام في شيء. ومن أسمائهم الحرورية وهم أصحاب حروراء (245) وأزراقة: وهم أصحاب نافع بن الأزرق.. والنجدية: وهم أصحاب نجدة بن عامر الحروري.. والاباضية.. والصفرية وغيرهم.. كل هؤلاء خوارج، فساق مخالفون للسنة، خارجون من الملة، أهل بدعة وضلالة)(246). وفرقة الخوارج قد انحرفت في مفهوم الولاء والبراء فهي لا تتولى من يدين بنحلتها القائمة على تكفير مرتكب الذنوب وخاصة الكبائر. وموقفهم من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم يتولون أبا بكر وعمر ويتبرأون من عثمان وعلي (247).

ص255

وخلاصة القول في الرد عليهم: أن أهل السنة والجماعة يتبرأون منهم بسبب بدعتهم الضالة. ولا يتولونهم في شيء.

أما الولاء والبراء بمفهومه الصحيح فهو ما عليه أهل السنة والجماعة، ولا يضيرهم أن الخوارج قالوا بقضية الولاء والبراء. لأن العبرة ليست في العناوين والشعارات بل في المفاهيم والتصورات التي توافق الكتاب والسنة أو تناقضها ومن هنا فإن ولاء الخوارج وبراءهم الذي يعتقدونه: إنما هو بحسب أهوائهم وليس متفقاً مع نصوص الكتاب والسنة.

معتقد الرافضة في الولاء والبراء

وأما الرافضة: فهم الذين يتبرأون من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ويسبونهم وينتقصونهم، ويكفرون الأئمة إلا أربعة: علي، وعمار، والمقداد، وسلمان (248).

وقال الأشعري: إنما سموا رافضة لرفضهم إمامة أبي بكر وعمر (249).

ولئن كان الخوارج قد انحرفوا في الأمور التي ذكرناها آنفاً عنهم:فإن الرافضة أيضاً لا يقلون جرماً عنهم حيث وقفوا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم موقفاً مشيناً، ولعبت بهم الأيدي اليهودية الممثلة في شخصية عبد الله بن سبأ التي أخذت تنصب خيالات من الحب الكاذب لآل البيت وتتبرأ من بقية أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعاديهم مع آل البيت براء مما ألصقه بهم هؤلاء الرافضة.

قال ابن كثير:

(إن الطائفة المخذولة – الرافضة – يعادون أفضل الصحابة ويبغضونهم ويسبونهم عياذاً بالله من ذلك. وهذا يدل على أن عقولهم معكوسة، وقلوبهم منكوسة فأين هؤلاء من الإيمان بالقرآن، إذ يسبون من رضي الله

ص256

عنهم (250)؟ أما أهل السنة فإنهم يترضون عمن رضي الله عنه، ويسبون من سبه الله ورسوله، ويوالون من يوالي الله ويعادون من يعادي الله. وهم متبعون لا مبتدعون) (251).

والرافضة تقول: لا ولاء إلا البراء أي لا يتولى أهـــل البيت حتى يتبرأ من أبي بكر وعمر. رضي الله عنهما! (252).

ترى أي ثقة أو أمانة أو دين تبقى في أناس يطعنون في أفضل شخصيتين إسلاميتين في الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

ولكن لا غرابة في ذلك من زمرة فضائحها في الكتب مسطورة فقد كانت الرافضة على طول تاريخها حرباً على أهل الإسلام، يوالون أعداء المسلمين من تتار وصليبيين وغيرهم. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: الرافضة توالي من حارب أهل السنة والجماعة، فهم يوالون التتار ويوالون النصارى. وقد كان بالساحل بين الرافضة وبين الفرنج مهادنة، حتى صارت الرافضة تحمل إلى قبرص خيل المسلمين وسلاحهم، وغلمان السلطان، وغيرهم من الجند والصبيان. إذا انتصر المسلمون على التتار أقاموا المآتم والحزن، وإذا انتصر التتار على المسلمين أقاموا الفرح والسرور. وهم الذين أشاروا على التتار بقتل الخليفة، وقتل أهل بغداد.

ووزير بغداد ابن العلقمي الرافضي هو الذي خامر على المسلمين وكاتب التتار، حتى أدخلهم أرض العراق بالمكر والخديعة، ونهى الناس عن قتالهم.

(وقد عرف العارفون بالإسلام: أن الرافضة تميل مع أعداء الدين، ولما كانوا ملوك القاهرة كان وزيرهم مرة يهودياً، ومرة نصرانياً أرمينياً، وقويت النصارى بسبب ذلك النصراني الأرميني، وبنوا كنائس كثيرة بأرض مصر في دولة

ص257

أولئك الرافضة المنافقين وكانوا ينادون بين القصرين: من لعن وسب فله دينار وإردب.

وفي أيامهم أخذت النصارى ساحل من المسلمين حتى فتحه نور الدين وصلاح الدين)(253).

ومن أحفادهم في الوقت الحاضر النصيرية الكافرة التي ابتلى بها المسلمون، وذلك أن كفرها أشد من كفر اليهود والنصارى كما قرر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره. وهم الذين كانوا أداة طيعة للاستعمار الفرنسي في غزوه لبلاد الشام. ويشنون اليوم حرباً شرسة على المسلمين في ديارهم وبعد:فإن أهل السنة والجماعة هم الذين يحبون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يفرطون في حب أحد منهم، ويتولونهم جميعاً ولا يتبرأون من أحد منهم، ويبغضون من يبغضهم ويرون أن حبهم دين وإيمان وإحسان وبغضهم كفر ونفاق وطغيان (254).

وهم براء من الخوارج والرافضة ومن كل الفرق الضالة.

ص259

الباب الثاني

من مقتضيات الولاء والبراء

ص261

من مقتضيات الولاء والبراء

سبق القول في أول البحث: أن الولاء أصله الحب، والبراء أصله: البغض، وينشأ عنهما من أعمال الجوارح ما يؤيد صدق ذلك الحب أو يكذبه وما يؤكد ذلك البراء أو ما يبطل زعمه.

والحب عنصر أصيل في التصور الإسلامي دليل ذلك قول المولى جل وعلا:

{إن الذين ءامنوا وعملوا الصلحت سيجعل لهم الرحمن وداً } [سورة مريم: 69].

وقوله: {إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ { [ٍسورة هود: 90].

وقوله {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ { [سورة البروج: 14].

وقوله: {الَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ { [سورة البقرة: 165].

ص262

وقوله: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ { [سورة آل عمران: 31].

ذلك أن نصاعة التصور الإسلامي في الفصل بين حقيقة الألوهية. وحقيقة العبودية لا تجفف ذلك النداء الحبيب بين الله وعباده، فهي علاقة الرحمة والعدل والود وليست كما يدعي أعداء الله: أن العلاقة بين العبد وربه علاقة جافة وعنيفة، علاقة قهر وقسر، وعذاب وعقاب، وجفوة وانقطاع!

{كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِبًا{ [سورة الكهف: 5].

وحب الله لعبد من عبيده أمر لا يقدر على إدراك قيمته إلا من عرف الله سبحانه بصفاته كما وصف نفسه وكما وصفه رسوله، وإلا من وجد إيقاع هذه الصفات في حسه ونفسه وشعوره.

حب العبد لربه نعمة لهذا العبد لا يدركها كذلك إلا من ذاقها. وإذا كان حب الله لعبد من عبيده أمراً هائلاً عظيماً، وفضلاً غامراً جزيلاً، فإن إنعام الله على العبد بهدايته لحبه، وتعريفه هذا المذاق هائل عظيم (1).

ومن نعمة الله على عباده المؤمنين أن جعل المحبة فيه هي الوشيجة العظمى بينهم، وهي المورد العذب الذي ينهلون منه جميعاً، ثم جعل سبحانه وجود المحبة للقوم ولما يلحق بهم المحب سبيلاً للحاق بهم يؤيد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم (المرء مع من أحب)(2) . وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: جاء رجل إلى رسول الله

ص263

صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله: كيف تقول في رجل أحب قوماً ولم يلحق بهم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (المرء مع من أحب) (3).

وعن أنس أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم متى الساعة يا رسول الله؟ قال ما أعددت لها؟ قال: ما أعددت لها من كثير صلاة ولا صوم ولا صدقة ولكني أحب الله ورسوله قال (أنت مع من أحببت) (4).

على أنه من الواجب ذكره هنا: أن هذا الحب ليس مجرد أماني أو أحلام تناقضها الأفعال القبيحة. أو (هرطقة) رقعاء الصوفية أو.. أو.. الخ وإنما هو حب بالقلب وعمل بالجوارح قال تعالى:

{لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا{ [سورة النساء:123].

وقال: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{ [سورة آل عمران: 31].

قال الحسن: لا تغتر بقولك: المرء مع من أحب إن من أحب قوماً اتبع آثارهم، ولن تلحق الأبرار حتى تتبع آثارهم، وتأخذ بهديهم، وتقتدي بسنتهم، وتمسي وتصبح وأنت على منهاجهم، حريصاً أن تكون منهم، وتسلك سبيلهم وتأخذ طريقهم وإن كنت مقصراً في العمل فإن ملاك الأمر أن تكون على

ص264

استقامة، أما رأيت اليهود والنصارى وأهل الأهواء الردية يحبون أنبياءهم وليسوا معهم لأنهم خالفوهم في القول والعمل، وسلكوا غير طريقتهم فصار موردهم النار؟(5)

والمحبة تنقسم إلى أربعة أقسام: (6)

(1) محبة شركية: وأصحابها هم الذين قال الله فيهم: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ {165}إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ {166} وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ{ [سورة البقرة: 165- 167].

(2) حب الباطل وأهله، وبغض الحق وأهله وهذه صفة المنافقين.

(3) محبة طبيعية: وهي محبة المال والولد إذا لم تشغل عن طاعة الله ولا تعين على محارم الله فهي مباحة.

(4) حب أهل التوحيد وبغض أهل الشرك: وهي أوثق عرى الإيمان، أعظم ما يعبد به العبد ربه.

ص265

وما دامت المحبة في الله هي أوثق عرى الإيمان كما ورد في الحديث أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله (7) فإن الطريق الموصل إليها وإلى موالاة الله عز وجل هو: اتباع شرعه الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، وبغير هذا الطريق تكون دعوى الولاية كاذبة كما كان المشركون يتقربون إلى الله تعالى بعبادة من يعبدونه من دونه كما قال الله عنهم {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى{ [سورة الزمر: 3].

وكما حكى عن اليهود والنصارى أنهم قالوا:

{نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ {[سورة المائدة: 18].

مع إصرارهم على تكذيب رسله وارتكاب مناهيه وترك فرائضه (8).

ومتى امتلأ القلب بعظمة الله تعالى محا ذلك من القلب كل ما سواه، ولم يبق للعبد شيء من نفسه وهواه وإرادته إلا لما يريده منه مولاه، فإذا تحقق القلب بالتوحيد التام لم يبق فيه محبة لغير الله، ولا كراهة لغير ما يكره الله، ومن كان كذلك لم تنبعث جوارحه إلا بطاعة الله، وإنما تنشأ الذنوب من محبة ما يكرهه الله، أو كراهة ما يحبه الله وذلك ينشأ من تقديم هوى النفس على محبة الله وخشيته (9).

ويصور شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عظمة محبة الله ولذتها فيقول: (إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة). وقال بعضهم: مساكين أهل الدنيا خرجوا من الدنيا وما ذاقوا أطيب ما فيها، قالوا: وما أطيب ما فيها؟

ص266

قال: محبة الله، والأنس به، والشوق إلى لقائه، والإقبال عليه، والإعراض عما سواه (10).

أما البغض في الله فهو أمر ملازم للحب في الله لا ينفصل عنه، لأن المحب يحب ما يحب محبوبه، ويبغض ما يبغض محبوبه، ويوالي من يوالي محبوبه، ويعادي من يعادي محبوبه، ويرضى لرضاه، ويغضب لغضبه، ويأمر بما يأمر به، وينهى عما نهى عنه فهو موافق له في ذلك.

ومعلوم أن من أحب الله المحبة الواجبة فلا بد أن يبغض أعداءه، ولا بد أن يحب ما يحبه من جهادهم كما قال تعالى:

{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ{ [سورة الصف: 4].

وقد وصف المولى سبحانه وتعالى عباده الذين يحبهم ويحبونهم فقال:

{أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ{ [سورة المائدة: 54].

أي إنهم يعاملون المؤمنين بالذلة واللين وخفض الجناح، ويعاملون الكافرين بالعزة والشدة عليهم، والغلظة. فهم يحبون من أحبه الله فيعاملونه بالمحبة والرأفة واللين، ويبغضون أعداء الله الذين يعادونه فيعاملونهم بالشدة والغلظة كما قال تعالى:

{أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ { [سورة الفتح: 29].

ص267

{يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ{(11) [سورة المائدة: 54].

وأعداء الله لهم البغض ولهم من المؤمنين الجهاد

{قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ { [سورة التوبة: 14].

ومن هنا فإن من مقتضيات الولاء والبراء: حق المسلم على المسلم. فما هو ذلك الحق؟

ص269

الفصل الأول

حق المسلم على المسلم

قلنا: أن المحبة في الله هي الوشيجة العظمى التي التقى عليها المؤمنون، ويلتقون عليها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. وعلى هذه الوشيجة تنبني حقوق المسلم على المسلم، وهي كثيرة جداً: النصرة، والمودة والزيارة، والإكرام، والسلام، وحماية العرض، والمواساة وغير ذلك مما هو منصوص عليه في الكتاب والسنة.

ولكن الحقوق التي أتحدث عنها هي ما يتعلق بموضوع البحث. ومن هذه الحقوق:

(1) المودة: وهذه للمؤمنين من بعضهم لبعض، فليس للكافر ولا للفاسق ولا للمبتدع فيها نصيب، ومن هذه المودة حب المسلم لأخيه المسلم ما يحب لنفسه كما قال صلى الله عليه وسلم (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) متفق عليه(12).

(2) النصرة: وهذه واجب أخوي إيماني على كل مسلم لأخيه المسلم من أي جنس كان وفي أي أرض حل، وبأي لون كان، ينصره بنفسه وبماله وبالذب عن عرضه ولذلك ورد التهديد لمن يترك ذلك وهو قادر عليه. قال صلى الله عليه وسلم (ما من امرئ يخذل امرءاً مسلماً في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته وما من امرئ ينصر مسلماً في

ص270

موضع ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب نصرته)(13).

وقد امتدح سبحانه وتعالى الأنصار رضوان الله عليهم في نصرتهم لإخوانهم المهاجرين فقال سبحانه:

{وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا{ [سورة الأنفال: 74].

ومن الأوامر النبوية في شأن النصرة قوله صلى الله عليه وسلم (انصر أخاك ظالماً و مظلوماً)(14). ونصرته إذا كان مظلوماً ظاهرة أما نصرته إذا كان ظالماً فبردعه عن الظلم ومنعه. وقال صلى الله عليه وسلم (المسلم أخو المسلم لا يظلمه، ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله عز وجل في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة. ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة) متفق عليه (15).

والمسلم داخل المجتمع الإسلامي ما هو إلا عضو عامل كأي عضو من أعضاء الجسد فإذا حصل لهذا مرض أو اختل عمله تأثر لذلك بقية الجسد، ويصور ذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم في قوله الكريم. (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً)(16). وقوله (ترى المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)[5] وقال أيضاً: (المؤمن مرآة أخيه، والمؤمن أخو المؤمن يكف عليه ضيعته، ويحوطه من ورائه)(18).

ص271

ولو أردنا تتبع كل النصوص في هذا الشأن لطال الحديث أكثر من هذا وسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم وأصحابه وخير القرون بعده والذين سلكوا سبيله واهتدوا بهديه على مدار التاريخ الإسلامي: تؤكد هذه الحقيقة الهامة.

ولقد كان التحام المسلمين ونصرة كل منهم لأخيه مثالاً فريداً في تاريخ التلاحم والتواصل والتناصر سواء على مستوى الأمة أم الأفراد. حيث حققوا الموالاة والمعاداة على أوضح صورهما.

ولن ينتصر المسلمون إلا إذا تحقق فيهم – بعد صفاء العقيدة ووضوحها – حب المسلم لأخيه كحبه لنفسه، وشعوره بآلام أخيه كشعوره بما يصيبه هو، وحب نصرته كما يحب أن ينصره هو، والله ينصر من ينصره إن الله لقوي عزيز.

وتتحقق النصرة بعدة أمور منها: الدفاع بالنفس عن الأخ المسلم وكسر شوكة الظالمين وبذل المال له لإعزازه وتقوية جانبه، والذب عن عرضه وسمعته والرد على أهل الباطل الذين يريدون خدش كرامة المسلمين. والدعاء للمسلم بظاهر الغيب بالنصر والتوثيق وتسديد الخطى وتتبع أخبار المسلمين في أنحاء المعمورة والوقوف على أحوالهم ودعمهم بقدر الاستطاعة.

وكل هذه الأمور تحقق للإنسان ولاءه لإخوانه المسلمين وتجعله عضواً عاملاً صالحاً في جسم الكيان الإسلامي.

ص272

(136) الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية (2/30-32) .

(137) تفسير القرطبي (20/225) .

138تفسير القرطبي (20/225) .

(139) السيرة لابن هشام (2/70 – 71) .

(140) هو مصعب بن عمير بن هاشم نشأ في بيت ثري ، مدللاً غاية الدلال ، وكان يعرف بأنه أعطر أهل مكة ثم أسلم فانقلبت تلك النعومة إلى خشونة ورجولة كان من السابقين للإسلام ومن المهاجرين للحبشة في الهجرة الأولى ، ثم هاجر للمدينة ، وشهد بدراً وحمل اللواء في أحد فاستشهد ، وفي الصحيح أن مصعباً لم يترك إلا ثوباً فكان إذا غطوا رأسه خرجت رجلاه ، وإذا غطوا رجليه خرج رأسه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اجعلوا على رجليه شيئاً من الأذخر) ، انظر صحيح البخاري كتاب الجنائز (3/142 ح 1276) والاستيعاب لابن عبد البر ج (3/468) والاصابة لابن حجر (ج 3/421) ومصعب بن عمير للأستاذ محمد بريغش وغير ذلك من كتب السير .

(141) السيرة لابن هشام (2/76) .

(142) فقه السيرة للشيخ محمد الغزالي (ص157) .

(143) هو البراء بن معرور الخزرجي الأنصارى أول من بايع وأول من استقبل القبلة وأول من أوصى بثلث ماله ، وأحد النقباء من الأثنى عشر . انظر الإصابة (ج1/144) والأعلام للزركلي (1/47) الطبعة الرابعة . والحديث في المسند (3/461) .

(144) أي نساءنا .

(145) أي السلاح .

(146) أبو الهيثم بن التيهان : مالك بن عتيك الأنصاري الأوسي : أحد النقباء . آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين عثمان بن مظعون وشهد المشاهد كلها وهو القائل في رثاء رسول الله صلى الله عليه وسلم " لقد جدعت آذاننا وأنوفنا غداة فجعلنا بالنبي محمد " توفي فى خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه في المدينة سنة عشرين . انظر الاستيعاب (4/200) والإصابة (4/212) والمعارف لابن قتيبة (ص270) تحقيق ثروت عكاشة والأعلام للزركلي (5/258) .

(147) السيرة لابن هشام : (2/84 – 85) والحديث في المسند (ج2/274) طبعة الساعاتي مع الفتح الرباني .

(148) السيرة لابن هشام : (2/84 – 85) والحديث في المسند (ج2/274) طبعة الساعاتي مع الفتح الرباني .

(149) أسعد بن زرارة . أبو أمامه الأنصاري الخزرجي النجاري ، شهد العقبتين وكان نقيباً على قبيلته . ذكر الواقدي أنه مات على رأس تسعة أشهر من الهجرة . وقال البغوي : بلغني أنه أول من مات من الصحابة بعد الهجرة وأنه أول ميت صلى عليه النبى صلى الله عليه وسلم . قال ابن حجر : وقد اتفق أهل المغازي والتواريخ أنه مات في حياة النبي صلى الله عليه وسلم قبل بدر . الإصابة (1/34) .

(150) مسند أحمد (3/322 ، 339 ، 394) والحاكم (2/624 – 625) والبيهقي في السنن الكبرى (9/9) .

(151) فقه السيرة للشيخ الغزالي (ص 161) .

(152) صحيح البخاري : كتاب الأدب (10/442 ح 6026) وصحيح مسلم كتاب البر والصلة (ج4/1999 ح 2585) .

(153) انظر زاد المعاد (3/43) تحقيق الأرنؤوظ .

(154) انظر السيرة النبوية لابن هشام (ج 2/124 – 127) وزاد المعاد (3/50 – 51) .

(155) زاد المعاد (3/63) .

(156) بتصرف : منهج التربية الإسلامية : (2/40-41) .

(157) سبق تخريجه .

(158) صحيح البخاري (10/438 ح 6011) كتاب الأدب ومسلم (4/1999 ح2586) كتاب البر واللفظ للبخاري .

(159) صحيح البخاري (1/62 ح17) كتاب الإيمان وصحيح مسلم (1/85 ح 74) كتاب الإيمان واللفظ للبخاري .

(160) صحيح البخاري (7/113 ح 3783) كتاب المناقب وصحيح مسلم (1/85 ح 75) كتاب الإيمان . واللفظ للبخاري .

(161) صحيح البخاري (10/463 ح 6041) كتاب الأدب وصحيح مسلم (1/66 ح 43) كتاب الإيمان واللفظ للبخاري .

(162) صحيح البخاري كتاب (7/112 ح 3780) مناقب الأنصار .

(163) فقه السيرة للشيخ الغزالي (ص 193) .

(164) منهج التربية الإسلامية للأستاذ محمد قطب (2/69) .

** الظلال : (ج6/3526) .

(165) السيرة النبوية لابن هشام (2/147) .

(166) المسند بشرح البنا : (21/10) .

(167) السيرة لابن هشام (2/147) .

(168) الدسيعة : العظيمة .

(169) السيرة لابن هشام (2/148 – 149) .

(170) زاد المعاد (3/126) .

(171) انظر : تفسير الطبري (4/23) وأسباب النزول للواحدي (ص 66) وأحكام القرآن للقرطبي (4/155) . وتفسير البغوي (1/389) .

وقد بذلت جهدي في تخريج الحديث من المصادر الأصلية فلم أعثر على ذلك فجزى الله من وجد تخريج هذا الحديث ونبهني إلى ذلك خير الجزاء

(172) انظر طريق الهجرتين وباب السعادتين لابن القيم (ص 402 – 408) الطبعة الأولى سنة 1375 هـ السلفية بمصر .

(173) المنافقون في القرآن الكريم للأستاذ عبد العزيز الحميدي (ص 116) .

(174) انظر : إغاثة اللهفان لابن القيم (ص 190 ) تحقيق الفقي .

(175) هناك رسالة قيمة للأستاذ عبد العزيز الحميدي بعنوان المنافقون في القرآن لعلها من أحسن ما كتب في هذا الموضوع . وهي موجودة بالدراسات العليا بكلية الشريعة بمكة المكرمة وانظر أيضاً كتاب : النفاق آثاره ومفاهيمه للشيخ عبد الرحمن الدوسري رحمه الله .

(176) أسباب النزول للواحدي (ص 235) وتفسير القرطبي (17/304) .

(177) صحيح البخاري كتاب التفسير (8/652 ح 4907) وصحيح مسلم (4/1999 ح 2584) كتاب البر واللفظ له .

(178) السيرة لابن هشام (2/292) وتفسير بن كثير (8/159) ولم يخرجه – فيما أعلم - إلا ابن اسحاق .

(179) من صفته صلى الله عليه وسلم أنه يسوق أصحابه . أي يقدمهم ويمشي خلفهم تواضعاً ولا يدع أحداً يمشي خلفه .

(180) تفسير ابن كثير (8/159) .

(181) انظر تفسير ابن كثير (ج 4/100) .

(182) انظر : سبيل الدعوة الإسلامية . د . محمد أمين المصري (ص 113) ط - 1 / سنة 1400 هـ دار الأرقم بالكويت .

(183) انظر : منهج التربية الإسلامية للأستاذ محمد قطب (2/70) .

(184) اذكر منهم شيخ الإسلام ابن تيمية والعلامة ابن القيم والشيخ محمد ابن عبد الوهاب وتلاميذه ، ومن المعاصرين الاستاذين الجليلين أبو الأعلى المودودي وسيد قطب والشيخ سليمان بن حمدان رحمهم الله . وغيرهم ممن لا يحضرني ذكره الآن .

(185) زاد المعاد : (3/158 –160) .

(186) تفسير ابن كثير (3/597) .

(187) انظر "معالم في الطريق": "فصل الجهاد في سبيل الله في وطريق الدعوة في " ظلال القرآن" (1/289) .

(188) صحيح البخاري : كتاب التفسير ، تفسير سورة التوبة (8/317 ح 4655)

(189) تفسير ابن كثير (4/73) .

(190) تفسير الطبري (26/100) وانظر أحكام أهل الذمة لابن القيم (1/69) .

(191) سنن أبي داود (3/105 ح 2645) كتاب الجهاد والترمذي في السير (5/329 ح 1604) قال الألباني : هو حديث حسن . انظر صحيح الجامع الصغير (2/17 ح 1474) .

(192) زاد المعاد (3/161) .

(193) صحيح البخاري كتاب التفسير ، تفسير سورة الحشر (ج 8/629 ح 4882) .

(194) تفسير ابن كثير (4/132) .

(195) أسباب النزول للواحدي (ص 236) وتفسير ابن كثير (8/79) .

(196) للاستزادة في هذا أنظر أحكام القرآن للقرطبي (17/307) .

(197) انظر الظلال (6/3514 – 3516) .

(198) ابن كثير (4/66) .

(199) أحكام القرآن للقرطبي (8/94) .

(200) أحكام القرآن للقرطبي (8/94) .

(201) الظلال (3/1615) بتصرف .

(202) الدرر السنية (7/201) والهدية الثمينة للشيخ عبد الله السليمان بن حميد (ص17) .

(203) الرسائل المفيدة للشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ (ص43) .

(204) رسالة العبودية لابن تيمية (95 – 96) .

(205) الصارم المسلول على شاتم الرسول لابن تيمية : 371 .

(206) من أحسن من كتب في ذلك الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وأبناؤه ، لذلك فمعظم هذه الصور منقولة من كتبه .

(207) انظر نواقض الإسلام في مجموعة التوحيد (ص129) مطبعة الحكومة بمكة .

(208) شذرات البلاتين (1/354) (رسالة الأمر بالمعروف)

(209) تفسير الطبري (3/228) .

(210) المصدر السابق (6/277) .

(211) المحلى : (13/35) تحقيق حسن زيدان سنة 1392 هـ الناشر مكتبة الجمهورية العربية بمصر .

(212) انظر الإيمان لابن تيمية (ص14) طبع المكتب الإسلامي .

(213) أحكام أهل الذمة لابن القيم (1/67 ، 69) .

(214) في ظلال القرآن : بتصرف (2/909 – 910) وسيرد مزيد من التفصيل إن شاء الله عند الحديث عن زمالة الأديان !

(215) انظر فتاوي ابن تيمية (28/199 – 201 ) .

(216) هناك كتاب أجلاء أفاضوا الحديث في هذه القضية منهم الأساتذة : د. محمد البهي والأستاذ سيد قطب والأستاذ محمد قطب والأستاذ المودودي وغيرهم . ومن أراد التفصيل الدقيق فعليه بمراجعة كتاب العلمانية وآثارها في العالم الإسلامي للأخ الأستاذ سفر بن عبد الرحمن الحوالي .

(217) الإيمان : (ص13) .

(218) : تفسير القرطبي : (9/108) وانظر البغوي والخازن (3/256) أما البيت فهو لطرفة بن العبد .

(219) المصدر السابق .

(220) مجموعة التوحيد (ص 117) دار الفكر .

(221) صحيح البخاري (13/300ح 7320) كتاب الاعتصام وصحيح مسلم (4/2054 ح 2669) كتاب العلم واللفظ للبخاري .

(222) أخرجه الحاكم في مستدركه (1/62) كتاب الإيمان . وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي في تلخيصه .

(223) أسباب النزول للواحدي (ص 68) .

(224) انظر تفسير البغوي (1/409) وابن كثير (2/89) .

(225) كتاب الأدب (5/168 ح 4833) وفي المسند (16/178 ح 8398) طبعة : شاكر والترمذي في الزهد (7/111 ح 2379) وقال هذا حديث حسن غريب .

(226) مجموعة التوحيد (ص 117) .

(227) تفسير ابن كثير(3/322) .

(228) تفسير الطبري (5/330) .

(229) رواه أحمد (في المسند) (ح 8/80 ح 5705) بتحقيق أحمد شاكر وصحيح البخاري (8/125 ح 4419) كتاب المغازي وصحيح مسلم (4/2185 ح 2980) كتاب الزهد .

(230) أحكام أهل الذمة لابن القيم (1/242 – 244) بتصرف بسيط .

(231) مجموعة التوحيد (ص 117) .

(232) مجموعة التوحيد (ص 117) .

(233) تفسير ابن كثير : (6/210) وقد سبق الحديث عنهما .

(234) مجموعة التوحيد (ص117) ورسائل سعد بن عتيق (ص 101) .

(235) تحفة الإخوان للشيخ حمود التويجري (ص 19) الطبعة الأولى / مؤسسة النور بالرياض .

(236) صحيح مسلم : (4/1707 ح 2167) كتاب السلام وأبو داود في الأدب (5/384 ح 5205) .

(237) الرسائل المفيدة للشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ (ص 64) .

(238) أبو داود (3/224 ح 2787) كتاب الجهاد قال الألباني : حديث حسن ، وانظر صحيح الجامع الصغير (6/279 ح 6062) .

(238) الحاكم في المستدرك (2/141) وقال صحيح على شرط البخاري ووافقه الذهبي .

(239) الإيمان . حقيقته . أركانه . نواقضه للدكتور محمد نعيم ياسين (ص 147) .

(240) يراجع كتاب الأستاذ محمد قطب : التطور والثبات في حياة البشرية فصل : اليهود الثلاثة (ص35) وكتاب هل نحن مسلمون (ص133) وكتاب مذاهب فكرية معاصرة .

(241) الردة بين الأمس واليوم (ص33) .

(242) المصدر السابق (ص40) .

(243) انظر الإيمان للدكتور محمد نعيم ياسين (ص 147 – 148) .

(244) حبذا مراجعة كتاب (هل نحن مسلمون) (ص47) .

(245) قرية بالكوفة كانت بها وقعة على الخوارج بقيادة نجدة بن عامر . وانظر هامش السنة للإمام أحمد (ص84) وكتب الفرق .

(246) كتال السنة للإمام أحمد (ص83 – 85) تصحيح إسماعيل الأنصاري (بتصرف بسيط) .

(247) التنبيه والرد للملطي (ص53) .

(248) السنة للإمام أحمد : (ص82) . وفي قوله :يكفرون الأئمة الأربعة نظر فلعل الصواب : ويتولون .

(249) مقالات الإسلاميين (1/89) .

(250) يشير إلى قوله تعالى (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه) [سورة التوبة : 100] .

(251) التفسير (4/142) .

(252) شرح الطحاوية (ص 532) .

(253) الفتاوى (ج 28/636 – 637) .

(254) انظر الطحاوية مع شرحها (ص 528) وقد اطلعت – بعد كتابة هذا الكتاب – على كتاب قيم يكشف أستار الشيعة ويفضحهم في عصرنا الحاضر وخصوصاً زعيمهم (الخميني) ذلك الكتاب هو (وجاء دور المجوس) لمؤلفه الدكتور عبد الله محمد الغريب وهو كتاب قيم في موضوعه فليراجعه من شاء ليستبين زيف باطلهم وخططهم ضد أهل السنة والجماعة ؟ .

(1) بتصرف . الظلال (2/918 – 191) .

(2) صحيح البخاري كتاب الأدب باب علامة الحب في الله (10/577 ح 6168) .

(3) صحيح البخاري كتاب الأدب باب علامة الحب في الله (10/557 ح 6169) وصحيح مسلم (4/2034 ح 2640) كتاب البر .

(4) صحيح البخاري كتاب الأدب باب علامة الحب في الله (10/557 ح 6171) وصحيح مسلم (4/2032 ح 2639) كتاب البر .

(5) الحكم الجديرة بالإذاعة من قول النبي : بعثت بالسيف بين يدي الساعة لابن رجب (ص133) تحقيق محمد حامد الفقي .

(6) ذكر ذلك الإمام محمد بن عبد الوهاب : مجموعة التوحيد (ص17) طبعة دار الفكر .

(7) سبق تخريجه .

(8) انظر جامع العلوم والحكم لابن رجب (ص 316) .

(9) انظر جامع العلوم والحكم (ص320) .

(10) مدارج الساكين (1/454) .

(11) انظر جامع العلوم والحكم (ص317) .

(12) صحيح البخاري (1/57 ح 13) كتاب الإيمان وصحيح مسلم (1/67 ح 45) كتاب الإيمان .

(13) أبو داود في (5/197 ح 4884) كتاب الأدب والمسند (4/30) قال الألباني : حديث حسن ، انظر صحيح الجامع الصغير (5/160 ح 5566) .

(14) صحيح البخاري : (5/98 ح 2443) كتاب المظالم .

(15) صحيح البخاري (ج 5/97 ح 2442) كتاب المظالم ومسلم (4/1996 ح 2580) كتاب البر والصلة .

(16) سبق تخريجه 187 .

(17) سبق تخريجه .

(18) الأدب المفرد للبخاري (ص70) وأبي داود في (5/217 ح 4918) كتاب الأدب والحديث حسن انظر صحيح الجامع الصغير (6/6 ح 6532) .