الولايات المتحدة وزراعة الكيان الصهيوني

الولايات المتحدة وزراعة الكيان الصهيوني

من يقرأ تاريخ الولايات المتحدة وتكونها الثقافي و الديني و التاريخي ، لا يستغرب هذا الاحتضان الشديد ، و الحماية المطلقة ، و الدعم اللامحدود للكيان الصهيوني من قبل الادارات الامريكية المتعاقبة سواء اكانت جمهوية ام ديموقراطية ، و خيبة الامل المتتالية لدى العرب واصدقائهم من تغيير امريكي ولو بسيط تجاه الحقوق المشروعة للشعب العربي الفلسطيني ، بل ما يراه العربي و اغلب الباحثين و المراقبين ان الادارة الامريكية مع مرور السنين اصبحت على يمين الحركة الصهيونية ، بل اشد غلواً وتطرفاً من اليمين الصهيوني تجاه القضية الفلسطينية واعادة الاراضي العربية المحتلة .‏

فالمهاجرون الاوائل الى القارة الامريكية وخاصة الى الولايات المتحدة كانوا يحملون ثقافة دينية توارتية ، فغالبيتهم ينتمون للمذهب البروتستانتي ، الذي يتخذ من التوراة ( العهد القديم ) المنهج الاساسي في الايمان و العقيدة ، مما اوحى اليهم ان الارض التي هاجروا اليها هي الارض الموعودة من الرب ، وعليهم تطهيرها من الكفار ، وهكذا حدثت عمليات الابادة الوحشية للسكان الاصليين للقارة الامريكية ( الهنود الحمر ) حيث قتل عشرات الملايين منهم في ابشع صور من السحق النوعي البشري في التاريخ .‏

كما حمل المهاجرون من غرب اوربا ثقافة صليبية معادية لكل من لا يحمل ما يعتقدون ، او ما يخالفهم في المذهب ، لهذا كانوا يطلقون بشكل متكرر على كل حرب شنوها ضد المخالف لهم اسم الحرب الصليبية ، فالحروب التي شنت على العرب بعد استقلال الولايات المتحدة ، و التي عرفت ب ( حرب السنوات الاربع ) ضد الدول العربية المغاربية ليبيا وتونس و الجزائر و المغرب ما بين اعوام ( 1801-1805) و التي لا يزال نشيد البحرية الامريكية يتغنى بها الى يومنا هذا و يقول :( من تلال مونت يسوما الى سواحل طرابلس . في السماء و في الارض . في البحر . خضنا معارك الوطن ) .‏

هذه الثقافة التي عبر عنها جورج بوش الجد ، الذي كان يعمل استاذاً للغة العبرية ،وواعظاً في احدى الكنائس ، في كتابه الذي صدر عام 1930 بعنوان ( محمد مؤسس امبراطورية الاسلام ) فاعتبر محمد صلى الله عليه وسلم دعّياً ، و الاسلام هرقطة ، و المسلمين جرذاناً وحشرات وافاعي يستحقون الموت .‏

هذه الثقافة التي احتضنت الفكر المأسوني مبكراً ، فكان معظم قادة الاستقلال الامريكي من الماسونيين ، وعلى رأسهم جورج واشنطن الذي ترأس المحفل الماسوني في واشنطن ، ومن ينظر الى الدولار سيجد بصمات الماسونية واضحة ولا تحتاج الى شرح ، كما احتضنت تلك الثقافة آخر بقايا الحروب الصليبية ، وهم فرسان مالطا ، و قدموا لهم كل الرعاية ، حتى غدت لهم دولة سميت ( النظام العسكري لدولة فرسان مالطا ) تعترف بها اغلب دول العالم ، دولة لا تملك ارضاً و لا سكاناً ، كما انضم الى تنظيمهم علية القادة السياسيين من اليمن المتطرف من جورج بوش الجد الى رونالد ريغان وصولاً الى الرئيس جورج بوش الابن ، فكان لفرسان مالطا دوراً هاماً في التأجيج العنصري ضد السود ، من خلال التلاحم المشترك بينهم و بين المنظمة العنصرية كلو كلوس كلان ضد السود و الاسريين .‏

من تلك الثقافة لعبت الولايات المتحد دوراً هاماً في زراعة الكيان الصهيوني على ارض فلسطينة على حساب الشعب العربي الفلسطيني ، فالجناح اليمني المسيحي الصهيوني يرى من خلال معتقداته الدينية بضرورة تجميع اليهود في فلسطين ، ليعيدوا بناء الهيكل المزعوم مكان المسجد الاقصى ، اعتقاداً منهم بأن بناء الهيكل ينزل السيد المسيح عليه السلام من السماء .‏

من دلائل على هذه الثقافة ومدى عمقها في المعتقد لدى اصحاب القرار في الولايات المتحدة ، ما حدث قبيل الحرب على العراق في آذار 2003 حين جرى اتصالاً بين الرئيس جورج بوش و الرئيس جاك شيراك الذي كان يرفض شن الحرب على العراق ، لعدم وجود المبرر الكافي لشنها ، فحين عجز بوش بإقناع شيراك على وجود اسلحة الدمار الشامل في العراق ، قال له : ( ان لم نقم بالحرب على العراق ، فإن جيش يأجوج و مأجوج سيزحف من بابل ليدمر دولة اسرائيل الكبرى) من تلك الذهنية الاسطورية التوراتية اتى كلام جورج بوش ، التي تقول بأن جيشاً سيزحف من العراق ليدمر اسرائيل مرة اخرى ، ثقافة بدأت كما اشرنا منذ بدء وصول المبشرين للقارة الامريكية ، و منها انطلقت الادارة الامريكية منذ بداية القرن الماضي لزرع كيان يهودي على ارض فلسطين دون النظر الى مصير سكانها الاصليين ، او ان يكون مصيرهم كمصير الهنود الحمر ، بعد دخلوا بلادهم بعد اكتشاف القارة الامريكية .‏

من خلال المراجعة المراجعة التاريخية لدور الولايات المتحدة في زراعة الكيان الصهيوني ، نجد انه منذ عام 6191 من خلال الرسائل التي كان يرسلها الرئيس الامريكي ( وودرو ويلسون ) الى الحكومة البريطانية لاصدار اعلان بقيام دولة لليهود في فلسطين والتي نتج عنها بياناً للحكومة البريطانية في نيسان عام 1971اعتبر فلسطين وطناً قومياً لليهود وسمحت لهم بالهجرة إلى فلسطين ولم يكتف به الرئيس ويلسون بل طالب بوعد واضح حتى عرض عليه مسودة لوعد بريطاني لليهود يمنحهم فلسطين اعدتها مجموعة صهيونية برئاسة القاضي الصهيوني ( لويس براندايس ) صديق ويلسن وهو وعد بلفور التي صدر في تشرين الثاني 1917 فوافق الرئيس ويلسن عليه.‏

وبعد صدور الوعد المشؤوم دعمت الولايات المتحدة مادياً ومعنوياً عمليات الهجرة الواسعة للصهاينة لفلسطين وغدت الحاضن والداعم للحركة الصهيونية وهذا ماأشار إليه ديفيد بن غوريون في عام 1940 قائلاً : ( أما أنا فلم أكن أشك في أن مركز الثقل بالنسبة لعملنا السياسي كان أن انتقل من بريطانيا إلى الولايات المتحدة التي كانت احتلت المرتبة الاولى في العالم كدولة كبرى )‏

ويذكر حاييم ويزامن رئيس الحركة الصهيونية الاسبق في كتابه ( مولد إسرائيل ) عما لاقاه من الرئيس روزفلت من دعم للكيان الصهيوني بعد أن قام بزيارتين للولايات المتحدة تمت في عام 1942 بدعوة من روزفلت فقال :‏

( كان الرئيس روزفلت إيجابيا للغاية كان بالطبع ملماً بالمسألة العربية إلماماً تاماً إلا أنه ركز كلامه على ابن سعود الذي اعتقد أنه متعصب وأنه ليس من السهل التفاهم معه ومن ناحية أخرى عبر السيد ويلز الذي حضر المقابلة عن اعتقاده بأن أمريكا على استعداد للاسهام في إقامة الوطن القومي لليهود إسهاماً مالياً ورعت الولايات المتحدة رعاية كاملة مابين أعوام 1943 - 1948‏

نشوء الكيان الصهيوني فضغطت على الحكومة البريطانية على فتح أبواب فلسطين للهجرة اليهودية ، وكان هذا الضغط شديداً في عام 1945 ، حين أصدرت بريطانيا قراراً بالسماح فقط ل ( 1500 ) يهودي بالهجرة لفلسطين ، فاستشاط الرئيس ترومان غضباً ، فطلب من الحكومة البريطانية بفتح ابواب الهجرة ل( 100000 ) مئة ألف مهاجر يهودي .‏

كما مارس ترومان في عام 1947 ضغطاً شديداً على بريطانية لإحالة القضية الفلسطينية الى الأمم المتحدة ، ليحقق للصهاينة الكيان المشؤوم باعتراف دولي عبر الأمم المتحدة ، فكان للولايات المتحدة الدور الأساسي في صدور قرار تقسيم فلسطين ، ثم تتابع في إعلان الكيان الصهيوني 15 أيار 1948 ، وكانت الولايات المتحدة الدولة الثانية بعد ساعات فقط من إعلان الكيان بعد الاتحاد السوفيتي .‏

وبعد إعلان الكيان الصهيوني مدت الولايات المتحدة له كل أسباب البقاء المادي والمعنوي ، فإلى جانب الأسلحة المختلفة من الفردية والتقليدية الى الطائرات على مختلف أنواعها وأحدثها والصواريخ والمضادة للصواريخ ، وكل ما تنتجه مصانع السلاح من حديثه ومتطورة الى صناعة السلاح النووي ، وأغلبها هبات مجانية يتحملها دافع الضرائب الأمريكي .‏

ولا تختلف الإدارات الأمريكية مهما كان الانتماء الحزبي والسياسي لها ، منذ بدء الاغتصاب الصهيوني لفلسطين وحتى اليوم عن إعلان استراتيجية ثابتة ودائمة لتلك الإدارات تقول :‏

( يجب أن تكون إسرائيل أقوى من الجيوش العربية مجتمعة ) .‏

كما مدت الولايات المتحدة الكيان الصهيوني بمساعدات مالية مجانية بمليارات الدولارات سنوياً ، وقدرت التقارير الدولية المبالغ التي قدمت للكيان الصهيوني من الإدارات الأمريكية حتى يبقى حياً وقوياً ما بين أعوام 1948 الى 1989 بلغت حوالي‏( 64 ، 9760 ) مليار دولار .‏

ومن المعروف أن المساعدات المالية التي يقرها الكونغرس الأمريكي للكيان سنوياً تتجاوز ( الثلاث مليارات ) دولار ، حتى غدا متوسط دخل الفرد الصهيوني يوازي متوسط دخل الدول الأوربية الغنية ، بل يفوق متوسط دخل الخليجي البترولي .‏

قد يتساءل القارىء لماذا يتقبل دافع الضرائب الأمريكي تقديم هذه المبالغ مجاناً ؟ فالإجابة تكون للمكون الثقافي والديني ، ثم القوى الرأسمالية الأمريكية السياسية والعسكرية التي تعتبر الكيان الصهيوني المخفر المتقدم لها لتحقيق مشاريع الهيمنة على المنطقة ، وهذ ما قاله الباحث اليهودي ( إسرائيل شاحاك ) الذي وصف وظيفة إسرائيل بالوكيل ( الخولي ) للإقطاعي : ( الذي يجعل الخولي مفيداً للسيد الإقطاعي ، إنه غالباً مفيد منه لأنه .. يملك قوة عسكرية مستقلة مخلصة ، وحتى إذا لم تستخدم هذه القوة في الحرب ، فيمكنها ان تهدد الاتباع الآخرين ). واعترف شاحاك ان أمريكا تستخدم الكيان الصهيوني كمخلب لها للهيمنة على العرب وثرواتهم ، وتستثمر قوته لمصالحها ، فقال ( 00 والمصلحة لأمريكا في الشرق الأوسط هي السيطرة البترولية ، المهمة أيضاً كحلفائها في أوربا والشرق الأقصى . وحتى الآن همها هو منع دول الشرق الوسط الاخرى أو الحركات الشعبية من قلقلة الوضع الملائم لها 0)‏

الثقافة الدينية التي أشرنا إليها التي يحلمها أغلبية اليمين الامريكي ، يرى ما يقدمه الى الكيان الصهيوني هو إرضاء الله وبما يطلبه منه كما ورد في ا لكتاب المقدس ( العهد القديم ) تعويضاً لليهود مما أصابهم من الآلآم والمآسي ولارضاء الله عليه الاسراع في بناء الهيكل المزعوم بدعم اليهود ،حتى يعود المسيح الى الأرض ليسود الايمان ويقضي على الكفار وينتشر السلام .‏

وقد استغل الصهاينة المكون الثقافي والديني لليمين الامريكي ،الذي اشرنا اليه ،فامتدت أذرعه الى كل مرافق الحياة الامريكية السياسية والاقتصادية والمالية والتربوية ،وغدت المنظمات الصهيونية أكثر قدرة على صناعة القرار السياسي في الولايات المتحدة الامريكية في خدمة الكيان الصهيوني وعلى رأسها ايباك ،وأبرز مظاهر تلك الهيمنة التنافس الحميم من قبل رؤساء الولايات المتحدة أو مرشحي الرئاسة وأعضاء الكونغرس والنواب على كسب ود الصهاينة وكيانهم ،والتنافس على من يقدم السكاكين الحادة ،لذبح للعرب والمسلمين ،والتباهي بالارهاب الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني ،لهذا نجد ان الكاتب اليهودي الامريكي /جويني/ يقول: :(إن الرؤساء الامريكيين ومعاوينهم ينحنون أمام الصهوينية كما ينحني المؤمن أمام القبر المقدس )‏

من خلال هذا المكون الثقافي والديني والسياسي نفهم أن الدعم الذي قدمته الادارات الامريكية لنشوء الكيان السرطاني الصهيوني في قلب الامة العربية ،والحقن العسكرية والمالية والسياسية ليبقى درناً سرطانياً ،يستنزف القدرات العربية وخاصة دول المواجهة ،وينشر الارهاب والقتل والدمار والفساد في المنطقة ويمنعها من السلام والتنمية والازدهار .‏

Ayman Abu Saleh

أيمن أبو صالح – معسكر دير البلح

قطاع غزة - فلسطين

Phone: +358 44 290 9535

E-Mail: absayman (at) gmail.com

Skype: absayman

Google Talk: absayman