المقارنة بين .. الإسلام والنصرانية واليهودية 3

المسيح في النصرانية

لقد نسبت النصرانية الألوهية إلى المسيح، بزعم أنه أحد أقانيم ثلاثة للإله الذي تتصوره، حيث تقول (النصرانية) بأن المسيح هو الإله الابن، وتعني بذلك: القول بأنه ابن الله.

وإذا ما كانت الألوهية قد نُسبت إلى المسيح لمجيئه ببعض المعجزات، تأييدًا من الله تعالى له، وشهادة بصدق رسالته، فماذا عن غير المسيح من الأنبياء والمرسلين، الذين قد أتو بالكثير والكثير من المعجزات والخوارق أيضًا، تأييدًا من الله تعالى لهم، وشهادة بصدق دعواهم؟!!

إن مما يوضح بطلان الزعم بألوهية المسيح في النصرانية، ويؤكد أنه ليس إلا أحد أنبياء الله تعالى ورسله، وذلك من الكتاب الذي تزعم قدسيته، الآتي:

أن المسيح لمَّا أظهر أحد معجزاته التي قد أيده الله تعالى بها، ما كان من الناس إلا أن قالوا: قد قام فينا نبي عظيم، وذلك كما ينصّ عليه إنجيل لوقا، حيث يقول:

«ومَجدوا الله قائلين: قد قام فينا نبي عظيم» (لوقا 7: 11 – 17)

مما يؤكّد أن المسيح لم يَدّع الألوهية أبدًا، ولم يُعلّم الناس مثل ذلك، وإنما أخبرهم بأنه نبي مُرسل من الله تعالى إليهم.

ولو كان المسيح مدّعيًا للألوهية أو أيًّا مما تزعمه النصرانية، لقال الناس في مثل ذلك الموقف السابق، الذي يخبر به إنجيل لوقا: قد قام فينا إله عظيم، ولكن معاذ الله أن يدّعي المسيح عليه السلام مثل ذلك الإدّعاء، فلم يقل المسيح إلا ما أمره الله تعالى به، ولم يكن أبدًا ليدّعي مثل ذلك الادّعاء الباطل.

وصدق الله تعالى إذ يقول في كتابه المحكم (القرآن الكريم): ﴿وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ [المائدة: 116-117]

ويؤكد ما ذكرنا أيضًا، أن الناس كانوا يلقّبون المسيح بالمُعلّم، ولم يكونوا يلقّبونه أبدًا بالإله، أو يلقب ابن الله، كما ينصّ على ذلك إنجيل يوحنا، حيث يذكر ما كان الناس يقولونه للمسيح كلقب، وذلك في الفقرة الآتية:

«يا مُعلم، نعلم أنك قد أتيت من الله مُعلّما» (يوحنا: 3: 1)

إلى غير ذلك مما قد أشرنا إليه في السابق، حيث قد قمنا بتوضيح بطلان الزعم بألوهية المسيح، ومن ثم عقيدة النصرانية، وذلك في نقاط سابقة.

ونوضح، أن كلمة (المسيح) مشتقة من الكلمة العبرية (مِسياه).

ومصدر كلمة (المسيح) في اللغة العربية (مَسَحَ)، بمعنى: دَعَكَ ودَلَكَ، ودَهَنَ.

وقد كان الكهنة والملوك يمسحون (أو يدهنون) بالزيت المُقدّس لديهم عند رسمهم بوظائفهم([1]).

ولقد نسبت النصرانية المسيح إلى أنه من نسل داود من جهة الجد، كما في (الرسالة إلى أهل رومية 1: 3)، والعجيب: أنه يدخل في نسل المسيح الذي تعتقد النصرانية بألوهيته، ما ينصّ كتابها على أنهم أولاد زنا، وهما (فارض وزارح) من ثامار.

بل ومن العجيب أيضًا، أننا نجد مثل ذلك التناقض البيّن الذي تقع فيه النصرانية، حيث إنه تناقض في أبسط الأمور، وهو ميلاد المسيح، حيث نُفاجئ بأن الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة البروتستانية تحتفل بميلاد المسيح في اليوم الخامس والعشرين من شهر ديسمبر، بينما نجد أن الكنائس الأرثوذوكسية، مثل الكنيسة القبطية واليونانية والروسية، تحتفل بميلاد المسيح في السابع من شهر يناير.

وإذا كان مثل ذلك التناقض في النصرانية، يقع في أبسط الأمور، فما بالنا بما هو أعظم منها، فهل نجد اتفاقًا؟!! بالتأكيد: لا، حيث إن الطوائف النصرانية (من كاثوليك، وبروتستانت، وأرثوذوكس، ...) برهان ذلك.

ومما يثير الدهشة والعجب، أننا نجد أن المسحيين (عابدي المسيح) لا يحفظون وصايا المسيح التي يذكرها كتابهم (الكتاب المقدس للنصرانية).

وذلك على الرغم من قول المسيح: «إن كنتم تحبّوني فاحفظوا وصاياي»، كما ينص على ذلك (إنجيل يوحنا 14: 15).

وإذا ما تساءلنا: لماذا لا تحفظون تلك الشريعة والوصايا؟

فإن الجواب يكون منهم (المسيحيين) على النحو الآتي:

حيث يقولون بأن الشريعة قد سُمِّرت على الصليب، وهم يعنون بذلك أن الشريعة قد انتهت وأُلغيت، ثم يستطردوا الكلام بقولهم: نحن الآن نعيش تحت الرحمة والنعمة الإلهية([2]).

والتساؤل: إلى أي مدى يكون التضييع للتعاليم الدينية في النصرانية؟؟

بل والأكثر عجبًا، عدم الاستحياء من مثل ذلك التضييع لهذه التعاليم، والدفاع عن ذلك القول بمثل تلك المقولات الفارغة([3]).

ولقد نسبت النصرانية للمسيح، أنه قال لوالدته «يا امرأة»، كما جاء في إنجيل (يوحنا 2: 4)، وكأنه ممتهنًا لها، مُتناسيًا فضلها.

ولقد نسبت النصرانية للمسيح أيضًا، أنه قال:

«أتظنون أني جئت لأعطي سلامًا على الأرض، كلا أقول لكم بل انقسامًا»، كما ينصّ على ذلك إنجيل (لوقا 12: 51).

مما يدل على أن النصرانية قد نسبت المسيح إلى الدمويّة والوحشية، وإثارة الحروب والفتن، وإحداث الخراب والإنقسام.

ويؤكد ذلك في النصرانية، أننا نجد من الأناجيل ما يُخبر بأن المسيح قد أمر بذبح أعداءه الذين رفضوا ملكه عليهم، كما في إنجيل (لوقا 19: 27).

إلى غير ذلك مما تنسبه النصرانية إلى المسيح، من تهم وادّعاءات لا أساس لها من الصحة، كأحد أنبياء الله تعالى.

ونختم هذه النقطة بما يوضح خصوصية رسالة المسيح إلى بني إسرائيل، وذلك من الكتاب المقدس للنصرانية، حيث ينصّ إنجيل متى (15: 22- 26) على أن المسيح قال:

«لم أُرسَل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالّة». وذلك في آخر الحدث المذكور بإنجيل متى.

مما يؤكد على أنه لابد من مجيء رساله عالمية بعد رسالة المسيح، بحيث تكون رسالة خاتمة لجميع الرسالات السابقة، وإلى البشرية كافّة.

أول معجزات المسيح في النصرانية

وإضافة إلى ما قد نسبته النصرانية للمسيح، نذكر ذلك الافتراء الذي رَمَته (النصرانية) به، ولكن تحت عنوان خاص لتوضيح خطورته، حيث زعمت النصرانية أن أول معجزات المسيح كانت تحويله الماء إلى خمر، وذلك كما في إنجيل يوحنا (2: 1 – 10)، أعاذنا الله تعالى منها ومن شرها.

وقد أشرنا إلى ذلك سابقًا، مع توضيح لبعض من خطورة تلك الخمور والمسكرات.

فمنذ أن ساد الاعتقاد في النصرانية بأن تحويل الماء إلى خمر، كان أحد معجزات المسيح، والخمر الخبيثة صارت تتدفق كالمياه وسط العالم المسيحي، لا سيما وأنهم يعتقدون بأنها ليست أحد معجزات المسيح فحسب، بل أول معجزاته، مع إدراكهم بأن تلك الخمر الخبيثة هي مصدر كل رذيلة، حيث إنه بغياب وعي وإدراك شخص ما بسبب الخمر، يصير مهيئًا تمامًا لارتكاب شتى أنواع الجرائم والرذائل والمنكرات، من قتل، وزنا واغتصاب، وسرقة، .... إلى غير ذلك من الفواحش والمنكرات([4])، حيث يصير الإنسان يتصرف بطريقة عشوائية بهائمية مثل الحيوانات، بل أحطّ سلوكًا منها، بعد أن حُجب وفُقد عقله.

وهناك من القسيسين من تدرج في شرب الخمر إلى أن وصل إلى حدّ الإدمان في شربها، بسبب مثل ذلك الادّعاء الذي قد نُسب إلى المسيح افتراءً وزورًا.

حيث إن القسيسين كانوا يتناولون تلك الخمور فيما يُسمّى عندهم بالتقليد الكنسي بإقامة العشاء الربّاني (على حدّ زعمهم).

ونختم هذه النقطة بالإشارة إلى: أن الله سبحانه وتعالى مُنزّه تمامًا عن أن يُشرّع إباحة تناول أي من تلك الخمور والمسكرات، أو أن يجعل تحويل الماء إلى خمر معجزة لأحد أنبياءه ورسله.

فالله عز وجلّ عظيم، لا يصدر منه إلا ما هو جميل وعظيم.

حفظنا الله جميعًا من الخمور وشرّها، ومن سوء المعتقد في الله سبحانه وتعالى.

التحريف والكتاب المقدس للنصرانية، ونوع الكلام المذكور فيه

لقد استطاعت الأيدي الخفيّة ذات المطامع والأهواء أن تنال من الإنجيل الذي جاء به المسيح، ومن قبله التوراة التي جاء بها موسى... إلى غير ذلك مما قد سبق الإنجيل والتوراة في مجيئهما.

ومن ثم فإن الكتاب المقدس للنصرانية بما هو متضمن له مما يُسمّى بالعهد القديم، وأيضًا ما يُسمّى بالعهد الجديد، قد تم تحريفه وتضييعه من قِبَل الحاقدين وأعداء الدين.

ويشهد على ذلك: عدم وجود نسختان متطابقتان من المخطوطات التي ترجع إليها النصرانية، لتزكّي وتدعّم إحداهما الأخرى.

فإننا نجد تحت ما تسمّيه النصرانية بالعهد الجديد ما يُسمّى بإنجيل متى وإنجيل لوقا وإنجيل يوحنا وإنجيل مرقس، ولا نجد ما يُسمّى بإنجيل المسيح، إضافة إلى الاختلافات والتناقضات والتضاربات بين كل من تلك الأناجيل وبعضها البعض.

غير أننا نجد نسبة ما يُنسب إلى المسيح مع ما قد ناله من تحريف وتضييع، لا يتجاوز 10% من محتويات تلك الأناجيل المختلفة، والإنجيل ذو الحروف الحمراء يوضح ذلك.

وإذا كان الأمر كما ذكرنا، فماذا عن باقي محتويات الأناجيل الـ90%، الغير منسوبة إلى المسيح؟!! من كتبها؟ ومن أضافها؟ ولماذا؟!

وهل لأحد أن يكتب أو يضيف كلمة واحدة إلى كلام الله تعالى، فضلًا عن 90% تنسبها النصرانية من كتابها إلى غير كلام المسيح؟!

مع التنويه إلى: أنه من المعلوم أن الإنجيل الذي قد جاء به المسيح لم يُكتب في عهده، وإنما كانت كتابته بعد ما يُقارب الـ 300 سنة من رسالته، ومن ثم تعدّدت الأناجيل مع ما بها من اختلافات وتناقضات، وكثرة للمراجعات والتنقيحات إلى يومنا الراهن، والتي ستظل كذلك إلى ما شاء الله تعالى.

لذلك، فإنه لا يوجد سند متّصل لمثل تلك الأناجيل المختلفة يصحّ نسبه إلى المسيح.

ويؤكد ذلك: أن الكثير من كُتّاب ومؤلفي الكتب والأسفار التي يتكون منها الكتاب المقدس للنصرانية، منهم من هم مشكوك فيهم، ومنهم من هم مجهولون بالكليّة.

ومثال ذلك: أن الكُتَّاب للنسخة المنقحة يقولون عن مصدر سفر القضاة: أنه ربما يكون صموئيل، وسفر راعوث ربما يكون صموئيل، والعجيب: أنهم عندما يأتون إلى سفر صموئيل نفسه يعلنون أن المؤلف مجهول.

أي أن كتاب ومؤلفي الأسفار مشكوك فيهم.

وغير ذلك الكثير والكثير من الأسفار التي يشكّون في كتّابها ومؤلفيها، والأسفار التي يُجهل كتابها ومؤلفيها بالكلية.

ومن نماذج التحريفات والتغييرات التي قد تمّت بالكتاب المقدس للنصرانية، والتي اكتشفت بواسطة ما قام به المراجعون (من علماء المسيحية) للنسخة المعتمدة (نسخة الملك جيمس) للكتاب المقدس للنصرانية، حين رجعوا (كما يقولون) إلى المخطوطات الأكثر قدمًا، وهؤلاء المراجعون كما يوصفون: 32 عالمًا يعودون إلى خمسين طائفة مختلفة، حيث قد استبدلوا كلمة (ghost) بكلمة (spirit)، بحيث يصير المعزى الذي بشرت بمجيئه الأناجيل يُسمّى (The Holy spirit).

وذلك من التحريف والتغيير والتبديل البيِّن، حيث إنهم لو كانوا يعلمون أن ما بأيدهم هو كلام الله حقًّا لما تلاعبوا بكلماته وألفاظه مثل ذلك التلاعب الواضح الصريح، وذلك حتى يُشبعوا أهواءهم، وتتحقق لهم مطامعهم، وتتجدد المبيعات من كتابهم مرة أخرى، وهكذا، كما هو الدأب منذ زمن بعيد، حيث الإصدار المتجددة للنسخ العديدة المختلفة بمرور الزمان، ومن ثم جمع الأموال الطائلة جرّاء ذلك الإسلوب المخادع.

وصدق الله تعالى إذ يقول:

âفَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَá [البقرة: 79].

ومما يبرهن على أن الكتاب المقدّس للنصرانية قد حُرِّف وضيِّع: ما قد أشرنا إليه في النقطة السابقة لهذه الجزئية، تحت عنوان (إلى أي شيء يدعوا الكتاب المقدس للنصرانية؟)، بحيث يمكن الرجوع إليها، وذلك حتى لا نلجأ إلى التكرار.

نوع الكلام المذكور في الكتاب المقدس للنصرانية

ولإيضاح نوعية ذلك الكلام المذكور بكتاب النصرانية، نشير إلى مزيد من مواضع مثل تلك القصص الفاحشة الرذيلة، التي يتضمنها (الكتاب المقدس للنصرانية)، والتي تصور الكثير والكثير من مشاهد الزنا والاغتصاب وقصص العاهرات (الزواني)، مع وصف فاضح لعهرهن، وتفصيل مقذذ لتلك المشاهد جزءً بجزء، ابتداءً من أول الحدث وحتى نهايته، مما يثير الغرائز الجنسية للإنسان القارئ أو السامع لها، ومن ثم مُؤدّى ذلك إلى الانحطاط الخُلُقي، والانغماس في مستنقع مثل تلك الفواحش، والتي هي من أحطّ وأقبح الرذائل والمنكرات.

ومن ثم عدم ترك أدنى مجال للشك، لدى صاحب فطرة نقية ونفس زكيّة وعقل رشيد، في أنّ الكتاب المقدّس للنصرانية قد خضع تمامًا لما قام به الملوثون من تحريف وتضييع له.

ومن المواضع التي تؤكد ما أشرنا إليه، حيث لا يمكن ذكره تعفّفًا، الآتي:

(سفر التكوين 19: 3 – 35)، والذي ينصّ على أحد أنواع زنا المحارم، والذي هو من أقبح وأحطّ أنواع الزنا، حيث يذكر قصة زنا الأب بابنتيه، وكيفية حدوث ذلك.

(سفر التكوين 35: 22)، حيث يذكر قصة زنا الابن بزوجة أبيه.

(سفر التكوين 38: 15 – 18)، حيث يذكر قصة زنا الزوجة بوالد زوجها.

(سفر صموئيل الثاني 13: 11، 13 : 14)، حيث يذكر قصة زنا الأخ بأخته، بل اغتصابها.

(سفر صموئيل الثاني 16: 22)، حيث يذكر قصة زنا الابن بزوجات أبيه.

وإذا ما أراد أحد أن يقرأ مزيدًا عن الإباحية والجنس، فإنه يمكنه الرجوع إلى مثل تلك الأسفار بالكتاب المقدس للنصرانية، التي سوف نشير إلى مواضع بعض منها، حيث إن بها قصصا للعاهرات (الزواني) مع وصف فاضح لعهرهن، وتصوير مُقزّز لتلك المشاهد من الزنا، ومن تلك المواضع:

(سفر حزقيال 23: 1 – 49)، (سفر التثنية 38: 8 – 10).

(سفر هوشع 4 : 12)، (سفر هوشع 4: 14 – 15)، نشيد الإنشاد.

إلى غير ذلك من المواضع الكثيرة التي تؤكد ما ذكرنا.

ولذلك، فإن من قليل ما أشرنا إليه من بعض محتويات الكتاب المقدّس للنصرانية في هذه الجزئية، يتبيّن:

أن اللغة المستخدمة بالكتاب المقدس للنصرانية إنما هي لغة أهل الفسق والعهر، وأهل الخمور والفجور، حيث إن اللغة المستخدمة فاسقة إلى حد كبير، بحيث يستعف الإنسان الفاضل عن قراءة مثل ذلك الكلام بعينه، فضلًا عن سماعه أو النطق به.

ومن المُحال لذي فطرة سوية ونفس زكيّة وعقل رشيد، أن ينسب مثل ذلك الكلام المذكور بالكتاب المقدس للنصرانية إلى الله تعالى.

فتعالى الله عز وجل عن كل سوء علوًا كبيرًا.

مؤسس عقيدة التثليث في النصرانية

يعدّ بولس (قديس النصارى) هو مؤسس المسيحية القائمة على عقيدة التثليث (تعدد الآلهة)، كما نراها اليوم، وكذلك يعتبره النصارى أيضًا.

ولقد أدخل بولس في عقيدة النصرانية من الكفريات والشركيات، ما لم يقله المسيح عليه السلام، وما لم يدع إليه، وهذا ما يعترف به النصارى أنفسهم، غير أن بولس (قديس النصارى) قد غيّر وبَدَّل في كتاب النصرانية الكثير والكثير، حيث إن (بولس) قد ألّف أسفارًا (يتضمنها الكتاب المقدس للنصرانية) كثيرة أكثر من أي مؤلف آخر من مؤلفي الكتاب المقدس للنصرانية.

وقد كان يكتب في رسائله المؤلفة من التعبيرات والمبالغات ما لا يفهم معناها حرفيًا، مما قد جعل من تعاليم المسيح فوضى هائلة.

والعجيب، أننا نجد: أنه في حين عدم كتابة المسيح عليه السلام كلمة واحدة من الكتاب الذي تقدسه النصرانية، وأن ما يُنسب إليه من ذلك الكتاب (الكتاب المقدس للنصرانية) لا يتجاوز الـ10%، مع عدم كتابته له، حيث يتضح ذلك فيما يسمى بإنجيل الحروف الحمراء (الذي يوضح نسبة الكلام المنسوب إلى المسيح باللون الأحمر)، نجد أن قديس النصرانية بولس قد تفوق على المسيح وقام بتأليف أكثر من نصف الكتاب المقدس للنصرانية وحده (وفقًا لما تمليه عليه أهواءه، حيث إن كلام الله تعالى لا يُؤلف)، وذلك هو سبب تفضيل (مايكل هارت) لبولس على المسيح في كتابه أعظم مائة في التاريخ.

ولذلك: فإننا نجد أن النصرانية على الدوام عندما تتحدث، تقول: قال بولس ... يقول بولس ...، ولا نجدها تتحدث بما تنسبه إلى المسيح في كتابها إلا نادرًا.

ولا شك: أن ذلك من التناقض الكبير الذي تقع فيه النصرانية، والذي يشهد بعدم مصداقية كتابها، وأنه ليس إلا مؤلفًا من قِبَل العديد من المؤلفين، وفقًا لما تمليه أهواء ومعتقدات كل منهم، ومن ثم نجد التناقض البيّن بين محتوياته ومؤلفاته (الكتاب المقدس للنصرانية).

ومن العجيب أيضًا، أننا نجد: أن مؤلفي أناجيل النصرانية لم يعرفوا شيئًا عن قديس النصارى (بولس)، بل إن بولس نفسه لم يكن يعلم شيئًا عن الأناجيل الأربعة لدى النصرانية، مع أنه (بولس) وغيره أنبياء في زعمها (النصرانية).

ولا شك أن ذلك أيضًا من التناقض العظيم الذي تقع في النصرانية، والذي يوضح عدم مصداقية كتابها، والذي يتضمن أقوال ومؤلفات كل منهم.

حقيقة بولس ونشأته

ونوضح هذه الجزئية من كتاب (عتاد)، للشيخ/ أحمد ديدات، مع تصرف يسير، كالآتي:

لم يكن بولس أحد الحواريين الـ 12 للمسيح عليه السلام، وإنما كان يهوديًا اسمه (شاول)، وكان يضطهد المسيحيين الأوائل أشدّ الاضطهاد كما يعترف هو بذلك، ومع أنه لم يكن من الحواريين إلا أنه قد كتب وألّف أكثر من نصف كتاب النصرانية وحده، وقد روّج المسيحية (بمفهومه ومعتقده الذي أدخله فيها) في عقر ديار الدولة الرومانية، وقدّم لهم الكثير من التسهيلات المخالفة للشريعة المسيحية (تبعًا لهواه وما يمليه عليه عقله) لكي يتحولوا إلى المسيحية، وقدّم لهم المسيح (كإنسان إله) أو (إله إنسان)، وهي صورة مألوفة لدى الرومان الذين كانوا يتصورون الآلهة على صورة البشر.

تعالى الله عز وجل عن ذلك الإفك علوًا كبيرًا.

ولقد أباح بولس للرومان أيضًا: شرب الخمور، وعدم ضرورة الاختتان، تجرءً وافتراءً منه على الله تعالى وشريعته.

ثم كانت عاقبته (بولس) المخزية من الله تعالى له في الدنيا قبل الآخرة، أن تمّ قتله صلبًا بأمر من الإمبراطور نفسه، وهو الإمبراطور نيرون.

فبولس إنما هو يهودي الأصل، قام ببث سمومه في المسيحية، ومن ثم تحريف مسارها عن الصراط المستقيم.

ولقد حاول أيضًا أحد اليهود، وهو عبد الله بن سبأ، أن يُقلّد بولس ويتبعه، بأن يفعل في الإسلام نفس ما فعله بولس في المسيحية.

حيث حاول عبد الله بن سبأ اليهودي، أن يبث سمومه أيضًا في الإسلام، بعد أن ادّعى الإسلام نفاقًا (أي أنه ما زال على اليهودية)، فأخذ يطعن في أئمة المسلمين، ويثير الفتن المؤديّة للحروب بين المسلمين ... إلى غير ذلك، مؤسسًا بذلك الفرقة المارقة، وهي (الشيعة الروافض)، التي لا تعرف لله حقًّا، ولا لطريق النبي محمد r اتباعًا، ولا تعرف لأصحابه الكرام قدرًا، وهم (الصحابة الكرام) الذين صبروا على عظيم الإبتلاءات والمحن، والتضحية بكل غالٍ وثمين من نفس ومال ... في سبيل نشر هذا الدين العظيم (الإسلام) إلى كافة أنحاء الأرض.

فلقد قام عبد الله بن سبأ (اليهودي) بتأسيس تلك الفرقة (الشيعة الروافض) على الاعتقاد الفاسد في ذات الله تعالى والعديد من المعتقدات الأخرى الفاسدة، والقائمة على الطعن في كتاب الله تعالى (القرآن الكريم) والقائمة على الطعن في آل بيت النبي محمد r (أزواجه الأطهار)، والقائمة على الطعن في أصحابه (أصحاب النبي محمد r) الكرام....، والقائمة على كثير من التشريعات الفاسدة (كزواج المتعة، واختلاس وسرقة الأموال بزعم جمعها لإمامهم المنتظر).... إلى غير ذلك من المعتقدات والتشريعات الفاسدة، والمفتراة على الله تعالى كذبًا وزورًا.

فلقد حاول عبد الله بن سبأ اليهودي، القيام تمامًا بعمل بولس في المسيحية، حيث إن (عبد الله بن سبأ) في بدايته قام بالرفع من مرتبة الإمام علي بن أبي طالب (أحد أصحاب النبي محمد r، ورابع الخلفاء الراشدين في الإسلام) إلى منزلة فوق منزلة من سبقه من أئمة المسلمين (أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان)، ثم قام برفع مرتبته (علي بن أبي طالب) إلى منزلة الألوهية، بعد أن ادّعى له الوصية بالخلافة.

وكان عبد الله بن سبأ اليهودي يحاول تأليه الإمام علي بن أبي طالب، مثلما فعل بولس بتأليه المسيح.

بل إن من التماثل والتطابق بين عبد الله بن سبأ اليهودي، وبين بولس المسيحية:

أن عبد الله بن سبأ بعد ما أن زعم ألوهية الإمام علي بن أبي طالب، زعم أنه نبي، محاكاة لما فعله بولس النصرانية، من تأليه للمسلح، وادّعاء لنفسه بالنبوة.

ولكن الفرق بين بولس المسيحية، وابن سبأ اليهودي:

أن بولس قد نجح في بث سمومه (من معتقدات باطلة وتشريعات فاسدة) في المسيحية، ومن ثم تحريف مسارها عن الصراط المستقيم.

بينما لم ينجح ابن سبأ اليهودي في ذلك، حفظًا من الله تعالى لهذا الدين الخاتم (الإسلام) الذي جاء به النبي محمد r.

ثم كانت خاتمة السوء لذلك اليهودي المنافق عبد الله بن سبأ شبيهة أيضًا بنهاية ذلك المخادع بولس، الذي قد قُتل صلبًا بأمر من الإمبراطور نيرون، خزيا من الله تعالى لهما في الدنيا قبل الآخرة.

عقيدة بولس والتناقض العظيم

إننا نجد الكثير والكثير من التناقضات والاختلافات في المسيحية، ولكن ما يثير العجب والدهشة: أن يُناقض بولس (قديس النصرانية) المسيح نفسه (إله النصرانية، كما في اعتقادها).

فبينما نجد أن الخلاص (النجاة) عند المسيح يكون بالتحقق بما ورد في الوصايا كما

(إنجيل متى 19: 16- 7)، نجد أن الخلاص (النجاة) عند بولس يتم بالاعتقاد في تأليه المسيح، ومن ثم صلبه وموته (أي صلب وموت الإله).

تعالى الله عز وجل عن ذلك الإفك علوًا كبيرًا

وذلك يوضح التناقض العظيم الذي تقع فيه النصرانية، ومن ثم بطلان ما هي عليه من كلام بولس.

وإضافة إلى ما سبق:

إننا نلحظ بوضوع فساد ما يدعوا إليه قديس النصرانية بولس، من معتقدات وتشريعات باطلة، ومن ذلك: رسالته إلى أهل رومية (8: 15)، حيث تقول:

«إن روح الله تدخل فيك، وتُصبح ولدًا لله، وتصرخ: أبا الباب ... فقد أصبح الآن الله أبوك، ويمضي ويقول: إنه قد أصبح الآن لك أيضًا أم جديدة».

ولذلك يوجد الآن من يطلقون على أنفسهم المولودين مرة ثانية، ويقولون: بأن أبانا الله (تعالى الله عن ذلك الإفك علوًا كبيرا).

ويتضح من ذلك الذي أشرنا إليه: أنه إذا ما كان الأصل (المعتقد) فاسدًا، فإننا لا نندهش مما قد يصل إليه المرء بعد ذلك، من عظيم الفحش والفساد في المعتقد الذي يؤمن به وكذلك التشريع الذي يتمسك به، والسلوكيات والتصرفات الصادرة منه، حيث إن المرء إذا لم يستح، فهو يصنع ما يشاء.

من تشريعات بولس

ها هو قديس النصرانية (بولس) يستطرد في بث سمومه في المسيحية، من خلال تشريعاته الفاسدة، التي لا تطيب لها نفس سوية ولا يُقرّ بها عقل رشيد.

فبينما نجد ما قد أثبته العلم الحديث من الأضرار والمفاسد الناتجة عن تناول الخمور والمسكرات، نجد أن قديس النصانية بولس يقدم للنصرانية الوصيّة بشرب الخمر عن الماء، ويفضله على الماء، على أن يكون ذلك وحيًا من الله تعالى، كما في الرسالة الأولى إلى (ثيموثاوس 5: 23).

تعالى الله عز وجل عن ذلك علوًا كبيرا.

وبذلك يكون قديس النصارى بولس قد وصف الله تعالى بالجهلِ وعدم علمه بما تسببه الخمور والكحوليات من أضرار لمتناوليها، ومن ثم عدم حكمته في تشريعاته وأحكامه (تعالى الله عز وجل عن كل ذلك الإفك علوًا كبيرا).

بل إننا نجد أيضًا أن قديس النصرانية بولس، قد ناقض وخالف ما جاء بوجوب الختان، كما في العهد القديم من الكتاب المقدس للنصرانية.

ولم يكتف بولس بمعارضته لما جاء في الكتاب المقدس للنصرانية، بل إنه قد هدّد كل من يختتن بأنه لن ينفعه المسيح بشيء، إلى غير ذلك من تشريعاته (تشريعات بولس) الفاسدة، النابعة من أهواءه ومن ثم يتبين لنا كذب بولس وافتراءه على الله تعالى، بل إنه يعترف بذلك.

من اعترافات بولس:

لقد اعترف بولس بكذبه على الله تعالى، كما ورد في رسالته إلى أهل روميّة (3: 7)، حيث يقول: «إن كان صدق الله، قد ازداد بكذبي لمجده».

بل إن من العجيب: أنه (بولس) يدافع عن كذبه وخطيئته، فيقول:

«فلماذا أُدان أنا بعد كخاطئ».

وغير ما ذكرنا الكثير والكثير من فضائح وأكاذيب قديس النصرانية (بولس).

ومما أشرنا إليه من الدلائل الواضحة، يكون البرهان والاستنتاج، بأن: قديس النصرانية بولس، ليس بنبي كما هو الزعم لديها، وإنما هو مفتر متجرئ على الله تعالى وأحكامه وتشريعاته، ومن ثم يتبيّن عدم مصداقية الكتاب المقدس للنصرانية، والذي قد ألف بولس أكثر من نصفه وحده، وأنه ليس بكلام الله عز وجل، وإنما هو كتاب مؤلف من قبل البشر، أمثال بولس وغيره.

نشأة عقيدة التثليث، ومن ثم عقيدة الصلب والفداء، وبطلانهما

إن المتصفح في الكتاب المقدس للنصرانية، يجد أنه كتاب قائم على جذور إغريقية (يونانية) بمفاهيم مغلوطة، حيث إن التراث الإغريقي (اليوناني) هو ما كان سائدًا في العالم حينئذ.

فقد كانت الثقافة اليونانية القائمة على تعدد الآلهة وتجسيمها هي المسيطرة في ذلك الوقت، ومن تلك النقطة كانت البداية في انحراف النصرانية عن توحيد الله تعالى، وإتجاهها إلى التثليث.

وقد انتشرت تلك العقيدة الفاسدة (التي تذمّ وتعيب الإله الخالق) في اليونان وإيطاليا.

ولقد شاع في الوثنيات القديمة اعتبار بعض الملوك والعظماء آلهة ومخلّصين للشعوب من الأزمات والخطايا، ويوضح ذلك ما ذكره السير (آرثر فندلاي) في كتابه (صخرة الحق)، حيث ذكر أسماء ستة عشر شخصًا اعتبرتهم الأمم آلهة سعوا في خلاص هذه الأمم، منهم:

أوزوريس في مصر (1700 ق.م)، وبعل في بابل (1200 ق.م)، وديوس فيوس في اليونان (1100 ق.م)، وكرشنا في الهند (1000 ق.م)، وبوذا في الصين (560 ق.م)، وبرومثيوس في اليونان (547 ق.م)، ومتر (متراس) في فارس (400 ق.م).

ونتيجة للغلو في محبة شخصية المسيح، اعتبرته بعض الطوائف إلهًا أيضًا، ثم نشأت عقيدة الصلب والفداء لوضع مُبرّر لنزول ذلك الإله على الأرض، ثم عملت على نشر ذلك المعتقد الفاسد.

ومن المعلوم أن أقدم إنجيل لدى النصرانية إنما هو باللغة اليونانية، على الرغم من أن اليونانية لغة لم يتكلمها المسيح عليه السلام، وذلك من التناقضات العظيمة التي تقع فيها النصرانية، والتي توضح أن الإنجيل الذي بين يديها الآن ليس من كلام المسيح، وإنما هو تأليف بشري، لكثير من المؤلفين، وفقًا لما تمليه عليهم الأهواء.

وعند الرجوع 1000 سنة ق.م، نجد أن التاريخ مليء بنقوش وكتابات تعكس إعجاب الناس بالشمس، والسبب في ذلك: أن الشمس تشرق كل صباح مُحضِرةً الرؤية والدفء، ومُنقذة للإنسان من الليل البارد... إلى غير ذلك من منافعها، التي هي بتقدير من الله تعالى.

فبدون الشمس، عرفت الثقافات أن المحاصيل لن تنمو، ولن تبقى حياة على الأرض.

فالحضارات القديمة تتبعث الشمس والنجوم، وقامت بتجسيد حركاتها وعلاقاتها ببعضها البعض في أساطير مختلفة.

لقد تمّ تجسيد الشمس بصفاتها التي قد جعلها الله تعالى سبًا في الإنقاذ على أنها الخالق، أو الإله الغير منظور، حيث كانت تُعرف بـ(شمس الإله) أو (نور العالم) أو (مُخلّص البشرية). وكذلك اعْتُبرت البروج الـ 12 الفلكية أماكن حلول شمس الإله.

فحورس هو إله الشمس عند المصريين القدماء (3000 ق.م)، حيث إن (حورس) هو الشمس المتجسدة كإنسان، وحياته عبارة عن سلسلة من الأساطير المستعارة من حركة الشمس في السماء.

فحورس (الإله الشمس المتجسد كإنسان) عند المصريين القدماء هو نفسه المسيح (الإله المتجسد كإنسان) عند النصارى اليوم، ويتبيّن ذلك جليًّا من قصة حورس الخرافية، المطابقة لما قد افتراه المسيحيون على المسيح من أوهام وقصص خيالية ونوضح ذلك، كالآتي:

- وُلد حورس في 25 ديسمبر من العذراء إيزيس (ماري)، (كما يعتقد المصريون القدماء)، وأن ولادته قد ترافقت بظهور نجم في الشرق، ثم قام ثلاثة ملوك بتتبعها لتحديد المولود (المُخلِّص، كما في زعمهم).

- وفي سن 12 سنة كان حورس صبيًّا كثير العلم، ومعلما.

- وفي سن الـ 30 من عمر حورس، قام من يُدعى بـ(أنوب) بتعميده، وهكذا بدأ خدمته.

- وأيضًا كان لحورس 12 تلميذ يجول معهم.

- وقد صنع حورس أيضًا العديد من المعجزات (كما في زعم المصريين القدماء)، مثل شفاء المرضى، والسير على الماء.

- وعُرف حورس بالعديد من الأسماء الإيحائية (كما في زعم المصريين القدماء)، مثل: الحق والنور، وابن الإله الممسوح، وحمل الإله، والراعي الصالح .... إلى غير ذلك.

- ووفقًا لما في معتقد المصريين القدماء، نجد أن حورس (الإله الشمس المتجسد كإنسان كما في زعمهم) قد صُلب بعد أن خانه (تبفون)، ثم دُفِن (حورس) 3 أيام، وأنه قام بعد ذلك من بين الأموات.

ومما أشرنا إليه، يتضح: أن قصة حورس الزائفة عند القدماء المصريين، هي نفسها قصة المسيح المفتراة زورًا وبهتانًا من عُبَّاده المسيحيين اليوم، حيث إن الفرق الوحيد هو في اختلاف الزمان، وأسماء الأشخاص.

فتعالى الله عز وجل عن كل تلك الافتراءات علوًا كبيرا.

فمن رضي في اعتقاده بإلهه وخالقه مثل تلك الأوهام والافتراءات، ومثل تلك النقائص والعيوب، كتجسده (الإله الخالق العظيم) في صورة بشرية كمخلوق ضعيف، ومن ثم صلبه وقتله، ودفنه بين الأموات، وقد صاروا أجسادًا بالية، مُتحلّلة، تسري الديدان القذرة بين أحشاءها ومن فوقها وعلى جنباتها، فعليه أن يؤمن أيضًا بحورس (إله الشمس عند المصريين القدماء)، لأنه لا فرق إذن بين أي من الاعتقادين الفاسدين، سواءً كان عند المصريين القدماء أو لدى النصارى اليوم.

والتساؤل المهم:

أنه إذا ما آمنت النصارى بما كان عليه المصريون القدماء، من اعتقاد فاسد، ولا سبيل لها غير ذلك، لأن كلتا القصتين متطابقتين، فأي من الإلهين أحقّ بالعبادة، حورس كما يعتقد المصريون القدماء، أم المسيح الذي يزعمون ألوهيته؟؟

(مجاراة لافتراءات النصرانية)

وإذا ما جازف أحدهم (أحد النصارى) عنادًا، واتباعًا للهوى، باختيار أحدها (وهو المسيح)، فهل يكون المسيح حقًّا هو الأحقّ بالعبادة، إذا ما علمنا أن هناك الكثير من القصص المزعومة عند القدماء (ق.م)، مُطابِقة لقصة المسيح (المُفتراة) عند النصارى اليوم، مع العلم بأن تلك القصص المتماثلة لقصة المسيح، هي أقدم وأسبق بكثير مما قد افترته النصرانية اليوم حول المسيح والزعم بألوهيته وعبادته، فهل يكون المسيح بذلك هو الأحق بالعبادة؟!

(مجاراة لافتراءات النصرانية)

فما قصة المسيح المزعومة لدى النصارى اليوم إلا نقل ونسخ لما كانت عليه الأمم السابقة من اعتقادات فاسدة، وزعم باطل.

لا شك: أنه لا التباس بين الحق والباطل، وأن الحق هو في غير مثل ذلك المعتقد الفاسد، الذي قد تناقلته النصرانية اليوم من الأمم السابقة، والذي يعيب وينقص من قدر وشأن الإله العظيم الخالق.

ونوضح: أن خِصال حورس المطابقة لافتراءات النصرانية اليوم بشأن إلهها المسيح، كانت موجودة في العديد من ثقافات العالم، حيث إن العديد من الآلة الأخرى (كما في معتقدات الشعوب السابقة) تحمل نفس الإطار الإسطوري العام، مثل:

- أتيس (فرجيا): وُلِد من العذراء ناتا، في 25 من ديسمبر، ثم صُلب ودُفن، ثم بعد 3 أيام قام من بين الأموات (كما في زعمهم الباطل).

- ومثل: كريشنا (الهند): وُلِد من العذراء ديفاكي، مع نجم في الشرق يُعلن ولادته، وأنه صنع المعجزات مع تلاميذه، ثم بعد موته قام أيضًا من بين الأموات (كما في معتقدهم الباطل).

- ومثل دنيوسيس (اليونان): وُلد من عذراء في 25 ديسمبر، وأنه كان مُعلّما رحّالًا، صنع المعجزات مثل تحويله الماء إلى خمر (وفي ذلك تطابق لما تفتريه النصرانية على المسيح من أن أول معجزاته كانت تحويله الخمر إلى ماء)، وأنه سُمِّي بأسماء مثل (ملك الملوك) و(ابن الإله الوحيد المولود)، وأنه أيضًا بعد موته قام من بين الأموات (كما في معتقداتهم الباطلة).

- ومثل ميترا (الفرس): وُلِد من عذراء في 25 ديسمبر، وكان لديه 12 تلميذ، وأنه صنع المعجزات، ثم بعد موته بـ 3 أيام قام من بين الأموات.

والعجيب: أن يوم عبادة ميترا (الفرس)، هو يوم الأحد .... إلى غير ذلك، من معتقداتهم الباطلة.

خلاصة الأمر:

أن هناك العديد من المُخلِّصين من جميع أنحاء العالم، يشتركون في الصفات العامة (كما هو الزعم الكاذب)، مما هو يدعوا إلى تساؤل مهم، وهو:

لماذا تلك الصفات؟ لماذا الميلاد العذري (من عذراء، أي بدون تدخل بشري) في 25 من ديسمبر؟؟

وللإجابة على ذلك التساؤل، نتعرّف على آخر المخلّصين وهو المسيح (كما هو الزعم لدى النصرانية)، والذي يعبده النصارى، ويقولون، بأنه إله مُتجسد في صورة إنسان.

فالمسيح، كما في زعم النصرانية: وُلِد من العذراء مريم في 25 ديسمبر في بيت لحم، وأُعلنت ولادته بنجم في الشرق، وقام بتتبعه ثلاثة ملوك، أو مجوس لتحديد وإهداء المُخلّص الجديد.

وأنه (المسيح) عندما كان عمره 12 سنة كان صبيًّا معلِّمًا.

وأنه (المسيح) عندما كان عمره 30 سنة، قام يوحنا المعمدان بتعميده.

وأنه (المسيح) كان له 12 تلميذ يتجول معهم، ويصنع المعجزات، مثل شفاء المرضى، والسير على الماء، تمامًا مثلما كان يعتقد المصريون القدماء في إلههم حورس الذي كان متجسدًا في صورة إنسان.

وأنه (المسيح) كان يُعرف بـ(ملك الملوك) و(نور العالم) و(حمل الإله) تمامًا مثلما كان يعتقد اليونانيون (في نيوسيس).

وأنه (المسيح) بعدما أن تمّت خيانته من يهوذا، تمّ صلبه، ووضع في القبر، ثم بعد 3 أيام قام من بين الأموات.

تعالى الله عز وجل عن كل تلك الافتراءات علوًا كبيرا.

وهنا يبدو تساؤل جديد، وهو:

لماذا خصّص 25 ديسمبر بالميلاد العذري للآلهة المزعومة، دون غيره من التواريخ؟

الجواب: هو: لعل ما دفع إلى ذلك الوهم الباطل، والأكاذيب المفتراة، هو:

أنه في 25 ديسمبر تتحرك الشمس درجة واحدة شمالًا، مُبشّرة بطول الأيام.

ولعلنا نلحظ أيضًا: أن أكثر رموز فلكية تتعلق بتلاميذ مسيح النصرانية الـ 12 تلميذ، هي الأبراج الـ 12 في دائرة الأبراج الفلكية.

تساؤل آخر:

لماذا تتوهّم وتعتقد الشعوب السابقة (التي كانت تعبد الشمس وغيرها كآلهة متجسدة في صورة بشرية) ومن ثم النصرانية تابعة لها (حيث قامت بعبادة المسيح كإله متجسد في صورة بشرية) الموت لآلهتها المزعومة لمدة 3 أيام؟!

الجواب، لعل ما دفعهم إلى ذلك: أنه ابتداءً من يوم 22 ديسمبر تبدو الشمس وكأنها قد توقفت عن الحركة لمدة 3 أيام، وكأن فَناء الشمس صار أمرًا مُحققًا، وهو ما يُسمّونه توهّمًا (بموت الشمس)، وخلال تلك الأيام الثلاثة الفاصلة، تقع الشمس قرب تشكيلة الأبراج المُسمّاه بالصليب الجنوبي.

وفي 25 ديسمبر تتحرك الشمس بمقدار درجة واحدة شمالًا مبشرة بطول الأيام.

ولهذا السبب يُقال ماتت الشمس على الصليب لمدة 3 أيام فقط، لتقوم أو لتتولد من جديد.

ولهذا السبب يتشارك مسيح النصرانية، والآلهة الأخرى كالشمس وغيرها في الصلب والموت لمدة 3 أيام، والقيامة من الموت (افتراءً وكذبًا على الله تعالى).

فالمسيحية ليست إلا مُجرّد قصة رومانية، تطورت سياسيًا، ويسوع (المسيح) النصرانية هو الإله الشمس للمسيحية الغنوسية.

فالديانة المسيحية (النصرانية) في تصورها اليوم، ليست إلا محاكاةً ساخرةً لعبادة الشمس، حيث وضعت رجلاً يسمى يسوع (المسيح) مكان الشمس، ومنحته العبادة التي كانت أصلًا للشمس فالمسيحية في تصورها اليوم ليست إلا بناء على الباطل، كما يشهد التاريخ بذلك.

نقض عقيدة التثليث، وبطلانها

يقول إنجيل يوحنا: «لأن الشهود في السماء ثلاثة، الآب والكلمة والروح القدس وهؤلاء الثلاثة واحد» (رسالة يوحنا الأولى 5: 7).

فتلك الجملة هي أقرب إلى ما يسميه النصارى بالثالوث المقدس، وهو أحد دعائم النصرانية ولكن العجيب في الأمر (كإحدى التناقضات في المسيحية) هو أن مراجعوا النصوص المنقحة قاموا بحذف تلك الجملة، باعتبارها زيفًا عقائديًا، ولكن الترجمات الأخرى لكتابهم المقدس ما زالت تحتوي على تلك الفقرة السابق ذكرها (التي تمثل الإعتقاد الزائف لدى النصرانية)، والتي قد حُذِفت قبل ذلك من مراجعوا النصوص المنقحة([5]).

نقض وإبطال عقيدة التثليث بالدليل

والبرهان العقلي الدامغ

أ- إن النصرانية تقول بأن الآب هو الله، والابن هو الإله، والروح القدس هو الله، ولكنهم ليسوى ثلاثة آلهة، وإنما هو إله واحد.

- وتقول بأن الآب قدير، والابن قدير، والروح القدس قدير، ولكنهم جميعًا ليسوا ثلاثة قديرين، وإنما هو قدير واحد.

- وتقول بأن الآب شخص، أو أقنوم، والابن شخص أو أقنوم، والروح القدس شخص أو أقنوم، ولكنهم ليسوا ثلاثة أشخاص أو أقانيم، وإنما هم شخص أو أقنوم واحد([6]).

وذلك يُنافي أدنى درجات العقول.

فأي من اللغات تتحدث النصرانية بها، حيث تجعل الثلاثة واحدًا، والواحد ثلاثة.

فالفطر السليمة السوية السويّة، والعقول الراجحة الرشيدة تخالف وتعارض ذلك المعتقد أشد ما يكون التخالف والتعارض.

ب- وكما أشرنا، فإن النصرانية تعتقد بأن الإله عبارة عن ثلاثة أشخاص أو أقانيم، وهم الآب والابن والروح القدس، وأن هؤلاء الثلاثة هم واحد، وقد أوضحنا أن ذلك يخالف أدنى درجات المعقول، حيث إن ذلك يقود إلى الاعتقاد (عن طريق الاستنتاج) بأنهم (الأشخاص أو الأقانيم) غير منفصلين.

وبما أن النصرانية تعتقد أن الإله الابن (المسيح) قد عُذِّب وصُلب، ثم مات، فإن ذلك يعني: أن كلا من الآب والابن والروح القدس قد عُذِّبا أيضًا مع الابن لكونهما غير منفصلين عنه.

(مجاراة لافتراءات النصرانية على الله تعالى)

وذلك لأن النصرانية تعتقد أن الثلاثة أقانيم المتمثلة في الآب والابن والروح القدس، إنما هم واحد. ومن ثم فإن الإله الابن عندما مات، فإن ذلك يعني: أن الآب والروح القدس قد ماتا معه أيضًا، لكونهم غير منفصلين عنه (مجاراة لافتراءات النصرانية على الله تعالى).

وذلك يقودنا إلى تساؤل مهم، وهو: هل يموت الإله؟!

وإذا كان قد مات كما تعتقد النصرانية، فمن كان يُدبّر العالم الذي يحيا فيه، وغيره مما هو ليس بمعلوم لدينا؟!

وإذا كان إله النصرانية قد مات، فمن الذي أحياه بعد موته؟ هل هو إله آخر؟!

تعالى الله عز وجل عن مثل تلك الافتراءات التي تزعمها النصرانية، علوًا كبيرا.

وأعاذنا الله تعالى من فساد القلب والعقل، ونلوذ به سبحانه وتعالى من أن نُغمس في مثل ذلك المستنقع الروحي الذي تتمرغ فيه النصرانية.

ومما أشرنا إليه بإيجاز، يتبيّن لنا جليًّا بطلان عقيدة التثليث التي تزعمها النصرانية، والتي تتنافى مع أقل درجات المعقول، حيث إن الله تعالى قد وهبنا العقل لنعقل به، ونميز بين الحق والباطل من خلاله.

مؤلفي الأناجيل، وبطلان الادّعاء بالإلهام

لقد تم اختيار 4 أناجيل من قِبَل الكنيسة، من بين الكثير والكثير من الأناجيل المختلفة المؤلفة، وذلك وفقًا لما يتوافق مع مرادها من تأليه للمسيح، والزعم بصلبه وقتله، ثم قيامته بعد ذلك من بين الأموات.

لذلك: فإن تلك الأناجيل الأربعة تنسب إلى (4) أربعة مؤلفين، هم متى ولوقا ومرقس ويوحنا.

فيقال: إنجيل متى، ويُقال: إنجيل لوقا أو إنجيل مرقس أو إنجيل يوحنا، ولا يوجد من بينها إنجيل المسيح عيسى عليه السلام، على الرَغم من أنه هو من أُنزل عليه الوحي من الله تبارك وتعالى، وهو من جاء بالرسالة، لا متى أو غيره من مؤلفي الأناجيل.

ويرجع عدم وجود إنجيل المسيح عيسى عليه السلام، إلى أنه لم تُكتب كلمة واحدة من الإنجيل طوال حياته (كما تقرّ النصرانية بذلك)، ولم يأمر أحدًا بكتابته.

لذلك: فإن جميع الكتب المتضمن لها الكتاب المقدس للنصرانية، ما هي إلا كتبًا مجهولة الهوية، كما يعترف بذلك علماء النصرانية المتخصصون، وكما سوف نوضح ذلك بمشيئة الله تعالى في النقاط القادمة.

غير أننا نجد: أن متى يستخدم إنجيل مرقس على إطلاق بلا قيد، حيث ينقل وينسخ منه إلى إنجيله، كما يتبيّن ذلك جليًّا من كتابهما، مما يوضح بطلان الادّعاء بالإلهام لمؤلفي الأناجيل.

ونجد أيضًا: أن مرقس على الرغم من أنه لم يكن أحد حواري المسيح، إلا أنه قام بتأليف إنجيل خاص به.

وذلك أيضًا من التناقض العظيم الذي تقع النصرانية فيه، والذي يؤكد أن تلك الأناجيل المؤلفة ليست إلا كتبًا مجهولة الهوية لأشخاص مجهولين.

ومن أعظم التناقضات في الكتاب المقدس للنصرانية:

أننا نجد أن (لوقا)، أحد مؤلفي الأناجيل المُتضمن لها الكتاب المقدس للنصرانية، والذي تزعم النصرانية إلهامه فيما يكتبه (أي أن النصرانية تزعم أن ما يكتبه كان بوحي من الله)، نجده ينسب المسيح في إنجيله إلى أنه (ابن يوسف)، وذلك يعني:

1- أن المسيح ليس إلهًا، أو ابنًا للإله، حيث إن أباه معلوم لديه، وهو يوسف النجار، وهو بذلك يخالف ويناقض المسيحيين حيث تأليههم للمسيح.

2- أو أن ذلك، يعني: أن السيدة مريم، إما:

أ- أنها قد تزوجت من يوسف النجار، وأنجبت المسيح، وهو بذلك يخالف المسيحيين أيضًا، وكذلك المسلمين، حيث إن السيدة مريم لم تكن متزوجة من أحد.

ب- أو أن السيدة مريم ، كانت غير متزوجة من يوسف النجار، وبذلك يكون قد نسبها إلى الفحش والفجور، ومن ثم نسب ولدها إلى أنه وَلَد زنا، موافقًا بذلك ادّعاءات وافتراءات اليهودية، وذلك كله ادّعاء باطل.

لذلك فإن لوقا بكلامه، يكون مناقضًا للمعتقد التي عليه المسيحية الآن.

ومن الأدلة على بطلان الادّعاء بالإلهام من الله تعالى لمؤلفي الأناجيل:

1- أننا نجد أن (لوقا) يذكر في إنجيله ويقول (نحو) أي (ما يُقارب)، وفي ذلك إشارة واضحة بيّنة إلى عدم إيحاء الله تعالى له، ومن ثم بطلان الادّعاء بالإلهام من الله عز وجل.

لأنه لو كان ما يقوله (لوقا) وحيًا من الله تعالى، لذكر ما يكتبه من أحداث بالصيغة الجازمة المثبتة، الغير تقديرية منه، والخاضعة لعقله، ومن ثم احتمال الصواب والخطأ فيها.

2- أننا نجد: أن لوقا ومرقس أو غيرهما، ليسوا من الحواريين.

فإذا كان الأمر بالنسبة للحواريين (أصحاب وتلاميذ المسيح)، إذا ما ادّعى أي منهم الإلهام من الله تعالى، يحتاج إلى الإثباتات والدلائل البيّنة التي توضح وتؤكد ذلك الادّعاء المزعوم بالإلهام، مع عدم وجود أي من تلك الإثباتات أو الدلائل، فما بالنا بغير الحواريين، إذا ما ادّعى أي منهم الإلهام؟؟

وإذا لم يثبت بدليل بيّن واضح، إلهام أي من الحواريين، فهل يكون (لوقا ومرقس ..) من ذوي الإلهام؟؟

بالطبع: لا، فما ذلك كله إلا ادّعاء كاذب، وافتراء باطل على الله تعالى.

قال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾ [سورة الأنعام: 93]

3- ومن الأدلة على بطلان الادّعاء بالإلهام: التناقضات والاختلافات والأغلاط الفاحشة في الأناجيل ومن ثم الكتاب المقدس للنصرانية، المتضمن لها.

إن التناقضات والاختلافات، والأغلاط الفاحشة في الأناجيل، ومن ثم الكتاب المقدس للنصرانية، تثبت بطلان الادّعاء بالإلهام لكتبة ومؤلفي الأناجيل المختلفة، حيث إنه:

من المفترض أنه لا اختلاف بين ما يُلهمه مؤلفوا الأناجيل، وأنه لابد وأن يكون واحدًا فقط، وليس ذو تناقض واختلاف.

ولكن ما نجده، وكما هو متضح من الأناجيل المختلفة: أن مؤلفي الأناجيل إنما يكتبون ويؤلفون حسب طبائعهم وعاداتهم، ومفهومهم، وأن ما يُدعى بالإلهام، إنما هو ادّعاء لا سند له، ولكنه التوهم والتخمين.

فالأناجيل مليئة بالتناقضات والاختلافات، اللفظية والمعنوية، وعلى سبيل المثال لا الحصر: نجد أن إنجيل متى ومرقس يتناقضان ويختلفان في التحرير (كتاباتهما)، وإذا ما اتفقا (نادرًا)، نجد أن إنجيل لوقا يكون مخالفًا لهما.

ومن المعلوم أنه كان هناك أناجيل أخرى كثيرة، موجودة، ولكن ما حدث، هو: أن تم اختيار 4 أناجيل، وهي إنجيل متى، ولوقا، ومرقس، ويوحنا، وكان من الممكن أن يكون الاختيار لتلك الأناجيل أكثر أو أقل من ذلك العدد المُختار لتلك الأناجيل الأربعة.

والتساؤل المهم، الذي يوضح بطلان ذلك الادّعاء بالإلهام لمؤلفي الأناجيل، هو:

إذا ما كان مؤلفوا الأناجيل المختارة مُلهمين في زعم النصرانية، فهل يكون أي من أصحاب الأناجيل الأخرى مُهلمًا، إذا أضيف إنجيله الذي قد ألفه لمحتويات الكتاب المقدس للنصرانية؟!

وإذا ما تم استبعاد أي من تلك الأناجيل الأربعة عند الاختيار من بين كثير من الأناجيل، فهل يعني ذلك أن كاتبه ومؤلفه ليس بملهم؟؟

هل ذلك المقياس القائم على التخمين واتباع الأوهام والظنون، والمترتب على الاجتماعات والندوات (كما في مؤتمر نيقيه 325 م) المُعرّضة للخطأ والإصابة، والتي ينتاب اقتراحاتها وقراراتها التغيير والتعديل، من جيل إلى جيل، ومن كنيسة لأخرى، هو من يحكم بإلهام أو غير إلهام هؤلاء المؤلفين لتلك الأناجيل، التي يتضمنها الكتاب المقدس للنصرانية، والذي تنسبه النصرانية إلى الله تعالى، وتزعم حفظه؟!!

بالطبع: لا، ولذلك: فإن الادّعاء بالإلهام لمؤلفي الأناجيل المختلفة، والمليئة بالتناقضات والاختلافات، والأغلاط الفاحشة إنما هو ادّعاء كاذب، وزعم باطل.

4- ومن الأدلة على بطلان الادّعاء بالإلهام، أننا نجد:

أن النصرانية قد دسَّت أبناء الزنى (في العهد القديم) في سلسلة نسب المسيح (في العهد الجديد) بكتابها الذي تزعم قدسيته، وذلك على الرغم من اعتقادها بألوهية المسيح، وأنه هو الربّ والمخلّص، وعلى الرغم أيضًا من أن المسيح لا نسب له أصلًا، لأنه قد وُلد من غير أب.

ولكننا نجد النصرانية قد اخترعت له (المسيح) نسبًا، متضمنًا لستة من الزناة وذريتهم، مع أنه كان من المفترض أن يُرجموا، وفقًا لحكم الله تعالى فيهم (كزناة)، كما أوحى جل وعلا بذلك إلى نبيه موسى عليه السلام.

وذلك يوضح ويبيّن: بطلان الادّعاء بالهام مؤلفي الأناجيل من الله تعالى، حيث:

إن مثل تلك الافتراءات لا يمكن أن يكون مصدرها الوحي الإلهي، ولكنها الأهواء والشهوات، المُحرِّك الأساسي، والدافع القوي لمثل تلك الادّعاءات الكاذبة، والافتراءات الباطلة.

ومن التناقض العجيب أيضًا (الذي تزعمه النصرانية) أن أحد مؤلفي الأناجيل المتضمن لها الكتاب المقدس للنصرانية، وهو متى، قد قام بتسجيل 26 اسمًا في سلسلة، مُدّعيًا بأنها سلسلة نسب المسيح من جهة أبيه، على الرغم من أن المسيح قد وُلِد من غير أب.

وأما إذا ما حاولت النصرانية خروجًا من ذلك المأزق الكبير الذي قام متى بوضعها فيه من خلال ما ذكره في إنجيله، وزعمت (النصرانية) بأن تلك السلسلة لنسب المسيح إنما هي من جهة والدته (السيدة مريم)، فذلك زعم غير صحيح مطلقًا، والسبب في ذلك ببساطة وبوضوح، هو: أن متى لم يذكر اسم السيدة مريم في تلك السلسلة وفي غيرها.

وعلى الرغم من اعتقاد متى في (المسيح) بأنه إلهه ومُخلّصه، إلا أنه يضع تلك السلسلة كآباء وأجداد لإلهه الذي يعبده.

تعالى الله عز وجل عن كل ذلك علوًا كبيرًا.

ثم نجد أن لوقا (أحد مؤلفي الأناجيل) يضع هو الآخر في إنجيله نسبًا للمسيح (الذي لم يكن له نسب أصلًا)، على الرغم من أنه يعتقد فيه (في المسيح) الألوهية، ويعتقد أنه مخلّصه.

إلا أننا نجد: أن لوقا في إنجيله لم يوافق متى على تلك السلسلة من النسب المزعوم للمسيح، فهو لم يكتف بـ (26) أبًا وجدًا لإلهه الذي يعبده (المسيح)، بل إنه سجل (41) أبًا وجدًّا لإلهه ومخلصه الذي يؤمن به.

تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرا.

وكما أوضحنا، فإن متى ولوقا قد وضعا في تلك السلسلة من النسب المزعوم، العديد من الزناة، تعالى الله عز وجل عن مثل تلك الادّعاءات الكاذبة، والافتراءات الباطلة علوًا كبيرًا.

ومن التناقض العجيب أيضًا:

أنه في كلتا سلسلتي النسب المزعوم للمسيح، بإنجيل متى ولوقا، لا نجد إسمًا واحدًا مشتركًا بين تلك الأسماء الموجودة في أي من القائمتين للنسب المزعوم، سوى اسم يوسف، الذي يزعم كل منهما (متى ولوقا) في غرابة ودهشة، أنه والد المسيح، كما يتبين من إنجيل لوقا (3: 23)، وذلك بعد حذف ما بداخل علامتي التنصيص، لأنه ليس في الأصل أو المخطوط من الكتاب المقدس للنصرانية، ولكنه إضافة وحشو من تلقاء المترجم، كما تقرّ النصرانية بذلك.

ومما أشرنا إليه بإيجاز، نستنتج: بطلان الادّعاء بالإلهام لمؤلفي الأناجيل من الله تعالى.

كتاب النصرانية والأناجيل المفقودة

لقد اتضح لنا من بعض النقاط السابقة بذاءة وفحش الكلمات المستخدمة في تأليف الكتاب المقدس للنصرانية، مما يؤكد استحالة كونه منزلًا من الله تعالى.

فالله سبحانه وتعالى موصوف بجميع صفات الكمال، ومُنزه عن النقائص والعيوب.

وفي حال الادّعاء بأن تلك الكلمات البذيئة الفاحشة مُنزّلة من عند الله تعالى، فإن ذلك يعني وصفه سبحانه وتعالى بالنقائص والعيوب، فتعالى الله عز وجل عن ذلك علوًا كبيرًا.

فالكتاب المقدس للنصرانية ما هو إلا مؤلفًا لمجموعة من المؤلفين المجهولين (كما سوف نوضح ذلك بمشيئة الله تعالى) الذي قاموا بتأليف أسفاره وفقًا لأهواء كل منهم، واختلافها، ومن شواهد ذلك:

خضوع الكتاب المقدس للنصرانية دائمًا للتنقيحات والمراجعات، والحذف والتغيير والتبديل، كما هو متضح للجميع، وسيظل كذلك إلى ما شاء الله.

وما يدل ذلك إلا على: أن الكتاب المقدس للنصرانية ليس مُنزّلا من عند الله تعالى، وذلك لأن كلام الله عز وجل لا يمكن لمخلوق أن يضيف إليه أو يحذف منه أو يغير فيه حرفًا واحدًا.

فالمسيح عليه السلام لم يكتب كلمة طوال حياته، ولم يأمر أي شخص بكتابة أي منها، كما تعترف وتقرّ المسيحية بذلك.

لذلك فإن الكتاب المقدس للنصرانية، عبارة عن: كتب مجهولة الهوية، كما يشهد بذلك علماءها المتخصصين، (كما سنوضح ذلك بمشيئة الله تعالى في النقاط التالية).

بل إن من التناقض العجيب، أننا نجد (على سبيل المثال لا الحصر): أن الإنجيل المنسوب إلى المؤلف متى ليس بإنجيل متى.

فعلى الرغم من وقوع الكتاب المقدس للنصرانية في التناقض الكبير في حال كونه منسوبًا إلى غير المسيح وهو الذي قد جاء بالرسالة، وأنزل الله تعالى عليه الوحي، إلا أننا نجد أن المؤلفين الذين يُنسب إليهم بعض الأناجيل، ليسوا هم بمؤلفيها، وأن مؤلفيها مجهولون، ومثال ذلك: إنجيل متى، ونوضح ذلك من خلال نقل ما بيّنه الشيخ/ أحمد ديدات، وعلّق عليه، في إحدى مناظراته، بتصرف يسير.

ففي (إنجيل متى، إصحاح 9، فقرة 9)، نجده يقول:

«وفيما يسوع (يعني المسيح عيسى) مُجتاز من هناك رأى (يعني: المسيح عيسى) إنسانًا جالسًا عند مكان الجباية فقال (المسيح عيسى) له (يعني: متى) فقام من التوّ وتبعه».

والتساؤل المهم: من كتب مثل ذلك الكلام؟! هل هو الله؟! بالطبع: لا

هل المسيح هو من كتب ذلك؟! بالطبع: لا

إذن فلم يبق سوى متى، فهل كتب متى ذلك؟! بالطبع: لا

فلو أن متى هو من كتب ذلك، لقال: [وفيما يسوع مجتاز من هناك رآني (بدلًا من جملة رأى إنسانًا) جالسًا عند مكان الجباية فأتى نحوي وقال لي (بدلًا من: له) فقمت (بدلًا من: فقام) من التوّ وتبعته (بدلًا من: وتبعه)].

فالاستنتاج إذن، هو: أن متى نفسه لم يكتب ذلك الإنجيل، ومن ثم فإن مؤلف ذلك الإنجيل يكون مجهولاً.

لذلك: فإن الكتاب المقدس للنصرانية لا يمكن أن يكون منزلاً من عند الله تعالى، وإنما هو عبارة عن كلمات وعبارات لمؤلفي مجهولين، كما هو واضح جليّ.

ونجد أيضًا: أن النصرانية قد استخدمت في كتابها كلمات لا تزال مجهولة المعنى، مبهمة، وذلك إلى الآن.

فأي لغة تلك التي كُتبت بها كلمات كتاب النصرانية، ولم يعرف علماءها (علماء النصرانية) لها معنى، وهي لا تزال موجودة به، ومن مثل تلك الكلمات:

لوبيم، لهبيم، بتروسيم، مالتوهيم، أماميم، كاثلوهيم ... إلى غير ذلك، فبأي لغة يتحدث الكتاب المقدس للنصرانية؟!

الجواب، هو: أن تلك الألفاظ لا معان لها على الحقيقة، وأن يدًا خفية قد تناولت ذلك الكتاب الذي تقدسه النصرانية بالتحريف والتغيير والتبديل.

ومن المعلوم، أيضًا: أن أسماء الأعلام لا تُترجم، ولكن تُترجم الكلمات فقط.

ولكننا نجد التناقض العجيب في كتاب النصرانية: وهو ترجمة أسماء الأعلام، وتغييرها، وتحريفها عما كانت عليه، ومثال ذلك:

اسم (بطرس)، تم تغييره وتحويله إلى (بيتر)، وهناك فرق كبير واضح، ولكنه التحريف والتبديل.

لذلك: فإن الكتاب المقدس للنصرانية، لا يمكن أن يكون كلام الله عز وجل، وذلك:

لأن كلام الله تعالى ليس لمخلوق حق في أن يغيّر فيه حرفًا واحدًا، حتى وإن كان ذلك في الأسماء.

ومن ثم فإن الكتاب المقدس للنصرانية ليس إلا صناعة بشرية، كما هو واضح جليّ لنا.

ونوضح أيضًا، أنه من التناقض العظيم بالكتاب المقدس للنصرانية:

أنه (الكتاب المقدس للنصرانية) يتضمن العديد من الكتب التي كانت يكثر حولها الجدل، باعتبارها ليست من كلام الله تعالى، ولكننا نجد بكل بساطة وجرأة، إدراجها وإضافتها داخلة (داخل الكتاب المقدس للنصرانية) وفقًا لما تمليه الأهواء والعقول المختلفة، ومثال ذلك:

(رؤيا يوحنا)، آخر كتب العهد الجديد، والذي يتضمنه الكتاب المقدس للنصرانية، فقد كان مرفوضًا حيث كان يُسمى بالهرطقة (كلام ركيك ليس له معنى، ولا يوجد من وراءه غاية أو نفع)، إلى أن أضيف عام 382 م في مؤتمر قسطنطينيه).

ونجد أيضًا، أن من التناقض العظيم بالكتاب المقدس للنصرانية:

أنه (الكتاب المقدس للنصرانية) كان متضمنًا لكتب كانت شائعة في القرون الأولى للكنيسة على أنها من عند الله تعالى، ولكنها حُذِفت بعد ذلك باعتبارها تلفيقًا، وأنها ليست من عند الله، ومثال ذلك

(كتاب الراعي): إحدى كتب العهد الجديد الذي يتضمنه الكتاب المقدس للنصرانية، وهو كتاب عن الرؤى، حيث كان ذلك الكتاب شائعًا في القرون الأولى للكنيسة حتى أواخر القرن الخامس، ثم تم إسقاطه بعد ذلك.

والتساؤل المهم: أي كتاب ذلك الذي تزعم النصرانية قدسيته، ونزوله من عند الله تعالى، مع ما فيه من تلك التناقضات العظيمة البيّنة؟!

وكيف كان يتعبد معتنقوا النصرانية بمثل تلك الكتب المجهولة، التي لا علاقة لها بالوحي (كما يُقرّون)؟!

وما المانع إذن من أن تحذف كتب أخرى يتضمنها الكتاب المقدس للنصرانية، باعتبارها تلفيقًا (صناعة بشرية) من قِبَل علماء النصرانية المتقدمين في الأزمنة المتقادمة، كما حدث في غيرها؟!

لا شك: أن الكتاب المقدس للنصرانية ليس إلا كتابًا خارجًا عن الإطار الربّاني، كما هو واضح جَليّ مما ذكرنا، ولذلك كان انحراف النصرانية عن المسار الصحيح الذي كان عليه المسيح وأتباعه.

الأناجيل الأخرى:

لقد أظهرت الإكتشافات الحديثة في الصحراء المصرية: أنه في أول أربعمائة سنة بعد المسيح، كان موجودًا أكثر من عشرين إنجيل.

ومن الأناجيل الأخرى، التي لم تُختار ليتضمنها الكتاب المقدس للنصرانية:

- إنجيل توماس - إنجيل بطرس - إنجيل فيليب

- إنجيل الطفولة ليعقوب - إنجيل مريم المجدلية ..... إلى غير ذلك.

فالاكتشافات التي قد تمت في نجع حمادي عام 1945 م غيرت تمامًا الفكرة عن المسيحية الأولى، ومثال ذلك:

- إنجيل توماس: فإنه يوضح أن الاعتقاد للمسيحيين بصلب المسيح وموته وقيامته من الموت، لم يكن مقطوعًا به في القرن الثالث والرابع الميلادي.

- ولو أن إنجيل بطرس تم اعتماده وقبوله لكان النصارى اليوم آمنوا بأن المسيح لم يمت على الصليب، ولتغيّرت شكل المسيحية تمامًا.. ، إلى غير ذلك من الأناجيل الأخرى.

فائدة:

يتبيّن لنا جميعًا، مما أوردنا آنفًا:

أن تلك الأناجيل الأربعة التي يتضمنها الكتاب المقدس للنصرانية، وغيرها مما هو مُدرج أيضًا داخل كتاب النصرانية، ليس بكلام المسيح عليه السلام، الذي قد جاء بالرسالة وأُنزل عليه الوحي.

حيث إننا نجد، ما يسمى بـ: إنجيل متى، إنجيل لوقا، إنجيل مرقس، إنجيل يوحنا، إنجيل توماس، إنجيل بطرس، إنجيل فيليب، إنجيل مريم ..... إلى غير ذلك من الأناجيل.

ولكننا لا نجد من بين تلك الأناجيل الإنجيل الذي يُعترف به من الجميع على أنه وحي من الله تعالى، وهو إنجيل المسيح عليه السلام.

لذلك: فإن تلك الأناجيل التي قد تضمنها الكتاب المقدس للنصرانية، أو غيرها من الأناجيل الأخرى، ليست إلا إضافات بشرية مختلفة (كما هو واضح لنا) خارجة عن الإطار الربّاني اللازم لهداية البشرية إلى الله تعالى.

كيفية وصول الأناجيل، واختيارها،

ونسبة الكلام المنسوب إلى المسيح فيها

بداية، علينا أن نعلم: أنه لابد لكون الكتاب سماويًا (أي لكونه منزّل من عند الله تعالى، لا من تأليف وصنع البشر) واجب التسليم به:

أن يثبت أولًا، بدليل، أن هذا الكتاب كُتب بواسطة النبي الفلاني، ووصل بعد ذلك بالسند المتصل بلا تغيير ولا تبديل.

والاستناد إلى شخص يُدعى أنه ذو إلهام بمجرد الظنّ والوهم (كما تزعم النصرانية) لا يكفي في إثبات أنه كتاب سماوي.

لذلك: فإن أهل الكتاب لا يوجد لديهم سند متصل لكتاب واحد من كتب العهد القديم أو الجديد (التي يتضمنها الكتاب المقدس للنصرانية)، وهم مُقرّون ومُعترفون بذلك، حيث يقولون:

إن سبب فقدان السند عندنا (المسيحيين) هو وقوع المصائب والفتن على المسيحيين إلى مدة 313 سنة ([7]).

والعجيب: أنه على الرغم من فقدان النصرانية لسند كتابها المقدس، وعدم وجود سند لكتاب واحد من كتب العهد القديم أو الجديد (التي يتضمنها الكتاب المقدس للنصرانية) يثبت رجوعه إلى زمن المسيح، إلا أنها ببساطة، وبلا أدنى مبالاة، تؤمن بما في يديها من مؤلفات بشرية خاضعة للتناقض والاختلافات، والتغيير بتقادم الزمان، وتنسبها إلى الله تعالى، دون حجّة أو برهان، ودون دليل وسلطان مبين.

والعجيب أيضًا:

أنه عند التفحص في كتب الإسناد لها (النصرانية) لا يُرى فيها شيئًا غير الظنّ والتخمين، فهي تعتمد على الظن والتخمين، لا على الدليل والبرهان.

ومن المعلوم أن الظنّ لا يغني من الحق شيئًا، وما دامت لم تأت (النصرانية) بدليل شاف وسند متصل، فهذا يدل على أن ما بيديها الآن ليس بكتاب سماوي، حيث تناولته الأيدي البشرية الخبيثة بالتحريف والتبديل تبعًا للأهواء والشهوات، كما يتضح ذلك مما يتضمنه الكتاب المقدس للنصرانية ويحتويه من تناقضات واختلافات ([8]).

ولذلك: فإننا نجد أن كتاب النصرانية يتضمن كتبًا تسمّى باسم متى ولوقا ومرقس ويوحنا، وبولس، .... بالإضافة إلى ضعفي هذا العدد من الكتب ذات الأسماء الغامضة.

ومن العجيب أيضًا: أنه لا يوجد كتاب واحد من تلك الكتب (التي يتضمنها الكتاب المقدس للنصرانية) يُنسب إلى المسيح.

وهنا نشير إلى إحدى الشواهد والدلائل والبراهين التي تشهد بصدق رسالة النبي محمد r، وهي: أنه لو كان محمد r هو مؤلف القرآن الكريم، ما كان ليعجز عن أن يجعل القرآن الكريم متضمنًا بجانب السورة التي تسمى باسم مريم (والدة المسيح)، سورة أخرى باسم والدته r، الحانية العطوفة (آمنة)، أو زوجته العزيزة (خديجة)، أو ابنته الحبيبة (فاطمة)، ولكن حاشاه r أن يفعل مثل ذلك، فمثل ذلك لا يمكن أن يكون أبدًا، وذلك:

لأن القرآن الكريم ليس من صنع أو كلام محمد، وإنما هو كلام الإله الخالق، رب العالمين([9]).

ومما سبق، يمكن القول: بأنه لا يمكن توضيح كيفية وصول الأناجيل إلى يدي النصرانية اليوم، لأنه لا سند متصل لكتاب واحد من كتب العهد القديم أو الجديد، التي يتضمنها كتابها المقدس.

ولكن ما يمكن توضيحه بإيجاز: هو كيفية نشأة الكتاب المقدس للنصرانية.

فالكتاب المقدس للنصرانية، ما هو إلا بقايا من الذكريات المتناثرة، حيث ظلّت تتناقل شفاهية، تفسرها الأهواء، وتضيف إليها، وتحذف منها، وتحرفها كيفما تشاء، حتى تم إخراجها عن إطارها الربّاني، وإلقاءها في أحضان عدد من الوثنيات القديمة، والفلسفات الوضعية، التي جعلتها عاجزة عن هداية أتباعها([10]) (كما أوضحنا في النقاط السابقة).

وهذا هو السبب الحقيقي من وراء المظالم التي تسود الأرض في زماننا، من جهة النصرانية.

وحين تم التدوين لبعض تلك الذكريات القديمة، تم بلغات غير لغات الوحي([11])، حيث إن أقدم إنجيل نجده، إنما هو باللغة اليونانية، وهي لغة لم يتكلمها المسيح، بل إن أقدم إنجيل يرجع زمانه إلى ما يقارب الـ 300 سنة أو يزيد من زمن المسيح.

ولقد تم ذلك التدوين لتلك الذكريات القديمة بواسطة أقلام متفرقة (أقلام مؤلفي الأناجيل وغيرهم من أصحاب الرسائل ومن سواهم)، في أماكن متعددة، وفي أزمنة متباعدة، وصلت إلى العديد من القرون بعد موت أو رفع الرسول الذي تلقّى الرسالة الأصلية، والتي فقدت أصولها السماوية بالكامل.

ولذلك تعدّدت الأسفار والأناجيل، وتناقضت المعلومات وكثرت المراجعات إلى يومنا الراهن، وستظل كذلك إلى ما شاء الله([12]).

وفي ذلك دليل دامغ على أن الكتاب المقدس للنصرانية، ليس بكلام الإله الخالق، وإنما هو مؤلف كبير للعديد من المؤلفين.

كيفية اختيار الأناجيل:

لقد تم اختيار الأناجيل الأربعة (متى ولوقا ومرقس ويوحنا) التي يتضمنها الكتاب المقدس للنصرانية، من بين الكثير والكثير، العشرات والعشرات، بل المئات والآلاف من الأناجيل.

ولقد تم اختيارها وفقًا لما يتوافق مع الأهواء من تأليه للمسيح (كما كان ذلك معتادًا في معتقد كلا من اليونان والرومان، وغيرهما، من تجسيد للإله في صورة بشرية، كما أوضحنا سابقًا)، وتبعًا للشهوات، كما في تحليل وإجازة شرب الخمور ... وغير ذلك.

أي، أنه قد تم اختيار تلك الأناجيل بلا أدنى أسس عقلية منطقية.

ولقد كان من الممكن أن تكون الأناجيل المُختارة غير تلك الأناجيل الأربعة، أو أن يكون عددها أقل أو أكثر من أربعة أناجيل.

والتساؤل المهم: هل يمكن أن يكون كتاب الإله الخالق، العليم الحكيم، العظيم القدير، عُرضة لمثل تلك الاحتمالات أو غيرها؟!

بالطبع: كلا، لذلك فإن الكتاب المقدس للنصرانية الذي كان مُعرضًا لأن يكون عدد الأناجيل المختارة به أقل أو أكثر من الأربعة أناجيل المتضمن لها حاليًا، لا يمكن أن يكون كلام الإله الخالق، العليم الحكيم، العظيم القدير، وإنما هو مؤلف كبير للعديد من المؤلفين المجهولين، والذي كان من الممكن ببساطة، أن يكون لغيرهم (لغير مؤلفي الكتاب المقدس للنصرانية)، إذا ما تمّ اختيار غير تلك الأناجيل الأربعة.

ومن التناقض العجيب:

أن تلك الأناجيل التي قد تم اختيارها، ليست منسوبة إلى المسيح عليه السلام، وهو الذي قد أنزل الله تعالى عليه الوحي، لا غيره من مؤلفيها (مؤلفي الأناجيل).

فإننا نجد ما يسمى بإنجيل متى، وليس بإنجيل المسيح عليه السلام.

ونجد أيضًا ما يسمى بإنجيل لوقا، وليس بإنجيل المسيح عليه السلام.

ونجد أيضًا ما يسمى بإنجيل مرقس، وليس بإنجيل المسيح عليه السلام.

ونجد أيضًا ما يسمى بإنجيل يوحنا، وليس بإنجيل المسيح عليه السلام.

بل إن ما زاد من ذلك التناقض العجيب:

أن ما بتلك الأناجيل الأربعة، التي قد تمّ ترشيحها لإدراجها ضمن الكتاب المقدس للنصرانية، ليست بكلام المسيح، ولكنها من كلام غيره، حيث إن نسبة الكلام المنسوب إلى المسيح في تلك الأناجيل الأربعة لا يتجاوز الـ 10% ، على الرغم من أن المسيح هو من أُنزل عليه الوحي، وهو من جاء بالرسالة.

ويوضح ما ذكرنا: ما يُسمّى بإنجيل الحروف الحمراء، حيث إن ما كتب بالحروف الحمراء (ذات اللون الأحمر) هو ما نسب إلى كلام المسيح، وهو لا يتجاوز الـ 10% مما كتب فيها، والباقي يرجع إلى أشخاص ومؤلفين آخرين (مجهولين)، وهو مكتوب بالحروف ذات اللون الأسود.

لذلك: فإن ما أشرنا إليه، يوضح ويؤكد أن الكتاب المقدس للنصرانية ليس من كلام

الله تعالى، وإنما هو مؤلف لمجموعة من البشر المجهولين.

([1]) المسيح في الإسلام، للشيخ/ أحمد ديدات.

([2]) محمد الأعظم، للشيخ/أحمد ديدات.

([3]) نفس المصدر السابق، بتصرف.

([4]) المسيح في الإسلام، للشيخ/ أحمد ديدات.

([5]) هل الكتاب المقدس كلمة الله، بتصرف للشيخ/ أحمد ديدات.

([6]) الخلاف الحقيقي بين المسلمين والمسيحيين، للشيخ / أحمد ديدات.

([7]) كتاب إظهار الحق، بتصرف يسير، للشيخ/ رحمة الله الهندي.

([8]) كتاب إظهار الحق، بتصرف يسير، للشيخ/ رحمة الله الهندي.

([9]) المسيح في الإسلام، بتصرف يسير للشيخ/ أحمد ديدات.

([10]) من آيات الإعجاز العلمي في القرآن الكريم (الحيوانات)، للدكتور/ زغلول النجار.

([11]) نفس المصدر.

([12]) من آيات الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، بتصرف يسير د/ زغلول النجار.