عقيدة الدروز

الباب الثالث

شريعة الدروز وتقسيم المجتمع عندهم

وموقفهم من الأديان والفرق الأخرى

يتضمن فصلين اثنين :

الفصل الأول : شريعة الدروز وتقسيم المجتمع عندهم ... ويتضمن ما يلي :

1 – نقضهم أركان الإِسلام ، وفرضهم بدلها سبع دعائم تكليفية .

2 – الزواج والطلاق والوصية عندهم .

3 – تقسيم المجتمع الدرزي .

الفصل الثاني : موقف الدروز من الأديان والفرق الأخرى ... ويتضمن ما يلي :

1 – موققهم من اليهود .

2 – موقفهم من النصارى .

3 – موقفهم من طائفة النصيرية .

الفصل الأول

شريعة الدروز وتقسيم المجتمع عندهم

1 – نقضهم أركان الإِسلام ، وفرضهم بدلها سبع دعائم تكليفية .

إن أول ما بدأه دعاة الدروز بعد إعلان ألوهية الحاكم ، هو نقض الشريعة الإِسلامية وأركانها حتى يتسنى لهم أن يأتوا بشريعة تخالف وتنسخ شريعة الإِسلام ، ففي رسالة ( الجزء الأول من السبعة أجزاء ) توضيح لذلك إذ تقول :

اعلموا معاشر الموحدين لمولانا الحاكم ، المقرين بإمامة عبده القائم ، أن لما غابت صورة المعبود وامتنع قائم الزمان عن الوجود ، أيست كثير من النفوس عند غياب العيان المحسوس وتشاجروا في الحلال والحرام ، وقالوا : هل فرض الباري سبحانه على لسان الإِمام فرائض يتمسك بها الأنام ، وقال بعضهم : لابد للأمة من فرائض تضبطها عن الأهواء المحلومة من خوف أن تربطها ، ولو لم يكن ذلك لزال الحفاظ .

فلما رأيت ذلك وما قد وقع في نفوسهم من الأياس ... فتأملت كتابا وصلني من حضرة مولاي قائم الزمان عليه من معبوده أفضل التحية والسلام ، يرسم لي فيه وضع الكتب وقراءتها على أهل البصائر ... ويأمرني بإيضاح ما اشتكل على الطائفة من العلوم ، واشتهار ما علمته من الفرائض والرسوم ، فوضعت هذا الكتاب وهو الجزء الأول من السبعة أجزاء تشتمل على فرائض فرضها مولانا سبحانه ذو المنة والإِحسان ، ونطق بها عبده قائم الزمان ، تتلوا بعضها بعضا ) ([1]).

(( فمسلك التوحيد في اعتقادهم تجاوز الدعائم الإِسلامية من حيث معناها المادي الظاهر ، ليسموا بها إلى معانيها ومقاصدها الحقيقية )) ([2]).

ولهذا فقد اتخذ له فرائض توحيدية وردت في ( رسالة ميثاق النساء ) حيث تقول : ( ويجب على سائر الموحدات أن يعلمن أن أول المفترضات عليهن معرفة مولانا جل ذكره وتنزيهه عن جميع المخلوقات ثم معرفة قائم الزمان وتمييزه عن سائر الحدود الروحانيين ، ثم معرفة الحدود الروحانيين بأسمائهم ومراتبهم وألقابهم ...

فإذا علمن ذلك وجب أن يعلمن أن مولانا جل ذكره قد أسقط عنهن السبع دعائم التكليفية الناموسية ، وفرض عليهن سبع خصال توحيدية دينية ، أولها وأعظمها : سدق اللسان ، وثانيها : حفظ الإِخوان ، وترك ما كنتم عليه وتعتقدوه من عبادة العدم والبهتان ، ثم البراءة من الأبالسة والطغيان ، ثم التوحيد لمولانا جل ذكره في كل عصر وزمان ودهر وأوان ، ثم الرضى بفعله كيف ما كان ، ثم التسليم لأمره في السر والحدثان . فيجب على سائر الموحدين والموحدات حفظ هذه السبع خصال والعمل بها وسترها عمن لم يكن من أهلها ) ([3]).

ونفهم من هذه الرسالة أن المولى قد أسقط عنهم سبع دعائم تكليفية ناموسية ، وفرض عليهم سبع خصال توحيدية هي :

1 – أولها وأعظمها : سدق اللسان – ونلاحظ دائمًا أن الدروز لا ينطقون كلمة الصدق بالصاد ، إنما ينطقونها ويكتبونها بالسين ، وسبب ذلك هو حساب الجمل ، فالسين تساوي ستين ، والدال تساوي أربعة ، والقاف مائة ، فيكون المجموع مائة وأربعة وستين هم عدد حدود الدروز ، ذلك أن حد الإِمامة تسعة وتسعون ( أي أسماء الله الحسنى ) ، أي أن للإِمام تسعة وتسعين داعيًا ، ولكل من الجناح الأيمن والجناح الأيسر ثلاثون داعيًا مجموعهم ستون داعيًا . يضاف إلى ذلك أربعة حدود علوية ، فالمجموع الكلي مائة وثلاثة وستون حدا ، يبقى بعد ذلك حد ، وهو قائم الزمان حمزة بن علي ، ومن هنا نطقوا كلمة صدق ومشتقاتها وكتبوها بالسين حتى تتفق مع حروف الجمل على هذا النحو .

2 – حفظ الأخوان : هذا لا يعني الأخوة الإِنسانية بل تعني بالأخ من شاطرها هذه الخصال .

3 – ترك ما كان عليه الموحدون وما اعتقدوه من عبادة العدم والبهتان : أي أن كل عبادة تقدم لسوى الحاكم لا تصادف إلا عدما .

4 – البراءة من الأبالسة والطغيان – والمقصود الأنبياء - .

5 – التوحيد للمولى في كل عصر وزمان .

6 – الرضا بفعله كيفما كان .

7 – التسليم لأمره في السر والحدثان .

ولا عجب في تفاني حمزة بالحث على الرضا والتسليم إذ يعلم أن القوم سوف يقرأون ما كتبه عن أفعال الحاكم مما يثير الاعتراض وسوء الظن ولذا شدد على ذلك وقال في رسالة الرضا والتسليم : ( إياكم أن تكرهوا شيئا من أفعال مولانا فيكم ، أو تظنوا به ظن السوء ) .

وهذه السبع فرائض التوحيدية هي عوض السبع دعائم التكليفية :

فصدق اللسان عوض الصلاة .

وحفظ الإخوان عوض الزكاة .

وترك عبادة العدم والبهتان عوض الصوم .

والبراءة من الأبالسة والطغيان عوض الحج .

والتوحيد لمولانا عوض الشهادتين .

والرضا بفعله كيفما كان عوض الجهاد .

والتسليم لأمره في السر والحدثان عوض الولاية ) ([4]).

وفي كتاب النقط والدوائر حديث عن هذه الفرائض ، ومركز كل منها في معتقد الدروز ، حيث يقول كاتب هذا الكتاب :

والتوحيد هو المركز الأوسط ، لأنه بمحل الهيولي الساري في الطبائع ، فهكذا التوحيد ساري في الفرائض الأربعة المذكورة فما تقوى إلا به ، وكذلك التوحيد لا يقوى ولا يكمل في نفس الموحد إلا بعلمه بهذه الفرائض ، كما قال : إن سدق اللسان هو الإِيمان والتوحيد بكماله .

وقال عن حفظ الإِخوان : وأن بحفظهم يكمل إيمانكم أي توحيدكم . وقال عن ترك العدم : إن العدم مضاد للوجود وسبيل يستدرج إلى الإِنكار والتعطيل والجحود . وقال عن البراءة : فمن اعترف منكم منهم بولد أو والد أو أخ أو ذكر أو أنثى ، فهو ناكث للدين بريء من عظام الحجج والآيات .

ثم إنك إذا نظرت إلى دائرة هذه الفرائض ، فترى كل فريضة مقابلة ضدها وهي في ذاتها دائرة ، فترى سدق اللسان مقابلة ترك العدم ، وترى حفظ الإخوان قبالة البراءة من الأبالسة ، وفي ذلك أيضا فائدة ، وهي لما كانت هذه الفرائض قسمان : أمر ونهي ، فكان في هذه الدائرة اثنتان أمر وهما : سدق اللسان وحفظ الإخوان واثنتان نهي وهما : ترك العدم والبراءة من الأبالسة .

وأما المركز الذي هو التوحيد ، فهو الوجود والتنزيه الذي هو قاعدة العبادات والفرائض كلها لكونه في عدد الفرائض خامسًا ، لأنه غاية ونهاية ، وكذلك لكون مجتمع القوة في الخامس من كل شيء ، والحجج أربعة والإِمام خامسهم وهو أفضلهم ، وكذلك اجتمعت القوة في الناطق الخامس والأساس اخامس والإِمام الخامس ، وكذلك المقامات الخمسة التي ظهرت بالمُلك خامسهم الحاكم وهو الذي كشف التوحيد .

وأما الرضى والتسليم فهما فروع ، كما أن أصول الدعائم خمسة ، والجهاد والولاية فروع أيضًا .

ولما كان لا وصول إلى توحيد الباري سبحانه إلا بعد معرفته ، فلذلك جعلت المعرفة أول الفرائض كما قال : ويجب على سائر الموحدين أن يعلموا أن أول المفترضات عليهم معرفة مولانا جل ذكره عن جميع المخلوقات .

وهذه الفريضة التي هي المعرفة تفرعت عن الفريضة الخامسة التي هي التوحيد .

وأما السدق فيلزم العبد في عشرة أحوال ، وهي أصول لفروع كثيرة :

1) التسديق بألوهية الباري سبحانه ووجوده في الصورة الناسوتية ، وتنزيهه عن الصفات البشرية .

2) ثم التسديق بإمامة قائم الزمان صلوات الله عليه ، وأنه الإِمام السادق فيما بينه وشرعه وحلله وحرمه وأمره ونهاه .

3) ثم التسديق بفضيلة الحدود صلوات الله عليهم أعني الأربعة وشرفهم وكمالهم .

4) ثم التسديق ببقية حروف السدق سلام الله عليهم .

5) والتسديق بفريق الهدى أنهم الأمة الناجية من جميع الأمم .

6) ثم التسديق بالحكمة الشريفة أنها الدين الناجي .

7) ثم التسديق بانتقال النفوس الناطقة في الأجسام البشرية .

8) ثم التسديق بالقضاء والقدر وأنه عدل جاري من الله .

9) ثم التسديق بالقيامة أنها آتية بغتة لا ريب فيها ولابد منها .

10) ثم التسديق للإخوان الثقات فيما يقولوه .

أما البراءة من الأبالسة والطغيان ، فالأبالسة والطغيان مجتمع كل فريق الضلال أولهم إبليس اللعين ، فكلهم أبالسة وكلهم طغيان والأبلاس هو الإياس من الرحمة والبعد عن الغير ([5]).

وقد خصصت إحدى رسائل الدروز الكبرى ، والتي ألفها حمزة لنقض وإسقاط فرائض الإِسلام وعنوانها ( الكتاب المعروف بالنقض الخفي ) نورد هنا مقتطفات منها لأهميتها البالغة في معرفة نظرة الدروز إلى فرائض الإِسلام ، يقول حمزة في هذه الرسالة : ( أما بعد ، فقد سمعتم قبل هذه الرسالة نسخ الشريعة بإسقاط الزكاة عنكم ، وأن الزكاة هي الشريعة بكاملها . وقد بينت لكم في هذه الرسالة نقضها دعامة دعامة ، ظاهرها وباطنها ، وأن المراد في النجاة من غير هذين جميعًا ، وقد سمعتم بأن يصير هذا الباطن المكنون الذي في أيديكم ظاهرًا والظاهر يتلاشى ويظهر معنى حقيقة الباطن المحض ، وهذا وقته وأوانه وتصريح بيانه للموحدين ، لا للمشركين ، إلى أن يظهر السيف فيكون ظاهرًا مكشوفًا ، طوعًا وكرها ، وتؤخذ الجزية من المسلمين والمشركين كما تؤخذ من الذمة ، وقد قرب إن شاء مولانا وبه التوفيق .

فأول البناء وقبة النهاء شهادة ( لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ) ، التي حقن بها الدماء ، وصين بها الفروج والأموال ، وهي كلمتان : دليل على السابق والتالي ، وهي أربعة فصول : دليل على الأصلين والأساسين ، وهي سبع قطع : دليل على النطقاء السبعة ، وعلى الأوصياء السبعة ، وسبعة أيام ، وسبع ليالي ، وسبع أرضين ، وسبعة جبال ، وسبعة أفلاك ، وأمثال هذا أسابيع كثيرة ، وهي اثنا عشر حرفا ، دليل على اثني عشر حجة الأساسية ، وثانية بالمعرفة محمد رسول الله ، ثلاث كلمات دليل على ثلاثة حدود : الناطق والثاني فوقه ، والسابق فوق الكل .

وهي ست قطع دليل على ستة نطقاء ، وهي اثنا عشر حرفا دليل على اثنتي عشرة حجة له بإزاء الأساسية .

إلى أن يقول ... : وكذلك اللام راجع إلى الألف ، والألف الذي في ( اللام ) دليل على الإِمام ، والألف الثاني دليل على التالي ، واللام دليل على الناطق ، إذ كان الناطق من التالي انبعث ، ومنه كانت مادته ، فالألف الثالث من ( إلا ) بمنزلة السابق ، إذ هو بمنزلة رابع الحدود ، دليل على الحجة والداعي والمأذن ، والألف الذي في اللام ليس له حد واحد تاليه ، وكذلك الداعي يرجع إلى الإِمام لا غير ، والناطق إلى التالي ، والسابق بالحدود كلها . كذلك الألف الذي في ( الله ) واللامان المتصلان به بحد الناطق والتالي ، والهاء التي هي ختامهم رتبت بمنزلة أسامة ، فقال : ( لا إله إلا الله ) ألفا عن الكل المعنوية ، وأشار إلى أسامة وألزمهم بأن يقولوا ( محمد رسول الله ) وهي ثلاث كلمات لأنه ثالث السابق ، وهي ست قطع دليل على أنه سادس النطقاء .

ثم أقام بعد الشهادتين ، وبأساسه الصلاة في خمسة أوقات ، وقد روى كثير من المسلمين عن الناطق ([6]) بأنه قال : ( من ترك صلاته ثلاثًا متعمدًا فقد كفر ) وقال : ( من ترك الصلاة ثلاثًا متعمدًا ، فليمت على أي دين يشاء ) .

وقد رأينا كثيرًا من المسلمين يتركون الصلاة ، ومنهم من لم يصل قط ، ولم يقع عليه اسم الكفر ، فعلمنا أنه بخلاف ما جاء في الخبر ، وقد اجتمع كافة المسلمين بأن المصلي بالناس صلاته صلاة الجماعة فعله فعلهم وقراءته قراءتهم ([7])، حتى أنه لو سها في الفرض الذي لا تجوز الصلاة إلا به ، كان عليه الإِعادة مثل ما عليهم .

فإذا كان رجل مصل بالناس يقوم مقام أمته ، وتكون صلاته مقام صلواتهم ، فكيف مولانا سبحانه الذي لا يدخل في عدد التشبيه ؟ وله سنين بكثرة ما صلى بناس ولا صلى على جنازة ، ولا نحر في العيد الذي هو مقرون بالصلاة بقوله : ( فصل لربك وانحر ، إن شانئك هو الأبتر ) ([8]) فصار فرضًا لازمًا ، فلما تركه مولانا جل ذكره ، علمنا بأنه قد نقض الحالتين جميعًا الصلاة والنحر ، وأنه يهلك عدوه بغير هاتين الخصلتين ، وأن لعبيده رخصة في تركهما ، إذ كان إليه المنتهى ومنه الابتداء في جميع الأمور ، فبان له نقضه ، وقد بطل صلاة العيد وصلاة يوم الجمعة بالجامع الأزهر ، وهو أول جامع بني في القاهرة ([9])، وكذلك أول ما بطل هو ، فهذا ظاهر الصلاة ونقضها .

وأما الباطن فقد سمعتم في المجالس بأن الصلاة هي العهد المألوف ، وسمي ( صلاة ) لأنه صلة بين المستجيبين وبين الإِمام ، يعني علي بن أبي طالب ، واستدلوا بقوله : ( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ) ([10]) ، فمن اتصل بعهد علي بن أبي طالب انتهى من محبة أبي بكر وعمر ، وقد رأينا كثيرًا من الناس اتصلوا بعهد علي بن أبي طالب وكانوا محبين لأبي بكر وعمر ، وكانوا يمضون إلى معاوية ويتركون علي بن أبي طالب ، وقالوا : إن العهد في وقتنا هذا هو الصلاة ، لأنه صلة بينهم وبين مولانا جل ذكره ، والفحشاء والمنكر : أبو بكر وعمر ، وقد اتصل بعهد مولانا جل ذكره في عصرنا هذا خلق كثير لا يحصيهم غير الذي أخذ عليهم ، ولم يرجعوا عن محبة أبي بكر وعمر ، ولا عن خلاف مولانا جل ذكره وعصيان أوامره .

فقد صح عندنا أنه بخلاف ما سمعنا في المجالس ، ورأينا مولانا جل ذكره قد نقض الباطن الذي سمعناه ، لأنه أباح لسائر النواصب إظهار محبة أبي بكر وعمر ، وقريء بذلك سجل على رؤوس الأشهاد ... فعلمنا بأنه علينا سلامه ورحمته قد أسقط الباطن مثلما أسقط الظاهر ، فنظرنا إلى ما ينجينا من العذابين جميعًا ، ويخلصنا من الشريعتين سريعًا ، ويدخلنا جنة النعيم التي وعدنا بها ، فعلمنا بأن الصلاة هي لازمة في خمسة أوقات فإن تركها أحد من سائر الناس كافة ثلاثًا فقد كفر ، هي صلة قلوبكم بتوحيد مولانا جل ذكره لا شريك له على يد خمسة حدود : السابق ، والتالي ، والجد ، والفتح ، والخيال ، وهم موجودون في وقتنا هذا ، وهذه هي الصلاة الحقيقية ، لأن الصلاتين : الظاهر والباطن ، ومن مات ولم يعرف إمام زمانه وهو حي ، مات موتة جاهلية ، وهو معرفة توحيد مولانا جل ذكره ، وقوله : ( حي ) يعني دائمًا أبدًا في كل عصر وزمان ، والفحشاء والمنكر هما الشريعتان الظاهر والباطن .

فمن وحد مولانا جل ذكره ، ينهاه توحيد مولانا جل ذكره عن التفاته إلى ورائه وانتظاره العدم المفقود ، وقال : ( من ترك الصلاة ثلاثًا متعمدًا فقد كفر ) يعني توحيد مولانا جل ذكره على يد ثلاثة حدود وهم : ذومعة ، وذومصة ، والجناح ، الحاضرون في وقتنا هذا ، وهم موجودون ظاهرون للموحدين ، لا للمشركين ، وأنا أبين لكم أشخاصهم مع أشخاص حدودهم ، وأشخاص ( لا إله إلا الله ) وأشخاص ( الحمد لله رب العالمين ) في غير هذا الكتاب بتوفيق مولانا جل ذكره .

تتلوه الزكاة ، وقد أسقطها مولانا جل ذكره عنكم بالكلية ، وقد سمعتم في مجالس الحكمة الباطنية بأن الزكاة ولاية علي بن أبي طالب والأئمة من ذريته ، والتبري من أعوانه أبي بكر وعمر وعثمان ، وقد منع مولانا جل ذكره عن أذية أحد من النواصب ... فبان لنا بأن مولانا جل ذكره بطل باطن الزكاة الذي في علي بن أبي طالب ، كما بطل ظاهرها ، وأن الزكاة غير ما أشاروا إليه في المجلس جميعا ، وأنه في الحقيقة توحيد مولانا جل ذكره ، وتزكية قلوبكم وتطهيرها من الحالتين جميعًا ، وترك ما كنتم عليه قديمًا ، وذلك قوله ( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ) ([11]) ، والبر هو توحيد مولانا جل ذكره ونفقة ما تحبون ، الظاهر والباطن ، ومعنى نفقة الشيء تركه ، لأن النفقة لا ترجع إلى صاحبها أبدًا .

الصوم عند أهل الظاهر وكافة المسلمين يعتقدون بأن الناطق قال لهم : ( صوموا لرؤيته ) ويرون في اعتقاداتهم أن من أفطر يومًا واحدًا من شهر رمضان ، وهو يعتقد أنه قد أخطأ ، وجب عليه صوم شهرين وعشرة أيام كفارة ذلك اليوم ، وإن اعتقد أن إفطاره ذلك اليوم حلال له ، فقد هدم الصوم كله ، ومولانا جل ذكره هدم الصوم بكامله مدة سنين كثيرة بتكذيب هذا الخبر ( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ) وأمرنا بالإِفطار في ذلك اليوم الذي يعتقد المسلمون كلهم بأنه خاتم الصوم ، ولا يكون في نقض الصوم أعظم من هذا ولا أبين منه لمن نظر وتفكر وتدبر .

وباطن الصوم فقد قال فيه الشيوخ : بأن الصوم هو الصمت بقوله لمريم . وهي حجة صاحب زمانه ( كلي واشربي وقري عينا ) ([12]) يعني بالأكل علم الظاهر ، وبالشرب علم الباطن ، ( وقرى عينا ) لمزيده ، ( فإما ترين من البشر أحدا ) يعني أهل الظاهر ( فقولي إني نذرت للرحمن ) بالأكل على الظاهر ، وبالشرب على الباطن ، ( وقرى عينا ) لمزيده ، ( فأما ) يعني الإِمام ( صوما ) أي السكوت ... فبان لنا نقض ما كان في المجلس ، وما وصفه الشيوخ من باطن الصوم وسكوته ، وأن مولانا جل ذكره فطر الناس في ظاهر الصوم ، وفطرهم في باطنه ، وهو بالحقيقة غير الصومين المعروفين من الشريعتين ، وهو صيانة قلوبكم بتوحيد مولانا جل ذكره ، ولا يصل أحد إلى توحيده إلا بتمييز ثلاثين حدا ومعرفتهم روحاني وجسماني وهي : الكلمة ، والسابق ، والتالي ، والجد ، والفتح ، والخيال ، والناطق والأساس ، والمتم ، والحجة ، والداعي ، والأئمة السبعة ، والحجج الاثنا عشرية ، فصار الجميع ثلاثين حدًا .

قال ([13]) : ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ) ([14])، قال أهل الظاهر عن الناطق : إن الحج هو المجيء إلى مكة والوقوف بعرفات وإقامة شروطه ، ورأيت بخلاف قوله : ( من دخله كان آمنا ) ، قالوا : الحرم بمكة ، والحرم اثنا عشر مهلا من كل جانب ، وقد شاهدنا في هذا الحرم قتل الأنفس ، ونهب الأموال ، وداخل الكعبة أيضًا السرقة ، وهذا من الخلاف والمحال ، وجميع ما يعملون به من شروط الحج فهو ضرب من ضروب الجنون ، من كشف الرؤوس وتعرية الأبدان ، ورمي الجمار ، والتلبية من غير أن يدعوهم أحد ، وهذا من الجنون .

ومولانا جل ذكره قد قطع الحج سنين كثيرة ، وقطع عن الكعبة كسوتها ، وقطع كسوة الشيء كشفه وهتكه ، ليبين للعالم بأن المراد في غيرها ، وليس فيها منفعة .

وقال الشيوخ في الباطن : بأن الحرم هي الدعوة ، وهو اثنا عشر ميلاً من كل جانب ، وكذلك للدعوة اثنا عشر حجة ، والبيت دليل على الناطق ، والحجر دليل على الأساس ، والطواف به سبعة هو الإِقرار به في سبعة أدوار ، والوقوف بعرفات معرفتهم بعلم الناطق ، ومنى ما كان يتمنى الراغب من الوصول إلى الناطق والأساس وحدودهما : وقد رأينا مولانا جل ذكره بطل الحج بإظهار محبة أبي بكر وعمر ، وخمود ذكر علي بن أبي طالب ، فعلمنا بأن الحج غير هذا الذي كانوا يعتقدون ظاهرًا وباطنًا ، كما قال مولانا المنصور :

هلم أريك توقن أنه هو البيت بيت الله لا ما توهمت

أبيت من الأحجار أعظم حرمة أم المصطفى الهادي الذي نصب البيت

والبيت هو توحيد مولانا جل ذكره ، موضع السكن والمأوى الذي يطلب المعبود فيه ، كذلك الموحدون أولياء مولانا جل سكنت أرواحهم فيه ، ورب البيت هو مولانا جل ذكره في كل عصر وزمان كما قال : ( فليعبدوا رب هذا البيت ) ([15]) يعني مولانا جل ذكره .

أما الجهاد وبه قام محمد وأظهر الإسلام ، وجعله فرضًا على سائر المسلمين كافة ، وقد رفعه مولانا جل ذكره عن سائر الذمة ، إذ كانت الذمة لا تطلب إلا جبرًا ، والمسلمون الجاحدون ، والمؤمنون المشركون يقاتلونك في بيتك ، وهم أذية لأهل التوحيد ، وكل جهاد لا يجاهد فيه إمام الزمان فهو مسقوط عن الناس ، وما قريء في المجلس وألفه الشيوخ في كتبهم بأن الجهاد الباطن هو الجهاد للنواصب الحشوية الغاوية لهم ، وقد منع مولانا جل ذكره عداوتهم والكلام معهم ، فعلمنا بأنه قد نقض باطن الجهاد وظاهره ، وأن الجهاد الحقيقي هو الطلبة والجهد في توحيد مولانا جل ذكره ومعرفته ، ولا يشرك به أحد من سائر الحدود ، والتبري من العدم المفقود .

قال : ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) ([16]) ، قال أهل الظاهر وسائر المسلمين كافة بأن الولاية لأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وكانت في بني أمية ، ثم إنها رجعت إلى بني العباس ، وكل واحد منهم إذا جلس في الخلافة كانت ولايته واجبة على المسلمين كافة ، وقد نقضها مولانا جل ذكره ، وكتب لعنة الأولين والآخرين على كل باب ، ونبشهم من قبورهم .

وأما باطن الولاية ومعرفة حقيقتها بإظهار محبة علي بن أبي طالب والبراءة من أعدائه ، واستدلوا بقوله : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ) ([17]) .

يعني علم الباطن ( ورضيت لكم الإِسلام دينا ) ([18]) يعني تسليم الأمر إلى علي بن أبي طالب وقد نقضها مولانا جل ذكره بقراءة سجل على رؤوس الأشهاد ، فبان لنا بأن جل ذكره نقض باطن الولاية الذي في علي بن أبي طالب وظاهرها .

وأما الرتب الظاهرة والباطنة التي كانت للناطق والأساس ، فقد جعلها مولانا جل ذكره لعبيده ومماليكه ... وكل ما يقال فيه من الأسماء مثل الإِمام وصاحب الزمان وأمير المؤمنين ، ومولانا ، كلها لعبيده وهو أعلي وأجل مما يقاس ويحد أو يوصف لكن بالمجاز لا بالحقيقة ضرورة لا إثباتًا ، نقول : أمير المؤمنين جل ذكره من حيث جرت الرسوم والتراتيب على ألسنة الخاص والعام ، ولو قلنا غير هذا لم يعرفوا لمن المعنى المراد ، وتعمى قلوبهم عنه ، وهو سبحانه ( ليس كمثله شيء وهو العلي ([19]) العظيم ([20]).

وفي هذه الرسالة نجد ما يلي :

1. أن الشهادتين في نظر الدروز تدلان على عبادة الحاكم وعلى أئمة دعوة الدروز ، ولا يقصد بهما ما يقصده أهل السنة ، ولا الإِسماعيلية .

2. وأن الصلاة هي صلة قلوب الدروز بعبادة الحاكم على يد خمسة حدود ، وهذه هي الصلاة الحقيقية في نظرهم .

3. وأما الزكاة فهو عبادة الحاكم ، وتزكية قلوبهم وتطهيرها وترك ما كانوا عليه .

4. وفيما يتعلق بالصوم ، فهو صيانة قلوبهم .

5. وكذلك الحج صار له معنى مختلف ، هو توحيد الحاكم .

6. أما الجهاد فقد أسقطوه عن الناس ، لأن الجهاد الحقيقي – كما يزعمون – هو السعي والاجتهاد في توحيد الحاكم ومعرفته وعدم الإِشراك به . وهكذا فإن هدم الشريعة الإِسلامية هو الهدف الأول والأخير من جميع الحركات الباطنية وفي مقدمتهم الدروز وإذا صنفنا الهدامين جاء حمزة في طليعتهم ، ولذا لا نعجب إذا مهد لهذا بهذه الرسالة .

ولهذا فإنه يعتبر نفسه مبيد الشريعة وناسخها ، يقول في رسالة ( التحذير والتنبيه ) : ( أنا ناسخ الشرائع ومهلك أهل الشرك والبدائع ، أنا مهدم القبلتين ، ومبيد الشريعتين ومدحض الشهادتين ) ([21]).

وفي مصحف الدروز حديث استهزائي عن فرائض الإِسلام إذ يقول : ( يا أيها الموحدون ، خذوا حذركم ، ود الذين ظلوا على أصنامهم عاكفين لو يرجعونكم إلى دينهم وعقائدهم الباطلة ، فتستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير وحق . إن صلواتهم ذات الركوع الجسدي والسجود الظاهري ، واتخاذهم كلام الكتاب رثاء ووسيلة ، يخادعون بها الله الحاكم البر والموحدين ، وما يخدعون إلا أنفسهم وهم يعملون .

لقد ضل قوم اتجهوا بأجسادهم إلى بيت حجارة قلوبهم ، وغلوا في كفرهم ، فألبس عليهم كل يوم خمس صلوات في نهج صاحب البيت ، جل ذكره ، وهو معهم ، وتجلى لهم في مشرق شمس الناسوتية ، ذات المشرقين والمغربين ، تعالى الله مولى الموالي عن نقص المنقصين ، وبهتان المتكبرين ، وفي أنفسهم وما يبصرون ، وغرتهم الأماني أصنام كعبتهم وأربابها ) ([22]).

ويضيف في مكان آخر من هذا المصحف استهزاء بالمسجد الحرام فيقول : ( قل ، ليس الإِيمان أن تولوا وجوهكم شطر المسجد الحرام ، مثل بيت الأوثان ، أو شطر المشرق والمغرب ، أو التصعيد في جبل الذنوب والأصنام ، أو اتباع سنة الجاهلية الأولى ، ولكن الإِيمان والتوحيد هو فيمن آمن بمولانا الحاكم ربًا إلهًا لا معبود سواه ) ([23]).

ويعتبر بهاء الدين في ( الرسالة الموسومة برسالة السفر إلى السادة ) أن جميع اعتقادات الأمم الأخرى تمويهات ويقول : ( وهذه الفرق من الأمم فهم النصرانية والمسلمين واليهودية والمجوسية أعني الإِبراهيمية الحشوية ، ومن المذاهب كالنصيرية والقطيعة وأصحاب إسحق الأحمر وهم الحمرواية ، وجميع من لم نسميه فقد بطلت دعاويهم لأنها تمويهات على الأمم وغير جائزة إلا على أشباه البقر والغنم ، والعقل يقطع ، والحق يدفع ويمنع صحة قول كل أحد من جميع من ادعته هذه الفرق ) ([24]).

ويحذر التميمي في رسالة ( الشمعة ) الموحدين من التمسك بشيء من الشرع فيقول : ( وكل من ذكر عن نفسه أنه موحد وهو متمسك بشيء من الشرع فقد أبطل وكذب في قوله ، بل هو ملحد كافر ) ([25]).

ولهذا نجد في مصحف الدروز أيضًا ، إنكارًا للقرآن الكريم ، بل يعتبرونه فرية ، ويقول : ( لقد ضل الذين جحدوا الحكمة واتبعوا فرية صحف اكتتبوها ، فهي قبلة آبائهم ، يتلونها بكرة وعشيا ، وقالوا هذا من عند الله المعبود ، ونسعوا ما يتلون ) ([26]).

بل وينكر هذا المصحف التقرب إلى الله بالعبادة ويقول : ( مولانا نستعيذ بك من أن نكون من الذين يتقربون إليك بالعبادة ، أو الذين يعملون للصالحات لتقربهم إليك زلفى ، أف لتلك الأنفس وويل لها ، لقد منيت بهوى شديد أضلها عن السبيل ) ([27]).

ويظهر لي من خلال رسائل الدروز ومصحفهم هذا ، أن نقض الشريعة الإِسلامية والاستهزاء بأركانها ورسولها صلوات الله عليه ، هما الشغل الشاغل لدعاة الدروز ، باعتبار أن الإِسلام هو عدوهم الأول ، وتقويض أركانه يمهد لهم الطريق لما يريدون وما يبتغون .

ويؤكد هذا القول ما جاء في رسالة ( الغاية والنصحية ) التي كتبها حمزة ، والتي ينفي فيها نبوة محمد ^ . ويثبتها لنفسه فيقول : ( وأنتم تعلمون أن لمحمد أربعمائة سنة وعشر سنين لم يظهر دينه على الأديان كلها ، واليهود والنصارى أكثر من المسلمين ، والهند والسند والزنج والحبشة أكثر منهم ، والنوبة والزغاوة وأشكالهم من السودان أكثر من المسلمين ، والأتراك والسقالبة ([28]) أكثر منهم ، فلو كان الرسول محمد له أديان هؤلاء النطقاء لكان يجب أن يكون المسلمين أكثر العالمين أغلبهم في الأولين والآخرين ، فلما لم يصح للمسلمين ذلك علمنا بأن الرسول الحقيقي هو عبد مولانا جل ذكره وهاديًا إليه وإمامًا على أمره لعبيده ) ([29]).

حتى أنهم يزعمون : أن الرسول عليه الصلاة والسلام طمس الرسالة ولم يبلغها وهذا ما ورد في ( الرسالة الموسوم بالإِسرائيلية ) إذ تقول : ( كقول من نصب أحداهم ([30]) ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك ، وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس ) ([31])فما بلغها كما أمر الله تعالى ، بل طمس معالمها بالظلم والإِبلاس ، وجميع أصحاب الشرع فعلى هذا السنن يجرون ) ([32]).

ويصف كتاب النقط والدوائر الرسول ^ بقول : ( وكان محمد كثير العتو والظلم والفساد )([33]).

وهم أيضًا يعتبرون النبي^ إبليس اللعين ، يقول شارح الميثاق : ( ويعرف تكملة حروف الكذب الستة وعشرين معرفة عددا ، لا معرفة فلان ابن فلان ، بل يعرف أن محمد بن عبد الله هو إبليس اللعين ، وأن علي بن أبي طالب هو زوجته ، اثنا عشر حجة ظاهرة ، ولعلي بن أبي طالب اثنا عشرة حجة باطنة كملت السنة وعشرين حروف الكذب ... ويعلم أن كل ما في الخلق من المعاصي والعقائد الفاسدة والفواحش الظاهرة والباطنة هي منهم وهم ينابيعها وأصلها ومركزها ) ([34]).

وفي ( رسالة من دون قائم الزمان ) كذلك حديث استهزائي عن فريضة الحج إذ تقول : ( ولعمري إنه ما تعجب إلا من قوم قطعوا المفاوز ولقوا في سفرهم الهزاهز إلى بلد لم يكونوا بالغية إلا بشق الأنفس ([35])، قصدًا إلى حجر أسود وبيت جلمد ليس فيه حياة ولا نطق ، فأي عجب أعجب من قوم هذا فعلهم ثم إنهم أنكروا على هذه الطائفة النورانية المضيئة ، أعني أهل التوحيد عبادة الواحد المجيد الحاكم على كل الأشياء شهيد ، فياليت شعري ما نفعهم من تقبيل الحجر الأسود وما اكتسابهم من الفوائد العقلية والعلوم الحقيقية الإِلهية ، هل فعلهم إلا كفعل النصارى في الصليب ، بل هم أشد عتوا ، لأن الصليب موجود في كل البلاد ، والحجر الأسود يسافروا إليه أهل الضلالة من جميع العباد ، وقبل وبعد ، فإنما عظموا إكرامًا بزعمهم لنبيهم ، أليس من قام مقام نبيهم في كل عصر وزمان أحق بالتفضيل والإِكرام والتبجيل ؟ أليس هذا في العقول مستحيل ؟ بأن قوما طلبوا إلههم طول أعمارهم لم يصح لهم منهم إلا اسما إذا كشف عنهاا لم يجد لها حقائق إلا بوجودة صورة حية ناطقة مميزة ، فلما ظهر المعبود وصح ما أشارت إليه الحدود أبوا واستكبروا وقالوا : إن هذا إلا بشر مثلنا وغرهم المولى جل ذكره الغرور ) ([36]).

وتعظيمهم للصدق ، لا يعني ذلك على غير الموحدين ، فالصدق لا يكون من الموحد إلا لأخيه الموحد ، ولا يجوز أن يصدق أهل الطوائف والأديان الأخرى حتى ولو كان ذلك في جريمة قتل ، بل يجب عليه الكذب ، تقول رسالة ( الجزء الأول من السبعة أجزاء ) : ( وليس يلزمكم أيها الأخوان أن تسدقوا لسائر الأمة أهل الجهل والغمة والعمى والظلمة ، وأن لا يلزمكم فيه شيئًا لهم . وليس لأحد من الموحدين فسحة من الكذب لإِخوانه إلا أن يكون هناك ضد حاضر لا يمكن كشف الأمور إليه ، ولا شرحها بين يديه ، وإن أمكن الصمت فهو أحسن ، وإن لم يكن فلا بأس أن يحرف القول بحضرته أعني الضد ، ويجب عليه أن يرجع بسدق الحديث لإِخوانه بعد خلوهم من الشيطان .

ولا بأس بالسدق فيما لا يضر عند الأضداد لأنه يرفع ، وهو ضرب من ضروب الجمال ، ومثل أن يكون أحدكم قد قتل رجلاً من عالم السواد ، فإذا سألوه عن ذلك جاز أن لا يسدقهم وألا يحققوا عليه القتل بإقراره ، وأقاموا عليه الشهادة بقلة إنكاره ، وما أشبه ذلك مثل أن يكون قد أخذ لأحدهم شيئًا أو غصبه على ريع أو مال ، أو كان للضد عنده دين بغير وثيقة أو وديعة بغير بينة ، وكان معسرًا عن وفائه غير واصل إلى رضائه ، يجوز له الإِنكار وقلة السدق عند الإِعسار ، وخيفة من ثبوت البينة عليه ) ([37]).

وجاء في مصحفهم حديث عن المحرمات المحرمة عليهم فيقول : ( ولقد حرم مولاكم عليكم الخمرة ، ومن يتخذها سكرا ، فقد خلف خلفا أضاعوا الرشد واتبعوا الشهوات ) ([38])، فاذكروا يا أولي الألباب .

ولا تقرضوا أموالكم لتأخذوا الربا أضعافًا مضاعفة ، إن ذلك كان على الموحدين محذورا ، ولقد عفا مولاكم عن الذين يأخذونه من غير الموحدين ، مضطرين غير عادين .

وإن أحد من الموحدين استجاركم ، فأجروه ، ثم أبلغوه مأمنه ، أو أصابته مصيبة ، فكلكم يكفله ، إنما الموحدون تتكافأ دماؤهم ، وهم يد على من سواهم ، وكان مولاكم بما تعملون خبيرا .

ولا تركنوا للذين رفضوا الدعوة واستكبروا إنهم إن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلاَّ ولا ذمة ، يقولون بأفواههم الحق وتأبى قلوبهم ([39])، وأكثرهم فاسقون ، فاعتبروا يا أولي الألباب .

والذي أكره منكم على الكفر أو الفحشاء ، وهو مؤمن موحد ، أو عمل سوءا لجهالة ، أو غم عليه فنسى ، فلا يؤاخذ مولانا إلا الذين اقترفوا الإِثم وهم يعلمون ، فأولئك لهم عذاب موقوت .

وقال الذين كفروا منكم ، إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم وعليه وجدنا آبائنا ، قل لو كنتم على الهدى لآمنتم به ، ولكنكم لا تعلمون غير ما تهواه أنفسكم ، وأنتم تجهلون ، نحن أعلم بما في أيديكم ونحن المنزلون .

لقد ضل هؤلاء الذين يريدون أن يحكموا بالقرآن ، ويتخذوه سبيلا ، ثم به يكفرون بعد أن تبين لهم الحق ، قل أليس الحق أحق أن يتبع ) ([40]).

ومع أن الدروز لا يجيزون صوم شهر رمضان ، لكونه من فرائض الإسلام ، إلا أنهم يصومون في أيام خاصة ، وهي التسعة أيام الأولى من شهر ذي الحجة ، وصيامهم هو نفس الصيام الإسلامي من امتناع عن الأكل والشرب ، ( ويبيحون أيضًا الصوم في أي شهر غير شهر رمضان ) ([41]). ( وعيدهم الأكبر والوحيد هو عيد الأضحى ) ([42]).

وفد بنى الدروز المساجد في قراهم ومدنهم تسترا من المسلمين الذين كانوا يعيشون بين ظهرانيهم وتقربا منهم وتمويها عليهم ، وذلك حتى يأمنوا منهم على أنفسهم وينفوا عنهم تهمة الردة وحدها ، ولكنهم بدأوا يبتعدون عن هذه السرية ، ويعلنون حقيقة أمرهم . ( ولما قامت فتنة سنة 1860 م في لبنان ، بدأت آخر دلالة شعائرية بالانقراض ، ونعني بها شعائر الصلاة في المساجد الكثيرة التي كانت منتشرة في القرى الدرزية ، ولجأ الدروز إلى الخلوات وتركوا المساجد نهائيًا ) ([43]).

حتى وصل بهم الأمر في الوقت الحاضر أن يمنعوا قيام المساجد للمسلمين الموجودين في قراهم ، وقد حدثني أحدهم ممن كان يقيم في جبل الدروز بسورية ، أن المسلمين المقيمين هناك حاولوا بناء مسجد في مدينة السويداء عاصمة جبل الدروز ، وعندما حضروا في اليوم التالي وجدوا ما بنوه مهدومًا ، ولم يقم هذا المسجد إلا بعد الاستعانة بقوة عسكرية لحمايته ([44]).

ونظرة الدروز إلى العبادات تتوافق مع عقليتهم التي ترى في هذه الطقوس والشعائر أمرًا لا فائدة منه بل يعتبر عملاً مهجورًا كما صرح بذلك جنبلاط ([45]).

فالدروز يعتبرون أنفسهم ملة الوحدة الإساسية بين الأشياء والكائنات والله ([46])، ولذلك فقد سقطت عنهم العبادات بكل مظاهرها وشعائرها لأن الدرزي اتحد مع الوجود ومع الله – جلا وعلا - .

لهذا فالشخصية الدرزية لا تبالي بالحياة الخارجية تحفل بها ، فالمظاهر هي المظاهر ، والحقيقة يمكن أن يجدها أينما كانت وفي كل الديانات ، حتى أن جنبلاط يرى أن الدرزي هو كل توحيدي ، أي كل من يعتقد بوحدة أديان العالم كافة ، وكائنًا ما كان طقوسها وشعائرها ، فهم اسم ينصرف إلى مسيحيين وبوذيين ومسلمين وهندوكيين ، أي كما يشبهه جنبلاط جماعة ( وردة الصليب ) ([47]).

ويورد جنبلاط مثالاً حيًا على عقلية الدروز هذه فيقول : أن الأميرين فخر الدين الأول والثاني وُلدا درزيين وعاشا مسيحيين وماتا مسلمين .

2 – الزواج والطلاق والوصية عندهم :

توصى رسالة ( شرط الإِمام صاحب الكشف ) بالنساء ، وتوجب على الدرزي أمورًا أخرى خاصة بهن حيث يقول : ( والذي توجبه شروط الديانة أنه إذا تسلم أحد الموحدين بعض أخواته الموحدات فيساويها بنفسه وينصفها من جميع ما في يده ، فإن أوجب الحال فرقة بينهم فأيهم كان المعتدي على الآخر .

فإن كانت الامرأة خارجة عن طاعة زوجها وعلم أن فيه القوة والإِنصاف لها ، وكان لابد للامرأة من فرقة الرجل ، فله من جميع ما تملكه النصف إذا عرفوا الثقات بعديها عليه وإنصافه لها . وإن عرفوا الثقات أنه محيف عليها وخرجت من تحت ضرورة ، خرجت بجميع ما تملكه ، وليس له معها شيء في مالها .

وإن كانت هي المخالفة له ، وليست تدخل من تحت طريقته فلها النصف من جميع ما تملكه ، ولو أن ثوبها الذي في عنقها ، وإن اختار الرجل فرقتها باختياره بلا ذنب لها إليه فلها النصف من كل ما يملكه من ثوب ورحل وفضة وذهب ودواب ، وما حاطته يده لموضع الإِنصاف والعدل ) ([48]).

وهكذا نجد أن الدرزي إذا اضطر إلى الطلاق ، ( فينبغي أن يعرف من منهما المقصر في معاملته الآخر ، فإذا كانت الزوجة هي التي ترغب في الطلاق فيكون لزوجها نصف ما تملكه ، بعد أن يشهد عدول أنها هي المقصرة في حق زوجها ، وأنه كان يعاملها معاملة حسنة ، وإذا شهد بأنه كان يهينها ولا يعاملها بالمساواة فلها أن تأخذ معها كل ما هو لها دون أن يسمح له بأن يأخذ منها شيئا ، وإذا شاء الرجل أن يطلق زوجته من تلقاء نفسه دون أن تكون قد أذنبت ، يكون لها نصف ما يملكه من بيته وأثاثه وأمواله ودوابه ) ([49]).

(( وإذا طلق الدرزي زوجته فلا يجوز له أن يتزوجها مرة أخرى ، سواء بمحلل أو غير محلل ، فهم لا يميزون بين الطلاق الرجعي ، والطلاق البائن بنوعيه بينونة صغرى ، وبينونة كبرى ، بل الطلاق عندهم طلاق واحد ، ولا يجوز بعده أن يرجع الرجل إلى مطلقته )) ([50]).

ويقول صاحب كتاب ( الدروز والثورة السورية ) : ( أن المقصود من الزواج عندهم إيلاد البنين فقط ، لا اقتضاء الشهوة ، ومتى صار للرجل من زوجته أربعة أولاد إذا كان غنيا ، وإذا كان فقيرا حتى لا يكون ضيق عليه في تقديم لوازم المعيشة ، فيجب عليه حينئذ أن يبتعد عن زوجته بقية العمر ) ([51]).

ولكن صاحب كتاب ( بنو معروف – الدروز - ) يقول : ( وهذه القاعدة لا يحافظ عليها إلا أفرادا قلائل من عقالهم الذين يعتبرون أن الزواج لحفظ النسل فقط ) ([52]).

يقول شارح الميثاق : ( فإذا قصد جماع الزوجة فيكون مقصوده ونيته في ذلك الولدية لا غير ، فأول مرتبته وجود الولد ، فلا يجوز للرجل جماع زوجته مع حملها أبدًا للخوف من إفساده ) ([53]).

ولا يجوز عندهم زواج الدرزية من غير الدرزي ، ولا زواج الدرزي من غير الدرزية ، فإذا حدث زواج من هذا القبيل فإنه يكون باطلاً ولا يجوز أيضًا تعدد الزوجات ، والتزوج بأكثر من واحدة ، بل يجب الاقتصار على زوجة واحدة ) ([54]).

يقول الأستاد أمين طليع في كتابه الذي قدمه الشيخ محمد أبو شقرا شيخ عقل الدروز عن تعدد الزوجات ما يلي : ( إن تعدد الزوجات ممنوع قطعًا ، فإذا جمع الرجل بين زوجتين ، كان زواجة من الثانية باطلاً حكمًا ) ([55]).

والوصية عندهم تجوز بجميع المال لوارث ولغير وارث ، فللدرزي أن يوصي قبل موته بأملاكه لمن يشاء ، ولكن بشرط أن تكون الوصية بالمال الذي اكتسبه بسعيه هو نفسه ، أما إذا كان قد ورثه فلأولاد الموصي أن يطلبوا القسمة إن كان قد ورث ما في يده عن آبائه ، لأن ذلك – ما للبيت – تستوي فيه الأصول والفروع ، فإن كان قد اكتسبه بسعيه لم يكن لهم ذلك ، لأن مال الشخص ينفرد فيه بنفسه ) ([56]).

ويطلب مصحف الدروز منهم أن يوصوا بجزء من أموالهم ، وخاصة الموسرين منهم ، لعقالهم ومساكينهم ، ويقول : ( يا أيها الموحدون ، كتب عليكم ، إذا حضر أحدكم الموت وكان ذا ميسرة ، فليوص لذوي العسرة والمساكين منكم ، الذي لا يسألون الناس إلحافا ، والقائمين على شؤون دينكم في الحكمة والموعظة الحسنة ، بجزء من اثني عشر جزءا مما ترك ، وليكفل القسمة أولئك القائمون منكم على شؤون دينكم ، الذين يتلون حكمة وصلوات هذا المصحف المنفرد بذاته ، العاملون عليه ، الحاكمون به الموحدين بالعدل ، الذين جعلوا خلائف الحدود ) ([57]).

3 – تقسيم المجتمع الدرزي إلى عقال وجهال نظام الخلوات عندهم :

يعيش الدرزي الآن في ( لبنان ، وسورية ، وفلسطين ) .

وينقسم المجتمع الدرزي من الناحية الدينية إلى قسمين :

( روحاني ، وجثماني ، فأما الروحاني فهو الذي بيده أسرار الطائفة ويقسم إلى ثلاثة أقسام : رؤساء ، وعقلاء ، وأجاويد .

والجثماني : وهو الذي لا يبحث في الروحيات بل يبحث في الدنيويات ويقسم إلى قسمين : أمراء وجهال .

فالرؤساء بيدهم مفاتيح الأسرار العامة ، والعقال بيدهم مفاتيح الأسرار الداخلية والأجاويد بيدهم مفاتيح الأسرار الخارجية ، والأمراء الجثمانيون بيدهم مفاتيح الأسرار الخاصة ، وزعماء الجهال بيدهم قبضة السيف والزعامة ) ([58]).

والعقال ينقسمون بدورهم إلى درجات ثلاثة : ( منهم الطبقة التي تعرف بالمنزهين ، وأصحاب هذه الطبقة في أشد العبادة والورع ، فمنهم من لا يتزوج حتى يموت ، ومنهم من يصوم كل يوم إلى المساء ، ومنهم من لا يأكل اللحم في جميع حياته .

والطبقة الأخرى : هي الشراح ، ويرخص لهؤلاء بالاطلاع على ما كتبه الأمير عبد الله التنوخي أحد مشايخهم ، وهو الذي بنى المساجد وجدد الجوامع وكان على ما قيل يريد أن يرجع بالدروز إلى مذهب أهل السنة والجماعة ) ([59]).

ويبدو لي أن الأجاويد من طبقات الثلاث للعقال .

(( ويجتمع العقال في أماكن العبادة التي تعرف بالخلوات ( جمع خلوة ) لسماع ما يتلى عليهم ، وبعد تلاوة المقدمات ، يخرج من الخلوة الطبقة الدنيا من العقال ، ثم بعد تلاوة بعض الرسائل البسيطة التي ليس بها تأويلات تخرج الطبقة الثانية بحيث لا يبقى إلا رجال الدرجة الأولى الذي لهم وحدهم الحق في سماع الأسرار العليا للعقيدة ، أما الجهال فلا يسمح لهم بحضور هذه الخلوات ، أو لسماع شيء من الكتب المقدسة إلا في يوم عيدهم الوحيد ، وهو يوافق عيد الأضحى عند المسلمين )) ([60]).

(( والعقال يعملون لهم مناسك يبنونها بعيدًا عن البلدان التي هم بها نحو مسافة نصف ساعة وغالبًا يكون بناؤها على مرتفع ويتفردون فيها أكثر الأيام ليلاً ونهارًا ويسمون هذه المناسك خلوات البياضة ، هي على سطح جبل فوق قرية حاصبيا – في لبنان - ، تزيد على ستين خلوة )) ([61]).

( والعقال يستحرمون ([62])أيضًا مال أولياء الأمور من أي جهة كان ، وجميعهم يستحلون أموال التجار من أي جهة كانت ، فإذا قبضوا دراهم محرمة أتوا بها إلى التاجر ليبدلونها منه . وكل عاقل لا يتناول شيئًا من المسكرات ونحوها على الإِطلاق ولو كان مدمنًا عليها في أيام الجهل ، وهذا التحريم قد تظاهروا به منذ مائتي سنة فقط بإرشاد الأمير التنوخي ، وأما قبل زمن فلم يكونوا يتحاشوه ، ولا يفحش العاقل في كلامه على كل حال ولو كان قبل ذلك من السفهاء ، ولا يسرف في طعامه وشرابه ولو دعت الحاجة إلى ذلك الإِسراف ) ([63]).

(( وأما الجاهل في نظرهم كالحارس الذي يحرس بيتًا في الخارج ويجهل معرفة أسراره الداخلية ، وهكذا يعيش الجاهل منهم درزيًا ولا يعلم من الدرزية سوى شيء يسير جدًا ، كالأعتقاد بألوهية الحاكم ، وإمامة حمزة والأربعة حدود ، والتقمص ، والعلامة السرية التي يجعلونها لمعرفة بعضهم البعض )) ([64]).

(( ولا يسمح لطبقة الجهال بالانتقال إلى طبقة العقال إلا بعد امتحان عسير شاق يقوم على ترويض النفس وإخضاع شهواتها مدة طويلة ، وقد يستمر الامتحان أكثر من سنة حتى يثق الشيوخ بأحقية الطالب أن ينتقل من طبقة الجهال إلى طبقة العقال .

والعقال في المجتمع الدرزي يعرفون بعمائهم ولبس القباء الأزرق الغامق ، ويطلقون لحاهم ([65]) على أن الذين يسند إليهم وظائف حكومية يباح لهم ترك هذه الملابس وارتداء الزي الذي يطلبه منصبه الرسمي .

والنساء في المجتمع الدرزي ، ينقسمن أيضًا إلى عاقلات وجاهلات مثل الرجال تمامًا ، والنساء العاقلات يلبس النقاب وثوبا اسمه ( صاية ) )) ([66]).

(( وإذا وجدت هناك عاقلة زوجة لأحد الجهال ، فلا يجوز لها أن تخاطبه بشيء من أمور الديانة ، ولا تطلعه على شيء منها ، وتخفي كتبها عنه ضمن صندوق مقفول )) ([67]).

وفي رسالة صغيرة عنوانها ( من تعليم دين التوحيد ) ملحق على طريقة السؤال والجواب حول كيفية دخول الرجل في سلك العقال ، والعهد الذي يؤخذ عليه ، وفيما يلي نصه :

س : بأي وجه يكون دخول الإِنسان في دين مولانا ، ومن يدخله ؟

ج : يُدخله الإِمام ، وذلك باتحاده مع الموحدين مدة عامين لكي يتقبلوه بينهم ، وأن يكون واحدًا منهم ، ومتى قبلوه يدخله الإِمام بينهم يسلك مسلكهم .

س : كيف يكون تقدمه ؟

يقدمه جماعة الموحدين أمام الإِمام ويحرضه على حفظ السر ويعلن له الحقائق والطرائق ، ويطعمه تينا ، ويقول له : يا رجل أتؤمن بدين النبي ؟ وتريد أن تأخذ هذا الدين وتصير من جملة المتوحدين ، فيجيب : نعم أؤمن ، فيسلم الحجاب ويصير واحدًا منهم صحيحًا تمامًا .

س : كيف يجب أن يكون سلوكه بعد دخوله ؟

ج : يجب أن يتظاهر بالحشمة والأداب ، وطول للروح ، والكلام اللائق والهدوء ، والسلام والكلام اللين ، وبما يضاهي به أخوانه الموحدين .

س : ما هو العهد الواجب عليه وما هي صورته ؟

ج : هذه صورته : باسم الإِمام مولانا الأعظم المنزه عن العاهات والوالد القادر ، الذي لم يخلق ولم يولد ، ولم يكن له كفوءا أحد ، أنا فلان ابن فلان قد نويت وعزمت أن أضع نفسي وجسدي ومالي وحريمي وأولادي وأرزاقي وأعلامي ، وكلما تملك يدي تحت يد الطاعة ، لسيدي ومولاي الحاكم بأمره العلي العلامة أمير الحكام صاحب الجبروت القادر على جميع الكائنات قد سلمت حالي إليه ، ووعدته باتكالي عليه ، وأقر الإِقرار التام ، وأشهد أمام إخواني الموحدين وسيدي الإِمام ، أني قد تبريت من الأديان ، ولا أريد شيئًا يخالف أو يناقض الوحدانية ، ولا أقر أن في السماء إلهًا معبودًا ، ولا في الأرض إمامًا موجودًا سوى سيدي ومولاي الحاكم بأمره العالي المقتدر الحكيم بتدبيره ، وهو نصيري ومجيري وإليه فوضت كل أمري وتدبيري ، وكرهت ورذلت كلما يبعدني عن عبادته وطاعته وصدقه .

وقد كتبت هذه الوثيقة على نفسي وأنا بصحة العقل والجسم ومن كل إراداتي وخاطري من دون اغتصاب ، وقد قريت بالدعوات والحدود الباقية المقرين بمولانا الحاكم بأمره الأمين ، وأذنت بالشهود علي ، وأقر أمام الشهود بكذا وكذا من سنة مولانا ومملوكه حمزة بن الهادي عدو المشركين والمنتقم منهم بسيف مولانا وسلطانه وحده لا معبود سواه ) ([68]).

وللدروز رئيس ديني يلقب بـ ( شيخ العقل ) ([69])ويتولى منصبه بالانتخاب أو الاتفاق بين الزعماء وكبار رجال الطائفة ، ولشيخ العقل أعوان في كل قرية أو بلد ([70]).

هذا بالنسبة إلى التقسيم الديني ، أما من الناحية الاجتماعية ، فالنظام السائد في المجتمع الدرزي هو النظام الإقطاعي الديني الذي كانوا عليه منذ عدة قرون ، فالقرى خاضعة لشيخ القرية الذي يختاره الأمير ، وشيوخ القرى خاضعون للأمراء الذين يتوارثون الإِمارة ولذلك يأبى الدروز منذ عصورهم الأولى أن يخضعوا إلا لمشايخهم فقط ، ولا يعترفون بسلطة أحد سوى أمرائهم ([71]).

ويقيم عقال الدروز عادة في مناطق نائية تسمى ( الخلوات ) ، وعن هذه الخلوات يحدثنا صاحب مذكرة (( أيها الدرزي عودة إلى عرينك )) ، عن كيفية قيامها وطريقة الوعظ فيها فيقول :

(( قبل عام 1762 م لم يكن للدروز خلوات ، أو كانت ولكن ليست ظاهرة ، ولا شيوخ عقل بل كانوا تحت جناح الإِسلام مباشرة وبقى شيوخ العقل يتخبطون في خلواتهم بين الرسائل والشروح ، إلى أن تسلم الرياسة الروحية في جبل حوران الشيخ إبراهيم البجري ، فقرر قراءة الكتابين الأولين ( أي ميثاق ولي الزمان وكشف الحقائق ) مع شيء من الكتاب الثالث ( أي مناجاة ولي الحق ) على كل درزي تتوفر فيه الشروط الدينية .

ثم قسم الشيخ إبراهيم الكتاب الثاني والثالث إلى ثمانية أقسام ، وعين لكل ليلة من ليالي الأسبوع قسما منها ، وضم لها أقسامًا معلومة من رسائل أخرى ، ودعى هذا كله دورا .

فدور مساء الخميس مثلاً ، الميثاق والكشف والتنزيه وشعر النفس ، ودور مساء الجمعة الميثاق والدامغة والرضا وشعر النفس ... وهكذا لكل ليلة دورها الخاص ، مع الملاحظة أن الاجتماع الرسمي هو مساء الخميس ، والقراءة في الجمعة وسواها جماعية .

وهناك بعض فصول من الرسائل ، رأى الشيخ إبراهيم وجوب قراءتها كل صباح ، وقد دعا هذا الترتيب فرضا ، ومازل عليه الناس في جبل حوران وسواه حتى يومنا هذا ، وإن رأينا تعديلا في بعض المناطق ، فهو لا يعدو إبدال فصل بفصل من رسالة واحدة أو رسالتين متغايرتين )) .

وقد ثابر القوم على هذا المنهاج واعتبروه واجبا على كل درزي تتوفر فيه الشروط الدينية :

وعن هندسة هذه الخلوات يقول :

إن الشيخ إبراهيم أمر أن يقام في كل قرية درزية خلوة كبيرة تتسع لأكبر عدد من سكان القرية ، وأطلق على هذا البناء اسم ( مجلس حمزة ) وهو يتألف من غرفة كبيرة تتوسطها مصطبة – طاولة ثابتة – بارتفاع سبعين سنتم تقريبًا ، يعلوها ستار من القماش السميك بارتفاع متر ونصف تقريبًا ، كأنها تقسم الغرفة قسمين وتحجب بينهما .

يجلس الرجال في قسم والنساء في القسم الآخر ، ولكل قسم باب ونافذة في مكان واحد . أما السبب في إقامة هذا الحاجز فهو :

1 – فصل النساء عن الرجال والحيلولة دون رؤية بعضهما .

2 – إيصال صوت الرجال إلى النساء اللواتي جئن لاستماع الحكمة .

أما ترتيب الشيوخ في المجلس فهو على النحو التالي :

يجلس الإمام – شيخ عقل القرية – في صدر المجلس قريبا من الزاوية ، ويولي ظهره للقاطع – المصطبة ثم يجلس الشيوخ عن يمينه وشماله بصفوف غير منتظمة ، تاركين أمامه فسحة صغيرة مستعدين لأداء الطقوس .

أما كيفية ترتيب الطقوس فهو كما يلي :

1 – الوعظ : وهو قصص وحكايات صوفية ، كقصص مالك بن دينار وذي النون المصري وإبراهيم بن أدهم وسواها من القصص الخفيفة التي نراها في كتاب ( روض الرياضين ) . أما إذا كانت هذه الليلة ليلة العيد الكبير ، ضموا للوعظ قصة ( الثواب والعقاب ) وهما تصوران ما يلاقيه الكافر والمرتد من أهوال مجروية القيامة . وهذه الجلسة متاحة للجميع ، يحضرها المدخن والسكير حتى ولو كان ليس درزيًا .

2 – الشرح : المرحلة الأولى : ويجوز حضوره لكل درزي ونرى الحاضرين فيه كثيرين في ليالي الجمعة وليالي العشر من ذي الحجة ، يفتتحه الإِمام قائلاً : علينا أن نمسي الحدود ( أي نقول لهم : مساكم الله بالخير ) ، وقد يقول هذه الكلمة شخص آخر إذ هي لكل شخص من الحاضرين .

وتمسية الحدود هي تحية وسلام وتسبيح على كل حد من الحدود الثمانية :

( العقل ، النفس ، الكلمة ، السابق ، التالي ، الجد ، الفتح ، الخيال ) . وهذه صيغة التمسية ، يقدمونها أولا للعقل قائلين :

ألف المسا مساك يا عقل من مولاك

يا نور صاق محض سبحان من صفاك

يا لابس الأخضر يا زينة المحضر

قلبي يميل إليك عيني تريد رؤياك

قلبي يميل إليك صلى الإِله عليك

صلى عليك الله يا نور عرش الله

صلى عليك ربي نحن دخيل حماك

ثم يتجهون للنفس فيمسونه بنفس هذه الأبيات مع إبدال كلمة الأخضر الموجودة في صدر البيت الثالث بالأحمر ، ثم يتجهون للكلمة بنفس الأبيات ويضعون بدل الأخضر كلمة أصفر ، ثم يخصون السابق باللون الأبيض والتالي باللون الأسود بنفس الأبيات والتريب . أما الحد والفتح والخيال فتقدم لهم التسمية دون ذكر البيت الثالث ، إذ الثلاثة الباقون ليس لهم كسوة خاصة .

وقد ترنم بعض الخلوات بهذه الترنيمة أيضًا :

صلوا على القائل صاحب الجود والفضائل

صلوا على ولي الهدايا صاحب النعم والكفايا

صل وسلم يارب عليه وأسعـــــــــــدنا برضاه

صلوا على السيد الهادي الإِمام الأعلى ، نور القيام ، المنتظر لنجاة الأنام ، الهادي إلى طاعة المولى العلي حاكم الحكام ، إمام الرضاة المظفر المصطفى ، صلى يارب وسلم على سيدنا وحبيب قلوبنا ورجانا ( حمزة بن علي ) .

وبعد الانتهاء من هذه التحية الأدبية ، يطلب الإِمام من أحد الشيوخ أن يعظ الناس ، وهذا يتلو بعض أخبار الصالحين من الصوفيين ويطلب من آخر أن ينشد بعض الأناشيد الدينية ، ويختم المجلس بنشيدة جماعية .

المرحلة الثانية : يقف الشيخ – الإِمام – فيقفون جميعًا رجالاً ونساء – قائلين بصوات واحد : يا سميع ، احترامًا للأمير السيد عبد الله التنوخي ثم يجلسون ، وفي هذه اللحظة ينصرف الجهال ، كالقاتل والزاني والسكير وشارب التبغ ... وسواهم من المحرومين الذين لا يستحقون سماع الشرح .

على أن بعض هؤلاء الجهال يقف متأدبًا واضعًا كفيه تحت إبطيه ويكلم المشايخ بأدب وتواضع قائلاً : الله يمسيكم بالخير حضرات المشايخ ، فيجيبون : الله يمسيك بألف خير ، ثم يقول بذل وانكسار : نطلب الحلم وصفاء الخاطر من الله ومنكم ، العبد يخطيء والسيد يعفو .

وهنا يتجه المشايخ إلى بعضهم قائلين . احلموا علينا وعليه يا مشايخ وفي هذه اللحظة يأتي دور الإِمام وله أن يفوه بإحدى كلمتين : إما أن يسمح عن ذاك المستشفع قائلاً : تفضل أقعد ، وهذه معناها : السماح بحضور المرحلة الثانية فقط . وأما أن يقول : ما قدامنا وقدامكم إلا الخير ، وهذه معناها الإِصرار على إبعاده وعدم السماح له بالجلوس وهنا يخرج المستشفع خجلاً كسير النفس .

وبعد خروجه تبدأ المرحلة الثانية فيقرأ الإِمام أو يكلف أحد الشيوخ بتلاوة شرح إحدى الرسائل المقررة ، وبعد الانتهاء من القراءة يقفون جميعا قائلين : يا سميع .

وفي هذه الفترة يخرج الذين لا يجوز لهم حضور المرحلة الثالثة . وإذا طلب أحد هؤلاء السماح يبقى واقفًا متأدبًا مكررًا الكلمات السابقة ، وليس له إلا أحد الجوابين السابقين ، وقد يوكل أحد الشيوخ فيقف هذا موقف المذنب التائب ، ويتكلم بالنيابة عن المستشفع وبنفس الجمل ، وهنا إما أن يجاب أو يرفض .

المرحلة الثالثة : ثم يتوجه الإِمام للمشايخ قائلاً : تفضلوا احلموا ، وهنا تبدأ قراءة الدور قراءة جماعية ، وكلهم يحفظ الدور الواجب تلاوته ، فيبدأون بالميثاق ، ثم بالرسائل المقررة لتلك الليلة ، ويجعلون شعر النفس ختامًا ، ويسجدون عند كلمة ( هو الحاكم المولى بناسوته يرى .. ) ويرفعون أيديهم مبتهلين ، ثم ينصرفون مرددين بعض الأدعية .

هذه الخلوات ، تشبه بعضها بعضا ، وإن اختلف بناؤها باختلاف القرى أو تخلفها ، وفي مقدمتها من حيث التاريخ خلوات الزنبقية ، قرب كفر نبرخ بلبنان ، وإن فاقتها الآن خلوات البياضة ( حاصبيا لبنان ) وحلت محل الصدارة .

أما الشيوخ الذين يقومون بإدارة تلك الخلوات ، فيتفاوتون ليس بالعلم أو الخدمة العامة ، بل بشهادات السلوك والمثابرة على الخلوات والزهد الذي قد يصل لدرجة رهبان البراهمة ؛ ذلك لأنهم يخالون العكوف على دراسة الرسائل كل شيء في العالم ، ولذا ضاق أفقهم ، وأصبحوا يستشهدون بما يتلهى به الأطفال كملحمة حسان التبعي .

أولئك الشيوخ طبقات :

1 – طالبو الدخول بالمشيخة ( البراني ) أي الذين يعدون أنفسهم ليصبحوا شيوخا .

2 – شيوخ المجالس السرية ( الجواني ) .

3 – شيوخ العقل .

أما الأزارقة – لابسوا الأزرق – فهم أضيق أفقا من سواهم ) ([72]).

*******

الفصل الثاني

موقف الدروز من الأديان والفرق الأخرى

ويتضمن ما يلي :

1 – موقفهم من اليهود .

2 – موقفهم من النصارى .

3 – موقفهم من طائفة النصيرية .

1 – موقفهم من اليهود :

ذكرنا فيما مضى موقف الحاكم بأمر الله من اليهود والنصارى ، واضطهادهم وهدم كنائسهم وبيعهم ، وكيف تحول في آخر عمره عن هذا الاضطهاد المنظم ، وذلك بعد أن ظهرت الدعوة الجديدة لتأليهه على يد حمزة .

أما موقف الدروز من اليهود ، فهو دعوتهم للدخول في ديانة الدروز ، وإثبات أن المسيح الذي بشر به موسى هو حمزة بن علي ، وقد ورد موقفهم هذا في ( الرسالة الموسومة بالإِسرائيليات الدامغة لأهل اللدود والجحود أعني الكفرة من أهل شريعة اليهود ) وهي من تأليف بهاء الدين .

وقد بدأ بهاء الدين هذه الرسالة بالرد على اليهود في عدم جواز نسخ الشرائع حيث يقول : ( العلة التي أوجب بها اليهود إرسال موسى لا تزال باقية ، وإلا لم تقم حجة موسى على أصحابه ولا على من أقر بإبراهيم ) ([73]).

وحجة أخرى : ( هي أن من شرع شريعة هو محدث ، فموسى محدث مخلوق ، ولاشك أن الشارع للشريعة أفضل من الشريعة التي شرعها ، إذ أن الشريعة لا تقوم بنفسها ، بل هي محتاجة إلى القائم بها العالم الفاضل ، وإذا كان واجبًا رفع القائم بالشريعة وفناؤه وزواله فممكن إبطال الشريعة ورفعها ) .

ولذلك يقرر بهاء الدين : أن اليهود يترقبون من سيكون الفرج على يديه ، وهو أفضل من موسى ومن إبراهيم ، وأنه يأتي بالآيات والبراهين ، ويدعو الخلق إلى توحيد رب العالمين ، ويستدل على ذلك من التوراة ، إذ بشرهم بها موسى بمجيء المسيح ، فجحدوا ذلك وعموا عنه وأنكروه وتبرأوا منه .

ودليل بهاء الدين من التوراة على ظهور المسيح ودعوته اليهود والنصارى إلى التوحيد والدين الصحيح قول التوراة : ( أنه سيجيء من ساعير نور ، من اتبعه نجا ، ومن تخلف عنه هلك وغوى ، وساعير بشراة وبها قرية تدعى ناصرة ، ولذلك قيل لأمته النصارى ) .

ويأتي ذلك بدليل آخر هو قول شعيا عن الله : ( هأنذا أخلق سماء جديدة ، وأرضًا جديدة ، وليس يُذكر الأول ولا يقع بقلب أحد ..

أنا الله ، وهذا اسمي ، ولا أعطي جلالي ومجدي لغيري ، ما كان في القديم قد أدبر ، وأنا مبشر بالجديد قبل أن يظهر ، فعرفهم بظهور المسيح الذي هو حمزة بن علي .

ومما استدل به أيضا على ظهور قائم الزمان حمزة بن علي قول التوراة : ( صوت مناد في القفار ، انصبوا لله طرقا ، وأقيموا في الفيافي طرقكم ، سترتفع الوطأة ، وتنخفض الجبال والكداة ، وتكون المعوجة مستقيمة ، والوعرة تكون طريقها سهلة ، ويظهر جلال الله ) .

وأيضًا قول داود في الزبور بذكر قائم الحق وهو : قال السيد لسيدي اجلس عن يميني حتى أجعل عدد أعدائك كرسي رجليك ، فعظم داوود وسوره وأقر له بالخنوع والخضوع ، لأنه يملك جميع الدنيا ويحوز من البحر إلى لدن الأنهار إلى منقطع الأرض ، والذي تنحر الجبابرة له بين يديه على ركبهم ، ويجلس أعداؤه على التراب ، وتأتيه الملوك بالقرابين ويسجد له وتدين الأمم كلها بطاعته ، والانقياد لأنه يخلص المضطهد البائس ممن هو أقوى منه مالك الجميع صلى الله عليه .

ويضيف بهاء الدين مخاطبًا اليهود : ( فهذه صفات لا يدعيها أحد من الأنبياء ، ومناقب ليست تكون إلا لقائم الحق ، قائم القيامة .. وأنتم أيها اليهود وجميع أهل الشرع في سكرتكم تعمهون ، وقد ضللتم عما كان عليه الأسلاف المحقون له ينتظرون ، فلو كنتم يا جماعة اليهود رجعتم إلى الباري واتبعتم هاديه ودليله وقبلتم أمره ، وسلكتم طريق الحق وسبيله ، وحفظتم ميثاق الذي واثقكم عليه ، وسلمتم عن أمر تم بالتسليم إليه ، لرجع إليكم بالمغفرة وتلقاكم بالتوبة وأنقذكم من أيدي أعدائكم ) .

هذا هو موقف الدروز من اليهود ، ولكن يبدو أن هذا الموقف قد تبدل في الوقت الحاضر من العداء إلى الود والتأييد ، وهو ما نراه في فلسطين المحتلة ، فإن الكثير من جنود جيش الدفاع الإسرائيلي هو من الدروز ؟! .

2 – موقفهم من النصارى :

موقف الدروز من النصارى تحدده أربع رسائل هي :

1 – رسالة خبر اليهود والنصارى .

2 – الرسالة الموسومة بالمسيحية ، وأم القلائد النسكية ، وقامعة العقائد الشركية .

3 – الرسالة الموسومة بالقسطنطينية ، المنفذة إلى قسطنطين متملك النصرانية .

4 – الرسالة الموسومة بالتعقب والاقتفاء لآداء ما بقى علينا من هدم شريعة النصارى الفسقة الأضداد .

الرسالة الأولى تذكر أن بعض أهل الذمة ، وقفوا بين يدي الحاكم وهو بالقرافة ( مقبرة القاهرة ) ، وقالوا أنهم يهود ونصارى ويريدون أن يسألوه عن مسائل في الدين ، ولكنهم خائفون منه ، فأمنهم .

ويبدو أن هذه المقابلة لم تحدث مطلقًا ، وإنما هي تلفيق ، وكتبت حتى تثبت أن ظهور الحاكم وحمزة كان ينتظره اليهود والنصارى .

ويضيف مؤلف هذه الرسالة قوله : ( أن الرسول ^ قد أتاه رؤساء شريعة اليهود والنصارى ، فطلب منهم أن يؤمنوا بشريعته ، فقالوا له : ما أنت الذي كنا منتظرين لزمانه متوقعين شخصه ، ولا الذي نرجو الفرج مع ظهوره . والدليل على ذلك ثلاث خصال : إحداها : ليس اسمه كاسمك ، إذ اسمك محمد ، والذي بشرنا به اسمه أحمد .

والثانية : مدته ، قد بقى لها أربعمائة سنة من يوم مبعثك إلى حين ظهور هذا المنظر ، وقد خالفته في الاسم والمدة .

والثالثة : المنتظر إنما يدعو إلى توحيد ربه ، بلا تعطيل ولا تشبيه ولا كلفة تلحق نفوسنا ، وصفة المنتظر عندنا رفع التكليفيات ، وانقضاء الشرور ، ورفع المصائب والشكوك ، وأن لا يتجاوزه في عصره كافر ولا منافق ، وأنت أكثر أصحابك يظهرون النفاق عليك ، وإنما بغلبة سيفك عليهم سلموا لأمرك .

وتنتهي الرسالة إلى ما كانت تبغيه إذ تقول على لسان الحاكم : ( فأي حجة بقيت لكم عليه وعلى بعدما أوضحناه ، وأي أمر تعديت فيه ، بزعمكم عليكم إذا كنت بشرطكم أخذتكم ، وما كنتم تنتظرونه أقمته عليكم ، وقد أسعتكم حلما وعدلا ؟ ) .

إذن ها هي المدة قد انقضت ( أي الأربعمائة سنة ) ، وظهر الإِله المعبود ، قائم الزمان الذي يدعي إليه ، فعليكم الإِيمان به وتصديقه ؟

وقد كذب الدكتور عبد الرحمن بدوي هذه الرواية التاريخية ، إذ لم يثبت في أي من كتب التاريخ والسيرة أن قامت مناقشات بين النبي ^ ، وبين اليهود والنصارى ، إلا ما جرى مع وفد نجران سنة 10 هـ ويؤكد ذلك كما قال الدكتور بدوي ثلاث حجج :

1 – فالحجة الأولى ، وهي الخاصة باسم – أحمد – ساذجة لا يعتقد صدورها عن النصارى في عهد النبي ^ إذ أحمد ومحمد واحد .

2 – والثانية غير معقولة أصلا ، بسبب ما فيها من تحديد سنوات لا ينطبق إلا على الحاكم بأمر الله .

3 – والثالثة باطلة ، لأن أفعال النبي ^ تؤكد أنه أحل الطيبات وحرم الخبائث ، ووضع الإصر والأغلال عن اتباعه ([74]).

أما الرسالة الثانية : ( الموسومة بالمسيحية ) فهي تقريع بأقسى الألفاظ وأفحشها بالمسيحيين ؛ لأنهم لا يعملون بوصية المسيح ، ولا يحذرون من المسيح الضال الكذوب ، ولا يقرون بالمسيح الحق الذي ظهرت علاماته في جميع أنحاء العالم .

ومؤلف الرسالة هو ( بهاء الدين ) الذي يتحدث عن حمزة بن علي ، على أنه المسيح وهو السيد ، ويأخذ بها الدين – في هذه الرسالة – على النصارى : ( أن عقولهم تصور لهم أن السيد المسيح لا يظهر إلا عندهم ، ولا ينتظر مجيئه سواهم ، مع أن المسيح سيظهر للعالم كله والسيد – أي حمزة – قد عرف أن ظهوره لخلاص الأمم من الخطيئة ... ولهذا يقرع النصارى فيقول : فتنبهوا أيها الجهلة من مراقد الغفلة ، وارجعوا إلى الحق مع أولياء السيد قبل انقضاء المهلة ، فقد دارت الأدوار وظهر توحيد الأب من حيث العالم ) .

والرسالة الثالثة هي الرسالة ( القسطنطينية ) والتي أرسلت إلى قسطنطين الثامن إمبراطور الروم ، الذي تولى الحكم وعمره سنتان عام 963 م ، وتوفي في عام 1028 ، وكاتبها هو بهاء الدين ، ( الذي يتودد فيها للإمبراطور وكبار رجال الدين المسيحي في بيزنطة ، وينعتهم بالقديسين ، ويقرب ما بين دعوة الدروز وبين العقائد النصرانية ، هادفا من وراء ذلك إلى بيان أن : الفار قليط الذي أعلن عن قدومه المسيح عيسى بن مريم هو نفسه حمزة بن علي ، وأن على المسيحيين أن يؤمنوا بأن حمزة وديانة التوحية التي دعا إليها هو الفار قليط ، الذي أعلن عن مجيئه المسيح ، وبهاء الدين يلجأ في سبيل ذلك إلى تأويل أحداث حياة السيد المسيح تأويلاً يؤدي إلى ما يهدف إليه ، وكذلك إلى تأويل آيات الإِنجيل تأويلاً يتفق مع مآربه ([75]).

أما الرسالة الرابعة والأخيرة من الرسائل الأربعة الموجهة ضد النصاري ، فهي ( الموسومة بالتعقب والاقتفاء لأداء ما بقى علينا من هدم شريعة النصاري الفسقة الأضداد ) وكاتبها هو بهاء الدين ، ويصف نفسه بأنه : ( محلل معاقد الملل وناسخ الأديان ) وقد وجهها إلى ميخائيل إمبراطور الروم عام 1034 م ، وواضح من لهجة الرسالة أنها بالغة في العنف والإِقذاع بعكس الرسالة السابقة المتوددة ، حيث لم تأت بنتيجة . وأن العلاقات ازدادت سوء إلى أبعد حد بين الدروز ونصارى القسطنطينية ، لأن بهاء في الرسالة يحمل بشدة عليهم لاضطهادهم أتباع ديانة التوحيد ، ومساعدتهم دجالا أبرص أعور كان عدوا لديانة التوحيد .

والدروز يعتقدون أن المسيح الذي صلب ، هو ( المسيح الكذب ) ابن يوسف النجار ، وهذا ما ورد في ( رسالة السؤال والجواب ) .

س : وكيف الإِنجيل الذي عند النصارى ، وماذا تقول عنه ؟

ج : الإِنجيل حق ، من قول السيد المسيح الذي هو سلمان الفارسي في دور محمد ، وهو حمزة بن علي ، والمسيح الكذب هو الذي ولد من مريم لأنه ابن يوسف النجار .

س : وأين كان المسيح الحق لما كان المسيح الكذاب مع التلاميذ ؟

ج : كان معه من جملة تلاميذه ، وكان ينطق بالإِنجيل ([76])، وكان يعلم المسيح ابن يوسف ويقول له : اعمل ما هو كذا أو كذا ، حسب مرسوم دين النصرانية ، وكان يسمع منه كل قوله ، ولما خالف قول السيد المسيح الحق ألقي في قلب اليهود بغضه فصلبوه .

س : وكيف صار بعد الصلب ؟

ج : وضعوه في قبر وجاء المسيح الحق وسرقه من القبر ، وطمره في البستان ، وقال للناس : إن المسيح قام من الموتى .

س : ومن الذي قام من القبر ، ودخل للتلاميذ والأبواب مغلقة ؟

ج : المسيح الحي الذي لا يموت ، وهو حمزة ، عبد مولانا ومملوكه ([77]).

والخلاصة أن ما يرمي إليه الدروز – في ذلك الوقت – هو إثبات أن المسيح الحق هو حمزة بن علي عبد مولاهم الحاكم بأمر الله .

ولكن يظهر أنهم غيروا أيضًا من طريقتهم هذه ، وصاروا يحسنون معاملة النصارى ، وخاصة في لبنان ، حيث يسيطر النصارى على الموقف ، يقول يوسف خطار أبو شقرا مؤلف كتاب ( الحركات في لبنان ) وهو درزي ما يلي :

(( لم يكن فيما مضى ما بين الدروز والنصارى في لبنان ، ما كان بينهم منذ سنة 1800 م من الشقاق والنفور ، بل كانت الطائفتان محبة أحداهما بالأخرى ، آنسة إليها ، وبعبارة أخرى كانت الجماعتان كجماعة واحدة تعملان على وتيرة واحدة )) ([78]).

وتقول المستشرقة ( بول هنري بوردو ) : ( وأعجبت بتساهل هذا الشعب ( الدرزي ) وإرساله صغاره إلى المدارس المارونية ، وصلاته في الكنائس والجوامع على السواء ، حتى يلتبس على فلاحي لبنان الإِجابة لو سئلوا : هل الدروز نصارى أم مسلمون ؟ ! ) ([79]).

وجاء في كتاب ( لبنان في التاريخ ) للمؤرخ اللبناني فيليب حتى ما يلي عن علاقة الدروز بنصارى لبنان :

(( وقد دهش فولتي كونت وهو عالم فرنسي من شدة الشبه بين الدروز والموارنة من ( المسيحيين ) في أساليب العيش ، وفي نظام الحكم .. وفي اللهجة وفي العادات وفي الآداب العامة فإن عائلات درزية ومارونية تعيش جنبا إلى جنب متصافية متوادة ، وأحيانا يصطحب الموارنة جيرانهم الدروز إلى الكنائس .

ويؤمن الدروز بفعل الماء المقدس الذي يصلي عليه الكاهن وأحيانا إذا ألح المبشر في تبشير الدرزي فقد يقبل الدرزي سر المعمودية . وقد لاحظ ماريتي الراهب الإيطالي الذي زار البلاد سنة 1760 م قبل مجيء فولتي بقليل : أن الدروز يظهرون خالص الود والاحترام للنصارى ويحترمون دينهم ، والدرزي يصلي في كنيسة للروم الأرثوذكس كما يصلي في مسجد تركي .

ويقول فريدرك بلس : أن الدروز لكي يتخلصوا من الخدمة العسكرية التركية كانوا يعلنون أنهم بروتستانت . ويؤكد ضابط فرنسي كان مقر خدمته حوران : أن العائلات الدرزية الأرستقراطية إذا فقدت طفلا أو أكثر يعمدون الطفل الذي يولد بعده ، وقد عمد الابن الثاني لسلطان الأطرش سنة 1924 م ، وقد تكون ممارسة هذا التقاليد نوعا من التقية ، وليس بمستغرب أن يتبرع درزي يقطن قرية أكثر سكانها من النصارى بالمال لكنيسة القرية ) ([80]).

3 – موقفهم من طائفة النصيرية :

طائفة الدروز تعيش في مناطق قريبة لمناطق تواجد طائفته النصيرية ، ومن الطبيعي أن يقوم النزاع بينهما ، وخاصة بسبب الاختلاف الرئيسي في العقيدة ، فالدروز يؤلهون الحاكم بأمر الله ، بينما النصيرية يؤلهون علي بن أبي طالب .

ومع أن الخلاف قد اشتد بين الطائفتين في بعض الأحيان ، فإنه لم يصل إلى أيدينا شيء عن هذا ، غير رسالة ألفها حمزة بن علي يرد فيها على عقائد النصيري لعنه المولى في كل كور ودور ) .

وواضح مما ورد في هذه الرسالة أن حمزة كان يردّ على كتاب أَلَّفَه النصيري اسمه ( كتاب الحقائق وكشف المحجوب ) والموجه ضد ديانة الدروز ، والذي يحاول فيه النصيري أن يقرب بين الدروز والنصيرية ، مستعينا بما كتبه حمزة لإثبات أن مذهب الدروز هو بعينه مذهب النصيرية ، مما أغضب حمزة وجعله يقول في الرسالة :

(( إن من قبل كتابه عبد ابليس ، واعتقد التناسخ ([81])، وحلل الفروج ، واستحل الكذب والبهتان ... وحاشا دين مولانا جل وعز من المنكرات ، وحاشا الموحدين من الفاحشات )) .

ويأتي حمزة بعد ذلك على الأقوال والعقائد التي يقول بها النصيري ويرد عليها ، وأول العقائد التي يرد بها حمزة على النصيري : ( أن جميع ما حرموه من القتل والسرقة والكذب والبهتان والزنا واللياطة فهو مطلق للعارف والعارفة بمولانا جل ذكره ) ويرد حمزة على هذا فيقول أنه ( كذب بالتنزيل والتأويل ) .

وأما قوله – أي النصيري - : أنه يجب على المؤمن ألا يمانع أخاه من ماله ولا جاهه ، وأن يظهر لأخيه المؤمن عياله ولا يعترض عليهم فيما يتجري بينهم ، وإلا فما يتم إيمانه ) . فيرد عليه حمزة بقوله :

(( فقد كذب لعنه الله وسرق الأول من مجالس الحكمة ([82])بقوله : لا يمنع أخاه من ماله ولا من جاهه ... وإلا فمن لا يغار على عياله فليس بمؤمن ، بل هو خرمي طالب الراحة والإباحة ... إذ كان الجماع ليس هو من الدين ولا ينتسب إلى التوحيد ، إلا أن يكون جماع الحقيقة ، وهو المفاتحة بالحكمة بعد أن يكون مطلقا للكلام )) .

وأما قوله – أي النصيري - : بأنه يجب على المؤمنة ألا تمنع أخاها فرجها ، وأن تبذل فرجها له مباحا حيث شاء ، وأن لا يتم نكاح الباطن إلا بنكاح الظاهر ، ونسبه إلى توحيد مولانا جل ذكره ، فقد كذب على مولانا عز اسمه ، وأشرك به ، وألحد فيه ... وأما وسائط مولانا جل ذكره ، فما منهم أحد طلب من النساء مناكحة الظاهر ، ولا ذكر بأنه لا يتم لكن ما تسمعنه إلا بملامسة الظاهر ، فعلمنا بأنه لم يكن لهذا الفاسق النصيري لا ينفسد أبدا ، لكنه طلب الشهوة البهيمية التي لا ينتفع بها في الدين ولا الدنيا ) .

وأما قوله : الويل كل الويل على مؤمنة تمنع أخاها فرجها ، لأن الفرج مثل أئمة الكفر ، والإ حليل إذا دخل فرج الامرأة دليل على الباطن ، وممثوله على مكاسرة أهل الظاهر وأئمة الكفر ... ومن عرف الباطن فقد رفع عنه الظاهر ، فقد كذب على دين مولانا وحرف وأغوى المؤمنين وأفسد المؤمنات الصالحات ، وليس كل من عرف باطن الشيء وجب عليه ترك ظاهره ، وكل رجل ينكح امرأة مؤمنة بغير الشروط التي تجب عليه في الحقيقة والشريعة الروحانية كان منافقا على مولانا جل ذكره ، إذ كان فيه هتك الدين وهدم التوحيد ، ومن كانت لها بعل فلا شروط لها إلا لبعلها )) .

ويرد حمزة أيضا على النصيري في قضية التناسخ التي يختلفون بها ويقول : ( وأما قوله بأن أرواح النواصب والأضداد ترجع في الكلاب والقردة والخنازير إلى أن ترجع في الحديد ، وتحمى وتضرب بالمطرقة ، وبعضهم في الطير والبوم ، وبعضهم ترجع إلى الامرأة التي تثكل ولدها ، فقد كذب على مولانا سبحانه بأن يعصيه رجل عاقل لبيب فيعاقبه في صورة كلب أو خنزير ، وهم لا يعقلون ما كانوا عليه في الصورة البشرية ، ولا يعرفون ما جنوه ، ويصير حديدا ويحمى ويضرب بالمطرقة ، فأين تكون الحكمة في ذلك والعدل فيهم ؟!

وإنما تكون الحكمة في عذاب رجل يفهم ويعرف العذاب ليكون مأدبة لها وسببا لتوبته . وأما العذاب الواقع بالإنسان فهو نقلته من درجة عالية إلى درجة دونها في الدين وقلة معيشته وعمى قلبه في دينه ودنياه ، وكذلك نقلته من قميص إلى قميص على هذا الترتيب ، وكذلك الجزاء في الثواب مادام في قميصه فهو زيادة درجته في العلوم ، وارتقائه من درجة إلى درجة في اللهوات إلى أن يبلغ إلى حد المكاسرة ، ويزيد في ماله وينبسط في الدين من درجة إلى درجة إلى أن يبلغ إلى حد الإمامة ، فهذه أرواح الباطنية وثوابها ، وما تقدم أرواح الأضداد وعقابها ، فمن اعتقد هذا كان عالما بتوحيد مولانا جل ذكره ... ومن اعتقد التناسخ مثل النصيرية المعنوية ، في علي بن أبي طالب وعبده فقد خسر الدنيا والآخرة , ذلك هو الخسران المبين .

وهنا يأتي حمزة إلى النقطة الحاسمة في الخلاف ، وهو اختلافهم في ألوهية الحاكم – كما يقول الدروز - ، وألوهية علي بن أبي طالب كما يقول النصيرية ، فيقول حمزة : ( ثم إنه إذا ذكر عليا – أي النصيري – يقول : علينا سلامه ورحمته ، وإذا ذكر مولانا جل ذكره يقول : علينا سلامه ، فيطلب الرحمة من المفقود المعدوم ، ويجحد الموجود الحاكم بذاته المنفرد عن مبدعاته ، ولا يكون في الكفر أعظم من هذا ، فصح عند العارف بأن الشرك الذي لا يغفر أبدا هو بأن يشرك بين علي بن أبي طالب وبين مولانا جل ذكره ، ويقول علي مولانا الموجود ، ومولانا هو علي لا فرق بينهما ، والكفر ما اعتقده هذا الفاسق من العبادة في علي بن أبي طالب والجحود لمولانا جل ذكره ) .

وأما قوله بأن محمد بن عبد الله هو الحجاب الأعظم الذي ظهر لمولانا الحاكم منه ، ومن لم يسدق بهذا الكتاب فهو من أصحاب هامان والشيطان وإبليس ... فقد كذب في جميع ما قاله المنجوس النصيري ، فما عرف الدين ولا الحجاب ، ومحمد كان حجاب علي بن أبي طالب ، وأما حجاب مولانا جل ذكره فلا ، وهذا قول من عقله سخيف ، ودينه ضعيف ، والحجاب هو سترة الشيء ليس إظهاره ، والذي أظهر المولى جل اسمه نفسه منه كيف يشاء بلا اعتراض عليه يقال له حجة القائم ، وهو المهدي ، وبه دعا الخلق بنفسه إلى نفسه ، وباشر العبيد بالصورة المرئية ومخاطبة البشرية ، وكنه مولانا لا تدركه الأوهام والخواطر ) .

بعد هذا الرد من حمزة على النصيري ، نورد نصا غريبا على طريقة السؤال والجواب ، يفيد أن النصيرية فرقة من فرق الدروز ، وانفصلت عنها ، مع أن هذا لم يؤيده أي مصدر تاريخي أو أي مصدر من مصادر الدروز والنصيرية ، والنص كان كما يلي :

س : وكيف انفصلت النصيرية عن الموحدين ، وخرجوا عن دين التوحيد ؟

ج : انفصلوا بدعوة النصيري لهم حيث زعموا أنه عبد مولانا أمير المؤمنين ، وأنكر لاهوت مولانا الحاكم ، واعترف بلاهوت علي بن أبي طالب الأساس ، وقال إن اللاهوت ظهر في الأئمة الإثني عشر آل البيت . وغاب بعد أن ظهر في محمد المهدي القائم ، واختفى في السماء ولبس الحلة الزرقاء وسكن الشمس ، وأن النصيرية كلما صفى منهم واحد بطريق الانتقال في الأدوار رجعت العالم ولبس ثوب البشرية بعد الصفا يرجع يصير نجما في السماء وهو مركزه الأول . وإن عمل معصية تخالف الوصية علي أمير المؤمنين الرب الأعلى يعد يهوديا أو مسلما سنيا أو نصرانيا ، ثم يتكرر إلى أن يصير مثل الفضة في الروباص ، ويرجع يصير نجما في السماء ، وإن الكفرة الذين ما عبدوا عليا بن أبي طالبا كلهم يصيرون جمالا وبغالا وحميرا وكلابا وخرفانا للذبح وأمثال ذلك لكن الوقت إلى شرحها ضيق ، وخاصة انتقال نفوس البشر إلى البهائم والحيوانات ، ولهم مناقب وكتب كفرية مثل ذلك ) ([83]).

ولأهمية علاقة الدروز بالنصيرية والتقائهما في كثير من العقائد ، نورد نص ما جاء في مخطوطة ( في تقسيم جبل لبنان ) عن العقائد المتشابهة بين النصيرية والدروز :

1 – قضية التناسخ : بانتقال أرواح من مات منهم إلى جسم آخر ، ولكن الدروز يقتصرون على انتقال الأرواح من الإنسان إلى الإنسان فقط ، حتى أنهم يزعمون أن روح الدرزي لا تنتقل لجسد غير درزي ، وهكذا المسلم ينتقل إلى مسلم ، والنصراني إلى نصراني وهلم جرّا .

وإذا تنصر واحد منهم مثلا ومات نصرانيا ، وأسلم ومات مسلما ، فلابد أن تكون والدته قد جاءت به من الزنا مع رجل مسلم أو نصراني أو يهودي ، بحسب الملة التي انتقل إليها ذلك الرجل أنه لابد من بقاء أنفس كل ملة على مقدار ما هي عليه ، وهكذا لو أن نصرانيًا مثلا اطلع على دين الدروز واعتقده وعمل بموجبه ومات على ذلك فترجع روحه إلى ملته القديمة لأن الباب قد قفل بعد ظهور الحاكم بأمره وآمن من آمن ، وكفر من كفر وانقطع الأمل ولم يبق وجه لدخول أحد في دينهم .

وأما النصيرية فيعتقدون بانتقال الأرواح من البشر إلى البهائم والحشرات حتى من الممكن انتقال روح أحدهم إلى المعادن كالحديد مثلا لكي تحمى بالنار ويتطرق بالمراذب على السدان ، وذلك لأجل القصاص ، ثم ترجع تلك الروح ثانية إلى البشر ولا تزال تتكرر حتى تتطهر وحينئذ تصير تلك الروح نجمة تلمع في السماء ، وأن الكواكب هي أرواح الصلحاء الذين ماتوا منهم .

2 – قضية العاقل والجاهل : فالعقال يسترون دينهم عن الجهال منهم وإذا أراد أحد الجهال أن يدخل في أمور الديانة ، فلا يسلمون الديانة إلا بالتدريج بعد أن يتتلمذ إلى أحد مشايخ دينهم ويتخذه والدا دينيا له .

3 – يتفقون معهم باستباحة وقتل وسلب من يخالف معتقدهم .

4 – يتفقون معهم بقدمية زمان إيجاد العالم ، وأن العالم قد خلق على ما هو عليه الآن لا يزيد ولا ينقص .

5 – يتفقون معهم بقضية الأدوار والأئمة والناطق والأساس والسابق والتالي ، ولكن يختلفون في صفات أصحاب الأدوار ، فالبعض من هؤلاء الأشخاص يكرمونهم بأكثر مما يكرمهم الدروز ، ويكرمون بعض الأشخاص الممقوتين من الدروز كمحمد وعلي وعيسى وبطرس وموسى ويوشع وإبراهيم وإسماعيل ونوح وسام وآدم وهابيل ثم شيت .

6 – وهم يعتقدون بالقرآن ويفسرونه على ما يطابق معتقداتهم التي هي مؤلفة من جملة معتقدات مختلفة ) ([84]).

ونستنتج من هذا أن نقطة الخلاف الرئيسية بين الدروز والنصيرية هي ألوهية الحاكم عند الدروز ، وألوهية علي عند النصرانية ، أما بقية العقائد فقد يلتقون في شيء منها ، ويختلفون في شيء آخر منها ، كما هو في عقيدة التناسخ ، فالدروز يصورونها على أنها تقمص من جسد انسان إلى جسد إنسان آخر ، بينما النصيرية يجيزون أن تتحول النفس الإنسانية إلى حيوان أو نبات أو جماد .

الخاتمة

وأخيرا ، وبعد أن أجملنا في هذه الرسالة معظم عقائد الدروز ، وما تقوم عليه ديانتهم ، مستندين في ذلك إلى مراجع متعددة كتبت بأقلام كتاب مختلفين من الدروز وغيرهم ، وأيضًا إلى مخطوطات دعاتهم ، والتي أوضحت بشكل جلي حقيقة عقيدتهم .

أقول بعد هذا : فإنه لا يزال بين من كتبوا عن الدروز إلى الآن – وبعد كل هذا الوضوح – من يعتبرهم مسلمين مرتبطين بالإسلام والمسلمين ، مثل الشيخ محمد علي الزعبي صاحب كتاب ( الدروز ظاهرهم وباطنهم ) الذي انطلق في كتابته عن نية طيبة في عودة الدروز إلى الأصل الذي انفصلوا عنه وهو الإِسلام ، ولكن أما كان يغنيه أن يكتب هذا الكلام عن الدروز في فلسطين حيث يقول :

(( لم يتعاون ولن يتعاون ، هؤلاء العرب المغاوير ، مع تلك العصابة ، إذ بروز نيوب الأسد ، لا يعني تبسمه ورضاه ، بل تحضره لافتراس من حاول ايقاع الأذى ... إن موحدي فلسطين ، يراقبون ساعة الزمن ، التي تسجل على صهيون ، نكثه وغدره ... ان ابن عمنا ، النائب في مجلس اسرائيل ، سيف الدين الزعبي ، هو هدم الآن ، من كيان إسرائيل كذا وكذا ، لكن بيد ناعمة ، وليهد من إذا واتاه الرياح ، من هذا الكيان أكثر مما هدم البطل المجاهد الشيخ نايف الزعبي ... إنهم لا شغل لهم إلا أن ينتظروا أن تدور الدوائر على اليهود ، حتى ينتفضوا عليهم ، ويقضوا مضاجعهم ، ويكونوا للعرب وللمسلمين معينا وسندا متينا ) ([85]).

وسامح الله الشيخ الزعبي ، فكأني به لم يسمع أبدا عن الدروز العاملين في جيش الدفاع الإسرائيلي ، وعن بلائهم معه في حروبه ضد المسلمين وعن معاملتهم للمسلمين من سكان فلسطين ؟!

وكذلك نجد من المؤلفين من يقف موقف الحيران أمام هذه الحقائق ، كالدكتور مصطفى الشكعة ، والذي لم يستطع أن يحدد موقفا من الدروز فيقول : ( لقد لاحظت أن كل طفل درزي إذا سئل عن دينه قال : أنه درزي ؟ فإذا قيل له : يعني مسلم ، أبدى استغرابا شديدا ، وكأنه ليس ثمة علاقات تربط بينه وبين الإِسلام ؟ ) ([86]).

وكأني بالدكتور الشكعة لا يزال يربط بين الدرزية والإِسلام ؟

لهذا أقول : إن النتيجة التي يخرج بها الباحث في المذهب الدرزي ، أن هذا المذهب لا صلة له بالإِسلام والمسلمين مطلقا ، وأن كل مزاعم أتباع هذا المذهب عن إسلاميتهم لم يكن إلا تسترا ونفاقا أمام المسلمين ، فالسرية والكتمان عقيدة واجبة عندهم ، فهؤلاء – كما يقول الشيخ محمد أبو زهرة : ( قد خلعوا ربقة الإِسلام ، وأطرحوا معانيه ، ولم يبقوا لأنفسهم إلا الاسم يتسترون به عن حقيقتهم ) ([87]).

وهذا الشيء قد عرفه علماء الإٍسلام عن الدروز منذ زمن ظهورهم ، ولم يعاملهم أهل الإِسلام إلا على هذا الأساس ، قال ابن عابدين في حاشيته عن حكم القاضى الدرزي : ( ظهر من كلامهم حكم القاضي المنصوب في بلاد الدروز في القطر الشامي ويكون درزيا ويكون نصرانيا ، فكل منهما لا يصح حكمه على المسلمين ، فإن الدرزي لا ملة له كالمنافق والزنديق وإن سمى نفسه مسلمًا ، وقد أفتى في ( الخيرية ) بأنه لا تقبل شهادته على المسلم ) ([88]).

وعن شهادة الدرزي يقول أيضا في تكملة حاشية ابن عابدين : ( واختلفوا في شهادة مرتد على مثله ، والأصح عدم قبولها بحال ... ويلحق به الدرزي كما أفتى به الخير الرملي ، والعلامة علي أفندي المراددي في رسالة ( أقوال الأئمة العالنة في أحكام الدروز والتيامنة ) قال العلامة السيد محمود أفندي حمزة مفتي دمشق في فتواه في جواب سؤال رفع إليه في شهادة أهل الأهواء المكفرة هل تقبل على بعضهم سواء كانوا متفقين في الاعتقاد أم مختلفين ، وسواء كانوا أهل كتاب أم لا ؟

فكتب حفظه الله تعالى جوابا حاصله ، بعد ذكر النقول والتفصيل : وأما شهادة الكفار الذين لا يقرون ما هم عليه من العقيدة كأهل الأهواء المكفرة والمنافقين والباطنية والزنادقة والمجوس والدروز والتيامنة والنصيرية والمرتدين فلا تقبل شهادتهم على أحد سواء كان مثلهم في الاعتقاد أو مخالفا لهم لعدم ولايتهم ) ([89]).

وفي النصف الأول من شهر آب عام 1973 ، وقع في جبل الدروز في سوريا طلاق ما بين سني وسنية من سكانه ، وطلب محامي الزوج شهودا من الدروز ، فرفض قاضي الشرع وعلل الرفض بقوله : لا يحق لدرزي أن يشهد في قضية سني على اعتبار أن الدروز ليسوا إسلاما ) ([90]) .

وكذلك وجه السؤال التالي إلى رئيس المحكمة الشرعية العليا – في سورية الشيخ محمد علي الأنيس : ما قول السادة الفقهاء في رجل مسلم وتوفي وترك أخا درزيا وابن أخ مسلما ( سنيا ) ، فهل يمنع الأخ الدرزي من إرث أخيه المسلم ، أو يعود إرث هذا المتوفي لابن أخيه المسلم لتباين العقائد بين الدروز والمسلمين في أساس الإرث ؟

وكان جوابه : نعم إن الوارث شرعا لهذا المتوفي والحال ما ذكر هو ابن أخيه المسلم ، أما أخوه الدرزي فهو ممنوع من الإرث ، لأن الدرزي بالنظر لعقائدهم الدينية المخالفة للعقائد الإسلامية لا توارث بينهم وبين المسلمين ) ([91]).

وكان شيخ الإِسلام ابن تيمية أكثر وضوحا وبيانا عندما سئل رحمه الله عن الدروز والنصيرية حيث أجاب : ( هؤلاء الدرزية والنصيرية كفار باتفاق المسلمين لا يحل أكل ذبائحهم ، ولا نكاح نسائهم ، بل ولا يقرون بالجزية فإنهم مرتدون عن دين الإِسلام ، ليسوا مسلمين ، ولا يهود ، ولا نصارى ولا يقرون بوجوب الصلوات الخمس ، ولا يوجب صوم رمضان ، ولا وجوب الحج ، ولا تحريم ما حرم الله ورسوله من الميتة والخمر وغيرهما وإن اظهروا الشهادتين مع هذه العقائد فهم كفار باتفاق المسلمين ... والدرزية هم أتباع هشتكين الدرزي ، وكان من موالي الحاكم أرسله إلى أهل وادي تيم الله بن ثعلبة ، فدعاهم إلى إلاهية الحاكم ويسمونه الباري العلام ، ويحلفون به ، وهم من الإسماعيلية القائلين بأن محمد بن إسماعيل نسخ شريعة محمد بن عبد الله ، وهم أعظم كفرا من الغالية ، يقولون بقدم العالم ، وإنكار المعاد ، وإنكار واجباب الإِسلام ومحرماته ، وهم من القرامطة الباطنية ، الذين هم أكفر من اليهود والنصارى ومشركي العرب ، وغايتهم أن يكونوا فلاسفة على مذهب أرسطو وأمثاله ، أو مجوسا ، وقولهم مركب من قول الفلاسفة والمجوس ويظهرون التشيع نفاقا ... وكفر هؤلاء مما لا يختلف فيه المسلمون ، بل من شك في كفرهم فهو كافر مثلهم ، لا هم بمنزلة أهل الكتاب ولا المشركين ، بل هم الكفرة الضالون فلا يباح أكل طعامهم ، وتسبى نساؤهم ، وتؤخذ أموالهم ، فإنهم زنادقة مرتدون لا تقبل توبتهم ، بل يقتلون أينما ثقفوا ، ويلعنون كما وصفوا ، ولا يجوز استخدامهم للحراسة والبوابة والحفاظ ، ويجب قتل علمائهم وصلحائهم لئلا يضلوا غيرهم ، ويحرم النوم معهم في بيوتهم ، ورفقتهم ، والمشي معهم ، وتشييع جنائزهم إذا علموا موتها ، ويحرم على ولاة أمور المسلمين إضاعة أمر الله من إقامة الحدود عليهم بأي شيء يراه المقيم ولا المقام عليه ) ([92]).

ويتحدث بتفصيل أكثر عن حكم معاملتهم فيقول : ( ولا يجوز دفنهم في مقابر المسلمين ، ولا يصلي على من مات منهم ، فإن الله سبحانه وتعالى نهى نبيه ^ عن الصلاة على المنافقين كعبد الله بن أبي ونحوه ، وكانوا يتظاهرون بالصلاة والزكاة والصيام والجهاد مع المسلمين ولا يظهرون مقالة تخالف دين الإِسلام ، لكن يسرون ذلك ... فكيف بهؤلاء الذين هم مع الزندقة والنفاق يظهرون الكفر والإِلحاد .

وأما استخدام مثل هؤلاء في ثغور المسلمين أو حصونهم أو جندهم فإنه من الكبائر ، وهو بمنزلة من يستخدم الذئاب لرعي الغنم ، فإنهم أغش الناس للمسلمين ولولاة أمورهم ، وهم أحرص الناس على فساد المملكة والدولة ... وعلى تسليم الحصون إلى عدو المسلمين ، وعلى إفساد الجند على ولي الأمر وإخراجهم عن طاعته ، والواجب على ولاة الأمور قطعهم من دواوين المقاتلة فلا يتركون في ثغر ، ولا في غير ثغر ، فإن ضررهم في الثغر أشد .

وإذا أظهروا التوبة ففي قبولها منهم نزاع بين العلماء ، فمن قبل توبتهم إذا التزموا شريعة الإِسلام أقر أموالهم عليهم ، ومن لم يقبلها لم تنقل إلى ورثتهم من جنسهم ، فإن مالهم يكون فيئا لبيت المال ، لكن هؤلاء إذا أخذوا فإنهم يظهرون التوبة ، لأن أصل مذهبهم التقية وكتمان أمرهم ، وفيهم من يعرف ، وفيهم من قد لا يعرف ، فالطريق في ذلك أن يحتاط في أمرهم ، فلا يتركون مجتمعين ، ولا يمكنون من حمل السلاح ، ولا أن يكونوا من المقاتلة ، ويلزمون في شرائع الإِسلام ، من الصلوات الخمس ، وقراءة القرآن ، ويترك بينهم من يعلمهم دين الإِسلام ...

ولا ريب أن جهاد هؤلاء وإقامة الحدود عليهم من أعظم الطاعات وأكثر الواجبات ، وهو أفضل من جهاد من لا يقاتل المسلمين من المشركين وأهل الكتاب ، فإن جهاد هؤلاء من جنس جهاد المرتدين ، والصديق وسائر الصحابة بدأوا بجهاد المرتدين قبل جهاد الكفار من أهل الكتاب ، فإن جهاد هؤلاء حفظ لما فتح من بلاد المسلمين .

ويجب على كل مسلم أن يقوم في ذلك بحسب ما يقدر عليه من الواجب . فلا يحل لأحد أن يكتم ما يعرفه من أخبارهم ، بل يفشيها ويظهرها ليعرف المسلمون حقيقة حالهم ... والمعاون في كف شرهم وهدايتهم بحسب الإمكان له من الأجر والثواب ما لا يعلمه إلا الله تعالى ، فإن المقصود بالقصد الأول هو هدايتهم ) ([93]).

وقد طبق ابن تيمية ذلك عمليا ، وكان من السباقين لمقاتلة هؤلاء ، يروي ابن كثير في تاريخه عن حوادث سنة 699 هـ ما يلي : ( وفي يوم الجمعة العشرين من شوال ركب نائب السلطنة جمال الدين آقوش الأفرم في جيش دمشق إلى جبال الجرد وكسروان ، وخرج الشيخ تقي الدين بن تيمية ومعه خلق كثير من المتطوعة والحوارنة لقتال أهل تلك الناحية ، بسبب فساد نيتهم وعقائدهم وكفرهم وضلالهم ، وما كانوا عاملوا به العساكر لما كسرهم التتر وهربوا حين اجتازوا ببلاد لهم ، وثبوا عليها ونهبوهم وأخذوا أسلحتهم وخيولهم ، وقتلوا كثيرا منهم ، فلما وصلوا إلى بلادهم جاء رؤساؤهم إلى الشيخ تقي الدين بن تيمية فاستتابهم وبين للكثير منهم الصواب وحصل بذلك خير كثير ، وانتصار كبير على أولئك المفسدين ، والتزموا برد ما كانوا أخذوه من أموال الجيش ، وقرر عليهم أموالا كثيرة يحملونها إلى بيت المال ، وأقطعت أراضيهم وضياعهم ، ولم يكونوا قبل ذلك يدخلون في طاعة الجند ولا يلتزمون أحكام الملة ، ولا يدينون دين الحق ، ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ... وفي سنة 704 هـ عاد ابن تيمية رحمه الله إلى مقاتلة هؤلاء ومعه جماعة من أصحابه إلى جبل الجرد والكسروانيين ومعه نقيب الأشراف ورجع مؤيدا ناصرا ) ([94]).

وفي فضائح الباطنية يتحدث أبو حامد الغزالي عن ارتداد الباطنية جميعا ، وعن حكمهم ، وحكم توبتهم ، فيقول :

(( والقول الوجيز فيه أنه يسلك بهم مسلك المرتدين ، في النظر إلى الدم والمال والنكاح والذبيحة ونفوذ الأقضية وقضاء العبادات ... فإن قيل : ولماذا حكمتم بإلحاقهم بالمرتدين ، والمرتد من التزم بالدين الحق وتطوقه ثم نزع عنه مرتدا ومنكرا له ، وهؤلاء لم يلزموا الحق قط ، بل وقع نشوؤهم على هذا المعتقد – فهلا ألحقتموهم بالكافر الأصلي - ؟ قلنا : ما ذكرناه واضح في الذين انتحلوا أديانهم وتحولوا إليها معتقدين لها بعد اعتقاد نقيضها أو بعد الانفكاك عنها . وأما الذين نشأوا على هذا المعتقد سماعا من آبائهم فهم أولاد المرتدين ، لأن آبائهم وآباء آبائهم لابد أن يفرض في حقهم تنحل هذا الدين بعد الانفكاك عنه ، فإنه ليس معتقدا يستند إلى نبي وكتاب منزل كاعتقاد اليهود والنصارى ، بل هي البدع المحدثة من جهة طوائف من الملحدة والزنادقة في هذه الأعصار القريبة المتراخية ، وحكم الزنديق أيضا حكم المرتد لا يفارقه في شيء أصلا ... وقد ألحقنا هؤلاء بالمرتدين في سائر الأحكام ، وقبول التوبة من المرتد لابد منه ، بل الأولى ألا يبادر إلى قتله إلا بعد استتابته وعرض الإِسلام عليه وترغيبه فيه . وأما توبة الباطنية وكل زنديق مستتر بالكفر يرى التقية دينا ، ويعتقد النفاق واطهار خلاف المعتقد عند استشعار الخوف حقا ، ففي هذا خلاف بين العلماء . ذهب ذاهبون إلى قبولها ، لقوله ^ ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فإن قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها ) ([95])، ولأن الشرع إنما بني الدين على الظاهر فنحن لا نحكم إلا بالظاهر والله يتولى السرائر ...

وذهب ذاهبون إلى أنه لا تقبل توبته ، وزعموا أن هذا الباب لو فتح لم يكن حسم مادتهم وقمع غائلتهم ، فإن من سر عقيدتهم التدين بالتقية والاستسرار بالكفر عند استشعار الخوف . فلو سلكنا هذا المسلك لم يعجزوا عن النطق بكلمة الحق وإظهار التوبة عند الظفر بهم ، فيلهجون بذلك مظهرين ويستهزئون بأهل الحق مضمرين ... ولكن أبو حامد الغزالي يقسم هؤلاء إلى ثلاثة أقسام :

الحالة الأولى : أن يتسارع إلى إظهار التوبة واحد منهم من غير قتال ولا إرهاق واضطرار ، ولكن على سبيل الإيثار والاختيار متبرعا به ابتداء من غير خوف ، واستشعار هذا ينبغي أن يقطع بقبول توبته ...

الحالة الثانية : الذي يسلم تحت ظلال السيوف ، ولكنه من جملة عوامهم وجهالهم ، لا من جملة دعاتهم وضلالهم ، فهذا أيضا تقبل توبته ، فمن لم يكن مترشحا للدعوة فضرر كفره مقصور عليه في نفسه ...

الحالة الثالثة : أن نظفر بواحد من دعاتهم ممن يعرف منه أنه يعتقد بطلان مذهبه ، ولكنه ينتحله غير معتقد له ليتوصل إلى استمالة الخلق وصرف وجوههم إلى نفسه ، طلبا للرياسة وطمعا في حطام الدنيا – هذا هو الذي يتقى شره . والأمر فيه منوط برأي الإِمام ليلاحظ قرائن أحواله ويتفرس من ظاهره في باطنه ، ويستبين أن ما ذكره يكون إذعانا للحق واعترافا به بعد التحقق والكشف ، أو هو نفاق وتقية ، وفي قرائن الأحوال ما يدل عليه . والأولى ألا يوجب على الإِمام قتله لا محالة ولا أن يحرم قتله ، بل يفوض إلى اجتهاده ) ([96]).

وواضح بعد هذا أن هؤلاء القوم مرتدون عن الإِسلام ، لتركهم عبادة الله تعالى ، وإنكارهم فرائض الإِسلام ، ولكن لابد لنا بعد هذا من أن نطالب بأن يعمل على نشر الإِسلام بين صفوف الدروز ، وأن يحال بينهم وبين مشايخهم أو عقالهم ، الذين لا يزالون يصرون على هذه الضلالات السخيفة المهينة للعقل الإِنساني ، فتزول بذلك الغشاوة عن الأعين ، وفي ذلك يقول الشيخ محمد رشيد رضا .

(( والجدل معهم عبث ، فإنه لا قانون في دينهم للاستدلال ... على أن العارفين بالدين منهم قليلون وهم الذين يدعونهم العقال ، وقد رأينا من المتعلمين على الطريقة العصرية ، ومن أهل البصيرة النباهة من يتمنون نشر التعاليم الإِسلامية في قومهم ، ولو وجد للمسلمين نهضة للتعليم ورقي في العلم والاجتماع لسهل عليهم جذب معظم هذه الطائفة في زمن يسير ) ([97]).

وفي نهاية هذا البحث ، أرجو الله أن أكون قد وفقت في عرضي لعقيدة الدروز ، والتي لم يكن قصدي منها إلا بيان الحقيقة ، عن قوم لا يزالون للآن يعيشون بين ظهراني المسلمين ، ويعتبرهم الكثير من أهل الإِسلام ، مسلمين بسبب الجهل في حقيقتهم ، وأيضا بسبب كتمانهم وتسترهم على عقيدتهم ، وإظهار أنفسهم كأنهم مذهب من مذاهب الإِسلام ، لذا رأيت من واجبي أن أظهر حقيقة هؤلاء أمام المسلمين ليتبين لنا الحق من الباطل .

راجيا الله أن يوفقنا جميعا إلى رؤية الحق حقا ، ويرزقنا اتباعه ، والباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه .

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

*****

المراجع والمصادر

1. ابن الأثير – علي الكامل في التاريخ / دار صادر – بيروت 1966 م .

2. ابن تيمية – أحمد فتاوي شيخ الإِسلام ابن تيمية – الرياض سنة 1381 هـ .

3. ابن الجوزي – عبد الرحمن المنتظم في تاريخ الملوك والأمم / بيروت .

4. ابن الجوزي – عبد الرحمن القرامطة / تحقيق محمد الصباغ – المكتب الإِسلامي – بيروت 1968 م

5. ابن الجوزي – عبد الرحمن تلبيس إبليس / دار الكتب العلمية – بيروت .

6. ابن تغرى بردى – يوسف النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة / وزارة الثقافة المصرية

7. ابن حزم – علي بن أحمد الفصل في الملل والأهواء والنحل / دار المعرفة – بيروت .

8. ابن عابدين حاشية ابن عابدين – دار إحياء التراث – بيروت .

9. ابن خلكان وفيات الأعيان وأنباء أبناء زمان / دار صادر – بيروت 1968 م .

10. ابن كثير – أبو الفداء البداية والنهاية – مكتبة المعارف – بيروت 1977 م .

11. ابن منظور – أبو الفضل لسان العرب – دار صادر ودار بيروت – بيروت1956 م .

12. أبو إسماعيل – سليم الدروز – وجودهم ومذهبهم وتوطنهم .

13. أبو زهرة – محمد المذاهب الإسلامية / مكتبة الآداب – القاهرة .

14. أبو شقرا – يوسف : الحركات في لبنان إلى عهد المتصرفية / مطبعة الاتحاد – بيروت .

15. أبو صالح – د . عباس أبو صالح ود . سامي مكارم تاريخ الموحدين الدروز السياسي في المشرق العربي – منشورات المجلس الدرزي للبحوث والإِنماء .

16. أبو مصلح – حافظ واقع الدروز – معتقداتهم ، خلواتهم ، أدباؤهم – المكتبة الحديثة / بيروت .

17. أخوان الصفا رسائل أخوان الصفا وخلان الوفاء / تحقيق خير الدين الزركلي / المكتبة التجارية بمصر 1928 م .

18. الأطرش – فؤاد الدروز – مؤامرات وتاريخ وحقائق

19. ابن العماد الحنبلي شذرات الذهب في أخبار من ذهب / المكتب التجاري – بيروت .

20. بدوي – عبد الرحمن مذاهب الإِسلاميين / دار العلم للملايين – بيروت 1973 م .

21. البغدادي – عبد القاهر الفرق بين الفرق / دار الآفاق الجديدة – بيروت 1978 م .

22. البهي – محمد الجانب الألهي في التفكير الإِسلامي / دار الكاتب العربي بالقاهرة 1967 م .

23. بوردو – بول هنري أميرة بابلية لدى الدروز – تعريب ميشيل سليم كميدر – المطبعة العصرية بالفجالة بمصر 1931 م .

24. البوطي – محمد سعيد رمضان كبرى اليقينات الكونية / دار الفكر – بيروت 1388 هـ .

25. البشبيشي – محمود الفرق الإسلامية / المكتبة التجارية بمصر 1932 م .

26. تامر – عارف القرامطة – دار مكتبة الحياة / بيروت .

27. ثابت – كريم خليل الدروز والثورة السورية وسيرة سلطان باشا الأطرش .

28. جمال الدين – محمد السعيد دولة الإسماعيلية في إيران / مؤسسة سجل العرب بالقاهرة 1975 م .

29. جنبلاط – كمال المصحف المنفرد بذاته – طبعة بيروت .

30. جنبلاط – كمال هذه وصيتي – مؤسسة الوطن العربي / باريس 1978 م .

31. جلي – د . أحمد محمد أحمد دراسة عن الفرق في تاريخ المسلمين ( الخوارج والشعية ) مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإِسلامية / الرياض 1986 م / 1406 هـ .

32. الجندي – أنور الإسلام والفلسفيات القديمة / دار الاعتصام بالقاهرة .

33. الجندي – أنور المؤامرة على الإِسلام / دار الاعتصام بالقاهرة .

34. حبنكة – عبد الرحمن حسن العقيدة الإسلامية وأسسها / دار القلم – دمشق 1979 م .

35. حتي – فيليب لبنان في التاريخ – ترجمة الدكتور أنيس فريحة دار الثقافة – بيروت 1959 م .

36. حسن – حسن إبراهيم وطه أحمد شرف عبيد الله المهدي إمام الشيعة الإسماعيلية / مكتبة النضهة المصرية بالقاهرة 1947 م .

37. حسن – حسن إبراهيم تاريخ الإسلام السياسي والديني والاجتماعي / مكتبة النهضة المصرية .

38. حسين – محمد كامل طائفة الإسماعيلية / مكتبة النهضة المصرية – القاهرة 1959 م .

39. حسين – محمد كامل طائفة الدروز – تاريخها وعقائدها / دار المعارف بمصر 1962 م .

40. الحلبي – رزق حسونة حسر اللثام عن الإسلام / مخطوط في الجامعة اليسوعية في بيروت رقم 697 / ويوجد شريط عنه في الجامعة الأردنية / مركز الوثائق والمخطوطات رقم 749 .

41. الحموي – ياقوت معجم البلدان / دار صادر 1968 م بيروت .

42. الحميري – محمد بن عبد المنعم الروض المعطار في خبر الأقطار – تحقيق د . إحسان عباس / مكتبة لبنان 1975 م .

43. حوى – سعيد الإسلام – بيروت .

44. الخطيب – عبد الكريم الله – ذاتا وموضوعا / دار المعرفة – بيروت 1975 م .

45. الخطيب – د . محمد أحمد الحركات الباطنية في العالم الإسلامي – عقائدها وحكم الإسلام فيها مكتبة الأقصى / عمان وعالم الكتب / الرياض 1404 هـ / 1984 م .

46. دروز – رسائل بعض رسائل الدروز / المطبوعة على استانسل ، وموجودة في مكتبة الشيخ علي آل ثاني في الدوحة بقطر رقم 758 .

47. دروز – رسائل بعض رسائل الدروز / المطبوعة على استانسل ، وموجودة في مكتبة الشيخ علي آل ثاني في الدوحة بقطر رقم 758 .

48. دروز – رسائل بعض رسائل الدروز ورد شيخ الإسلام وغيره عليهم / مخطوط في المكتبة السعودية بالرياض – مكتبة دار الإِفتاء – تحت رقم 252 / 86 .

49. دروز – رسائل رسائل الدروز / مخطوطات في جامعة شيكاغو تحت الأرقام التالية 3736 ، 3740 ، 3741 ، 3744 ، 3745 – ويوجد أشرطة أفلام عنها في الجامعة الأردنية / مركز الوثائق والمخطوطات وأرقامها فيه على التوالي : 27 ، 29 .

50. دروز – رسائل رسائل الدروز / مخطوطات في جامعة برنستون – مجموعة جاريت ، تحت الأرقام التالية : 1618 ، 1614 ، ب 395 ، 1612 ، ويوجد أشرطة أفلام عنها في الجامعة الأردنية / مركز الوثائق والمخطوطات وأرقامها فيه على التوالي : 133 ، 132 ، 135 .

51. دروز – رسائل رسائل الدروز / مخطوطات في جامعة ييل – مجموعة سالزبوري ، تحت الأرقام التالية : 45 ، 14 ، 47 ، 46 – ومجموعة العربي تحت رقم : 64 ومجموعة لاندبيرخ تحت رقم 733 – ويوجد أشرطة أفلام عنها ف الجامعة الأردنية / مركز الوثائق والمخطوطات وأرقامها على التوالي : 1 ، 2 ، 19 .

52. دروز – رسائل رسائل الدروز / مخطوطات في جامعة أكسفورد – مجموعة بودلي – مكتبة بودليان ، تحت الأرقام التالية : 454 ، 398 ، ومجموعة مارتس تحت رقم : 221 ، ويوجد أشرطة أفلام عنها في الجامعة الأردنية / مركز الوثائق والمخطوطات وأرقامها على التوالي : 530 ، 562 ، 563 .

53. دروز – رسائل رسائل الدروز / مخطوط في جامعة كولومبيا – مجموعة سميث – تحت رقم 20 ، ويوجد شريط فيلم عنه في الجامعة الأردنية / مركز الوثائق والمخطوطات تحت رقم 411 .

54. دروز – رسائل رسائل الدروز / مخطوطتان في الجامعة الأمريكية ببيروت – مكتبة القديس بولس ، تحت الأرقام التالية : 205 ، 1 ، ويوجد شريطي فيلم عنهما في الجامعة الأردنية / مركز الوثائق والمخطوطات تحت الرقمين التاليين . 715 ، 718 .

55. دروز – مصحف الدروز : مخطوط في مكتبة أحد الأشخاص ببيروت .

56. الدسوقي – عمر أخوان الصفاء / دار إحياء الكتب العربية / القاهرة 1947 م .

57. دعاء – سيدنا الشيخ الفاضل دعاء سيدنا الشيخ الفاضل ، من أدعية الدروز ، ويوجد مخطوط يد عنه في مكتبة أحد الأشخاص ببيروت مع مجموعة رسائل للدروز .

58. الرازي – فخر الدين اعتقادات فرق المسلمين والمشركين / مكتبة النهضة المصرية بالقاهرة 1938 م .

59. رضا – محمد رشيد فتاوي الإمام محمد رشيد رضا – تحقيق د . صلاح الدين المنجد دار الكتاب الجديد – بيروت 1970 م .

60. الزركلي – خير الدين الأعلام – قاموس وتراجم / الطبعة الثالثة .

61. الزعبي – محمد علي الزعبي الدروز – ظاهرهم وباطنهم .

62. الزعبي – محمد علي الزعبي وعلي ريعور البوذية وتأثيرها في الفكر والفرق الإسلامية المتطرفة قدم له كمال جنبلاط مطبعة الإنصاف – بيروت 1964 م .

63. السيوطي – جلال الدين حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة – دار إحياء الكتب العربي القاهرة 1967 م .

64. شاكر – محمود القرامطة – المكتب الإسلامي – بيروت 1979 م .

65. الشكعة – مصطفى إسلام بلا مذاهب / الدار المصرية للطباعة – بيروت .

66. شلبي – أحمد التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية / مكتبة النهضة المصرية – القاهرة

67. الشنتاوي – أحمد ورفاقه ( ترجمة ) دائرة المعارف الإسلامية / وزارة المعارف العمومية – القاهرة .

68. الشهرستاني – محمد الملل والنحل – دار المعرفة – بيروت .

69. صالح – حسن عبد الحميد أبو الطاهر السلفي / المكتب الإسلامي – بيروت .

70. الصغير – سعيد بنو معروف ( الدروز ) في التاريخ / مطبعة الاتقان – بيروت 1374 هـ

71. طليع – أمين أصل الموحدين الدروز وأصولهم قدم له الشيخ محمد أبو شقرا ، شيخ عقل الدروز – دار الأندلس – بيروت 1961 م .

72. العجلوني – إسماعيل كشف الخفاء ومزيل الألباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس دار إحيار التراث العربي – بيروت .

73. عطية – أحمد القاموس الإسلامي / مكتبة النهضة المصرية / القاهرة 1966 م .

74. العصامي المكي – عبد الملك سمط النجوم العوالي في أبناء الأوائل والتوالي / المطبعة السلفية – القاهرة 1379 هـ .

75. عنان – محمد عبد الله الحاكم بأمر الله وأسرار الدعوة الفاطمية / دار النشر الحديث – القاهرة 1937 م

76. غالب – مصطفى الحركات الباطنية في الإسلام / دار الكاتب العربي – بيروت .

77. الغزالي – أبو حامد فضائح الباطنية – تحقيق د . عبد الرحمن بدوي / مؤسسة دار الكتب الثقافية – الكويت .

78. الفوزان – أحمد أضواء على العقيدة الدرزية – 1979 م .

79. فياض – زيد بن عبد العزيز حلقات حقيقة الدروز بمجلتي . أ – المنهل جزء 3 مجلد 20 شهر ربيع ثاني 1379 هـ . ب – راية الإسلام 8 ، 9 ، 10 ، 11 سنة أولى 1380 هـ و 1 ، 2 سنة ثانية 1381 هـ .

80. القرماني – أحمد أخبار الدول وآثار الأول في التاريخ / عالم الكتب – بيروت .

81. القلقشندي – أحمد صبح الأعشى في صناعة الإنشا / المؤسسة المصرية العامة – القاهرة .

82. كرد علي – محمد خطط الشام / دار العلم للملايين – بيروت 1969 م .

83. كوثراني – د . وجيه بلاد الشام / السكان ، الإقتصاد والسياسة الفرنسية في مطلع القرن العشرين . معهد الإنماء العربي / الطبعة الثانية 1984 م .

84. الكوثري – محمد زاهد من عبر التاريخ / مكتب نشر الثقافة الإسلامية .

85. لويس – برنارد أصول الإسماعيلية – ترجمة خليل جلود ورفيقه / مكتبة المثنى / بغداد

86. متز – آدم الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري – ترجمة محمد أبو ريدة / مكتبة الخانجي – القاهرة 1967 م .

87. المقدسي – عبد الرحمن الروضتين في أخبار الدولتين / دار الجيل – بيروت .

88. المقريزي – أحمد الخطط المقريزية / دار إحياء العلوم – بيروت .

89. مكارم – سامي أضواء على مسلك التوحيد ( الدرزية ) / دار صادر – بيروت 1966 م

90. مؤلف مجهول في تقسم جبل لبنان / مخطوط في الجامعة الأمريكية ببيروت تحت رقم 31 – ويوجد شريط عنه في الجامعة الأردنية / مركز الوثائق والمخطوطات رقم 699 .

91. مؤلف مجهول تعليم دين التوحيد ( المعروف بدين الدرزية ) .

92. مؤلف مجهول رسالة السؤال والجواب / مخطوط في الجامعة الأمريكية ببيروت تحت رقم 206 – ويوجد شريط عنه في الجامعة الأردنية / مركز الوثائق والمخطوطات رقم 715 .

93. مؤلف مجهول ذكر ما يجب أن يعرفه الموحد ويعتقد به ويسلك بموجبه ، وهو موجز عن كتاب الفرايض / مخطوط في الجامعة الأمريكية ببيروت – مكتبة القديس بولس تحت رقم 206 ، ويوجد شريط عنه في الجامعة الأردنية / مركز الوثائق والمخطوطات رقم 715 .

94. مؤلف مجهول مذكرة مطبوعة على الآلة الكاتبة بعنوان ( أيها الدرزي عودة إلى عرينك ) .

95. مؤلف مجهول لبعضهم قول وجيز / مخطوط في الجامعة الأمريكية ببيروت / مكتبة القديس بولس رقم 206 – ويوجد شريط عنه في الجامعة الأردنية / مركز الوثائق والمخطوطات رقم 715 .

96. مؤلف مجهول كتاب النقط والدوائر – من كتب الدروز الدينية – طبع ديودي جانيرو البرازيل سنة 1920 م طبعة منير اللبابيدي .

97. محمد حسين شرح الميثاق / مخطوط في جامعة شيكاغو رقم 3737 – ويوجد شريط عنه في الجامعة الأردنية / مركز الوثائق والمخطوطات رقم 29 .

98. مؤلف مجهول رسالة في معرفة سر ديانة الدروز / مخطوط في جامعة ييل – مجموعة سالزبوري – رقم 91 – ويوجد شريط عنه في الجامعة الأردنية / مركز الوثائق والمخطوطات رقم 2 .

99. المؤيد في الدين ديوان المؤيد في الدين داعي الدعاة – تحقيق محمد كامل حسين / دار الكاتب المصري – 1949 م .

100. النجار – عبد الله مذهب الدروز والتوحيد / دار المعارف بمصر 1965 .

101. وجدي – محمد فريد دائرة معارف القرن العشرين / دار المعرفة – بيروت 1971 م .

========

فهرس الموضوعات

مقدمة الطبعة الأولى .............................................................................................. 5

التمهيد : نشأة الدروز وصلتهم بالإِسماعيلية الباطنية ................................... 13

الباب الأول : شخصية الحاكم بأمر الله وأثرها في عقيدة الدروز وأشهر دعاة الدروز وآراؤهم ......................................................................................................... 42

الفصل الأول : الحاكم بأمر الله : حياته وآراؤه وأثرها في عقيدة الدروز 43

الفصل الثاني : تطور المذهب الدرزي بعد الحاكم .................................. 87

الفصل الثالث : أشهر دعاة الدروز وآراؤهم ................................................ 117

الباب الثاني : عقيدة الدروز والرد عليها ........................................... 133

الفصل الأول : عقيدة الدروز ... .................................................................. 134

الفصل الثاني : الرد على عقيدتهم ......................................................... 216

الباب الثالث : شريعة الدروز وتقسيم المجتمع عندهم وموقفهم من الأديان والفرق الأخرى .................................................................................. 229

الفصل الأول : شريعة الدروز وتقسيم المجتمع عندهم .................... 230

الفصل الثاني : موقف الدروز من الأديان والفرق الأخرى ...................... 266

الخاتمة ......................................................................................................... 281

المصادر والمراجع ....................................................................................... 291

فهرس الموضوعات ............................................................................. 305

B

ونسألكم الدعاء بظهر الغيب

(1) الجزء الأول من السبعة أجزاء.

(2) د . سامي مكارم : أضواء على مسلك التوحيد ، ص 112.

(3) رسالة ميثاق النساء.

(4) مخطوط ( ذكر ما يجب أن يعرفه الموحد ) : مكتبة القديس بولس ، الجامعة الأمريكية في بيروت رقم 206 – ويوجد شريط عنه في الجامعة الأردنية رقم 715 .

(5) كتاب النقط والدوائر ، ص 65 ، 66 ، 67 ، 68 ، 69 ، 71 ، 77.

(6) المقصود النبي صلى الله عليه وسلم.

(7) هذا تحريف وخلط ، بل تكون قراءة الإِمام للقرآن بدلا منهم.

(8) سورة الكوثر : آية 2 ، 3.

(9) يقصد بالقاهرة القطعة التي بناها جوهر الصقلي عند فتحه لمصر ، وأما أول جامع فهو مسجد عمرو بن العاص رضي الله عنه في الفسطاط.

(10) سورة العنكبوت : آية 45 .

(11) سورة آل عمران : آية 92 .

(12) سورة مريم : آية 26 ، والصحيح ( فكلى واشربي وقرى علينا ).

(13) يلاحظ دائما في رسائل الدروز حينما ترد آية قرآنية ، يكتفي بأن يقال ( وقوله وقال ) ولا يقال : قال تعالى أو قوله تعالى.

(14) سورة آل عمران : آية 97.

(15) سورة قريش : آية 3.

(16) سورة النساء : آية 59 .

(17) سورة المائدة : آية 3.

(18) سورة المائدة : آية 3.

(19) هنا خلط بين آيتين كريمتين الأولى ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) سورة الشورى آية 11 ، والثانية قوله تعالى ( له ما في السمـوات وما في الأرض وهو العلي العظيم ) ســورة الشورى آية 4 .

(20) رسالة ( الكتاب المعروف بالنقض الخفي ).

(21) رسالة التحذير والتنبيه.

(22) مصحف الدروز : عرف صلوات الشرائع ، ص 128 – 129.

(23) مصحف الدروز : عرف حقيقة الصلاة والإيمان ، ص 182 – 183.

(24) الرسالة الموسومة برسالة السفر إلى السادة.

(25) رسالة الشمعة.

(26) مصحف الدروز : عرف عاقبة المكذبين ، ص 241 – 242 .

(27) المصدر السابق : عرف الأعراف أو تسبيح مؤذني نواقيس الأختام ، ص 257.

(28) نسبة إلى جزيرة صقلية ، والأصل الصقالية.

(29) رسالة الغاية والنصيحة.

(30) كذا في الأصل.

(31) سورة المائدة : آية67.

(32) الرسالة الموسومة بالإسرائيلية .

(33) كتاب النقط والدوائر ص 95.

(34) شرح الميثاق : محمد حسين : مخطوط في جامعة شيكاغو رقم 3737 – ويوجد شريط عنه في الجامعة الأردنية رقم 29.

(35) يقصد الآية الكريمة ( وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس ) سورة النحل آية 7.

(36) رسالة من دون قائم الزمان.

(37) رسالة الجزء الأول من السبعة أجزاء.

(38) يلاحظ هنا كيفية تحريف الآية الكريمة ( فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات ) سورة مريم : آية 59.

(39) كذلك يلاحظ كيفية تحريم هذه الآية ( كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون ) سورة . آية 8.

(40) مصحف الدروز : عرف الحرمات ، ص 150 – 155.

(41) كريم ثابت : الدروز والثورة السورية ، ص 46 – ومحمد كامل حسين : طائفة الدروز ، ص 123.

(42) محمد كامل حسين : طائفة الدروز ، ص 123.

(43) د . مصطفى الشكعة : إسلام بلا مذاهب ، ص 308.

(44) وقد حدثني الأستاذ زهير الشاويش : بأن هذا الجبل كان عامرا بالمساجد منذ دخل الإسلام حتى ما قبل مئة سنة.

(45) كمال جنبلاط / هذه وصيتي ص 53.

(46) المصدران السابق ص 51.

(47) المصدر السابق ص 54 ومما يذكر أن هذه الجماعة هي التي انبثقت عنها الماسونية في بريطانيا.

(48) رسالة شرط الإمام صاحب الكشف.

(49) محمد كامل حسين : طائفة الدروز ، ص 123 – 124.

(50) د . عبد الرحمن بدوي : مذاهب الاسلاميين ، ج ، ص 661.

(51) كريم ثابت : الدروز والثورة السورية ، ص 49.

(52) سعيد الصغير : بنو معروف ( الدروز ) ص 241.

(53) شرح الميثاق : محمد حسين : مخطوط في جامعة شيكاغو رقم 3737 – ويوجد شريط عنه في الجامعة الأردنية رقم 29.

(54) د . مصطفى الشكعة : إسلام بلا مذاهب ، ص 293.

(55) أمين طليع : أصل الموحدين الدروز وأصولهم ، ص 130.

(56) مخطوط ( في تقسيم جبل لبنان ) : الجامعة الأردنية في بيروت رقم 31 – ويوجد شريط عنه في الجامعة الأردنية رقم 699 ، وأمين طليع : أصل الموحدين الدروز ، ص 148.

(57) مصحف الدروز : عرف الوصية ، ص 126.

(58) كريم ثابت : الدروز والثورة السورية ، ص 32 – 33.

(59) محمد كرد علي : خطط الشام ، ج 6 ، ص 266 – 267.

(60) محمد كامل حسين : طائفة الدروز ، ص 31.

(61) كريم ثابت : الدروز والثورة السورية ، ص 51.

(62) كذا في الأصل.

(63) مخطوط ( في تقسيم جبل لبنان ) : الجامعة الأمريكية في بيروت رقم 31 – ويوجد شريط عنه في الجامعة الأردنية رقم 699.

(64) كريم ثابت : الدروز والثورة السورية ، ص 33 – 55.

(65) هذا على الغالب ، وأما ترك الشارب فهو عند الجميع.

(66) محمد كامل حسين : طائفة الدروز ، ص 32.

(67) كريم ثابت : الدروز والثورة السورية ، ص 55.

(68) رسالة ( من تعليم دين التوحيد ) المعروف بدين الدروز ، ص 30 – 32.

(69) يقول الأستاذ زهير الشاويش : أن هذا المركز يتعدد في لبنان ، فهناك رئيس متقدم باسم شيخ العقل هو الشيخ محمد أبو شقرا ، وهناك شيخ آخر ، ومنذ سنوات توفي شيخ عقل ثالث ، ويظن أن هناك اتفاق على عدم تعيين بدلا عمن يتوفى ، وفي جبل الدروز بسورية شيخان للعقل ، وفي فلسطين شيخ عقل هو أمين طريف.

(70) محمد كامل حسين ، طائفة الدروز ص 32.

(71) أحمد الفوزان : أضواء على العقيدة الدرزية ، ص 75.

(72) أيها الدرزي عودة إلى عرينك ، ص 97 – 100.

(73) الرسالة الموسومة بالإسرائيلية الدامغة لأهل اللدود والجحود أعني الكفرة من أهل شريعة اليهود.

(74) د . عبد الرحمن بدوي : مذاهب الإسلاميين ، ج 2 ص 772 – 773.

(75) د . عبد الرحمن بدوي : مذاهب الاسلاميين ، ج 2 ، ص 796.

(76) إن مثل هذا الكلام لا يدل إلا على التزلف المقصود من واضع هذه الرسالة من المسيحيين ، وهو لا شك غير مقبول عند المسيحيين ، فليس كل ما في الإنجيل من كلام السيد المسيح عليه السلام ، بل هو قصة تسرد حياة المسيح بأقلام مختلفة ومشاهدون تعددت جوانب الرؤية عندهم ، بل وباعد بينهم وبين وقوع تلك الحوادث الزمن الطويل . وهو كذلك لا يتفق مع النظره الإسلامية للأناجيل الموجودة بين أيدينا الآن ، فإنها قد حرفت بحيث لا يستطيع أحد أن يحدد فيها ما هو من السيد المسيح ، وما هو من الإضافات والتحريفات ليكون الحق.

(77) مخطوط ( رسالة في معرفة سر ديانة الدروز ) : في جامعة ييل ، مجموعة سالزبوري رقم 91 – ويوجد شريط عنه في الجامعة الأردنية رقم 2.

(78) يوسف خطار أبو شقرا : الحركات في لبنان أى عهد المتصرفية ، ص 25.

(79) بول هنري بورد : أميرة بابلية لدى الدروز ، ص 74.

(80) د . فليب حتى : لبنان في التاريخ ، ص 495 – 496.

(81) وهذا خلاف في اللفظ ، فالدروز يؤمنون – كما سبق ذكره – بالتناسخ ولكن على طريقة التقمص ، أي بانتقال النفس إلى جسد آدمي مثله تتقمصه ، ولذلك هم ينكرون التناسخ التي تعتقد به النصيرية ، وهو بإمكانية انتقال روح الآدمي إلى حيوان أو نبات ، ولهذا يسمى التناسخ عندهم التقمص.

(82) يقصد مجالس الحكمة التي كان يعقدها الخلفاء الفاطميون ، والتي قيل فيها هذا القول.

(83) مخطوط ( ذكر ما يجب أن يعرفه الموحد ) : مكتبة القديس بولس ، الجامعة الأمريكية في بيروت رقم 206.

(84) مخطوطة ( في تقسيم جبل لبنان ) : الجامعة الأمريكية في بيروت رقم 31.

(85) محمد على الزعبي : الدروز ظاهرهم وباطنهم ، ص 134 – 137.

(86) د . مصطفى الشكعة : إسلام بلا مذاهب ، ص 284.

(87) محمد أبو زهرة : المذاهب الإسلامية ، ص 95.

(88) ابن عابدين : حاشية ابن عابدين ، ج 4 ، ص 299.

(89) تكملة حاشية ابن عابدين ، ج 1 ، ص 73.

(90) فؤاد الأطرش : الدروز مؤامرات وتاريخ وحقائق ، ص 360.

(91) المصدر السابق ، ص 362.

(92) ابن تيمية : فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ، ج 35 ، ص 161 – 162.

(93) ابن تيمية : فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ، ج 35 ، ص 155 – 160.

(94) ابن كثير : البداية والنهاية ج 14 ص 12 ، 35.

(95) رواه البخاري ومسلم في الصحيحين وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه في السنن انظر فضائح الباطنية ، ص 160.

(96) محمد رشيد رضا : فتاوي الإمام محمد رشيد رضا ، ج 1 ، ص.

(97) محمد رشيد رضا : فتاوي الإمام محمد رشيد رضا ، ج1 ، ص 276.