عقيدة الدروز

الباب الأول

شخصية الحاكم بأمر الله

وأثرها في عقيدة الدروز وأشهر دعاة الدروز وآراؤهم

ويتضمن ثلاثة فصول :

الفصل الأول : الحاكم بأمر الله : حياته وآراؤه وأثرها في عقيدة الدروز .

الفصل الثاني : تطور المذهب الدرزي بعد الحاكم .

الفصل الثالث : أشهر دعاة الدروز وآراؤهم .

الفصل الأول

الحاكم بأمر الله – حياته وآراؤه ، وأثرها في عقيدة الدروز

لابد لمن يتصدى للتعريف بالمذهب الدروزي ، من أن يلقى الضوء على شخصية ذلك الرجل الذي يدعي أتباعه الدروز ، أن اللاهوت ظهر في صورته الناسوتية .

هذا الرجل هو أبو علي المنصور بن العزيز بالله بن المعز لدين الله الفاطمي ، والذي لقب بـ ( الحاكم بأمر الله ) .

ولد الحاكم بأمر الله سنة 375 هـ الموافق لعام 985 م ، وقد تولى الملك بعد موت أبيه مباشرة في رمضان سنة 386 هـ ، وكان سادس الملوك العبيديين .

ولكي تتمكن من أخذ فكرة واضحة قدر الإِمكان عن حياة هذا الحاكم الغامض ، قسمنا حياته إلى ثلاثة أقسام أو أدوار ([1])، متمايزة عن بعضها تمام التمايز .

فالدور الأول : وهو دور حداثته ، يبدأ من توليه الملك في الحادية عشرة من عمره ، وينتهي بمقتل ( برجوان ) ([2])في سنة 390 هـ الموافق لعام ( 1000 م ) .

ويبدأ الدر الثاني : من تاريخ هذا الحادث حتى سنة 408 هـ الموافق لعام ( 1017 م ) ، وهي السنة التي ادعى فيها الألوهية على يد حمزة بن علي .

أما الدور الثالث : فيبدأ من سنة 408 هـ ، حتى اختفائه ومقتله سنة 411 هـ الموافق لعام ( 1021 ) .

الدور الأول من سنة 386 – 390 هـ ( 996 – 1000 م ) :

( ولي الحاكم بأمر الله الخلافة حدثا دون الثانية عشرة ، في نفس اليوم الذي مات فيه والده ( العزيز ) ، وكانت أمه أم ولد ([3])، وقد كانت حسبما تقول الرواية النصرانية المعاصرة ، جارية رومية نصرانية من طائفة الملكية ([4])، وكان لها أيام العزيز نفوذ عظيم في الدولة ، وكان لهذا النفوذ أثره بلا ريب في سياسة التسامح ([5])الواضح التي اتبعها العزيز نحو النصاري ، وفي تقوية جانبهم ونفوذهم ، وتمكنهم من مناصب النفوذ والثقة ) ([6])

وأوصى العزيز قبل موته بولده ثلاثة من أكابر رجال الدولة وهم : ( برجوان الصقلبي خادمه وكبير خزائنه ، والحسن بن عمار زعيم كتامة ، أقوىالقبائل المغربية ، وعماد الدولة الفاطمية منذ نشأتها ، ومحمد بن النعمان قاضى القضاة ، وكانت الوصاية الفعلية إلى الأول والثاني ، ولم يلبث أن نشب الخلاف بين الرجلين واشتدت المنافسة بينهما .

وقام ابن عمار بتدبير الشؤون باديء ذي بدء ، ولقب في سجل تعيينه بأمين الدولة ، وظهر ابن عمار بمظهر الطاغية المطلق ، فكان يدخل القصر ويغادره راكبًا ، وألزم جميع الناس بالترجل له ، وأغلق بابه إلا على الخاصة والأكابر من شيعته .

وأخيرًا وقع الانفجار ، ووثبت جماعة كبيرة من الزعماء والجند بتحريض برجوان وتدبيره ، وهاجمت الكتاميين في ظاهر القاهرة وأثخنت فيهم ، فتوارى ابن عمار حينًا ، واضطر أن يترك الميدان حرًا لمنافسه ، عندئذ قبض برجوان على زمام الأمور ) ([7]) .

( وأوصبح برجوان مطلق السلطان ، وركبه الزهو والغرور ، وانغمس في الملذات ينعم بثروته الطائلة ) ([8]).

فماذا كان موقف الحاكم خلال هذه الفترة الأولى من ملكه ؟

( ولقد كان برجوان بلا ريب يحجبه ما استطاع عن الاتصال برجال الدولة وشؤونها ، ويدفعه ما استطاع إلى اللهو واللعب ، ولم يلبث أن فطن الحاكم إلى موقف برجوان واستئثاره بالسلطة ، واستبداده بالشؤون ، وكان الحاكم قد أشرف – في ذلك الوقت – على الخامسة عشر من عمره ، وأصبح الطفل فتى يافعًا شديد اليقظة والطموح ، وبدأ يثور لسلطته المسلوبة ، ولذلك فقد حكم على برجوان بالموت ، فاستدعى الحاكم الحسين بن جوهر ، وعهد إليه بتلك المهمة . ومنذ ذلك الحين تناول الحاكم إدارة الدولة بيديه ، ونظم له مجلسًا ليليًا يحضره أكابر رجال الدولة ، وتبحث فيه الشؤون العامة ) ([9]).

الدور الثاني من سنة 390 – 408 هـ ( 1000 – 1017 م ) :

افتتح الحاكم عهده الجديد كما ذكرنا بقتل برجوان وصيه ومدبر دولته ، ( غير أن الحاكم ما لبث أن اتبع ضربته بضربة دموية أخرى هي مقتل الحسن بن عار زعيم كتامة – وأحد الأوصياء عليه – وفي سنة 393 هـ قتل الحاكم وزيره فهد بن إبراهيم النصراني ، بعد أن قضى في منصبه زهاء ستة أعوام ، وأقام الحاكم مكانه على بن عمر العداس ([10])، ولكن لم تمض أشهر قلائل حتى سخط عليه وقتله ، وقتل معه الخادم ريدان الصقلي حامل المظلة .

ثم قتل عددًا كبيرًا من الغلمان والخاصة سنة 394 هـ ، ثم تبع بذلك بمقتلة أخرى كان من ضحاياها الحسين بن النعمان الذي شغل منصب القضاء منذ سنة 389 هـ ، فقتل وأحرقت جثته ، وزهق فيها عدد كبير من الخاصة والعامة ، فقتلوا أو أحرقوا ) ([11]).

ولكي نعطي صورة واضحة عن هذه الشخصية الغامضة ، نستعرض فيما يلي أقوال بعض المؤرخين ممن كانوا معاصرين لعهد الحاكم ، أو كانوا قريبين من عهده :

ونبدأ بابن تغري بردي في ( النجوم الزاهرة ) الذي ينقل عن أبي المظفر بن قزأ وغلي في تاريخه ( مرآة الزمان ) ما يلي عن الحاكم :

( وقد كانت خلافته متضادة بين شجاعة وإقدام ، وجبن وإحجام ، ومحبة للعلم وانتقام من العلماء ، وميل إلى الصلاح وقتل الصلحاء .

وكان الغالب عليه السخاء ، وربما بخل بما لم يبخل به أحد قط ، وأقام يلبس الصوف سبع سنين ، وامتنع عن دخول الحمام ، وأقام سنين يجلس في الشمع ليلاً ونهارًا ، ثم عنَّ له أن يجلس في الظلمة فجلس فيها مدة ، وقتل من العلماء والكتاب والأماثل ما لا يحصى ، وكتب على المساجد والجوامع سبب أبي بكر وعمر وعثمان وعائشة وطلحة والزبير ومعاوية وعمرو بن العاص رضي الله عنهم في سنة خمس وتسعين وثلثمائة ، ثم محاه في سنة سبع وتسعين .

وأمر بقتل الكلاب ، وبيع الفقاع ([12])ثم نهى عنه ، ورفع المكوس ([13])عن البلاد وعما يباع فيها ، ونهى عن النجوم وكان ينظر فيها . ونفى المنجمين ، وكان يرصدها ويخدم زحل وطالعه المريخ ، ولهذا كان يسفك الدماء ([14]).

وبنى جامع القاهرة ، وجامع راشدة على النيل بمصر ، ومساجد كثيرة ، ونقل إليها المصاحف المفضضة ، والستور الحرير ، وقناديل الذهب والفضة ، ومنع من صلاة التراويح عشر سنين ، ثم أباحها . وقطع الكروم ومنع من بيع العنب ، ولم يبق في ولايته كرمًا ، وأراق خمسة آلاف جرة عسل في البحر ، خوفًا من أن تعمل نبيذًا ، ومنع النساء من الخروج من بيوتهن ليلاً ونهارًا ) ([15]).

ويروي ابن خلطان عن الحافظ أبي الطاهر السِلَفي ([16]):

( أن الحاكم كان جالسًا في مجلسه العام وهو حفل بأعيان دولته ، فقرأ بعض الحاضرين قوله تعالى { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ، ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجًا مما قضيت ويسلموا تسلميا } ([17]) [ النساء : 65 ] ، والقارئ في أثناء ذلك يشير إلى الحاكم ، فلما فرغ من القراءة ، قرأ شخص آخر يعرف بابن المشجر ، وكان رجلاً صالحًا { يا أيها الناس ضرب مثلٌ فاستمعوا له ، إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابًا ولو اجتمعوا له ، وإن يسلبهم الذباب شيئًا لا يستنفذوه منه ، ضعف الطالب والمطلوب . ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزير } ([18]) [ الحج : 73 ] .

فلما أنهى قراءته تغير وجه الحاكم ، ثم أمر لابن المشجر المذكور بمائة دينار ، ولم يطلق للآخر شيئاً ، ثم إن بعض أصحاب ابن المشجر قال له : أنت تعرف الحاكم وكثرة استحالاته ، وما نأمن أن يحقد عليك ، وأنه لا يؤاخذك في هذا الوقت ثم يؤاخذك بعد هذا فتتأذى معه ، ومن المصلحة عندي أن تغيب عنه . فتجهز ابن المشجر للحج ، وركب في البحر فغرق ، فرآه صاحبه في النوم ، فسأله عن حاله ، فقال : ما أقصر الربان معنا ، أرسى بنا على باب الجنة ، رحمه الله تعالى ، وذلك ببركة جميل نيته وحسن قصده ) ([19]).

ويقول السيوطي : ( إنا الحاكم أمر الرعية إذا ذكره الخطيب على المنبر أن يقوموا على أقدامهم صفوفًا إعظامًا لذكر ، واحترامًا لاسمه ، فكان يفعل ذلك في سائر ممالكه حتى في الحرمين الشريفين . وكان أهل مصر على الخصوص إذا قاموا خروا سجدًا ، حتى أنه يسجد بسجودهم في الأسواق وغيرهم ، وكان جبارًا عنيدًا ، وشيطانًا مريدًا ، كثير التلون في أقواله وأفعاله ) ([20]) .

ومن أفعاله ( أنه كان يعمل الحسبة بنفسه ، فكان يدور بنفسه في الأسواق على حمار له – وكان لا يركب إلا حمارًا - ، فمن وجده قد غش في معيشة ، أمر عبدًا أسود معه يقال له مسعود ، أن يفعل به الفاحشة العظمى ) ([21]).

وقد بنى بين الفسطاط والقاهرة مسجدًا عظيمًا على ثلاثة مشاهد ([22])كانت هناك ، وجعل فيه سدنة وخدمًا يوقدون فيه السرج الليل كله ، وكان يريد أن ينقل إليه جسد النبي صلى الله عليه وسلم ، غير أن الله سبحانه دفع ، وأظهر الله عز وجل أهل المدينة على ذلك ) ([23]).

وكان يحتال بكل حيلة لإِقناع الناس بقدرته وعلمه ، ( ومن ذلك أنه أرسل مرة وراء بعض الأشقياء ، وعلمهم أن يسرقوا من مخازن مصر في أحد الليالي أشياء معلومة فأطاعوا أمره ، وكان قبل ذلك قد أمر الناس بترك بيوتهم ودكاكينهم مفتوحة طوال الليل بدعوى أن السرقة لا تجوز في أيامه ، وتعهد لكل من يسرق له شيء برده ومعرفة السارق .

فلما دار الذين استأجرهم للسرقة ، وأخذوا ما أخذوه ، تقدم إليه أصحاب الحاجيات يشكون إليه الأمر فقال : اذهبوا إلى أبى الهول الذي صنعته يخبركم بما تريدون ، وكان صد صنع تمثالاً من النحاس على صورة أبي الهول ، ووضع من داخله رجلاً يعرف أسماء السارقين ، والذين سرقت الأشياء من دكاكينهم ، فإذا جاء الرجل منهم وقص حكايته ، أجابه الرجل من داخل الصنم أن اذهب إلى بيت فلان تجد حاجتك ، وصحت أقاويله ، فهال الناس الأمر واعتقدوا في الخليفة أشكالاً وألوانًا ) ([24]).

وينقل الأستاذ محمد عبد الله عنان عن كتاب ( أخبار الدول المنقطعة ) عن الحاكم وعن خطته الدموية ما يأتي : ( وكان مؤاخذًا بيسير الذنب ، حادًا لا يملك نفسه عند الغضب ، فأفنى أمما وأباد أجيالاً ، وأقام هيبة عظيمة وناموسًا ، وكان يفعل عند قتله الشخص أفعالاً متناقضة وأعمالاً متباينة . وكان يقتل خاصته وأقرب الناس إليه ، فربما أمر بإحراق بعضهم ، وربما أمر بحمل بعضهم وتكفينه ودفنه وبنى تربة عليه ، وألزم كافة الخواص ملازمة قبره والمبيت عنده ، وأشياء من هذا الجنس يموه بها على عقول أصحابه السخيفة ، فيعتقدون أن له في ذلك أغراضًا صحيحة استأثر بعلمها وتفرد عنهم بمعرفتها ) ([25]).

ومن حوادث القتل والسفك التي اقترفها الحاكم : ( أنه في سنة 399 هـ قبض على جماعة كبيرة من الغلمان ، والكتاب ، والخدم الصقالبة بالقصر ، وقطعت أيديهم من وسط الذراع ثم قتلوا . وقتل الفضل بن صالح ([26])من أعظم قواد الجيش ، وفي العام التالي وقعت مقتلة أخرى بين الغلمان والخدم ، وقتل جماعة من العلماء السنية . وقبض على صالح بن علي الروذباري لأسابيع قليلة من عزله وقتل ، وعين مكانه ابن عبدون النصراني ، ثم صرف وقتل لأشهر قلائل ، وخلفه أحمد بن محمد القشوري في الوساطة والسفارة ، ثم صرف لأيام قلائل من تعيينه وضربت عنقه لأنه كان يميل إلى الحسين بن جوهر ([27])ويعظمه .

وللحاكم قصة دموية مروعة مع خادمه ( غين ) وكاتبه ( أبي القاسم الجرجرائي ) ([28])، وكان غين من الخدم الصقالبة الذين يؤثرهم الحاكم بعطفه وثقته ، فعينه في سنة 402 هـ للشرطة والحسبة ولقبه بقائد القواد ، وعهد إليه بتنفيذ المراسيم الدينية والاجتماعية ، وعهد بالكتابة إلى أبي القاسم الجرجرائي ، وكان الحاكم قد سخط على غين قبل ذلك ببضعة أعوام وأمر بقطع يده ، فصار أقطع اليد ، ثم سخط عليه كرة أخرى وأمر بقطع يده الثانية ، فقطعت وحملت إلى الحاكم في طبق ، فبعث إليه الأطباء للعناية به ووصله بمال وتحف كثيرة ، ولكن لم تمض أيام قلائل على ذلك حتى أمر بقطع لسانه ، فقطع وحمل إلى الحاكم أيضًا ، ومات غين من جراحه .

وأما أبو القاسم الجرجرائي فقد أمر الحاكم بقطع يديه لوشاية صدرت في حقه ، ولكنه أبقى على حياته ، وعاش أقطع اليدين ، وفي سنة 405 قتل الحاكم قاضى القضاة مالك بن سعيد الفارقي ([29])، وقتل الوزير الحسين بن طاهر الوزان ([30])، وعبد الرحيم بن أبي السيد الكاتب ، وأخاه الحسين متولي الوساطة والسفارة ، وقلد الوساطة فضل بن جعفر بن الفرات ، ثم قتله لأيام قلائل من تعيينه .

وهكذا استمر الحاكم في الفتك بالزعماء ورجال الدولة والكتاب والعلماء حتى أباد معظمهم ، هذا عدا من قتل من الكافة خلال هذه الأعوام الرهيبة ، وهم ألوف عديدة . وتقدر الرواية المعاصرة ضحايا الحاكم بثمانية عشر ألف شخص من مختلف الطبقات ) ([31]).

وكان أشد الناس تعرضًا لهذه النزعات الدموية ، أقرب الناس إلى الحاكم من الوزراء والكتاب والغلمان والخاصة ، ولم يكن عامة الناس أيضًا بمنجاة منها ، فكثيرًا ما عرضوا للقتل الذريع لأقل الريب والذنوب أو لاتهامهم بمخالفة المراسيم والأحكام الشاذة التي توالي صدورها طوال حكمه ، وكان رجال الدولة ورجال القصر وسائر العمال والمتصرفين يرتجفون رعبًا وروعًا أمام هذه المذابح الدموية ، وكان التجار وذوو المصالح والمعاملات يشاطرونهم ذلك الروع .

ويروي لنا المُسبِّحي ([32])صديق الحاكم ومؤرخه فيما بعد ، أن الحاكم أمر سنة 395 هـ بعمل شونة كبيرة مما يلي الجبل ملئت بالسنط والبوص والحلفا ([33])، فارتاع الناس وظنه كل من له صلة بخدمة الحاكم من رجال القصر أو الدواوين أنها أعدت لإعدامهم ، وسرت في ذلك إشاعات مخيفة . فاجتمع سائر الكتاب وأصحاب الدواوين والمتصرفون من المسلمين والنصاري في أحد ميادين القاهرة ، ولم يزالوا يقبلون الأرض حتى وصلوا القصر ، فوقفوا على بابه يضجون ويتضرعون ويسألون العفو عنهم ، ثم دخلوا القصر ورفعوا إلى أمير المؤمنين عن يد قائد القواد الحسين بن جوهر رقعة يلتمسون فيها العفو ، فأجابهم الحاكم على لسان الحسين إلى ما طلبوا ، وأمروا بالانصراف والبكور لتلقي سجل العفو .

واشتد الذعر بالغلمان والخاصة على اختلاف طوائفهم ، وتوالى صدور الأمانات لمختلف الطبقات ) ([34]).

هذه السجلات وأمثالها التي أصدرها الحاكم تدل على مدى خوف الناس من بطشه ، حتى التمسوا منه إصدار سجلات الأمان .

ولا يوجد ثمة ريب في أن القتل كان في نظر الحاكم خطة مقررة ، ولم تكن فورة أهواء فقط ، وقد لزم الحاكم هذه الخطة طوال حياته ، وفي هذا المعنى يقول الكوثري : ( من علم أن مدة الحاكم هذا من سنة 386 هـ إلى سنة 411 هـ ، يرى الاعتذار عنه بأنه كان مجنونًا كلاما لا يلتفت إليه ، لأن من المحال في جاري العادة أن يستبقي حاكم وهو مجنون مدة خمس وعشرين سنة ) ([35]) .

وينقل الأستاذ محمد عبد الله عنان عن المستشرق ميللر في الحاكم ما يلي :

( وليس لدينا إلا أن نعتقد أنه إما باطني متعصب ، توهم في نفسه الإِغراق والألوهية ، وإما أمير ذكي بارع في تاريخ أسرته ومذهبها . اعتقد أنه يستطيع أن يسمو فوق البشر وأن يحتقرهم ويصنفهم كالشمع طوع إرادته ، وربما كان يجمع في طبيعته المتناقضة بين شيء من هذا وشيء من ذاك ) ([36]).

ولقد كانت معاملة الذميين من أهم ظواهر عصر الحاكم بأمر الله ، وكانت بلا ريب سياسة مقررة ، ولم تحمل في مجموعها طابع التناقض .

ففي سنة 395 هـ أصدر الحاكم أمره للنصارى واليهود بلبس الغيار ، وشد الزنار ، ولبس العمائم السود . وفي سنة 399 هـ أمر بهدم كنائس القاهرة ونهب ما فيها ، وصدر مرسوم خاص بهدم كنيسة القيامة في بيت المقدس . وفي العام التالي صدر مرسوم جديد بالتشديد على اليهود والنصارى في لبس الغيار وتقليد الزنار ، وألغيت الأعياد النصرانية كعيد الصليب والغطاس ، وعيد الشهيد ([37]).

وقد خفت هذه المعاملة للذميين تباعًا ، وخاصة قبل مقتل الحاكم سنة 411 هـ ، إذ أصدر عدة سجلات بإلغاء ما أصدره من قبل في حقهم . ومما يلحظ في هذا الصدد ، أن موقف الحاكم إزاء النصارى واليهود هو من المواقف القليلة التي ثبت فيها الحاكم على سياسة واحدة ، وأنه لم يجنح فيه من الشدة إلى اللين إلا في أواخر عصره ، حينما ظهر دعاة تأليهه ، يدعون إلى دين جديد وعقائد جديدة ) ([38]). فكان لابد من تغيير هذه المعاملة ، محاولة منه لاستمالتهم إلى ما تصبو إليه نفسه ؟ .

أما موقف الحاكم من أحكام وأركان الإسلام ، ( فقد أصدر سنة 400 هـ سجل بإلغاء الزكاة والنجوي ( أو رسوم الدعوة ) ([39])، وأعيدت صلاة الضحى والتراويح ( بعد أن منعها ) . وفي بعض الروايات أنه حاول أن يعدل بعض الأحكام الجوهرية كالصلاة والصوم والحج ، وقيل إنه شرع في إلغائها ، أو أنه ألغاها بالفعل .

ومن ذلك أنه ألغى الزكاة كما رأينا ، وألغى صلاة الجمعة ( التي يصليها ) في رمضان ، وكذلك ألغى صلاته في العيدين ، وألغى الحج ، وأبطل الكسوة النبوية ([40])، وفي سنة 395 هـ أمر بسب السلف ( أبي بكر وعمر وعثمان وعائشة ومعاوية وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم ) ، وكتب ذلك على أبواب المساجد ، ولاسيما جامع عمرو في ظاهره وباطنه ، وعلى أبواب الحوانيت والمقابر ، ولون بالأصباغ والذهب ، وأرغم الناس على المجاهرة به ونقشه في سائر الأماكن ) ([41]).

وقد أمر نائبه على دمشق أن يضرب رجلاً مغربيًا ، ويطاف به على حمار ، ونودي عليه : هذا جزاء من أحب أبا بكر وعمر ، ثم أمر به فضربت عنقه ) ([42]).

ولكنه في سنة 397 هـ أمر بمحو كل ما كتب على المساجد والدور وغيرها ، وفي سنة 401 هـ قرئ بجامع عمرو سجل بالنهي عن معارضة أمير المؤمنين ( الحاكم ) فيما يفعل أو يصدر فيه من الأمور والأحكام ، وترك الخوض فيما لا يعني . وكانت النفوس قد اضطربت من جراء هذه الأوامر والقيود المضنية ، وأمر في نفس السجل بإعادة ( حي على خير العمل ) في الأذان ، وإسقاط ( الصلاة خير من النوم ) ([43])، والنهي عن صلاة التراويح والضحى ) ([44]).

وأما عن شغفه بالليل ، فقد كان من أظهر خواص هذا الدور من حكمه ، (( فقد كان يعقد مجالسه ليلاً ، ويواصل الركوب كل ليلة ، وينفق شطرًا كبيرًا من الليل في جوب الشوارع والأزقة .

وجنح الحاكم في تلك الفترة إلى نوع من التصوف المدهش ([45])، فأطلق شعره حتى تدلى على أكتافه ، وأطلق أظافره ، واستعاض عن الثياب البيضاء بثياب سود ، فكان يرتدي جبة من الصوف الأسود العادي ([46])، وقد لا يغيرها مدة طويلة حتى يعلوها العرق والرثاثة ، وقد يرتدي أحيانًا جبة مرقعة من سائر الألوان .

وأضرب عن جميع الملاذ الحسية والنفسية ، واقتصر في طعامه على أبسط ما تقتضيه الحياة من القوت المتواضع . وفي سنة 405 هـ ازداد الحاكم شغفًا بالطواف في الليل ، فكان يركب مرارًا في اليوم ، بالنهار والليل ، وكان يقصد غالبًا إلى المقطم ([47])حيث أنشأ له منزلاً منفردًا يخلو فيه إلى نفسه ويهيم في عوالمه وتصوراته ، ومرصدًا خاصًا يرصد منه النجوم ويستطلعها .

وكان يؤثر ركوب الحمير ، ولاسيما الشهباء منها ، ويخرج دون موكب ولا زينة ومعه نفر قليل من الركابية ، وكان يبدأ كعادته بالتجوال في شوارع القاهرة ، ويحادث الكافة ، ويستمع إلى ظلامات المتظلمين .

وقد انتهت إلينا أحاديث ونوادر كثيرة عن المناظر التي كانت تقترن بهذا الطواف ، وعما كان ينزع إليه الحاكم أحيانًا من الأهواء العنيفة خلال طوافه ، ومن ذلك أنه كان يأمر بإحراق الشونة ليتمتع بمرأى النيران ، وأنه لقى ذات مساء عشرة من الناس سألوه الإِحسان فأمر أن ينقسموا إلى فريقين يتقاتلان ، حتى يغلب أحدهما فينعم عليه ، فتقاتلا حتى فنى منهم تسعة وبقي واحد ، فألقى عليه الدنانير ، فلما انحنى ليأخذها عاجله الركابية بقتله .

وأنه مر ذات ليلة على دكان شواء ، فانتزع منه سكينًا وقتله بها أحد الركابية المقربين لديه بغير ما سبب معروف ، وقد تركت الجثة في موضعها ، وفي اليوم التالي أنفذ الحاكم إليه كفنًا جليلاً ، ودفن مع التكريم ) ([48]).

(( ويحكى أنه عَنَّ له في أثناء ركوبه بالليل رأي سخيف ، فكان يأمر أحد رجاله بأن يأتي شيخًا خليعًا بمشهد منه ومن الجمع الحاضر ، ويضحك من هذا المنظر القبيح ويطرب له ) ([49]).

هذا بعض ما أورده المؤرخون عن الحاكم ، وما أوردناه لم يكن مجرد سرد تاريخي لحياة الحاكم ، ولكنه من صلب العقيدة التي نتحدث عنها وهي عقيدة الدروز ، حيث سترى بعد قليل أن هذه الوقائع التاريخية لحياة الحاكم كان لها أكبر الأثر في عقيدة هذه الطائفة ، لأنهم أولوا جميع هذه الأعمال الشاذة على أنها دليل على ألوهيته وربوبيته ، وليست كما يظهر لنا في الظاهر .

الدور الثالث : من سنة 408 – 411 هـ ( 1017 – 1021 م ) :

في رسالة ( مباسم البشارات ) التي كتبها الكرماني ، أحد أكابر الدعاة الإِسماعيليين في ذلك الوقت ، والتي جاءت بعد اضطراب الأحوال في مصر حينما وفد إليها – الكرماني – سنة 408 هـ ، إشارة واضحة إلى حالة الدعوة الإِسماعيلية ، فقد جاء فيها : ( بأن عهود الدعوة التي كانت قبل ذلك قد درست ، وأن مجالس الحكمة التأويلية أبطلت ، وتقلبت الأحوال بالناس ، فالعالي قد اتضع ، والسافل قد ارتفع ، والذين آمنوا بالدعوة الفاطمية اضطربت أحوالهم ، وكل واحد يرمي صاحبه بالإِلحاد ، وبعضهم غالى في رأيه ، والبعض الآخر خرج عن عقيدته .. إلى غير ذلك ) ([50]) .

فالصورة التي صورها الكرماني لهذا الاضطراب الذي ظهر في المجتمع كان بسبب ظهور دعوة جديدة تقول : بأن الحاكم بأمر الله ما هو إلا ناسوت للإِله ، ولاشك أن الدعاة الذين نادوا بهذه الدعوة الذين نادوا بهذه الدعوة الجديدة ، ظلوا يعملون لها مدة طويلة في الخفاء ، ويعدون عدتهم للظهور بها في الوقت الملائم ) ([51]).

لذلك نستطيع أن نقول : إن سلوك الحاكم ، إنما كان بتأثير فكرة الألوهية ، وأن كل ما صدر عن الحاكم بأمر الله من أعمال وأقوال ، إنما كان بدافع واحد هو تأليهه .

(( فالحاكم تولى مقاليد الحكم وهو صغير السن ، وقد أحيط بهالة خاصة مما أسبغته العقيدة الإِسماعيلية عن أئمتها ، فتأثر بهذه العقائد ، إلى جانب أنه رأى حاشيته ورعيته يسجدون له كلما مر بهم ، فشاع طموحه – وهو في مثل هذا السن الصغير – أن يكون إلهًا مثل الملوك الأقدمين – من الفراعنه - ، واختمرت هذه الفكرة في نفسه ، ولكنه لم يعلنها للناس ، ولعله أسر بها إلى بعض الدعاة حوله ، فتسابقوا إلى إشباع نزوته وتنميتها مع مرور الزمن )) ([52]).

(( وربما أوحى بعض الدعاة إليه بكل ما قام به من أعمال ، ولكن ليس لدينا من كتب التاريخ ما يؤيد أي افتراض ، والشيء المؤكد أن هذه السياسة التي اتبعها الحاكم كانت مقررة ، ليفهم من أفعاله أنه هو الخالق ، وأنه هو المحيي والمميت ، والرازق والوهاب ، إلى غير ذلك من أسماء الله الحسنى ، وصفاته العلى . فها هو الحاكم بأمر الله يسرف في القتل ليقال : إنه مميت ، ويرزق الناس ويهبهم ليقال : إنه رزاق وهاب ، ويعفو عمن يستحق القتل ليقال : إنه محيي )) ([53]).

ويؤيد هذا ما ورد في رسالة ( السيرة المستقيمة ) التي ألفها حمزة بن علي ، وجاء فيها : (( ولكني أذكر لكم في هذه السيرة وجوها قليلة العدد ، كثيرة المنفعة ، لمن تفكر فيها ، فأول ما أختصر في القول ما فعله المولى سبحانه مع برجوان وابن عمار ، وهو يومئذ ظاهر لا يراه العامة إلا على قدر عقولهم ، ويقولون صبي السن ، وملك المشارقة كافة مع برجوان ، ولابن عمار ملك المغاربة . فأمر مولانا بقتلهم فقتلوا قتل الكلاب ، ولم يخش من تشويش العساكر والاضطراب ، وأما أمر ملوك الأرض فما يستجري أحد منهم على مثل ذلك ، ثم أمر بقتل ملوك كتامة وجبابرتها بلا خوف من نسلهم وأصابهم ، ويمشي أنصاف الليالي في أوساط ذراريهم وأولادهم بلا سيف ولا سكين .

شاهدتموه في وقت أبي ركوة الوليد بن هشام الملعون ، وقد أضرم ناره ، وكانت قلوب العساكر تجزع في مضاجعهم مما رأوه من كسر الجيوش ، وقتل الرجال ، وكان المولي جلت قدرته يخرج أنصاف الليالي إلى صحراء الجب ، ويلتقي به حسان بن عليان الكلبي في خمسمائة فارس ، ويقف معهم بلا سلاح ولا عدة ، حتى يسأل كل واحد منهم عن صاحبه ، ثم إنه يدخل في ظاهر الأمر إلى صحراء الجب ، وليس معه غير الركابية والمؤذنين ... إلى أن يقول : ( إنكم ترون من أمور تحدث بما شاهدتموه من المولى ما لا يجوز أن تكون أفعال أحد من البشر ، لا ناطق ، ولا أساس ، ولا إمام ، ولا حجة ، فلم تزدادوا بذلك إلا عمي وقلة بصيرة ) ([54]) .

(( وقد بدأ ظهور المذهب الجديد ، حينما قام الدرَزي ( وهو أحد دعاة المذهب في أول ظهوره ) ، وأعلن الدعوة سنة 407 هـ ، ثم قام سنة 408 هـ ومعه خمسمائة من أصحابه وأتباعه بالحج إلى قصر الحاكم فهاجمهم الناس والجند ) ([55]).

والمؤرخون يذكرون ثلاثة من الدعاة الكبار الذين أسسوا هذا المذهب ، وهم : حمزة بن علي بن أحمد الزوزني ( الذي أصبح إمام المذهب فيما بعد ) ، ومحمد ابن إسماعيل الدرزي المعروف بـ ( نشتكين ) ، والحسن بن حيدرة الفرغاني المعروف بـ ( الأخرم أو الأجدع ) .

(( ويرجح الدكتور محمد كامل حسين أنهم كانوا جميعًا من حاشية الحاكم الذين لم يفارقوه مدة الوصاية عليه ، وخاصة حمزة بن علي ، الذي استأثر بكل شيء وبالتمجيد كله )) ([56]).

وقد وقع الخلاف بين حمزة ، والدرزي منذ ذلك الحين ، لتسرع الدرزي في الكشف عن المذهب الجديد ، ولذلك نجد أن حمزة عمد إلى إظهار دعوى ألوهية الحاكم سنة 408 هـ ، والتي يعتبرها الدروز أولى سني تقويمهم ، وبعد هذه الدعوى اضطربت الأحوال في مصر ، وهاجمت الناس هؤلاء الدعاة في كل مكان ، مما دفع الدرزي إلى الاحتماء في قصر الحاكم ، والهرب فيما بعد إلى الشام . واضطر حمزة بعد الذي حدث ، أن يغيب عن الأنظار في سنة 409 هـ ، والتي يعتبرها سنة غيبة .

من كل هذا نرى أن الحاكم كان يقف من هذه الدعوة موقف التأييد والرعاية ، ويشد أزرهم ويمدهم بالمال والنصح ، ويسهر على حمايتهم من الناس ، ويقول حمزة في رسالة ( الغاية والنصحية ) مؤكدًا على حماية الحاكم له ولأتباعه ، عندما هاجمهم الناس والجند في المسجد الذي كان يحتمي فيه : ( وقد اجتمعت عند المسجد سائر الأتراك بالجيوش ، والزرد ، والخوذ ، والتحافيف ، ومن جميع العساكر والرعية زائدًا عن عشرين ألف رجل ، فقد نصبوا على القتال بالنفط ، والنار ، ورماة النشاب ، والحجار ، ونقب الجدار والتسلق إلى الحيطان بالسلالم يومًا كاملاً ، وجميع من كان معي في ذلك اليوم اثنتعشر ([57])نفسًا ، منهم خمسة شيوخ كبار ، وصبيان صغار لم يقاتلوا ، فقتلنا من المشركين ([58])ثلاث أنفس ، وجرحنا منهم خلقًا عظيمًا لا يحصى ، حتى طال على الفئة القليلة الموحدة القتال ، وكادت الأرواح تتلاشى وتبلغ التراق ، وخافوا كثرة الأضداد والمراق ، وغلبة المنافقين والفساق ، فناديتهم : معاشر الموحدين : اليوم أكملت لكم دينكم بالجهاد ، وأتممت عليكم نعمته والسداد ، وأرضى لكم التسليم لأمره بالجهاد ، وما يصيبنا إلا ما كتب الله علينا هو مولانا وعليه فليتوكل المؤمنون .

معاشر الموحدين قاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون ([59])، قاتلوا أقوامًا نكثوا أيمانهم يعني عهدهم وهموا بإخراج الرسول ، وهو قائم الزمان ، وهم بدؤوكم أول مرة ، يعني دفعة الجامع ، فلا تخشوهم فمولانا جل ذكره أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين ، قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم وينصركم عليهم ويشفي صدور قوم مؤمنين .

فما استتميت ([60])كلامي لهم ، حتى صار مولانا جل ذكره وتجلى للعالمين بقدرته سبحانه ، فصعقت من في السموات والأرض ، فانقلبوا المنافقين على أعقابهم خائبين ، فلمولانا الحمد والشكر أبد الآبدين ) ([61]).

ونستطيع أن نذهب إلى أبعد من ذلك ، فنقول : أن الحاكم كان يشرف على توجيه الدعوة ، ويشترك في تنظيمها وتغذيتها بطريقة فعلية ، وهذا ما يذكره لنا حمزة في رسائله ، فمثلاً في رسالة ( البلاغ والنهاية ) يقول ما يلي : ( تأليف عبد مولا جل ذكره ، هادي المستجيبين ، المنتقم من المشركين بسيف مولانا جل ذكره ، رفع نسختها إلى الحضرة اللاهوتية بيده في شهر المحرم الثاني من سنينه المباركة ) ([62]).

ويقول في رسالة ( الصبحة الكائنة ) ما يلي : ( فتأييد مولانا سبحانه واصل إلي ، ورحمته وأفضاله ظاهرة وباطنة علي ، وجميع أصحابي المستجيبين عزيزين مكرمين في الشرطة ، والولاية ، وأصحاب السيارات ، مقضون الحوائج دون سائر العالمين ، ورسلي واصلة بالرسائل والوثائق إلى الحضرة اللاهوتية التي لا تخفى عنها خافية ، لا في السر ، ولا في العلانية ، وقد أوعدني مولانا جلت قدرته في ظاهر الأمر مضافًا إلى مواعيده الحقيقة التأييدية ، وهو منجز مواعيده وقت يشاء كيف يشاء بلا تقدير عليه ) ([63]).

غير أن مطاردة دعاة الحاكم وتمزيقهم بهذه القسوة من الناس ، دون إكتراث لما أولاهم به من رعاية ظاهرة ، قد أثار في نفسه غضبًا على الجند والناس ، لأنهم تجارأوا على ذلك ، وعول على الانتقام لنفسه وللدعاة .

وينقل الأستاذ محمد عبد الله عنان عن الوزير جمال الدين في ( أخبار الدول المنقطعة ) تفصيلاً دقيقًا لما حدث فيقول : ( اعتزم الحاكم أن ينكل بمصر وأهلها ، فاستدعى العرفاء والقادة ونظم معهم خطة العمل ، وعهد إلى مقدمي العبيد وغيرهم من الطوائف بافتتاح الهجوم ، فأخذوا يغيرون على أحياء مصر في هيئة عصابات ، وينهبون الحوانيت والسابلة ، ويخطفون النساء من الدور ، والشرطة تغضي عن جرائمهم ، والحاكم معرض عن كل شكاية وتضرع ، وكان ذلك في جمادي الآخرة سنة 411 هـ .

ثم اتسع نطاق الاعتداء ، فهاجمت قوى العبيد والترك والمغاربة مصر من كل صوب ، وأضرموا النار في أطرافها ، وهب أهل مصر للدفاع عن أنفسهم ، واستمرت المعارك بين الفريقين ثلاثة أيام ، وألسنة اللهب تنطلق من المدينة القديمة إلى عنان السماء ، والحاكم يركب كل يوم إلى الجبل ، ويشاهد النار ، ويسمع الصياح ، ويسأل عن حقيقة الأمر ، فيقال له : إن العبيد يحرقون مصر وينهبونها ، فيظهر الأسف والتوجع ، ويقول : ومن أمرهم بهذا لعنهم الله ؟ ! .

وفي اليوم الرابع اجتمع الأشراف والكبراء في المساجد ورفعوا المصاحف وضجوا بالبكاء والدعاء ، فكف الأتراك والمغاربة عن متابعة الاعتداء ، واستمر العبيد في عدوانهم ، وأهل مصر يدفعونهم بكل ما استطاعوا . وطلب الأتراك والمغاربة إلى الحاكم أن يأمر بوقف هذا الاعتداء على أهل مصر ، وعلى أموالهم ، خصوصًا وأن لهم بين المصريين كثيرًا من الأصهار والأقارب ، ولهم في مصر كثير من الأملاك ، فتظاهر بإجابة مطلبهم ، ولكنه أوعز إلى العبيد أن يستمروا في القتال ، وأن يتأهبوا لمدافعة الترك والمغاربة، فاشتدت المعارك بين الفريقين ، ودافع الترك والمغاربة عن أهل مصر ، ومزقوا جموع العبيد ونكلوا بهم ، ثم هددوا الحاكم باقتحام القاهرة وحرقها ، إذا لم يوضع حد لتلك الجرائم ، فخشى الحاكم العاقبة ، وأمر العبيد بالتفرق ولزوم السكينة ، واعتذر لأشراف مصر وزعماء الترك والمغاربة عما وقع ، وتنصل من كل تبعة فيه ، وأصدر أمانًا لأهل مصر قريء على المنابر .

وسكنت تلكك الفتنة الشنعاء بعد أن لبثت الفسطاط بضعة أسابيع مسرحا لمناظر مروعة من السفك والعبث والنهب ، وأحرقت معظم شوارعها ومبانيها ، وخربت معظم أسواقها ، ونهبت ، وسبي كثير من نسائها ، واعتدى عليهن ، وانتحر كثير منهن خشية العار ، وتتبع المصريون أزواجهم وبناتهم وأمهاتهم وافتدوهن من الخاطفين ) ([64]).

وبأسلوب آخر ، يؤكد حمزة هذه الحوادث ، وأنها كانت انتقامًا لما حصل للدعاة من تنكيل وتمزيق ، فيقول في رسالة ( الرضى والتسليم ) : ( لأنه سبحانه أنعم عليكم ما لم ينعم على في الأدوار ، وأظهر لكم من توحيده وعبادته ، ما لم يظهره في عصر من الأعصار ، وأعزكم في وقت عبده الهادي ما لم يعز أحدًا في الأقطار ، ولم يكن لصاحب الشرطة والولاية والسيارات عليكم سبيل إلا بطريق الخير ، ثم إن المنافقين قتلوا من إخوانكم ثلاثة أنفر ، فأمر مولانا جل ذكره بقتل مائة رجل منهم ، والذي قال في القرآن النفس بالنفس لا غير فلم تشكروه على ذلك ، ولم تعبدوه حق ما يجب عليكم من عبادته ، ولم تكن نياتكم خالصة لوحدانيته ) ([65]).

ويحاول عدد من الكتاب المعاصرين ، الذين كتبوا عن الحاكم وعن الدروز ، أن ينفوا عن الحاكم كل هذه الأمور ، ويصوروها كأنها افتراءات من المؤرخين ، أو يجعلوا لها تبريرًا لا يستسيغه عقل ولا منطق .

من هؤلاء الكتاب الدكتور أحمد شلبي ، الذي حاول أن يصور أخبار شذوذ الحاكم واضطرابه ، على أنه اتفاق بين المؤرخين ، يأخذ الواحد قضية ، فيسلم بها الآخر ، وأن تاريخ الحاكم قد كتب أثر وفاته ، وقد عادت السلطة إلى من اضطهدهم ، الذين كان يهمهم أن يبرزوه معتوهًا أو مجنونًا أو مدعيًا للألوهية ، ليصرفوا الناس عن البحث عن القتلة الذين قتلوا الحاكم ؟! .

بل يحاول الدكتور شلبي أن يبرر كل تصرفاته ، حتى إنه يجعله مخلصًا لدولته كفؤا لحمل أعبائها ، وهو في القمة من المفكرين في إنشائه دار الحكمة ([66]).

ولا أدري على ماذا اعتمد الدكتور شلبي ، في دفاعه القوي عن الحاكم ، ولكن يبدو أن معلومات الدكتور فيليب حتي ، أقوى عنده من كل ما كتبه المؤرخون ؟!

وهناك قضية أخرى يحاول بعض الكتاب إيرادها ، وهي صلة الحاكم بحمزة بن علي وغيره من الدعاة ، وهذا ما يحاول الأستاذ عبد الله النجار ([67])أن ينفيه في كتابه ( مذهب الدروز والتوحيد ) ، مع أن الدروز حتى الوقت الحاضر ينفون مثل هذه الأقوال ، ويعتبرونها تقويضًا للمذهب التوحيدي ، ففي كتاب ( أضواء على مسالك التوحيد ) يورد بايزيد في توطئته للكتاب ، وفي معرض رده على ما كتبه الأستاذ عبد الله النجار في كتابه يقول :

( ونرى المؤلف الكريم يسعى إلى التفرقة والفصل بين حمزة بن علي والحاكم بأمر الله ، وإنكار صلة الحاكم بالمذهب وانتسابه إليه . وفي ذلك ما فيه ، علاوة على نية تقويض أساس المعتقد العرفاني ، والمذهب التوحيدي ( أي الدرزية ) ، كما هو مشهور ومعلوم ، قد أخذ وغرف المحتوى الأخير لمنهجه ولعقيدته ودعوته من مجالس الحكمة ، التي كانت تعقد في حضرة مولانا الحاكم وتوجيهه ، وفي دار الحكمة التي أسسها على غرار أكاديمية أفلاطون عليه السلام ؟! ) ([68]).

وهناك رسالة من رسائل حمزة ، عنوانها ( الرسالة المنفذة إلى القاضي أحمد بن العوام ) ([69])، ( تثبت أن حمزة أصبح في مكانة استطاع منها أن يخاطب قاضي القضاة بمثل هذا الخطاب ) ([70]) ، ( وتدل على مدى المكانة التي بلغها حمزة في ذلك التاريخ ) ([71])، ولو لم يكن وراء حمزة من يحميه ويدفع عنه الأذى ما كان يجرؤ على كتابة مثل هذا الخطاب ، يقول حمزة في هذه الرسالة : ( توكلت على أمير المؤمنين جل ذكره ، وبه أستعين في جميع الأمور ، معل علة العلل ، صفات العلة بسم الله الرحمن الرحيم . من عبد أمير المؤمنين ومملوكه حمزة بن علي بن أحمد هادي المستجيبين ، المنتقم من المشركين بسيف أمير المؤمنين وشدة سلطانه ، ولا معبود سواه ، إلى أحمد بن محمد بن العوام ، الملقب بقاضى القضاة ، أما بعد :

فقد تقدمت لنا إليك رسالة نسألك عن معرفتك بنفسك ، فقصرت عن الإِجابة ، قلة علم منك بالحق وإهجانًا به ، وكيف يجوز لك أن تدعي هذا الاسم الجليل وهو قاضي القضاة ، وليس لك علم بحقائق القضايا والأحكام ، فقد صح بأنك مدع لما أنت فيه ، فيجب عليك أن تعلم نفسك وتدربها ، فإن كنت قد جهلتها فأنت فرعون الزمان ، وفعلك لاحق بعثمان بن عفان ، فيجب عليك أن تقلع عما أنت فيه ، وتتبع سير أصحابك المتقدمين أبي بكر وعمر ([72]) ، وتزيل تلثيمة البياض عن رأسك والعمامة والطيلسان ، وتلبس دنية سوداء بشقائق صفر طوال مدلاة على صدرك ، وتلبس درَّاعة بلا جيب ، بل تكون مشقوقة الصدر ، وتكون مرقعة بالأحمر ، والأصفر ، والأديم الأسود الطائفي ، وتكون قصيرة عليك لتلحق في الشكل بعمر بن الخطاب ، ويكون لك درة على فخذك لتقيم بها الحدود على من تجب عليه وأنت جالس في الجامع ، ويكون لك في كل سوق صاحب يتزيي بزيك وبيده درة يقيم بها في سوقه الحدود على من وجبت عليه مثل الزاني والسارق والقاذف وشارب الخمر ، ممن هو من أهل ملتك ، وتكون تتولى الخطبة بنفسك ، وتطلع على المنبر بلا سيف تتقلد به ، ويكون ممرك ومجيئك من دارك إلى الجامع ، وأنت ماش حافيًا لتكون في ذلك لاحقًا بأصحابك المتقدمين أبي بكر وعمر .

وإياك ثم إياك أن تنظر لموحد في حكم لاأنت ولا عادلتك ، في شهادة نكاح ولا طلاق ، ولا وثيقة ، ولا عتق ، ولا وصية ، ومن جلس بين يديك على حكم فتسأل عنه أن يكون موحدًا فترسله إليّ مع رجالتك لأحكم أنا عليه بحكم الشريعة الروحانية ([73])، التي أطلقها أمير المؤمنين سلامة علينا ، فانظر لنفسك فقد أعذرتك مرة بعد أخرى وأنذرتك ) ([74]).

وإلى هذه الرسالة يشير حمزة في رسالة ( البلاغ والنهاية ) فيقول : ( وقد أرسلت إلى القاضي عشرين رجلاً إلى الحضرة ([75])اللاهوتية ، فأبى القاضي واستكبر ، وكان من الكافرين ، واجتمعت على غلماني ورسلي الموحدين لمولانا جل ذكره ، زهاء مائتين من العسكرية والرعية ، وما منهم رجل إلا ومعه شيء من السلاح فلم يقتل من أصحابي إلا ثلاثة نفر وسبعة عشر رجلاً من الموحدين ، في وسط مائتين من الكافرين ([76])، فلم يكن لهم إليهم سبيل حتى رجعوا إلى عندي سالمين ) ([77]).

وفي ختام هذا الفصل نقف وقفة طويلة مع رسالة حمزة بن علي بن أحمد الموسومة ( بكتاب فيه حقائق ما يظهر قدام مولانا جل ذكره من الهزل ) ، وقد رأيت أن أنقل هنا نص هذه الرسالة ، ليتبين لنا مدى تأثر العقيدة الدرزية بأفعال وأقوال الحاكم ، والتي يعتبرونها دليلاً على ألوهيته ، حيث تلمس لها حمزة تأويلات باطنية ، ( واتخذ منها دلالات على صدق ألوهية الحاكم ، وأن كل ما أتى به الحاكم هو رمز وإشارة وله تأويل باطني لا يفقهه الناس ) ([78])، ولهذه الرسالة أهمية خاصة فيما يتعلق بتأييد الأخبار المروية في كتب المؤرخين عن أفعال الحاكم الغريبة ، إذ فيها تأييد لها وتوكيد ، ودليل قاطع على أن هؤلاء المؤرخين لم يفتروا شيئًا ولم ينقلوا إشاعات كاذبة ) ([79]).

وفيما يلي نص هذه الرسالة : ( الحمد لمولانا وحده ، وشدة سلطانه ، توكلت على مولانا الباري العلام العلي الأعلى ، حاكم الحكام ، من لا يدخل في الخواطر والأوهام ، جل ذكره عن وصف الواصفين وإدراك الأنام . بسم الله الرحمن الرحيم ، صفات عبده الإِمام ، الحمد والشكر لمولانا – جل ذكره – وبه أستعين في الدين والدنيا وإليه المعاد ، الذي يحي ويميت ، وهو الحي الذي لا يموت ، الذي هو في السماء عال ، وفي الأرض متعال ، حاكمًا ، عليه توكلت ، وبه أستعين ، وإليه المصير ، وهو المعين ، وصلوات مولانا جل ذكره وسلامه على الذي اصطفاه من خلقه واختاره من عبيده ، وجعلهم الوارثين لديار أعدائهم بقوته وسلطانه ، الحاكم ، القادر ، العزيز القاهر ، وهو على كل شيء قدير .

أما بعد ، معاشر الإخوان الموحدين ، أعانكم المولى على طاعته ، إنه وصل إليّ من بعض الإِخوان الموحدين – كثر المولى عددهم وزكى أعمالهم ، وحسن نياتهم – رقعة يذكرون فيها ما يتكلم به المارقون من الدين ، الجاحدون لحقائق التنزيه ، ويطلقون ألسنتهم بما يشاكل أفعاله الردية ، وما تميل إليه أديانهم الدنية – فيما يظهر لهم من أفعال مولانا – جل ذكره – ونطقه ، وما ييجري قدامه من الأفعال التي فيها حكمة بالغة شتى فيما تغني النذر ([80])، وتمييز العالم الغبي الذين من أعمالهم الهزل ، وأقوال فيها صعوبة وعدل ، ولم يعرفوا بأن أفعال مولانا – جل ذكره – كلها حكمة بالغة ، جدًا كانت أم هزلاً ، يخرج حكمة ويظهرها بعد حين ، ولو تدبروا ما سمعوه من الأخبار المأثورة عن جعفر بن محمد بن علي بن عبد مناف بن عبد المطلب ([81]): ( إياكم الشرك بالله والجحود له ، بما يختلج في قلوبكم من الشك في أفعاله كيفما كانت ، ولا تنكروا على الإِمام فعله ، ولو رأيتموه راكبًا قصبة ، وقد عقد ذيله خلف ثوبه ، وهو يلعب مع الصبيان بالكعاب ، فإن تحت ذلك حكمة بالغة للعالم وتمييزًا للمظلوم من الظالم ) .

فإذا كان هذا القول في جعفر بن محمد ، وجعفر وآباؤه وأجداده كلهم عبيد لمولانا جل ذكره ، فكيف أفعال من لا تدركه الأوهام والخواطر بالكلية ، وحكمته اللاهوتية التي هي من رموزات وإشارات لبطلان النواميس ، وهلاك الجواميش ، وتمييز الطواويس ، فلمولانا الحمد على ما أنعم به علينا بعد استحقاق نستحقه عنده ، وله الشكر على ما أظهر لنا من قدرته خصوصًا دون سائر العالمين إنعامًا وتفضلاً ، ونسأله العفو والمغفرة بما يجري منا من قبائح الأعمال وسوء المقال ، ونعوذ به من الشرك والضلال ، إنه ولي ذلك والقادر عليه ، وهو العلي المتعال ، ولو نظروا إلى أفعال مولانا جلت قدرته بالعين الحقيقية ، وتدبروا إشاراته بالنور الشعشعاني ، لبانت لهم الألوهية والقدرة الأزلية ، والسلطان الأبدية ، وتخلصوا من شبكة إبليس وجنوده الغوية ، ولتصور لهم ركوب مولانا – جل ذكره – وأفعاله ، وعلموا حقيقة المحض في جده وهزله ، ووقفوا على مراتب حدوده ، وما تدل عليه ظواهر أموره ، جل ذكره وعز اسمه ولا معبود سواه .

فأول ما أظهر من حكمة ما لم يعرف له في كل عصر وزمان ، ودهر وأوان ، وهو ما ينكره العامة من أفعال الملوك : من تربية الشعر ، ولباس الصوف ، وركوب الحمار بسروج غير محلاة لا ذهب ولا فضة .

والثلاث خصال معنى واحد في الحقيقة ، لأن الشعر دليل على ظواهر التنزيل ، والصوف دليل على ظواهر التأويل ، والحمير دليل على النطقاء ( الأنبياء ) ([82])، بقوله لمحمد : ( يا بني أقم الصلاة وآت الزكاة ، وأمر بالمعروف ، وانه عن المنكر ... ، إن ذلك من عزم الأمور . ولا تصعر خدك للناس ) ([83])، ( ولا تمش في الأرض مرحًا ، إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا ) ([84]).

كل ذلك كان عند ربك محذورا ، وانقص من مشيك ، ( واغضض من صوتك ، إن أنكر الأصوات لصوت الحمير ) ([85]).

والعامة ([86])يرون أن هذه الآية حكاية عن لقمان الحكيم لولده ، فكذبوا وحرفوا القول ، إنما هو قول السابق ، وهو سلمان ، وإنما سمي الناطق ولده لحد التعليم والمادة ، إذ كان سائر النطقاء والأوصياء أولاد السابق المبدع الأول ، وهو سلمان ، فقال لمحمد :

( أقم الصلاة ) إشارة إلى توحيد مولانا جل ذكره ، ( وآت الزكاة ) يعني طهرقلبك لمولانا جل ذكره ولحدوده ودعاته . ( وأمر بالمعروف ) وهو توحيد مولانا جل ذكره ، ( وانه عن المنكر ) يعني شريعته وما جاء به من الناموس والتكليف ، ( إن ذلك من عزم الأمور ) يعني الحقائق وما فيها من نجاة الأرواح من نطق الناطق ، ( ولا تصعر خدك للناس ) وخده وجه السابق ، وتصغيره ستره فضيلته ، ( ولا تمش في الأرض مرحًا ) والمرح هو التقصير واللعب في الدين ، والأرض هاهنا هو الجناح الأيمن ، والأيمن هو الداعي إلى التوحيد المحض ، ( إنك لن تخرق الأرض ) يعني بذلك ، لن تقدر عليك تبطيل دعوة التوحيد ، ( ولن تبلغ الجبال طولا ) والجبال هم الحجج الثلاثة الحرم ، ورابعهم : السابق الذي يعبده العالم دون الثلاثة .

وأجلهم الحجة العظمي ، واسمه في الحقيقة : ذومعة ، لأن قلبه وعى التوحيد والقدرة من مولانا جل ذكره بلا واسطة بشرية ، ( وانقص من مشيك ) ([87])يعني اخفض من دعوتك في الظاهر ، الذي يمشي في العالم مثل دبيب النملة السوداء على المسح الأسود في الليلة الظلماء ، وهو الشرك بذاته .

مثل النار إذا وقعت في التبن لا يشعر بضوئها إلا بعد هلاكه ، كذلك محبة الشريعة والإِصغاء إلى زخرفه ، والتعلق بناموسه ، يعمل في الأعضاء ويجري في العروق ، كما قال بلسانه وقوة بأسه وسلطانه ، ولطافه تجري في العروق مجاري الدم حتى يتمكن في القلب ويغري سائر العالمين .

وقال الناطق : ([88]) ( ما زج حبي دماء أمتي ولحومهم ، فهم يؤثرونني على الآباء والأمهات ) ، فرأينا الخبرين واحدا معناهما . وقد قال القرآن : ( قل أعوذ برب الناس ) ([89]) ورب الناس هاهنا هو التالي ، وهو في عصر محمد : المقداد ([90])، ( ملك الناس إله الناس ، من شر الوسواس الخناس ) ([91])يعني زخرف الناطق ، ( الذي يوسوس في صدور الناس ) ([92])، يعني الدعاة والمأذونين والمكاسرين ، حتى يردهم عن توحيد مولانا الحاكم بذاته ، المنفرد عن مبدعاته ، جل ذكره .

والذات هو لاهوته الحقيي ، الذي لا يدرك ولا يحس ، سبحانه وتعالى . ( واغضض من صوتك ) يعني بذلك اخفض وانقص واستر نطقك بالشريعة ( إن أنكر الأصوات لصوت الحمير ) يعني الدعوة الظاهرة ، ( لصوت الحمير ) : يعنى بذلك أشر كلام وأفحشه نطق الشرائع المذمومة في كل عصر وزمان ، فمنهم تظهر الشكلية والضدية والجنسية .

فأظهر مولانا جل ذكره لبس الصوف ، وتربية الشعر وهو دليل على ما ظهر من استعمال الناموس الظاهر ، وتعلق أهل التأويل بعلي بن أبي طالب وعبادته .

وركوب الحمير دليل على إظهار الحقيقة على شرائع النطقاء ، وأما السروج بلا ذهب ولا فضة فدليل على بطلان الشريعتين : الناطق والأساس ([93]).

واستعمال حلي الحديد على السروج دليل على إظهار السيف على سائر أصحاب الشرائع وبطلانهم . واستعمال الصحراء في ظاهر الأمر ، وخروج مولانا جل ذكره في ذلك اليوم من السرداب إلى البستان ، إلى العالم دون سائر الأبواب .

والسرداب والبستان الذي يخرج مولانا جل ذكره منهما ليس لأحد إليهما وصول ، ولا له بهما معرفة ، إلا أن يكون كمن يخدمهما أو خواصهما . وهو دليل على ابتداء ظهور مولانا سبحانه بالوحدانية ومباشرته بالصمدانية بالحدين اللذين كانا خفيين عن سائر العالمين ، إلا لمن يعرفهما بالرموز والإِشارات ، وهما الإِرادة والمشيئة ، كما قال : ( إنما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون ، فسبحان الذي بيده ... كل شيء وإليه ترجعون ) ([94])، والإرادة هي ذومعة ، والمشيئة تالية ، كما قال : ( وما تشاؤون إلا أن يشاء الله ) ([95])، فليس يعرفهما إلا الموحدون لمولانا جل ذكره .

ومن السرداب يخرج إلى البستان ، كذلك العلم يخرج من ذي معة إلى ذي مصة ، الذي هو بمنزلة الجنة صاحب الأشجار والأنهار ، ثم يخرج منها إلى المقس ([96])، فأول ما يلقى بستان برجوان ([97])، وهو المعروف بالحجازي ، فلا يدخله ، ولا يدور حوله في مضيه ، وهو دليل على الكلمة الأزلية .

ثم يمضي إلى البستان المعروف ( بالدكة ) وهي دليل على السابق ، وهو دكة العالم ، وعلومهم منهم ، وهذا البستان المعروف بالدكة ، على شاطيء البحر ، وكذلك علم التأويل ممثوله البحر ، والمستجيب للعهد إذا بلغ علم السابق ومعرفته ، حسب أنه قد بلغ الغاية والنهاية في العبادة .

وبستان الدكة ، مع جلالته ، ملاصق لموضع الفحشاء والمنكر ، دون سائر البساتين ، دليل على أن علم السابق واصل بالنطقاء ، الذين هم معادن النواميس الفانية الحشوية ، والأعمال الفاحشة الدنية .

والمقس دليل على الناطق ، وما في المقس من الفحشاء والمنكر دليل على شريعته ، والنساء الفاسدات اللواتي فيه ، دليل على دعاة ظواهر شريعته ، وارتكابهم الشهوات البهيمية في طاعته .

ثم إنه علينا سلامه ورحمته ، يخرج إلى الصناعة ([98])ويدخل من بابها ، ويخرج من الآخر . والصناعة دليل على صاحب الشريعة ، والصناعة ممنوعة من دخول العالم فيها والخروج لإضافة الشريعة ، فدخول مولانا جل ذكره فيها من باب وخروجه من باب ، دليل على تحريم الشريعة وتعطيلها .

ثم إنه – علينا سلامه ورحمته – يدور حول البستان المعروف بالحجازي ، وهو دليل على الكلمة الأزلية ، والدوار حوله بلوغ إلى الكشف بلا سترة تحوط بالدين ، ثم إنه – جل وعز سلطانه – يبلغ إلى القصور ، وهما قصران عظيمان خرابان دليل على بطلان الشريعة وخرابها .

ثم إنه – علينا سلامه ورحمته – يدخل من باب البستان المعروف بالمختص ، وهو دليل على التالي ، إذ كان التالي مختصًا بعلمه الأساسي والتأويل . وأكثر العالم يميلون إليه ، وهو هيولي العالم الجرماني .

ومن الشيعة من يعتقد ويعبد التالي ، ومن الشيعة من يقول بأن التالي مولانا ، وهذا هو الكفر والشرك . وإنما هو التالي الذي عجز الناس عن معرفته ، وهو الجنة المعروفة بالمختص ، متصلة بالجنة المعروفة بالعصار . والعصار دليل على الناطق ، لأنه يعصر علم التالي فيخرج منه الحقيقة والتوحيد ، فيكتمه عن العالم الغبي ويظهر لهم الثفل ، وهو الكسب ([99])الذي لا ينتفع به غير البهائم .

كذلك البستان المعروف بالعصار ، وهو خراب من الفواكه والأشجار والرياحين والأثمار ، وبستان المختص عامر بالفاكهة والأزهار ، والرياحين والأشجار ، ومنه يخرج الماء إلى الحوض الذي تشرب منه البهائم . والماء هو العلم ، والحوض هو المادة الجارية من التالي ، والدواب هم النطقاء والأسس . كذلك العلم يخرج من التالي إلى الأساس في كل عصر وزمان ، والسابق ممد الناطق ، ومن الفاتق إلى الراتق ، ومن السابق إلى الطالب الطارق .

وهذان البستانان بين المسجدين المعروفين بمسجد تبر ([100])، ومسجد ريدان ([101])، فمسجد ريدان محاذي بستان العصار ، ومسجد تبر محاذي بستان المختص .

ومسجد تبر دليل على الناطق ، والتبر دليل على الذهب ، والذهب دليل على إذهاب شريعته ، وهذا المسجد لم تصل فيه صلاة جماعة قط ، دليل على أن ليس للناطق ولا لمن تبعه اتصال بالتوحيد .

ومسجد ريدان ، دليل على حجة الكشف القائم بالسيف والعنف ، الداعي إلى التوحيد المنكر عند سائر العالمين ، كما نطق عبد مولانا جل ذكره في القرآن على لسان الناطق السادس ( يوم يدع الداع إلى شيء نكر ) ([102])، وهو عبادة مولانا جل ذكره وتوحيده ، الذي أنكره سائر النطقاء والأسس أئمة الكفر ، كما قال عبد مولانا – جل ذكره – في كتابه ( قاتلوا أئمة الكفر ، إنهم لا أيمان لهم ، لعلهم ينتهون ) ([103]).

أراد لا أيمان لهم بمعرفة مولانا – جل ذكره – والإِيمان هو التسديق ( التصديق ) ([104]).

وتوحيد مولانا – جل ذكره – صعب مستصعب ، لا يحمله نبي مرسل ، ولا وصي مكمل ، ولا إمام معدل ، ولا ملك مفضل . بل يحمله قلب صاف لبيب ، أو موحد راغب من الأديان والطرائق ، وعبد مولى الأساس والناطق ، ومبدع التالي والسابق الحاكم على جميع النطقاء والشرائع ، المنفرد عن جميع المخلوقات والبدائع .

ولكل شيء ضد بين يديه ، فبإزاء الباطل ، الذي هو جنة العصار ، وهو دليل على الناطق حتى يرفع وهو مسجد ريدان ، وهو ذومعة ، وبإزاء الحق الذي هو جنة المختص وهو التالي باطل يطلب فساده ، وهو مسجد تبر ، وهو الناطق ، والمولى جل ذكره ينصر أولياءه ، ويهلك أعداءه ، ويتم نوره ولو كره المشركون المتعلقون بعلي بن عبد مناف ([105])، والكافرون المتعلقون بالناطق وعدمه .

وريدان خمسة أحرف ، دليل على خمسة حدود ، النفسانيين ، والنورانيين ، والروحانيين ، والجرمانيين ، والجسمانيين . وهو ذومعة العقل الكلي النفساني ، وذومصة ، النفس الروحاني والجناح الرباني ، والأيمن الباب الأعظم ، وهو السابق والتالي ، معدن العلوم ومنه ابتناؤها .

وريدان كلمتان ، ( ري ) و ( دان ) ، و ( ري ) الأشياء وهم الحجج والدعاة والمأذونين والمكاسرين ، كما قال عبد مولانا جل ذكره ( وكل شيء أحصيناه في إمام مبين ) ([106])، الأشياء الحقيقية ، والذي الأزلي ، والتوحيد الأبدي على يد ريدان ، يوم الدين ، وهو عبد مولانا ومولى الخلق أجمعين ، جل ذكره ، وعز اسمه ، ولا معبود سواه ، سبحانه جل وعلا أن يكون ديان أو سلطان أو برهان أو الله أو الرحمن ، إذ كان الكل عبيده في سائر الأدوار ، المستغفرين له في الليالي والأسحار ، العابدين له طوعًا وكرهًا في العيان ، سبحانه عن إدراك الأوهام والخواطر ، أو يعرف الإِعلان والسرائر ، أو بباطن أو بظاهر ، إذ كان لا يدرك بعض ناسوته ، وقدرة مقام جبروته ، وعظم جلال لاهوته .

وما من المساجد مسجد سقطت قبته ، وهو المسجد بكماله غير مسجد ريدان ، فأمر مولانا سبحانه وتعالى بإنشاء قبته ، وزاد في طوله وعرضه وسموه دليل على هدم الشريعة الظاهر على يد عبده الساكن فيه ([107]). وإنشاء توحيد مولانا جل ذكره فيه بالحقيقة ظاهرًا مكشوفًا ، وابتداء الشريعة الروحانية في بسيط روحاني توحيدي لاهوتي حاكمي لا يعبدون غيره وحده ، ولا يشركون به أحدًا في السر والإِعلانية ، سبحانه وتعالى عما يقول المشركون علوًا كبيرًا ([108]) .

ثم إن مولانا علينا سلامه ورحمته ، ظهر لنا في الناسوت البشرية ، ونزوله عن الحمار إلى الأرض ، وركوبه محاذي باب المسجد ، دليل على تغيير الشريعة ، وإثبات التوحيد ، وإظهار الشريعة الروحانية على يد عبده حمزة بن علي بن أحمد ، ومملوكه وهادي المستجيبين المنتقم من المشركين ، بسيف مولانا وشدة سلطانه ، وحده لا شريك له .

ووقوفه في ظاهر الأمر ، وحاشاه من الوقوف والسير والجلوس والنوم واليقظة ، ( لا تأخذه سنة ولا نوم ، له ما في السموات وما في الأرض ) يعني النطقاء والأسس ، ( من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ) يعني من ذا الذي يقدر على إطلاق داع أو مأذون إلا بمشيئته ، ( يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ) يعني من آدم إلى محمد بن إسماعيل ، ( ولا يحيطون بشيء من علمه ) يعني حجته ، ( إلا بما شاء ) وهو المشيئة أعظم الدرجات ، ( وسع كرسيه السموات والأرض ) والكرسي هو التأييد الذي يصل إلى الحدود العالية ، ( ولا يؤوده حفظهما ) وهما الجناح الأيمن والجناح الأيسر ، ( وهو العلي العظيم ) ([109])العالي على كل من تقدم ذكره ومن تأخر ممن ينتظرهم الشيعة المشركون .

وكان وقوفه عند الميل ([110])، والميل دليل على التأييد ، إذ كانت الأميال يستدلون بها على الطريق ، كذلك التأييد بطرق العبد من المعبود ، ويعود إلى الوجود ، ونزوله إلى الأرض محاذي باب المسجد إشارة منه إلى عبد باب حجابه على خلقه ، والداعي إليه بتأييده وأمره ، إذ كان التأييد هو الأمر العالي الذي يكون بلا واسطة بشريه ، والباب دليل على الحجة .

ونزوله عن الحمار إلى الأرض وركوبه آخر كان في نفس آذان الزوال ، وصلاة الزوال دليل على الناطق ، وتغيير مولانا جل ذكره الحمار في نفس وقت الأذان ، دليل على إزالة الظاهر .

ويكون اعتمادهم من موضع تغييره ، وهو يسمى المقام المحمود ، والمشهد الموجود ، والمنهل العذب المورود إلى قصر مولانا الحاكم بذاته ، وهو المقام المحمود ، محاذي باب شريعة روحانية وعلوم حاكمية ، وأنا أذكرها لكم في غير هذا الكتاب إن شاء مولانا ، وبه التوفيق في جميع الأمور ، ولا حول ولا قوة إلا به ، وهو حسبي ونعم النصير المعين .

ثم إن مولانا علينا سلامه ورحمته ، لابد له في كل ركبة من الإِعادة إلى البساتين المعروفين بالمقس ، دليل على إظهار النشوء الثالث الخارج من الكفر والشرك ، وهما الظاهر والباطن ، وهو توحيد مولانا جل ذكره .

ودخوله إلى القصر من الباب الذي يخرج منه ، والسرداب بعينه دليل على إثبات الأمر ، وكشف الطرائق بكتب الوثائق ، ورجوع الأمر إلى ما منه بدأ روحانية غير تكليفية ، ولا ناموسية شيطانية ، ولا زخرف هامانية ، أعاذنا المولى وإياكم من الشك فيه ، والشرك به بمننه وفضله ، إنه ولي ذلك والقادر عليه .

وأما نزوله في ظاهر الأمر إلى مصر ، وما شاهدناه ، ففيها تمكن الشيطان الغوي لعنه الله من قلوب العامة الحشوية ([111])، والعقول السخيفة الشرعية مما يسمعون من ألسن الركابية قدام مولانا جل ذكره بما يستقر في عقولهم السخيفة من كلام الهزل والمزاح ، ولم يعرفوا أن فيه ( حكمة بالغة فما تغني النذر ) ([112]) .

فأول مسيره إلى المشاهد الثلاثة ، وليس فيها آذان ولا إقامة ولا صلاة جماعية ، إلا في الأوسط الذي هو المنهج الأقوم ، والطريق الأسلم التي من سلكها نجا ، ومن تخلف عنها هلك وغوي .

ثم إنه علينا سلامه ورحمته ، يسير إلى راشده ([113])، أيضًا ثلاثة مساجد متفاوتات في بنيانها ، وأحسن ما فيهم وأعلاهم وأفضلهم ، الذي يصلي الخطيب فيه يوم الجمة ، وتصلي فيه خمس صلوات على دائم الأيام ، وهو الوسطاني ، وهو دليل على توحيد مولانا جل ذكره ، وإثبات خمسة حدود علوية فيه ، وهو دليل على حجة الكشف .

والمسجدان اللذان معه متفاوتان في البناء ، دليل على الناطق والأساس ، وكذلك الناطق في ترتيب حدوده ، أفضل من الأساس ، والأساس أعظم شأنًا في ترتيب الباطن ورموزه من الناطق في المعقولات والبيان ، فلما ظهر التوحيد زالت قدرتها جميعا ، وسميت ( راشدة ) لأن بمعرفة الحجة وهدايته ، والأخذ منه يرشد المستجيبون ويبلغون نهاية توحيد مولانا جل ذكره .

ثم إن علينا سلامه ورحمته ، يدور حول هذا المسجد الوسطاني في ظاهر الأمر دليل على التأييد لعبده ، وقدام المسجد عقبة صعبة الصعود لمن يسلكها ، وليس إلى القرافة ([114])محجة إلا على هذه العقبة دليل على البراء من الأبالسة ، أصحاب الزخرف والناموس وليس للعالم نجاة إلا بالبراءة منهم ، كما أن المحجة على هذه العقبة ، وهي صعبة مستصعبة لكن فيها افتكاك الرقبة ، وهو التخلص من الشريعتين الظاهر والباطن .

أما ما يرونه من وقوفه في الصوفية ، واستماعه لأغانيهم ، والنظر إلى رقصهم ، فهو دليل على ما استعمل من الشريعة التي هي الزخرف واللهو واللعب ، وقدرنا هلاكهم .

وأما بئر الزئبق ، فهو دليل على الناطق ، من فوقه واسع ، ومن أسفله ضيق ، كذلك الشريعة دخولها سهل واسع ، والخروج منها صعب ضيق ، لكن من يقفز في هذا البئر ويعرف سره ويقف على معناه ، ويريد المولى نجاحه خرج من بابه ، وهو دليل على أساسه ، والوقوع في الشريعة لابد منه حتما لزما لكل أحد ، ويخلص المولى من يشاء برحمته منها ، كما قال الناطق في القرآن ( وإن منكم إلا واردها ) ([115])يعني السابق ، ( حتمًا مقضيا ) ، ( ثم ينجي الذين اتقوا ) من الناطق ( ويذر الظالمين ) يعني أهل الظاهر ، ( فيها جثيا ) ([116])يعني حيران حزينًا دائمًا .

ومن خرج من هذا البئر سالمًا أخذ من الحكام ما يستنفع به ، كذلك من كان تحت الشريعة وعلم التأويل ورموزه وتخلص من شبكتيهما جميعًا وعلم ما يراد منه ، وصل إلى التوحيد ، واستنفع بدينه ودنياه ، ومن قفز فيهما : ... لا قوة ، وهما السابق والتالي انكسرت رجلاه واندق عنقه ، دليل على أن من انقطع من السابق والتالي الذين هما الأصلان المحمودان وخالفهما ( خسر الدنيا والآخرة ، ذلك الخسران المبين ) ([117]).

وأما بئر الحفرة ، فهو دليل على الأساس ، وهو أشد عذابًا من بئر الزئبق ، وأتعب خرجا ، لأن من اعتقد الظاهر ، وهي الشريعة ، إذ بلغ الباطن اعتقد أنه ليس فوق الأساس شيء ، وأنه الغاية والمعبود ، فيبقى في العذاب الأبدي ، إلى أن يريد المولى منجاته ، فيحتاج الداعي أن يتعب معه من قبل أن يكسره ويجبره ويخرجه مما هو عليه من الكفر والشرك .

وأما لعب الركابية بالعصي والمقارع ([118])، قدام مولانا جل ذكره فهو دليل على مكاسرة أهل الشرك والعامة وتشويههم بين العالم ، وإظهار أديانهم المغاشم ويكشف زيفهم باستجرائهم على المخاطبة بحضرته .

أما الصراع ، فهو دليل على مفاتحة الدعاة بعضهم لبعض ، وقد كان للعالم في قتل سويد والحمام عبرة لمن اعتبر ، ونجاة من الشرك لمن تدبر ، لأنهما كانا رئيسين في الصراع ، ولكل واحد منهما عشيرة وأتباع وهما دليلان على الناطق والأساس ، وقتلهما دليل على تعطيل الشريعتين التنزيل والتأويل ، والهوان بالطائفتين أهل الكفر والتلحيد .

وأما ما ذكره الركابية من ذكر الفروج والأحاليل ، فهما دليلان على الناطق والأساس ، وقوله : ( أرني قمرك ) يعني اكشف عن أساسك وهو موضع يخرج منه القذر ، دليل على الشرك فإذا كشف عن أساسه وأخرج قبله ، أي عبادة أساسه ، نجا من العذاب والزيغ في اعتقاده ، ومن شك هلك . كما أن الإِنسان إذا لم يبل ولا يتغوط أخذه القولنج فيهلك .

والنار ها هنا علم الحقيقة وتأييده جل ذكره فيحرق ما أتت به الشريعتان ، كما أنهم يحرقون فروج بعضهم بعضًا في النار ، دليل على احتراق دولتهما وانقضاء مدتهما ، وإظهار توحيد مولانا جل ذكره بغير شاك فيه ، لا يشرك به لا ناطق جسماني ، ولا أساس جرماني ، ولا سابق روحاني ، ولا تال نفساني ، ولا يبقى لمنافق جولة ، ولا لمشرك دولة ، ويكون أولو الأمر منكم وأهل الحساب منكم والمتصوفون في جميع الدواوين منكم ، والعمال منكم ، ويكون الموحدون لمولانا جل ذكره في نعيم دائم وإحسان غانم ، وملك قائم ... فعليكم معاشر الإخوان الموحدين لمولانا جل ذكره ، العابدين له وحده دون غيره بالحفظ لإِخوانكم ، والتسليم لمولانا جل ذكره ، والرضا بقضائه في السراء والضراء ، تنجوا من عذاب الدين وشقوة الدنيا ، بمنة مولانا وقوته ) ([119]).

وهكذا نرى أن حمزة لم يأت بجديد في موضوع ألوهية الحاكم ، وإن فاق الكثير دهاء ومكرا وعداوة للإِسلام ، وتلاعبًا بالألفاظ وتآويل حلزونية .

وحمزة بعد هذا كله لم يأت بدليل على ألوهية الحاكم ، إذ لينه وتواضعه وكرمه دليل على اللاهوت ، وشجاعته وشدته دليل أيضًا ، بل سدل شعره وارتداؤه الصوف واللعب بالاحليل والفرج دليل كذلك .

وهكذا فإن الإِنسان العاقل وهو يقرأ هذه السخافات لا يستطيع إلا أن يرثي لحال هؤلاء الذين – لا يزال حمزة – يلعب بعقولهم فيؤمنون بأقواله وسخافاته ... ويقف حائرًا أو حزينًا أمام هذه الأقوال ( المقدسة عندهم ) وإلى تبتر الخيط الرفيع بين الدرزي والإِسلام ؟ ! .

*****

الفصل الثاني

تطوير المذهب الدرزي بعد الحكم

أشرنا فيما تقدم إلى شغف الحاكم بالطواف بالليل ، ولاسيما في جنبات جبل المقطم ، وكان يتوغل في الجبل ، ( وفي ليلة الاثنين 27 شوال سنة 411 هـ ( 1021 م ) خرج الحاكم كعادته للطواف – في الجبل ، وليس معه أحد إلا ركابي وصبي ) ([120]).

ولكن الحاكم لم يعد ، وأرجح الروايات أن أخته ست الملك قد دبرت اغتياله ، وكما يقول الدكتور عبد الرحمن بدوي ( فقد دفعها إلى تدبير اغتياله أمران :

1 – أنها لما رأت أعمال الحاكم الشنيعة ، خافت أن يخرب بيت الخلافة الفاطمية على يديه ، فقد كرهته قبيلة كتامة صاحبة الفضل الأكبر في قيام الدولة الفاطمية في المغرب ، والتي كانت لها مكانة عالية في مصر بعد فتحها ، بسبب إعدامه لكثير من وجهائها ، وحده من نفوذها ، كما كرهه أهل مصر لتصرفاته الشاذة ، وكرهه الجند أيضًا بسبب تصرفاته مع قوادهم ، ومعهم أنفسهم .

2 – أنها خافت على نفسها من بطشه ، إذ اتهمها بسوء سلوكها مع الرجال ، وما أيسر أن ينفذ وعيده لها ، لهذا آثرت أن تقضي عليه قبل أن يقضي عليها ) ([121]) .

وتؤكد الروايات التاريخية هذين الأمرين ، ومما أورده المؤرخون ما نقله ابن تغري بردي في النجوم الزاهرة عن ابن الصابيء : ( أن الحاكم لما بدت عنه هذه الأمور الشنيعة استوحش الناس منه ، وكان له أخت يقال لها ست الملك ، من أعقل النساء وأحزمهن ، فكانت تنهاه وتقول : يا أخي ، احذر أن يكون خراب هذا البيت على يديك . فكان يسمعها غليظ الكلام ويتهددها بالقتل ، وبعث إليها يقول : رفع إلي أصحاب الأخبار أنك تدخلين الرجال إليك وتمكنينهم من نفسك ، وعمل على إنفاذ القوابل لاستبرائها ، فعلمت أنها هالكة ) ([122]).

ويضيف ابن الجوزي في المنتظم : ( وراسلت ست الملك قائدًا يقال له : ابن دواس ( من شيوخ كتامة ) ، كان شديد الخوف من الحاكم أن يقتله ، فقالت : إني أريد أن ألقاك ، إما أن تتنكر وتأتيني ، وإما أن أجيء أنا إليك فجاءت إليه ، فقبل الأرض بين يديها وخلوا ، فقالت له : لقد جئتك في أمر أحرس نفس ونفسك ، فقال : أنا خادمك ، فقالت : أنت تعلم ما يعتقده أخي فيك ، وأنه متى تمكن منك لم يبق عليك ، وأنا كذلك ، ونحن معه على خطر عظيم ، وقد انضاف إلى ذلك ما قد تظاهر به ، وهتكه الناموس الذي قد أقامه آباؤنا ، وزيادة جنونه ، وحمله نفسه على ما لا يصبر المسلمون على مثله ، فأنا خائفة أن يثور الناس علينا فيقتلوه ويقتلونا وتنقضي هذه الدولة أقبح القضاء . قال : صدقت فما الرأي ؟ قالت : تحلف لي وأحلف لك على كتمان ما جرى بيننا من السر وتعاضدني على ما فيه الراحة من هذا الرجل ، فقال لها : السمع والطاعة ، فتحالفا على قتله وأنهما يقيمان ولده مقامه ، وتكون أنت صاحب جيشه ومديره ، وقالت : اختر لي عبدين من عبيدك تثق بهما على سرك وتعتمد عليهما في مهمك ) ([123]).

ويقول ابن كثير : ( فجهز من عنده عبدين أسودين شهمين ، وقال لهما : إذا كانت الليلة الفلانية فكونا في جبل المقطم ، ففي تلك الليلة يكون الحاكم هناك في الليل لينظر في النجوم ، وليس معه أحد إلا ركابي وصبي ، فاقتلاه واقتلاهما معه ، واتفق الحال على ذلك ... وفي تلك الليلة ركب وصحبه صبي وركابي ، وصعد الجبل المقطم فاستقبله ذانك العبدان فأنزلاه عن مركوبه وقطعا يديه ورجليه ، وبقرا بطنه ، فأتيا به مولاهما ابن دواس ، فحمله إلى أخته فدفنته في مجلس دارها ، واستدعت الأمراء والأكابر والوزير وقد أطلعته على الجلية ، فبايعوا لولد الحاكم أبي الحسن علي ، ولقب بالظاهر لإعزاز دين الله ) ([124]).

ولكن ابن الأثير يقول : ( أنه توجه إلى شرقي حلوان ([125])ومعه ركابيان فأعادت أحدهما مع جماعة من العرب إلى بيت المال ، وأمر لهم بجائزة ، ثم عاد الركابي الآخر ، وذكر أنه خلفه عند العين والمقصبة . وبقي الناس على رسمهم يخرجون كل يوم يلتمسون رجوعه إلى سلخ شوال ، فلما كان ثالث ذي القعدة خرج مظفر الصقلبي ، صاحب المظلة وغيره من خواص الحاكم ، ومعهم القاضي ، فبلغوا عفان ([126])، ودخلوا إلى الجبل ، فبصروا بالحمار الذي كان عليه راكبًا ، وقد ضربت يداه بسيف وعليه سرجه ولجامه ، فاتبعوا الأثر ، فانتهوا به إلى البركة التي شرقي حلوان ، فرأوا ثيابه ، وهي سبع قطع صوف وهي مزررة بحالها لم تحل ، وفيها أثر السكاكين فعادوا ولم يشكوا في قتله ) ([127]).

وينفي المقريزي هذه الروايات ويقول : ( وقيل أن أخته قتلته ، وليس بصحيح ) ([128]).

ويروي أيضًا عن المسبحي : ( وفي محرم سنة خمس عشرة وأربعمائة قبض على رجل من بني حسين ثار بالصعيد الأعلى فأقر بأنه قتل الحاكم بأمر الله في جملة أربعة أنفس تفرقوا في البلاد وأظهر قطعة من جلدة رأس الحاكم ، وقطعة من الفوطة التي كانت عليه ، فقيل له : لم قتلته ؟ فقال : غيرة لله وللإِسلام ، فقيل له : كيف قتلته ؟ فأخرج سكينًا ضرب بها فؤاده فقتل نفسه ) ([129]).

ولما طويت صفحة الحاكم ، واستقر في الأذهان مصرعه ، وصفا جو الريبة التي ثارت حول اختفائه ، أخذ الظاهر بوحي عمته ست الملك ، في نقض سياسة أبيه تباعا ، فألغى أحكام التحريم التي أصدرها الحاكم ، وطورد الملاحدة أصحاب حمزة والمنادون بألوهية الحاكم في عهده بمنتهى الشدة ، وقبض على زعمائهم وشيعتهم ، وقتل كثيرون منهم ، وصدرت الأوامر بتتبعهم في سائر الأنحاء وهرب زعيمهم حمزة بن علي .

أما الدروز فيقولون بغيبة الحاكم ، وهذا يتمشى مع اعتقادهم أن الألوهية قد حلت في ناسوته : وكان لاختفاء الحاكم على هذا النحو فرصة لإِذكاء دعوتهم وتغذيتها ، واتخذوا من هذا الاختفاء وظروفه الغامضة مستقى جديدا لدعوتهم . فزعموا أن الحاكم لم يقتل ولم يمت ، ولكنه اختفى أو ارتفع إلى السماء ، وسيعود عندما تحل الساعة فيملأ الأرض عدلاً ، وأصبح هذا الادعاء أصلاً مقررًا من أصول عقيدتهم .

ويوجد بين رسائل الدروز رسالة عنوانها ( السجل الذي وجد معلقًا على المشاهد في غيبة مولانا الإِمام الحاكم ) ، وتاريخها في شهر ذي القعدة سنة 411 هـ ، أي بعد اختفاء الحاكم بأيام قلائل .

( وتبدأ الرسالة بـ ( التوبة ) إلى الله تعالى ، وإلى وليه وحجته على العالمين ، وخليفته في أرضه ، وأمينه على خلقه أمير المؤمنين ) ... إلى أن تقول : وأنه قد سبق إليكم ، أعني إلى الناس من الوعد والوعظ والوعيد من ولي أمركم ، وإمام عصركم ، وخلف أنبيائكم ، وحجة باريكم ... إلخ ) ([130]).

ويقول الدكتور عبد الرحمن بدوي عن هذا السجل : ( ونحن نعتقد أن هذا السجل ليس من وضع حمزة بن علي ، لأنه يخالف كل العقائد التي دعا إليها حمزة ، - وذلك لأمرين - :

1 – فهو ينعت الحاكم بأنه ( ولي أمركم ، وإمام عصركم ، وخلف أنبيائكم ) ، وأنه ولي الله و ( خليفته في أرضه ) و ( أمير المؤمنين ) ، وهذه الصفات تتنافي مع ما ذهب إليه حمزة في رسائله ، وخصوصًا في ( ميثاق ولي الزمان ) حيث نعت الحاكم بأنه ( مولانا الأحد ، الفرد الصمد ) .

2 – إن هذا السجل يمجد في الحاكم بأمر الله أنه أحيا ( سنة الإِسلام والإِيمان ) التي هي الدين عند الله ، وبه شرفتم وظهرتم في عصره على جميع المذاهب والأديان ... فدخلوا في دين الله أفواجًا ، وبنى الجوامع وشيدها ، وعمر المساجد وزخرفها ، وأقام الصلاة في أوقاتها ، والزكاة في حقها وواجباتها ، وأقام الحج والجهاد ، وعمر بيت الله الحرام ، وأقام دعائم الإِسلام ) :

فكيف يتفق تمجيد الحاكم بسبب أحيائه سنن الإِسلام ، والسهر على أركانه ، مع ما يذهب إليه حمزة بن علي في ( ميثاق ولي الزمان ) من أن يدخل في ديانة التوحيد التي دعا إليها ، فعليه أن يتبرأ من جميع المذاهب والمقالات والأديان والاعتقادات كلها ) ([131]).

وأرى أن هذا السجل ، لا يمكن أن يكون من وضع حمزة أو أحد دعاته ، لأنه في الواقع ينفي كل ما ذهب إليه الدروز في اعتقاداتهم بأن الحاكم هو الإِله ، وليس الإِمام أو الخليفة ، وكما سنرى في الفصول القادمة ، فإن هذه الألقاب لا يجوز أن يوصف بها الحاكم .

ويرى الدكتور عبد الرحمن بدوي أيضًا : ( أن صاحب المصلحة في ذلك ، كان أصحاب السلطة والوزراء ، أو من شابههم ، وذلك حتى يكون إعلانًا عامًا للناس ، وطمأنة لهم ، وتخويفًا في نفس الوقت ، خصوصًا وأن الناس يكرهون الحاكم ، وأنه قد يحدث بعد وفاته اضطراباً في الأمن واختلالاً في أحوال الدولة ) ([132]).

وإلى جانب هذا السجل ، هناك رسالة أخرى كتبها أحد أكابر الدعاة وأحد الحدود الخمسة عند الدرز ، وهو المقتني بهاء الدين ([133])وعنوانها ( رسالة الغيبة ) .

يقول فيها : (( معشر الموحدين ، إذا كنتم تتحققون أن مولاكم لا تخلو الدار منه ، وقد عدمته أبصاركم ... وإذا فسدت المعدة ضرت البصر ، فهكذا إذا كانت المادة واصلة إلى النفوس الصحيحة ، فينظروا صورة الناسوت نظرًا صحيحًا ، وإذا كانت المادة من فعل الأبالسة ومادة النطقاء والأسس وشرائعهم ، فيفسد النظر ، وما ينظر إلا بشر ... ثم يقول : ألم تعلموا أن مولاكم يراكم من حيث لا ترونه .

معشر الإخوان ، أحسنوا ظنكم بمولاكم يكشف لكم عن أبصاركم ما قد غطاها من سوء ظنكم ) ([134]).

( وهذا وقد مضى إلى اليوم عشرة قرون ، ولا يزال الدروز يؤمنون برجعته ويرقبونها ، ولم يحدد لنا الدعاة متى تكون هذه الرجعة ؟ ولكن يقولون :

إنه متى حلت الساعة ، يقوم جند الموحدين من ناحية الصين ، ويقصدون إلى مكة في كتائب جرارة ، وفي غداة وصولهم يبدو لهم الحاكم على الركن اليماني من الكعبة ، وهو يشهر بيده سيفا مذهبا ، ثم يدفعه إلى حمزة بن علي فيقتل به الكلب والخنزير وهما عندهم رمز الناطق والأساس .

ثم يدفع حمزة السيف إلى محمد ( الكلمة ) وهو أحد الحدود الخمسة عندهم ، وعندئذ يهدم الموحدون الكعبة ، ويسحقون المسلمين والنصارى في جميع أنحاء الأرض ، ويملكون العالم إلى الأبد ، ويبسطون سلطانهم على سائرالأمم ، ويفترق الناس عندئذ إلى أربع فرق ، الأولى : الموحدون ، والثانية : أهل الظاهر وهم المسلمون واليهود ، والثالثة : أهل الباطن وهم النصارى والشيعة ، والرابعة : المرتدون وهم الجهال ([135])، ويعمد حمزة إلى أتباع كل طائفة غير الموحدين ، فيدمغهم في الجبين أو اليد ، بما يميزهم من غيرهم ، ويفرض عليهم الجزية وغيرها من فروض الذلة والطاعة ) ([136]) . وكما يزعم جنبلاط فإن هذا الدور سيكون في حدود سنة ( 2000 م ) ، حيث سيكون بتحلٍ إلهي حر بفتح الطريق للناس من جديد للإِيمان بالحاكم ([137]).

وفي رسالة ( الإعذار والإِنذار ) يصرح حمزة فيها بأنه الإِمام وأنه سيغيب أيضا ، على أن يرجع مرة أخرى بعد قليل ، ويصرح بهاء الدين المقتني أنه عندما غاب المعبود ( أي الحاكم ) ، امتنع قائم الزمان ( أي حمزة ) عن الوجود ، فمن ذلك كله نقول : إن حمزة خاف على نفسه بعد اختفاء الحاكم ، واختفى هو الآخر .

وقد قام بأمر الدعوة في غيبة حمزة ، الداعي بهاء الدين أبو الحسن على بن أحمد السموفي ، المعروف بالضيف ، لأن مرتبته في الدعوة هي مرتبة الجناح الأيسر أو التالي ، وهذه المرتبة يكون صاحبها لسان الدعوة ، واستمر بهاء الدين الضيف يحمل عبء هذه الدعوة ، ويكتب رسائله إلى الملوك والأمراء يدعوهم إلى الدخول في مذهبه ، كما كتب إلى الذين خرجوا عن المذهب بعد أن كانوا من دعاته أمثال سكين ([138]).

وقد كثرت الآراء الجديدة من معتنقي المذهب الجديد ، مما جعل بهاء الدين يهدد أتباعه باعتزال الدعوة ، وبالفعل اعتزلها سنة 434 هـ ، بعد أن أقفل باب الاجتهاد ، حرصًا على المباديء التي وضعها حمزة والتميمي وبهاء الدين نفسه ، ولذلك لم يظهر مشرعون بعد بهاء الدين ، بل أصبح شيوخ الدروز يشرحون رسائل حمزة والتميمي وبهاء الدين ) ([139]).

تلك هي نظرية دعاة الدروز ومزاعمهم في غيبة الحاكم وفي رجعته ، ولم يجد أصحاب هذه الدعوة ملجأ لها ، إلا وادي التيم في الشام بعد انهيار دعوتهم في مصر ، وحاولوا بشروحهم ومزاعمهم الجديدة أن يستبقوا ولاء شيعتهم وأنصارهم هنالك ، من قبيلة تنوخ وغيرهم الذين استمالهم الدرزي عندما هرب من بطش الجند والناس في مصر ، ومازالت بقيتهم إلى يومنا هذا ، ( وهم طائفة الدروز حيث يعيشون الآن لبنان وسوريا وفلسطين ) ([140])، في مجتمع مغلق على نفسه بسرية تامة ، فلا يسمحون لأي إنسان أن يعتنق مذهبهم أو أن يتعرف أحد على مبادئه ، فلا جدوى عندهم أن تعرض على أي كادر أن يصبح درزيًا ، فكل إنسان يظل على ما هو عليه ، لأن الروح الدرزية تنتقل بعد الموت وتتقمص في جسد درزي آخر ([141]).

هذا وقد ظهر بين الدروز في القرن التاسع الهجري ( الخامس عشر الميلادي ) ، أي بعد قيام الدعوة الدرزية بأكثر من أربعة قرون ونصف ، عالم درزي اسمه الأمير جمال الدين عبد الله التنوخي ([142])، والذي تذكر عنه الروايات أنه كان صالحًا فقيهًا حاول أن يعيد الدروز إلى الإسلام من جديد ، وذلك بدعوتهم لقراءة القرآن وبناء المسجد والقيام بأركان الإسلام ، ولكن يبدو أن ثمرة جهوده قد اندثرت بعد وفاته وعاد الدروز إلى ما كانوا عليه .

وقد عثرت على مخطوط عنوانها ( رسالة في معرفة سر ديانة الدروز ) ومؤلفها مجهول ، ويبدو أنها كتبت قبل فترة ليست بالطويلة ، وذلك من خلال أسلوبها ولهجتها اللبنانية ، وسنورد بعض المقتطفات فيها هنا ، وهي تبين لنا بشكل واضح أهم معتقدات الدروز وتطورها بعد مقتل الحاكم ، والرسالة كتبت على طريقة السؤال والجواب كما يلي :

س : أدرزي أنت ؟

ج : نعم بنعمة مولانا الحاكم سبحانه .

س : ما هو الدرزي ؟

ج : هو الذي كتب الميثاق بعد مولانا الخالق .

س : ماذا فرض عليكم ؟

ج : صدق اللسان ، وعبادة الحاكم ، وباقي الشروط السبعة .

س : بماذ تعرف أنك درزي موحد ؟

ج : بأكل الحلال ، وترك الحرام .

س : ما هو الحلال والحرام ؟

ج : الحلال هو مال العقال ، والفلاحين ، وأما الحرام فمال الحكام والمرتدين .

س : كيف ومتى كان ظهور مولانا الحاكم ؟

ج : كان في السنة الأربعمائة من الهجرة الإسلامية ([143]).

س : وكيف ظهر وقال . أنه من نسل محمد حتى أنه أخفى لاهوته ولِمَ أخفاه ؟

ج : لأن عبادته كانت قليلة والذين يحبونه ليسوا كثيرين .

س : ومتى ظهروأشهر لاهوته ؟

ج : بعد ثماني سنين بعد الأربعماية .

س : وكم سنة أقام لاهوته بالأشهاد ؟

ج : السنة الثامنة بكمالها ، وغاب التاسعة لأنها سنة استتار وظهر أول العاشرة والحادية عشرة ، ثم اختفى في الثانية عشرة ولم يظهر بعدها حتى يوم الدين .

س : وما هو هذا يوم الدين ؟

ج : هو اليوم الذي يظهر فيه الناسوت ، ويحكم فيه العالم بالسيف والعنف ..

س : ومتى يكون ذلك ؟

ج : إن ذلك أمر غير معلوم ، ولكن العلائم تظهر .

س : وما هي هذه العلائم ؟

ج : إذا رأيت الملوك انقلبت ، والنصارى قويت على المسلمين .

س : وفي أي شهر يكون هذا ؟

ج : هذا يكون في جمادى أو رجب على حساب المعاجزين .

س : وكيف يكون حكمه على الطوائف والملل ؟

ج : يظهر عليهم بالسيف والعنف ويهلك الجميع .

س : وبعد هلاكهم ماذا يكون ؟

ج : يرجعون بالولادة ثانية على حكم التناسخ ثم يحكم بينهم كما يريد .

س : كيف يكونون وهو يحكم بينهم ؟

ج : يكونون أربع فرق : نصارى ، ويهود ، ومرتدين ، وموحدين .

س : لماذ إنكار كتب سوى القرآن ؟

ج : اعلم أنه من حيث لزمنا الاستتار بدين الإسلام ([144])، وجب علينا الإقرار بكتاب محمد ، ولا خلل علينا بذلك ، وصلاة الجنازة على الموتى بموجب الاستتار لا غير ، لأن المذهب الطاهر اقتضى ذلك ([145]).

س : من أين عرفنا شرف قيام الحق من حمزة بن علي سلامه علينا ؟

ج : من شهادته لنفسه حيث قال في رسالة ( التحذير والتنبيه ) : ( أنا أصل مبدعات المولى ، وأنا سراطه والعارف بأمره ، وأنا الطور والكتاب المسطور والبيت المعمور ، أنا صاحب البعث والنشور ، أنا النافخ في الصدور ، وأنا الإِمام المتين ، وأنا صاحب النعم ، وأنا ناسخ الشرائع ومبطلها ، وأنا مهلك العالمين ، وأنا مبطل الشهادتين ، وأنا النار الموقدة التي تطلع على الأفئدة ) .

س : وما هو دين التوحيد الذي عليه الدروز ، والعقال مستدلون ؟

ج : هو الكفر بكل الملل والطوائف ، لأن بالذي كفروا نؤمن نحن ، كما قيل في رسالة ( الإعذار والإِنذار ) .

س : فإذا عرف أحد دين مولانا ، وصدق به ([146])، وانقاد إلى دين التوحيد وعمل بحسبه ، فهل له خلاص ؟

ج : كلا ، لأنه غلق الباب ، وتم الكلام ، وإذا مات يرجع إلى ملته ودينه القديم .

س : متى خلقت نفوس العالم كلها ؟

ج : بعدما خلق العقل ، الذي هو حمزة بن علي ، ثم خلقت الأرواح ، كلها من نوره ، وهي معدودة لا تزيد ولا تنقص مدى الزمان .

س : أيليق أن يسلم التوحيد للنساء ؟

ج : نعم لأن مولانا كتب عليهن العهد ، وأطعن إلى دعوة الحاكم كما هو مذكور في رسالة ( ميثاق النساء ) ، وكذلك في رسالة ( البنات ) .

س : وكيف تقول في بقية الملل الذين يقولون أننا نعبد الرب الذي خلق السماء والأرض ؟

ج : إنهم ، وإن قالوا كذا فلا يصح ، لأن العبادة لا تصح بلا معرفة فإن قالوا عبدنا ولم يعرفوا أن الرب هو الحاكم بذاته فتكون عبادتهم باطلة .

س : مَنْ مِنَ الحدود يصف حكمة المولى سبحانه الذي عليه مبنى ديننا ؟

ج : إن وصف ذلك ، ثلاثة من الحدود ، وهم حمزة وإسماعيل وبهاء الدين .

س : كيف نعرف أخانا الموحد إذا رأيناه في الطريق ومر بنا يقول إنه فينا ؟

ج : بعد اجتماعنا فيه والسلام ، تقول له في بلدكم فلاحون يزرعون الأهليلج ، فإن قال : نعم مزروع في قلوب المؤمنين ، فنسأله عن معرفة الحدود ، فإن أجاب ، وإلا فهو الغريب .

س : ما هي الحدود ؟

ج : هم أنبياء الحاكم الخمسة ، حمزة وإسماعيل ومحمد الكلمة وأبو الخير وبهاء الدين .

س : هل للجهال من الدروز خلاص أو مرتبة عند الحاكم إذا ماتوا على ما هم عليه من غير عقل ؟

ج : لا خلاص لهم بل يكونون عند مولانا الحاكم في اللباس والمعيار أبدًا .

س : ما هي نقطة البيكار ؟

ج : هو حمزة بن علي .

س : ما هو القديم والأزل ؟

ج : إن القديم هو حمزة ، والأزل أخوه إسماعيل .

س : ما هي حروف الصدق وكم عددها ؟

ج : مائة وأربعة وستون حرفا ، وهي الدعوة والتقي والمكاسرون وهم الأنبياء التي كانت لمولانا الحاكم .

س : ما هي حروف الكذب ؟

ج : ستة وعشرون ، وهي دليل إبليس وأولاده ورفاقه ، وهم محمد وعلي وأولاده الاثنا عشر ، وهذا على إمام المتاولة ([147]).

س : ما هو معنى ركوب مولانا الحمير بلا سروج ؟

ج : الحمار مقال الناطق ، وركوبه دليل على هدم شريعته وإبطالها ، وقد قال القرآن تصديقًا لهذا ( إن أنكر الأصوات لصوت الحمير ) يعني الأنبياء الذين جاؤوا بالشريعة الظاهرة .

س : ما معنى لبس مولانا الصوف الأسود ؟

ج : إن ذلك ليس بدليل على الحزن ، إنما علي المحبة التي صارت على عبادة الموحدين بعده ([148]) .

س : وما هو سبب ظهوره في كل شريعة ؟

ج : أن يؤيد الموحدين ويثبتوا في عبادة الحاكم ولا يصدقوا إلا منه .

س : وكيف ترجع النفوس إلى أجسادها ؟

ج : كلما مات إنسان ولد آخر والدنيا هكذا .

س : كيف يستدل على أن دين الحاكم حق وغيره باطل ؟

ج : إن هذا كلام كفر وعدم تصديق بالحاكم ، لأن الموحدين قد أشرطوا على أنفسهم في كتب الميثاق أنهم سلموا كل أرواحهم وأجسادهم وشعرهم ، وسرهم وصهرهم بيد الحاكم من غير محض ولا جدال ، فإذا هم في طاعته ، وإن قالوا : غير هذا فقولهم كفر ، كما قال في رسالة ( الرضى والتسليم ) ولحمزة عبد مولانا الحاكم وملاكه ، وهذا الأمر ثابت .

س : ما المراد بالجن والملائكة والأبالسة في كتاب حمزة ؟

ج : إن المراد بالجن والأبالسة الناس الذين لم يطيعوا دعوة مولانا الحاكم ، وأما الشياطين فأرواح خبيثة لا أجسام . أما المراد بالملائكة المقربين والمستجيبين لدعوة الحاكم بأمره ، فهو الرب المعبود في كل الأدوار .

س : ومن هم الحرم الأربعة ؟

ج : هم إسماعيل ومحمد وسلامة وعلي ، وهم الحكمة ، النفس ، بهاء الدين ، ابن أبي الخير .

س : ولماذا تسموا حرما ؟

ج : لأن حمزة هو بمقام الرجال ، وهم نسوان ، لأنهم عنده بمنزلة النساء في طاعتهم له .

س : وما ذكر الأحاليل والفرج ؟

ج : أشار إلى حالة ولا محلة ، لأن الأحليل يقوي ويعمل الحركة ، على فرج المرأة ، وكذلك مولانا جعل سلطان لاهوته يغلب المشركة كما رأينا في رسالة يقال لها ( حقائق الهزل ) .

س : ولماذا أوصانا حمزة بن علي بأن نخفي الحكمة ولا نكشفها ؟

ج : لأن فيها أسرار مولانا وعهوده ، فلا يجب أن نكشفها إلى أحد لأنها خلاص النفوس وهي حياة الأرواح .

س : ألعلنا نحن نخلص ، ولا نريد كل الناس أن تخلص ؟

ج : هذا ليس من طريقته ، لأن الدعوة ارتفعت وغلق الباب وكفى من آمن ، وكفر من كفر .

س : وما معنى إبطال الصدقة على بعض الناس ؟

ج : إن الصدقة لا تجوز عندنا ، إلا على أخينا الموحد العاقل ، وأما على غيره فهي حرام أبدا ([149]) .

والدروز في الوقت الحاضر ، يحاولون أن يطوروا دينهم ، بما يتناسب وروح العصر ، وذلك بطباعة ما يسمى بـ ( مصحف الدروز ) ([150])أو المنفرد بذاته ، والذي ينسب تأليفه إلى كمال جنبلاط أحد زعمائهم ([151])بالتعاون مع عاطف العجمي .

ويحاول كاتب هذا المصحف أن ينسبه إلى حمزة بن علي ولكن من المؤكد أن هذا المصحف قد كتب حديثًا ، والدليل على ذلك ألفاظه وأسلوبه العصري ، والتي تدل على أنه كتب في العصر الحاضر ، لذلك لا نستبعد أن يكون كاتبه كمال جنبلاط .

وكاتب هذا المصحف ، يحاول فيه أن يحاكي القرآن الكريم ، بل يحاول أن يقتبس الكثير من الآيات القرآنية ، والتي توافق هواه ، فيبدل ويحور فيها ، ويضيف ما يشاء من عنده ، ليبرهن إلى ما يرمي إليه .

وقد حاولت أن أجمع الآيات ، التي حورها وبدلها ، فتبين لي أن الآيات كانت فقط آيات مشاهد القيامة ، والجنة والنار ، وكذلك آيات الوعيد للكافرين بالعذاب والجحيم ، وآيات الجنة والنعيم للمؤمنين .

وكل هذه الآيات يحورها إلى ما يرمي إليه ، وهو أن العذاب سيكون لكل من يكفر بألوهية الحاكم ، والنعيم سيكون للموحدين الذين يعبدون الحاكم .

ومن أمثلة ذلك ما جاء في عرف الأمر والتقديم إذ يقول :

( أنتم وما تعبدون مكبكبون على وجوهكم ، يوم ينادي منادى مولاكم الحاكم من مكان بعيد : هذا يومكم الذي فيه توعدون ، تتلوها أيام العذاب إنكم لخالدون ولات محيص ... إلى أن يقول : وإلا فقولوا لي أيها الضالون المعاندون ، فهل جاء لكم رب غيره مع جنوده ، أروني إن كنتم صادقين ) ([152]).

ويقسم هذا المصحف إلى أربع وأربعين عرفا ، ويقع في مائتين وتسع وستين صفحة ، ويقول كاتبه في مقدمته : ( جرى تقسيم هذا المصحف المكرم وفق المواضيع لتسهيل الاطلاع عليه . ووضع لكل فصل تسمية تنطبق مع ما ورد فيه من معان ، ولقد اخترنا اسم العرف تناسبا مع ما يطلق على أبناء التوحيد : كنيتم بالأعراف ووصفتم بالأشراف ) ([153]).

وفي أوائل صفحات هذا المصحف ، يعرف كاتبه بالأسماء والعبارات والإشارات التي وردت في ثناياه ، ومما يذكر أن في بعض أعراف هذا المصحف عبارات غريبة ، كتبت بأحرف عربية ، ولكنها لغة غير معروفة ، لا يعرف معناها ، والظاهر أنها ألغاز ، ولذلك يقول كاتبه : أنه لا يريد أن يظهر معناها ، لأن لها معان سرية لا يجوز لكل واحد الاطلاع عليها .

ومن أمثلة ذلك ما ورد في عرف ( شمس المغيب ) : ( يوديلووهكا طران كنان وهقويكان سهى وهطمكل واطغظلوا أو هكهز كان بطكة وعد ودلولذوسلر ) ([154]).

وقد بدأ هذا المصحف بـ ( عرف الفتح ) نورده هنا ، لنعرف بعض ما يرمون إليه من هذا المصحف :

( به ، والحمد له على هذا النور ، والشكر والفضل لذوي الصلات موالينا الحدود ([155]) صلى الله عليهم ومن قبل ومن بعد ، والموحدون في صياصيهم ([156])يرجعون ما أمر المولى به أن يوصل .

الحمد أبدأ للذي وفقنا لحفظ الحكمة في صدورنا من مصحفه المنفرد بذاته ، نرتله مستضيئين ، وهو الذي انشقت عنه سماء القدرة بمنة آلاء التجليات ، فانفجرت منه اثنا عشرة عينا قد علم الموحدون مشربهم ([157]).

الحمد لك مولانا ([158])، أنت الذي فتحت أبواب قلوبنا على حكمه وأحكامه ، وآدابه وتأويله وإعرابه ، وأنت الذي ألهمتنا تدبر معانيه في حقيقته ومجازه ، وإيجازه وإسهابه ، ودعوتنا إلى الاعتصام بأمتن أسبابه .

ونشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك ، شهادة مشاهد موحد عارف موقن ، مؤمن بأيام حسابه ، ونشهد أن موالينا وساداتنا الحدود الخالقين ، صليت عليهم ، هم فصل خطابك وألسنة ذاتك ، وهم موصلو حبال الحق ، وجامعو الموحدين على مائدة المعبود ، فعليهم منك صلات الصلاة مادامت عين اليقين .

مولانا بك آمنا ، ولك أقررنا أن مصحفك هذا ، نور الصراط المستقيم هو مسوق إلينا ، معروض علينا ، دان إلى أفهام قلوب ألبابنا ، عال بأسراره وأبنائه ، لا يمل من تلاوته ، ولا ينزف من حلاوته ، ظاهره أنيق ، وباطنه عميق ، قريبه حكمه ، وبعيده علمه ، وهو المجيز عند الخصام ، والأسوة سببها لجميع الموحدين ما بين العالمين مدى حيوات الأنام ، أسهمه لا تنبو ، وعادياته لا تكبو ، هو الكل والبعض والجمع والفرق ، به تبدل الأعيان ، ولا عدة إلا به ، والجميع إليه .

مولانا ، نستفتح به مصلين حامدين شاكرين ، وقد طوينا البيد مؤمنين ، وسرنا في رياض جنة المنتهى غير محجوبين عن عيونك ، وهذه آيات حكمة مصحفك ترتلها أفئدتنا كرما منك ، لتصون بها وجوه كوننا من إحراق العدم .

ففي تلاوتها يا مولانا ، نرى كشف النور والظلم ، وفي نومنا قرارنا ، وظعننا وأسفارنا ، وسلمنا وحربنا ، وصحتنا ومرضنا ، وفي مهودنا صابين ، وفي شيخوختنا عاجزين ، وفي حيواتنا وموتنا ، وفي الدنا وفوق أشياخ النجوم .

إنك مولانا ، نعم المولى ونعم النصير ) ([159]).

ويبدو أن جنبلاط كان له الأثر العميق في الدرزية فقد اعترف بذلك في كتابه ( هذه وصيتي ) فدراسته للمذهب الدرزي أتاحت له الشروع في عمل تحليلي ، حيث قارن مذهبه على هدى تعاليم الفيدا الهندوكية والفلسفة اليونانية اللتين أتاحتا له اكتشاف مفاتيح الأسرار الدرزية – كما يزعم – وأعطاه خربًا من السلطة الروحية مما جعل مشايخ الدروز يطلبون رضاه ([160]).

وهذا يوضح لنا قدرة جنبلاط وإحاطته بالدين الدرزي ، ويؤكد القول بأن المصحف المنفرد بذاته من تأليفه .

ولإِعطاء صورة أوضح عن حقيقة العقيدة الدرزية في الوقت الحاضر ، نورد حديثًا شخصيًا مع الأستاذ كمال جنبلاط ، الرجل الذي ينسب إليه مصحف الدروز ، وقد أجراه معه الدكتور مصطفى الشكعة ، في كتابه إسلام بلا مذاهب حيث يقول فيه جنبلاط :

يرجع تاريخ الدروز إلى ثلاثمائة وثلاث وأربعين مليونا من السنين حين كانت الأرواح بلا أجساد ([161]).

- الدروز يؤمنون بالتقمص ، أي تقمص الأرواح ، بمعنى أن الذي يموت لا تصعد روحه إلى السماء بل تتقمص جسد مولود جديد ولذلك فهم لا يزيدون عددا ولا ينقصون لأن النقص عملية دائمة متواصلة بين أرواحهم ، وهم لذلك يقولون إن الحياة البرزخية غير موجودة .

- الدروز موجودون منذ الأزل ، واعتنقوا كثيرا من الديانات على مر الدهور ، واعتنقوا الإِسلام في مرحلة من مراحل عقيدتهم ، ولما كانت العقيدة عندهم متطورة فقد تحولوا عن الإِسلام إلى دين آخر مستقل هو الدين الدرزي ، أي أن الدرزية كانت مذهبًا إسلاميًا ثم تطورت وأصبحت دينًا مستقلاً ، والأقطاب هم الذين يجددون الدين من زمن إلى زمن ، وهم يجيئون بأسماء مختلفة بين الفينة والفينة بدافع نظرية التقمص التي يؤمن بها الدروز ولذلك فالدرزية دين متطور يتطور من زمن إلى آخر .

- الشريعة الدرزية مأخوذة من القرآن ، ومن ستة عشر كتابًا خطيًا لا يسمح لأحد بالاطلاع عليها ، كما أنها تأخذ تعاليمها من الفلسفة اليونانية وبخاصة الأفلاطونية القديمة ، والمسيحية والإِسلام والبوذية والفرعونية القديمة ، ويعتبرون إخوان الصفا من الدروز لتشابه الأفكار بينهما ، فقد كان إخوان الصفا يطالبون بمزج الشريعة الإِسلامية بالفلسفة اليونانية ، وبهذه المناسبة يخلط البعض خطأ بين الدرزية والإِسماعيلية ، والواقع أن الفرق بينهما شاسع كبير .

- محمد ( صلى الله عليه وسلم ) له مكانة محدودة عندهم ، وهو ليس إلا واسطة الرسالة وحسب ([162])، وللدروز خمسة أقطاب منذ القدم ، خامسهم وآخرهم الحاكم بأمر الله الفاطمي ([163])، ولأبي يزيد البسطامي مكانة عالية سامية ([164])، وأما الصحابة فمنهم أربعة لهم مكانة عليا عندهم وهم : سلمان الفارسي ، والمقداد بن الأسود ، وعمار بن ياسر ([165])، وأبو ذر الغفاري ([166]).

- لا يقبل الدروز أحد في دينهم ولا يسمحون لأحد بالخروج منه ، وحتى هؤلاء الذين يخرجون لا يعترف الدروز بأنهم قد خرجوا ، ولذلك فإن عدد الدروز في ظل هذه النظرية ونظرية التقمص لا يزيد ولا ينقص ، وقد أغلقت أبواب القبول في الدين الدرزي بعد قبول الأمير بنشير الشهابي الذي يعتبره الدروز درزيًا ([167]).

- الدين الدرزي دين صوفي يعتمد على الداخليات والجواهر ، ولا يهتم بالشكليات ، والطهارة الداخلية أي النفسية الروحية هي الأساس ، وأما الطهارة الخارجية فلا قيمة لها .

وقد كان الشيوخ يصلون في المساجد إلى عهد قريب ، ويصومون رمضان ، ويحجون البيت ، ولكن هذه الفرائض جميعًا قد رفعت عنهم واستبدلت بتكاليف أخرى ) ([168]).

وفي حديث شخصي آخر أجراه الدكتور الشكعة مع شيخ عقل الدروز الشيخ محمد أبي شقرا ، والذي كان أكثر سرية ومورابة في أجوبته ، وأقل صراحة من كمال جنبلاط ، ومما قاله شيخ العقل :

الصلاة تختلف عن صلاة جمهور المسلمين ، فالفروض وإن كانت خمسة إلا أن عدد الركعات في كل صلاة تختلف عن عدد الركعات المعروفة ، وربما طريقة الصلاة نفسها ، هذا والوضوء ليس ضروريًا مادام المصلي نظيفًا .

- الصوم معناه الامتناع عن الرفث ، ومعنى ذلك أنه لا يجوز الأكل والشرب مع الصوم ، وهو عشرة أيام في ذي الحجة تنتهي بالعيد ، كما أن صوم رمضان مستحسن عن غيره لأن الصوم فيه مضاعف الثواب .

- الزكاة معطلة ولا حدود لها ، ويمكن أن تكون في شكل صدقات ، وهي اختيارية ، وهي بالتالي ليست فريضة ) ([169]).

ولعل من المفيد ونحن نتحدث عن تطور المذهب الدرزي بعد الحاكم ، أن نعطي بعض الملامح لتاريخ الدروز منذ موت الحاكم وحتى القرن الحالي .

فعندما جاء الزحف المغولي إلى بلاد الشام سنة 657 هـ بزعامة هولاكو ، كانت السيطرة على لبنان بيد أمراء الدروز التنوخيين ، ولما دخل ( كتبغا ) ابن هولاكو دمشق جاءه الأمير التنوخي جمال الدين حجي الثاني معلنًا خضوعه له ، مما جعل ( كتبغا ) يقر الأمير الدرزي على مقاطعة الغرب ، ولكن مجيء بيبرس من مصر على رأس جيش المماليك لمقاتلة المغول ، قلب موازين القوى – في ذلك الوقت - ، وهنا ارتأى الدروز أن ( يلعبوا على الحبلين ) ، وذلك أن يبقى أحدهم وهو الأمير جمال الدين بجانب كتبغا ، فيما ينضم الأخر أي الأمير زين الدين إلى جانب المماليك ، بحيث يكون على قول صالح بن يحيى : ( أي من انتصر من الفريقين كان أحدهما معه فسيدخله رفيقه وخلة البلاد ) ، لأن الانحياز إلى أحد القوتين كان يعني المجازفة بمصيرهم فيما لو خسر الجانب الذي قد ينضمون إليه ([170])؟ ! .

وبعد انتصار المماليك على المغول ، استولوا على بلاد الشام دون أن يتعرضوا لمناطق الدروز بسوء ، ولذلك وجهوا اهتمامهم لاحتلال المناطق الساحلية التي كانت لا تزال بيد الصليبيين ، ولكن بيبرس كانت تساوره الشكوك في حقيقة موقف الدروز ، وغدا مليئًا بالشك والحذر منهم ، وذلك بعدما نما إلى علمه أن أمراء الدروز على اتصال بوالي طرابلس الصليبي ، فأمر بسجنهم ليتسني له أن يلتفت لغدر الصليبين ([171]).

وكل هذا كان قبل قيام الدولة العثمانية ، أما بعد قيامها ، فقد راودتهم الأحلام القديمة بقيام دولة مستقلة لهم ، وخاصة أنهم رأوا الفرصة سانحة لهم لإِنشغال العثمانيين بقتال الدول الأوربية المجاورة ، فكان أن عملوا على تحقيق هذه الأحلام في عهد الأمير فخر الدين الثاني المنحدر من المعنيين ، الذي اتخذ في سبيل ذلك أسلوب المداورة عن طريق حروبه المحلية لبسطة نفوذه على سائر بلاد الشام ، ولكن سياسته هذه جعلت العثمانيين يوجسون منه خوفًا ، بيد أن تحركه على الصعيد الخارجي عززت تلك المخاوف وأثارت شكوك الباب العالي في ولائه للعثمانيين ، وخاصة أن أهدافه الحقيقية بدأت بالوضوح عندما عقد مع دوق توسكانا معاهدة تجارية تضمنت بنودًا عسكرية ضد الدولة العثمانية ؟ ! فقرر السلطان العثماني التلخص من فخر الدين ، فجرد عليه حملة قوية برًا وبحرًا سنة 1022 هـ / 1613 م ، فهرب إلى أوربا عن طريق ميناء صيدا بمساعدة سفينتين إحداهما فرنسية وأخرى هولندية ، وهناك أراد أن يؤلب الدول الأوربية ضد الدولة العثمانية ، فسعى جاهدًا للحصول على مساعدات عسكرية من أسبانيا وفرنسا والفاتيكان ضد العثمانيين ، ولكن مسعاه فشل لأن الظروف الدولية في ذلك الوقت كانت غير صالحة ([172]).

وبحكم علاقة فخر الدين أمير الدروز الوطيدة بدول أوربا فقد كان يعطف على الإِرساليات الأوربية ويسمح بإنشاء مراكز لها في لبنان وفلسطين ، وفضلاً عن ذلك فقد بسط يد الحماية لجميع النصارى في بلاد الشام ، حتى صار الأوربيون يدعونه ( حامي النصارى في الشرق ) ، وكان عطف الأمير على الموازنة وتحالفه معهم من أبزر مميزات سياسته الداخلية ، وكان أيضًا عاملاً في هجرة الموارنة من مناطقهم إلى مناطق المسلمين ، وانتشارهم في أكثر من ثلثي لبنان الحالي ، مما قوى مركزهم السياسي في لبنان بعد ذلك ([173])؟! .

وكما يذكر كمال جنبلاط فإن إمارة درزية أخرى كانت قائمة في الدولة العثمانية خاضعة لحكم أحد أجداده ، ووجدت في شمال سوريا وكانت تشمل حمص وحماة وحلب ودمشق وجزءًا من تركيا الأنضولية ، وشأن الدولة المعينية ، فقد عقدت هذه الإِمارة أيضًا معاهدات عسكرية مع الفاتيكان ودوقية توسكانا وأسبانيا ، وتلقى جده مقابل ذلك دعمًا سياسيًا وعسكريًا ([174]).

وفي سنة 1253 هـ / 1837 م ، قام الدروز بتمرد على محمد علي باشا والي مصر ، وكان ذلك في جبل الدروز بحوران بسبب تجريدهم من السلاح وتجنيدهم في الجيش ، وبقي هذا التمرد مشتعلاً بعد أن انضم إليه دروز وادي التيم ، رغم محاولات محمد علي القضاء عليه ، إلى أن جرد عليه حملة قوية سنة 1256 هـ / 1840 م .

وبعد أن وجدت الدول الأوربية الضعف في الدولة العثمانية ، عملت على استمالة الأقليات الموجودة داخله ، وخاصة في لبنان ، الذي كانوا يرون فيه مدخلاً مهمًا لكل مؤامراتهم على الدولة العثمانية ، وكانت فرنسا ترى في نفسها مدافعًا شرعيًا عن موارنة لبنان ، وقد اتخذت هذه الحجة الواهية ذريعة في سبيل تدخلها في شؤون الدولة العثمانية ، وهذه السياسة الفرنسية خوفت بريطانيا مما جعلها سنة 1841 م تعمل على استمالة الدروز إلى جانبها وتقيم علاقات رسمية وودية معهم ومع زعمائهم ، ويظهر أن الإِنجليز قد فهموا أحلام الدروز بإقامة دولة لهم ، فاستغلوها لاستمالتهم وإقامة العلاقات الوطيدة معهم ([175]).

وقد بات هذا واضحًا عندما ثار الدروز في جبلهم على الدولة العثمانية سنة 1851 م إذ امتنعوا عن دفع الضرائب ، فجردت الدولة العثمانية حملة لتأديبهم ، فتدخلت بريطانيا لدى الباب العالي ، وصدرت الأوامر من الأستانة بحل المشكلة الدرزية سلمًا ، وجاء في برقية الصدر الأعظم الموجهة إلى مدحت باشا ( والي الشام ) بهذا الصدد : ( أن الأنجليز لا يسرون بما تتخذه من التدابير لتأديبهم ) ، وهذا التدخل شجع الدروز ، إذ ما لبثوا أن اعتدوا على المكرك وأم الولد وحرقوا زرعهما في سنة 1296 هـ / 1880 م ، وعلى قرية ( المسمية ) في حوران سنة 1308 هـ / 1890 م .

ثم ثاروا في سنة 1311 هـ / 1893 م و 1313 هـ / 1985 م وكذلك في سنة 1328 هـ / 1910 م . وكانت اعتداءات الدروز على أهالي حوران قد أثيرت في مجلس المبعوثان العثماني ، حيث ندد مبعوث حوران باعتداءات الدروز ، مطالبًا الدولة باتخاذ الإِجراءات العسكرية الرادعة ضدهم بعد اعتدائهم على الجيش والأهالي ، وأنهى خطابه بمطالبة الحكومة بسوق قوة عسكرية على حوران ( لصيانة العرض والدين والمال وتأمين الرعية من الخوف ) ([176]).

مما تقدم يتضح لنا بأن دروز حوران كانوا في شبه ثورة دائمة ضد الدولة العثمانية ، وعندما كانت الولاية تعرض عليهم برامج الإِصلاح وتطلب من زعمائهم مساعدتها في تطبيقها ، كان الزعماء يقبلون ذلك ثم يرفضونه وهكذا ، وبالرغم من ذلك فقد حاولت ولاية سوريا إصلاح الأوضاع الإِدارية والاجتماعية في منطقة جبل الدروز عن طريق نشر التعليم بين الدروز بإنشاء المدارس وتعليمهم مباديء الدين الإِسلامي ، واتبعت سياسة اللين والرفق مع رؤسائهم الروحانيين ، وذلك باستدعائهم إلى دمشق وبذل المساعي لإِقناعهم بقبول الإِصلاحات ، فيبدي الزعماء رضاهم التام لدرجة المطاوعة الانقياد ، ولكنهم لم يثبتوا على ذلك طويلاً ([177]).

وهكذا يبدو أن ثورات الدروز المستمرة ضد الدولة العثمانية وخاصة بعد سنة 1841 م ، كانت تهدف بالدرجة الأولى الاستقلال عن الدولة وبسط السيطرة الدرزية على لواء حوران بمساعدة وتأييد بريطانيا .

وبعد استعمار فرنسا لسوريا ، عملت عن طريق عملائها وبكل ما نستطيع من إمكانيات وإغراءات أن تستميل الدروز إلى جانبها ويتركوا الإِنجليز ، ومن أجل ذلك تابعت فرنسا استمالة زعماء الدروز ، فاستطاعت في 20 نيسان 1921 عن طريق الجنرال ( غورو ) أن تقنع الأمير سليم الأطرش بإعلان دولة درزية في جبل الدروز وتشكيل حكومة درزية وانتخاب مجلس نيابي مكون من ( 40 ) عضوًا ، ورفرف لأول مرة في تاريخ الدروز علمهم المكون من خمسة ألوان ([178]).

وعندما رأت بريطانيا أن نفوذها سيزول عند الدروز بسبب هذه الدولة استمالت أحد أمراء الجبل ، والذي كان من أهم العوامل التي أثرت على عدم بقاء هذه الدولة وسقوطها .

والحديث عن تاريخ الدروز في القرن الحالي يدفعنا لإِعطاء صورة موجزة عن موقف الدروز من دولة إسرائيل ، حيث كانوا بعد قيام هذه الدولة على أرض فلسطين من أهم المدافعين عن وجودها ، بل إن إسرائيل استطاعت أن تكون كتيبة منهم فيما يسمى بـ ( حرس الحدود ) كان له دور خطير ومهم في حروب إسرائيل مع الدولة العربية .

لذا فإن كمال جنبلاط في كتابه ( هذه وصيتي ) يعتبر وجود الدروز في إسرائيل مشكلة ، ولكن في الوقت نفسه يدافع عن تعاملهم مع دولة العدو وينتقد الفلسطينيين الذين هربوا وتركوا أرضهم وبلادهم ولم يقلدوا الدروز في بقائهم في فلسطين ، ولو أنهم بقوا لشاركوا بسهولة في اقتصاد إسرائيل وبالتالي في السلطة السياسية ويكونون أقلية قوية وفعالة في البرلمان ، وبالتالي فإن الدروز فيما فعلوه مع إسرائيل قاموا بواجبهم بتعقل ، فهم يعلمون أنه لا جدوى في الهجوم على طواحين الهواء – كما يزعم جنبلاط – ([179]).

وفي سنة 1982 عندما احتلت إسرائيل لبنان ، رفضت مليشيات الدروز ( الحزب التقدمي الاشتراكي ) قتال الجيش الإِسرائيلي ورفضت مدفعيته الموجودة في الجبل مساعدة الفلسطينيين ، ولذلك استطاع الجيش الإِسرائيلي دخول مناطق الدروز دون أن تطلق رصاصة واحدة ، وبقيت الأسلحة في يد الدروز رغم وجود الجيش الإِسرائيلي في مناطقهم .

******

الفصل الثالث

أشهر دعاة الدروز وآراؤهم

ترتبط بداية المذهب الدرزي بثلاثة من الدعاة هم : حمزة بن علي بن أحمد الزوزني ويعرف باللباد ، والحسن بن حيدرة الفرغاني المعروف بالأخرم ، ومحمد بن إسماعيل الدرزي المعروف بـ ( أنوشتكين أو نشتكين ) .

والمؤرخون مختلفون في ترتيب أسبقيتهم في الدعوة الجديدة ، ومع أن اسم الدروز مرتبط باسم ( الدرزي ) ، إلا أن بعضهم يجعل البداية لحمزة – وهو الأرجح كما سنرى – والبعض الآخر يجعلها لمحمد الدرزي .

أما الدروز فيعتبرون حمزة هو مؤسس المذهب وهو الإمام ، وأن الدرزي قد حاد عن تعاليم حمزة ، وأنه كان أحد أتباعه ، مما جعل حمزة يهاجمه في كثير من رسائله ، لذلك فإن الدروز يكرهون الدرزي هذا ويلعنونه .

أما الأخرم فالأرجح أنه كان داعيًا من دعاة حمزة في أول ظهوره . ولكي نعطي لمحة وافية عن هؤلاء الدعاة ، نتحدث عن كل واحد منهم ، ونبدأ بحمزة بن علي :

حمزة بن علي بن أحمد الزوزني : ( ولد حمزة في مدينة ( زوزن ) في خراسان مساء الخميس في الثالث والعشرين من ربيع الأول سنة 375 هـ ، وهو اليوم الذي ولد فيه الحاكم بمصر ، ولعل ذلك هو السبب في أن الدروز يقيمون الصلاة الأسبوعية مساء كل خميس ) ([180]).

واختلف المؤرخون في زمن وفوده إلى مصر ، فالبعض منهم يجعلها متقدم كثيرًا في سنة 395 هـ ، حيث كان عمره عشرين عامًا ) ([181]).

وغالبية المؤرخين تجعل موعد قدومه حوالي سنة 405 هـ أو قبلها بقليل ) ([182]).

وانتظم حمزة بين الدعاة الإِسماعيليين الذين كانت تغص بهم القاهرة يومئذ ، ويرجح الدكتور محمد كامل حسين أنه لم يكن من الدعاة ، بل كان يؤدي عملاً في القصر ، وكان على اتصال دائم بالحاكم ، ويضيف قائلاً : ( ويغلب على ظني أن حمزة كان أحد الخدم الخصوصيين للحاكم ، وكان خادمًا ذكيًا لبقًا ذا حيلة ودهاء وخيال خصب ، وكان بحكم عمله في القصر يستمع إلى مجالس الحكمة التأويلية فوعاها وحفظ منها كثيرًا ، وربما قرأ كتب الدعوة التي كانت بالقصر فأفادته في تلوين عقليته وتوجيه أفكاره إلى ما يرضي طموحه ويحقق آماله ، وظل هذه السنوات يهيء نفسه لذلك ) ([183]).

ومما يؤكد هذا الرأي ركاكة ألفاظه في رسائله – إذ كما يقول الدكتور محمد كامل حسين : - ( لم يكن من الكتاب لأن أسلوبه في رسائله وكتبه ليس به هذا الإشراق ، وتلك الديباجة ، وهذه الرصانة ، التي عرفت عن كتاب الفاطميين ودعاتهم ) ([184]).

لذلك – وكما يقول الأستاذ عبد الله النجار - : ( تنم من تعابيره كلمات فارسية دخيلة على أسلوب الإنشاء العربي ) ([185]).

وتقول بول هنري بوردو عن حمزة وأهدافه البعيدة : ( وكان حمزة في الحقيقة داهية دهياء متعمقًا في المباحث الدينية القديمة ، وأن العقائد التي نادى بها تدل تمامًا على أنها ذات العقائد التي كان ينادي بها المقنع الخراساني ([186])، هذا اليهودي الذي هاج في خراسان سنة 160 هـ) ([187]).

وسرعان ما أصبحت لحمزة حظوة عند الحاكم ، بعدما أظهره من إخلاص ، واستطاع بحنكته ودهائه أن يجمع حوله بعض الدعاة ويتفقوا سرا للدعوة إلى تأليه الحاكم بأمر الله ، ومن هؤلاء كان محمد بن إسماعيل الدرزي .

ويظهر أن حمزة بن علي ، وكما يتضح في رسائله ، قد اتفق مع دعاته ألا يجهر أحدهم أو يكشف عن مضمون المذهب الجديد ، إلا بعد تلقي الأوامر منه نفسه ، ولكن الدرزي تسرع في الكشف عن أسرار الدعوة الجديدة سنة 407 هـ ، مما أثار الناس ، وحمل حمزة على الكشف عن دعوته سنة 408 هـ .

يقول حمزة في ( رسالة الغاية والنصحية ) موضحًا هذه النقطة :

(( وغطريس هو نشتكين الدرزي الذي تغطرس على الكشف بلا علم ولا يقين ، وهو الضد الذي سمعتم بأنه يظهر من تحت ثوب الإِمام ، ويدعى منزلته ... إلى أن يقول : وكذلك الدرزي كان من جملة المستجيبين حتى تغطرس وتجبر وخرج من تحت الثوب ، والثوب هو الداعي ، والسترة التي أمره بها إمامه حمزة بن علي بن أحمد الهادي إلى توحيد مولانا جل ذكره )) ([188]).

ومهما يكن من شيء فإن الدعاة إلى المذهب الجديد ظلوا في سترهم مدة طويلة يعملون في الخفاء ، ويدعون الناس سرًا لمبادئهم وتعاليمهم ، حتى قام الدرزي وأعلن الدعوة سنة 407 هـ ، والذي كما يقال : ( قد فتح سجلاً في مساجد القاهرة تكتب فيه أسماء المؤمنين بألوهية الحاكم ، فاكتتب من أهل القاهرة سبعة عشر ألفا كلهم يخشون بطش الحاكم ) ([189]).

ويبدو أن هذا الأمر قد أحرج حمزة ، مما حمله على الجهر بدعوته الجديدة – كما سبق ذكره – سنة 408 هـ ، فثار الناس على هؤلاء الدعاة ثورة شديدة ساعدهم فيها الجند الأتراك ، مما جعل الدرزي – على أرجح الروايات – يختفي في قصر الحاكم ، حيث عمل على تهريبه بعد ذلك إلى وادي التيم في بلاد الشام ، والذي كان يقطن به التنوخيون ، والذين كانوا يدينون بالولاء للعبيديين ، حيث عمل هناك على بث آرائه ومعتقداته بينهم ، فانضموا إليه وآمنوا بدعوته .

وبسبب شدة الثورة التي قام بها أهل مصر ، على دعاة حمزة وأتباعه ، اختفى حمزة أيضًا سنة 409 هـ ، واعتبرها سنة اختفاء وغيبة .

ويصف حمزة سنة 409 هـ : ( بأنها سنة المحنة والامتحان والعذاب ، وأن القصد من الغيبة أن يمتحن الخلق بغيبته ، والمحنة هي غيابه الذي عاقبهم فيه ) ([190]).

(( ويبدو أن غيبته في هذه السنة ، كانت استعدادًا للظهور بقوة جديدة للتنظيم بعد ثورة الناس عليه في العام الفائت )) ([191]).

ويتبين من رسائل حمزة ، أنه في خلال هذه الفترة جعل مقره السري خارج القاهرة في مسجد ( تبر ) ، ولكن خصومه هاجموا مقره وأحرقوا باب المسجد ، ثم وجدوا داخل المسجد بابا من الحجر لا تعمل فيه النار ويصعب نقب جداره ) ([192]).

مما تقدم يتضح بداية الخلاف بين حمزة والدرزي ، والظاهر أن هذا الخلاف قد تفاقم بعد هروب الدرزي إلى الشام ، حيث دعا هناك إلى أراء جديدة خالف بها آراء حمزة ، من ذلك تسمية نفسه بـ ( سيف الإِيمان ) و ( سيد الهادين ) ، وكان أيضًا يلعن مخالفي المذهب ، بينما يقول حمزة : ( اللعنة لا تزيد في الدين ولا تنقص منه ) ([193])، وكذلك ( دعوته للحرية الجنسية ) ([194]).

وأرى أن هذا الاختلافات ، لم تكن بتلك الأهمية لتأجج الخلاف بين الرجلين ، وأن جوهر الخلاف – كما يفهم من كتابات حمزة – إنما كان ( بسبب رئاسة الدعوة الجديدة ، وهذا الأمر أغضب حمزة ، وجعله يعزل الدرزي من مصبه في الشام ، ويؤلب عليه أتباعه في الشام فقتلوه سنة 411 هـ ) ([195]).

وهذا الخلاف يؤكده حمزة في ( رسالة الغاية والنصحية ) إذ يقول : ( وكذلك الدرزي سمى نفسه في الأول بسيف الإِيمان ، فلما أنكرت عليه ذلك وبينت له أن هذا الاسم محال وكذب ، لأن الإِيمان لا يحتاج إلى سيف يعينه ، بل المؤمنون محتاجون إلى قوة السيف وإعزازه ، فلم يرجع عن ذلك الاسم وزاد عصيانه ، وأظهر فعل الضدية في شأنه ، وتسمى باسم الشرك وقال : أنا سيد الهادين ، يعني أنا خير من أمامي الهادي ) ([196]).

هذا وكانت مدة ظهور حمزة ثلاث سنوات هي : 408 ، 410 ، 411 ، وأما سنة 409 هـ فإنها – كانت سنة غيبة له . كذلك فقد اختفى بعد سنة 411 هـ ، - وهي السنة التي قتل فيها الحاكم - ، حيث مرت سنوات من الكتمان ، أيضًا لم يظهر فيها ، فقد طورد من قبل الظاهر ابن الحاكم والملك الجديد ، ( مما اضطره إلى الرحيل إلى بلاد الشام ) ([197]).

وبقي حمزة مختفيًا حتى أزيح الستار قليلاً عن نشاطه ، برسائل أرسلت إلى سواه وذُكر فيها ، أو وجهت إليه ، بعد قرابة عشرين سنة من غيابه ، منها رسالة المواجهة ، التي يتبين منها ، أن حمزة كان لا يزال على اتصال سري بدعاته ، وعلى الخصوص بـ ( المقتني ) بهاء الدين كاتب الرسالة ، والذي يبدأها بـ ( السلام على الإِمام ) موجهًا إليه ( عبيده الزائرين ... رسل العبد الذليل ) ([198]) .

أما غيبة حمزة الثانية والأخيرة ، ( فإن رسالة بهاء الدين في ( رسالة السفر ) والتي يطلب فيها من المؤمنين ، الإِيمان برجوع حمزة ، وإلى طاعة ولي الحق الإِمام المنتظر ، توضح هذه الرسالة – والتي كتبت في السنة الثانية والعشرين من سني حمزة أي سنة 430 هـ - أن حمزة قد اختفى أو مات سنة 430 هـ ) ([199]).

مع أن هناك من يقول : ( أنه مات سنة 422 هـ ( 1030 م ) ) ([200]).

وأما مكانة حمزة عند الدروز ، فهو الإِعظام والإِجلال ، ( فالحديث عنه مقرون دائمًا عندهم بالإِجلال والإِعظام سواء أكان ذلك في مجرى حديث لسان أو على مسرى صفحة من كتاب مطبوع ، أو ورقة من سفر مخطوط ) ([201]).

وهو عندهم – وكما سمى نفسه في رسائله - ، الإِمام ، وقائم الزمان ، وهادي المستجيبين المنتقم من المشركين ، وعلة العلل ، والعقل الكلي ، والإِرادة ، والقلم ، والطور ، والكتاب المسطور وهو أيضًا المسيح الحق ... إلى غير ذلك من الأسماء والألقاب التي أطلقها على نفسه .

وحمزة يفتتح رسائله غالبًا بهذه الديباجة ، وكما وردت في ( رسالة البلاغ والنهاية ) : ( تأليف عبد مولانا جل ذكره ، هادي المستجيبين ، المنتقم من المشركين سيف مولانا جل ذكره ) ([202]) .

وكذلك نجده في ( الرسالة الموسومة بسبب الأسباب ) يصف نفسه بهذه الألقاب أيضًا بأنه : ( الإِرادة فهو علة العلل ، وهو العقل الكلي ، وهو القلم ، وهو القاف ، وهوا القضاء ، وهو الألف بالابتداء ، هو الألف بالانتهاء ... إلى أن يقول : وهو سبحانه منزه عن الكل ([203])، وجميع ما في القرآن والصحف ، وما تركه على قلبي من البيان والأسماء الرفيعة فهو يقع على عبده الإِمام ) ([204]).

وفي هذه الرسالة ينفي حمزة عن نفسه بأنه اخترع هذا الأمر من عند نفسه فيقول : ( وها هنا باب ثان مذموم ، أعاذك المولى سبحانه منه ، وذلك قول من يقول من كافة الناس بأني اخترعت هذا الأمر من روحي ، ووضعت العلم من ذاتي ، وقوتي ، ومولانا جلت قدرته لا يعلم بذلك ولا يرضاه ... وأنا أعيذك من ذلك وجميع الموحدين المخلصين ) ([205]).

وكما أشرت سابقًا ، فإن الدروز يجلون ويعظمون حمزة ، فنجد المقتني بهاء الدين يخاطب حمزة في ( رسالة المواجهة ) بقوله : ( وتطول عليهم بالمسامحة من الغلط والسهو في صحائف التوحيد ، نظمها العبد بتأييد مولاه ، وألفها ، ورسائل إلى دعاة الحق ثناها على التنزيه وعظمها . فما كان يا مولاي في هذه الصحائف والمراسلات والكتب والملطفات التي سيرها العبد من خطاب جزل ، ومنطق صائب ، وقول فصل ، فهو من منه إمام العصر ، ومؤاد ([206])قائم الزمان ، وما كان فيها من خطأ وخطل فهو منسوب إلى العبد الأصغر ، الملهوف الظمآن ، يتوسل في تقصيره إلى لطف مولاه ) ([207]).

وفي كتاب النقط والدوائر – وهو من كتب الدروز الدينية ولا يعرف مؤلفه – يصف كاتبه حمزة بهذه الأوصاف : ( فهو صلوات الله عليه النور الكلي ، والجوهر الأزلي ، والعنصر الأولي ، والأصل الجلي ، والجنس العلي ، فيه بدأت الأنوار ، ومنه برزت الجواهر ، وعنه ظهرت العناصر ، ومنه تفرعت الأصول ، وبه تنوعت الأجناس ... إلى أن يقول : فهو الإِمام ، والدليل على عبادة الله ، والداعي إلى توحيد الله ، والناطق بحق الله ، والبرهان على الله ، والرسول الذي أرسله الله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ) ([208]).

ولا يزال الدروز إلى الآن على هذا التعظيم لحمزة - ، يقول كمال جنبلاط في مقدمته لكتاب ( أضواء على مسلك التوحيد ) : ( ويجب أن يبقى أبناء التوحيد محافظين على هذا التكريس والتهيؤ التقليدي والاجتباء الإِنساني لفكرة الولاية ، لأنه في النهاية وفي الحقيقة ، لا ولاية على الموحدين ، ولا على الأنام كافة ، إلا للعقل الأرفع ، صلوات المهيمن عليه ([209]).

ويضيف الدكتور سامي مكارم : ( وهذا المعتقد التوحيدي يعتمد العقل في استكشافاته ، ولا يراد بالعقل الأدنى ، أي البشري أو الدنيوي إن صح التعبير ، بل العقل الأرفع أو الكلي الذي هو المبدع الأول ، أبدع من النور الشعشعاني المحض صورة صافية كاملة فتضمن في سره معنى ما كان وما يكون دفعة واحدة بدون زمان ، فكان قوة كاملة وفعلاً تامًا ، وكان علة العلل وأصل الوجود وغايته معًا ) ([210]).

مما سبق يتبين أن الإِيمان بإمامة حمزة – وأنه المبدع الأول وغير ذلك – هي من أهم معتقدات الدروز ، وأصل عظيم من أصولهم ، لأنه أول الحدود الخمسة الذين يعتقدون بهم ، وهو أيضًا في نظرهم نبي الحاكم .

وقد جاء في مخطوط ( شرح ميثاق ولي الزمان ) ([211])ما يلي ثم من تسليم الروح ومعرفة العقل صفي الرب صلى الله عليه ، وتمييزه عن أخوته الأربعة ، وهم : النفس ، والكلمة ، والسابق ، والتالي ، وتمييزه عنهم بأحوال كثيرة 235 .

وفي شعر – مخطوط – لدرزي يسمى بـ ( الشيخ أبي عبيد ) يقول فيه :

ألا صلوا على قلم القضايا رسول الله أفضل من أجابا

رسول الله حمزة يا خليلي فأولى من أتانا بالكتابا ([212])

وحسب عقيدة التناسخ والأدوار عند الدروز ، فقد ظهر حمزة في الأدوار الكبرى ، والأدوار الصغرى بأسماء مختلفة : فهو شطنيل في دور آدم ، وفيثاغورس في دور نوح ، وداود في دور إبراهيم ، وشعيب في دور موسى ، واليسوع في دور عيسى ، وأنه – أي حمزة – هو المسيح الحقيقي الأبدي ، وسلمان الفارسي في دور محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ([213])، وهو الذي أمل القرآن على محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وهكذا ...

هذه لمحة سريعة عن حمزة ، إمام الدروز ، وقائم زمانهم ، تبين بوضوح ذكاء ودهاء هذا الرجل ، فقد استطاع أن يكون نموذجًا للدعاة الملاحدة ، الذين ظنوا أنهم يستطيعون أن يقوضوا أركان الإِسلام ودعائمه ، فلم ينفع ذكاؤهم ولا مهارتهم في هذا الدين شيء ، بل حفظ الله هذا الدين . وخابت كل مساعيهم .

ونأتي بعد ذلك إلى الداعي الآخر وهو : الحسن بن حيدة الفرغاني ([214]) ( الأخرم ) : هذا الداعي لا نعرف عنه إلا الشيء القليل ، ذلك أنه ظهر بمدينة القاهرة عقب ظهور حمزة بقليل ، وكما يقول ابن العماد في شذرات الذهب أنه ظهر ( في الثاني من رمضان سنة 409 هـ ) ([215]).

وقد دعا إلى مثل ما دعا إليه حمزة من التناسخ والحلول ، وألوهية الحاكم ، وذاعت دعوته بسرعة في جماعة من المغامرين والمرتزقة ، فاستدعاه الحاكم وخلع عليه وأركبه فرسا مطهما ، وسيره في موكبه ) ([216]).

غير أنه لم تمض على ذلك أيام قلائل ، حتى وثب عليه رجل من أهل السنة وقتله وقتل معه ثلاثة رجال من أتباعه ، فغضب الحاكم وأمر بإعدام قاتله ودفن الأخرم على نفقة القصر في حفل رسمي ، كما أن جمهور أهل السنة احتفلوا بمأتم القاتل ودفنوه مكرمًا ) ([217]). ( ولكن القبر نبش بعد أيام واختفت جثته ، وكان ذلك على ما يظهر بوحي الحاكم ورغبته ) ([218]).

هذا تلخيص لكل ما ذكره المؤرخون عن هذا الداعية ، والظاهر من رسائل حمزة أنه لم يكن ضد الأخرم ، كما كان ضد الدرزي ، على أن ( الرسالة الواعظة ) لأحمد حميد الدين الكرماني ، تفيدنا بعض الشيء عن مهمة الأخرم وهي رسالة موجهة إلى الأخرم ردًا على رقعة بعث بها الأخرم إليه ، حيث يتضح من هذه الرسالة أن الأخرم هو الذي كان يقود حركة الدعاية للمذهب الجديد وأنه هو الذي كان يبعث بالرقاع إلى الناس يدعوهم فيها إلى عقيدته الجديدة وكان يطلب من العلماء وكبار الدعاة أجوبة فكتب إليه الكرماني ( الرسالة الواعظة ) .

وأول ما يراه الكرماني في رقعة الأخرم أنها خالية من البسملة ومن الصلاة على النبي ، وعلى الأئمة من ذريته ، ويضيف الكرماني قائلاً : ولا تخلو أن تكون في تظاهرك بولاء أمير المؤمنين عليه السلام ، إما متبعًا له ، أو غير متبع ، فإن كنت متبعًا فبمخالفتك إياه فيما أمرك به من السجلات المكرمة من السلام عليه في جميع المكاتبات وقعودك عن الاقتداء فيما يفعله من تصدير سجلاته وجميع مكاتباته وخطبه بسم الله الرحمن الرحيم ، والاستفتاح به ، والصلاة على سيد المرسلين وخاتم النبيين والتبرك بها قد كفرت .

ومن الأفكار التي قالها الأخرم في رقعته للكرماني : من عرف منكم إمام زمانه حيًا ، فهو أفضل ممن مضى من الأمم من نبي أو وصي أو إمام ... وأن من عبد الله من جميع المخلوقين ، فعبادته لشخص واحد لا روح فيه ، ويتساءل عن معنى الآية الكريمة ( عينًا تسمى سلسبيلاً ) ([219]) [ الدهر : 18 ] ، وعن : الإسلام وشرائطه ؟ وعن : الذي يتقرب به إلى المعبود ؟ وهل الشريعة محدثة أم قديمة مع الدهر ؟ وما النفس ؟ وما العقل ؟ ثم ينتهي به القول إلى أن الشريعة والتنزيل والتأويل خرافات وقشور وحشو ولا تتعلق بها نجاة ، وأن الناس لا يوجهون وجوههم إلى القبلة لأنها حائط ، وأن المعبود هو الحاكم ) ([220]).

وهذا يدل على أن الأخرم كان من مؤسسي هذه الدعوة ، وكان لسان دعايتها ، ولا ندري تمامًا مرتبته بين الحدود ، لأنه قتل قبل أن يتبلور مركز الحدود ومراتبهم ، ولا ندري ماذا يكون مصيره مع حمزة لو قدر له أن يعيش .

أما الداعية الآخر ، والذي ينسب إليه الدروز فهو : محمد بن إسماعيل الدرزي ( نشتكين ) : في حديثنا فيما سبق عن حمزة بن علي ، ذكرنا أن أول من كشف عن عقائد المذهب الدرزي ، كان محمد بن إسماعيل الدرزي سنة 407 هـ ، مما اضطر حمزة إلى الإِعلان والكشف عن دعوته لتأليه الحاكم سنة 408 هـ .

والدرزي على الأرجح من أصل تركي ، ويذكر المؤرخون أنه وفد على مصر سنة 407 هـ ، فخدم الحاكم وتقرب إليه ، ولكن الذي يرجحه الدكتور محمد كامل حسين : أن الدرزي كان قبل هذا التاريخ في مصر واتصل بحمزة بن علي مدة طويلة قبل إظهار الدعوة ، وعملاً معًا في رسم خططها ) ([221]).

ويصرح حمزة في ( رسالة الغاية والنصيحة ) : بأن الدرزي كان يضرب الدنانير والدراهم ، وهذا مما يؤكد أن الدرزي كان قريبًا من حمزة والحاكم .

ولاشك أن الدرزي كان من أقوى رسل حمزة وأشدهم عزمًا وجرأة ، وكان يسير على طريقة حمزة في الدعوة ، ( ومن الغريب أن حمزة في إحدى رسائله يتهم الدرزي بأنه لا يقر إلا بإنسانية الحاكم بأمر الله ، دون ألوهيته ، مستندًا في هذا إلى أن الدرزي يقول : أن روح آدم انتقلت إلى علي بن أبي طالب ، ثم انتقلت روح علي إلى الحاكم ، وعلي هو الأساس ، والأساس هو مجرد إمام ، وليس إلهًا ) ([222]).

أما عن مصير الدرزي بعد أن كشف عن هذا المذهب ، فيختلف المؤرخون في ذلك ، فمنهم من يقول بقتله في ذلك الوقت على يد الأتراك .

ومنهم من يرجح أنه لم يقتل في هذا الظرف ، ولكنه اختفى في القصر أيامًا بحماية الحاكم حتى هدأت العاصفة وسكن الجند ، ثم دبر الحاكم له سبيل الفرار ، وعانه بالمال ، فسار إلى الشام ونزل ببعض قرى بانياس ([223])وأذاع في الناس دعوته ، فكانت أصل مذهب الدروز الذي سمى باسمه ، وحاول هناك أن ينقلب على حمزة ويدعي الإِمامة والرئاسة له ، فقتل بتحريض من حمزة سنة 411 هـ ، والأرجح أن هذا هو السبب الوحيد والجوهري لغضب حمزة عليه .

ويفهم من رسائل حمزة بأن الدرزي لم يكن وحيدًا ، بل كان معه دعاة آخرون أمثال البرذعي ، وعلي بن أحمد الحبال ، ويذكر ذلك في ( رسالة الغاية والنصيحة ) فيقول : ( وفرعون البرذعي ، وهامان علي بن الحبال ، لأن فرعون كان داعي وقته ، فلما أبطأ الناطق قال : ( أنا ربكم الأعلى ) ([224])يعني إمامكم الأعظم ، وهامان الذي فتح له باب المعصية ) ([225]).

ويقول أيضًا في رسالة ( الصبحة الكائنة ) : ( وما منكم أحد إلا وقد نصحته بحسب الهداية إلى دعوته ، فمنكم من استجاب ، ونكث مثل علي بن أحمد الحبال الذي كان مأذونًا لي ، وعلى يده استجاب نشتكين الدرزي ) ([226]).

ويذكر كذلك في ( رسالة الرضا والتسليم ) : ( وأما البرذعي فأنا أرسلت إليه ودعوته إلى توحيد مولانا جل ذكره ، فلما أرسل إليه الدرزي رسوله ومعه ثلاثة دنانير وأوعده بالمركوب والخلع فمضى إلى عنده وفتح له أبواب البلايا والكفر ، أما أصحابه كلهم فمكتوبة عندي عليهم وثائق بالشهود العادلة لأن لا يراجعوا عما سمعوه مني أبدًا ).

ومن خلال هذه الرسالة يتبين لنا أن حمزة عندما عرض على البرذعي أمر الاستجابة إلى دعوته ، شرط عليه أن يأتيه بتوقيع الحاكم ، ( وهذا يعني أن الحاكم كان يعلم بدعوة حمزة ، وكان على اتصال وثيق به ) ([227]).

وفي ختام حديثنا عن دعاة الدروز ، لابد أن نلم قليلاً باثنين من حدودهم الخمسة وأكابر دعاتهم وهما :

أبو إبراهيم إسماعيل بن حامد التميمي ، صهر حمزة ويليه في مرتبة الحدود ، والذي يلقب بالنفس ، وذومصة ، والمشيئة ، وإدريس زمانه ، وأخنوخ أوانه .

والداعية الثاني هو : بهاء الدين أبو الحسن علي بن أحمد السموقي ، المعروف بالضيف ، وهو الحد الخامس من الحدود ، ومرتبته الجناح الأيسر ، أو التالي .

أما التميمي ، فلاشك أنه من الحدود الكبار – عند الدروز – الذين قام المذهب على أكتافهم ، ( وتؤكد النصوص التاريخية أن حمزة كان يعتمد على صهره وساعده الأيمن الذي ينفذ بدقة ونشاط أصعب المهمات وأشدها خطرًا ) ([228]).

وقد كتب التميمي عدة رسائل من مجموع رسائل الدروز منها : رسالة في تقسيم العلوم ، والزناد ، والشمعة ، والرشد والهداية ، وله أيضًا شعر يمجد فيه الحاكم اسمه ( شعر النفس ) .

ومع ذلك فنحن نعجب لسكوت كتب التاريخ ، ورسائل الدروز عن هذا الداعية بعد غياب حمزة سنة 411 هـ ، إذ لا يوجد لدينا أي شيء عن هذا الداعية بعد هذا التاريخ .

ونأتي بعد ذلك إلى الداعية الآخر بهاء الدين ، والذي كان له أكبر الأثر في انتشار مذهب الدروز وقيامه بعد غياب حمزة سنة 411 هـ ، وذلك لأن مرتبته في الدعوة هي مرتبة الجناح الأيسر أو التالي ، وسنرى في حديثنا عن الحدود في العقيدة الدرزية ، أن من يشغل هذه المرتبة يكون لسان الدعوة ، وله من الحدود : الجد ، والفتح ، والخيال .

وقد استمر بهاء الدين يحمل أعباء الدعوة إلى مذهبه ، فكتب الرسائل إلى الملوك والأمراء يدعوهم إلى الدخول في مذهبه ، كما كتب إلى الذين خرجوا عن المذهب بعد أن كانوا من دعاته أمثال الداعي ( سكين ) ([229])الذي ادعى أنه الإِله المعبود ، وأنه الحاكم بأمر الله .

ومما يذكر أن الكثير من رسائل الدروز ، قد كتبها بهاء الدين ، ومن هذه الرسائل : ( رسالة التنبيه والتأنيب والتوبيخ ) ، ( رسالة التعنيف والتهجين ) ، ( ورسالة القسطنطينية ) ، وغير ذلك من رسائل كثيرة كتبها ، وأغلبها في الرد على الآراء الجديدة التي حاول الخارجون عليه أن يبثوها ، لذلك تحمل أكثر العناوين من رسائله التأنيب والتوبيخ والتعنيف .

ولما شعر بهاء الدين باضطراب الأحوال ، بعد أن كثرت الآراء الدخيلة في المذهب ، أخذ يهدد أتباعه باعتزال الدعوة ، وبالفعل اعتزلها سنة 434 هـ ، بعد أن أقفل باب الاجتهاد حرصا على الأصول والأحكام التي وضعها حمزة ، والتميمي ، وما وضعه هو نفسه ) ([230]).

هؤلاء هم دعاة الدروز ، وعلى أيديهم قام المذهب الجديد ، وسنعرض عند الحديث عن حدود الدروز باقي هؤلاء الدعاة .

ولاشك أن حمزة كان إمامهم وداعيتهم الأكبر ، وكان طموحه كبيرًا وكان بهاء الدين بالفعل متممًا حقيقيًا لما بدأه حمزة ، ولولا بهاء هذا لانقرض هذا المذهب بعد غياب حمزة .

******

(97) انظر دائرة المعارف الإسلامية ج 7 ص 266 – 270 ، التي قسمت حياة الحاكم إلى ثلاثة أدوار . وكذلك انظر ما قسمه الدكتور حسن إبراهيم حسن – في تاريخ الإسلام السياسي والديني ج 3 ص 153 – لحياة الحاكم إلى أربعة أقسام ، الأول من 386 هـ - 390 ، الثاني من 390 – 395 هـ ، والثالث من 396 – 401 هـ ، والرابع من 401 – 411 هـ .

(98) أحد الأوصياء الثلاثة ، الذين عهد إليهم العزيز برعاية الحاكم حتى بلوغه ، وكان خصيا .

(99) وهي المملوكة التي تبقى في الرق ، ويكون لها أولاد من مالكها ، وبعد موته تعتق لوجود ولد لها .

(100) حدث في سنة 451 م انشقاق في الكنيسة القبطية ، على أثر ما وقع في مجمع خلقيدونة الكنسي من الجدل اللاهوتي ، ورفض الأقباط الخضوع لقرارات هذا المؤتمر ، فاعتبرهم الإمبراطور الرومي كفرة ، واختار للأسكندرية بطريقا من قبله عرف أتباعه بالملكية ، وهم الكاثوليك ، وعرف الباقون باليعاقبة .

(101) أو قل التخاذل لأن من سبقه في الدولة العبيدية كانوا متخاذلين حقا ؟! .

(102) محمد عبد الله عنان / الحاكم بأمر الله وأسرار الدعوة الفاطمية ص 41 ، 42 .

(103) محمد عبد الله عنان / الحاكم بأمر الله وأسرار الدعوة الفاطمية ص 45 – 47 .

(104) دائرة المعارف الإسلامية / مجلد 7 ص 267 .

(105) محمد عبد الله عنان / الحاكم بأمر الله وأسرار الدعوة الفاطمية ص 48 – 50 .

(106) أحد وزراء الدولة الفاطمية ، تولى الوزارة لأول مرة بعد وفاة يعقوب بن كلس اليهودي أيام العزيز .

(107) محمد عبد الله عنان / الحاكم بأمر الله وأسرار الدعوة الفاطمية ص 54 .

(108) شراب يتخذ من الشعير ، يعلوه الزبد والفقاعات ، ويشبه ( البيرة ) الوقت الحاضر .

(109) الجمارك .

(110) كذا في مرأة الزمان ، ولا يخفى ما في ذلك من مخالفة للشرع ، فإن النجوم والمطالع لا ينسب إليها فعل أحد ، فقد كان سفاكا للدماء بفعله القبيح ، ونفسه المجرمة . ومن اعتقد في النجوم خلاف ذلك من تأثير على الناس في الحظوظ والسعادة والشقاء فقد كفر بما نزل على محمد صلى الله عليه وسلم .

(111) ابن تعرى بردى / النجوز الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة ج . ص 176 ، 177.

(112) هو الحافظ أبو الطاهر أحمد بن محمد السلفي ، بكسر السين وفتح اللام ، ولد في أصبهان سنة 475 على الأرجح وطلب الرحلة للحديث حتى استقر في الأسكندرية . توفي سنة 576 / انظر أبو الطاهر السلفي / د . حسن عبد الحميد صالح .

(113) النساء : 65 .

(114) الحج : 73 .

(115) ابن خلكان / وفيات الأعيان / مجلد ( 5 ) ص 295 .

(116) السيوطي / حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة ج 1 . ص 601 ، 601.

(117) ابن كثير / البداية والنهاية ج 12 ، ص 9 .

(118) المشاهد : هي القبور التي يبنى عليها ، وتقصد للتبرك ، بل إن كثيرا منها ليس فيه أحد مقبور ، وإنما جعل من قبل أهل الضلال ، ولا يكاد يخلو بلد من مشهد للحسين عند الشيعة ، وللخضر وغيره عند جهال أهل السنة ، طهر الله أرض المسلمين من هذه الأوثان ، ومن جميع مظاهر الشرك .

(119) الحميري / الروض المطار في خبر الأقطار ص 450 .

(120) كريم ثابت / الدروز والثورة السورية ص 17.

(121) محمد عبد الله عنان / الحاكم بأمر الله وأسرار الدعوة الفاطمية ص 59 .

(122) هو الفضل بن جعفر بن الفضل بن الفرات ، كان في أيام الحاكم بأمر الله ، وأمره بالجلوس للوساطة ، فجلس خمسة أيام وقتله سنة 405 هـ .

(123) قائد القواد في أيام الحاكم ولاه القيادة سنة 390 هـ ، فأقام نحو ثلاث سنوات ، ثم هرب خوفا من بطش الحاكم ، حتى استطاع أن يظفر به وقتله سنة 401 هـ .

(124) علي بن أحمد الجرجرائي ، وزير ، وتنقل في الأعمال أيام الحاكم ، حتى قطع يديه سنة 404 هـ ، ثم ولي بعد ذلك ديوان النفقات سنة 406 هـ ولقب سنة 407 هـ نجيب الدولة ، توفي سنة 436 هـ .

(125) من قضاة الديار المصرية ، ولاه الحاكم القضاء سنة 398 هـ ، ثم أضيف إليه النظر في المظالم سنة 401 هـ ، وعلت منزلته عند الحاكم ، واستمر في القضاء حتى 405 هـ حين ضرب الحاكم عنقه .

(126) كان يتولى بيت المال في أوائل ملك الحاكم ، ثم ولاه الوزارة سنة 403 هـ ، وبينما كان مع الحاكم خارج القاهرة ضرب عنقه ودفنه في مكانه ، وكان ذلك سنة 405 هـ .

(127) محمد عبد الله عنان / الحاكم بأمر الله وأسرار الدعوة الفاطمية ص 57 ، 58 .

(128) هو محمد بن عبيد الله المسبحي ، مؤرخ وعالم بالأدب ، ولد بمصر سنة 366 هـ ، اتصل بخدمة الحكم ، وحظي عنده وولاه ديوان الترتيب ، له كتاب كبير في ( تاريخ المغاربة ومصر ) ويعرف بـ ( مختار المسبحي ) وكتب كثيرة أخرى ، توفي سنة 420 هـ .

(129) الشونة : المخزن الكبير ، والسنط : نوع من الخشب يستعمل في البناء ، والحلفا : نبات طويل الورق تصنع منه القفف وينبت بالمستنقعات .

(130) محمد عبد الله عنان / الحاكم بأمر الله وأسرار الدعوة الفاطمية ص 55 .

(131) محمد زاهد الكوثري / من عبر التاريخ ص 9 .

(132) محمد عبد الله عنان / الحاكم بأمر الله وأسرار الدعوة الفاطمية ص 96 .

(133) الذي ألغاه الحاكم هو السماح لهم بجعل هذه الأعياد الخاصة بهم ، أعيادا شعبية يظهرون فيها التحدي للشعور الإسلامي العام من إظهار وشرب للخمر ورفع للصلبان ... إلخ ، والتي كان يسمح بها الحاكم ومن سبقه في الدولة العبيدية.

(134) محمد عبد الله عنان / الحاكم بأمر الله وأسرار الدعوة الفاطمية ص 78 – 71 و ص 92 .

(135) يؤيد هذا ما ذكره الدكتور محمد كامل حسين معتمدا على رسائل الدروز أن بداية ادعاء الحاكم الألوهية كانت سنة 400 هـ.

(136) إننا ونحن ننقل هذه الأشياء التي استنكرت من الحاكم ، لأنها كانت متبعة من قبله وألفها الناس ، من غير نظر لما فيها من مخالفات شرعية أو بدع ما أنزل الله بها من سلطان ، فما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بحاجة إلى كساء يطرح على قبره الشريف . بل نهى صلى الله عليه وسلم عن كل ذلك ، ولو أن الحاكم امتنع عن هذه الأشياء اتباعا للدين وأوامره لمدحت منه ، غير أنه كان يفعلها ليخالف المألوف وينقض المعروف ، بناء على تصورين الأول ما ذكرته من أن هذا ليس اضطرابا بل خطه مقررة والثاني أن هذا اضطراب في عقله وتصرفاته لا يستغرب عنه .

(137) محمد عبد الله عنان / الحاكم بأمر الله وأسرار الدعوة الفاطمية ص 76 ، 78 .

(138) آدم متز / الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري ج 1 ص 132.

(139) الثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جعلها في الأذان الأول في الفجر ، ولم تستعمل في الأذان الثاني أو في الإقامة إلا بعد زمن طويل من وفاته صلى الله عليه وسلم.

(140) محمد عبد الله عنان / الحاكم بأمر الله وأسرار الدعوة الفاطمية ص 66.

(141) إن التصوف لم يكن في يوم من الأيام من شعائر الشيعة ، بل لا يكاد يوجد بينهم متوصف واحد ، ولعل ما يقصده الأستاذ محمد عبد الله عنان ، ما ظهر به الحاكم من لباس مخالف للمألوف وشكل غريب ، وهذا ما يظهر به المتصوفه في مصر وغيرها بثياب مخالفة للمألوف .

(142) وهذا يدلنا على ما يتمسك به ( أجاويد ) طائفة الدروز حتى اليوم ، من لبس الثياب السوداء من القماش المعروف بـ ( كلمنظا ) وهو قماش قطني رخيص متين .

(143) بضم أوله ، وفتح ثانية ، وهو الجبل المشرف على القرافة ( مقبرة الفسطاط والقاهرة ) وهو جبل يمتد من أسوان وبلاد الحبشة على شاطيء النيل الشرقي ، حتى يكون منقطعه طرف القاهرة ، ويسمى في كل موضع باسم وعليه مساجد وصوامع للنصارى ، لكنه لا نبت فيه ولا ماء . انظر ياقوت الحموي في معجم البلدان ج 5 ص 176 .

(144) محمد عبدالله عنان / الحاكم بأمر الله وأسرار الدعوة الفاطمية 62 ، 63 ، 87 ، 111 .

(145) آدم متز / الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري ج 2 ص 168 .

(146) أورد الأستاذ مصطفى غالب الرسالة بأكملها في كتابه الحركات الباطنية في الإسلام من ص 205 : 233.

(147) محمد كامل حسين / طائفة الدروز ص 75 .

(148) أحمد الفوزان / أضواء على العقيدة الدرزية ص 23 .

(149) محمد كامل حسين / طائفة الدروز ص 44 .

(150) رسالة السيرة المستقيمة .

(151) أحمد الفوزان / أضواء على العقيدة الدرزية ص 16 .

(152) محمد كامل حسين / طائفة الدروز ص 75 .

(153) هكذا وردت ، والصحيح ( اثنا عشر ) .

(154) يقصد المسلمين .

(155) يبدأ حمزة بإيراد هذه الآيات من سورة التوبة بشكل محرف وحسب ما يريد ويبغي والآيات الصحيحة هي كما يلي : ( وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر أنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون ، ألا تقاتلون قومًا نكثوا أيمانهم بعد عهدهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدءوكم أول مرة أتخشونهم فالله أحق أن تحشوه أن كنتم مؤمنين . قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قومٍ مؤمنين ) . [ التوبة : 112 – 114 ] .

(156) هكذا وردت والصحيح ( استتمت ) .

(157) رسالة الغاية والنصحية .

(158) رسالة البلاغ والنهاية .

(159) رسالة الصبحة الكائنة .

(160) محمد عبد الله عنان - الحاكم بأمر الله وأسرار الدعوة الفاطمية ص 119 – 120 .

(161) الرسالة الموسومة بالرضا والتسليم .

(162) د. أحمد شلبي – التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية ص 116 – 122 .

(163) سياسي لبناني ، من طائفة الدروز ، تقلد عدة مناصب رفيعة في الدولة اللبنانية ، وألف كتابا عن الدروز أسماه ( مذهب الدروز والتوحيد ) ، حاول فيه أن يبين ويظهر عقيدة طائفته للناس والجهال طائفته ، ولكن الدروز ، وخاصة مشيخة العقل ، هاجموه بشدة ، وأتلفوا كتابه ، حتى طبع مرة ثانية في مصر ، ولكنهم عادوا وحاولوا جمع ما يستطيعون منه وإتلافه ، وأصدروا كتابا للرد عليه اسمه ( أضواء على سلك التوحيد ) للدكتور سامي مكارم ، ولم يكتفوا بذلك ، فاستغلوا أحداث لبنان الأخيرة وقتلوه غيلة عام 1978 م .

(164) د . سامي مكارم / أضواء على مسلك التوحيد ( الدرزية ) ص 72 ، 73 .

(165) أحمد بن محمد بن عبد الله بن أبي العوام السعدي . قاضي مصر وبرقة وصقلية والشام والحرمين ، من فقهاء الحنابلة ، مصري ، ولي القضاء في أيام الحاكم بمصر سنة 405 هـ ، وفي أيامه غاب الحاكم ( أو قتل ) ، توفي سنة 418 هـ ، انظر الأعلام للزركلي ج 1 ص 104 .

(166) د . محمد كامل حسين / طائفة الدروز ص 81 .

(167) د . عبد الرحمن بدوي / مذاهب الإسلاميين ج 2 ص600 .

(168) والملاحظ هنا ، أن حمزة بن علي ، مع طعنه بعثمان بن عفان رضي الله عنه ، فقد طلب من هذا القاضي أن يتشبه في زيه وعلمه بأبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، ولا يخلو نصحه هذا من تبكيت وغمز بعمر وأبي بكر .

(169) ومن هنا يظهر أن حمزة بن علي فرق بين ( جماعته ) من جهة ، وبين السنة والشيعة من جهة أخرى ، وذلك من منعه للقاضي أن يقضي بين الموحدين .

(170) الرسالة المنفذة إلى القاضي أحمد بن العوام .

(171) هكذا وردت في المخطوط ، ولعله يقصد ( من ) .

(172) ويبدو أنه يشير إلى ثورة الناس على أتباعه ، وقتلهم لهم ، والنجاء الباقي إلى الحاكم .

(173) رسالة البلاغ والنهاية في التوحيد.

(174) د . محمد كامل حسين / طائفة الدروز ص 44 .

(175) د . عبد الرحمن بدوي / مذاهب الإسلاميين ج 2 ص 757.

(176) يشير إلى الآية الكريمة ( حكمة بالغة فما تغن النذر ) سورة القمر آية 5 .

(177) والملاحظ هنا كيفية إيراده لنسب جعفر ، ونسبة على إلى جده عبد مناف ، وسنلاحظ أن جميع رسائله يذكر نسب على رضي الله عنه بهذا الشكل ؟! .

(178) يطلق حمزة غالب على الأنبياء هذا الاسم ؟! .

(179) سورة لقمان آية 17 ، 18 ، وقد أنقص من الآية الأولى بعد ( انه عن المنكر ) ( واصبر على ما أصابك ) وزاد ( وآت الزكاة ).

(180) الإسراء : 37 .

(181) سورة لقمان آية 19 ، غير أن كلامه هنا يخالف نص القرآن الكريم في سورة لقمان بقوله تعالى : { يا بني أقم الصلاة ، وأمر بالمعروف ، وأنه عن المنكر واصبر على ما أصابك أن ذلك من عزم الأمور ، ولا تصعر خدك للناس ، ولا تمش في الأرض مرحا ، إن الله لا يحب كل مختال فخور ، واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير } . سورة لقمان ، آيات 17 ، 18 ، 19 .

(182) إن لفظ العامة عند إطلاقه عند عموم الشيعة يقصد به أهل السنة ، ويقابله عندهم عن أنفسهم لفظ الخاصة .

(183) حرفت الآية الكريمة والأصل ( واقصد في مشيك ) .

(184) يعني محمد صلى الله عليه وسلم .

(185) الناس : 1 .

(186) هو المقداد بن عمرو ، ويعرف بابن الأسود ، صحابي ، من الأبطال ، وهو أحد السبعة الذين كانوا أول من أظهر الإسلام وهو أول من قاتل على فرس في سبيل الله ، شهد بدرا وغيرها ، وسكن المدينة وتوفي فيها سنة 33 هـ .

(187) الناس آيات 2 – 4 .

(188) الناس آية 5.

(189) يعني علي بن أبي طالب رضي الله عنه .

(190) يس آية 82 ، وقد أسقطت من الآية كلمة ( ملكوت ) قبل ( كل شيء ) .

(191) الإنسان 30 ، سورة التكوير آية 29 .

(192) مكان في الجهة الغربيه للقاهرة ، وكانت بساتين يحدها من الغرب النيل ، وفيه جامع المقس ، واسم المقس يطلق على المكس ، والمقسم ، وأم دنين أيضا ، وهي واقعة على شاطيء النيل .

(193) بستان برجوان ، ويقصد برجوان الصقلبي الخادم ، وحامل المظلة للحاكم ، وقد قتله الحاكم وكان له بستان يعرف ببستان برجوان .

(194) يقصد دار الصناعة .

(195) وهي التفل الذي يتخلف عن المواد التي تعصر مثل السمسم والقمح وبذر القطن ، وما شابه ذلك ، وتقدم علفا للبهائم ، وقد جرى الآن تجفيفها بطرق صناعية ، وأصلها فارسية ( كشب ) ، قال في لسان العرب هي عصارة الدهن ، غير أن المعروف الآن ما ذكر أولاً .

(196) مسجد قرب القاهرة بجانب منطقة ( المطرية ) ، وينسب إلى تبر الأخشيدي ، الذي ثار على كافور الأخشيدي ، ودفن في هذا المسجد .

(197) الراجح أن نسبة هذا المسجد إلى ريدان ، الوزير الذي ولاه الحاكم الوزارة .

(198) القمر : 6.

(199) التوبة : 12.

(200) وجدت على هامش إحدى المخطوطات بخط الأستاذ زهير الشاويش – في مكتبته الخاصة – ( أن كتابة الدروز الكلمة التصديق بالسين بدلا من الصاد في كل كتبهم مرتبط عندهم بحساب ( الجمل ) المستعمل عندهم وعند بعض المتصوفة لأغراض لا مجال لذكرها .

(201) يلاحظ هنا أنه نسب عليا إلى جده .

(202) يس : 12 .

(203) كان حمزة يسكن في هذا المسجد .

(204) يقصد الآية الكريمة ( سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا ) سورة الأسراء آية 17 .

(205) سورة البقرة آية 255 ( وهي آية الكرسي ) ، وقد أسقطت كلمة ( عنده ) في قوله تعالى ( من ذا الذي يشفع عنده ).

(206) منار يبنى للمسافر في أنشاز الأرض وأشراقها ، وقيل للأعلام المبنية في طريق مكة أميال لأنها بنيت على مقادير مدى البصر من الميل إلى الميل ، وكل ثلاثة أميال منها فرسخ . انظر لسان العرب ج 11 ص 639 .

(207) هذا التعبير يستعمله الشيعة ، ويقصدون به ذكر أهل السنة ، وقد تبعهم على ذلك من غير وعي بعض الكتاب في القديم والحديث .

(208) سورة القمر آية 5 .

(209) يقصد جامع راشدة ، وهو الذي بناه الحاكم ، على القرب من ( الرصد ) ، وكان قبل ذلك جانب المكان الذي بني عليه جامع راشدة ، جامع بهذا الاسم ، ولما بني هذا الجامع سمي بهذا الاسم ، وهو نسبة إلى قبيلة عربية اسمها ( راشدة ).

(210) وهي مقبرة القاهرة ، وتسمى بهذا الاسم .

(211) مريم : 71 .

(212) يشير إلى الآية الكريمة ( ثم ننجي الذين اتقوا ، ونذر الظالمين فيها جثيا ) ، سورة مريم 72 .

(213) سورة الحج آية 11 ، وقد أسقط كلمة ( هو ) بعد كلمة ( ذلك ) .

(214) يقول الأستاذ زهير الشاويش عن هذا : ( أنه من الأعمال التي مازالت حتى اليوم في مصر ويسمى ( الضرب بالشوم ) ويشبه إلى حد ما ، ما يسمى في الشام بلعب ( الحكم ) .

(215) كتاب فيه حقائق ما يظهر قدام مولانا جل ذكره من الهزل .

(216) ابن كثير : البداية والنهاية مجلد 6 ، ج 12 ، ص 10 .

(217) د . عبد الرحمن بدوي : مذاهب الاسلاميين مجلد 2 . ص 609.

(218) ابن تغرى بردي : النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة . ج 4 . ص 186 .

(219) ابن الجوزي : المنتظم في تاريخ الملوك والأمم . ج 7 . ص 298 ، 299 .

(220) ابن كثير : البداية والنهاية مجلد 6 ، ج 22 ، ص 10 .

(221) قرية من أعمال مصر ، بينها وبين الفسطاط نحو فرسخين ، مشرفة على النيل ، وكان أول من اختطها عبد العزيز بن مروان لما ولي مصر . انظر معجم البلدان ، ج 2 ، ص 293 .

(222) الظاهر أن المقصود هو الدير الذي في أعلى الجبل ، وهو مطل على الصحراء والنيل واسمه دير القصير ( المكان المعروف قرب حلوان ) .

(223) ابن الأثير / الكامل في التاريخ مجلد 9 ص 314 .

(224) المقريزي : الخطط المقريزية ، ج 3 ص 253 .

(225) المقريزي : الخطط المقريزية . ج 3 ، ص 253.

(226) نسخة السجل الذي وجد معلقا على المشاهد في غيبة مولانا الإمام الحاكم .

(227) د . عبد الرحمن بدوي : الإسلاميين ، ج 2 ، ص 620 ، 621 .

(228) د . عبد الرحمن بدوي : مذاهب الإِسلاميين مجلد 2 ، ص 623 .

(229) ستأتي ترجمته عند حديثنا عن أشهر دعاة الدروز في الفصل القادم.

(230) رسالة الغيبة .

(231) وهو القسم الثاني من الدروز ، حيث ينقسمون إلى عقال وجهال ، والعقال بيدهم كل أسرار المذهب الدرزي ، والجهال لا يعرفون شيئا من هذا .

(232) محمد عبد الله عنان : الحاكم بأمر الله وأسرار الدعوة الفاطمية ، نقلا عن مخطوط بدار الكتب المصرية عن طوائف لبنان تحت رقم 16 ( ص 147 ، 148 ) .

(233) كمال جنبلاط / هذه وصيتي ص 50 .

(234) أحد دعاة الدروز ، والذي أصدر بهاء الدين كتابا بتقليده ، ثم انقلب بعد ذلك عليه ، حيث ادعى أنه الحاكم بأمر الله وذلك بعد مقتل الحاكم بمدة طويلة ، وهذا بسبب الشبه الظاهري بينهما ، مما جعل بهاء الدين يتبرأ منه ويذمه .

(235) محمد كامل حسين : طائفة الدروز ، ص 83 ، 84 .

(236) سليم أبو إسماعيل : الدروز – وجودهم ومذهبهم وتوطنهم ، ص 41 – 45 .

(237) كمال جنبلاط / هذه وصيتي ص 54 .

(238) يقول الأستاذ زهير الشاويش عن التنوخي : ( هو المعروف عندهم بالسيد ، وقبره ظاهر في بلدة ( عبية ) ، في جنوب عالية وسوق الغرب في جبل لبنان ) .

(239) يلاحظ هنا أنه ترك ما قبلها من مولد الحاكم سنة 375 هـ إلى سنة 400 هـ ، فلم يعتبر إلا وقت ظهور ألوهيته ؟! .

(240) وهذا يوضح أن الاسلام قناع يتخذونه للتستر عما يعتقدون ، وصلاة الجنازة بموجب ذلك .

(241) علق الأستاذ زهير الشاويش على صلاة الجنازة عند الدروز بما يلي : ( ومن المشاهد حتى اليوم ، أنهم يقرأون الفاتحة في صلاة الجنازة ، وتكون هذه القراءة من مجموعة من مشايخهم ، ويقفون حول الصندوق الذي فيه الميت ، أما في ( الخلوة ) أو في ( الساحة ) قبل المقبرة . وينقسمون إلى أربع مجموعات يحيطون بالميت ، ويتولى أكبر الموجودين رتبة الإشارة إلى إحدى المجموعات ، فيقرأون فاتحة الكتاب بصوت مرتفع ونغمة تختلف عن المعروف من تجويد القرآن ، فإذا انتهت هذه المجموعة أشار إلى مجموعة أخرى وهكذا دواليك . ويلاحظ أن هذه المجموعات يرأسها شخص يلبس عباءة ذات خطوات ملونة ، وأما رأس الجميع فتخالف ألوان عباءته عباءة الآخرين ، وأما من كان في رتبة ( جويد ) فيقتصر على الثياب السوداء العادية ، وهي قميص قصير وسروال يرتفع عن الكعبين ، ونعل يكون غالبا من الأنواع المتينة الرخيصة فضفاض ، وأما العباءة التي يلبسها الأجاويد والمتقدمون فهي بلا أكمام ، وقد يربطها بحزام ولا تصل إلى ركبته ، وهي ما يسمونها ( البشت ) . كما يلاحظ الناظر إلى إلزامهم جميع الأطفال والمراهقين بغطاء الرأس – ولو بالطواقي – وأما الكبار فيلبسون العمائم البيضاء على الطرابيش الحمراء .

(242) وهذا الكلام مبني على أن هذا ( الأحد ) ، لم يكن من أهل الدعوة في السابق ، أو من أهلها في التناسخ ؟ .

(243) تكن واضحة في الأصل ، فقد تقرأ ( المتأولة ) بهمزة على الألف ، وهذا ينطبق على الإسماعيلية . وقد تقرأ (التأولة ) بلا همزة على الألف ، وهذا تعبير مستعمل ويقصد به الشيعة الإثنى عشرية .

(244) كما أسلفنا . فإن عقال الدروز للآن يلبسون هذا اللباس الأسود.

(245) رسالة ( في معرفة سر ديانة الدروز ) مخطوط في جامعة ييل .

(246) اطلعت على هذا المصحف في المكتبة الخاصة لأحد الأشخاص ، وقد طبع منه عدد قليل جدا ، وبشكل سري قبل بضع سنوات ، وهو مكتوب بخط جميل .

(247) أحد زعماء الدروز المرموقين ، وهو من السياسيين اللبنانيين المخضرمين ، وكان كثير التعمق في الديانات الهندية القديمة ، لذلك كثرت سفراته إلى هناك . وقد قتل بعد أحداث لبنان الأخيرة في سنة 1397 هـ الموافق 1977 م . .

(248) مصحف الدروز – عرف الأمر والتقديم – ص 10 ، 11.

(249) مصحف الدروز – ص 1 .

(250) مصحف الدروز : عرف شمس المغيب – ص 230 .

(251) يقصد الحدود الخمسة ، والذي سيأتي ذكرهم بالتفصيل في فصل أشهر الدعاة الدروز .

(252) الظاهر أن المقصود بهؤلاء هم العقال الذين يسكنون الخلوات .

(253) يلاحظ هنا كيفية تحور الآية إلى ما يرمون إليه ، والآية الكريمة المشار إليها هي : ( وإذا استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر . فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم . كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين ) سورة البقرة : آية 60 .

(254) المقصود بمولانا هنا هو ( الحاكم بأمر الله ).

(255) مصحف الدروز : عرف الفتح – ص 1 – 5 .

(256) كمال جنبلاط / هذه وصيتي ص 50 .

(257) لقد كنا أوردنا تعليقات حول بعض السخافات التي قالها الأقدمون من هذه النحلة ، وقد يكون قولهم مبنيا بقصد التعمية والتشويش أو الاعتقاد . ولكن مثل هذا القول من رجل مشهود له بالثقافة والاطلاع ، وفي هذا العصر ، أفلا يعتبر ضحكا على الناس واستهزاء بعقولهم وبالتاريخ ؟ وإلا فمن أين علم بوجودهم بهذا التاريخ وهو من الأمور التي يأت بها وحي منزل ، ولم يسندها تارخ مكتشف . وكم كان يسرنا لو ذكر عدد الشهور والأيام والساعات ، ولو تفضل أيضا بذكر الدقائق والثواني لتحقق الموضوع تحقيقا كاملا ؟! والظاهر أن الأستاذ جنبلاط قد اعتمد في تقديره هذا على ما جاء في رسالة ( الأسرار ومجالس الرحمة والأولياء ) أن ( الأدوار السابقة سبعون دورا وبين كل دور وآخر سبعون أسبوعا ، وكل أسبوع سبعون سنة ، وكل سنة ألف سنة ، وهذا الاعتماد لا تقوم به حجة ، بل هو مضحك للغاية ؟ انظر ص 140 .

(258) في هذا الأمر يغالط كمال جنبلاط ، ويموه في الجواب ، لأنه في الحقيقة – وكما سيرد في الفصول القادمة – فإنهم لا يحترمون الرسول صلى الله عليه وسلم بل يسمونه إبليس اللعين . وأن الذي كان يمده بالقرآن هو سلمان الفارسي .

(259) يقصد الظهورات التي ظهر فيها المعبود بالصورة الناسوتية .

(260) هو طيفور بن عيسى البسطامي ، أبو يزيد ، ويقال بايزيد ، ونسبته إلى بسطام ( بلدة بين خراسان والعراق ) ، وكان ابن عربي يسميه أبا يزيد الأكبر ، وكان يقول بوحدة الوجود ، وأول من قال بمذهب الفناء ، ولد سنة 188هـ وتوفي سنة 261 هـ . انظر الأعلام للزركلي . ج 3 ، ص 339 .

(261) هو عمار بن ياسر بن عامر الكناني المذحجي العنسي القحطاني ، صحابي ، وهو أحد السابقين إلى الإسلام والجهر به ، هاجر إلى المدينة ، وشهد بدرا وأحدا والخندق وبيعة الرضوان ، وهو ممن بنوا مسجد قباء ، وولاه عمر الكوفة ، وشهد وقعة الجمل ووقعة صفين مع علي ، وقد قتل في صفين سنة 37 هـ وعمره ثلاث وتسعون سنة . انظر الأعلام للزركلي ج 5 ، ص 192 .

(262) جندب بن جنادة من بني غفار ، من كنانة بن خزيمة ، صحابي وهو خامس من أسلم ، هاجر بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى بادية الشام . انظر الأعلام للزركلي . ج 2 ، ص 137 .

(263) بشير بن قاسم بن عمر الشهابي ، ولد في قرية غزير سنة 1173 هـ ، وقد ولاه أحمد باشا الجزار والي عكا إمارة لبنان سنة 1203 هـ فكانت له حوادث كثيرة وعزل مرات وأعيد ، حتى نفي إلى مالطا ، ثم إلى الأستانة حتى مات سنة 1266 هـ . ومن المعلوم أن الأمير بشير انحدر من أصلاب مسلمة ، ثم قيل إنه قد تنصر ، والآن يأتي جنبلاط ويقول أنه دخل في الدرزية ، وهذا الكلام الأخير محل شك أن لم تؤيده البراهين ، لأننا نعلم يقينا أن هذا الباب ( الدخول ) قد أغلق منذ زمن بعيد .

(264) د . مصطفى الشكعة : إسلام بلا مذاهب . ص 288 – 291 .

(265) د . مصطفى الشكعة : إسلام بلا مذاهب . ص 292 – 293 .

(266) انظر تفصيل ذلك في كتاب تاريخ الموحدين الدروز / د . عباس أبو صالح و د . سليمان مكارم ص 112 .

(267) انظر تفصيل ذلك أيضا في المصدر السابق ص 113 ، 114 .

(268) المصدر السابق ص 133 – 136 .

(269) المصدر السابق ص 142 – 143 .

(270) كمال جنلاط / هذه وصيتي ص 40 .

(271) عباس أبو صالح وسامي مكارم / تاريخ الموحدين الدروز ص 245 ، 246.

(272) محمد عبد العزيز عوض / الإدارة العثمانية في ولاية سورية ص 193 ، 291 ، 292 .

(273) المصدر السابق ص 293 .

(274) د . وجيه كوثراني / بلاد الشام – السكان والاقتصاد والسياسة الفرنسية ص 93 .

(275) كمال جنبلاط / هذه وصيتي ص 56 ، 57.

(276) عبد الله النجار : مذهب الدروز والتوحيد . ص 123 .

(277) أحمد الفوزان : أضواء على العقيدة الدرزية . ص 28 .

(278) خير الدين الزركلي : الأعلام . ج . ص 310 – ومحمد عبد الله عنان : الحاكم بأمر الله وأسرار الدعوة الفاطمية ، ص 113 – وأحمد عطية : القاموس الإسلامي ، ج 2 ، ص 156 .

(279) محمد كامل حسين : طائفة الدروز . ص 76.

(280) المصدر السابق ، ص 76 .

(281) عبد الله النجار : مذهب الدروز والتوحيد ، ص 123 – 124 .

(282) هو المقنع الخراساني الحاولي ، الذي اتخذ لنفسه وجها من الذهب ، فلم ينزعه قط ، لئلا يطلع الناس على وجهه المشوه ، وكان يدعي أن الله تعالى قد حل في نفسه بالانتقال والمناسخة .

(283) بول هنري بوردو : أميرة بابلية لدى الدروز : ص 26 – 28 .

(284) رسالة الغاية والنصحية : حمزة بن علي .

(285) خير الدين الزركلي : ج 8 . ص 2464 .

(286) عبد الله النجار : مذهب الدروز والتوحيد . ص 115.

(287) المصدر السابق : ص 124 .

(288) مصطفى غالب : الحركات الباطنية في الإسلام ، ص 249 .

(289) محمد كامل حسين : طائفة الدروز ، ص 77 .

(290) سعيد الصغير : بنو معروف ( الدروز ) ، ص 236 .

(291) المصدر السابق ، ص 236 ( بتصرف ) .

(292) رسالة الغاية والنصحية .

(293) خير الدين الزركلي : الأعلام . ج 2 ، ص 310 .

(294) عبد الله النجار : مذهب الدروز والتوحيد ، ص 125 .

(295) المصدر السابق : ص 120 – 126 .

(296) أحمد عطية : القاموس الإسلامي ، ج 2 ، ص 156 .

(297) د . مصطفى الشكعة : إسلام بلا مذاهب ، ص 273 .

(298) رسالة البلاغ والنهاية في التوحيد .

(299) يقصد الإله المعبود ( الحاكم ) ، فالإله في نظره منزه عن كل الصفات المذكورة في القرآن الكريم – لأنها جميعها تقع على العقل وهو ( حمزة ).

(300) الرسالة الموسومة بسبب الأسباب .

(301) الرسالة الموسومة بسبب الأسباب .

(302) هكذا وردت في المخطوط ولعل الصحيح ( ومراد ) .

(303) رسالة المواجهة .

(304) كتاب النقط والدوائر ، 9 – 12 .

(305) د . سامي مكارم : أضواء على مسلك التوحيد ، ص 20 .

(306) المصدر السابق ، ص 81 .

(307) مخطوط في جامعة شيكاغو رقم 3737 : أخذت عن نسخة الجامعة الأردنية شريط رقم 29 .

(308) مخطوط في جامعة شيكاغو رقم 3737 : أخذت عن نسخة الجامعة الأردنية شريط رقم 29 .

(309) عبد الله النجار : مذهب الدروز والتوحيد . ص 123 .

(310) نسبة إلى فراغان ، بالفتح . مدينة واسعة بما وراء النهر متاخمة لبلاد التركستان . بينها وبين سمرقند خمسون فرسخا . انظر ياقوت الحموي في معجم البلدان ، ج 4 ، ص 253 .

(311) ابن العماد : شذرات الذهب ، ج 3 ، ص 194 .

(312) محمد عبد الله عنان : الحاكم بأمر الله وأسرار الدعوة الفاطمية ، ص 115 .

(313) محمد كامل حسين : طائفة الدروز ، ص 78 .

(314) محمد عبد الله عنان : الحاكم بأمر الله وأسرار الدعوة الفاطمية ، ص 115 .

(315) سورة الدهر : آية 18 .

(316) محمد كامل حسين : طائفة الدروز ، ص 79.

(317) محمد كامل حسين : طائفة الدروز ، ص 79.

(318) د. عبد الرحمن بدوي : مذاهب الإسلاميين ،ج ، ص 595.

(319) هما بلدان على الساحل السوري ، وعند القنيطرة .

(320) يشير إلى الآية الكريمة ( فحشر فنادى ، فقال أنا ربكم الأعلى ) سورة النازعات : آية 24 .

(321) رسالة الغاية والنصيحة .

(322) رسالة الصبحة الكائنة.

(323) مصطفى غالب : الحركات الباطنية في الإسلام ، ص 243 .

(324) مصطفى غالب : الحركات الباطنية في الإسلام ، ص251.

(325) أحد دعاة الدروز الأوائل ، وكان يشبه الحاكم في بعض ملامحه ، فلما قتل الحاكم ادعى أنه الحاكم ، فاجتمع حوله بعض المفتونين ، واستطاع أن يدخل القصر على أنه الحاكم ، ولكن لم يلبث أن عرف الحراس حقيقته فقتل ، ويعتبره الدروز مارقا وخارجا عن مذهبهم.

(326) مصطفى غالب : الحركات الباطنية في الإسلام ، ص 252.