العرب الدروز وظاهرة الخدمة في الجيش - الإسرائيلي: ذات صباح في البقيعة!

مجموعة صغيرة من سياح متقدمين في السن يعتمرون قبعات كبرى واحذية رياضية يتفرجون على امرأة درزية ترمي العجين المرقوق على الطابون بمنتهى المهارة. بعد قليل سيأكلون من اللبنة الفاخرة بزيت الزيتون والزيتون تحت شجرة الارز المرفوعة على علم لبنان في مدخل المطعم. عبر الشارع يلوح فوق بناية المجلس المحلي علمان، احدهما أزرق وأبيض، والثاني بعدة ألوان، وهو العلم الدّرزي.

لا يتعرضون للانتقاء

"إسرائيل تسعى إلى جعل الدّروز قومية"، هذا ما يقوله سامي مهنا، "الا ان الدّروز هم طائفة، وهي طائفة تتبع للقومية العربية". سامي مهنا هو عضو في حركة الدّروز الأحرار وهي حركة قومية جديدة تهدف بصورة مركزية إلى الغاء الخدمة الإلزامية المفروضة على أبناء الطائفة الدّرزية. في بيت مهنا الذي يعمل وكيلا للتأمين ويعتبر شاعرا صالون مزخرف ومزدان بصور كبيرة ومبروزة لوليد جنبلاط. الصور التقطت خلال اجتماع اقيم في الاردن بين جنبلاط والدّروز الأحرار. ويقول مهنا "لقد كان اجتماعا مهما جدا بالنسبة للحركة، حيث اعطانا مركزا هاما ووضعنا تحت الاضواء واعطانا امكانية بدء العمل مع السكان". حسب الاستطلاعات التي اجراها اعضاء هذه الحركة يتبين انه يوجد في البقيعة لوحدها اليوم اكثر من 60 شخصا يرفضون الخدمة العسكريـّة وتتراوح اعمار هؤلاء بين 18 – 25 سنة ويقول مهنا انه "حسب المعطيات المتوفرة بين ايدينا، هناك 40 شابا درزيا يتواجدون في السّجن بسبب رفض الخدمة العسكريـّة. ولدينا قائمة بالاسماء".

ويضيف سامي مهنا "الدّروز هم عرب، انا عربي وشاعر أكتب باللغة العربية واحلم باللغة العربية، وإسرائيل اخترعت المصطلح المسمى قومية درزية. هذا الامر لا وجود له. ليست هناك قهوة درزية وقهوة عربية، لا توجد كوفية درزية واخرى عربية، فاللغة والثقافة والحضارة والتاريخ والزي – كل ذلك عربي، وفجأة يحضرون مؤامرة تم اعدادها جيدا ويجعلوننا طائفة منبوذة، ومنغلقة على نفسها وتقنع ابناءنا اننا لا ننتمي للعرب. وكل ذلك لاي سبب؟ لان بعض قادة ووجهاء الطائفة الدّرزية كانت تربطهم علاقات خلال سنوات الخمسين مع بعض الصهاينة الاوائل. عندما اقيمت الدّولة كان هناك 14 الف درزي وكان معظمهم اميين ولم يفهموا بتاتا ماذا يعني مصطلح القومية واخبروهم ان قوميتهم من اليوم وصاعدا ستكون درزية. اما الان فنشأ جيل جديد من الشباب المثقف الذي بدأ يفهم رويدا بان ما فعلته الدّولة في الواقع هو دمار ثقافي، واقتلاع الدّروز من جذورهم وستكون لذلك عواقب وخيمة، والدليل على صحة هذا الكلام هو ان الدّروز هم المجتمع الاكثر تخلفا من الناحية الاقتصادية الاجتماعية في البلاد".

راشد مهنا الذي يستمع إلى اقوال قريبه سامي مهنا يتكلم بتفاؤل أقل عن التغيير القادم. وراشد نفسه رفض الخدمة العسكريـّة لاسباب ايديولوجية ويقول انها ربما تكون فاتحة خير لكن ما زالت الطريق طويلة إلى ان يتم اقناع الشباب الدّرزي بالخطأ الذي يكمن في تأدية الخدمة العسكريـّة. يقول راشد "ربما يكون الوضع في بلدة البقيعة مغايرا. ذلك لان نسبة المثقفين هنا أكثر منها في باقي القرى فقد درست خلال المرحلة الثانوية مع زملاء من قرى كسرى وسميع ويانوح وكانوا يتوقون للخدمة العسكريـّة وكانوا متلهفين على تعليق الرموز والاوسمة المختلفة الخاصة بالوحدات العسكريـّة مثل غولاني او حرس الحدود على اكتافهم. وانا لا ارى عند الالتقاء مع الاشخاص سوى ذلك مما يسبب لدي احباط ولا أشعر باي تغيير حقيقي على ارض الواقع". سامي يتزحزح في مكانه بعصبية عندما يسمع كلام راشد مهنا ويقاطعه بالقول "انت لا تعرف المعطيات ولا تعمل بين الناس كما نفعل نحن في الحركة ولذلك فليس لك الحق بان تحكم على الامور بهذه الصورة. أنا الاحظ ان هناك صحوة ويوجد تغيير".

راشد: "على الرغم من كل ما يتعرض له الدّروز فقلائل هم الذين يعرّفون أنفسهم كعرب وليس كابناء القومية الدّرزية. سامي يتجول مع اطباء ومحامين. أما انا فأتحدث عن عامة الشعب في الشارع، تعال اسمعهم كيف يتحدثون بكراهية عن العرب وكيف يتحدثون بلهفة وتحمس عن الجيش. وهذا يصعقني فعلا". ويعاني راشد من التعامل الذي يبديه باقي السكان العرب تجاه الدّروز. ويقول "انهم يحكمون عليك فورا – فاذا انت درزي، هذا يعني فورا انك كنت في الجيش" وأنا أقول لهم: لا تحكموا علي كدرزي وانما كانسان. واحيانا يتم ذلك من خلال المزاح فيقولون "لا تتعاملوا معه لانه درزي مسلّح" وما إلى ذلك. لكننا نحن الذين تسببنا بذلك، حيث لم نكافح ضد هذه المؤامرة التي القتها الدّولة علينا. ونحن اولا وقبل أي شيء مسؤولون عن الشعور بالانهيار داخل الطائفة". راشد يملك محلا للموسيقى ويسوق الاشرطة والسيديهات، وهو يعتقد ان هناك الكثير من الاسباب التي يجب ان يصحوا ويفتحوا عيونهم عليها. يقول راشد: "هناك الكثير من القصص عن الشباب الدّروز الذين تعرضوا للعنصرية لانهم كانوا يتكلمون اللغة العربية وهذا يجعلهم يفكرون فعلا بهويتهم الحقيقية. هناك احباط في اوساط الشباب لانهم يتعرضون للانتقاد في النوادي والملاهي الليلية والمراقص ولانهم يلقون التعامل السلبي تماما مثل أي شاب عربي بسبب مظهرهم الخارجي. هناك الكثير من هذه الحالات. لكنني ما زلت اقول ان الاغلبية المطلقة تشتم العرب ويوسي بيلين وتصفق وتهتف لاريئيل شارون عندما يعتلي المنصة لالقاء خطاب. أقول لك انني في بعض المرات كنت اجلس مع اصدقاء دروز كانوا يتناقشون اهمية قتل العرب وانهم غير معنيين بالتعايش مع اليهود، فهل فهمت؟ وهناك ايضا تعصب وتطرف. خذ صفي على سبيل المثال. لا يوجد أي شخص يتكلم مثلي. وصحيح ان هناك الكثيرين في الوسط الذي يعتبر الجيش جزءا لا يتجزأ من الحياة التي يجب ان يعيشوها، لكن في الوقت ذلك نجد أيضا من يتلهفون ويتحمسون للخدمة العسكريـّة".

يقوم سامي بمقاطعة راشد مرة اخرى: "التغييرات تحدث على مهل. أنت لا ترى الواقع بصورة صحيحة. جلسنا مع بعض الطائشين فاستخلصت العبر. انظر إلى المعطيات. هذه حقيقة. 30 من رجال الدّين الدّروز ارادوا السفر إلى لبنان للتعزية بموت الزعيم الروحي الدّرزي. متى حصل ذلك؟ المحاضرة امام النساء في بلدة بيت جن شاركت فيها 35 امرأة – امرأة، وليس رجلا – وقد قالت بعض النساء انهن غير مستعدات لارسال ابنائهن إلى الجيش، وهذا يجعلني استخلص العبر. هناك تغيير، وهذه حقيقة". يقول راشد انه محظوظ لانه ترعرع في بيت يشهد وعيا سياسيا كبيرا، فوالده هو الشاعر حسين مهنا الذي رفض الخدمة العسكريـّة هو ايضا. واضطر لمواجهة المقاطعة من قبل الطائفة.

يقول راشد: "الذين رفضوا الخدمة العسكريـّة في السبعينيات والثمانينيات هم الذين عانوا حقا. فقد سجن والدي لفترة طويلة جدا واعتبروه خائنا لانه كان شيوعيا ولانه كان يقرأ صحيفة الاتحاد. ومن كان يتصرف ذات مرة مثل ابي كان يتهم بالكفر. اما اليوم فذلك لا يحدث، و لم يعد رفض الخدمة يعتبر نوعا من الخطيئة، هذا صحيح. وبهذا المفهوم فعلا هناك تغيير. السؤال هو هل يأتي هذا التغيير بسبب الامتيازات والتسهيلات التي تعطيها الدّولة للدروز بعكس الحكم العسكري, أم أن التغيير ورفض الخدمة العسكريـّة ينبعان من اعماقنا فعلا، ولاسباب قومية. هذا ما لا اعرفه".

يقول راشد انه طوال الوقت كان يعرف نفسه على انه عربي وعندما عبأ استمارات مكتب الداخلية للحصول على هوية، سجل "عربي" في خانة القومية، ورغم ذلك اعطوه بطاقة هوية مكتوب فيها "درزي" في بند القومية. ويقول راشد "في بعض الاحيان، مثلا في المحطة المركزية، عندما يوقفني احد رجال الشرطة ويطلب مني بطاقة الهوية اقول له انني درزي فهذا ما يظهر في بطاقتي, ولا ارغب في البدء بالجدال معه. اذا قلت انني عربي فقد اتعرض لاستجواب مطول, واذا قلت انني درزي فلهدف واحد ووحيد وهو توفير الوقت ليس الا".

تحيّـة للقمصان الزرقاء

الوقت الآن بعد الظهر. سيارات كثيرة في طريقها للبيت من العمل إلى بيت جن. من الصعب تجاهل العدد الكبير للمسافرين الذين يلبسون بزة الشرطة او مصلحة السجون او حرس الحدود. وفي مكان غير بعيد عن بيت الجندي المهجور في نابلس مدحت يوسف نجد بيت عائلة نفّـاع. صقر البالغ من العمر 19 عاما يعمل بنشاط وعلى قدم وساق مع اخيه لتبليط البيت الخاص بأخيه البكر. قبل اسبوعين تم اخلاء سبيله من سجن 4، بعدما قضى 84 يوما في السّجن بسبب رفض الخدمة العسكريـّة. يقول نفّـاع "عرفت طوال الوقت انني لا أريد الخدمة العسكريـّة" وفي الصف الحادي عشر بدأوا في ارسال الاوامر الاولى. لم اعبّئ الاستمارات ولم اتوجه إلى الفحوصات في مكتب التّجنيد في حيفا.

وفي الصف الثاني عشر تسلّمت أمراً أحمر ثم أمر توقيف. لم افعل أي شيء، لم افحص، ولم افعل شيئا. سلمت نفسي لمحطة الشرطة في كرميئيل، ذهبت إلى هناك وقلت لهم انني لا أريد ان أؤدي الخدمة العسكريـّة. لست مستعدا لان اكون جزءا لا يتجزأ من الجيش الذي يحتلّ شعبي ويقضي عليه. انا اعتبر نفسي عربيّاً درزياً وعندما ارى ممارسات الجيش في الضفة الغربية وغزة لا أريد ان اكون جزءا من ذلك. في اللجنة التي اجتمعت قبل اعتقالي شارك ضابط. شرحت له انني عربي ولا أريد ان اقاتل ضد العرب. فبدأ يشرح لي ان الدّروز ليسوا عربا، وان إسرائيل يعيش فيها عرب ويهود ودروز، رغم علمي انه يعلم علم اليقين ان الدّروز ليسوا الا عربا".

في الفترة التي قضاها نفّـاع في السّجن العسكري، كان هناك اكثر من خمسين شابا درزيا في السّجن من رافضي الخدمة العسكريـّة، وبعضهم لنفس الأسباب، وهناك آخرون قد تملصوا من الخدمة العسكريـّة وتهربوا منها لاسباب اقتصادية واجتماعية. يقول صقر: "توجد في بيت جن نسبة قليلة من الشبان الذين لا يؤدّون الخدمة العسكريـّة لكن ذلك يزداد تدريجيا. فقد كان هناك خمسة او ستة من طبقتي في المدرسة. لم يخدموا في الجيش، لكنني لا اعرف ماذا كانت الاسباب. ما زالت الاكثرية تخدم في الجيش بلهفة وتحمس، غير أن هذه اللهفة بدأت بالانطفاء. هناك الكثيرون الذين يعولون على الجيش ويعرفون من سنّ مبكرة جدا انهم يريدون ان يؤدّوا الخدمة العسكريـّة ثم ينتسبون للخدمة الدائمة ويكون الجيش مصدر الرزق بالنسبة لهم. لكنهم يرون الان ان كثيرين لا يقبلون للخدمة الدائمة ويرون ان الكثير من الضباط، والبعض منهم رفيعو المستوى، وواحد منهم من اقربائي، يفصلون من الجيش ويعودون إلى القرية بدون أي أمل. فاليوم يفصلون بالجملة مما جعلهم يدركون انه لا يمكن الاعتماد على مهنة عسكريـّة في الجيش.

كيف ينظر اليك الاصدقاء الذين خدموا؟

كالمعتاد، لا توجد أي نظرة اخرى. في المدرسة كان هناك البعض الذين ايدوا الفكرة والبعض الذين حاولوا اقناعي بان اذهب للجيش، وهناك البعض من الذين لم يهمّهم الامر بالمرة. لكن الان لدي اصدقاء يخدمون وعلاقتنا ما زالت مستمرة كما كانت في الماضي. بعض ابناء عمي يخدمون في الجيش. لكن الكثيرين بدأوا يلاحظون شيئا فشيئا ان حياة الذين لم يخدموا في الجيش هي افضل من حياة الذين خدموا في الجيش صاروا يدركون انه يفضل استغلال اجمل ثلاث سنوات في الحياة لامور اخرى، افضل، مثل التعليم. تسلمت يوم الاثنين هذا الاسبوع اعفاء من الخدمة العسكريـّة وها انا اخيرا يمكنني التسجيل للجامعة".

لم تكن لديك حاجة للوقوف في صفّ الجانب القوي وان تكون مثل أي إسرائيلي آخر في الجيش؟

ابدا. وهذا ليس صحيحا بالضرورة، وربما فقط بفترات الخدمة العسكريـّة وحتى هذا غير مؤكد، رغم ان معظم الدّروز يخدمون في الوحدات القتالية، وهناك اقلية فقط يتمهّنون. في الجيش انت جندي درزي، لكن بعد 3 سنوات تعود مرة اخرى لتكون عربياً مثلك مثل أي عربي آخر. الكثيرون يشعرون بذلك فقط بعد اخلاء سبيلهم وهذا بدأ يزيد من الوعي والادراك في صفوف الشبان. جارنا هنا تورّط مع سائق تاكسي لمجرد انه يتكلم بلكنة, ورغم انه يلبس البزة العسكريـّة ومسلح, وهكذا حتى اذا كنت تلبس الزي العسكري فانهم يتعاملون معك كعربي. خلال السنوات الثلاث من الخدمة العسكريـّة يحاولون محو هويتك العربية.

حلمي نافع، الاخ البكر لصقر، هو الآخر لم يؤدّ الخدمة العسكريـّة. وهو يقول: "لقد فعلت ذلك لاعتبارات ومصالح شخصية فقط. لست مثل صقر. لم اقل لهم انني عربي ولا أي شيء آخر، كل ما قلته لهم هو انني لا أريد ان أؤدي الخدمة العسكريـّة لان ذلك لا يناسبني, ويسرني جدا انني فعلت ذلك. انظر إلى اصدقائي، فهم الان بدأوا ينهون الخدمة العسكريـّة، وتقريبا أي واحد منهم لم يقبلوه للخدمة الدائمة ويشعرون بندم فظيع شديد بسبب الخدمة ويحسدونني على انني خلال هذه السنوات الثلاث عملت وربحت المال وسأنهي بناء بيتي وفي الصيف سأتزوج . يشعر اصدقائي بانهم ضيعوا 3 سنوات هدرا وأن هذه السنوات ذهبت سدى. يشعرون بانهم قد ضحكوا عليهم, وحسب رأيي فإن أي درزي يذهب للجيش هو ليس اكثر من مجرد أبله وكبش فداء. قاسم، والد الشابين حلمي وصقر خدم في الجيش كسائق على الحدود مع لبنان. اولاده لا يعرفون ما هي نظرته للجيش. وقد ترك كل واحد منهم يختار ما يحلو له، وهم مقتنعون بانه مسرور حيث اتخذوا القرارات المناسبة لهم. صقر: "لسنا بحاجة للاهل لكي نقرر".

ويكفيني ما رأيته في التلفزيون لاقرر بانني لا أريد ان أكون وسيلة بيد الاحتلال. ومن ناحية النسبة المئوية فقد توفي من بيت جن اكبر عدد من القتلى في حروب إسرائيل. انظر إلى قريتنا فهل تبدو افضل من أي قرية عربية اخرى؟، بالعكس، الوضع هنا اسوأ، فالقرية لا تحصل على أي امتيازات مع انها تدفع الثمن الغالي من ارواح ابنائها في الجيش. القرية تعاني من الفقر والبطالة والازدحام، اذن ما الغاية من تأدية الخدمة العسكريـّة؟ الكثيرون يسألون انفسهم: من اجل ماذا اذهب للجيش؟".

أربع سنوات في السّجن

نجد وفاتح هما نجلا سليمان دغش، رفضا الخدمة، كما فعل والدهما في السبعينات وقد تنازل الجيش لفاتح فلم يعاقبه اما نجد فقد سجن تسعين يوما وهذه تعتبر عقوبات بسيطة بالمقارنة مع السنوات الاربع التي قضاها ابوهما في السّجن العسكري في حينه. سليمان دغش الذي يعمل مديراً لقسم الصحة في مجلس المغار المحلي وعضو في حركة الدّروز الأحرار يبدي تفاؤلا حذرا ازاء رفض الخدمة العسكريـّة ، حيث ما زال يذكر المظاهرات والاحتجاجات التي نظمها الدّروز عام 1956، عندما فرضت عليهم الخدمة الإلزامية في عهد المخاتير إبان فترة الحكم العسكري. وصل 16 ممثلا من جميع القرى التي يوجد فيها دروز. اخذوا مندوبا ليوقع على اتفاق الخدمة الإلزامية. وكانت هذه بمثابة تغطية وكأن الدّروز على استعداد للخدمة العسكريـّة. في تلك الفترة جمعنا 1600 توقيع مقابل 16 توقيعا للمخاتير، وقدمنا هذه التواقيع لوزير الدفاع وانظّمت مظاهرات وتعرّض قادة الرفض في ذلك الحين لضغط شديد حيث تم تهديدهم واعتقالهم وتعرّضوا حتى تهديدات بالقتل. لم يكن الحال في تلك الايام مثل الان، بل كان ذلك تحت الحكم العسكري وهكذا تمكنوا من قمع الاحتجاج. كانت هذه في حينه اقلية ضئيلة ليس لديها أي وجهة نظر ولا تتحلى باي نظرة للمستقبل. نجم كل ذلك عن مصالح شخصية ووعود بان يحصل الدّروز على الاموال والتعيينات في مناصب رفيعة. كان الدّروز في حينه طائفة ضعيفة وغير مثقفة بالمرة مثل باقي ابناء الشعب العربي خصوصا وان طبقة المثقفين في المدن كانت قد هجرت خلال حرب عام 1948.

لا يكتفي دغش بتوجيه النقد للقيادة الدّرزية المذكورة التي ورّطت طائفة بأكملها وانّما ايضا ينتقد سلوك المجتمع العربي والحزب الشيوعي الذي كان فعّالا في ذلك الحين فهو يقول: "كان يمكنهم ان يلعبوا دورا اكثر اهميّة في النضال ضد تجنيد الدّروز. فالمجتمع العربي قد تبنى وللاسف مسألة اتهام الدّروز بالخيانة مما أتاح له ان يحلّ هذه المشكلة بالنسبة له وقد نسي الجميع الدور الذي لعبه الدّروز في نضال عام 1948 وقبل ذلك ضدّ الاستعمار. المنظمة الاولى التي اقيمت عام 1927 كانت اليد الخضراء وهي منظمة درزية تهدف إلى مكافحة الاحتلال البريطاني. وكان الدّروز هم الذين بدأوا هنا في النضال ضد الدّولة العثمانية. كان الدّروز في سوريا ولبنان الطلائعيين في مقارعة الاستعمار والتصدي له. وقد حققت المؤسسة الإسرائيلية من خلال خطّة دبّرت بصورة متقنة محو الجذور الدّرزية والتاريخ الدّرزي. الدّروز هم عرب تعود جذورهم إلى فاطمة من أيّام الرسول محمد عليه الصلاة والسلام. وكانوا قد وصلوا إلى هذه البلاد من شبه الجزيرة العربية. وهناك من يشكّك اليوم باصلهم العربي. الدّروز يتعرضون لغسيل دماغ ايضا بواسطة الجيش، لكن، قبل الجيش من خلال المنهاج التعليمي الخاص بالدّروز في المدارس التي تتولى المسؤولية عن قسم التعليم الدّرزي في وزارة التربية والتعليم".

الاشاعة تقول إن الدّروز يتحالفون دائما مع الأقوى، أي مع النظام الحاكم. صحيح؟

هذه مجرد سخافات. وانا أعرف هذه المقولة. وهي ليست مجرد مغلوطة وانما ايضا عكسية تماما. فالروح الثّورية هي جزء لا يتجزأ من الروح الدّرزية. وكان الدّروز قد عارضوا انظمة الحكم المختلفة على مرّ التاريخ، والدّليل على ذلك هو ما يحدث في كلّ من سوريا ولبنان. هناك جهل مطلق في صفوف العرب، سواء في هذه البلاد او كلّ انحاء العالم بالنسبة للدروز. وهناك مسؤولية جسيمة تقع على عاتق محطات التلفزيون الفضائية مثل الجزيرة والعربية، حيث تفضّل هذه المحطات إجراء مقابلات مع صالح طريف الذي يمثّل الحكومة الإسرائيلية او النائب أيوب القرا. انا لا اعارض ان يجروا مقابلات مع هذين الشخصين، لكن، في الوقت ذاته من النزاهة ان يجروا مقابلات ايضا مع اشخاص يفكرون بشكل آخر مثل سميح القاسم او سعيد نفّاع. انهم يصوروننا باننا خائنون او متعاونون مع الاحتلال الإسرائيلي ولا ادري هل هذا نابع من الحماقة او الكراهية للجمهور العربي في البلاد، فبسبب ذلك ينظر العالم العربي إلى الدّروز على انهم خائنون. هل نحن خائنون لاننا بقينا في بيوتنا؟ وهل كان يفضّل ان نهرب إلى مخيّمات الّلاجئين وان نتعرض للمجازر في مخيّمي صبرا وشاتيلا ؟ في التقرير الذي بثته محطة الجزيرة الفضائية، في كل مرة يذكرون الجندي عمر سواعد كانوا يضيفون اليه كنية "درزي" مع العلم انه بدوي اصلا. في حالة عمر سواعد كانوا يبذلون جهودهم ليقولوا انه درزي، اما المعتقل اللبناني في السجون الإسرائيلية سمير القنطار فلم يبذلوا جهودهم للإشارة بأنه درزي.

يتفق دغش مع الآخرين على ان رفض الخدمة العسكريـّة اليوم اصعب بكثير منه في الستينيات والسبعينيات، حيث كان على الاقل في ذلك الحين جمال عبد الناصر, وكان هناك امل معين يراودهم من ذلك الزعيم ومن القومية العربية. يقول دغش ان الفترة الحالية تتميّز بالفشل والاحباط ولا أمل يرجى من أي زعيم والعالم العربي في أسوأ حال. ويقول البعض "ليذهب العرب إلى الجحيم" ولا يهمني امرهم فأنا لا أريد ان اكون جزءا لا يتجزأ منهم، بل أريد ان أؤدي الخدمة العسكريـّة. الاوضاع من العالم العربي غير مشجعة ولا تبعث على أيّ كبرياء لكن الحالة التي وصل اليها الدّروز تجعل الكثيرين يعيدون تفكيرهم، حيث يلاحظون ان الخدمة العسكريـّة لا تعطي الدّروز أي حقوق اضافية او امتيازات ويدرك الدّروز ان الدّولة تنظر اليهم على انهم عرب وليسوا جزءا من الدّولة، زد على ذلك ان الجميع ينظرون إلى الجيش كمصدر رزق ليس الا.

وفي الواقع فالجيش هو مصدر الرزق الرئيسي بالنسبة للدروز في ايامنا. ومن الصعب اقناع الناس بان يفرّطوا بكسرة الخبز ولقمة العيش ممّا يعني ان المؤسّسة الإسرائيلية تمسكنا من اعناقنا. ومهما كان الاقتصاد الدّرزي ضعيفا فهو متعلق بالدّولة وبالمؤسسات الامنية. ويظن الكثيرون انّهم اذا لم يؤدّوا الخدمة العسكريـّة فلن يقبلوهم للعمل، وكأنهم اذا كانوا سيؤدّون الخدمة العسكريـّة فهذا سيحسن فرصهم للعثور على فرصة عمل، لكن هذا تحول إلى قانون غير مكتوب: "اذا كان معك بروفيل 21 – يعفي من الخدمة العسكرية لدواع نفسيّة - فلن يأخذوك لاي مكان". هذه جملة تتكرر طوال الوقت. "أنا شخصيا اعتقد ان ارغام الانسان على ان يقاتل ابناء شعبه وجلدته يعتبر جريمة. ليس ضد العرب فقط وانّما ضد الدّروز في لبنان وسوريا خصوصا وان العلاقات مع هاتين الدولتين متوترة. المؤامرة الإسرائيلية في تجنيد الدّروز نجحت، لكنّها لم تنجح إلا بصورة جزئيّة ".

حركة (حلف) الدّروز الأحرار

يترأس المحامي سعيد نفّـاع حلف الدّروز الأحرار وجمعيـّة الجذور. يقول نفّـاع "هناك فرق ملموس بين الحلف والجمعيـّة. الحلف هو حركة سياسية، اما الجمعيـّة فهي ثقافية تعمل على تعزيز وترسيخ الجذور الثقافية والتاريخية للدروز". يتم نشاط نفّـاع واصدقائه من خلال العلاقة المباشرة مع الناس. افضل الطرق بالنسبة لهم هي إقامة الندوات البيتية. يقول نفّـاع: "لا يمر شهر دون اقامة خمس او ست ندوات بيتية في كل القرى الدّرزية". يعي نفّـاع بأن الشبان الذين يتهربون من الخدمة العسكريـّة لا يفعلون ذلك لدوافع سياسية وقومية بالضرورة، لكن ذلك لا يزعجه ابدا فالمهم ان لا يؤدّوا الخدمة العسكريـّة. يقول نفّـاع. "الشباب الذين يبدأون بفتح عيونهم على واقع القرى الدّرزية يدركون بان الخدمة العسكريـّة لا تعود عليهم بالنفع وهذا مرحّب به، حيث يرون رؤساء المجالس المحلية الذين يتظاهرون امام الكنيست فيتمّ التعامل معهم بعنف ويعرفون ان الموظفين في 7 من 11 مجلسا محليا درزيا لم يتقاضوا رواتبهم منذ اكثر من عام، ويعرفون ان القمامة لا يتم جمعها في بيت جن بل تتكدس وتتراكم حيال النفايات على جانب الطريق، ويرون المجاري والفقر والبطالة ومصادرة الاراضي والعقوبات بسبب البناء. وعلى الاقل فالوهم في ان الخدمة العسكريـّة تعطي الدّروز حقوقا اكثر من سواهم قد تبدّد لدى شباب اليوم. "ما نطلبه هو إلغاء قانون التّجنيد الاجباري الساري عملاً بالقانون وذلك اولا وقبل كل شيء من ناحية انسانية. ففي كل العالم المتحضّر والمتنوّر لا يفرضون الخدمة العسكريـّة على ابناء شعب مما يضطرهم لمحاربة ابناء شعبهم وجلدتهم. يجب ان تكون الخدمة العسكريـّة على اساس تطوعي كما هو الحال لدى المسيحيّين والسنّة".

هل انت متفائل؟

جدا. اعتقد ان الدّروز يتواجدون اليوم في فترة من التحوّل والتّغيير وقد تمكنّا من الدخول إلى صفوف واوساط المتدينين، وهذا امر بالغ الاهميّة. هؤلاء هم رجالات الدّين الذين اقاموا مجلس الحلف الدّرزي وهدفهم الرئيسي هو تجديد واستئناف العلاقة مع الدّروز في لبنان وسوريا، ولا سيّما في لبنان، حيث تتواجد الاماكن المقدسة للدروز. هناك قوانين تدّعي الدّولة بأنّها تحافظ عليها بخصوص الدّين والدّولة تمكن السنة من الحجج إلى الاماكن المقدسة في الديار الحجازية، على الرغم من انه لا توجد علاقة مع السعودية. وحتى عام 1967 اتاحت للمسيحيين بان يقوموا بزيارة الاردن وكنيستي القيامة والمهد. أمّا الدّروز فهم الوحيدون الذين منعوا من الوصول إلى الأماكن المقدسة ولم بكن ذلك محض صدفة, فعندما توفي اكبر زعيم روحي لدى الدّروز في لبنان منعوا رجالات الدّين من زيارة لبنان ومن المشاركة في العزاء بادّعاء سخيف وهو انّهم مهتمون بسلامتنا. ولم يكن هذا بطبيعة الحال هو السبب الحقيقي، فالسبب الحقيقي هو الخوف من تجديد واستئناف العلاقات مع القيادة الرئيسية في لبنان. لا يشكّل الدّروز هنا الا 5 في المائة من مجمل الدّروز, وتريد الدّولة أن تدقّ الإسفين بينهم وبين الدّروز في لبنان وسوريا ليتاح لها المجال بالتصرف معهم كما يحلو لها. والهدف هو ليس الدّروز هنا فقط، وانما هناك، أي في سوريا ولبنان. فهم يريدون ان يقوموا هناك باتّهام الدّروز بالخيانة بسبب الخدمة العسكريـّة التي يقوم بها الدّروز هنا. وقد توجّه شيوخنا إلى جميع المكاتب والمؤسّسات، وهم يعكفون على هذا الموضوع بهمّة ونشاط ويخطّطون التوجّه إلى محكمة العدل العليا. يعتبر هذا أمراً جديداً ومنطقياً كبيراً للغاية لدى كثيرين من رجالات الدّين.