اللغة العربية - الكفاف - 7

3- تقدُّمُ حرف الجرّ والمضاف عليها، لا ينافي تصديرَها، لأنّ كلاًّ من الجارّ والمجرور معاً، والمضاف والمضاف إليه معاً، كالكلمة الواحدة.

4- [كم]: في العبارة هي المفعول به. و [كتاباً]: تمييز .

(158/2)

[كَمْ] الخبريّة(1)

اسمٌ غامض مبهم، مبنيٌّ على السكون، يُكنى به عن التكثير نحو: [كم مِنْ كتابٍ عندك !!]، و[كم كتابٍ عندك !!] وتفتقر دوماً إلى موضِّح(2) يُزيل إبهامها وغموضها، ولها حُكْمٌ واحد، وأما الموضِّح الذي يُزيل إبهامها وغموضها فله ثلاثةُ أحكام.

¨ أوّلاً: حُكمها:

* لها الصدارة، فلا يتقدَّم عليها إلاّ حرفُ جرٍّ أو مضافٌ، نحو: [إلى كم بلدٍ سافرت !!] و[قراءةَ كم كتابٍ أَتممت !!].

¨ ثانياً: أحكامُ موضِّحها:

* لا يكون إلاّ مجروراً بـ [مِن]، ظاهرةً أو مقدَّرة، سواء أَفَصَلَ فاصلٌ بينهما أم لم يفصل. فظهورُها نحو: [كم مِنْ كتابٍ قرأتُ !!]، وتقديرُها نحو: [كم كتابٍ قرأتُ !!]. (أي: كم من كتاب قرأتُ!!)

* يجوز إفرادُه ويجوز جمعه، نحو: [كم كتابٍ عندك !!] و [كم كتبٍ عندك!!]. وهو واجبُ التنكير في كل حال.

* يجوز حذفُه للعِلمِ به، نحو: [كم ذكرناك وأنت غائب !! = كم مرّةٍ ذكرناك وأنت غائب!!].

* * *

نماذج فصيحة من استعمال [كم] استفهاميةً وخبريّة(3)

· قال القطاميّ (الديوان - ليدن - عام 1902 - صفحة / 6):

كم نالني منهمُ فضلٌ على عدمٍ إذ لا أكاد من الإقتار أَحتملُ

[كم]: في البيت خبرية، تفيد التكثير. أي: كم مرةٍ نالني منهم المعروف!!. و[فضلٌ: فاعلُ نالني]، وأما الموضِّح: [مرةٍ] فمحذوف، وحذفه فاشٍ في التنْزيل العزيز وفي الشعر والنثر. وسيأتيك منه نماذج، عن قريب.

· قال الفرزدق، يهجو جريراً:

كم عَمَّةٍ لكَ يا جريرُ وخالةٍ فَدْعاءَ، قد حلَبَتْ عليَّ عِشاري

(فدعاء: في رسغها اعوجاج من كثرة الحَلْب. العِشار: جمع عُشَراء، وهي الناقة التي مضى على حملها عشرة أشهر. يريد أنّ عمات جرير وخالاته يحلبن نياقَ الشاعر لهوانهنّ).

(159/1)

[كم عمّةٍ لك]: كم، في البيت خبرية، تفيد التكثير. والشاعر يريد أنّ كثيراً منهنّ قد حلبن نياقه. و[عمّة] موضِّح [كم] مجرورٌ بـ [مِنْ] مقدّرة. فـ [كم عمةٍ = كم مِنْ عمةٍ]. وإذا كانت [كم] خبرية، جاز أن يكون موضِّحها مفرداً، أو جمعاً. وهو في البيت مفرد.

ومثله في الإفراد قول الشاعر (شرح الأشموني 2/384):

وكم ليلةٍ قد بِتُّها غيرَ آثِمٍ .........................

[كم ليلةٍ]: كم خبرية، موضِّحُها [ليلةٍ]، مجرور بـ [مِنْ] مقدَّرة: [كم ليلةٍ = كم مِن ليلةٍ]. وقد قلنا آنفاً: إذا كانت [كم] خبرية، جاز أن يكون موضِّحُها مفرداً، أو جمعاً. وهو في البيت مفرد.

· قال الشاعر (شرح الأشموني 2/384):

كم ملوكٍ بادَ مُلْكُهمُ ونعيم سُوْقةٍ بادُوا

(بادَ: هلك. سوقة: جمع سوقيّ، وهم دون الملك).

[كم ملوكٍ]: كم، خبريّة تفيد التكثير، أراد أن كثيراً منهم كذلك. و[ملوكٍ] موضِّح [كم] مجرورٌ بـ [مِنْ] مقدّرة. فـ [كم ملوكٍ = كم مِنْ ملوكٍ]. وإذا كانت [كم] خبرية، جاز أن يكون موضِّحها مفرداً، أو جمعاً. وهو في البيت جمع.

· ]وكم مِنْ مَلَكٍ في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئاً[ (النجم53/26)

[كم مِنْ ملكٍ]: كم، خبريّة تفيد التكثير، و[ملكٍ] موضِّح، [كم] مجرور بـ [مِنْ] ظاهرة. وإذا كانت [كم] خبرية، جاز أن يكون موضِّحها مفرداً، أو جمعاً. وهو في الآية مفرد. ومثل هذا طِبقاً قولُه تعالى: ]وكم مِن قريةٍ أهلكناها[ (الأعراف 7/4) فـ [كم] خبرية، و[قريةٍ] موضِّحها. وهو مفرد مجرور بـ [مِنْ] ظاهرة.

· قال الشاعر (معاهد التنصيص 1/148):

كم عالمٍ لم يَلِجْ بالقَرع بابَ مُنىً وجاهلٍ قبلَ قرع الباب قد وَلَجا

[كم عالمٍ]: كم، في البيت خبرية، تفيد التكثير، أراد أن كثيراً من العلماء كذلك. و[عالمٍ] موضِّح [كم] مجرور بـ [مِنْ] مقدّرة. فـ [كم عالمٍ = كم مِنْ عالمٍ]. ومثل ذلك مبنىً ومعنىً قول الآخَر:

(159/2)

كم عالمٍ عالمٍ أَعْيَتْ مذاهبُهُ وجاهلٍ جاهلٍ تلقاه مرزوقا

· ]كم تركوا مِنْ جَنّاتٍ وعُيون[ (الدخان 44/25)

[كم]: خبرية تفيد التكثير؛ موضِّحها [جنّات] مجرور بـ [مِن] ظاهرة. ويُلاحَظ الفصلُ بينها وبين موضِّحها بجملة هي: [تركوا]، وذلك جائز.

· قال المتنبي (الديوان 4/143):

إلى كم تَرُدّ الرسْلَ عمّا أتَوا بهِ كأنّهمُ فيما وَهَبْتَ مَلامُ

(يريد أن سيف الدولة يردّ رُسُلَ ملك الروم الذين يأتون في طَلَب الهدنة، كما يردّ مَن يلومونه على سخائه وكرمه).

[إلى كم]: الذي نريده من هذا البيت شيئان:

الأول: إيراد نموذج فصيحٍ، فيه إدخال حرف الجرّ على [كم]. وذلك أنّ [كم] لها الصدارة - سواء أكانت استفهاميةً أم خبرية - فلا يتقدّم عليها إلاّ حرف جرٍّ (فتكون في محلّ جرٍّ به)، أو مضافٌ (فتكون في محلّ جرٍّ مضاف إليه).

والثاني: إظهار القارئ على أنّ موضِّح [كم] محذوف، ويأتي ذلك كثيراً في الكلام: شعراً ونثراً. وقد نوّه بذلك مجمع اللغة العربية بالقاهرة، (في دورته /51 لعام 1985) وأوصى بإذاعته في الأمة، وذلك قوله: [لمّا كان جمهرة النحاة لا يُصرّحون بجواز الحذف في كلا الاستعمالين (أي: استعمال كم الاستفهامية والخبرية)، وكانت كتب القواعد التعليمية تُغفل ذلك؛ ترى اللجنة ضرورة النصّ على ذلك تعويلاً على المأثور في الفصيح، وعلى ما ذكره بعض النحاة ...](4).

· ]قال كم لبثتَ قال لبثتُ يوماً أو بعضَ يوم[ (البقرة 2/259)

[كم لبثتَ؟]: [كم] في الآية استفهامية. وفيها شاهد على حذف موضِّح [كم]. إذ لولا الحذف لقيل: [قال كم يوماً لبثتَ؟].

· قال معن بن أوس (مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق60/388):

وكم علّمتُهُ نظْمَ القوافي فلمّا قال قافيةً هجاني

[كم علّمتُه]: [كم] في البيت خبرية تفيد التكثير؛ وقد حُذِف موضِّحُها، ولو لم يُحذَف، وأعان الوزن على ذكره، لقال الشاعر: [كم مرّةٍ علّمته نظم القوافي!!].

(159/3)

· قال جعفر بن عُلْبة الحارثيّ (شرح ديوان الحماسة 1/47):

ولم نَدْرِ إنْ جِضْنا من الموت جَيْضَةً كم العمرُ باقٍ والمدى متطاوِلُ

(جاض عن عدوّه: عَدَلَ وانحرف)

[كم]: هي الاستفهامية، موضِّحها منصوب محذوف، ولو ذُكِر لقيل: [كم يوماً العمرُ باقٍ؟]. و[العمرُ]: مبتدأ، والخبر [باقٍ]: اسم منقوص مرفوع والأصل: [باقي] ثم حُذِفت الياء تخفيفاً.

· قال الجاحظ (البيان والتبيين 3/89):

[انظرْ - أبقاك اللهُ - في كم فنٍّ تصرَّف فيه ذكرُ العصا من أبواب المنافع والمرافق!! وفي كم وجهٍ صرّفته الشعراءُ وضُرِب به المثل!!].

[في كم فنٍّ] ومثله طِبقاً: [في كم وجهٍ]: هاهنا مسألتان:

الأولى: أنّ [كم] لها الصدارة، فلا يتقدّم عليها إلاّ حرف جرّ، أو مضاف. وفي العبارتين تقدّم عليها حرف الجرّ [في].

والثانية: مجيء الموضِّح بعدها مجروراً على المنهاج. وإنما يُجَرّ موضِّحها بـ [مِنْ] ظاهرةً أو مقدّرة. أي: [كم مِنْ فنٍّ وكم من وجهٍ]، وقد جُرّ بها مقدّرةً في الموضعين.

· قال عليّ-كرّم اللهُ وجهه-في ذمّ الدنيا (نهج البلاغة - د. الصالح /165):

[كم من واثقٍ بها قد فَجَعَتْه، وذي طمأنينة إليها قد صرعتْه].

[كم]: خبرية، موضِّحها مجرور بـ [مِن] ظاهرة. ولو حُذِفت [مِنْ] فقيل: [كم واثقٍ بها قد فجعته] لَجاز. وذلك أن موضِّحها يجوز أنْ يُجَرّ بـ [مِنْ] ظاهرة، أو مقدّرة. وقد جُرَّ بها مقدّرةً هاهنا في الموضعين.

· قال مُحَلِّم بن فراس يرثي (البيان والتبيين 2/272):

كم فيهمُ لو تملَّينا حياتَهمُ مِن فارسٍ يومَ رَوْعِ الحيِّ مِقدامِ

[كم من فارسٍ]: [كم]، خبرية يُقصد بها التكثير، وقد جُرَّ موضِّحُها وهو [فارس]، بـ [مِنْ] ظاهرة، على المنهاج.

* * *

1- ذكرنا في حاشية [كم] الاستفهامية، أن إعرابها وإعراب [كم] الخبرية سواء. فمن شاء رجع إلى إعراب [كم] الاستفهامية، في حاشيةِ بحثها.

2- موضِّحها (مميِّزها) في المثالين هو كلمة [كتابٍ] المجرورة.

(159/4)

3- خلطنا نماذج [كم] الاستفهامية والخبرية، ليكون التقابل والتلاقي والتباين، أعون على الجلاء والوضوح.

4- مجلّة مجمع اللغة العربية بدمشق 60/386، 387.

(159/5)

كَذَاْ

تأتي على وجهين:

* الأول: أن تكون مؤلفةً من كلمتين هما: كاف التشبيه، واسم الإشارة: [كذا = ك + ذا] نحو قولك: [كذا أنا فارْضَ أو اغضبْ !!].

* الثاني: أن تكون كلمةً واحدة، فيُكنى بها عن عدد، أو غير عدد، نحو: [اشتريت كذا وكذا كتاباً، من مكتبةٍ تقع بمكان كذا].

أحكام:

¨ إذا كُنِيَ بها عن عدد، افتقرتْ إلى تمييز منصوب، نحو: [اشتريت كذا كتاباً].

¨ تأتي في الكلام معطوفاً عليها، ومكررة، ومفردة، نحو: [اشتريت كذا وكذا كتاباً، ثمنها كذا كذا درهماً، وكذا فلساً].

¨ إذا كانت كلمة واحدة، أُعرِبَت على حسب موقعها من العبارة، فاعلاً أو مفعولاً أو مضافاً إليه إلخ(1) ...

* * *

1- إعرابها في نحو: [سافر كذا صديقاً]: فاعل، وفي نحو: [ودّعت كذا صديقاً]: مفعول به، وفي نحو: [مدرستنا بمكان كذا] مضاف إليه، وهكذا...

(160/1)

كِلاَ وكِلْتَا(1)

اسمان لفظُهما مفرد، ومعناهما مثنّى(2). ولذلك يجوز مراعاة لفظهما أو معناهما، نحو: [كلا الطالبين مجتهدٌ، وكلا الطالبين مجتهدان].

الأحكام:

¨ يعربان على حسب موقعهما من العبارة: فاعلاً أو مفعولاً أو توكيداً(3) إلخ...

¨ يلزمان الإضافة أبداً إلى مثنّىً معرفةٍ، نحو: [نجح كلا الطالبَيْن، فهنّأت كليهما].

¨ إذا أُضيفتا إلى اسمٍ ظاهر، عوملتا معاملة الاسم المقصور، فقُدِّرت الحركات الثلاث على ألفهما، كما تقدَّر على ألف العصا والفتى، نحو: [سافر كلا الرجلين، فودّعت كلا الرجلين، ووثِقت بكلا الرجلين].

وإذا أُضيفتا إلى ضمير، عوملتا معاملة المثنى، فتُرفعان بالألف، وتُنصبان وتُجرّان بالياء، نحو: [عاد كلاهما، فاستقبلت كليهما، وسلّمت على كليهما].

فائدة: الأصل أنّ [كلا] للمذكّر و [كلتا] للمؤنث، ولكن قد تُستعمل [كلاهما] للمؤنث فيقال مثلاً: [نجحت الطالبتان كلاهما]. قال هشام بن معاوية:

يَمُتُّ بقُربى الزينبين كليهما إليكَ وقُربى خالدٍ وحبيبِ

وكان الأصل أن يؤنّث فيقول: [كلتيهما]. ولكنه أوقع المذكّر موقع المؤنث فقال: [كليهما]، وذلك جائز.

* * *

نموذج فصيح يقاس عليه

· ]كِلْتا الجَنَّتَينِ آتَتْ أُكُلَها[ (الكهف 18/33)

[كِلتا]: لفظها مفرد، ودليل ذلك أنها لا تثنى ولا تُجمع. فليس في اللغة [كليان أو كلوان]، ولا [كلتيان] ولا [كلتيات].

ثم هاهنا دليل آخر على أن لفظها مفرد، هو أن خبرها جاء بصيغة المفرد، فقيل: [آتَتْ]؛ ومن المقرر أن المفرد يُخبَر عنه بالمفرد، فلا يصحّ أن يقال مثلاً: [التلميذان قصيرٌ].

ثم لو رُوعِيَ معنى [كلتا] وهو مثنى، لقيل: [آتتا] وهو في العربية جائز غير معيب. لكنْ لمّا لم يُرَد معناها، بل أريد لفظها وهو مفرد، أُتِيَ بالخبر هنا مفرداً.

وتبقى في الآية مسألتان:

(161/1)

الأولى: أنّ [كلا و كلتا] يلزمان الإضافة أبداً إلى مثنى معرفة، وذلك متحقق في الآية، إذ أُضيفت [كِلتا] إلى كلمةِ [الجنّتين] وهي مثنى معرَّف بـ [ألـ].

والثانية: أنّ [كلتا] مبتدأ مرفوع بضمة مقدَّرة على الألف، وذلك أنّ [كلا وكلتا] إذا أُضيفتا إلى اسم عوملتا معاملة الاسم المقصور، فقُدِّرت العلامات الثلاث على ألفهما كما تقدّر على ألف [العصا والفتى] كما جاء في الآية. وأما إذا أُضيفتا إلى ضمير فإنهما تعاملان معاملة المثنى، فتُرفعان بالألف، وتُنصبان وتُجَرّان بالياء.

* * *

1- قد نجتزئ خلال البحث، بالكلام على إحداهما، إيجازاً. إذ هما متساويتان في كل حُكْم، ماعدا أنّ [كِلا] للمذكّر، و [كِلتا] للمؤنث.

2- اعتدّوا لفظهما مفرداً، لأنّه لا يثنى ولا يُجمَع. فليس في اللغة مثلاً: [كِليان] أو [كِلوان]، ولا [كِلتيان]، ولا [كِلتيات]. وأما أنّ معناهما مثنى فلقولهم مثلاً: [درس خالدٌ وزهيرٌ فنجح كلاهما].

3- [كِلا]: في [جاء كلاهما] فاعل، وفي [رأيت كليهما] مفعول به، وفي [سافر المعلّمان كلاهما] توكيد، وفي [سلّمت على كليهما] اسم مجرور بـ [على] وهكذا...

(161/2)

خَلاَ

أداةٌ يستثنى بها، لتضمّنها معنى [إلاّ]. والاسمُ بعدها يجوز جرُّه ونصبُه(1). ومن بيِّنات جواز الوجهين قول الأعشى (الخزانة 3/314):

خلا اللهَِ ما أرجو سِواكَ، وإنما أَعُدُّ عِيالي شُعْبَةً مِنْ عِيالِكا

فقد رُويَ لفظُ الجلالة في البيت بالجر والنصب.

فإذا اقترنت بها [ما] وجب النصب، وامتنع الجرّ، ومنه قولُ لبيد (الديوان /256):

ألا كلُّ شيءٍ ما خلا اللهَ باطِلُ وكلُّ نعيمٍ لا مَحالةَ زائلُ

* * *

1- يذهب النحاة إلى أنه في حالة الجرّ حرفُ جرّ، وفي حالة النصب فِعل.

(162/1)

كلّ

- تدخلها الألف واللام - خلافاً للأصمعيّ - فيقال مثلاً: [الكلّ حضروا]، كما يقال: [حضر كل القوم].

- الأصل أن يتلوها مضاف إليه، نحو: ]كلُّ نفسٍ ذائقةُ الموت] (1)، فإذا حُذِف نُوِّنَتْ، ومنه ]كلٌّ في فَلَكٍ يسبحون] (2).

¨ إعرابها:

لها في العبارة حُكْمُ ما تضاف إليه. فلو وُضِع المضاف إليه موضعها، لكان إعرابه هو إعرابَها(3).

¨ معناها:

معناها هو معنى المضاف إليه بعدها، إفراداً وتثنيةً وجمعاً وتذكيراً وتأنيثاً، سواء أكان مذكوراً أم محذوفاً(4) . ولذلك يعود الضمير إليها، على حسب ما يكون المضاف إليه في الحالات المذكورة(5).

تنبيه:

إذا كان المضاف إليه بعدها معرفةً، جازت المطابقةُ والإفرادُ فيقال مثلاً: [كلُّهم حضروا] و [كلُّهم حضر].

* * *

نماذج فصيحة من استعمال [كلّ]

· ]كُلُّ امرئٍ بما كسب رهينٌ[ (الطور 52/ 21)

[كل امرئ]: كل، معناها معنى ما تضاف إليه. وقد أضيفت في الآية إلى [امرئ] وهو مفرد مذكر، فكلّ إذاً مفرد مذكر. ومن هنا أن عاد الضمير إليها من الخبر مفرداً مذكراً: [رهين (هو) + كسب (هو)].

· ]كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ[ (آل عمران 3/185)

[كل نفس]: كل، معناها معنى ما تضاف إليه. وقد أضيفت في الآية إلى [نفس] وهي مفرد مؤنث، فكلّ إذاً مفرد مؤنث. ومن هنا أن عاد الضمير إليها من الخبر مفرداً مؤنثاً: [ذائقة].

· قال الشاعر:

وكلّ رفيقَي كلِّ رَحلٍ-وإنْ هما تعاطى القنا قوماهما-أَخَوانِ

[كل رفيقَيْ]: كل، معناها معنى ما تضاف إليه. وقد أضيفت إلى [رفيقَيْ] وهو مثنى مذكر، فكلّ إذاً مثنى مذكر. ومن هنا أن عاد الضمير إليها من الخبر مثنى مذكراً: [أخوان (هما)].

· قال الشاعر:

وكلُّ أناسٍ سوف تدخل بينَهمْ دُوَيْهِيةٌ تصفرُّ منها الأنامِلُ

(163/1)

[كل أناس]: أضيفت [كل] إلى [أناس] ومعناها جمع مذكر، ولما كان معنى [كل] هو معنى ما تضاف إليه، كان معناها جمعاً مذكراً. ولذلك عاد إليها الضمير من: [بينهم] ضميرَ جمعٍ مذكر.

· قال الشاعر:

وكلُّ مصيباتٍ تصيب فإنها سوى فرقةِ الأحبابِ هينةُ الخَطْبِ

[كل] أضيفت إلى [مصيبات]، وهي جمع مؤنث. ولما كان معنى [كل] هو معنى ما تضاف إليه، كان معناها جمعاً مؤنثاً. ولذلك عاد إليها الضمير من [تصيب] ضميرَ جمعٍ مؤنث. ونوجّه النظر إلى أن جمع ما لا يعقل وهو هنا [المصيبات] يجوز في ضميره الإفراد والجمع. أي: [هي = هنّ].

· [كلُّ أمتي يدخلون الجنة إلا من أَبَى] (حديث شريف) (فتح الباري 13/249)

[يدخلون]: فاعله الواو، ضمير لجمع المذكر، لأن معنى المضاف إليه: [أمتي] جمعٌ للمذكر. ولو أريد لفظُ كلمة: [أمّة] وهو مؤنث، لقيل: [كل أمتي تدخل (هي)]، فيعود الضميرالمؤنث: [هي] إلى [أمة] باعتبار تأنيث لفظها.

· كلُّكم هداة للخير، وكلكم داعون إليه.

[هداة - داعون]: كلاهما جمع مذكر، لأن المضاف إليه: [كم] ضميرٌ لجمع المذكر(6).

· ]قل كُلٌّ يعمل على شاكلته[ (الإسراء 17/84)

حُذِف المضاف إليه بعد [كلّ] فنُوِّنَتْ، والأصل: [كلّ أحدٍ يعمل]. وفاعلُ [يعمل (هو)] ضمير للمفرد المذكر، لأن المضاف إليه المحذوف [أحد] مفرد مذكر.

· ]وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كُلٌّ في فلك يَسْبحون[

(الأنبياء21/ 33)

حُذف المضاف إليه بعد [كلّ] فنُوِّنتْ، والأصل: كلّ هؤلاء يسبحون. وفاعلُ [يسبحون] هو الواو، ضمير لجمع المذكر، لأن المضاف إليه المحذوف [هؤلاء] لجمع المذكر.

· ]وكُلاًّ ضربنا له الأمثال[ (الفرقان 25/ 39)

حُذِف المضاف إليه فنُوِّنت [كلّ]، والأصل: [وكلّ إنسان ضربنا له الأمثال].

· ]فسجد الملائكة كُلُّهُمْ أجمعون[ (ص 38/ 73)

[كل] في الآية توكيدٌ للملائكة، لأنّها تعرب على حسب موقعها من العبارة.

· قال الشاعر:

(163/2)

إذا المرءُ لم يَدْنَس من اللؤم عِرضهُ فكلُّ رداءٍ يرتديهِ جميلُ

[كل]: إعرابها على حسب موقعها من البيت: مبتدأ، خبره [جميل].

· ]قد علم كُلُّ أناس مشربهم[ (البقرة 2/60)

[كل]: فاعل لـ [عَلِمَ].

· ]وإنْ يَرَوْا كُلَّ آية لا يؤمنوا بها[ (الأنعام 6/25)

[كل]: مفعول به.

· ]فلا تميلوا كُلَّ الْمَيْل فتذروها كالمعلقة[ (النساء 4/129)

[كل]: مفعول مطلق. وضابطُ ذلك أن تكون [كلّ] مضافةً إلى المصدر كما ترى هاهنا. ونذكّر بأننا قلنا في تضاعيف البحث: [كل] لها حكم ما تضاف إليه، فلو وضع المضاف إليه موضعها لكان إعرابه هو إعرابَها. وتطبيقاً لذلك يكون إعرابها مفعولاً مطلقاً، لأن [الميل] مِن [لا تميلوا ميلاً] هو مفعول مطلق.

* * *

1- آل عمران 3/185

2- (الأنبياء 21/33). لولا الحذف لكان يقال:[كلُّ هؤلاء (أي: الشمس والقمر والنجوم) في فلكٍ يسبحون].

3- فهي: فاعل إن أضيفت إلى فاعل، نحو: [جاء كلُّ الناس = جاء الناسُ]، ومفعولٌ مطلق إن أضيفت إلى مفعول مطلق، نحو: [لا تُفْرِطْ كلَّ الإفراط = لا تفْرِطْ إفراطاً]، وظرفٌ إن أضيفت إلى ظرف، نحو: [سهرت كلَّ الليل = سهرت الليل] وهكذا ...

4- ذلك أن المضاف إليه بعد [كلّ] إذا كان محذوفاً فإنه يُقدَّر، فكأنه مذكور.

5- ففي التذكير والإفراد والتثنية والجمع: كلُّ طالبٍ يجتهد - كلُّ طالبين يجتهدان - كلُّ الطلاب يجتهدون

وفي التأنيث والإفراد والتثنية والجمع: كلُّ طالبةٍ تجتهد - كلُّ طالبتين تجتهدان - كلُّ الطالبات تجتهدْنَ

وفي الحذف: كلٌّ يجتهد - يجتهدان - يجتهدون.

كلٌّ تجتهد - تجتهدان - تجتهدْنَ

لا فرق بين الضمير والاسم في حكم المطابقة، ولذا يقال مثلاً: [كل طالبة مجتهدة] كما يقال: [كل طالبة تجتهد] وقس على هذا.

(163/3)

6- نبّهنا في آخر البحث على أنّ المضاف إليه إذا كان معرفة، جاز مع المطابقة الإفراد، فلو قال قائل: [كلكم هاد] [وكلكم داع] لكان ذلك جائزاً، بل يقول فريق من النحاة هو الأفصح.

(163/4)

كلَّما

أداة مؤلفة من [كلّ] و [ما]. وتُجمِع كتب الصناعة على أنّ [كلّ] منصوبة على الظرفية. وأمّا [ما] فمصدرية ظرفية. فالمعنى في قوله تعالى: ]كلَّما دخلَ عليها زكريّا المحراب وجد عندها رِزْقاً[ (آل عمران 3/37) هو: كلَّ وقتِ دخول:

[كلَّ]: ظرف زمان منصوب وهو مضاف، متعلق بالجواب المعنوي (1) الذي هو [وَجَدَ].

[ما]: مصدرية ظرفية. والمصدر المؤول منها ومن الفعل بعدها في محل جرّ مضاف إليه(2).

حكم:

تدخل [كلّما] على الفعل الماضي، وتفيد التكرار، ولا بدّ لها من جواب.

* * *

1- قلنا: [الجواب المعنوي]، كي لا يُظَنَّ أنّ المراد هو جواب شرط.

2- يقول بعض الناس في أيامنا هذه، مثلاً: [كلما درسَ فلانٌ كلما زادت فرصُ نجاحه]؛ وهو خطأ يسهل تصحيحه، بأنْ تُحذَف [كلما] الثانية.

(164/1)

لا

تكون على وجوه:

الأول: النافية للجنس:

* وتستغرق نفي جميع أفراد الجنس. وتعمل بشرطين: أن يكون اسمها وخبرها نكرتين، وألاّ يفصلها عن اسمها فاصل، نحو: [لا رجلَ في البيت](1).

* ويُنصب اسمها بما تُنصب به الأسماء عادةً: بالفتحة إذا كان مفرداً، وبالكسرة إذاكان جمع مؤنث سالماً، وبالياء إذا كان مثنى أو جمع مذكر سالماً، غير أنه لا ينون إلاّ إذا كان مفرداً أوجمع مؤنث سالماً، مشتقّاً عاملاً فيما بعده في الحالتين، نحو: [لا قارئاً كتاباً نادمٌ] و [لا ضارباتٍ طفلاً مصيباتٌ]: ودونك مزيداً من الأمثلة وإلى جانبها التعليق:

[لا رجلَ في البيت]: اسمها منصوب بفتحة، غير منوّن.

[لا رجلَ علمٍ مَهين]: اسمها منصوب بفتحة، غير منوّن.

[لا معلِّماتِ عندنا]: اسمها غير منوّن، منصوب بالكسرة، لأنّه جمع مؤنث سالم.

[لا تلميذَين عندنا]: اسمها منصوب بالياء لأنه مثنى، والمثنى لا ينوّن.

[لا معلّمِين عندنا]: اسمها منصوب بالياء لأنه جمع مذكر سالم، وجمع المذكر السالم لا ينوّن.

[لا قارئاً كتاباً نادمٌ]: اسمها منوّن لأنه مفردٌ مشتقّ عاملٌ فيما بعده: نَصَبَ [كتاباً] على أنه مفعول به لاسم الفاعل.

[لا ضارباتٍ طفلاً مصيباتٌ]: اسمها منوّن لأنه جمع مؤنث سالم مشتقّ عاملٌ فيما بعده: نَصَبَ [طفلاً] على أنه مفعول به لاسم الفاعل.

* قد يُحذَف اسمها، نحو: [لا عليك = لا بأس عليك]. وقد يُحذَف خبرها، نحو: [لا بأس = لا بأسَ عليك].

* اسم [لا] النافية للجنس، نعْتُه منصوب منوَّن في كل حال، نحو: [لا طالبَ كسولاً عندنا]. ولا يستثنى من هذه القاعدة الكلية، إلاّ أن يَفصِل بينهما فاصل، فيجوز عند ذلك التنوين وعدمه نحو: [لا طالبَ - عندنا - كسولاً أو كسولَ](2).

(165/1)

الثاني: العاطفة: وشرطها أنْ تُسبَق بأمرٍ أو إيجاب، نحو: [خذ الكتابَ لا القلمَ]، و[سافر زهيرٌ لا خالدٌ]. فإذا اقترن بها حرفُ عطفٍ آخرَ، كان الآخرَ هو العاطف نحو: [ما سافر زهيرٌ ولا خالدٌ](3).

الثالث: الناهية الجازمة للفعل المضارع: نحو: [لا تُقصِّرْ في عملك].

الرابع: حرفُ جوابٍ يُناقض [نَعَمْ]، نحو أنْ تُسْأَل: هل سافرتَ إلى بيروت؟ فتجيب: [لا].

الخامس: الزائدة: وتفيد التوكيد نحو: ]ما منعك ألاّ تسجد[ (أي: ما منعك أن تسجد).

السادس: المكرّرة: وتكرارُها إمّا واجبٌ، وإمّا غيرُ واجب:

فهو غير واجب إذا تلاها دعاءٌ نحو: [لا عَثَرَ حَظُّك]، أو قَسَمٌ نحو: [والله لا فعلت هذا أبداً]، أو فعلٌ مضارع، نحو: [زهيرٌ لا يُريح] أو [زهيرٌ لا يُريح ولا يستريح].

وهو واجب فيما عدا ذلك، ودونك مواضع ونماذج:

- دخولها على جملة اسمية نحو: ]لا الشمسُ ينبغي لها أن تُدرك القمر ولا الليلُ سابقُ النهار[.

- دخولها على فعل ماض: ]فلا صَدَّقَ ولا صلّى[.

- دخولها على خبر: [خالدٌ لا نائمٌ ولا مستيقظ].

- دخولها على نعت: [سلّمت على رجلٍ لا مغرورٍ ولا متعالم].

- دخولها على حال: [حضر زهيرٌ لا مبكّراً ولا متأخّراً].

السابع: النافية (ولا عمل لها): نحو: ]لا فيها غَوْلٌ... [ ؛ وقد تُحذَف بعد القسم، إن كان الفعل مضارعاً نحو: ]تاللهِ تفتأ تذكر يوسف[ (أي: تاللهِ لا تفتأ تذكر). وقد تعترض بين الجارّ والمجرور نحو: [سافر محمّدٌ بلا حقيبة](4).

* * *

1- إذا فَصَلَها عن اسمها فاصل، بطل عملها وكُرّرت، نحو: [لا في البيت رجلٌ ولا امرأةٌ].

(165/2)

2- من أمثلةِ نصبِ النعتِ منوّناً وغير منوّن، قولك: [لا طالبَ علمٍ كسولاً أو كسولَ عندنا] و [لا طالباً علماً كسولاً أو كسولَ عندنا] و [لا طالبَ محبّاً للكسل عندنا]. وأمّا قولُك: [لا طالبَ محبَّ كسلٍ عندنا]، فكان حقّ النعت فيه أن ينصب منوناً، إذ لا فاصل هاهنا بينه وبين الاسم. لكنْ لما كان النعت مضافاً: [محبَّ كسلٍ]، وكان المضاف في العربية لا ينوّن، لم يكن سبيل إلى ظهور التنوين.

3- العاطف في مثالنا: [ما سافر زهيرٌ ولا خالدٌ] هو الواو، والعاطف في قولنا. [نجح سعيد لا، بل عليٌّ]: هو: [بل]؛ وأما [لا]، فهي في المثالين لتوكيد النفي.

4- لا: في المثال نافية لا عمل لها، و [الحقيبة] اسم مجرور بالباء.

(165/3)

لَعَلَّ

* من الأحرف المشبهة بالفعل، تنصب الاسم وترفع الخبر. (انظر الأحرف المشبهة بالفعل) وقد تُحذَفُ لامها الأولى، فيقال: [علَّ] وهي لغةٌ فيها.

* ولها معانٍ أشهرها التوقّع، وهو تَرَجِّي ما يُحَبّ، نحو: [لعلّ المغتربَ راجعٌ]، والإشفاقُ مما يُكرَه، نحو: [لعلّ الصَديقَ قليلٌ].

* ويكثر اقتران خبرها بـ [أنْ]، نحو: [لعلّ المسافر أنْ يعود].

* * *

نماذج فصيحة من استعمال [لعلّ]

· قال صخر بن جعد (المغني /165):

فقلتُ عساها نارُ كأسٍ وعَلَّها تَشَكَّى فآتي نحوَها فأعودُها

(كأس: اسم امرأة، وتَشَكّى = تَتَشكّى).

[عَلَّ]: هي [لَعَلَّ]، حُذِفت لامُها الأولى، وهي لغة فيها. ويَكثر على ألسنة الناس قولهم: [علّ وعسى].

· وقال امرؤ القيس (الديوان /107):

وبُدِّلْتُ قَرحاً دامياً بعدَ صِحَّةٍ لعلَّ منايانا تَحَوَّلْنَ أَبؤُسا

[لعلّ]: خبرها في البيت هو جملة الفعل الماضي: [تحوّلن]، وقد كان بين الأئمة نزاع حول مجيء خبر [لعلّ] ماضياً. والبيت شاهد على صحة ذلك. وأمّا مجيء خبرها فعلاً مضارعاً، فمنه قوله تعالى: ]وما يُدريك لعلّه يزّكّى[ (عبس 80/3) وقوله: ]لعلّه يتذكّر أو يخشى[ (طه 20/44)

· قال جميل بثينة(1):

أتَوني فقالوا: يا جميلُ تبدَّلَتْ بُثينةُ أبدالاً، فقلتُ لعلّها

الأصل: [لعلّها فعلت ذلك]، لكن الشاعر حذف الخبر لدلالة السياق عليه. وحذْفُ ما يُعلَم جائز.

· قال العُجَيْر السَّلُولِيّ (الإنصاف /122):

لكَ الخَيْرُ علِّلْنا بها، علَّ ساعةً تمرُّ وسِهْواءً من الليلِ يذهبُ

(السِّهواء: ساعةٌ من الليل، أو صدرٌ منه).

[علّ ساعةً تمرّ]: حذَف الشاعر اللام الأولى من [لعلّ]، وحذْفها لغة فيها. ويلاحظ أنّ الخبر - وهو جملة [تمرّ] - فِعْلُه مضارع على المنهاج. على حين يجوز أن يكون ماضياً، وإن كان قليلاً.

· وقال نافع بن سعد الطائيّ (الإنصاف / 122):

ولستُ بلوّامٍ على الأمر بعدما يفوت، ولكنْ علَّ أن أتقدّما

(166/1)

في البيت مسألتان، الأولى أنّ الشاعر حذف اللام الأولى من [لعلّ]، وذلك لغةٌ فيها. والثانية أنّ خبرها اقترن بـ [أنْ]، وذلك في الاستعمال كثير، ومنه قول كثيّر عزّة (الديوان / 77):

أقول إذا ما الطيرُ مَرَّتْ سحيقةً لعلّكَ يوماً - فانتظرْ - أن تنالها

* * *

1- رواية الديوان /191: وقالوا نراها يا جميلُ تبدّلت وغيّرها الواشي. فقلتُ: لعلّها

(166/2)

لَدَىْ

لدى: ظرف للمكان مبنيّ على السكون، بمعنى [عند].

أحكام:

* تلزم الإضافةَ إلى المفرد(1) مِن اسمٍ أو ضمير، إلاّ أنّها إذا أضيفت إلى الضمير قُلِبَت ألِفُها ياءً. نحو: [لدى زيدٍ ولدينا كتبٌ].

* تُستعمل للحاضر فقط. فيقال مثلاً: [لديّ مالٌ]، إذا كان المال حاضراً. [ويقال: (عندي مالٌ) سواء كان المال حاضراً أو غائباً].

* * *

نماذج فصيحة من استعمال [لدى]

· ]لهم ما يشاؤون فيها ولدينا مزيد[ (ق 50/35)

[لدينا]: أُضيفَت لدى إلى الضمير، على المنهاج. ومتى كان ذلك قُلِبت ألفها ياءً، كما في الآية. ومثل ذلك طِبقاً، قوله تعالى: ]ولدينا كتابٌ ينطق بالحقّ[. (المؤمنون 23/62)

· ]إذ القلوبُ لدى الحناجر[ (غافر 40/18)

[لدى الحناجِر]: أُضيفتْ لدى إلى الاسم، على المنهاج، إذ لا تخلو من أن تكون مضافة إلى اسم أو ضمير. وهذا معنى قول النحاة: تلازم [لدى] الإضافة إلى المفرد، إذ المراد به أنها تُضاف إلى اسمٍ أو ضمير، ويمتنع أن تُضاف إلى جُملة أو شبه جملة.

· ]وألْفَيا سيّدَها لدى الباب[ (يوسف 12/25)

[لدى الباب]: أي عند الباب، وورودها بمعنى [عند] على المنهاج.

· ]ما يُبَدَّل القول لديَّ وما أنا بظلاّمٍ للعبيد[ (ق 50/29)

[لديّ]: الأصل هنا [لدى + ي (ياء الضمير)] وقد أُضيفت [لدى] إلى الضمير فقُلبت ألفها ياءً، على المنهاج. ثمّ أُدغِمت الياء في الياء فكان التشديد.

* * *

1- المراد بالمفرد هنا: ما ليس جملة ولا شبه جملة.

(167/1)

لَدُنْ

ظرفٌ للزمان أو المكان - على حسب الحال - بمعنى [عند]، يدلّ على بداية كلٍّ منهما، مبنيٌّ على السكون. نحو: [سافرنا لدُنْ طلوعِ الشمس: للزمان] و[جئت من لدنْ صديقي: للمكان].

أحكام:

¨ هو في الكلام فضلة (أي: لا يفتقر إليه انعقاد الكلام، إذ ليس مسنداً ولا مسنداً إليه).

¨ يلازم الإضافة أبداً، فيضاف إلى الضمير(1) والاسم والجملة، نحو: [أرسلتُ إليك كتاباً من لدُنّي (ضمير)، فجاءك لدنْ غروبِ الشمس (اسم)، وكنت تنتظره من لدنْ طلعَتْ (جملة)]، فإذا كانت إضافته إلى الجملة تمحّض للزمان.

¨ إذا تلته كلمةُ [غُدْوَة]، نحو: [سافرنا لدنْ غُدوة]، جاز جرّها، ونصبها، ورفعها(2).

¨ قد يُجَرّ بـ [مِنْ] دون سواها من حروف الجرّ، نحو: [أعطيته مِن لَدُنِّي كتاباً].

* * *

نماذج فصيحة من استعمال [لَدُنْ]

· قال القُطاميّ (الخزانة 7/111):

صريعُ غوانٍ راقَهُنَّ ورُقْنَهُ لَدُنْ شَبَّ حتى شابَ سُودُ الذَّوائِبِ

(الذوائب: ج ذؤابة وهي الضفيرة من الشعر).

[لدنْ]: ظرف يكون للزمان والمكان على حسب الحال. يلازم الإضافة أبداً، إلى ضمير أو اسم أو جملة، غير أنه إذا أُضيف إلى الجملة تمحّض للزمان - كما هو الشأن في البيت - إذ أُضيف إلى جملةِ [شبَّ]، فاعتُدّ ظرف زمان. ولا فرق في ذلك بين أن تكون الجملة فعلية، كما هو الشأن هنا، أو اسمية كما في قول الشاعر (الدرر اللوامع 1/184):

وتَذْكُرُ نُعماهُ لدنْ أنتَ يافعٌ إلى أنتَ ذو فَوْدَيْنِ أبيض كالنسرِ

(الفَوْدان: مثنى، مفرده فَوْد: الضفيرة من الشعر).

فقد أُضيف الظرف [لدنْ] إلى الجملة الاسمية: [أنت يافع]، ودلّ على بداية الزمان في كلا البيتين. ففي الأول: بداية شيب الشعر، وفي الثاني: بداية اليُفُوع، أي: مراهقة العشرين.

· قال أبو سفيان بن حرْب (والد معاوية) يومَ أُحُد (همع الهوامع 3/217):

ومازال مُهري مَزْجَرَ الكَلْبِ منهمُ لدُنْ غُدْوةً حتى دنتْ لغروبِ

(168/1)

(زجره: طرده مع صوت، ومزجر الكلب: ظرف مكان سماعيّ، للكناية عن المسافة [أي: البُعد] بينه وبين أصحاب رسول الله يوم أُحد).

[لدنْ غدوةً]: يَستشهد النحاة بهذا البيت على أنّ كلمة [غُدْوة] تنفرد من دون غيرها من الكلمات في العربية بانتصابها بعد [لدنْ] ؛ ويُعربونها تمييزاً.

ونذْكر هنا أنه يجوز مع نصبها، جرُّها على أنها مضاف إليه، ورفعُها على أنها فاعل لفعلِ [كان] التامة المحذوفة؛ إلى غير هذا من تخريجات. وبكلمة: يجوز نصبها - بعدَ لدنْ - وجرّها ورفعها.

· ]وعلّمناه من لدنّا علماً[ (الكهف 18/65)

[مِن لدنّا]: مِنْ حرف جرّ؛ وهذا الحرف دون سواه من حروف الجرّ، يجوز أن يَجُرّ [لدنْ]. ولعلّ من المفيد أن نذْكر - للاستئناس - أنّ تشديد نونِ [لدنّا] هو من إدغام نونها في نون الضميرِ [نا]، إذ الأصل: [لدنْ + نا = لدنّا]، وأما التشديد في [لدنّي] فهو من إدغام نونِ [لدنْ] في نون الوقاية، إذ الأصل: [لدنْ + نون الوقاية + ياء المتكلّم = لدنّي].

· ]فَهَبْ لي من لدنكَ ولِيّاً[ (مريم 19/5)

[مِنْ لدنْكَ]: مِنْ حرف جرّ، [لدنْ] ظرف للمكان مبني على السكون في محل جرّ بـ [مِن]، ولا يُجَرّ الظرف [لدنْ] بغير هذا الحرف من حروف الجرّ الأخرى.

* * *

1- إذا كانت إضافته إلى ياء المتكلم اتّصلت به نون الوقاية و أُدغِمت في نونه: [لدنّي = لدن+نون الوقاية+ي].

2- يقول المعربون: بعدَ [لدنْ]، تُجَرُّ [غُدوة] على أنها مضاف إليه، وتُنصب على أنها تمييز، وتُرفع على أنها فاعل لفعلٍ محذوف هو: [كان] التامّة، أو [وُجِد]، والتقدير: [سافرنا لدن كانت غدوةٌ] أو: [لدنْ وُجِدَت غدوةٌ]. ولهم تخريجات أخرى غير هذه !!

(168/2)

لَيْتَ

من الأحرف المشبهة بالفعل، تنصب الاسم وترفع الخبر. تكون في تمنّي الممكن والعسير والمستحيل، نحو: [ليت خالداً يزورنا، ليت العنصرية تزول، ليت ما مضى يرجع] (انظر الأحرف المشبهة بالفعل).

حكمان:

1- يُحذَف خبرها وجوباً في قولهم: [ليت شعري...]، والتقدير: [ليت شعري حاصلٌ]. ولا بدّ في هذه الحال من أن يتلوها استفهام، نحو: [ليت شعري هل تزورنا غداً؟]

2- إذا اتّصلت بها ياء المتكلّم، فصلت بينهما نون الوقاية، نحو: [ليتني سافرت].

* * *

نماذج فصيحة من استعمال [ليت]

· قال وَرْقاءُ بن زهير العبسي - وأمه تماضر - وقد ضرب بسيفه قاتلَ أبيه خالدَ ابنَ جعفر بن كلاب فنبا السيف (الأغاني 11/89):

فيا ليتَ أني قبل ضربة خالدٍ ويومِ زهيرٍ لم تلدني تماضرُ

في قوله [يا ليت أنّي لم تلدني تماضر] مسائل إليكها:

* [يا]: للتنبيه، إذ نودي بها ما لا ينادَى.

* [أني لم تلدني تماضر]: هاهنا مصدر مؤوّل من أنّ واسمها وخبرها سدّ مسدّ اسم ليت، وهذا وارد في كلامهم جائز، والبيت في كل حال شاهدٌ على صحته.

* جاء استعمال [ليت] في تمني المستحيل، وطلب ما لا يُطمَع فيه.

· قال ابنُ ميّادة (الأغاني 2/ 284):

ألا ليتَ شِعْري هل إلى أُمِّ جَحْدَرٍ سبيلٌ؟ فأمّا الصبرُ عنها فلا صَبْرا

[ليتَ شِعري هل...؟]: من تراكيبهم قولُهم [ليت شِعري]، ويريدون به: [ليتني أشعر، وأعلم]. وفيه حذْفُ خبر [ليت] وجوباً، والتقدير: [ليت شعري حاصلٌ]، وفي هذه الحال، لا بدّ من أن يتلوها استفهام، وقد تحقق ذلك إذ قال الشاعر بعدها: [هل...؟].

· قال أبو العتاهية (الديوان /32):

فيا ليتَ الشبابَ يعودُ يوماً فأُخبرَهُ بما صنع المشيبُ

[ليت الشباب يعود] الشبابَ: اسمُ ليت منصوب، وقد جاء استعمالها في تمني المستحيل، وطلبِ ما لا يُطمَع فيه، فما ينقضي من العمر لا يرجع !!

· ]يا ليتني كنتُ معهم[ (النساء 4/73)

(169/1)

استعمال فِعلِ [كان] بعد [ليت] كثير في التنْزيل العزيز، ومنه: ]يا ليتها كانت القاضية[ (الحاقّة 69/27).

· قال قُرَيْط بن أُنَيْف (شرح ديوان الحماسة للتبريزي 1/9-10)، يهيج قومَه ويهزّهم - بما يدنو من الذمّ - لينصروه:

لكنّ قومي وإنْ كانوا ذوي عَدَدٍ ليسوا من الشرِّ في شيءٍ وإنْ هانا

فليتَ لي بهمُ قوماً إذا ركبوا شَنُّوا الإغارةَ فرساناً ورُكبانا

في قوله [ليت لي بهم قوماً...]: تمنّي المستحيل الذي لا يُطمَع فيه، فهمْ قومه شاء أو أبى، وليس إلى أن يستبدل بهم غيرَهم سبيل !!

· كتب أبو فراس الحمداني - وهو أسير - إلى سيف الدولة (الديوان/41):

فَلَيْتكَ تحلو، والحياةُ مَرِيرةٌ ولَيْتَكَ تَرضى والأنامُ غِضابُ

وليتَ الذي بيني وبينكَ عامِرٌ وبيني وبين العالمِينَ خرابُ

استعمل الشاعر [ليتَ] ثلاث مرّات في البيتين. وكان تمنّيه فيها جميعاً تمنّي ما يمكن تحقيقه، لو شاء سيف الدولة.

· قال مالك بن الرَّيْب:

ألا ليت شِعري هل أبيتنَّ ليلةً بجنب الغضى أُزجي القِلاص النواجيا

[ليت] من أخوات [إنَّ]، تنصب الاسم وترفع الخبر. فإذا قيل: [ليت شعري]، حُذِف خبرها وجوباً. والتقدير في هذه الحال: [ليت شعري حاصل]. ولا بدّ عند ذلك من أن يتلوها استفهام، وقد تحقق هذا الشرط إذ قال الشاعر بعدها: [هل أبيتنّ؟].

* * *

(169/2)

لَيْسَ

تأتي على وجهين:

الأوّل: فعل ماضٍ جامد(1) يفيد النفي، يرفع الاسم وينصب الخبر، نحو: [ليس خالدٌ مقصِّراً].

والثاني: حرف نفي لا عمل لها، بمنْزلة [ما] و [لا] النافيتين، وذلك إذا دخلت على الجملة الفعلية نحو: [ليس يعلم الغيبَ إلاّ الله] و[ليس خلَق الله مثلَه].

* * *

نماذج فصيحة من استعمال [ليس]

· ]أليسَ اللهُ بكافٍ عبدَه[ (الزمر 39/36)

[أليس]: الهمزة للاستفهام، و [ليس] فعل ماضٍ ناقص من أخوات [كان] ترفع الاسم وتنصب الخبر. لفظ الجلالة: اسمها، والباء حرف جرّ زائد، والخبر [كافٍ] مجرور لفظاً بالباء الزائدة، منصوب محلاًّ. ودخول هذه الباء على خبر [ليس] كثير جدّاً في كلامهم.

· قال النابغة الذبياني (الديوان /84):

يَهدِي كتائبَ خُضراً ليس يَعْصِمُها إلاّ ابتدارٌ إلى موتٍ بإِلجامِ

(يقول: إنّ حامل اللواء في جيش ممدوحيه بطلٌ يتقدّم كتائب خضراً تُرى مسودّة من كثرة السلاح، يعصمها من عدوِّها إلجام الخيل لا الهرب).

[ليس يعصمها]: ليس، حرف نفي بمنْزلة [لا] النافية، لا عمل لها. وكذلك تكون حين تدخل على جملة فعلية.

· قال البحتريّ (الديوان 2/1160):

ليس يُدرَى أصُنْعُ إنسٍ لِجِنٍّ سكنوه أم صنعُ جِنٍّ لإنْسِ

[ليس يُدرى]: ليس، حرف نفي بمنْزلة [لا] النافية، لا عمل لها.

· قال طرفة بن العبد (الديوان /29):

ولستُ بحلاّل التِّلاع مخافةً ولكنْ متى يَسترفِدِ القومُ أرفِدِ

(التلاع جمع تَلعَة: ما ارتفع من الأرض).

[لستُ بحلاّل]: [ليس] فعل ماضٍ من أخوات [كان] يرفع الاسم وينصب الخبر. والتاء (ضمير المتكلم) اسمها، والباء حرف جرّ زائد، والخبر [حلاّل] مجرور بالباء الزائدة لفظاً، منصوب محلاًّ. وقد قلنا آنفاً إنّ دخول هذه الباء على خبر [ليس] كثير جدّاً في كلامهم.

· قال الأعشى (الديوان /136)(2):

لهُ صَدَقاتٌ ما تُغِبُّ ونائِلٌ وليس عطاءُ اليومِ مانعَهُ غدا

(170/1)

[ليس]: فعل ماض من أخوات [كان] يرفع الاسم وينصب الخبر، [عطاء]: اسمها مرفوع، و [مانعَه] خبرها منصوب.

* * *

1- لم يُستعمَل منه مضارعٌ ولا أمر.

2- للبيت رواية أخرى هي: لهُ نافلاتٌ ما يُغِبُّ نوالُها وليس عطاءُ اليومِ مانعَهُ غدا

(170/2)

لكنْ

لكنْ: حرفٌ يقع بين نقيضين أبداً، ويفيد الاستدراك أبداً.

وهو حرفُ عطف، بشروط ثلاثة: أن يكون المعطوف بعده مفرداً لا جملةً، وأن يسبقه نفي أو نهي، وألاّ يقترن بالواو. مثال ذلك: [ما شربتُ اللبنَ لكن الماءَ] (1).

فإذا تخلّف أحدُ هذه الشروط الثلاثة (أي: تلته جملة، أو اقترنت به الواو، أو لم يسبقه نفي أو نهي) كان حرفَ ابتداء واستدراك، يدخل على جملة، نحو: [نعملُ صباحاً ولكنْ نَقِيلُ ظُهراً](2)، وتكون الواو في هذه الحال هي العاطفة.

* * *

نماذج فصيحة من استعمال [لكنْ]

· قال زهير بن أبي سُلمى:

إنّ ابنَ وَرْقاءَ لا تُخشَى بَوادِرُهُ لكنْ وَقائِعُهُ في الحرب تُنْتَظَرُ

[لكنْ وقائعُه تُنتظَر]: لكنْ في البيت حرف ابتداء، إذ تلتها جملة هي: [وقائعه تنتظر]. ومجيء جملةٍ بعدها، يوجب اعتدادَها حرفَ ابتداء، ويمنع من اعتدادها حرفَ عطف. (شروط العطف: ألاّ تتلوها جملة، وألاّ تقترن بالواو، وأن يسبقها نفي أو نهي).

· قال الشاعر (الأمالي للقالي 1/82):

وليس أخي مَنْ وَدَّنِي رأيَ عيْنِهِ ولكنْ أخي مَنْ وَدَّنِي وهو غائبُ

[ولكنْ أخي مَنْ....]: لكنْ في البيت حرف ابتداء، إذ اقترنت بها الواو، واقترانها بها أوجب اعتدادَها حرفَ ابتداء، ومَنَع مِن اعتدادها حرفَ عطف. (شروط العطف: ألاّ تتلوها جملة، وألاّ تقترن بالواو، وأن يسبقها نفي أو نهي). ومن ثمّ تكون الواو في هذه الحال حرف عطف، يعطف جملة على جملة. [عطفت هنا جملةَ: (لكن أخي مَن...) على جملةِ: (ليس أخي مَن...)].

هذا، وحتى لو أسقطنا الواو - جدلاً - وأغفلناها، لظلّ في البيت مانعٌ آخر يمنع مِن أن تكون [لكنْ] حرف عطف، وهذا المانع هو مجيء جملة بعد [لكن]، فيَحْتِم اعتدادها حرف ابتداء.

· ومثل ما تقدّم طِبقاً، قول الشاعر:

إذا ما قَضَيت الدَّينَ بالدَّينِ لم يكن قضاءً، ولكنْ كان غُرْماً على غُرمِ

(171/1)

فقد اقترنت [لكن] هاهنا بالواو أيضاً، فالواو إذاً هي حرف العطف، وأما [لكن] فحرف ابتداء. وذلك أنّ اقترانها بالواو يمنع مِن اعتدادها حرفَ عطف. (شروط العطف: ألاّ تتلوها جملة، وألاّ تقترن بالواو، وأن يسبقها نفي أو نهي).

ودعْ عنك أنّ في البيت مانعاً آخر يمنع مِن أن تكون [لكنْ] حرف عطف، وهو مجيءُ جملةٍ بعدها، فيَحْتِم اعتدادها حرف ابتداء.

· قال تعالى: ]ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكنْ رسولَ الله[

(الأحزاب 33/40)

[ولكنْ رسولَ الله]: اقترنت [لكنْ] بالواو، فالواو إذاً عاطفة، و[لكن] حرف ابتداء واستدراك، وبعده جملة، على المنهاج، أي: ولكن كان رسولَ الله.

* * *

1- [لكنْ] في المثال حرف عطْف، عطَفَ [الماء] على [اللبن]، إذ تحققت له الشروط الثلاثة: لم يقترن بالواو، وسبقه نفي، وتلاه مفرد لا جملة.

2- في قولنا: [نعمل صباحاً ولكنْ نَقِيلُ ظهراً]، تخلّفت جميع شروط العطف (إذ اقترنت بالواو، ولم يسبقها نفي أو نهي، وتلتها جملة). وكان يكفي أن يتخلّف شرط واحد منها فقط، حتى يمتنع أن تكون عاطفة. وعلى ذلك فهي حرف ابتداء واستدراك، والواو هي العاطفة.

(171/2)

لكنّ

* حرف مشبّه بالفعل - من أخوات إنّ - ينصب المبتدأ ويرفع الخبر، ويفيد الاستدراك. نحو: [حضر خالدٌ لكنّ سعيداً غائب]. (انظر الأحرف المشبهة بالفعل)

* إذا خُفِّفت أو اتصلت بها [ما] الزائدة بطل عملها نحو: [سافر زهيرٌ لكنْ خالدٌ مقيمٌ]

و [حضر الطلاب لكنّما سعيدٌ غائبٌ].

* * *

نماذج فصيحة من استعمال [لكنّ]

· قال امرؤ القيس:

ولكنّما أَسْعَى لِمجدٍ مُؤَثَّلٍ وقد يُدْرِكُ المجدَ المُؤَثَّلَ أَمْثالِي

[لكنّما]: اتّصلت [ما] الزائدة بـ [لكنّ] فبطل عملها وزال اختصاصُها بالدخول على الأسماء. ومن هنا أنها دخلت على فعل: [أسعى]. ولهذا تقول كتب النحو: [لكنّما: كافّة ومكفوفة]، يريدون بذلك أنّ [ما] كَفَّتْ، و [لكنّ] كُفَّت، فالأولى كافّة، والثانية مكفوفة.

· قال الشاعر:

إنّ ابنَ ورقاءَ لا تُخشى بوادرُه لكنْ وقائعُه في الحرب تُنتَظَرُ

[لكنْ] مخففة من [لكنّ]، ومتى خُفِّفت بطل عملُها. فـ[وقائعه] مبتدأ، وجملة [تُنتظر] خبر.

· قال عبد الله بن جعفر بن أبي طالب (الأغاني 12/233):

وعَيْنُ الرِّضا عن كلِّ عيبٍ كليلةٌ ولكنّ عينَ السخطِ تُبدِي المَساوِيا

[لكنّ]: جاءت في البيت - على المنهاج - عاملةً عمل الأحرف المشبهة بالفعل، فقد نصبت كلمةَ [عين] اسماً لها، وخبرها جملة [تبدي] في محلّ رفع.

* * *

(172/1)

لَمّا

لَمّا: على وجهين:

الأول: حرفٌ يجزم الفعل المضارع، ويقلب زمنه إلى الزمن الماضي، وينفيه نفياً يمتدّ إلى زمن التكلّم، نحو: [حضر المدعوّون ولمّا يحضر خالدٌ].

الثاني: ظرف زمان معناه [حين](1)، تدخل على فعلٍ ماض، وتقتضي جواباً يكون فعلاً ماضياً، أو جملة اسمية مقترنة بـ [إذاْ] الفجائية. فالأول نحو: ]فلمّا جاء أمرنا نجّينا صالحاً] (2) والثاني نحو: ]فلمّا جاءهم بآياتنا إذا هم منها يضحكون] (3).

وقد يتقدم عليها جوابها نحو: [أكرمته لمّا زارني = لمّا زارني أكرمته].

* * *

نماذج فصيحة من استعمال [لمّا]

· ]بل لمّا يذوقوا عذاب[ (ص 38/8)

[لمّا يذوقوا]: لمّا، حرفٌ يجزم الفعل المضارع، ويقلب زمنه إلى الزمن الماضي، وينفيه نفياً يمتدّ إلى زمن التكلّم، فيكون المعنى: لم يذوقوا عذابي حتى وقت نزول الآية. وكان المضارع قبل الجزم: [يذوقون].

· قال الممزّق العبديّ (طبقات فحول الشعراء /232):

فإنْ كنتُ مأكولاً فكنْ خيرَ آكلٍ وإلاّ فأَدْركْني ولمّا أُمَزَّقِ

[لمّا أُمَزَّق]: لمّا، حرف جازم ينفي ما يجزمه نفياً يمتدّ إلى زمن التكلّم، فيكون المعنى في البيت: لم أُمزَّق حتى وقت النطق بهذا الكلام.

· ]فلمّا نجّاكمْ إلى البرّ أعرضتم[ (الإسراء 17/67)

[لمّا نجّاكم... أعرضتم]: لمّا، في الآية ظرفية (حينية)، ومتى كانت ظرفية دخلت على فعلٍ ماض، واقتضت جواباً يكون: إما فعلاً ماضياً كما في الآية، وإما جملة اسمية مقترنة بـ [إذاْ] الفجائية. ومثل ذلك طِبقاً قوله تعالى:

· ]فلمّا جاء أمرنا نجّينا صالحاً والذين آمنوا معه[ (هود 11/66)

فهي هنا أيضاً ظرفية، والفعل بعدها ماض، وجوابها ماضٍ كذلك.

· ]فلمّا نجّاهم إلى البرّ إذا هم يُشرِكون[ (العنكبوت 29/65)

(173/1)

[لمّا نجّاهم... إذا]: لمّا، ظرفية (حينية)، ومتى كانت ظرفية دخلت على فعلٍ ماض، واقتضت جواباً يكون: إما جملة اسمية مقترنة بـ [إذاْ] الفجائية، كما في الآية، وإما فعلاً ماضياً. ومثل ذلك طِبقاً قولُه تعالى:

· ]فلمّا جاءهم بآياتنا إذا هم منها يضحكون[ (الزخرف 43/47)

* * *

1- من هنا أنهم يسمّونها أيضاً: [حينيّة].

2- هود 11/66

3- الزخرف 43/47

(173/2)

لَنْ

لَنْ: حرف نفي ونصب واستقبال، نحو قوله تعالى: ]وقالوا لَنْ نُؤمن لك حتى تَفجُرَ لنا من الأرض يَنبوعاً] (1)، وقولِ أبي طالب يخاطب ابنَ أخيه رسولَ الله صلى الله عليه وسلّم:

واللهِ لن يَصِلوا إليكَ بِجَمعِهمْ حتى أُوَسَّدَ في التراب دَفِينَا

* * *

1- الإسراء 17/90

(174/1)

لاتَ

حرف نفي، تعمل عمل [كان] فترفع الاسم وتنصب الخبر، ويُشترط فيهما أن يكونا من أسماء الزمان، كالحين والوقت والأَوان والساعة إلخ... وأن يكون الأول منهما (أي اسمها) محذوفاً(1)، نحو: [نَدِمنا ولاتَ ساعةَ نَدَمٍ = ولاتَ الساعةُ ساعةَ ندَمٍ].

* * *

نماذج فصيحة من استعمال [لات]

· قال تعالى: ]كم أهلكنا مِن قبلهم مِن قَرنٍ فنادَوا ولاتَ حينَ مناصٍ[

(سورة ص 38/3)

اسم [لاتَ] محذوف على المنهاج، والأصل قبل الحذف: ولاتَ الحينُ حينَ مناص. أي: ليس الحين حينَ مهرَب ولا مَنجَى.

· قال أبو زبيد الطائي (المغني 282و758):

طلبوا صُلْحَنا ولاتَ أوانٍ(2) فأجبنا: أنْ لاتَ حينَ بقاءِ

اسم [لاتَ] في عجز البيت محذوف، والأصل قبل الحذف: ولاتَ الحينُ حينَ بقاءٍ.

· قال الشاعر (شرح ابن عقيل 1/320):

ندِمَ البُغاةُ ولاتَ ساعةَ مَنْدَمٍ والبغيُ مَرتَعُ مبتغيه وَخِيمُ

أي: ولاتَ الساعةُ ساعةَ مَندم، ثمّ حذف اسمها فقال: [ولاتَ ساعةَ مَنْدَمٍ].

* * *

1- قال سيبويه: (لا تكون لاتَ إلاّ مع الحين، تُضمِر فيها مرفوعاً وتنصب الحين... ولم يستعملوها إلاّ مضمَراً فيها) الكتاب - بولاق 1/28. وقال المراديّ: (ولم يُسمع الجمع بين اسمها وخبرها) الجنى الداني /488

2-لم نلتفت إلى ما جاء في صدر البيت مِن مجيء كلمةِ [أوانٍ] بعد [ليت] مجرورةً، إذ جَرُّ ما بعدها شاذّ، لا يُلتفت إليه.

(175/1)

لَوْ

تأتي على وجوه:

الأول: حرف مصدري، يُسبَك منه ومما بعده مصدرمؤوّل، نحو: ]يودّ أحدُهم لو يُعَمَّر ألفَ سنة[ (أي: يودّ أحدُهم التعميرَ) (1).

الثاني: حرف تقليل، نحو: [اِلْتَمِسْ ولو خاتَماً من حديد](2).

الثالث: حرفٌ للعَرض، وللتمنّي، نحو: [لو تنْزل عندنا فتُصيبَ خيراً] و[لو تأتيني فتُحدِّثَني]، ويتلوها فعل مضارع منصوب بعد فاء السببية. (انظر: نصب الفعل المضارع).

الرابع: حرف وصل (يؤتى به لتقوية المعنى، ووصل بعض الكلام ببعض)، نحو قوله تعالى: ]واللهُ مُتِمُّ نوره ولو كره الكافرون[، وقوله: ]وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قُربى[.

الخامس: حرف شرط، غير جازم(3) . ولا بدّ له - كسائر أدوات الشرط - من شرط وجواب. ولا تخرج أحكامهما في كل حال، عما يلي:

¨ فعل الشرط بعدها ماضٍ أو مضارع. وأمّا جواب الشرط فلا يكون إلاّ ماضياً(4)، مقترناً باللام أو عارياً منها، نحو:

- ]لو نشاء لجعلناه حطاماً[ (الشرط مضارع والجواب ماضٍ مقترنٌ باللام).

- ]لو نشاء جعلناه أُجاجاً[ (الشرط مضارع والجواب ماضٍ عارٍ من اللام).

- ]ولو شاء اللهُ لَذهب بسمعهم وأبصارهم[ (الشرط ماضٍ والجواب ماضٍ مقترن باللام).

- ]قال ربِّ لو شِئتَ أهلكتَهم[ (الشرط ماضٍ والجواب ماضٍ عارٍ من اللام).

¨ قد تتلوها جملة اسمية: ضميراً كان مبتدؤها نحو: ]لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربّي إذاً لأمسكتُم[، أو اسماً، نحو قولِ عديّ بن زيد:

لو بغير الماء حَلْقي شَرِقٌ كنتُ كالغَصّان بالماء اعتِصاري

(اعتصر - اعتصاراً: شرب الماء قليلاً قليلاً ليُسيغَه).

¨ يكثر أنْ تتلوها [أنّ] وصِلَتُها، نحو: ]ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيراً لهم] (5)

* * *

1- يكثر أن يأتي قبل [لو] المصدرية فعلُ [وَدَّ] أو ما في معناه، نحو: [أَحبَّ - تَمنّى ...].

(176/1)

2- ورد هذا في مزايا [كان]، ومنها حذف كان واسمها وإبقاء الخبر منصوباً. وعلى هذا تكون المسألة مشتركةً بين مزايا [كان] وبين [لو] حين تكون حرف تقليل. والتقدير في كل حال: [اِلتمس ولو كان الملتمَسُ خاتماً من حديد] (انظر: كان وأخواتها (66)).

3- يقول المعربون: هي حرف امتناع لامتناع، يريدون بذلك أنّها تدلّ على امتناع الجواب لامتناع الشرط. ففي نحو: [لو درس لنجح] امتناع النجاح لامتناع الدرس.

4- إذا جاء جواب الشرط مضارعاً، وجب أن يكون مجزوماً بـ [لم]، لأنها تقلب زمان المضارع إلى الماضي. ومنه قول زهير لممدوحه:

فلو كان حمدٌ يُخْلِدُ الناس لم تَمُتْ ولكنّ حَمْدَ الناسِ ليس بمُخْلِدِ

5- يرى سيبويه أنّ [أنّ] وصلتها مبتدأ خبره محذوف.

(176/2)

لَوْلا

[لولا]: على ثلاثة وجوه:

· الوجه الأوّل: أن تكون للتوبيخ، فتختصّ بالفعل الماضي، نحو قولك للمتأخّر: [لولا جئتَ مبكِّراً].

· الوجه الثاني: أن تكون للتحضيض والعرض، فتختص بالمضارع نحو: [لولا تُنظِر المُعسِر](1).

· الوجه الثالث: حرف شرط غير جازم، (يقول المعربون: حرف امتناع لوجود)، يدخل على جملتين: اسميةٍ ففعلية، فتمتنع الثانية منهما بسبب وجود الأولى، نحو: [لولا خالدٌ لسافرت]؛ (امتنع السفر لوجود خالد)(2). ويجوز في جوابها مجيء اللام، وعدمُ مجيئها: [لولا خالدٌ لسافرت = لولا خالدٌ سافرت].

يكون المبتدأ بعد الشرطية اسماً، أو ضميراً، وأما الخبر فمحذوف دوماً نحو: [لولا خالدٌ لسافرت] و [لولا أنتم لسافرت] و [لولاكَ لسافرت].

تنبيه: [لولا] الداخلة على الفعل قد تُفصَل منه بواحدة مِن ثلاث [إذْ - إذا - جملة شرطية معترضة] نحو:

]ولولا إذْ سمعتموه قلتم... [

]فلولا إذا بلغت الحلقوم... [

]فلولا إنْ كنتم غير مَدِينِينَ تَرْجِعونها... [

* * *

نماذج فصيحة من استعمال [لولا]

· ]ولولا إذْ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا[ (النور 24/16)

[لولا... قلتم]: في الآية توبيخ لمن سمع فلم يقل: [ما يكون لي أن أتكلّم بهذا]. والقاعدة: أنّ [لولا] تختص بالدخول على الفعل الماضي إذا كانت للتوبيخ. وقد تحقق ذلك هاهنا. وفُصِل بين [لولا] وفعلها بـ [إذ]، والآية شاهد على ذلك.

· قال جرير يرثي زوجته (الديوان /862):

لولا الحياءُ لَعادَني استعبارُ ولَزُرتُ قبرَكِ والحبيبُ يُزارُ

[لولا الحياءُ لَـ...]: لولا في البيت حرف امتناع لوجود: فقد امتنع الاستعبار (البكاء) لوجود الحياء. وقد دخلت على جملة اسمية، أما المبتدأ فيها فهو: [الحياءُ]، وأما الخبر فمحذوف. وجمهور النحاة على وجوب هذا الحذف. وقد دخلت اللام على جوابها [عادني]، لكنّ عدم دخولها جائز أيضاً، أي يصحّ أن يقول الشاعر: [لولا الحياء عادني استعبار].

(177/1)

· قال نُصَيْب (لسان العرب 1/170):

ولولا أن يُقالَ صَبا نُصَيْبٌ لقلت: بنفسِيَ النَّشَأُ الصِّغارُ

(النشَأ: جمع ناشئ للمذكر والمؤنث، مَنْ جاوز حدّ الصِغر).

[لولا أن يقال]: لولا في البيت حرف امتناع لوجود: فقد امتنع قولُه: [بنفسي النشأ الصغار] لوجود قولِ قائلٍ: [صبا نصيب]. وقد دخلت [لولا] على جملة اسمية، أما المبتدأ فيها فهو: المصدر المؤوّل من [أن يقال]، وأما الخبر فمحذوف. وذلك أنّ المصدر المؤوّل بمنْزلة الاسم، وهو في البيت في محل رفع مبتدأ، فكأنه قال: [لولا قولُ قائلٍ...]، والخبر محذوف على المنهاج. وقد دخلت اللام على جوابها [قلت].

· ]فلولا إذا بلغت الحلقومَ وأنتم حينئذٍ تنظرون ونحن أقرب إليه منكم ولكنْ لا تبصرون فلولا إنْ كنتم غير مدينين تَرْجِعُونَهَا إنْ كنتم صادقين[ (الواقعة 56/83-87)

في الآية تقديم وتأخير، ولولا ذلك لكان النص: [لولا ترجعون الروحَ إذا بلغت الحلقوم]. وقد تقدّمت [إذا] ففصلت بين [لولا] وفعلها [ترجعون]. والقاعدة أن [لولا] الداخلة على الفعل، قد تُفصَل منه بواحدة من ثلاث هي: [إذ - إذا - جملة شرطية معترضة].

· ]يقول الذين استُضْعِفوا للذين استكبروا لولا أنتم لَكُنا مُؤمنين[(سبأ34/31)

[لولا أنتم لكنّا]: لولا حرف امتناع لوجود: فقد امتنع إيمان المستضعفين لوجود المستكبرين. وقد دخلت [لولا] على جملة اسمية، أما المبتدأ فيها فهو الضمير: [أنتم]، وأما الخبر فمحذوف، وهو ما عليه جمهور النحاة. ومجيء المبتدأ ضميراً، على المنهاج، إذ يجوز أن يكون المبتدأ بعد [لولا] اسماً أو ضميراً. وقد دخلت اللام على جوابها [كُنّا]، لكنّ عدم دخولها جائز أيضاً، ولو لم يكن الكلام قرآناً لجاز أيضاً: [لولا أنتم كنّا مؤمنين].

· قال أبو العلاء المعريّ يصف سيف ممدوحه (شروح سقط الزند1/104):

يُذيبُ الرعبُ منه كلَّ عَضْبٍ فلولا الغِمْدُ يُمسِكُهُ لَسالا

(العضب = السيف).

(177/2)

وقد حكم النحاة على المعري هاهنا باللحن. وبيان ذلك: أنّ [الغمد] مبتدأ، وجملة: [يمسكه] خبر لهذا المبتدأ، وجمهور النحاة على أنّ حذف خبر المبتدأ بعد [لولا] حَتْم. وكان الصواب أنْ يقول: [لولا الغمدُ لسال]. ومع ذلك فإن فريقاً من النحاة حاولوا إيجاد مخرج للمعرّي!! ومن ذلك مثلاً قول بعضهم: إن جملة [يمسكه] ليست خبراً، بل هي حالية، وقول آخرين: إن حذف خبر المبتدأ بعد [لولا] ليس حتماً...

· قال عمر بن أبي ربيعة (الديوان / 479):

أَوْمَتْ بعينيها مِنَ الهودجِ لولاكَ في ذا العامِ لم أَحْجُجِ

[لولاكَ...لم أحجُج]: في البيت مسألتان، الأولى مجيء المبتدأ - على المنهاج - ضميراً بعد [لولا] التي هي حرف امتناع لوجود. وذلك أنّ المبتدأ بعدها يجيء اسماً ويجيء ضميراً. والثانية أنه يجوز في الأصل مجيء اللام في جواب [لولا] ويجوز عدم مجيئها. ولكن جوابها جاء في البيت منفيّاً بـ [لم]، فامتنع اقتران اللام به، إذ ليس من العربية أن يقال: [لَلَم أحجج] !!

· ]قال ياقومِ لِمَ تَستعجلون بالسيئة الحسنةَ لولا تستغفرون اللهَ لعلكم ترحمون[

(النمل 27/46)

[لولا تستغفرون]: دخلتْ [لولا] على فعل مضارع فتعين أن تكون للتحضيض، وهو ما عليه المعنى في الآية، إذ فيها يحضّ النبيُّ صالحٌ قومه ثمودَ على الاستغفار، لعلّ الله يرحمهم.

· ]وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموتُ فيقول ربِّ لَوْلاَ أخرتني إلى أجل قريب[ (المنافقون 63/10)

[لولا أخرتني]: هاهنا مسألتان:

الأولى أنّ في الآية عرضاً مضمونه طلب التأخير: [ربّ لولا أخرتني]. والقاعدة أنّ [لولا] إنما تكون للعرض والتحضيض إذا دخلت على فعل مضارع. والفعل في الآية: [أخرتني] فعل ماضٍ لا مضارع. فما علّة ذلك.

الجواب: أنّ فِعل [أخرتني]، وإن كان في الظاهر اللفظي فعلاً ماضياً، هو في المعنى مضارع، أي: [لولا تؤخرني].

(177/3)

والثانية أنّ [لولا] في الآية للتحضيض، إذ هي داخلة على فعل مضارع (في المعنى). ولكنْ لما كان التحضيض طلباً بحثٍّ وإزعاج، وكان الخطاب متّجهاً إلى الله تعالى، كان اللائق - تأدباً - أن يسمى ذلك في الآية (عرضاً، لا تحضيضاً)!!

· ]لولا جاؤوا عليه بأربعة شهداء فإذْ لَمْ يأتوا بالشهداء فأولئك عند اللهِ هم الكاذبون[ (النور 24/13)

[لولا جاؤوا]: لولا في الآية داخلة على فعل ماض، ومتى كان ذلك، كانت للتوبيخ، وهو ما عليه المعنى في الآية، فإنّ فيها ذمّاً وتوبيخاً لمن جاء بالإفك فرمى المحصَنات، ولم يجئ على ما قال بأربعة شهداء.

* * *

1- الفرق بين التحضيض والعرض، أنّ الأول طلبٌ بحثٍّ وإزعاج، والثاني طلبٌ بلِينٍ وتأدُّب.

2- لهذا قال المعربون: هي حرف امتناع لوجود.

(177/4)

لَوْمَا

[لوما] و [لولا] سواءٌ في الأحكام والمعاني والاستعمال، يقال: [لوما خالد لسافرت] = [لولا خالد لسافرت]. ودونك من استعمال [لوما] نموذجين للاستئناس:

* ]لَوْمَا تَأتِينا بالملائكة إنْ كُنتَ مِنَ الصادقين[

[لوما تأتينا]: دخلت [لوما] على فعلٍ مضارع، فهي للتحضيض.

* قال الشاعر:

لَوما الإصاخةُ لِلوُشاةِ لَكانَ لِي مِنْ بَعْدِ سُخْطِكَ في رِضاكَ رَجاءُ

[لوما الإصاخةُ... لَكان...]: لوما: في البيت حرف امتناع لوجود، بعدها مبتدأ محذوف الخبر على المنهاج، وقد دخلت اللام على جوابها: [كان].

* * *

(178/1)

لَمْ

لَمْ: حرفٌ يجزم الفعل المضارع، وينفيه، ويقلب زمنه إلى الزمن الماضي. نحو: ]لَمْ يَلِدْ ولم يولَد](1)، [ألَمْ نشرح لك صدرك](2).

* * *

1- الإخلاص 112/3

2- الشرح 94/1

(179/1)

مَاْ

تأتي على وجوه:

الأول: الاستفهامية: ويُستفهَم بها عن غير العاقل، من الحيوان والنبات والجماد والأعمال؛ وعن حقيقة الشيء عاقلاً كان أو غير عاقل نحو: [ما الإنسان؟ وما الحيوان؟]، وعن صفته، نحو: [ما المتنبي في الشعراء؟]. وقد يسبقها حرف جرّ، فتُحذَف ألِفُها نطقاً وكتابةً نحو: علامَ، حتّامَ، إلامَ، مِمَّ إلخ ... ومنه قوله تعالى: ]عَمَّ يتساءلون[.

تذييل: [ماذا]

تأتي [ذا] بعد [ما] الاستفهامية في ثلاث صور:

¨ اسم إشارة نحو: [ما ذا الكتاب؟] أي: [ما هذا الكتاب؟ (ما + ذا: مبتدأ وخبر)].

¨ اسم موصول نحو: [ما ذا أتى بك؟] أي: [ما الذي أتى بك؟ (ما + ذا: مبتدأ وخبر)(1)].

¨ مركَّبة مع [ما]، فتكونان معاً كلمةً واحدةً تُعرَب على حسب موقعها من العبارة نحو: [ماذا أكلتَ؟ (ماذا: مفعول به)] و [لماذا جئت؟ (لماذا: جارّ ومجرور)].

الثاني من وجوهها: النافية: وتكون عاملة وغير عاملة.

¨ فغير العاملة: هي التي تدخل - مُهمَلَةً - على المبتدأ والخبر نحو: [ما زهيرٌ مسافرٌ]، أو على الفعل الماضي والمضارع، نحو: [ما سافر خالدٌ، وما ينبغي له أن يسافر].

¨ والعاملة: هي التي تعمل عمل ليس، فترفع المبتدأ وتنصب الخبر: نحو: ]ما هذا بشراً[، وإنما تعمل بشروط ثلاثة، فإنْ تخلّف أحدُها أُهمِلَتْ فلم تعمل، وهي:

آ- ألاّ يتقدّم خبرُها على اسمِها. فإن تقدم، لم تعمل نحو: [ما مسافرٌ زهيرٌ].

ب- ألاّ تتلوها [إنْ]. فإن تلتها، لم تعمل نحو: [ما إنْ خالدٌ كاذبٌ].

ج- ألاّ يكون في جملتها [إلاّ]. فإن كانت، لم تعمل نحو: [ما زهيرٌ إلاّ طالبُ عِلْم].

الثالث: الشرطية: وتجزم فعلين مضارعين: نحو: ]وما تفعلوا مِن خيرٍ يعلمْهُ الله[ (البقرة 2/197) ( انظر: جزم الفعل المضارع).

الرابع: الموصوليّة: وتستعمل لما لا يعقل، نحو: ]ما عندكم ينفَدُ وما عند الله باق] (2) (النحل 16/96)

(180/1)

الخامس: التعجّبية: وليس لها في الكلام إلاّ تركيب واحدٌ فقط لا تعدوه، هو [ما أَفْعَلَه!!]. مثال ذلك: [ما أَجْمَلَ الربيعَ !! - ما أَقْبَحَ الظُلمَ !!]، فقِسْ عليه. (انظر بحث التعجّب).

السادس: المصدرية: وتُسبَك هي وما بعدها بمصدر مؤوَّل.

ثمّ إمّا أن تكون مصدريةً زمانية، إن كان ما بعدها دالاًّ على زمان، نحو: ]وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمتُ حيّاً[ (أي: مدّة دوامي حياً).

أو تكون مصدريةً بَحْتاً نحو: ]لهم عذابٌ شديدٌ بما نَسُوا يومَ الحساب[ (أي: بنسيانهم يومَ الحساب).

السابع: الكافّة(3): وتَمْنَعُ العاملَ من العمل. من ذلك:

- اتّصالُها بـ [إنّ] وأخواتها، فيكون ما بعدهنّ مبتدأً وخبراً نحو: [إنما خالدٌ طالبُ عِلْمٍ].

- واتّصالُها بـ [ربّ]، فيقال: [ربّما زهيرٌ قادمٌ]، وتدخل عندئذٍ على الأفعال فيقال: [ربّما يسافر زهير].

الثامن: ما الواقعة بعد [نِعْمَ وبِئْسَ] نحو: [نِعمَ ما فعل زهيرٌ + بِئسَ ما فَعَل] (انظر: نعم وبئس).

التاسع: الإبهاميّة: وتقع صفةً لاسمٍ قبلها تفخيماً أو تحقيراً نحو: [لأمرٍ ما يتوالى الليل والنهار] و[أعطِ السائل شيئاً ما].

العاشر: الزائدة: وتقع بين المتلازمين نحو: ]فبما رحمةٍ من الله لِنْتَ لهم[، ]أينما تكونوا يأتِ بكم الله[، ]عمّا قليلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادمين[، ]مِمّا خطيئاتهم أُغرقوا[. وتقع كثيراً بعد [إذا] نحو: [إذا ما زرتنا أكرمناك].

* * *

1- تنطبق هذه الأحكام أيضاً على [مَنْ] الاستفهامية إذا تلتها [ذا].

2- قد تستعمل [ما] للعاقل إذا اختلط بغير العاقل: ]يسبّح لله ما في السماوات وما في الأرض[، أو كان للعاقل أنواع: ]فانكحوا ما طاب لكم من النساء[، أو كان أمره مبهَماً: ]نذرتُ لك ما في بطني[.

3- سُمِّيَت كافّةً، لأنها تكفّ العامل عن أن يعمل، أي تمنعه من العمل. كنحو أنْ تتصل بـ [إنّ] فتكفها عن نصب الاسم ورفع الخبر، فيكون ما بعدها مبتدأً وخبراً، نحو: [إنما خالدٌ تلميذٌ].

(180/2)

مَع

[مع]: اسم منصوب (1) له استعمالان:

الأول: ظرف للمكان أو للزمان، نحو: [جلس سعيد معَ (2) خالد في الغرفة (ظرف مكان)] و [سافر زهيرٌ مع الفجر (ظرف زمان)].

الثاني: أن يحذف المضاف إليه بعدها فتنوَّن، وتُعرَب على حسب موقعها من العبارة. نحو: [سافر زهيرٌ وخالدٌ معاً]، ومنه قولُ متمّم بن نويرة يرثي أخاه مالكاً:

فلما تَفَرَّقْنا كأني ومالكاً لِطُولِ اجتماعٍ لم نَبِتْ ليلةً مَعا(3)

* * *

1- دليل اسميتها أنّها تنوّن، وإنما تُنَوَّن الأسماء، يقال مثلاً: (سافر خالدٌ وزهيرٌ معاً).

2- ذكروا أنّ قبيلة ربيعة تسكّن العين، فتقول مثلاً: [زهيرٌ مَعْ خالد].

3- [معاً] في بيت متمّم، وفي المثال قبله: حال منصوب.

(181/1)

مَهْمَا

اسمُ شرط يجزم فعلين. ويقول المعربون: تُعْرَب مفعولاً به، إذا تلاها فعلٌ لم يَستَوفِ مفعولَه، وإلاّ أُعربَت مبتدأً. ففي نحو: [مَهما تصنعْ أَصنعْ مثلَه] هي مفعول به(1)، وفي نحو: [مهما تقرأْهُ يُفِدْكَ] و [مهما تَتأَخَّرْ ننتظرْك] هي مبتدأ(2).

* * *

1- [تصنعْ]: فعلٌ متعدٍّ لم ينصب مفعولاً به، ومن ثَمّ تكون [مهما] هي مفعولَه.

2- [تقرأْ] فعل يطلب مفعولاً به، وقد استوفاه إذ نصب هاء الضمير، وأما فعلُ [تتأخّرْ] ففعلٌ لازمٌ لا ينصب مفعولاً به أصلاً، ومن ثَمّ تكون [مهما] مبتدأً في المثالين.

(182/1)

مَنْ(1)

على وجوه:

الأول: شرطية جازمة: نحو [مَن يَدرسْ ينجَحْ].

الثاني: استفهامية: نحو: [مَن زاركم؟]. وتُفيد معنى النفي إذا جيء بعدها بـ [إلاّ]، نحو: [مَنْ يفعلُ هذا إلاّ خالدٌ؟ = لا يفعل هذا إلاّ خالدٌ].

الثالث: اسم موصول: نحو: [نودّعُ مَنْ يسافر = نودّع الذي يسافر]. وقد يُراد بها المفرد، والمثنى، والجمع، والمذكر، والمؤنث، على حسب موقعها من العبارة، نحو: [سافر مَن نجح - سافرتْ من نجحت - سافر من نجحا - سافر من نجحوا - سافر من نجحنَ]. وهي في الأصل للعاقل، ولكن قد تُستَعمَل لغيره(2).

ملاحظة: قد يُؤتَى بها زائدةً، نحو قولك: [لا نتعالى على مَنْ غيرِنا = لا نتعالى على غيرِنا].

* * *

نماذج فصيحة مِن استعمال [مَنْ]

· ]ومَنْ يَتَّقِ اللهَ يجعلْ له مخرجاً[ (الطلاق 65/2)

[مَنْ]: شرطية، جزَمَت فعلين: [يتَّقِ] وعلامة جزمه حذف الياء، و[يجعلْ] وجُزم بالسكون، ولولا الجزم لقيل: يتّقي... ويجعلُ.

· قال الفرزدق، ولبيته روايتان نقف عندهما كلتيهما، الأولى:

ومَنْ يَميلُ أمال السيفُ ذِرْوَتَهُ حيثُ التقى مِنْ حِفافَي رأسِهِ الشَّعَرُ

(ذِروته: أي رأسه - حفافا رأسه: جانباه).

[مَنْ]: في هذه الرواية، اسم موصول، بمعنى [الذي]. ألا ترى أنها لم تجزم فعل: [يميل]، ولو جَزَمَته لقيل: [ومَن يمِلْ].

والرواية الثانية:

ومَنْ يَمِلْ يُمِلِ المأثورُ ذِروتَهُ حيثُ التقى مِنْ حِفافَي رأسِهِ الشَّعَرُ

(المأثور: السيف).

[مَنْ]: في هذه الرواية، شرطيّة، جزمت فعلين مضارعين هما: [يَمِلْ ويُمِلِ]. ولولا الجزم لقيل: [يَميلُ ويُميلُ].

· وقال الفرزدق أيضاً يخاطب الذئب (الديوان 2/329):

تَعَشَّ، فإنْ واثَقْتَني لا تَخونُني نكُنْ مِثلَ مَنْ يا ذِئْبُ يصطحبانِ

(183/1)

[مَنْ]: اسم موصول، أُريد به المثنى، لأنّ المعنى: نَكُنْ مثلَ اللّذَيْنِ يصطحبانِ. وإذا كانت [مَنْ] موصوليّة فقد يُراد بها المفرد أو المثنى أو الجمع، والمذكّر أو المؤنث، على حسب موقعها من الكلام.

· ]ومنهم مَنْ يستمعون إليك[ (يونس 10/42)

[مَنْ]: في الآية اسم موصول، أُريد به الجمع، لأنّ المعنى: ومنهم الذين يستمعون إليك. ونقول هنا ما قلناه آنفاً: متى كانت [مَنْ] موصوليّة فقد يُراد بها المفرد أو المثنى أو الجمع، والمذكّر أو المؤنث، على حسب موقعها من الكلام.

· ]قال ومَنْ يقنَطُ مِن رحمة ربّه إلاّ الضالّون[ (الحِجْر 15/56)

[مَنْ]: هاهنا استفهامية، وقد جيء بعدها بـ [إلاّ] فأفادت معنى النفي، أي: [لا يقنطُ... إلاّ]. وكذلك تكون كلما جيء بعدها بـ [إلاّ]، إذ تُشْرَب في هذه الحال معنى النفي. ومثل ذلك طِبقاً قولُه تعالى:

· ]ومَنْ يغفرُ الذنوب إلاّ الله[ (آل عمران 3/135)

فـ [مَنْ] استفهامية، جيء بعدها بـ [إلاّ] فأفادت معنى النفي، والمعنى: لا يغفر الذنوب إلاّ الله.

· وقولُه: ]مَنْ ذا الذي يَشْفَع عنده إلاّ بإذنه[ (البقرة 2/255)

والمعنى: لا يُشفَع عنده إلاّ بإذنه.

* * *

1- تشترك [ما] و [مَن] الاستفهاميتان، في مجيء [ذا] بعدهما، وفي الصور والأحكام التي تكون عند ذاك. وقد أوضحنا ذلك في بحث [ما]، فارجع إليه هناك.

2- تستعمل [مَنْ] لغير العاقل، إذا نُزِّل منْزلة العاقل؛ كأن يُنادى مثلاً، وغير العاقل لا يُنادى، نحو: [أَسِرْبَ القَطا هَلْ مَنْ يُعِير جَناحَهُ]، أو شَمَلَ العاقلَ وغيرَ العاقل حُكْمٌ واحد نحو: ]يسجد له مَن في السماوات ومَن في الأرض[، أو اقترن غيرُ العاقل بالعاقل في عمومٍ مُفَصَّلٍ بـ [مَن] نحو: ]واللهُ خلق كُلَّ دابّةٍ مِن ماءٍ: فمنهم مَنْ يمشي على بطنه ومنهم مَنْ يمشي على رجلَين ومنهم مَنْ يمشي على أربع[.

(183/2)

متى

تأتي على وجهين:

الأوّل: اسم استفهام يُستفهم به عن الزمان ويعربونه ظرفاً، نحو: [متى سَفَرُكَ ومتى ترجِعُ؟]. وقد يُجَرّ بـ [إلى] و [حتى]، نحو: [إلى متى تَتَّبعُ هواك وحتى متى تطيعُه؟].

الثاني: اسم شرط يجزم فعلين، ومنه قول الحطيئة (الديوان /81):

متى تَأْتِهِ تَعْشُو إلى ضوءِ نارِهِ تَجِدْ خَيْرَ نارٍ عندها خَيْرُ مُوقِدِ(1)

وقد تلحقه [ما] الزائدة للتوكيد، ومنه قول الشاعر:

متى ما تَلْقَني فَرْدَيْنِ تَرْجُفْ .............................

* * *

1- فعْل الشرط [تأتِ]، وجواب الشرط [تجدْ] وبه تتعلّق [متى] باعتبارها ظرفاً.

(184/1)

مِنْ

حرف جرّ، ولها معانٍ أشهرها:

* ابتداء الغاية المكانية نحو: ]سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً مِنَ المسجدِ الحرام إلى المسجدِ الأقصى[

* ابتداء الغاية الزمانية نحو قول النابغة:

تُخُيِّرْنَ مِن أزمانِ يومِ حليمةٍ إلى اليومِ قد جُرِّبْنَ كلَّ التجارِبِ

* التبعيض: ]لن تنالوا البِر حتى تنفقوا مِمّا تحبون[ (أي: بعض ما تحبون).

* البيان (بيان الجنس): اشتريت خاتماً من ذهب.

* البدلية: ]أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة[

* التعليل والسببية: ومن ذلك قول الفرزدق:

يُغْضِي حياءً ويُغْضَى مِن مهابتهِ فما يُكَلَّمُ إلا حين يَبتسِمُ

* وقد تأتي زائدة فتفيد التوكيد(1)، شريطة أن تتلوها نكرة، ويتقدّم عليها نفيٌ أو نهيٌ أو استفهام، نحو:

- هل استقبلتَ مِن أحدٍ؟ = هل استقبلتَ أحداً؟: (مفعول به)

- ما زارني مِن أحدٍ = ما زارني أحدٌ: (فاعل)

- لا تَزُرْ من أحد: لا تَزُرْ أحداً: (مفعول به)

- هل في البيت مِن أحدِ؟ = هل في البيت أحدٌ؟: (مبتدأ مؤخَّر)

* * *

1- ضابط زيادتها أن تحذفها فلا ينقص من معنى العبارة إلا التوكيد، الذي ينشأ عن زيادتها.

(185/1)

مُذْ و مُنْذُ

[مُذْ] و [مُنْذُ] ظرفَاْ زمان، معناهما: إما ابتداء المدة نحو: [ما زرتنا منذ يوم الجمعة] أو جميع المدة نحو: [ما زرتنا منذ عام]. وهما مبنيّتان تتماثلان في كلّ شيء إلا اللفظ(1)، وتدخلان على الجُمل والأسماء، ولا يمتنع بعدهما إلاّ مجيء الاسم منصوباً.

* * *

نماذج فصيحة من استعمال [مذ ومنذ]

· قال الفرزدق (المغني /373):

مازال مُذْ عَقَدَتْ يداه إزارَهُ وسَما فأدركَ خمسةَ الأشبارِ

يُدني كتائبَ مِنْ كتائبَ تلتقي في ظلِّ مُعْتَرَكِ العَجاجِ مُثارِ

[مذْ عقدتْ يداه]: شاهد لدخول [مذ] على جملة فعلية: (عقدت يداه).

· وقال الأعشى (الديوان /135):

وما زلتُ أَبغي المالَ مذ أنا يافعٌ وليداً وكهْلاً حين شِبْتُ وأمرَدا

[أنا يافعٌ]: مبتدأ وخبر. وذلك شاهد لدخول [مذ] على جملة اسمية.

· وقال دِعْبِل الخُزاعي (الديوان /85):

ألَمْ تَرَ أنّي مُذْ ثلاثون حِجّةً أروحُ وأغْدو دائِمَ الحَسَراتِ

[مذ ثلاثون...] شاهد لمجيء الاسم بعد [مذ] مرفوعاً. (ثلاثون: ملحق بجمع المذكر السالم، مرفوع بالواو).

· وقال امرؤ القيس (الديوان /89):

قِفا نبكِ مِن ذكرى حبيبٍ وعرفانِ ورَبْعٍ عَفَتْ آثارُه منذُ أزمانِ

[منذُ أزمانِ] شاهد لمجيء الاسم بعد [مذ] مجروراً.

* * *

1- نظراً إلى تماثلهما، جرينا على استعمال هذه أو تلك على حسب الحال، في كل موضع، بدون تفريق.

(186/1)

نَعَمْ

حرف جواب، يفيد الإثبات في الجواب عن السؤال المثبَت، والنفيَ في الجواب عن السؤال المنفي.

ففي جواب: [أسافر خالد؟]، إن قيل: [نعم]، فالمعنى: نعم سافر.

وفي جواب: [أما سافر خالد؟]، إنْ قيل: [نعم]، فالمعنى: نعم ما سافر.

فائدة: لا يكاد كتاب في النحو يخلو - عند البحث في [بلى] و [نعم] من إيراد المسألة التالية:

قال تعالى: ]ألست بربكم قالوا بَلَى[ (الأعراف 7/172). فقال ابن عباس معلّقاً، لو قالوا: [نَعَم] لكفروا.

ووجه ذلك أنّ [نَعَم] - كما ذكرنا آنفاً - لا تُغَيِّر من النفي والإثبات شيئاً؛ فلو أجابوا قائلين: [نَعَم]، لكان تأويل ذلك: [نعم لست ربّنا]، ولكان ذلك كفراً.

* * *

(187/1)

نِعْمَ وبِئْسَ

[نِعْمَ و بِئْسَ]: كلمتان جامدتان (لا تتصرّفان). الأولى للمدح نحو: [نِعْمَ الرجلُ زهيرٌ] والثانية للذمّ نحو: [بئس الرجلُ خالدٌ]. ويسمي النحاة كلمة [زهيرٌ] اصطلاحاً: [المخصوص بالمدح]، وكلمة [خالدٌ] المخصوص بالذم(1).

¨ تراكيبهما:

آ- أن يكون بعدهما اسم:

فإن كان محلّى بـ [ألـ]، (أو مضافاً إلى محلّى بها) فهو مرفوع أبداً، نحو: [نِعم الرجلُ زهيرٌ]، (أو نعم صديق الرجل زهيرٌ)].

وإن كان نكرة [غير محلّى بها] فهو منصوب أبداً، نحو: [نِعم رجلاً زهيرٌ].

ب- أن يكون بعدهما [ما]، وذلك ثلاث حالات:

الأولى: ألاّ يكون شيءٌ بعد [ما]، نحو: [غسلت الثوب غسلاً نِعِمّا] ( أي: نِعْمَ الغسل؛ إذا مدحتَ غسلَه).

الثانية: أن يكون بعد [ما] مفرد(2) نحو: [نِعمّا هو] (أي: نِعْمَ ما هو).

الثالثة: أن يكون بعد [ما] فعلٌ نحو: [نعمّا تفعل] (أي: نِعْمَ ما تفعل).

تنبيه:

قد تلحقهما تاء التأنيث، ومنه الحديث:[مَن توضّأ يوم الجمعة فبِها ونعمَتْ].

¨ المخصوص بالمدح أو الذمّ:

قد يتقدّم الاسمُ المخصوص بالمدح أو الذمّ نحو: [زهيرٌ نعم الرجلُ + خالدٌ بئس الرجلُ]، وقد يُحذف إنْ دلّ عليه دليل، نحو: ]نعم العبد[ (أي: نعم العبدُ أَيّوب).

* * *

نماذج فصيحة من استعمال [نِعم وبئس]

· قالت ليلى الأخيلية تذكر تَوبَة:

ونِعْمَ الفتى يا تَوبُ كنتَ لخائفٍ أتاكَ لكي يُحمَى، ونِعْمَ المُنازِلُ

[نِعمَ المنازلُ]: الاسم بعد [نِعم] محلّى بـ [ألـ] مرفوع، على المنهاج. ومثل ذلك طِبقاً، قولها في أول البيت: [نعم الفتى]، غير أن الضمة لم تظهر على آخر [الفتى] لأنه اسم مقصور.

ثم إنّ في البيت مسألة أخرى هي أنّ الأصل في مدح الشاعرة لتوبة هو: [نعم الفتى أنت، ونعم المُنازِلُ أنتَ]، لكنها حذفت المخصوص بالمدح وهو [أنت]، لدلالة السياق عليه.

· ]نِعم الثوابُ وحسُنَتْ مُرتفَقاً[ (الكهف 18/31)

(188/1)

[نِعم الثوابُ]: الاسم بعد [نعم] محلّى بـ [ألـ] مرفوع حُكماً، على المنهاج. ثمّ إنّ الأصل: [نعم الثواب الجنة]، لكن حُذف المخصوص بالمدح وهو [الجنة]، لوجود ما يدلّ عليه في سياق الآية.

· قال الشاعر (شرح ابن عقيل 2/162):

لَنِعْمَ موئلاً المولى إذا حُذِرَتْ بَأْساءُ ذي البغيِ واستيلاءُ ذي الإحَنِ

(الإحَن: جمعٌ مفرده إحْنَة، وهي الحقد).

[لنعم موئلاً]: الاسم (موئلاً) بعد [نِعم] متجردٌ من [ألـ] (نكرة) وما كان كذلك فحقّه النصب، جرياً مع القاعدة.

· ]إنّ اللهَ نِعِمَّا يعظكم به[ (النساء 4/58)

[نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِه]: في الآية إدغام الميم في الميم [نعمّا = نِعْمَ ما]، ومجيءُ الفعل بعد [ما] هو أحد تراكيب نعم وبئس. ومثله قوله تعالى ]بئس ما اشتروا به أنفسَهم[

(البقرة 2/90)

· ]إنْ تُبْدُوا الصدقاتِ فنِعِمّا هي[ (البقرة 2/271)

[نعمّا هي]: إدغام الميم في الميم هاهنا، مطابق لنظيره في الآية السابقة، [نعمّا = نِعْمَ ما]. ومن تراكيب [نِعْمَ] مجيءُ اسم مفردٍ بعدها، سواء أكان ضميراً - كما في الآية - أم غير ضمير. نحو: [بئسما تزويجٌ ولا مَهْر].

· قال ابن المعتزّ:

غرائب أخلاقٍ حباني بحفظها زماني، وصرفُ الدهرِ نِعمَ المؤدبُ

الأصل أن يأتي الشاعر بالمخصوص بالمدح بعد نِعم والاسمِ المرفوع بعدها، فيقول: [نعم المؤدِّبُ صروفُ الدهر]، لكنه اختار أن يقدّم المخصوص بالمدح، وهو [صرف الدهر]، وكلاهما جائز.

· قال زهير بن أبي سلمى (الديوان /89):

ولَنِعْمَ حَشْوُ الدِّرْعِ أنتَ إذا دُعِيَتْ نَزَالِ، ولُجَّ في الذعْرِ

الضمير [أنت] هو المخصوص بالمدح. والأصل أن يقول الشاعر: [نعم الحشوُ أنت]، فيكون بعد [نعم] اسم مرفوع لأنه محلّى بـ [ألـ]، لكن لما كانت كلمة [حشو] مضافاً، وكان الاسم لا تجتمع عليه الإضافة والتحلية بـ [ألـ]، انزلقت [ألـ] إلى المضاف إليه حكماً.

(188/2)

هذا، على أنّ الإضافات قد تتعدّد، فتُزحلَق [ألـ] إلى آخر مضاف إليه، ومن ذلك قول أبي طالب (الديوان /36):

فنِعْمَ ابنُ أختِ القومِ غيرَ مُكَذَّبٍ زهيرٌ، حساماً مفرداً مِن حَمَائِلِ

فقد أُضيفت كلمة [ابن] إلى [أُخت]، ثم أُضيفت كلمة أُخت إلى [القوم]، فكان أنْ زُحلِقت [ألـ] إلى المضاف إليه الأخير. ومَن أراد، ظلّ يزحلقها ما استقام له الكلام، فكان يقول مثلاً: فنعم ابنُ أختِ سيّدِ أمراءِ القوم !!

· ]بئس الشرابُ[ (الكهف 18/29)

حُذِف المخصوص بالذمّ، أي: الماء الذي يُسقَونه.

· ]نعم دارُ المتقين[ (النحل 16/30)

حُذف المخصوص بالمدح، أي: الجنة. وزُحلِقت [ألـ] إلى المضاف إليه.

· ]نعم العبدُ[ (ص 38/44)

حُذف المخصوص بالمدح، أي: نِعْمَ العبدُ أيوب.

* * *

1- ليس بين نعم وبئس من فرق، إلا أنّ الأولى للمدح والثانية للذم. وأمّا أحكام استعمالهما فجارية عليهما جميعاً، مما يُتيح الاقتصار على التمثيل بإحداهما.

2- المراد بالمفرد أنه لا يتلوه شيء، لا أنه المفرد الذي ليس مثنى ولا جمعاً.

(188/3)

قَدْ

قد: تدخل على الفعل ماضياً ومضارعاً. فتكون مع الماضي حرف تحقيق، نحو: [قد سافر زهيرٌ]. ومع المضارع حرف تقليل، نحو: [قد يسافر خالدٌ]. ولا يجوز فصلها عن الفعل إلاّ بقَسَم، نحو: [قد - واللهِ - سافر زيد](1).

تنبيه: قد تكون [قد] مع الفعل المضارع للتحقيق، إذا دلّ على ذلك سياق الكلام والقرائن، نحو: ]قد يعلم اللهُ الذين يتسلّلون[ (النور 24/63)

فائدة: في تاريخ اللغة، أنّ [قد] كانت استُعمِلت بمعنى [حَسْب] وبمعنى [يكفي]، نحو: [قَدْ زهيرٍ كتابٌ = حَسْبُ زهيرٍ كتابٌ] و [قَدْنِي درهمٌ = يكفيني درهمٌ].

* * *

نماذج فصيحة من استعمال [قد]

· ]قد نرى تقلُّبَ وجهكَ في السماء[ (البقرة 2/144)

[قد نرى]: الأصل أن تجيء [قد] مع الفعل المضارع للتقليل، نحو: [قد نسافر]. لكن لما كان فاعلُ الفعل المضارع في الآية هو اللّه تعالى - وكان تقليل الرؤية وكثرتها مما لا يجوز على الله!! - كان معنى [قد] في الآية، التحقيق. وتزداد المسألة وضوحاً بالتوقف عند قوله تعالى: ]قد يعلم اللهُ الذين يتسلّلون[ (النور 24/63)

فإنّ [قد] مع الفعل المضارع للتقليل أصلاً، ولكنّ تقليل العلم على الله تعالى محال، فامتنع اعتدادها للتقليل، وصحّ اعتدادها للتحقيق، استرشاداً بالقرائن.

· ومثل هذا طِبقاً، قولُه تعالى ]قد يعلم ما أنتم عليه[ (النور 24/64)

فالتقليل هاهنا ممتنع محال، واعتدادها للتحقيق، هو الموافق للعقل والمنطق، استرشاداً بالقرائن.

· قال الشاعر (ديوان امرئ القيس /225):

قد أشهدُ الغارةَ الشَّعواءَ تحملني جرداءُ معروقةُ اللَّحْيَيْنِ سُرحُوبُ

(الشعواء: المتفرّقة - الجرداء: الفرس القصيرة الشعر - المعروقة اللحيين: القليلة لحم الخدّين - سرحوب: طويلة مشْرِفة).

(189/1)

[قد أشهد]: الفعل مضارع، ومع المضارع تكون [قد] أصلاً للتقليل. لكنّ الشاعر هاهنا يفخر بأنه فارس مغوار، ومن كان هذا شأنه لم يفخر بقلّة غاراته، فبَطَلَ أن تكون [قد] للتقليل، وصحّ اعتدادها مع الفعل المضارع للتحقيق.

· ومثله قول عَبِيْد بن الأبرص (الديوان /49):

قد أترك القِرْنَ مُصْفَرّاً أناملُه كأنّ أثوابَهُ مُجَّتْ بفِرْصادِ

(القِرن: المثيل في الشجاعة - مُجّت: يريد أنها صُبغَت - الفِرصاد: التُّوت: شبّه الدم بعصارة التوت الحمراء)

فالشاعر يفتخر، ومع الفخر لا يكون التقليل. واسترشاداً بالقرائن والسياق تعتدّ [قد] في البيت مع الفعل المضارع للتحقيق.

· ]قد أفلح المؤمنون[ (المؤمنون 23/1)

[قد] في الآية للتحقيق، وذلك أنها متصلة بفعل ماض: [أفلح]. ومتى كان ذلك كذلك فهي للتحقيق، على المنهاج. ومنه طِبقاً قوله تعالى: ]قد سمع اللهُ قَولَ التي تجادلك[

(المجادلة 58/1)

· قال الشاعر يخاطب خالد بن عبد الله القسريّ (المغني /186):

أخالدُ قد - والله - أوطأتَ عشوةً .........................

(أراد: ركبتَ أمراً على غير تبيُّن).

وقد فصل بين [قد] والفعل بقَسَم: [واللهِ]. ومن المقرّر أنّ [قد] تلزم الفعل بغير فاصل. والنحاة يقولون في التعبير عن هذا: (قد مع الفعل كجزء منه فلا يُفصَل بينهما إلاّ بقَسَم). والذي أتى به الشاعر هنا، إنما هو استفادة من هذا الجواز. فقد فصل بينهما بالقسَم: [والله]، فيكون ما أتى به على المنهاج. ومنه قول الآخَر - طِبقاً - (المغني /186):

فقد - واللهِ - بَيَّنَ لي عَنائي بوشْكِ فراقهم، صُرَدٌ يَصيحُ

(الصرد: طائر، وقد أراد الشاعر أنّ صياح هذا الطائر كان شؤماً عليه ففارقه من يحبّهم).

ومثل ذلك أيضاً أنه سُمِع: [قد - لعَمْري - بِتُّ ساهراً] و [قد - واللهِ - أحسنتَ].

* * *

(189/2)

1- منع فريق من العلماء وقوع [لا] النافية بعد [قد]، أي: منعوا أن يقال مثلاً: [قد لا أفعل]. لكنّ هذا الفصل ورد في الشعر الجاهلي وأمثال العرب وكلام الفصحاء، مما يقطع بصحة هذا الاستعمال، ويُثبت أنّ منعه تحكُّمٌ على غير أساس.

(189/3)

قَطُّ

قَطُّ: ظرفُ زمانٍ يختصّ بالماضي ويستغرقه، مبني على الضمّ. يسبقه في الاستعمال نفي أو استفهام نحو: [ما زارنا قطُّ] و [هل زارنا قطُّ؟](1) .

* * *

1- في تاريخ اللغة، أنّ [قطّ] كانت استعملت ساكنةَ الآخر بغير تشديد بمعنى [حسْب]، نحو: [قطْ زيدٍ درهمٌ = حسب زيدٍ درهم]، وبمعنى [يكفي]، نحو: [قطني درهمٌ = يكفيني درهمٌ].

(190/1)

رُبَّ(1)

رُبَّ: من حروف الجرّ، معناها التقليل أو التكثير، على حسب الحال. ومن سياق الكلام يتبيّن المراد.

أحكام:

¨ تدخل [رُبّ] على اسم نكرة مجرور. ويكون جوابها(2) اسماً مرفوعاً، أو جملة. نحو: [ربَّ ضارّةٍ نافعةٌ]، و[ربّ جهلٍ ستره الغِنى] و[ربّ مُدّعٍ يفضحه تعالمُه]

و[ربّ فقيرٍ معدمٍ عِلمُه غزير].

¨ كثيراً ما تُحذف في الشعر، وتنوب عنها الواو(3).

¨ قد تتصل بها [ما] الزائدة، فتختص بالدخول على الجُمل ماضويةً ومضارعية، نحو: [ربّما سافر خالد، وربّما تطول غيبته](4). وقد تخفّف باؤها فيقال: [رُبَما سافر].

* * *

نماذج فصيحة من استعمال [ربّ]

· قال جَذِيمة الأبرَش (الكتاب - هارون 3/516):

رُبَّما أَوْفَيْتُ في عَلَمٍ تَرْفَعَنْ ثَوبِي شَمالاتُ

[العَلَم: الجبل، والشمالات: جمع شَمال، وهي الريح تهب من ناحية الشَّمال. والشاعر يفخر بأنه يحفظ أصحابه إذا خافوا، فيكون لهم طليعةً في رأس الجبل، لما يدلّ عليه ذلك من قوة في الجسم: (حدّة البصر)، وقوّة في النفس: (شهامة)].

اتّصلت [ما] الزائدة بـ [ربّ]، فاختصّت بالدخول على الجُمل: [أوفيت].

· ]رُبَما يودّ الذين كفروا لو كانوا مُسْلِمين[ (الحجر 15/2)

في الآية مسألتان: الأولى: اتصالها بـ [ما] واختصاصها مِن ثَمّ بالدخول على الجمل. (يودّ). والثانية: تخفيف الباء.

· قال أميّة بن أبي الصلت (الكتاب - هارون 2/109):

ربّما تَكرهُ النفوسُ مِنَ الأمرِ لهُ فَرْجَةٌ كَحَلِّ العِقالِ

اتصلت [ما] بـ [ربّ] فاختصّت بالدخول على الجمل: [تكره].

· قال ثابت قطنة، يرثي يزيد بن المهلب:

إنْ يقتلوك فإنّ قتْلكَ لم يكن عاراً عليك، ورُبَّ قتلٍ عارُ

دخلت [ربّ] على اسم نكرة: [قتلٍ]، وجوابُها اسمٌ مرفوع هو: [عارُ]. وكلا الأمرين على المنهاج.

· قال المتنبي:

ذَلَّ مَن يَغْبِطُ الذليلَ بعيشٍ رُبّ عيشٍ أَخَفُّ منه الحِمامُ

(191/1)

دخلت [ربّ] على اسم نكرة: [عيشٍ]، وجوابها جملة اسمية: [أخفُّ منه الحِمام].

· قال امرؤ القيس (الديوان / 29):

فيارُبَّ يومٍ قد لَهَوْتُ وليلةٍ بآنسةٍ كأنها خَطُّ تِمْثالِ

دخلت [ربّ] على اسم نكرة: [يومٍ]، وجوابها جملةُ: [لَهَوْت]. وكلاهما على المنهاج.

· قال جَحْدَر العُكْلِيّ (الأمالي 1/278):

فإنْ أهْلِكْ فربّ فتىً سيبكي عَلَيَّ مُهذبٍ رَخْصِ البَنانِ

دخلت [ربّ] على اسم نكرة: [فتى]، وجوابها جملةُ: [سيبكي]. وكلاهما على المنهاج.

· قال امرؤ القيس (الديوان /18):

وليلٍ كموجِ البحرِ أرخى سُدولَهُ عَلَيَّ بأنواع الهموم ليبتلي

الأصل في البيت: [ربّ ليلٍ]، ثم حُذفت [ربّ] فنابت عنها الواو: (واوُ ربّ). ولا يكون ذلك إلاّ في الشعر. ومثل ذلك طِبقاً قولُ صخر بن عمرو بن الشريد:

وعاذلةٍ هَبَّتْ بليلٍ تلومني ألا لا تلومِيني،كفى اللومَ ما بِيَا

وقولُ معنِ بن أَوْس المُزَنيّ (الأمالي 2/99):

وذي رَحِمٍ قلّمْتُ أظفارَ ضِغْنِهِ بحِلْميَ عنهُ، وهْوَ ليس لهُ حِلْمُ

ففي البيتين كليهما حُذفت [ربّ] ونابت عنها الواو: [واو ربّ].

* * *

1- عِيْبَ على الجوهري أنه لم يذكر من معاني [ربّ] في الصحاح إلا أربع عشرة لغة، منها: ربّ، ربّما، ربّتما، ربْ،... وقيل: [هو قصور ظاهر]!! لأن [ربّ] لها سبعون لغة!! انظر: (تاج العروس 2/475).

2- تسمية ما يتم به الكلام بعدها: [جواباً]، مصطلح يعبّر عن حاقّ مسمّاه، وكان الخطيب التبريزي يجري على استعماله، ومنه قبسناه. انظر (شرح المفضليات 1/38).

3- يسمّي النحاة هذه الواو: [واو ربّ]. ولا تكون إلاّ في الشعر.

4- قال سيبويه: [جعلوا (ربّ) مع (ما) بمنْزلة كلمة واحدة، وهيّؤوها ليُذكر بعدها الفعل، لأنهم لم يكن لهم سبيل إلى (ربّ يقول)] (كتاب سيبويه - هارون 3/115).

(191/2)

سَوْفَ

سوف: حرف يختصّ بالفعل المضارع، ويخلصه للمستقبل مثل السين، غير أنّ [سوف] في رأي فريق من النحاة، أوسع من السين في مدّة الاستقبال. وتدخل عليها لام التوكيد، نحو: ]ولَسوف يُعطيك ربُّك فترضى[ (الضحى 93/5)

* * *

(192/1)

سِوَى

سِوَى: لها معانٍ، أشهرها [غير]. يقال مثلاً: [زارني سواك = زارني غيرُك]. وهي اسمٌ يجري عليه ما يجري على الأسماء، فيكون فاعلاً ومفعولاً وصفةً ومستثنى إلخ...نحو:

ما جاء سوى زهيرٍ (فاعل).

ولم نَصحبْ سوى خالدٍ (مفعول به).

ولا استقبلْنا ضيفاً سواه (صفة).

وسافر الطلاّبُ سوى محمّدٍ (اسم منصوب على الاستثناء).

وما سافرت الطالباتُ سوى هند (يجوز بعد النفي، النصب والبدلية: النصبُ على الاستثناء، والرفعُ بالإتباع على البدلية من الطالباتُ)(1).

* * *

نماذج فصيحة من استعمال [سوى]

تمهيد: يتبيّن من النماذج التالية أنّ إعراب [سوى] يكون على حسب موقعها من العبارة:

· قال المتنبي (الديوان 3/286):

سِوى وَجَعِ الحُسّادِ داوِ فإنّهُ إذا حَلَّ في قلبٍ فَلَيسَ يَحُولُ

[سوى... داوِ]: الأصل [داوِ سوى...]، فـ [سوى] مفعول به وقد تقدّم على فعله: [داوِ].

· قال مجنون ليلى (الديوان /108):

أَأَتْرُكُ ليلى ليس بيني وبينَها سِوى ليلةٍ إني إذاً لَصَبُورُ

[ليس... سوى]: ليس، من أخوات [كان] ترفع الاسم وتنصب الخبر، و[سوى] اسمها مؤخر، وخبرها الظرف: [بيني و...].

· قال الفِنْد الزِّمّانيّ (شرح ديوان الحماسة 1/35):

ولمّا صَرَّحَ الشَّرُّ فأَمْسَى وهو عُرْيانُ

ولم يَبْقَ سوى العُدْوا ....... نِ دِنّاهمْ كما دانُوا

[لم يبقَ سوى...]: يبقَ فعل مضارع مجزوم، فاعله: [سوى].

· قال الشاعر (شرح ابن عقيل 1/614):

لَدَيْكَ كفيلٌ بالمنى لِمُؤَمِّلٍ وإنّ سواكَ مَن يُؤَمِّلُهُ يَشقَى

[إنّ سواكَ...]: سِوى اسم إنّ منصوب بفتحة مقدّرة على الألف.

· قال عمر بن أبي ربيعة على لسان صاحبته (الديوان /260):

وصَرَمْتُ حَبلَكَ إذ صَرَمْتُ، لأنني أُخْبِرْتُ أنكَ قد هوِيْتَ سِوانا

[سوانا]: مفعول به لفعل [هويت]، و[نا] مضاف إليه.

· قال ابن المولى ليزيد بن حاتم (شرح ديوان الحماسة 4/1761):

وإذا تُباع كريمةٌ أو تُشتَرَى فسِواكَ بائعُها، وأنت المشتري

(193/1)

[سواك بائعها]: سوى مبتدأ، خبره بائع.

* * *

1- انظر بحث المستثنى بـ[إلاّ].

(193/2)

ثَمَّ

ثَمَّ: اسم يشار به إلى المكان البعيد. مبني على الفتح، ويكون في العبارة ظرفاً للمكان، نحو: ]وإذا رأيتَ ثَمَّ رأيتَ نعيماً ومُلكاً كبيراً[ (الإنسان 76/20)، وقد يُجَرّ بـ [مِنْ]، فيقال: [مِن ثمَّ].

وقد تلحقه تاء التأنيث فيقال: [ثَمَّةَ]، وتُلفَظ عند الوقف هاءً: [ثَمَّهْ].

* * *

(194/1)

ثُمَّ

حرف عطف، معناه الترتيب والتراخي، ويفيد مشاركة المعطوف للمعطوف عليه في الحكم والإعراب، نحو: [سافر خالدٌ ثمّ زهيرٌ](1).

أحكام:

¨ تعطِف الجملةَ والمفرد، نحو: [سافر زهير ثم عاد] و [زارنا زهير ثم خالد].

¨ تدخل عليها همزة الاستفهام، نحو: ]أثُمَّ إذا ما وقع آمنتم به[

(يونس 10/50)

¨ قد تتصل بها تاء التأنيث، فتختصّ - في هذه الحال - بعطف الجمل، ومن ذلك البيت المشهور لشَمِر بن عمرو الحنفي (الأصمعيات /137):

ولقد مررْتُ على اللئيمِ يسبّني فمضَيْتُ ثُمَّتَ قلتُ لا يَعْنينِي

* * *

1- المسافر الأول خالد والثاني زهير: (ترتيب)، وبين سفرهما مدّة: (تراخٍ في الزمن)، وكلاهما سافر: (مشاركة في الحكم)، وكلاهما مرفوع: (مشاركه في الإعراب).

(195/1)

وَاْ

هي حرف مختصّ بالندبة (أي: التفجّع على الميت)، فلا يُندَب إلاّ بها. نحو: [وا خالداهْ] (الهاء: هاء السكت).

* * *

(196/1)

يا

حرف ينادى به القريب والبعيد، ويجوز حذفه، نحو: [زهيرُ أقْبِلْ].

مزاياها:

* قد يُنادى بها ما لا يُنادى، فتُعَدّ حرفَ تنبيه، نحو: [يا ليتني سافرت].

* لا ينادَى لفظُ الجلالة إلاّ بها، فيقال: [يا أللّهُ]. (بإثبات الهمزة)

* لا يَدخل على [أيّها وأيّتها] إلاّ هي، نحو: [يا أيها الطالب ويا أيتها الطالبة].

* لا يستغاث إلاّ بها كنحو: [يا لَلأقوياءِ لِلْضعفاءِ].

* لا يدخل على أساليب التعجب الثلاثة إلاّ هي، كنحو: [يا بَحرُ !! - يا لَلْبحرِ !! - يا بَحْرَاْ !!].

* * *

(197/1)