المجلد الثالث: الجماعات اليهودية.. التحديث والثقافة 17

الصفحة السابقة ß إضغط هنا

التربية والتعليم عند الجماعات اليهودية في العالم الغربي (ما عدا روسيا وبولندا) حتى الحرب العالمية الأولى Education of the Jewish Communities in the Western World (Except Russia and Poland) to the First World War

1 ـ ألمانيا والنمسا (وجاليشيا):

شهدت الأراضي الألمانية تغيرات وتطورات أدَّت إلى ظهور طبقة من المموِّلين والتجار ويهود البلاط الذين يتطلب عملهم المعرفة باللغات الأوربية والثقافة الحديثة. ومن ثم، فقد قل اهتمامهم بدراسة التلمود والمواد اليهودية التقليدية ولم تتعد معرفتهم قراءة آلية لبعض أجزاء من أسفار موسى الخمسة. كما شهد النصف الثاني من القرن الثامن عشر ظهور كثير من التشريعات التي تعطي اليهود حقوقهم المدنية، حيث أصدر الإمبراطور جوزيف الثاني إمبراطور النمسا براءة التسامح (1782 ـ 1785 ) التي أتاحت لأعضاء الجماعات اليهودية كثيراً من فرص الحراك الاجتماعي، وطالبت في الوقت نفسه بإصلاح كثير من ممارساتهم وبالذات في مجال التربية والتعليم. وأدَّى هذا إلى انتشار فكر حركة التنوير اليهودية.

انطلق دعاة حركة التنوير من اليهود من مقولات الفكر العقلاني (المادي) وإيمانه بفاعلية التعليم العلماني اللامتناهية في تحسين أحوال البشر، ومن ثم أصبحت قضية التربية القضية الأساسية بالنسبة لهم. كما رأوا في التعليم اليهودي التقليدي سبباً من أسباب تخلف الجماعات اليهودية وانعزالها الثقافي، ولذا حاولوا إحداث تغييرات في مناهج التعليم اليهودي وطرق تدريسه.

كان موسى مندلسون ـ مؤسس حركة التنوير اليهودية ـ أول من حاول تحسين وتحديث نظام التعليم اليهودي كوسيلة لرفع مستوى اليهود الثقافي ودمجهم في المجتمع الألماني. فقام بترجمة العهد القديم إلى اللغة الألمانية كوسيلة لتشجيع اليهود على تعلمها، كما تم، بمبادرة منه، تأسيس المدرسة الحرة أو مدرسة الشباب في برلين للأطفال اليهود الفقراء عام 1778 وكانت مجانية، وتُعتبَر هذه المدرسة أولى المدارس اليهـودية التي جمـعت مناهجـها بين دراسـة العهد القديم والتلمود، واللغة الألمانية والفرنسية، والحساب والجغرافيا، والعلوم الطبيعية والفن. وقد أحدثت هذه المدرسة انقلاباً في نظام تعليم أعضاء الجماعات اليهودية في الغرب. كما شكَّلت بداية انتقال مركز الثقل من المواد اليهودية التقليدية إلى المواد العلمانية. وحققت هذه المدرسة منذ بدايتها الأولى نجاحاً، فكان نصف تلاميذها السبعين فقط من الفقراء، أما النصف الآخر فكان منالميسورين الذين أدركوا أهمية التعليم العلماني الذي تقدمه هذه المدرسة.

ويأتي نفتالي هرتز فيسيلي (1725 ـ 1805) في الأهمية بعد مندلسون، كأحد دعاة حركة تحديث تعليم الجماعات اليهودية. ففي كتيب كلمات السلام والحق الذي يُعتبَرالمنشور الأول لحركة التنوير اليهودية، يرحب فيسيلي ببراءة التسامح التي أصدرها الإمبراطور جوزيف الثاني إمبراطور النمسا، ويقترح برنامجاً لتعليم الطفل اليهودييتكون من جزءين: جزء يُخصَّص للدراسات العلمانية، أطلق عليها دراسات تتصل بالإنسان، أما الجزء الثاني فكان يُخصَّص للدراسات الدينية. كما يؤكد فيسيلي أهمية تعليم اللغة الألمانية والعبرية، بل يقترح أن يدرس الأطفال اليهود العهد القديم في ترجمته الألمانية. كذلك احتلت قضية التعليم موقعاً بارزاً ونوقشت بتوسع في جريدة هامآسيف المعبِّرة عن أفكار التنويريين اليهود، وفيها طالب المتحمسون من دعاة حركة التنوير بأن يبدأ الطفل اليهودي بتعلم اللغة الألمانية والحساب أولاً ثم يضاف فيما بعد تعلُّم اللغة العبرية قراءة وكتابة. بل طالب ديفيد فرايدلاندر بأن تقتصر الدراسة الدينية على بعض الفصول المنتقاة من العهد القديم ذات الطبيعة الأخلاقية وأن تُستخدَم اللغة الألمانية في تدريسها.

وبمبادرة من دعاة حركة التنوير، تم تأسيس عدد من المدارس في برلين ودساو وفرانكفورت جمعت مناهجها بين المواد العلمانية والمواد الدينية، والتي خُصِّصت لها ساعات قليلة وأهملت فيها دراسة التلمود. كذلك قام عـدد من المربين بكتابة كتـب مدرسـية باللغة العبرية لهذه المدارس. فألَّف بيتر بير كتاباً عن التاريخ اليهودي، كما ألَّف نفتالي هرتز هومبرج كتاب المطالعة الدينية والأخلاقية للشباب. وفي عام 1807، أُدخلت طقوس بلوغ سن التكليف الديني (برمتسفاه) بعض المدارس في ألمانيا، وذلك في محاكاة واضحة لطقوس تثبت التعميد بين المسيحيين. كذلك تغلغل أثر حركة التنوير بين اليهود الأرثوذكس الذين كان عليهم أن يستجيبوا لمتطلبات العصر. فالحاخام حزقيال لانداو يرى أن التوراة أساس التعليم، إلا أنه يؤكد أن تعليم القراءة والكتابة أمر مهم أيضاً، لذا يجب على الفرد اليهودي أن يتعلم كلا الشيئين. كما وافق الحاخام ديفيد تفيلي أهمية تعليم الأطفال اليهود اللغة الألمانية لمدة ساعة أو ساعتين يومياً. كذلك قام اليهود الأرثوذكس بتأسيس مدرسة في هالبرستادت وأخرى في هامبورج جمعت مناهجها بين العلوم الدينية وغير الدينية. كذلك أدخلت حركة التنوير تغييرات مهمة على تعليم البنات، فبينما كانت بنات اليهود الأثرياء يتلقين تعليمهن على أيدي مدرسين خصوصيين، اهتم دعاة التنوير بتعليم الفقيرات وأُسِّس عدد من مدارس البنات (ابتداءً من عام 1790) في برسلاو وهامبورج وغيرهما من المدن، ضمت مناهجها تعليم الألمانية والعبرية وأساسيات الدين والأخلاق والحساب، كما وُجدت مدارس أيضاً قامت بتعليم اليديشية والأشغال الفنية والفن والغناء.

ويجب أن نشير أيضاً إلى أن حركة التنوير اليهودية اهتمت بالتعليم المهني، فقد رأى دعاة التنوير اليهودي أن إبعاد اليهود عن وظائفهم التقليدية (مثل الربا والتجارة) وتحويلهم إلى الاشتغال بالزراعة والحرف اليدوية المختلفة سيساهم في تغيير حياة أعضاء الجماعة اليهودية وسيؤدي إلى تخليهم عن أية خصوصية قد تتسبب في عزلتهم عن بقية أعضاء المجتمع، ولهذا أدخلوا تعليم الحرف في المدارس التي أسسوها. وكانت بعض هذه المدارس تسجل خريجيها عند حرفيين مسيحيين ليتتلمذوا على أيديهم. كما أُنشئت في بعض الولايات الألمانية جمعيات للعناية بالصبية تحت التدريب. وفي برلين، أُسِّست جمعية لنشر الحرف الصناعية بين أعضاء الجماعة اليهودية عام 1812 وكان هدفها إيقاظ الروح الخلاقة بين أعضاء الديانة اليهودية وتفنيد الاعتقاد السائد عن اتجاه اليهود إلى التجارة.

ويمكن تلخيص التغيرات التي أدخلتها حركة التنوير اليهودية على منهج التعليم اليهودي في ألمانيا على النحو التالي:

أ ) زادت أهمية الدراسات غير الدينية وبدأت مدة الدراسة فيها تطغي على الوقت المخصص للدراسات الدينية.

ب) قلَّت أهمية دراسة التلمود، وبالتدريج اختفت تماماً.

جـ) دُرِّست ترجمة مندلسون للعهد القديم.

د ) دُرِّست اللغة العبرية كمادة مستقلة عن العهد القديم وزاد الاهتمام بتدريس قواعدها.

5 ـ دُرِّس الدين كمادة مستقلة وبطريقة الوعظ الديني، وهي طريقة لم تكن معروفة عند اليهود من قبل.

6 ـ دُرِّست مادة الأخلاق كمادة مستقلة واستُخدمت طريقة لم يعرفها اليهود من قبل، فكانت بعض مقطوعات العهد القديم تُدرَّس ويُستخلَص منها الهدف الأخلاقي.

7 ـ أُدخلت دراسة ما يُسمَّى «التاريخ اليهودي» وهي مادة جديدة، لم يُدرَّس فيها إلا «التاريخ» الوارد في العهد القديم.

8 ـ دُرِّست مواد عامة كاللغة الألمانية قراءة وكتابة، كذلك اللغة الفرنسية وأحياناً الإنجليزية (لأهميتها التجارية) واللاتينية (في بعض المدارس) والحساب والخط ومادة الطبيعة والجغرافيا وتاريخ العالم والرسم والغناء ومسك الدفاتر والتدريب المهني والزراعة.

وانتشرت المدارس اليهودية المتكاملة التي جمعت مناهجها بين المواد العلمانية والدينية في بلدان أوربا الغربية والشرقية. ففي عام 1813، أسس يوسف بيرل مدرسة في تارينول في جاليشيا استُخدمت فيها الألمانية كلغة للتدريس، كما أُلحقت بها فصول مخصَّصة للبنات، وأُسِّست مدرسة مشابهة في لفوف عام 1845. وفي عام 1819، أسس يعقوب تجندهولد في وارسو ثلاث مدارس استُخدمت فيها البولندية كلغة للتدريس كما تم تأسيس مدرستين للبنات. ولم تُفتَح أية مدارس ثانوية خاصة لليهود إلا مدرسةفيلانثروبين (الابتدائية) في فرانكفورت التي افتُتح فيها قسم علمي عام 1813 مدة الدراسة فيه ست سنوات. كما أُنشئت معاهد خاصة تجارية.

وبتأسيس هذه المدارس، ظهرت مشكلة تدريب معلمين لها، ففُتح أول معهد لإعداد المعلمين في كاسل عام 1810، وتبعه معهد في أمستردام (1836) لإعداد المعلمين والحاخامات. وفي عام 1856، افتتح معهد لإعداد المعلمين وحسب في بودابست.

وبلغ عدد المدارس التي أقامتها الجماعات اليهودية في مورافيا عام 1784 نحو 42 مدرسة، وفي بوهيميا وصل عددها 25 مدرسة عام 1787، وفي المجر بلغ عددها 30 مدرسة بنهاية عام 1780. أما في جاليشيا، فبلغ عدد المدارس 104 مدارس إلا أنها أُغْلقت عام 1806 خوفاً من الاتجاهات العلمانية التي اعتنقها مدرسوها اليهود، فتم استدعاء التربوي اليهودي نفتالي هرتز همبورج للإشراف عليها.

ومنذ منتصف القرن التاسع عشر، فتحت المدارس الحكومية أبوابها للأطفال اليهود وتدفقت أعداد كبيرة منهم عليها. وأصبح التعليم الديني اليهودي مقتصراً إما على المدارس التكميلية التي كان الأطفال اليهود يتركونها عند سن الثالثة عشرة أو على بعض الفصول الدينية في المدارس الحكومية. وقد اختفت المدارس الأولية الدينية (حيدر) لتحلّ محلها المدارس اليهودية الحديثة، إلا أن عددها كان صغيراً وكان برنامج الدراسات اليهودية فيها ضئيلاً، فلم تتعد قراءة الصلوات وبعض أجزاء من أسفار موسى الخمسة.

ومع هذا، كانت هناك حركة مضادة لهذا الاتجاه في ألمانيا، حيث أسس سامسون روفائيل هيرش، مؤسِّس الأرثوذكسية الجديدة وزعيمها في ألمانيا، مدرسة في فرانكفورت عام 1855، قدمت برنامجاً مكثفاً للدراسات الدينية واليهودية، بالإضافة إلى برنامج من المواد العامة على نمط المدارس الألمانية. وهذه المدرسة كانت الأولى في سلسة المدارس الأرثوذكسية التي تأسست فيما بعد، كما تم تحديث مرحلة الدراسات العليا، فاختفت المدارس اللاهوتية التي تم تأسيسها عام 1854، وكان يترأسها زكريا فرانكل الذي أدارها بطريقة حديثة وشجع الدارسين فيها على اتخاذ موقف من اليهودية وتاريخها. وكان خريجو هذه الكلية يُعيَّنون حاخامات محافظين.

وفي عام 1872، افتُتحت في برلين المدرسة العليا للدراسات اليهودية التي كانت متأثرة في اتجاهاتها بآراء جايجر الإصلاحية. كما أُسِّست في برلين، عام 1883، كلية لاهوتية أرثوذكسية لتخريج الحاخامات الأرثوذكس.

وفي الأجزاء الناطقة بالألمانية من الإمبراطورية النمساوية، اتخذ تعليم الجماعات اليهودية المسـار نفـسه الذي اتخذه في ألمانيا. ففي فيينا، رغم وجود جماعة يهودية كبيرة، تدهور التعليم اليهودي التقليدي وتزايد التحاق الأطفال بالمدارس الحكومية أو المدارس اليهودية الحديثة. كما أُسِّس معهد للدراسات الحاخامية عام 1893.

وفي المجر، كان يُوجَد اتجاهان: اتجاه يحبذ الاندماج، وآخر يحبذ المحافظة على الهوية اليديشية. وقد أرسل أتباع الاتجاه الأخير أولادهم إلى المدارس التقليدية للحصول على تعليم تقليدي. كما وُجد عدد كبير من المدارس التلمودية العليا، وهو ما يشير إلى أن عملية التحديث والعلمنة لم تكن تسير بالسرعة نفـسها التي كانت تسير بها في ألمانيا والنمسا، كما لاقت عملية تحديث التربية اليهودية في جاليشيا النمساوية المجرية مقاومة كبيرة. وبعد أن فُتحت مدارس حكومية لأطفال اليهود، في نهاية القرن الثامن عشر والسنوات العشر الأولى من القرن التاسع عشر، فإنها عادت وأغلقت أبوابها من جديد. ومع هذا، نجحت عمليات الدمج بمرور الزمن، وزاد تسجيل الأطفال اليهود في المدارس الحكومية إلى أن بلغ 78 ألفاً عام 1900.

2 ـ فرنسا وإيطاليا:

وجد دعاة التنوير اليهودي حليفاً في الحكومة الفرنسية، حيث ركزت الثورة الفرنسية على التعليم ومؤسساته بهدف دمج أعضاء الجماعات اليهودية. ولم تواجه عملية دمج السفارد أية صعوبات ذات بال، لأن قيادات الجماعة اليهودية السفاردية كانوا من كبار المموِّلين الذين يحتاج المجتمع إلى خبراتهم واتصالاتهم الدولية، كما أن لغتهم (اللادينو) لغة لاتينية قريبة من الفرنسية وثقافتهم إسبانية قريبة من ثقافة فرنسا اللاتينية الكاثوليكية. وقد كانت مؤسساتهم التربوية منفتحة للغاية ولا تستبعد العلوم العلمانية (وهذا ما بينه المفكر السفاردي دي بنتو في خطابه لفولتير). ولذا، يُلاحَظ أن كل أطفال اليهود الذين بلغوا السن القانونية في عام 1808 كانوا يذهبون إلى مدارس حكومية في جنوب ووسط فرنسا، هذا على عكس يهود الألزاس واللورين الذين كانوا من يهود اليديشية، وكانت ثقافتهم ألمانية سلافية تفصلهم عن محيطهم الفرنسي اللاتينيالكاثوليكي. كما أنهم كانوا فقراء متخلفين، ولذا قاوموا المحاولات الرامية لدمجهم، ولم تَزد نسبة الأطفال اليهود الذين سجلوا في مدارس حكومية عن 10%. غير أن الدولةالفرنسية اتبعت سياسة نشطة في عملية الدمج وفتحت المدارس أمام أعضاء الجماعة اليهودية، وفتحت أبواب الحراك الاجتماعي أمام المتعلمين منهم. ولذا، فإننا نجد، معمنتصف القرن التاسع عشر، أن أعضاء الجماعات اليهودية أخذوا في إرسال أولادهم إلى المدارس الحكومية العلمانية، واكتفوا بالمدارس التكميلية (بعد انتهاء اليومالمدرسي) لتعليم أولادهم الدين اليهودي وما يُسمَّى «التاريخ اليهودي».

وقد تدهور التعليم التقليدي، وأغلقت معظم المعاهد التلمودية العليا أبوابها. وبديلاً عن ذلك افتُتحت في باريس عام 1859 كلية للدراسات الحاخامية تُسمَّى المدرسةالحاخامية.

ولم تختلف الأوضاع التعليمية في إيطاليا عنها في جنوب فرنسا كثيراً حيث كانت الجماعة اليهودية في إيطاليا تتسم بالانفتاح النسبي. وقد تدهور التعليم اليهودي التقليدي مع تزايد هجرة اليهود من البلدان الصغيرة إلى المدن الكبرى. وقد قام أعضاء الجماعة اليهودية المتيسرون بإرسال أولادهم إلى المدارس العامة ثم تبعهم في ذلك باقي أعضاء الجماعة.

وفي عصر الاستنارة والتنوير، نشب صراع بين المحافظين والتجديديين حول منهج التعليم. ولكن أياً من الفريقين لم يطالب بإلغاء المواد الدينية أو المواد العلمانية تماماً، وانصرف الخلاف إلى طريقة تحقيق التوازن بينهما.

وبلغ عدد الطلبة المسجلين في المدارس اليهودية المعترف بها من الحكومة 1,600طالب عام 1901، ولم تزد المواد الدينية التقليدية في هذه المدارس عن ساعة واحدة يومياً، وشملت القراءة والصلوات وأجزاء من أسفار موسى الخمسة وكانت تُلقى المواعظ الدينية باللغة الإيطالية. كما تدهورت الأوضاع التعليمية في معهد الدراسات الحاخامية المعروف باسم «كوليجيو رابينكو» وقلَّ عدد طلابه.

3 ـ إنجلترا:

ظلت إنجلترا خالية من اليهود تقريباً حتى القرن السابع عشر حيث سُمح لهم بالاستقرار. وكان عدد أعضاء الجماعة اليهودية فيها صغيرا للغاية. ومع هذا، كان للجماعة اليهودية في إنجلترا شبكة واسعة من المدارس اليهودية، وذلك قبل تطبيق قانون التعليم الإجباري العام في إنجلترا عام 1870. وقد تأسس كثير من هذه المدارس خلال القرن التاسع عشر، خصوصاً شبكة المدارس الحرة (بالإنجليزية: «فري سكولز free schools») التي كان يَدرس بها عام 1850 نحو 2000 طفل يهودي من إجمالي تعداد أعضاء الجماعة البالغ في تلك الفترة 35000 شخص. كما كانت توجد مدارس يهودية خاصة ذات مستوى أفضل من المدارس الحرة. ومما يُذكَر أن غالبية هذه المدارس، وخصوصاً المدارس الحرة، كان يقدم تعليماً علمانياً إلى جانب قدر ضئيل من الدراسات اليهودية، كما وُجدت فصول دينية مسائية ومدارس أحد لتعليم اللغةالعبرية. كذلك أُسِّست مؤسسات يهودية للتعليم العالي في منتصف القرن التاسع عشر، من أهمها كلية اليهود Jews' College التي تأسَّست عام 1855.

ومع صدور قانون التعليم الإجباري عام 1870، توقَّف تأسيس مدارس حرة جديدة. كما شهدت المدارس اليهودية الخاصة تدهوراً حاداً. ولكن، مع بداية تدفق يهود اليديشية من شرق أوربا عام 1881، أثارت ضحالة برامج الدراسات الدينية في المدارس اليهودية استياء المهاجرين الجدد، ولذا فضلوا إقامة عدد من المدارس التقليدية وإرسال أولادهم إليهـا. فانتشرت المـدارس الابتدائية الدينية التقليـدية مثـل المـدارس الابتدائية الخاصة (حيدر) والخيرية (تلمـود تـورا) في جميع أنحاء البلاد. إلا أن مستوى هذهالمدارس كان بدوره هابطاً للغاية ولا يُقــارَن بمـستوى مثيلتهـا في أوربا الشرقية، بل فشلت في تعميق ارتباط طلابها بالديانة والتقاليد اليهودية.

ورغم أن لندن كانت تضم في نهاية القرن واحدة من أكبر المدارس اليهودية في أوربا بل في العالم بأسره، إذ كانت تضم 3000 طالب، إلا أن الهدف الحقيقي من هذه المدرسة كان إضفاء الطابع الإنجليزي على هؤلاء المهاجرين الغرباء إلى إنجلترا وكسر حدة يهوديتهم الزائدة، وفقـاً لإسرائيل زانجويل، في كـتابه أطفال الجيتو (1892).

كما نجد أنه مع تحسُّن أوضاع المهاجرين الاقتصادية، وخروجهم من مناطق تمركزهم في لندن إلى الضواحي والمناطق السكنية الأرقى، بدأت تختفي أيضاً المدارس الدينية التقليدية لتحلّ محلها المدارس الملحقة بالمعبد حيث يتلقى الأطفال بضع ساعات من الدراسة الدينية خلال الأسبوع، وذلك في نظام مشابه لنظام مدارس الأحد اليهودية في الولايات المتحدة.

وبالتالي، أصبحت الصورة السائدة في العقد الأول من القرن العشرين هي التحاق الجزء الأكبر من الأطفال الإنجليز اليهود بالمدارس الابتدائية والثـانوية الحكومية وحصولهم على قدر ضئيل من المعرفة بالديانة اليهودية واللغة العبرية من خلال الدراسة التكميلية.

التربية والتعليم عند الجماعات اليهودية في أوربا الشرقية (روسيا وبولندا) حتى الحرب العالمية الأولى

Education of the Jewish Communities in Eastern Europe (except Russia and Poland) to the First World War

بعد تقسيم بولندا للمرة الثالثة، ضمت روسيا غالبية يهود اليديشية. وتزامنت هذه العملية مع تغيرات سياسية واقتصادية كان المجتمع الروسي يمر بها في مجرى انتقاله من مجتمع زراعي إقطاعي إلى مجتمع صناعي. فعلى الصعيد السياسي، قامت محاولة لفرض ضرب من الوحدة على مئات الأقليات والتشكيلات الحضارية حتى يتسنى للحكومة المركزية التعامل معهم. وعلى الصعيد الاقتصادي، بدأت تظهر في روسيا اتجاهات نحو التصنيع، وتحديث بنية المجتمع الاقتصادية. وكانت عملية التحديث هذه تتم تحت إشراف القياصرة المطلقين وطبقة النبلاء الإقطاعيين، ومن خلال بيروقراطية غير مستنيرة وغير مؤهلة عرقلت عملية تحديث المجتمع، فأدَّى ذلك إلى قيامالاضطرابات والثورات التي انتهت بالثورة البلشفية عام 1917.

وقد حدَّدت هذه الأوضاع علاقة الجماعات اليهودية بكل من المجتمع الروسي والدولة الروسية. فاتبعت الدولة معهم، مثلهم مثل غيرهم من الأقليات، سياسة الترويس بالقوة حتى يتم استيعابهم ودمجهم في الثقافة الروسية.

ومنذ بداية القرن التاسع عشر، ومع المحاولات الأولى للحكومة الروسية في مجال تحديث وترويس الجماعات اليهودية، أدرك المسئولون في الحكومة الدور الفعال الذي يمكن أن يلعبه التعليم الحديث في هذا المضمار، ومن ثم اتخذ المسئولون من التعليم وسيلة لتحديث تربية أعضاء الجماعات اليهودية ودمجهم في الإطار الثقافي العام للمجتمع. وساعد الحكومة القيصرية في جهودها رواد حركة التنوير.

بدأ التيار التنويري يدخل روسيا عن طريق أوربا الغربية وبالذات ألمانيا منذ بداية القرن التاسع عشر. وكانت ليتوانيا وأوكرانيا من المناطق الأولى التي دخلها الفكر التنويري، وقد حمله إليهما التجار والعلماء المتجولون والأطباء. كما ساعد اشتراك بعض اليهود من مدن ليتوانيا وبولندا في الدوريات التي أصدرها دعاة التنوير في ألمانيا في نشر الفكر التنويري بين بعض أعضاء الجماعات اليهودية في روسيا.

وكان من أوائل دعاة التنوير إسرائيل زاموسك ويهودا هرديتس ويهودا مرجوليوث وباروخ تشيك ومنديل ليفين. وقد ساهم هؤلاء التنويريون الأوائل في نشر الثقافة الحديثة عن طريق كتابة أو ترجمة بعض كتب العلوم الحديثة إلى العبرية، فقام باروخ تشيك بكتابة عدة كتب في الرياضيات والفلك، كما ترجم منديل ليفين كتباً في الطب والرحلات. وقام جونزبرج بترجمة كتاب اكتشاف أمريكا الذي ألَّفه كامب وكتاب تاريخ العالم لفولتير، كما ألَّف كتاباً عن تاريخ الحرب الفرنسية الروسية عام 1812. وكانت هذه هي المرة الأولى التي تستخدم فيها اللغة العبرية لنقل العلوم الحديثة.

كذلك قام أحد اليهود الأغنياء (يهوشاو زيتلين) بتأسيس مركز للمستنيرين في ضيعته. واعتمد هؤلاء المستنيرون الأوائل على علاقتهم بالسلطات الروسية كتجار وأطباءوموردي مواد غذائية، وقدموا مجموعة من المقترحات إلى الإدارة الروسية لتحسين وضع اليهود من أهمها إتاحة الفرصة لأعضاء الجماعات اليهودية للاشتغال بالحرف المختلفة والعمل بالزراعة وفتح مدارس حديثة لهم.

واهتم دعاة التنوير في روسيا منذ البداية، مثلهم مثل دعاة التنوير الألمان، بتأسيس مدارس تجمع مناهجها بين المواد العامة والمواد اليهودية كوسيلة لتحديث ثقافة الجماعات اليهودية. وكانت أولى المدارس التي تم تأسيسها على هذا النمط مدرسة أومان التي أسسها هايمان هورويتز. كما أسَّس بزاليل ستيرن مدرسة مماثلة في أوديسا عام 1826، وتلتها مجموعة من المدارس في كل من ريجا وكشينيف وفلنا. وخلال هذه الفترة، قام إسحق ليفنسون بتوضيح برنامج دعاة التنوير الروس لتحديث تربية أعضاء الجماعات اليهودية وتعليمهم. وقام هذا البرنامج أساساً على تأسيس شبكة من المدارس الابتدائية للبنين والبنات تجمع مناهجها بين المواد الدينية واليهودية والمواد العامة والتدريب على بعض الحرف. كما تضمَّن البرنامج تأسيس مدرسة ثانوية للمتميِّزين من الطلبة، كما أكد ضرورة نشر الحرف المنتجة (وبالذات الزراعة) بين الجماهير اليهودية، وضرورة استخدام اللغة الألمانية أو الروسية في التعليم. وبطبيعة الحال، قاومت القيادات الحاخامية الفكر التنويري التربوي واتخذت إجراءات عنيفة ضد أيِّ شاب يُقلِّد « البرلينيين ».

ونظر دعاة التنوير إلى الحكومة الروسية كنصير لهم في محاولتهم تحديث تربية وتعليم الجماعات اليهودية وأعانوها في تأسيس شبكة من المدارس الحديثة المخصَّصة لليهود والتي أُطلق عليها اسم «مدارس التاج». وقد أشرف ماكس ليلينتال على تأسيس هذه الشبكة كما حاول إقناع الجماعات اليهودية في روسيا بإرسال أولادهم إليها.

واتجهت جهود الحكومة الروسية، في محاولتها تحديث ثقافة وتربية الجماعات اليهودية، اتجاهين: فتح أبواب التعليم الحكومي لأعضاء الجماعة اليهودية وإقامة مدارس يهودية مخصَّصة لهم تحت إشرافها من جهة، وتحديث نظام التعليم اليهودي القائم من جهة أخرى.

فتحت الحكومة أبواب المدارس والجامعات الروسية للأطفال والشباب اليهود بقرار صدر عام 1804 خلال حكم القيصر ألكسندر الأول (1801 ـ 1825)، إلا أن عددالأطفال والشباب اليهود الذين انضموا إليها ظل منخفضاً جداً حتى عام 1840، فبلغ عدد التلاميذ اليهود في المرحلتين الابتدائية والثانوية 48 تلميذاً من المجموع الكليللتلاميذ المسجلين في المدارس والبالغ عددهم 8017. ولم يختلف الوضع بالنسبة إلى الجامعات، فقد بلغ عدد الطلاب اليهود 15 طالباً من مجموع الطلاب البالغ عددهم 2866.

ويبدو أن سلطة القهال وقفت بشدة ضد هذا القرار ومارست سلطتها في منع الطلاب اليهود من الالتحاق بالمدارس والجامعات الروسية. ونظراً لفشل الحكومة في جذب أعضاء الجماعة اليهودية للتعليم في المدارس الحكومية، وضعت الحكومة خطة لتأسيس مدارس تُخصَّص لليهود تخضع لإشرافها دون النص على حرمان التلاميذ اليهود من الالتحاق بالمدارس الحكومية، وأصدرت قراراً عام 1844 بتأسيس شبكة من مدارس التاج. وقد تكونت هذه الشبكة من المدارس التالية:

أ ) مدارس أولية من الدرجة الأولى في المدن.

ب) مدارس أولية من الدرجة الثانية في الأقاليم.

جـ) مدارس حاخامية لتدريب المدرسين والحاخامات.

وتقرر تمويل هذه المدارس عن طريق فرض ضريبة على الشموع التي يستخدمها اليهود في منازلهم يوم السبت. كذلك قررت الحكومة منح خريجي هذه المدارس الامتيازات نفسها التي ينالها خريجو المدارس الحكومية. وتضمن منهج هذه المدارس بعض المواد الدينية مثل العهد القديم وتاريخه والصلوات واللغة العبرية، علاوة على المواد غير الدينية مثل اللغة الروسية وقواعدها والحساب والجغرافيا وعلمي النبات والحيوان والخط والرسم. وكلفت الحكومة الروسية ماكس ليلينتال، وهو تربوي يهودي من دعاة التنوير من ألمانيا، بتأسيس مدرسة يهودية حديثة في ريجا عام 1840، إلا أن محاولاته باءت بالفشل إذ قاومت الجماعات اليهودية هذه المدارس مقاومة شديدة، حتى أنها حينما فُتحت كانت شبه مهجـورة ولم يلتحـق بها سـوى أولاد الفقـراء من اليهود. وحتى عام 1857، لم يزد عدد الطلبـة اليهـود المسـجلين في هـذه المدارس عن 3293.

ومنذ منتصف القرن التاسع عشر، ومع تزايد معدلات التحديث، وكنتيجة للسياسة الليبرالية التي انتهجها القيصر ألكسندر الثاني والتي فتحت أبواب الحراك الاجتماعي والاقتصادي أمام أعضاء الجماعات اليهودية، تزايدت نسبة الأطفال والشباب اليهود المسجلون في المدارس الابتدائية والثانوية. ففي عام 1853، بلغت نسبة الطلبة اليهود 1.25% من العدد الكلي للطلاب، ثم زادت النسبة إلى 3.2% عام 1863 حتى وصلت نسبة الطلاب اليهود المسجلين في المدارس الثانوية 13.2% من المجموع الكلي للطلاب عام 1873، وهي نسبة تتجاوز نسبتهم إلى عدد السكان. كذلك زاد عدد الطلاب اليهود المسجلين في الجامعات الروسية، ففي عام 1865 بلغت نسبتهم 3.2% منالعدد الكلي للطلاب، ثم زادت النسبة إلى 8.8% عام 1881. ومع ازدياد تسجيل الطلاب اليهود في المدارس الحكومية، أصدرت الحكومة قراراً عام 1872 بإغلاق مدارس التاج التي أنشأتها الحكومة (إلا في الأماكن التي لا توجد فيها مدارس حكومية).

وقد نال دعاة التنوير دفعة قوية وانتشر فكرهم بين كثير من الشباب اليهودي خلال حكم القيصر ألكسندر الثاني (1850 ـ 1881)، حيث أدَّت السياسة الليبرالية إلى تشجيع كثير من اليهود على إرسال أولادهم إلى المدارس الروسية الحكومية. كذلك لعبت الصحافة اليهودية، التي كان معظـم مؤسـسيها وصحفييـها وناشـريها من أتبـاع حركة التنوير، دوراً مهماً في نشر الفكر التنويري داخل مدارس التاج، مثل: مدرسة ريجا، ومدرسة أوديسا، ومدرسة سانت بطرسبرج التي أسستها جمعية نشر التنوير.

كما قام بعض المستنيرين من اليهود بتأسيس مدارس لتعليم البنات، فأُنشئت مدرسة في كل من تشرينجوف (1861) وكيشينيف (1864)، ومدرستان في منسك. وجمعتهذه المدارس بين المواد الدينية والمواد غير الدينية، فدرست المواد الدينية علاوة على الروسية والعبرية والألمانية. وقام دعاة التنوير بتأسيس جماعة نشر الثقافة بين يهود روسيا عام 1863 لتشجيع الشباب اليهودي على الالتحاق بالتعليم الحديث وتبنِّي الثقافة واللغة الروسية. وعاونت هذه الجمعية كثيراً من الشباب على الالتحاق بالمدارس الحكومية الحديثة، كما نشرت كثيراً من المطبوعات بالروسية والعبرية واليديشية.

وكوسيلة لترويس وتحديث الجماعات اليهودية، حاولت الحكومة القيصرية تحديث النظام التعليمي اليهودي التقليدي، ففرضت إشرافها على المدارس الأولية الخاصة (حيدر) وعلى معلميها، كما حاولت تغيير مناهجـها وتحسـين طرق التدريس فيها وتحسين الأوضاع التعليمية داخلها، إلا أن هذه المدارس كان بمقدورها تجاهل قرارات الحكومة نظراً لأنها كانت مدارس خاصة بعيدة عن قبضتها. ومع هذا، فقد تحسنت تجهيزات بعض هذه المدارس وكذلك الأوضاع الصحية داخلها تحت تأثير حركة التنوير، كما زادت رواتب معلميها، إلا أن مناهجها وطرق التدريس فيها لم تتغيَّر كثيراً عما قبل. ولكن أثر جهود كلٍّ من الحكومة وحركة التنوير في المدارس الأولية الخيرية (تلمود تورا) كان أكثر وضوحاً منه في المدارس الأولية الخاصة (حيدر) حيث إنها كانت مؤسسات تمولها الجماعة، فأدخلت بعض المواد غير الدينية على منهجها مثل اللغة الروسية (والترجمة منها إلى العبرية) والحساب، كما أدخلت التعليم المهني والحرف اليدوية في برامجها. وأُدخل في هذه المدارس نظام الامتحانات كطريقة للتقييم داخلها. كذلك حاولت الحكومة تحديث المدارس التلمودية العليا (يشيفا)، فأصدرت عدة قرارات شملت ضرورة تدريس اللغة الروسية والحساب والخط إلى جانب المواد الدينية، وتنظيم أوقات الدراسة داخلها. إلا أن قرارات الحكومة لم تؤثر كثيراً في هذه المدارس نظراً لكونها - كما أسلفنا - مؤسسات خاصة. ولعل أهم نتائج محاولات الحكومة الروسية تحديث ثقافة وتربية الجماعات اليهودية هو بروز فئة من المثقفين والرأسماليين اليهود لديهم ثقافة علمانية حديثة.

وباغتيال ألكسندر الثاني عام 1881، زادت الاتجاهات الرجعية في روسيا القيصرية، وصدرت عدة قوانين تحدُّ من الحريات ومن فرص الحراك الاجتماعي والاقتصادي للأقليات والجماعات غير الروسية. ولم تكن الجماعة اليهودية سوى إحدى الجماعات التي وقعت ضحية عملية القمع الرجعية، حيث صدرت قوانين مايو عام 1882 التيقلصت حقوقهم كثيراً. كما صدر قانون النسب (1887) الذي حدَّد نسبة قبول التلاميذ والطلبة اليهود في المدارس والجامعات الروسية، فحُدِّدت نسبة الطلبة اليهودالمسجلين في التعليم العالي والجامعي بـ 11% في منطقة الاستيطان، و5% خارج منطقة الاستيطان، و3% في كل من مدينتي موسكو وبتروجراد، ثم خُفِّضت النسَب إلى 7% و 5% و 2%على التوالي. وأدَّت القوانين الرجعية التي صدرت خلال هذه الفترة إلى تسييس طبقة المثقفين والمتعلمين من اليهود وانضمامهم إلى الحركات الثورية الروسية أو اعتناقهم الأفكار القومية الصهيونية أو اليديشية. أما الجماهير اليهودية، فقد تعرقل حراكها وبطؤت عملية استيعابها ودمجها في المجتمع الروسي.

ورغم صدور قوانين عام 1887 التي حددت عدد الطلبة اليهود في التعليم العلماني الحديث، إلا أن الطلب على التعليم العلماني استمر بصورة عامة وإن تذبذب بين الارتفاع والانخفاض وفقاً لتطبيق أو عدم تطبيق سياسة النسب التي حددها القانون. وقد بلغت نسبة الطلبة اليهود المسجلين في الجامعات والمعاهد العليا الروسية 13,2% عام 1894، وهبطت إلى 7% عام 1902، ثم ارتفعت مرة أخرى إلى 12% عام 1907، وعاودت الانخفاض مرة أخرى عام 1913 حتى بلغت 7,3%. فإذا ما أضيف أن عدد الطلاب اليهود المسجلين في جامعات أوربا الغربية، وكان يتراوح بين 1895 و2405 طالب عام 1902/1903، لاتضح أن عدد الطلاب اليهودالمسجلين في التعليم العالي العلماني كان آنذاك آخذاً في الزيادة، ومن ثم استمرت حركة علمنة وتحديث ثقافة طبقة المثقفين والمهنيين اليهود. كذلك تزايد عدد المدارساليهودية الخاصة المتأثرة بالفكر الاندماجي والتي استخدمت اللغة الروسية لغة للتدريس وجمع منهجها بين المواد الدينية وغير الدينية، وإن التحق بها أولاد الميسورين فقط من اليهود. فقد بلغ عدد التلاميذ المسجلين في هذه المدارس قبل الحرب العالمية الأولى نحو 30 ألف تلميذ (نحو 7,5% من مجموع التلاميذ اليهود ممن كانوا في سن التعليم). وظل التعليم في المدرسة الأولية الخاصة (الحيدر) يمثل تعليم المرحلة الأولى لأكثر من نصف الأطفال اليهود المسجلين حيث بلغت نسبتهم 53,8% من مجموعالأطفال اليهود. ولم تنخفض هذه النسبة حتى عام 1910، الأمر الذي يشير إلى أن استيعاب الجماهير اليهودية في الثقافة الروسية كان يتم ببطء شديد. إلا أن التعليماليهودي التقليدي في الفترة 1881 ـ 1917 شهد تغيرات أثرت في فلسفته ومحتواه، إذ انعكست عليه عملية التسييس التي حدثت على مستوى المثقفين اليهود، ومن ثم فإن هذا النوع من التعليم خضع للتيارات الأيديولوجية القومية السائدة بين هؤلاء المثقفين، حيث اتجه كل تيار إلى إقامة مدارس يهودية خاصة به تعكس فكره وأيديولوجيته، كماتكاثرت المدرسة الأولية اليهودية وظهرت أشكال عديدة منها.

وفي أواخر التسعينيات من القرن الماضي، بدأت المدرسة الأولية المطوَّرة (بالعبرية: حيدر متوكان) في الظهور. وخضع هذا النوع من المدارس لتأثير الحركة الصهيونية، فكانت المناهج فيها تجمع بين المواد الدينية والمواد غير الدينية، إلا أن المواد الدينية وُجِّهت وجهة صهيونية، فاحتوى منهج هذه المدارس على تعليم اللغة العبرية لا كلغةمقدَّسة، وإنما كلغة قومية تستخدم في شتى المجالات المختلفة للحياة. كما تمت دراسة ما يُسمَّى «تاريخ اليهود» وجغرافية إرتس يسرائيل، أي أرض فلسطين، وزاد الاهتمام بالعهد القديم باعتباره التعبير الحقيقي عن الجوهر اليهودي الأصلي والتعبير الأمثل عن اليهود المرتبطين بأرضهم، على عكس التلمود الذي كُتب بعد النفي (أي بعد انتشار اليهود) خارج فلسطين. كذلك دُرِّست بعض المواد غير الدينية الأخرى مثل التاريخ العام والرياضيات واللغة الروسية حيث تمت دراستها بشكل موجز ومختصر. وقد اتبعت هذه المدارس تنظيماً حديثاً، فحدَّدت ساعات الدراسة وأدخلت نظام الامتحانات ومنحت شهادات لخريجيها. كذلك تم تحسين معداتها وطرق التدريس المتبعة فيها. وكان بعض هذه المدارس مختلطاً، ثم قامت جمعية أحباء صهيون بتأسيس مدارس مخصَّصة للبنات حيث بدأت إقامة هذه المدارس في جنوب روسيا في منطقة كييف وبساربيا وأوديسا، ثم انتشرت في منطقة الاستيطان وفي جاليشيا النمساوية، وكذلك في بعض أجزاء من رومانيا.

وارتبط انتشار المدرسة الأولية المطوَّرة بحركة إحياء اللغة العبرية، فنادى آحاد هعام بـ «أُسَر المدارس» كوسيلة لنشر الفكر الصهيوني واللغة العبرية، وكان من قادتها عدد من الصهاينة مثل وايزمان وديزنجورف والشاعر بياليك. وبعد اعتراف الحكومة الروسية بجمعية أحباء اللغة العبرية عام 1907، أشرفت هذه الجمعية على العديد منالمدارس الأولية للبنين والبنات ودور الحضانة، كما أقامت فصولاً مسائية لتعليم اللغة. وفي الوقت نفسه لعبت جماعة نشر الثقافة بين يهود روسيا دوراً مهماً في نشر هذه المدارس، وجُنِّد بعض خريجي المدارس التلمودية للتدريس في هذه المدارس. وطوِّر منهج جديد لهذه المدارس، وافتُتح فصل جديد لتدريس العبرية عن طريق المحادثة، كما عُقدت برامج صيفية لتدريب معلميها. وفي وارسو، فُتحت حضانة للأطفال اليهود عام 1909، وبدأت دورات تدريبية لمعلمي الحضانات على طريقة فروبل. ونظم معلمو هذه المدارس أنفسهم في نقابة في جاليشيا. ولعبت نقابة المعلمين دوراً في تحسين التدريب داخل هذه المدارس، فظهرت كتب مدرسية ومطبوعات للأطفال والشباب والكبار باللغة العبرية.

كما ظهرت مدارس أولية خاصة متأثرة بالفكر القومي اليديشي. ففي عام 1908، صرح مؤتمر شيرنوفتس الذي عقده أتباع هذا الاتجاه بأن اليديشية هي اللغة القومية للجماعات اليهودية في روسيا، ومن ثم كثفت الدوائر اليديشية جهودها لتأسيس شبكة من المدارس تستخدم اللغة اليديشية كلغة للتعليم. لكن نجاح هذه الحركة كان محدوداً نظراً لمعارضة كل من الحكومة الروسية والاندماجيين من اليهود والصهاينة لهذا التيار الفكري. ورغم هذا، فإن جماعة نشر الثقافة قامت عام 1909 بإعانة نحو 27مدرسة منها 16 مدرسة للبنات و3 للبنين و 8 مدارس مختلفة احتوى منهجها على تعليم اليديشية. وخلال الحرب العالمية الأولى، حينما رفع الحظر عن هجرة يهود منطقةالاستيطان إلى داخل روسيا، كان هناك 42 مدرسة تستخدم اللغة اليديشية مقيَّد بها 6000 تلميذ و130 مُعلماً، كما منحت السلطات الروسية المدارس الخيرية الأولية (تلمود تورا) تصريحاً بتدريس بعض المواد باليديشية. أما المدارس التلمودية العليا، فلم يحدث فيها كثير من التغير لا في مناهجها ولا في طرق تدريسها، بل أغلقت الحكومة الروسية عام 1892 مدرسة فولوجين التلمودية العليا لتجاهلها التنظيمات التي أصدرتها الحكومة الروسية. وقد ظهرت شبكة من المدارس التلمودية العليا في بعض المدن الروسية تحت تأثير حركة الموزار. كما ظهرت بعض المدارس التلمودية المطوَّرة مثل مدرسة ليدا العليا عام 1905، والتي كان من مهامها إعداد الحاخامات والمعلمين من خلال تعريفهم بالثقافة عامة وإعطاء الطلبة الذين سينخرطون في الأعمال التجارية ثقافة يهودية. وأُسِّست في العام نفسه مدرسة عليا للدراسات اليهودية.

ومع بداية الحرب العالمية الأولى، كان هناك ثلاثون مدرسة تلمودية عليا (يشيفا) مسجلاً فيها حوالي 10 آلاف طالب في روسيا، وقد غطت هذه المدارس معظم دول البلطيق ومعظم بولندا وبساربيا.

التربية والتعليم عند الجماعات اليهودية في العالم الإسلامي والهند وإثيوبيا حتى الحرب العالمية الأولى

Education of the Jewish Communities in the Moslem World, India and Ethiopia to the First World War

1 ـ العالم الإسلامي:

بدأت عملية تحديث المؤسسات التعليمية في العالم الإسلامي في مرحلة متأخرة، وقد سبقها وصول القوات الإمبريالية التي عادةً ما كانت تستقطب أعضاء الجماعات اليهودية لصالحها.

وحتى منتصف القرن التاسع عشر، لم تختلف المؤسسات التربوية اليهودية في بلاد العالم الإسلامي، لا في شكلها ولا في بنيتها، عن المؤسسات التعليمية التقليدية التي كانت سائدة في هذه البلاد مثل الكُتَّاب. وقد حمل الاستعمار الأوربي معه إلى هذه البلاد، حينما جاء، نظماً تربوية ذات توجُّه علماني أوربي عملت على علمنة أعضاء الجماعات اليهودية وصبغهم بالثقافة الأوربية وتحويلهم إلى جماعات وظيفية تابعة للحضارة الغربية وإلى مادة استيطانية.

وكان هذا التطور أكثر حدة في بلاد المغرب العربي منه في بقية العالم العربي حيث نجحت منظمة الأليانس إسرائيليت يونيفرسل، في ظل الاحتلال الفرنسي، في تأسيسشبكة واسعة من المدارس. وقد أسَّست هذه المنظمـة أول مدرسـة لها في مدينة تطوان بالمغرب عام 1862، لحقتها مدارس أخرى في طنجة ودمشق وبغداد وتونس، وقد وصل عددها إبَّان الحرب العالمية الأولى إلى نحو مائة مدرسة أغلبها في المغرب.

2 ـ الهند (بني إسرائيل):

توجد جماعات يهودية عديدة في الهند، ولكن أهمها جماعة بني إسرائيل في بومباي التي استقرت في الهند منذ عدة قرون. وأعضاء هذه الجماعات لا يختلفون في عاداتهم ولغتهم وملبسهم عن جيرانهم من سكان منطقة الكونكان بالهند حيث كانوا يعيشون فيها رغم احتفاظهم ببعض الشعائر الدينية اليهودية مثل قوانين الطعام والسبت والختان، إلا أنهم ظلوا بعيدين عن أية معرفة حقيقية بكثير من أساسيات الديانة اليهودية المتضمنة في التوراة والتلمود والشريعة.

وقد حصل أعضاء الجماعة اليهودية على أول معرفة حقيقية لهم بالعهد القديم واللغة العبرية في القرن التاسع عشر وذلك بفضل مجهودات البعثات التبشيرية البروتستانتية التي أسست بعض المدارس في بومباي، وقامت بترجمة العهد القديم إلى الماراثي (اللغة المحلية التي يتحدث بها أعضاء الجماعة). كما أصدر أحد المبشرين البروتستانت، وهو القس جون ويلسون، في عام 1832، أول كتاب لقواعد اللغة العبرية بالماراثية، وأسس مدرسة ثانوية وكلية درس فيها أعضاء الجماعة اللغة العبرية. ومما يُذكَر أن أعضاء الجماعة تلقوا تعليمهم العلماني أيضاً في المدارس التبشيرية المسيحية وفي المدارس العامة التي توافرت في ظل الحكم البريطاني في بومباي.

ومع مرور الوقت، بدأ أعضاء الجماعة يتولون مسئولية تعليم أنفسهم بأنفسهم حيث أقاموا أول مدرسة ابتدائية عام 1875، والتي أضيفت لها المرحلة الثانوية لتدرس فيها اللغات العبرية والإنجليزية والماراثية بفضل دعم الجماعات اليهودية في إنجلترا وفرنسا وكذلك دعم حكومة بومباي.

3 ـ يهود إثيوبيا (الفلاشاه):

كان التعليم الأداة التي حافظت على الطابع الخاص لديانة يهود إثيوبيا التي تأثرت بالبيئة المسيحية في إثيوبيا، فكان لهم رهبان وقساوسة.

ولم يعرف يهود إثيوبيا التلمود، وظلت الأمهرية لغتهم (اللغة الرسمية في إثيوبيا) كما كانت لغة العبادة التي يستخدمونها الجعزية (اللغة المقدَّسة للكنيسة الإثيوبية). واحتفظ الرهبان اليهود بمكانة مميَّزة ومركزية داخل مجتمعات الفلاشاه حتى القرن التاسع عشر، ولكن مع وصول البعثات التبشـيرية البروتسـتانتية ضعـف مركزهم فقوِّضت مكانتهم، واحتل مراكز القيادة من بعدهم القساوسة اليهود وكبار السن من أعضاء الجماعة.

وظل يهود إثيوبيا يشكلون جماعات متناثرة ومتفرقة غير مترابطة جغرافياً أو سياسياً ولا تجمعهم قيادة أو تنظيم موحَّد. وقد اهتموا بتعليم أولادهـم، فكانت كل قرية تضم مدرسـةً حيث يقوم مسـاعد القسيس بتعليم الأطفال الصلوات والإنجيل واللغة الجعزية وقراءة وكتابة الأمهرية.

ويُمثل مجيء جاك فيتلوفيتش إلى إثيوبيا عام 1904 نقطة التحول في مجال تعليم أعضاء الجماعة. كان فيتلوفيتش تلميذاً ليوسف هاليفي الذي أرسلته الأليانس إسرائيليتيونيفرسل إلى إثيوبيا عام 1867 لتَقصِّي أوضاع الجماعة اليهودية هناك. وعمل فيتلوفيتش على تأسيس مدارس في أديس أبابا وأسمرة، كما أتاح لبعض الشباب من أعضاء الجماعة السفر إلى أوربا للدراسة. وساهمت مجهودات فيتلوفيتش وتلاميذه، ومبعوثي الوكالة اليهودية فيما بعد، في نشر تعليم العبرية إلى حدٍّ ما. إلا أن عدد الطلاب في هذه المدارس لم يكن أبداً كبيراً كما لم يعد أغلب الخريجين إلى قراهم مرة أخرى. بل نجح كثير منهم في الحصول على وظائف حكومية مهمة بفضل تعليمهم. وبالتالي، أدَّى هذا النوع من التعليم إلى تحديث شريحة صغيرة من أعضاء الجماعة انفصلت عن سائر أعضاء الجماعة.

جوزيـــف فرتايمـــر (1800-1887(

Joseph Wertheimer

تربوي نمساوي كان يعمل بالتجارة. وُلد في فيينا لأسرة يهودية موسرة، وعمل ككاتب حسابات في الأنشطة التجارية الخاصة بوالده، ثم تحوَّل إلى شريك له فيما بعد. ورغم انشغاله بالتجارة، إلا أنه درس علم التربية خلال وقت فراغه. وفي العشرينيات من عمره، قام برحلة إلى إيطاليا وفرنسا وإنجلترا بهدف توسيع ثقافته العامة. وقد أبدى اهتماماً خاصاً بدور الحضانة الإنجليزية، وحينما عاد إلى النمسا حاول تأسيس دور حضانة مماثلة.

بدأ فرتايمر نشاطه التربوي بترجمة بعض الأعمال الأوربية عن دور الحضانة إلى اللغة الألمانية. وقام بتأسيس أول دور حضانة في النمسا عام 1830 بمساعدة قسيس كاثوليكي يُدعَى يوهان لندر. وفيما بعد، أسس عدداً من دور الحضانة في المدن النمساوية، كذلك قام بتأسيس جمعية لمساعدة المجرمين بعد الإفراج عنهم ولتوجيه الأحداث الجانحين.

كما كان له نشاط موجه إلى يهود النمسا، حيث قام عام 1840 بتأسيس منظمة لتدريب عدد كبير من الأطفال اليهود على الحرف اليدوية المختلفة كجزء من الاتجاه الرامي آنذاك إلى تحويل اليهود إلى قطاع اقتصادي منتج وعنصر نافع. وفي عام 1843، أسس دور حضانة خاصة بالأطفال اليهود، وفي عام 1860، كوَّن جمعية للعناية بأيتام اليهود المحتاجين وقامت هذه الجمعية بتأسيس ملجأ للفتيات اليتيمات. كذلك لعب فرتايمر دوراً مهماً في الكفاح من أجل إعطاء أعضاء الجماعات اليهودية حقوقهم السياسية والاجتماعية.

مـاكـس ليلينتـال (1815-1882(

Max Lilienthal

تربوي وحاخام إصلاحي ألماني. وُلد في ميونخ، وأتم دراسته هنـاك. ثم عُـيِّن عام 1839 مديراً للمدرسـة اليهودية الحديثـة في ريجا، حيث ذاع صيته كداعية قدير لتحديث تعليم الجماعات اليهودية. فدعته حكومة روسيا القيصرية عام 1841، بتوصية من وزير التعليم أوفاروف، لوضع مشروع لتأسيس مدارس حديثة حكومية لليهود على غرار النموذج الألماني، الذي حرص على الأخذ بالعلوم الحديثة واللغات الأوربية كما حرص على تهميش الدين. ووضع ليلينتال الخطوط العريضة لهذا المشروع، وحاول إقناع قادة الجماعة اليهودية في منطقة الاستيطان بقبوله، ولكنه لقي معارضة شديدة من جانب اليهود الأرثوذكس، كما عبَّر دعاة التنوير من اليهود عن تشككهم في جدوى المشروع وأغراضه، بينما اعتبره الحسيديون محاولة سلطوية لتدمير أسس التعليم اليهودي التقليدي وتحويل اليهود عن دينهم. وزاد إعلان ليلينتال اعتزامه استقدام مدرسين من ألمانيا للمدارس المقترحة حدة المعارضة، فزاد هذا من شكوك يهود روسيا الذين كانوا يُكنِّون الاحتقار ليهود ألمانيا على اعتبار أنهم فقدوا هويتهم اليهودية تماماً كما فقدوا انتماءهم الديني. وكان يهود روسيا يعرفون أن يهود ألمانيا المندمجين كانوا ينظرون إلى يهود الشرق (شرق أوربا) باعتبارهم نفاية بشرية تهدِّد مكانتهم الاجتماعية كما تهدِّد مواقعهم الطبقية بالخطر.

وإزاء هذا الموقف، اقترح ليلينتال على أوفاروف عام 1842 أن يتم فرض الإصلاح التعليمي على اليهود من خلال إجراءات قانونية. ولكن الوزير رفض هذا الاقتراح خشية تضاعف الصدام مع الجماعة اليهودية، ولجأ إلى استصدار مرسوم في العام نفسه يوصي بتأييد القيصر نفسه للمشروع التعليمي المقترح. وفي الوقت نفسه، سعى أوفاروف إلى امتصاص المعارضة اليهودية وتفتيت وحدتها، فتخلى عن الاقترح الرامي إلى استقدام مدرسين من الخارج، وفرض ضرائب على المدرسين المحليين، وعمل بعلم ليلينتال على كسب عطف اليهود الأرثوذكس والحسيديين في مواجهة دعاة التنوير، كما قام بتشكيل لجنة من اليهود لدراسة المشروع. وأتمت اللجنة عملها عام 1843، وصدر قانون تأسيس المدارس عام 1844. غير أن ليلينتال الذي تحمس للمشروع ووضع أسسه، وكان طرفاً رئيسياً في كل المنازعات الرامية إلى فرضه، ما لبث أن تراجع عن موقفه بعد أن طلبت الحكومة القيصرية استبعاد دراسة التلمود من مدارسها، حيث رأى في ذلك مصداقاً لما تردَّد من أن هدف المشروع هو صرف اليهود عن دينهم، وهو ما دفعه إلى مغادرة روسيا سراً في عام 1844.

وقد هاجر ليلينتال إلى أمريكا عام 1845 حيث أدار مدرسة خاصة لعدة سنوات. وفي عام 1849، أصبح ليلينتال حاخاماً للأبرشيات الألمانية في نيويورك. ومنذ عام 1855 وحتى وفاته، عمل حاخاماً لأبرشية بني يسرائيل في مدينة سينسناتي (أوهايو). كما كان محاضراً في كلية الاتحاد العبري. كما أسس الجمعية الحاخامية الأدبية.

التربية والتعليم عند الجماعات اليهودية في ألمانيا وفرنسا وإنجلترا منذ الحرب العالمية الأولى حتى الوقت الحاضر

Education of the Jewish Communities in France, Germany, and England from the First World War to the Present

تزايدت وتائر التحديث والتصنيع في العصر الحديث، وتزايد معها تساقط النظم التربوية الخاصة بالجماعات اليهودية لتحل محلها المؤسسات التربوية الحديثة العامة، التي أصبحت من أهم وسائل علمنة ودمج أعضاء الجماعات اليهودية.

وصاحبت عملية التحديث التي جرت في غرب أوربا، منذ نهايات القرن الثامن عشر، تحولات عميقة في البنية الاقتصادية والطبقية والسياسية للمجتمعات الأوربية، الأمرالذي كان له أعمق الأثر في وضع الجماعات اليهودية في هذه البلاد، فتساقطت جدران العزلة التي عاش أعضاء الجماعات اليهودية داخلها خلال العصور الوسطى في الغرب وتم إعتاق أعضاء الجماعات اليهودية واستيعابهم في المجتمعات المحيطة. وباستيعاب اليهود في مجتمعاتهم، تساقطت المؤسسات التربوية اليهودية التقليدية؛ مثل المدارس الابتدائية الخاصة (حيدر)، والمدارس الابتدائية الخيرية (تلمود تورا)، والمدارس التلمودية العليا (يشيفا). ومنذ أواسط القرن التاسع عشر، بدأت أعداد متزايدة منالأطفال اليهود في الالتحاق بالمدارس الحكومية العلمانية، وبدأ التعليم الديني اليهودي يقتصر بشكل متزايد على مدارس التعليم التكميلي (وهي مدارس يحضرها التلاميذاليهود بعد حضورهم المدارس الحكومية ويدرسون فيها بعض المواد اليهودية. وهذه المدارس يحضرها الطالب في العادة إما مرة في الأسبوع أو لمدة ساعة أو ساعتين كل يوم بعد انتهاء اليوم الدراسي، وعادةً ما تكون هذه المدارس ملحقة بالمعبد)، أو مدارس اليوم الكامل اليهودية، وهي مدارس تضم مناهجها مواد دراسية غير دينية وتُضاف إليها بعض مواد ذات طابع يهودي. وتتفاوت نسبة المواد غير الدينية إلى المواد الدينية من بلد لآخر، وإن كان النمط الغالب هو غلبة المواد غير الدينية على المواد الدينيةاليهودية.

وبعد الحرب العالمية الأولى، تزايد الاتجاه نحو تحديث وعلمنة تعليم الجماعات اليهودية في أوربا الغربية حيث زاد التحاق أطفال اليهود بالمدارس الحكومية، واقتصر التعليم اليهودي على عدد قليل من الساعات في مدارس تكميلية ذات برامج محدودة. كما لم يُؤسَّس سوى عدد قليل من مدارس اليوم الكامل اليهودية التي جمعت مناهجها بين الدراسات غير الدينية والدراسات الدينية التي كانت بدورها ضئيلة للغاية.

1 ـ ألمانيا:

لا يختلف نمط تطور التربية والتعليم عند الجماعة اليهودية في ألمانيا عن النمط العام للتطور في أوربا الغربية ووسطها.ومع هذا، تشكِّل المرحلة النازية انحرافاً عن النمط. فمع ظهور النازية، مُنع الأطفال اليهود من دخول المدارس الألمانية، وذلك انطلاقاً من اعتقاد النازيين بأن اليهود يشكلون شعباً عضوياً له لغته وتراثه وأرضه ومن ثم لا يجوز له أن يندمج في الشعب الألماني. ولذا، أسس النازيون، بالتعاون مع الحركة الصهيونية، مدارس يهودية ابتدائية وثانوية تُركِّز على تعليم العبرية وتهدف إلى تقوية ما يُسمَّى «الهوية اليهودية» المستقلة. كما أسسوا معاهد مهنية لتأهيل الشباب اليهودي الذي يفكر في الاستيطان في فلسطين أو في أية دولة أخرى. وبلغ عدد الشباب الذين تم تأهيلهم في هذا المعهد نحو 60 ألف شاب وشابة. وقد اختفت هذه المؤسسات التعليمية بعد تصفية يهود ألمانيا من خلال الهجرة أو الإبادة أثناء الحرب العالمية الثانية.

2 ـ فرنسا:

بعد الحرب العالمية الثانية،قلَّ عدد أعضاء الجماعات اليهودية في أوربا الغربية حيث هاجر بعضهم إلى إسرائيل وهاجرت غالبيتهم إلى الأمريكتين.وفي عام 1969، لم يزد عدد المدارس اليهودية في أوربا الغربية عن 40 مدرسـة بعضـها في مدن لم يكن يوجـد فيها مدارس يهـودية من قبل،مثل:إستكهولم،مدريد، زيورخ،بازل. ومع هذا،تشير الإحصاءات خلال هذا العام إلى أن 50% من الأطفال اليهود تلقوا تعليماً يهودياً، و25% منهم نال تعليمه في مدارس تكميلية لا يداومون فيها سوى يوم واحد في الأسبوع ولمدة أربع سنوات فقط في أغلب الأحيان،و25% في مدارس اليوم الكامل اليهودية.

وكان لنمو الجماعة اليهودية في فرنسا خلال الخمسينيات والستينيات، نتيجة هجرة يهود شمال أفريقيا، أكبر الأثر في زيادة حجم المؤسسات التعليمية اليهودية والتوسع في المدارس وخصوصاً مدارس اليوم الكامل.

وكان الصندوق الاجتمـاعي اليهودي الموحَّد (FSJU) قد قام عام 1976، بالتعـاون مـع الوكـالة اليهـودية، بتأسـيس الصـندوق الاستثماري للتعليم (FIPE) الذي عمل على تأسيس مدارس عديدة في باريس والأقاليم، كما عمل خلال خمس سنوات على زيـادة عـدد الطلـبة المسجـلين بمدارس اليوم الكامل إلى الضعف.

وفي عام 86/1987، كان حوالي 20% من الأطفال اليهود، بين أعمار 5 و 17 سنة، مسجلين في مدارس اليوم الكامل اليهودية. ووصل عدد هذه المدارس إلى 55 مدرسة في باريس و33 في الأقاليم، شاملةً مراحل الحضانة والابتدائية والثانوية . كما كان 9700 طفل يهودي يتلقون تعليماً دينياً في 220 مدرسة دينية تكميلية في باريس وخارجها .

ويعود هذا التحول في واقع الأمر إلى حركة عامة نشأت في فرنسا واتجهت نحو تأكيد اللامركزية والخصوصية الإقليمية وعارضت مركزية الدولة، كما طالبت بالاعتراف بالخصائص اللغوية والثقافية للأقاليم الفرنسية المختلفة. ومن ثم، بدأت الجماعات اليهودية في فرنسا هي الأخرى بالمطالبة بالاعتراف بهوياتها الدينية والإثنية.

غير أن أشكال الهوية اليهودية تعددت فاتخذت شكلاً دينياً إثنياً بين اليهود القادمين من شمال أفريقيا بتراثهم وتقاليدهم التي تبلورت في العالم العربي، في حين اتخذت شكلاً إثنياً لادينياً بين اليهود الأوربيين، وخصوصاً بين اليهود ذوي الأصول الشرق أوربية والتراث اليديشي.

وإذا كان تعميق الهوية اليهودية، وإن تعدَّدت أشكالها، له أثر في تزايد الالتحاق بالمدارس اليهودية، فإن الجزء الأكبر من الأطفال اليهود ظَلَّ خارج النظام التعليمي اليهودي، خصوصاً أن النظام المجاني للتعليم الحكومي الفرنسي كان إحدى أدوات الحراك الاجتماعي بالنسبة لأبناء المهاجرين. وتوفر المدارس الحكومية الفرنسية فصولاً للعبرية، كما تسمح لطلابها بتلقي تعليم ديني بعد ساعات الدراسة المدرسية.

وتضم الجامعات الفرنسية أقساماً وبرامج للدراسات اليهودية والعبرية. وقد تأسَّست عام 1985 مدرسة للدراسات العليا اليهودية Ecole Des Hautes Etudes du Judaisme ملحقةً بمعهد باريس القومي للغات والحضارات الشرقية، وذلك لتقدم برامج تعليم العبرية الكلاسيكية والحديثة ومقررات دراسية في فكر وتاريخ وحضارة الجماعات اليهودية. كما يقدم مركز راشي، الذي تديره منظمة الصندوق الاجتماعي اليهودي الموحد، برامج لنيل الدرجة الجامعية في الدراسات اليهودية بالتعاون مع جامعة السوربون - بانشون.

ويوجد نشاط ثقافي وتربوي خارج الإطار المدرسي. فهناك حركات الشبيبة الصهيونية والدينية وغيرها، وهناك أيضاً مركز الإجازات الذي يقضي فيه نحو 20 ألف طفل يهودي بضعة أسابيع كل عام في جو يعمل على تعميق الهوية اليهودية الدينية والثقافية. كما أن هناك حلقات للدراسات اليهودية في 170 مركزاً تغطي باريس والأقاليم الأخرى تهتم بدراسة التقاليد الدينية اليهودية. ويبدو أن هذه المراكز كانت عاملاً مساعداً في عودة البعض إلى ممارسة الشعائر الدينية.

3 ـ إنجلترا:

أصبحت الصورة السائدة للتعليم في إنجلترا، في العقد الأول من القرن العشرين، هي أن يلتحق الجزء الأكبر من الأطفال الإنجليز اليهود بالمدارس الابتدائية والثانوية الحكومية ويحصلوا على قدر ضئيل من المعرفة بالديانة اليهودية واللغة العبرية من خلال الدراسات التكميلية. وفي عام 1944، أعطى القانون الإنجليزي لتلاميذ المدارس، ومن بينهم اليهود، الحق في تلقي تعليمهم الديني داخل المدارس الحكومية خلال الفترات المعتادة للدراسة.

وتأسس خلال الأربعينيات والخمسينيات كثير من مدارس اليوم الكامل وصل عددها عام 1970 إلى 50 مدرسـة تضم 10 آلاف طالب. وفي عام 1961، بلغ الطلاب في هذه المدارس نحو 13% من إجمالي عدد اليهود ممن هم في سن الدراسة والبالغ عددهم 80 ألف طالب. وزادت النسبة في نهاية السبعينيات إلى 20% أو 13 ألف طالب. أما التعليم التكميلي، فانخفض عدد المسجلين فيه من 22 ألفاً عام 1961 إلى 13 ألفاً في أواسط الثمانينيات.

وتضم إنجلترا الآن 81 مدرسة يهودية، بين حضانة وابتدائية وثانوية، و6 معاهد دينية عليا، ومعاهد حاخامية من أهمها كلية اليهود. كما أن بعض الجامعات الإنجليزية تُقدِّم برامج في الدراسات اليهودية. ويُقدِّم معهد سبيرو للتاريخ والثقافة اليهودية، الذي تأسس عام 1978، فصولاً في التاريخ اليهودي داخل المدارس الثانوية الحكومية والخاصة، كما يُقدِّم برامج دراسية للكبار فيما يُسمَّى «التاريخ اليهودي» و«الثقافة اليهودية».

التربية والتعليم عند الجماعات اليهودية في أوربا الشرقية منذ الحرب العالمية الأولى حتى الوقت الحاضر

Education of the Jewish Communities in Eastern Europe from the First World War to the Present

أخذ نمط تحديث تربية وتعليم الجماعات اليهودية في أوربا الشرقية شكلاً مغايراً. فقد زاد تعثُّر عملية التحديث في نهاية القرن التاسع عشر وما صاحب ذلك من قمعواضطهاد لجميع الأقليات ومن بينهم أعضاء الجماعات اليهودية، وكذلك توقف الحراك الاجتماعي وإغلاق أبواب المؤسسات التعليمية الحكومية أمام الشباب اليهودي في إطار قوانين مايو 1882، من اغتراب أعضاء الجماعات اليهودية وأدَّى إلى انخراطهم في الحركات الثورية والعمالية اليهودية (حزب البوند) والصهيونية. وقامت هذه الحركات بإقامة سلسلة من المؤسسات التعليمية اليهودية الخاصة بها والتي عكست أيديولوجيتها السياسية، واتَّسمت هذه المؤسسات بتوجهها العلماني الإثني ـ اليديشي أو الصهيوني. وبقيام الثورة البلشفية تغيَّرت الأوضاع بالنسبة للجماعات اليهودية في الاتحاد السوفيتي (سابقاً)، أما في بولندا وشرق أوربا، فقد اتخذ تَطوُّر تعليم الجماعاتاليهودية شكلاً مغايراً.

1 ـ الاتحاد السوفيتي (سابقاً(

اتجهت الحكومة السوفيتية في بادئ الأمر إلى الاعتراف باللغة اليديشية كلغة قومية للأقليات اليهودية في الاتحاد السوفيتي، كما اتجهت إلى إقامة شبكة من المدارس اليديشية في إطار توجهها العام نحو تأكيد الثقافة اليديشية للجماعة اليهودية. وأدَّى هذا إلى زيادة نسبة الطلاب اليهود الملتحقين بالمدارس اليديشية إلى إجمالي الطلاب اليهود من 22% عام 1922 إلى 29,5% عام 1930، ثم إلى 64% عام 1932. إلا أن أعداد اليهود بدأت تنخفض بشكل تدريجي بعد هذا العام، بسبب تزايد التحاقهم بالمدارس والمؤسسات التعليمية الروسية. وكان عدد الطلاب اليهود في المدارس الثانوية والجامعات الروسية في العام الدراسي 1926/1927 نحو 23699 طالباً يشكلون 15و4% من إجمالي الطلاب، ووصل عددهم إلى 60 ألفاً عام 1935 أو 10% من إجمالي الطلاب.

وقد اختفت المدارس اليديشية تماماً مع نهاية الثلاثينيات، وزاد التحاق الطلبة اليهود بالمدارس الحكومية في الفترة التالية حتى الثمانينيات. وظل الاتحاد السوفيتي لا يضم أية مدارس أو مؤسسات تعليمية خاصة للجماعات اليهودية، إلا أنه، مع سياسة البريسترويكا، تم افتتاح مدارس جديدة في الاتحاد السوفيتي من أهمها مدرسة تلمودية عليا يشرف عليها واحد من أهم علماء التلمود الإسرائيليين. ومع سقوط الاتحاد السوفيتي وهجرة أعداد كبيرة من أعضاء الجماعات اليهودية من روسيا وأوكرانيا وغيرهما من الجمهوريات (من المراحل العمرية التي تلتحق بالمؤسسات) من المتوقع أن تتغيَّر صورة تعليم أعضاء الجماعات اليهودية.

2 ـ بولندا:

تعمقت في بولندا عزلة الجماعة اليهودية وغربتها بعد قيام الحرب العالمية الأولى. فمن ناحية، كانت البنية الثقافية والحضارية للمجتمع البولندي تلفظ اليهود وترفض دمجهم نظراً لميراثهم التاريخي المرتبط بطبقة النبلاء (شلاختا) وبنظام الأرندا (استئجار عوائد القرى والضياع) وهو في جوهره تراث معاد لمصالح بولندا القومية.ومن ناحية أخرى،تدهورت الأوضاع الاقتصادية للجماعة اليهودية مع اضطلاع الدولة البولندية الجديدة وطبقة التجار البولنديين الصاعدة بالوظائف الوسيطة التقليدية لليهود. وقد تأسست شبكة من المدارس اليهودية على أيدي الحركات الثورية والعمالية اليهودية والصهيونية تعبيراً عن هذه العزلة وهذا الانفصال المتزايدين.

وكان للحركة الصهيونية شبكة من المدارس تُعرَف باسم «تاربوت Tarbut» تضم مدارس حضانة وابتدائية وثانوية، ومدارس مسائية، ومدرسة زراعية للتدريب على الاستيطان في فلسطين. وزادت هذه المدارس من 15 مدرسة عام 1918 تضم 2575 طالباً إلى 3000 مدرسة عام 1938 يدرس فيها 40 ألف طالب.

كما كانت هناك شبكة من المدارس تشرف عليها المنظمة المركزية للمدارس اليديشية (زيشو). وكانت هذه المدارس تحت رعاية حزب البوند والحركات العمالية اليهودية الأخرى، وبالتالي اتسمت مناهجها باتجاهها الاشتراكي العلماني القوي وبالاهتمام بالثقافة اليديشية. وضمت هذه الشبكة، التي كانت لغة التدريس فيها اليديشية، مدارس حضانة وابتدائية وثانوية ومدارس مسائية وصل عددها في عام 1934/1935 إلى 169 مدرسة يحضرها 15486 طالباً. وأقامت زيشو أيضاً معهدين عاليين لتدريب المعلمين.

كما كانت توجد شبكة مدارس «شول كولت» وهي اختصار لعبارة يديشية تعني «رابطة المدارس والثقافة» التي انشق مؤسسوها عن حزب عمال صهيون اليميني نظراً لموقفهم بشأن ضرورة تدريس اللغة العبرية إلى جانب اللغة اليديشية. إلا أن هذه الشبكة لم تنتشر بشكل كبير في بولندا، حيث وصل عدد المدارس التابعة لها عام 1934 ـ 1935 إلى نحو 16 مدرسة حضانة وابتدائية وثانوية ومسائية تضم 3432 طالباً.

كما كانت هناك شبكتان من المدارس الدينية، الأولى شبكة مدارس يفنه تحت رعاية حزب مزراحي الصهيوني الديني. وكانت مدارسها خليطاً من المدرسة الدينية التقليدية والمدرسة الحديثة. وضمت هذه الشبكة مدارس حضانة وابتدائية وثانوية في أغلبها تكميلية، وكانت العبرية لغة التدريس فيها. ووصل عدد الطلاب في هذه المدارس عام 1936 إلى نحو 56 ألف طالب.

أما الشبكة الثانية، فكانت شبكة مدارس حوريف التابعة للمؤسسة الدينية الأرثوذكسية، وتضم المدارس الدينية الأولية (حيدر) والمدارس التلمودية العليا (يشيفا)، وكانت لغة التدريس فيها اليديشية. وبلغ عدد هذه المدارس في أواسط الثلاثينيات 350 مدرسة تضم 47 ألف طالب. كما كانت هناك أيضاً شبكة من المدارس المخصَّصة للبنات تحت رعاية المؤسسة الدينية الأرثوذكسية هي مدارس بيت يعقوب بلغ عددها عام 1938 نحو 230 مدرسة تضم 27 ألف طالبة. كما كانت توجد مدارس دينية تقليدية خاصة غير خاضعة لإشراف أيٍّ من الشبكات سالفة الذكر كانت تضم 40 ألف طالب. وكان لشبكات المدارس مؤسساتها الخاصة لتدريب الحاخامات والمعلمين للتعليم في المدارس الدينية. كما كانت هناك مدرسة حكومية في وارسو تخدم هذا الغرض أيضاً.

وكان لتردي أوضاع اليهود في تلك الفترة واستبعادهم من قطاعات اقتصادية عديدة، أبعد الأثر في تزايد الإقبال على المدارس التجارية اليهودية التي ضمت عام 1934 نحو 5000 طالب. كما تأسس عام 1925 في فلنا معهد ييفو لدراسة التاريخ واللغة والثقافة اليديشية. وأنشأ المعهد فروعاً له فيما بعد في الولايات المتحدة والأرجنتين، وانتقل مجلس إدارته إلى نيويورك بعد الحرب العالمية الثانية.

ووصل حجم الطلبة المسجلين في المدارس اليهودية في بولندا إبَّان الحرب العالمية الثانية إلى أكثر من 200 ألف طالب أو 38.8% من إجمالي الطلاب اليهود، 29.5% منهم مسجلون في المدارس الدينية و9.3% في المدارس اليديشية أو العبرية العلمانية. كما التحقت أعداد كبيرة من أطفال اليهود بالمدارس الحكومية حيث تلقوا تعليمهم بالبولندية. وبلغ عددهم 355.91طالباً أو 61.2% من إجمالي الطلاب اليهود، أي أن عدد الطلبة المسجلين في المدارس البولندية كان ضعف عدد المسجلين في المدارس ذات التوجه الديني والإثني (اليديشي) الخاص، مع العلم بأن مقررات هذه المدارس نفسها لم تكن كلها متوجهة هذا التوجه الخاص، بل إن العنصر الديني أو الإثني لم يكن يتجاوز أحياناً لغة التدريس ومادة أو اثنتين. وقد يكون من العوامل التي شجعت الاتجاه نحو الالتحاق بالمدارس الحكومية عدم اعتراف وزارة التعليم البولندية بشهادات المدارس الثانوية اليهودية. ومع هذا، تضاءلت أعداد الطلبة اليهود في الجامعات البولندية حيث انخفض عددهم بنسبة 35% بين عامي1923 و1936، في حين زاد حجم الطلبة من غير اليهود بنسبة 37% خلال الفترة نفسها.

ورغم أن هذه الأرقام تدل على أن نسبة غير قليلة من الشباب اليهودي كان يتلقى تعليماً بولندياً، وهو ما يعني تزايد استيعاب اللغة والثقافة البولندية، إلا أن ذلك لم يؤد إلى دمجهم في المجتمع البولندي مثلما حدث في أوربا الغربية في القرن التاسع عشر. وذلك بسبب ما تقدم من أن بنية المجتمع البولندي الثقافية والاقتصادية كانت تلفظ أعضاء الجماعات اليهودية وتسعى إلى طردهم لا إلى دمجهم. وقد أدَّى ذلك إلى هجرة أعداد كبيرة منهم خارج بولندا، بلغت بين عامي 1921 و1937 نحو 395.235 فرداً (وكان بين هذه العناصر عدد كبير من زعامات الحركة الصهيونية وقيادات إسرائيل).

أما بعد الحرب العالمية الثانية، فقد تقلص حجم الطلبة اليهود من 320 ألف طالب عام 1939 إلى 25 ألفاً. وقد أُعيد فتح 34 مدرسة تضم 2874 طالباً، ولكن العام الدراسي 1948/1949 شهد تأميم جميع المدارس اليهودية فأصبحت تابعة للحكومة، وكان قد تم من قبل إلغاء اللغة اليديشية كلغة للدراسة كما أُلغي تعليم العبرية. ومع تزايد هجرة أعضاء الجماعة إلى خارج بولندا (تمت تصفيتهم بشكل نهائي في عام 1969 ولم يتبق منهم سوى بضعة آلاف)، أغلقت المدارس التي كان لها صبغة يهودية أو شبه يهودية أبوابها. وفي عام 1986 تم تأسيس معهد دراسة تاريخ وثقافة اليهود في بولندا ويتبع جامعة كراكوف.

3 ـ بلاد شرق أوربا الأخرى:

ولا يختلف النمط السائد في بقية بلاد شرق أوربا بين الحربين العالميتين الأولي والثانية، عن النمط الذي ساد روسيا وبولندا. وبعد الحرب العالمية الثانية اختفت المؤسسات التعليمية الخاصة بأعضاء الجماعات اليهودية تقريباً، واختفى التعليم اليهودي من سائر بلاد أوربا الشرقية فيما عدا المجر ورومانيا حيث تمت هذه العملية بدرجة أقل. ففي المجر، تمت إعادة فتح المعهد اللاهوتي في بودابست، والذي ظل المؤسسة الوحيدة من نوعها في شرق أوربا، وقد تلقى جميع حاخامات البلاد الاشتراكية تدريبهم فيه. وتم فتح مدارس ابتدائية وثانوية، إلا أن عدد الأطفال المسجلين فيها لم يتعد قط 200 ـ 300 طفل من إجمالي تعداد الجماعة اليهودية في المجر والبالغ 80 ألفاً. وفي عام 1987، تم افتتاح أول مركز للدراسات اليهودية في الكتلة الشرقية في بودابست بالتعاون بين مؤسسة التراث اليهودي وكلية القانون في جامعة بودابست. ومع تحسُّنالعلاقات بين المجر وإسرائيل، بدأت الوكالة اليهودية تنشط في المجر، خصوصاً في مجال تعليم العبرية، وقد تم إرسال مدرسين إلى بودابست لهذا الغرض. وهناك تفكير أيضاً في فتح مدرسة يوم كامل يهودية. ورغم أن الحكومة المجرية أعطت موافقتها المبدئية، إلا أن المسألة تأجلت نتيجة خلافات داخل الجماعة اليهودية ونتيجة تخوف السلطات في بودابسـت من أن تطـالب الكنيسـة الكاثوليكية بمدارس مماثلة. أما رومانيا، فلا يوجد فيها سوى بعض الفصول الدينية التقليدية يحضرها حوالي 500 طالب في 25 بلدة ومدينة.

التربية والتعليم عند يهود الشرق منذ الحرب العالمية الأولى حتى الوقت الحاضر

Education of Eastern Jewry from the First World War to the Present

كان لانتشار مدارس الأليانس أكبر الأثر في تحديث المدارس اليهودية التقليدية. وفي عام 1865، تأسست إحدى كبريات المدارس في بغداد، وتضمنت مناهجها الدراسات اليهودية إلى جانب دراسة اللغتين العربية والتركية. وفي عام 1947، وصل عدد مدارس الأليانس في العراق إلى عشر مدارس تضم 6000 طالب. وقد أُغلقت هذهالمدارس جميعاً بعد حرب 1948 وإقامة دولة إسرائيل. كما فتحت الأليانس أول مدرسة لها في طهران عام 1898، ووصل عدد المدارس التابعة لها في إيران خمس عشرة مدرسة تضم 6200 طالب عام 1960. وشهدت المدارس اليهودية في إيران تدهوراً في أعدادها بعد أن هاجرت أعداد كبيرة من أعضاء الجماعة عقب قيام الثورة الإيرانية الإسلامية في عام 1979.

وفي مصر، بين عامي 1927 و1928، بلغ عدد الطلاب اليهود المسجلين في المدارس المصرية، حيث كانت العربية لغة الدراسة، حوالي 7168 طالباً مقابل 653 في المدارس الأجنبية التي كانت تحظى برعاية الجماعة اليهودية والأليانس. وعند قيام الدولة الصهيونية، كان ما يزيد على 90% من الطلبة اليهود مسجلين في مدارس أجنبية.

وفي بلاد المغرب العربي، بلغ عدد مدارس الإليانس عام 1939 نحو 45 مدرسة تضم 15,800طالب. ويُلاحَظ أن المستوى التعليمي لأعضاء الجماعة كان مرتفعاً بالمقارنة بسائر السكان، فكان الطلاب اليهود يشكلون عام 1930 نحو 25% من طلاب المدارس، بينما كانت نسبتهم لإجمالي السكان 2,9% فقط. وقد نشطت في تلك الفترة أيضاً المنظمة الصهيونية، فحاولت إحياء اللغة والثقافة العبرية ونشر الفكر الصهيوني بين يهود المغرب.

وفي تونس،كانت نسبة الطلاب اليهود المسجلين عام 1930 في المدارس الحكومية نحو 75% من مجموع الطلاب اليهود،وكان الباقون مسجلين في المدارس الخاصةالتي كانت غالبيتها من مدارس الأليانس. وكان الطلاب اليهود يشكلون 15,3% من إجمالي عدد الطلاب في المدارس،في حين كانت نسبتهم لإجمالي عدد السكان 2,5%. ولكن المدارس الحكومية في تونس (قبل الاستقلال) لم تكن عربية إذ كانت مقرراتها الدراسية فرنسية،كما كان التوجه العام فرنسياً.

أما في الجزائر، فكان لاكتساب أعضاء الجماعة اليهودية الجنسية الفرنسية، ودخولهم المدارس الحكومية المخصَّصة للمستوطنين الفرنسيين، أكبر الأثر في سرعة علمنتهم واندماجهم في المجتمع الفرنسي. وقد أقام الأليانس بعض المدارس اليهودية التي وفرت لهم قدراً من التعليم الديني اليهودي. وبعد الحرب العالمية الثانية، عملت الأليانس على توسيع شبكة مدارسها بمساعدة سلطات الاحتلال الفرنسي حيث وصل عدد طلابها عام 1960 إلى 30 ألف طالب. وتلقت الأليانس دعماً من يهود أوربا والولايات المتحدة.

وقامت منظمة أوزار هاتوراه، وهي منظمة أرثوذكسية يهودية، ومنظمة جماعة لوبافيتش الحسيدية، بفتح مدارس للبنين والبنات ومدارس دينية عليا وكليات تدريب للمعلمين. وقد ساهمت الأليانس مع منظمة أوزار هاتوراه في تحديث وإصلاح التعليم الديني اليهودي التقليـدي من خـلال إدخال إصـلاحات على مناهجـه وأساليب التدريس فيه، ونجحت هذه المجهودات في زيادة عدد الدارسين في هذه المدارس في المغرب، حيث كان عدد الدارسين في مدارس الأليانس عام 1970 نحو 7800 قياساً بنحو 7100 في المدارس التقليدية المعدلة.

ومع إقامة دولة إسرائيل واستقلال كثير من بلاد المغرب العربي وتزايد الشعور القومي العربي، تزايد أيضاً الاهتمام في مدارس الأليانس بالمضمون القومي للمناهج وزادت مقررات اللغة العبرية والمواد اليهودية. وأقامت الأليانس مدرسة في الدار البيضاء لتدريب مدرسي اللغة العبرية، وعمل خريجوها في مدارس الأليانس في بلاد البحر الأبيض المتوسط وإيران (وفيما بعد في إسرائيل وأمريكا اللاتينية وغرب أوربا وكندا).

أما في الهند، فمنذ خمسينيات القرن العشرين، تولى مدرسون إسرائيليون (أرسلتهم الوكالة اليهودية) عملية نشر التعليم العبري بين أعضاء الجماعة، وأسسوا شبكة واسعة لهذا الغرض. وقد لعب هؤلاء أيضاً دوراً حيوياً في تشجيع هجرة أعضاء الجماعة إلى إسرائيل. وقد هاجر معظم بني إسرائيل، إما إلى إسرائيل أو إلى إنجلترا، ولم يبق منهم في الهند سوى بضع مئات.

وفي إثيوبيا بحثت المنظمات اليهودية العديدة التي كانت ترغب في مد نشاطها بين يهود الفلاشاه عن عناصر قيادية بينهم. وقد وقع الاختيار بالفعل على بعض الأشخاص، ولكنهم لم يشكلوا قيادات سياسية حقيقية نظراً لطبيعة الجماعة اليهودية في إثيوبيا والتي اتَّسمت باللامركزية والتبعثر وعدم الوحدة. وقد نشبت خلافات عديدة بين القيادات الدينية التقليدية في القرى من ناحية والقيادات السياسية ومدرسي العبرية الذين تلقوا تعليمهم في إسرائيل من ناحية أخرى. وقد رجحت كفة القيادات السياسية في آخر الأمر، نظراً لنفوذهم ووضعهم المتميِّز بفضل الأموال التي كانوا يتلقونها من المنظمات اليهودية، وبفضل اعتراف الهيئات الأجنبية بهم وبفضل صلاتهم بالحكومة، ولذلك فقد نجحوا في استقطاب شباب الجماعة.

وبعد مجيء النظام الماركسي إلى الحكم عام 1974، مُنع النشاط الديني كما مُنع تعلُّم العبرية. وكانت المنظمة اليهودية الوحيدة التي سُمح لها بالعمل هي منظمة إعادة التأهيل والتدريب (أورت) التي أقامت 19 مدرسة (ضمت 2200 طالب) تقدم تعليماً مهنياً وعاماً ودينياً. ووجه بعض أعضاء الجماعة في إثيوبيا، والجماعات المؤيدة لهم، النقد لنشاط هذه المنظمة التي كانت تعمل على تحسين أوضاعهم في إثيوبيا وهو ما لم يشجع على هجرتهم إلى إسرائيل. وقد أوقف نشاط هذه المنظمة عام 1981، ولكن جميع المدارس والمعابد أُعيد فتحها مرة أخرى عام 1983 وسُمح بحرية العبادة الدينية.

وقد صُفِّيت الجماعة اليهودية تقريباً في إثيوبيا مع عملية التهجير الأخيرة التي صاحبت سقوط النظام الماركسي.

التربية والتعليم عند الجماعات اليهودية في الولايات المتحدة الأمريكية

Education of the Jewish Communities in the U. S. A

كان لتعثر التحديث في شرق أوربا، وتزايد العنصرية في أوربا بصفة عامة، أعمق الأثر في دفع أعداد كبيرة من أعضاء الجماعات اليهودية إلى الهجرة بحثاً عن فرصللحراك الاجتماعي. وشكلت هجرتهم جزءاً من هجرة كبرى حملت ملايين البشر من أوربا إلى المجتمعات الاستيطانية، خصوصاً الولايات المتحدة، تلك الهجرة التي وصلت ذروتها في الفترة بين عامي 1881 و1914 واستمرت حتى الحرب العالمية الثانية ثم بدأت تخبو بعد ذلك.

وتأثر تعليم اليهود في الولايات المتحدة بطبيعة المجتمع الأمريكي العلماني المفتوح الذي اتسم بقدرته على استيعاب وصهر وأمركة المهاجرين، وعلى فتح مجالات وفرص انتماء ثقافي كامل أمامهم. كما تأثر نمط التعليم اليهودي الديني بنموذج التعليم البروتستانتي في الولايات المتحدة، خصوصاً مدارس الأحد والمدارس التكميلية الملحقة بالمعبد اليهودي.

وكان التعليم اليهودي في الولايات المتحدة هامشياً إلى حدٍّ كبير،سواء من حيث عدد الدارسين أو من حيث ساعات الدراسة. وترتب على ذلك تآكل الهوية الدينية اليهودية لتحلّ محلها هوية إثنية يهودية جديدة لا تستند إلى أي معرفة حقيقية بالديانة أو الثقافة اليهودية. وزاد ذلك بدوره من عوامل ذوبان أعضاء الجماعة اليهودية، والذين يشكلون حوالي نصف يهود العالم، في مجتمعهم الأمريكي.

1 ـ في القرن التاسع عشر:

تأسَّست أولى مدارس الأحد اليهودية عام 1838 على يدي ربيكا جراتز في فيلادلفيا، وانتشرت بشكل سريع خلال الستينيات والسبعينيات من القرن التاسع عشر. كما تأسَّست أول مدرسة يوم كامل يهودية عام 1842 في نيويورك، وانتشرت في عدة مدن أمريكية.

وبعد أن بدأت المدارس الحكومية العلمانية تحلّ محل المدارس التابعة للطوائف الدينية في خمسينيات القرن التاسع عشر، بدأت مدارس اليوم الكامل اليهودية تغلق أبوابها إلى أن اختفت تماماً عام 1870. وبالتالي، اقتصر التعليم اليهودي في تلك الفترة على مدارس الأحد والمدارس التكميلية الملحقة بالمعبد والتي تأسست في كثير من التجمعات اليهودية.

وفي مجال تعليم اليهود خلال القرن التاسع عشر، تركزت الجهود على التعليم الابتدائي ولم تشمل المرحلة الثانوية. ومع ظهور اليهودية الإصلاحية والمحافظة، كان لابد أن تتبعها مؤسسات تربوية عالية لتخريج النخبة الدينية الجديدة. فتأسست عام 1875 كلية الاتحاد العبري لتدريب الحاخامات، كما أُسِّست كلية اللاهوت اليهودية عام 1886 لتخريج الحاخامات المحافظين.

2 ـ من مطلع القرن التاسع عشر حتى الحرب العالمية الثانية:

استقرت صورة تعليم اليهود في الولايات المتحدة على هذا النمط إلى أن جاءت موجات هجرة يهود اليديشية من أوربا الشرقية بين عامي 1880 و1920. واتجهالمهاجرون الجدد إلى إرسال أولادهم إلى المدارس الأمريكيـة الحكوميـة رغبةً منهم في الانخراط سريعاً في المجتمع الأمريكي. وساهمت مساعدات أعضاء الجماعة اليهودية بالولايات المتحدة في أمركة القادمين الجدد وتعليمهم الإنجليزية كما ساهمت في تراجع الإقبال على دراسة اللغة اليديشية أو العبرية. وقد أسسوا مدارس دينية تكميلية أُطلق عليها «حيدر»، ورغم اختلافها عن مثيلتها في شرق أوربا إلا أن مستواها كان متدنياً. ومن هنا، كان لهذه المدارس أثر سلبي، بل وعملت على إبعاد طلابها عن العقيدة والتقاليد اليهودية.

ومع اتجاه المهاجرين الجدد إلى الاستقرار، أُسِّست مدارس تكميلية أخرى أفضل حالاً أُطلق عليها اسم «تلمود تورا» رغم اختلافها هي الأخرى عن المدارس التي كانت تُسمَّى بهذا الاسم في أوربا الشرقية حتى القرن التاسع عشر. وأُقيمت هذه المدارس بمجهودات جماعية، وكانت مفتوحة لجميع أعضاء الجماعة اليهودية بصرف النظر عن انتماءاتهم المذهبية. وتضمنت مناهج هذه المدارس دراسة اللغة العبرية والأدب المكتوب بها إلى جانب دراسة التوراة والعبادات والصلوات والاحتفالات والتاريخ. وقد جاء مدرسو هذه المدارس مُحمَّلين بالأفكار الصهيونية فاهتموا بإحياء اللغة العبرية. وتأسَّست أول مدرسة عبرية حديثة في الولايات المتحدة عام 1897 ثم انتشرت هذه المدارس في نيويورك وبعض المدن الأخرى.

وأُسِّست أول مدرسة تلمودية عليا (يشيفا) عام 1886. وتم دمجها عام 1915 بمدرسة عليا أخرى لتصبح كلية لاهوت واحدة ثم أصبحت فيما بعد جزءاً من جامعة يشيفا. كما شهدت هذه الفترة بداية تأسيس مدارس اليوم الكامل لتقديم تعليم علماني وديني، ووصل عددها إبَّان الحرب العالمية الأولى إلى أربع مدارس. وظهرت كذلك المدارس اليديشية العلمانية عام 1911، إلا أنها تطورت خلال العشرينيات. وقد ضمَّت المدارس اليديشية شبكة من المدارس الابتدائية والثانوية ومعاهد لتدريب المعلمين ومعسكرات تعليمية. وفي عام 1908، نجد أن 100 ألف طالب يهودي كانوا يحضرون مدارس يهودية تكميلية، منهم 37.1% في مدارس الحيدر، و26.5% في مدارس الأحد، 26.2% في التلمود تورا، و9.65% في المدارس الملحقة بالمعبد، وحوالي 0.6% فقط في مدارس اليوم الكامل.

وفي عام 1910، تأسس في نيويورك مكتب التعليم اليهودي Bureau of Jewish Education للإشراف والتنسيق بين المؤسسات التعليمية اليهودية بصرف النظر عن انتماءاتها المذهبية أو الأيديولوجية. واهتم المكتب بتوحيد المناهج الدراسية بين المدارس المختلفة وخَلْق كوادر من المعلمين الأكفاء. كما أُسِّست أول مدرسة ثانوية يهودية عام 1913. ووصل عدد هذه المدارس عام 1940 إلى 30 مدرسة. وتأسست في تلك الفترة أيضاً المعسكرات الصيفية التعليمية، ومعاهد تدريب المعلمين التي كان أولها كلية جراتز في فيلادلفيا عام 1897.

كما تأسَّست عام 1939 الجمعية الأمريكية للتعليم اليهودي American Association for Jewish Education (AAJE) من أجل دعم الجهود وتنسيقها في مجال تعليم اليهود، وأُقيمت 32 مدرسة ومكتباً للتعليم اليهودي للإشراف على شبكة المدارس اليهودية المحلية في أنحاء البلاد.

3 ـ بعد الحرب العالمية الثانية:

شهد نمط تعليم اليهود تحوُّلاً آخر مع تزايد أمركة المهاجرين اليهود وتزايد اندماجهم في المجتمع الأمريكي خلال الثلاثينيات، وكذلك مع تحسُّن أوضاعهم الاقتصادية وتزايد انخراطهم في الحياة الثقافية العامة. فمن ناحية، بدأت اللغة اليديشية تفقد أهميتها، وانعكس ذلك في انخفاض نسبة الطلاب المسجلين في المدارس اليديشية من إجمالي حجم طلاب المدارس اليهودية (من 5% عام 1946 و3% عام 1950 إلى أقل من 2% عام 1958). واختفت هذه المدارس تماماً في الوقت الحاضر، بل إن اجتماعاتمعهد الييفو المتخصص في دراسة اليديشية أصبحت تدار الآن بالإنجليزية. ومن ناحية أخرى، تزايد الحراك الاجتماعي لأعضاء الجماعة وبدأت عملية خروجهم من الأحياء التي كانوا قد تمركزوا فيها عند وصولهم، فأخذوا ينتشرون بين الضواحي والأحياء الأرقى. لذا، نجد أن المدارس الدينية من نمط الحيدر والتلمود تورا بدأت تشهد تدهوراً حاداً. وفي المقابل، تزايد التحاق الأطفال اليهود بالمدارس التكميلية المسائية الخاضعة لإشراف المعابد التي أسسها أعضاء الجماعة في الأحياء التي استقروا فيها. وقد كان 88% من الأطفال المسجلين في المدارس اليهودية عام 1958 يحضرون مدارس تكميلية تحت رعاية المعبد، وهي إما مدارس مسائية يذهب إليها الطفل اليهودي مرتين أو خمس مرات في الأسبوع بعد الانتهاء من دراسته، أو مدارس الأحد التي يذهب إليها الطفل مرة واحدة في الأسبوع (ومن ثم سميت مدارس اليوم الواحد).

وكان قد تبلوَّر أيضاً، خلال فترة الثلاثينيات، الاتجاه إلى تحديد أطر الحياة الدينية وتنظيماتها وفقاً للانتماء المذهبي سواء كان هذا الانتماء أرثوذكسياً أو محافظاً أو إصلاحياً. وبالتالي، أصبح لكل مذهب مدارسه ومؤسساته التعليمية الخاصة. وأدَّى كل ذلك إلى تفتُّت المجهودات في مجال التعليم اليهودي بعد أن كانت خاضعة لإشراف جهة مركزية محايدة. وأصبح هناك عدد كبير من المدارس الصغيرة المعزولة عن بعضها تعمل على تعميق الانتماء إلى المذهب والمعبد على حساب الانتماء إلى الجماعة اليهودية الأكبر. وهذا في حد ذاته يعكس من ناحية فيدرالية الولايات المتحدة ولا مركزيتها من ناحية أخرى.

ومع أن حجم التسجيل في المدارس اليهودية زاد خلال الأربعينيات والخمسينيات من 200 ألف تلميذ عام 1936/ 1937 إلى 266 ألفاً عام 1950 ثم إلى 553 ألفاً عام 1959(ويرد في الإحصاءات أن 80% من الأطفال اليهود تلقوا في الفترة 1950 ـ 1960 شكلاً من أشكال التعليم اليهودي خلال المرحلة الابتدائية)، إلا أن هذه الزيادة صاحبها انخفاض حادّ في ساعات الدراسة. فمدارس الأحد (مدارس اليوم الواحد)، على سبيل المثال، لا تقدِّم سوى 64 ساعة دراسة سنوياً. وساعات الدراسة المحدودة هذه لا تسمح باستيعاب القدر الكافي من المواد الدينية أو الثقافية أو اللغة العبرية. كما أشارت بعض الدراسات إلى أن مدرسي المدارس التكميلية الملحقة بالمعبد غير مؤهلين بالقدر الكافي للتدريس وخصوصاً في مجال الدراسات اليهودية. كما أن الجزء الأكبر من التلاميذ يتركزون في السنوات الثلاث أو الأربع الأولى من الدراسة، أي أن الطفل اليهودي لا يتلقى في المتوسط أكثر من 3 ـ 4 سنوات من التعليم اليهودي المنتظم.

أما مدارس اليوم الكامل، فظلت تمثل الإطار الأمثل لتأهيل الطالب اليهودي في مجال الديانة والثقافة اليهودية. ورغم زيادة أعداد هذه المدارس من 17 مدرسة عام 1935 إلى 258 عام 1962، وزيادة نسبة التسجيل فيها من 4% عام 1958 إلى 13.4% من إجمالي طلاب المدارس اليهودية عام 1967، إلا أنها ظلت تشكل الأقلية بين المدارس اليهودية الأخرى، كما أن مقرراتها كانت مُختلَطة (دينية علمانية). ومما يذكر أن غالبية هذه المدارس كانت تحت رعاية الحركة الأرثوذكسية، وبعضها كانت تحت رعاية الحركة المحافظة والاتجاهات اليديشية - العمالية. وخلال السبعينيات، زاد حجم التسجيل في مدارس اليوم الكامل، حيث ارتفع من 75 ألف طالب عام 1972 إلى 90.675عام 1978/1979. ووصلت نسبة المسجلين في مدارس اليوم الكامل عام 1984 إلى 28% من إجمالي الأطفال اليهود الحاصلون على نوع من أنواع التعليم اليهودي في الفئة العمرية 3 ـ 17 سنة.

وفي الفترة بين عامي 1958 و1983، زاد الالتحاق بمدارس اليوم الكامل بنسبة 145%، في حين انخفض التسجيل في المدارس التكميلية خلال الفترة نفسها بنسبة 48%. ومن أسباب هذه الزيادة نمو حجم الأسر الأرثوذكسية في الولايات المتحدة والتي تضم عدداً أكبر من الأطفال وتحرص على توفير تعليم يهودي لأولادها من خلال مدارس اليوم الكامل. ولكن ثمة سبباً آخر أكثر أهمية وهو أن أعضاء الطبقات اليهودية الوسطى التي تعيش في المدن الكبرى وجدوا أنفسهم محاطين بأعضاء الأقليات (السود والأسبان)، الأمر الذي أدَّى إلى تدهور مستوى المدارس الحكومية وزيادة الشغب والجريمة فيها. وبالقياس إلى ذلك فإن مدارس اليوم الكامل اليهودية تقدم مستوى تعليمياً أرقى نظير تكلفة معقولة، سواء في مجال الدراسات اليهودية أو في مجال الدراسات غير اليهودية.

إلا أن حجم الزيادة في التسجيل في مدارس اليوم الكامل لم يعوض النقص الذي حدث في حجم التسجيل في المدارس التكميلية، وبالتالي انخفض حجم التسجيل الإجمالي في المدارس اليهودية من أكثر من نصف مليون عام 1959 إلى 372.417 فى الثمانينيات، وذلك من إجمالي تعداد أعضاء الجماعات اليهودية في الولايات المتحدة البالغ 5.835.000 شخص. وتُقدَّر نسبة التسجيل في المدارس اليهودية بنحو 39 - 43% من مجموع الأطفال بين 3 و17 سنة. و36% منهم مُسجَّلون في المدارس التابعة للحركة الإصلاحية، و20% مُسجَّلون في المدارس التابعة للحركة المحافظة، و8% مُسجَّلون في مدارس مختلطة.

وأبرز مؤسسات التعليم العالي اليهودية جامعة يشيفا في نيويورك. كما تضم 350 جامعة في أنحاء الولايات المتحدة أقساماً للدرسات العبرية واليهودية. وقد تأسَّست عام 1981 منظمة خدمة التعليم اليهودي لأمريكا الشمالية Jewish Education Service of North America لتحل محل الجمعية الأمريكية للتعليم اليهودي. وهي أساساً جهة استشارية تساهم في التخطيط بعيد المدى للتعليم الخاص باليهود وفي دعم الموارد المخصصة له.

كما تُوجَد في الولايات المتحدة مؤسسات ثقافية اجتماعية وشبابية يهودية تقوم بدور تربوي وتثقيفي مثل المراكز الخاصة باليهود والحركات الشبابية، وخصوصاً الصهيونية منها. وتقوم هذه المؤسسات بمحاولة تنمية وعي الفرد بانتمائه اليهودي من خلال النشاطات الثقافية والاجتماعية ودورات تعليم العبرية والمعسكرات الصيفية. كما تقيم الحركات الإصلاحية والمحافظة والأرثوذكسية معسكرات صيفية تعليمية خاصة بها، بعضها في إسرائيل، تركز فيها على تعليم اللغة العبرية وعلى ما يُسمَّى «الثقافةاليهودية».

التربية والتعليم عند الجماعات اليهودية في أمريكا اللاتينـية

Education of the Jewish Communities in Latin America

كانت بلاد أمريكا اللاتينية مثلها مثل أيٍّ من مناطق الجذب الأخرى لأعضاء الجماعات اليهودية، ولكن هذه البلاد احتفظت بكاثوليكيتها التي شكلت بُعداً أساسياً في الهويةالقومية لشعوبها، وبالتالي وجد أعضاء الجماعات اليهودية أنفسهم في تربة تستبعدهم وتعزلهم. وبينما عمل المجتمع الأمريكي على تذويب الفوارق بين الجماعات اليهوديةالتي استقرت فيه من خلال أمركتهم وتحويلهم إلى كتلة متجانسة، عملت مجتمعات أمريكا اللاتينية على تعميق هذه الفوارق وعلى تفتيت الجماعات اليهودية. فقد اتجهت كل جماعة يهودية إلى العودة إلى تراثها الثقافي والإثني اليهودي الخاص وتمسكت به. وقد عمَّق ذلك غياب مؤسسات قومية للدمج في أمريكا اللاتينية مثل المدارس الحكومية المجانية، وحتى عندما تأسَّست هذه المؤسسات فإنها كانت ذات توجُّه كاثوليكي واضح. وبالتالي، فقد اتجهت كل جماعة يهودية إلى إقامة مؤسساتها التعليمية الخاصة بها، بل زادت عليها مدارس اليوم الكامل اليهودية التي يتلقى فيها الأطفال اليهود تعليماً يهودياً عاماً بعيداً عن تأثير كاثوليكية المدارس العامة. وقد اتسمت المدارس بتوجهها الإثني القومي أو الصهيوني، بما يعكس طبيعة الهوية اليهودية لدى أعضاء الجماعات اليهودية في أمريكا اللاتينية التي اتخذت شكلاً إثنياً أكثر منه دينياً. وفي الأرجنتين، ظلت المدارس التكميلية هي النوع السائد من المدارس اليهودية حتى عام 1948. وقد ساعد على ذلك نظام المدارس الأرجنتينية الذي انقسم إلى فترتين كل منها أربع ساعات، وهو ما أتاح للأطفال اليهود فرصة الدراسة في المدارس التكميلية صباحاً أو مساءً لمدة ساعتين أو ثلاث يومياً. وقد تأسست أول مدرسة يوم كامل عام 1948 في بيونس أيرس، إلا أن زيادة البرامج الدراسية ذات التوجه الكاثوليكي الواضح في المدارس الحكومية دفع الجماعة اليهودية إلى التوسع في مدارس اليوم الكامل التي وصل عددها في أواخر السبعينيات إلى 38 مدرسة من إجمالي 44 مدرسة يهودية في بيونس أيرس. كما أن 84% من إجمالي الأطفال اليهود المسجلين في المدارس اليهودية يدرسون في هذا النوع من المدارس منذ بدايات الثمانينيات .

وتضم البرازيل 20 مدرسة من مدارس اليوم الكامل من إجمالي 33 مدرسة يهودية تشمل مراحل الحضانة والابتدائية والثانوية. ووصلت نسبة الطلاب المُسجَّـلين في هذا النوع من المدارس في بدايات الثمانينيات إلى 98% من إجمالي الطلاب المُسجَّـلين في المـدارس اليهـودية.

كما نجد أن نسب التسجيل في المدارس اليهودية تنخفض كلما تحركنا نحو المراحل التعليمية الأعلى، إذ تتركز غالبية التلاميذ في المراحل الابتدائية. ففي الأرجنتين مثلاً، نجد أن متوسط سنوات الدراسة في المدارس اليهودية تراوحت بين عامين وثلاثة أعوام يلتحق التلاميذ بعدها بالنظام التعليمي العام. وفي عام 1960 قُدِّرت نسبة الأطفال اليهود الذين أكملوا دراستهم حتى الصف السادس الابتدائي بحوالي 4.2% ممن بدأوا دراستهم أصلاً في الصف الأول الابتدائي. وانخفضت هذه النسبة إلى 3.5% مع بداية الثمانينيات.

ويبيِّن ذلك أن مدارس الجماعات اليهودية في هذه البلاد كانت بمنزلة أداة انتقال ساعدت المهاجرين الجدد، بميراثهم اللغوي والثقافي، على استيعاب الصدمة الحضارية وعلى التكيف داخل المجتمع الجديد. ولذا، فإن أهمية هذه المدارس تتضاءل مع تناقص عدد المهاجرين ومع تزايد معدلات الاندماج في المجتمع.

كما نجد أنه كلما زاد نفوذ الكنيسة الكاثوليكية في بلاد أمريكا اللاتينية، وزادت سيطرتها على المدارس، ازدهرت المدارس اليهودية وتعمقت الهوية اليهودية (اللاتينية)، كما هو الوضع في بيرو حيث تصل نسبة التسجيل في المدارس اليهودية95% من الأطفال اليهود. أما في البلاد التي تتمتع بمعدلات علمنة عالية مثل شيلي والأرجنتين والبرازيل والتي تضم غالبية يهود أمريكا اللاتينية، فالأمر مختلف تماماً حيث نجد أن نسبة التسجيل في المدارس اليهودية في الأرجنتين مثلاً تصل إلى 16% فقط، وفي شيلي إلى 25%، وتصل إلى 6% في مدينتي ساوباولو وريو دي جانيرو بالبرازيل، ويدل هذا على تزايد علمنة أعضاء الجماعات اليهودية في هذه البلاد وعلى تزايد اندماجهم في المجتمع.

ولعل الوضع اللغوي بين أعضاء الجماعات اليهودية يبين معدلات الاندمـاج بين أعضاء الجماعات اليهودية في أمريكا اللاتينية بشكل جليّ، فقد اختفت اللغة اليديشية وحلتمحلها اللغة الإسبانية أو البرتغالية، كما تزايد عدم الاكتراث باللغة العبرية رغم وجود مدرسين إسرائيليين في المدارس اليهودية. ففي المكسيك مثلاً، نجد أنه بينما كان 84% من الأطفال المسجلين في المدارس اليهودية عام 1955 يتلقون تعليمهم باليديشية، انخفضت هذه النسبة إلى 10% عام 1970. وفي شيلي، نجد أن 75% من الأطفال اليهود في مدينة فالبارايسو تحت سن 18 سنة ليست لديهم أية معرفة باليديشية، وترتفع هذه النسبة إلى 90% بالنسبة للأطفال الذين وُلد آباؤهم في أمريكا اللاتينية. وفي ساو باولو بالبرازيل، نجد أن 85% من اليهود يعتبرون أن البرتغالية لغتهم الأولى في حين اعتبر 15% فقط أن اليديشية لغتهم الأولى.

واتسمت المقررات في مدارس الجماعات اليهودية بتوجهها الإثني القومي أو الصهيوني، ولهذا تشكل دولة إسرائيل عنصراً مهماً في المقررات الدراسـية باعتبارها مصـدراً مهماً لهـذه الإثنية. وفي الأرجنتين، نجد أن كثيراً من خريجي المعاهد اليهودية لتدريب المعلمين يقضون فترات تصل إلى عام في إسرائيل. وفي البرازيل، نجد أن نسبة كبيرة من المدرسين من الإسرائيليين، وذلك نظراً لما تعاني منه المدارس اليهودية من نقص في عدد المدرسين. كما تضم المدرسة اليهودية الرئيسية في ليما (بيرو) برنامجاً لإرسال طلابها لقضاء عدة أشهر للدراسة في إحدى كليات إسرائيل. وفي فنزويلا، نجد أن جامعة القدس هي الجهة التي تدعم النظام التعليـمي اليهودي.

وفيما يتعلق بالتعليم العالي اليهودي، تأسس عام 1973 في بيونس أيرس (الأرجنتين) أول معهد حاخامي أرثوذكسي للدراسات العليا في أمريكا اللاتينية. كما تم خلال السبعينيات فتح مركز جديد للدراسات اليهودية تحت رعاية المنظمة الصهيونية وجامعة تل أبيب. وقد تخرج لأول مرة في الأرجنتين مدرسو المرحلة الثانوية في إطار مشروع تم بالتعاون بين ممثلي الجماعات اليهودية في الأرجنتين وجامعة تل أبيب والمنظمة الصهيونية العالمية. كما تضم الجامعات الوطنية في أمريكا اللاتينية، مثل جامعة ساو باولو في البرازيل والجامعة المكسيكية، برامج للدراسات اليهودية.

وهناك خارج إطار النظام المدرسي نشاطات تلعب دوراً تربوياً وتثقيفياً، مثل: المعسكرات الصيفية، والبرامج التعليمية للكبار، والمراكز الاجتماعية، ونشاطات المنظمات الصهيونية. كما توجد برامج إذاعية وتليفزيونية يهودية أسبوعية في البرازيل. وهناك برنامج إذاعي يهودي يومي في أورجواي. ومع تزايد معدلات العلمنة، بدأت تحلّ مؤسسات حديثة محل المؤسسات اليهودية التقليدية، النادي الرياضي الذي يجذب أعداداً كبيرة من أعضاء الجماعات اليهودية من مختلف الانتماءات الإثنية، كما يقدم برامج تعليم للكبار ومحاضرات ومعسكرات. ومثل هذه النوادي شائعة في أمريكا اللاتينية، وتتم جميع النشاطات داخلها باللغتين الإسبانية أو البرتغالية بعيداً عن الدين والسياسة.

التربيـة والتعلـيم عند الجماعـات اليهـودية في كندا

Education of the Jewish Communities in Canada

تأثرت المؤسسات التعليمية الخاصة بالجماعات اليهودية في كندا بالنظام التعليمي المحلي الذي ينقسم إلى شبكتين من المدارس؛ إحداهما بروتستانتية (أنجلو ساكسونية) والأخرى كاثوليكية (فرنسية). ويضم هذا النظام، إلى جانب ذلك، شبكة من المدارس الحكومية العلمانية. وكان أعضاء الجماعة اليهودية قد اتجهوا في بادئ الأمر إلى إرسال أولادهم إلى المدارس البروتستانتية حيث الإنجليزية لغة التدريس. أما التعليم الديني، فكان يتم في المدارس الدينية المسائية التكميلية. ومما يُذكَر أن غالبية أعضاء الجماعة اليهودية يعتبرون أنفسهم جزءاً من المجتمع الأنجلو ساكسوني. ومع تزايد قلق الآباء بشأن تأثير النظام المدرسي المسيحي على أولادهم، أُقيمت شبكة من مدارس اليوم الكامل اليهودية (الابتدائية والثانوية) حيث يتلقى الأطفال اليهود تعليماً علمانياً وتعليماً دينياً وقومياً يهودياً بعيداً عن تأثير المدارس ذات التوجه المسيحي. ولغةالتدريس في هذه المدارس هي الإنجليزية. وتغطي المقررات اللغة العبرية والأدب العبري، كما تضم بعض المواد الدينية الخاصة بالعبادات والصلوات والتقاليد اليهودية. وتلقي إسرائيل والتطورات التي تحدث فيها اهتماماً متزايداً في هذه المدارس. وتضم مدارس اليوم الكامل مدارس عبرية ومدارس دينية عليا ومدارس يديشية ومدارس علمانية عامة تُخصِّص ما بين 12 و25 ساعة أسبوعياً لدراسة المواد اليهودية. وجدير بالذكر أن كثيراً من القيادات الشبابية في المنظمات اليهودية هم من خريجي مدارس اليوم الكامل.

وفي بداية السبعينيات، كان نحو 30% من الأطفال اليهود(5 ـ 13 سنة)، داخل التجمعات اليهودية التي تضم 25عائلة يهودية أو أكثر يدرسون في مدارس اليوم الكاملبالمقارنة بنحو 2% في عام 1933. وقد تأسست مدارس يهودية تُدرِّس باللغة الفرنسية، وذلك بعد تدفُّق حوالي 20.000 يهودي من شمال أفريقيا خلال الستينيات والسبعينيات.

وبالإضافة إلى مدارس اليوم الكامل، هناك المدارس التكميلية العبرية المسائية التي تقدم حوالي 4 ـ 6 ساعات من الدراسة اليهودية خلال الأسبوع، ولكن 85% من هذه المدارس ملحقة بالمعابد. وهناك مدارس الأحد، وهي في أغلبها تحت رعاية الحركة الإصلاحية إلا أن أعدادها تتجه نحو التضاؤل. كما أن هناك مدارس حضانة ومدارسإعدادية ملحقة بالمعابد، ومعاهد لتدريب المعلمين، وكليات حاخامية.

وفي الخمسينيات، كان نحو 60% من جملة الأطفال اليهود، ممن هم في سن الدراسة في كندا، يتلقون نوعاً من التعليم اليهودي. ووصلت هذه النسبة إلى 90% في المناطق الغربية من كندا، وذلك نظراً لأن هذه المناطق تضم جماعات إثنية مختلفة تعمل على الحفاظ على لغتها وهويتها الثقافية رغم السيادة النسبية للثقافة الأنجلو ساكسونية فيها.

وفي بداية السبعينيات، كان 48 ـ 60% من الأطفال اليهود في المدن الكبيرة في الفئة العمرية بين 5 و14 سنة يتلقون نوعاً من أنواع التعليم اليهودي، ووصلت هذه النسبة إلى 90% في المدن الصغيرة. إلا أن نسبة من يكملون دراستهم في المدارس اليهودية حتى المرحلة الثانوية تراوحت بين 10 و14% فقط.

ويعاني نظام التعليم التابع للجماعة اليهودية في كندا نقص المدرسين المؤهلين تأهيلاً جيداً وغياب اهتمام طلبة الجامعات بالدراسات اليهودية، وذلك إلى جانب نقص الموارد المالية اللازمة لتمويل شبكة مدارس اليوم الكامل.

وتُوجَد جهات تلعب دوراً تثقيفياً تربوياً خارج إطار المدارس، مثل المنظمات الصهيونية التي تنشط في مجال نشر اللغة العبرية وفي مجال دعم التعاون مع إسرائيل، وذلك من خلال المحاضرات وبرامج تبادل المدرسين ومعسكرات الشباب والنوادي العبرية.

التربية والتعليم عند الجماعات اليهودية في جنوب أفريقيا

Education of the Jewish Communities in South Africa

تَدفَّق المهاجرون من يهود اليديشية على جنوب أفريقيا في الثمانينيات القرن التاسع عشر قادمين من أوربا الشرقية، وخصوصاً من ليتوانيا. وكانوا يتَّسمون بالتمسك بعقيدتهم اليهودية وإثنيتهم اليديشية.

ونظراً لأن عدد اليهود ذوي الأصل الأوربي الغربي لم يكن كبيراً في جنوب أفريقيا، فإن الاتجاهات والأفكار الاندماجية لم تحقق انتشاراً كبيراً بين يهود اليديشية. كما أن المجتمع الذي وفد إليه هؤلاء المهاجرون هو نفسه مجتمع لا يشجع على الاندماج فيه وإنما يشجع على الفصل بين الأديان والألوان والأجناس. ولذا، نجد أن مناهج المدارس الحكومية ذات توجُّه ديني مسيحي وعنصري أبيض. وقد تبنَّى أعضاء الجماعات اليهودية هذه الصيغة، فأُسِّس مجلس للتعليم اليهودي في كل من جوهانسبرج وكيب تاون بهدف تطوير نظام خاص للتعليم اليهودي المستقل. وتم تأسيس أول مدرسة يوم كامل يهودية عام 1948.

ويقدِّم أعضاء الجماعة اليهودية في جنوب أفريقيا دعماً سخياً لشبكة مدارس اليوم الكامل التي زاد عددها من 17 مدرسة في عام 1968 تضم 5.632 طالباً، إلى 92مدرسة تضم 13.398 طالباً أو 85% من إجمالي الطلاب في المدارس اليهودية في بداية الثمانينيات. كما كان 53% من الأولاد اليهود في الفئة العمرية 3 ـ 17 سنة مسجلين في مدارس اليوم الكامل في بدايات الثمانينيات. وبلغت نسبة الأطفال اليهود من الفئة العمرية 3 ـ 17 سنة المسجلين في جميع المدارس اليهودية 46%

وإلى جانب مدارس اليوم الكامل، هناك مدارس توفر دروساً صباحية أو مسائية للأطفال، ومدارس عبرية مسائية أرثوذكسية، ومدارس مسائية عبرية إصلاحية. كما تُوجَد في جوهانسبرج مدرسة دينية عليا أرثوذكسية وأخرى يديشية.

وهناك علاقة وثيقة بين جنوب أفريقيا وإسرائيل في المجال التعليمي، فمعهد تدريب مدرسي العبرية الذي تأسَّس عام 1944 يرسل خريجيه لقضاء فترة عام من الدراسة الإضافية في إسرائيل. كما أن هناك برنامجاً لإرسال طلاب مدارس اليوم الكامل الثانوية إلى إسرائيل لتَعلُّم العبرية. كذلك يُلاحَظ أن المدرسين الإسرائيليين يعوضون نقص المدرسين الذي تعاني منه مدارس الجماعة اليهودية. وتقدِّم إسرائيل منحاً دراسية سخية لطلاب جنوب أفريقيا على أمل تشجيعهم على الاستيطان فيها.

ويُلاحَظ تناقُص أعداد الطلبة من أعضاء الجماعة اليهودية في مدارس اليوم الكامل لعدة أسباب، منها تزايُد معدلات الاندماج، إذ يصنَّف اليهود باعتبارهم بيضاً. ومما يجدر ذكره هنا أن الطلبة عادةً ما يتركون مدارس الجماعة اليهودية ليلتحقوا بالمدارس الإنجليزية (لا الهولندية)، فالتوجُّه الثقافي العـام ليهـود جنوب أفريقيا أنجلو ساكسوني، ولا توجد سوى قلة صغيرة تتحدث الهولندية. وقد أدَّى تزايد هجرة يهود جنوب أفريقيا إلى الولايات المتحدة وإنجلترا وإسرائيل إلى تناقص أعداد الطلبة.

يانوس كورساك (1878-1941(

Janus Korzak

تربوي ومؤلف وأخصائي اجتماعي بولندي. وُلد لأسرة يهودية بولندية ثرية مندمجة من سكان وارسو. تلقى تعليمه ليعمل في الطب إلا أن اهتمامه بالفقراء جعله يترك مهنة الطب ويتطوع في معسكر صيفي للأطفال المحرومين.

أبدى كورساك اهتماماً بالأطفال وبالذات الفقراء منهم، فقدَّم في أول كتبه، أطفال الشوارع (1901)، وصفاً للمعاناة المخيفة التي يعاني منها الأطفال الأيتام الذين لا مأوى لهم في المدن حيث يعيشون بذكائهم ويسرقون ليطعموا أنفسهم، وهم رغم هذا مازالوا قادرين على التفرقة بين الصـواب والخـطأ. أما كتابه الآخر طفل الصالون (1906)، فيُعطي صورة مخالفة لطفل الطبقة الوسطى المدلل الذي تعتمد حياته على النقود. وقد أثارت كتاباته كثيراً من النقد وبالذات من جانب العناصر الرجعية.

في عام 1911، ترأس كورساك ملجأ للأطفال الأيتام اليهود في وارسو واستمر في هذه الوظيفة إلى آخر أيام حياته، باستثناء فترة الحرب العالمية الأولى حيث خدمكضابط طبيب في الجيش البولندي. اتبع كورساك طريقة حديثة في إدارة المعهد حيث منح الأطفال فرصة إصدار جريدة خاصة بهم أُطلق عليها مجلة الصغار، وظهرت هذه المجلة كملحق أسبوعي لإحدى الجرائد الصهيونية. وقد أدَّى نجاح كورساك في إدارة الملجأ إلى استعانة السلطات البولندية به لتأسيس ملجأ مشابه للأطفال غير اليهود في وارسو.

عمل كورساك أيضاً كموظف مسئول عن ملاحظة الأفراد الموضوعين تحت الاختبار من جانب القضاء، وكمحاضر في الجامعة البولندية الحرة وفي معهد تدريب المعلمين اليهود. كما عمل كمذيع في الإذاعة لموضوعات لها علاقة بالأطفال والكبار.

ونتيجةً لخدمته في مجال التربية ومعاملة الأطفال، قام كورساك بنشر بعض الأعمال التي توضح كيفية التعامل مع الطفل، مثل: كيف تحب الطفل (1920 ـ 1921)، و حق الطفل في الاحترام (1929). كما ألَّف بعض قصص الأطفال.

ولا يوجد بُعْد يهودي واضح أو كامن في كتابات كورساك، فهو تربوي بولندي حديث يتعامل مع المشكلات التربوية في بلده، وإذا كان هناك مضمون يهودي في بعض كتبه وقصصه، فإن المنظور العام فيها يظل منظوراً بولندياً لا يختلف كورساك فيه عن المثقفين البولنديين الذين تناول بعضهم الموضوع اليهودي باعتبار أن اليهود كانوا يشكلون أقلية كبيرة في بولندا. وقد قام كورساك بزيارة فلسطين مرتين: مرة عام 1934، وأخرى عام 1936. وأمضى بعض الوقت في كيبوتس عين هارود وأبدى إعجابه بالفلسفة الاجتماعية والتربوية التي قامت عليها حركة الكيبوتس، وهو في هذا لا يختلف كثيراً عن المثقفين الغربيين الذين ينزعون التجربة الصهيونية عن سياقها الاجتماعي والتاريخي الاستيطاني الإحلالي ثم يجعلونها موضع إعجابهم العميق. وقد أُرسل كورساك إلى أفران الغاز عام 1942، شأنه في هذا شأن الألوف من مثقفي بولندا ونخبتها والملايين من سكانها، حيث قرر النظام النازي القضاء عليهم لتخفيف الكثافة السكانية في المجال الحيوي لألمانيا، وتحويل الشعب البولندي إلى مادة بشرية طيعة يمكن تسخيرها في خدمة الدولة القومية المركزية في ألمانيا.

أبراهـام فلكســنر (1866-1959(

Abraham Flexner

عالم وتربوي أمريكي يهودي وُلد في مدينة لوي فيل بولاية كنتاكي عام 1866، والتحق بجامعة جونز هوبكنز حيث درس الأدب الإغريقي والروماني وتخرَّج فيها عام 1886، وقام بتدريس اللغة اللاتينية واليونانية من عام 1886 إلى عام 1890 في مدرسة لوي فيل الثانوية. وفي عام 1891، أسس فلكسنر مدرسة ثانوية خاصة تُعد الطالب للدراسة الجامعية أطلق عليها مدرسة «الأستاذ فلكسنر». واتبعت هذه المدرسة الطريقة الفردية في التعليم التي حققت نجاحاً مالياً وتربوياً. إلا أنه، بعد التدريس فيها مدة خمسة عشر عاماً، تركها والتحق بجامعة هارفارد لمدة عام (1905 - 1906)، ثم التحق بعد ذلك بجامعة برلين (1906 - 1907) حيث درس علم النفس والفلسفة والتربية. وأثناء دراسته في برلين، وقع فلكسنر تحت تأثير الفيلسوف والمربي ومؤرخ التعليم العالي الألماني فردريك بولسن.

وفي عام 1908، صدر لفلكسنر كتاب الكلية الأمريكية وهو عرض موجز ونقدي للتعليم العالي في الولايات المتحدة. ولم يؤد هذا الكتاب إلى أية إصلاحات مباشرة للتعليم العالي إلا أنه أثار اهتمام هنري س. بريشت، رئيس مؤسسة كارنجي لتحسين التعليم، الذي كلفه بإجراء دراسة على كليات الطب في الولايات المتحدة. وقام فلكسنر بإجراء مسح لجميع كليات الطب في الولايات المتحدة وكندا والبالغ عددها 154 كلية، منها سبعة في كندا قام بمسحها من حيث شروط الالتحاق ومؤهلات أعضاء التدريس (والميزانية المخصَّصة لهم) ونوعية المعامل الموجودة فيها ومدى كفايتها وعلاقة هذه الكليات بالمستشفيات. وظهرت نتيجة هذه الدراسة في تقرير عام 1910 بعنوان تعليم الطب في الولايات المتحدة وكندا. وأدَّت هذه الدراسة إلى إصلاحات جوهرية في تعليم الطب بالولايات المتحدة. وأعقب فلكسنر هذه الدراسة بدراسة تحليلية نقدية عن تعليم الطب في أوربا نُشرت بعنوان تعليم الطب في أوربا (1912). كما صدر لفلكسنر دراسة أخرى مهمة عن البغاء في أوربا (1914).

وكعضو وسكرتير للهيئة العامة للتعليم بين عامي 1912 و1928، قام فلكسنر بدراسات عن التعليم في الولايات المتحدة بالاشتراك مع ف. ب. باكمان، فصدر لهما كتاب عن التعليم العام في ولاية مريلاند (1916)، و مـدارس جـاري (1918). أما كتاب الكليـة الحديثـة (1927)، فحوى كثيراً من أفكار واقتراحات إصلاح التعليم الثانوي والعالي. وفي كتاب الجامعات: الأمريكية والإنجليزية والألمانية (1930)، يُوجِّه فلكسنر نقداً شديداً للاتجاه الوظيفي في مؤسسات التعليم العالي في أمريكا. أما آخر منجزاته التربوية فكان تأسيس وتنظيم المعهد العالي للدراسات العليا في برينستون. ومن مؤلفاته الأخرى: هل يُقدِّر الأمريكيون التعليم حق قدره (1927)، و سيرة حياة هنري بريشت (1943)، و دانيل كويت جيلمان: مؤسـس الجامعـة ذات الطابع الأمريكي (1946)، و الاعتمادات المالية والمؤسسات (1952)، وكتاب سيرة ذاتية بعنوان أتذكر وقد أُعيد نشره بعد وفاته بعنوان أبراهام فلكسنر: سيرة حياة (1962 (.

ولا يمكن القول بأن فلكسنر صاحب نظرية تربوية أصيلة، كما أن انتماءه اليهودي لا يتبدَّى لا في سيرة حياته ولا في كتاباته النظرية ولا ممارساته العملية.

إسحق بركسون (1891-1975)

Isaac Berkson

تربوي أمريكي يهودي وُلد في مدينة نيويورك، وبدأ عمله في مجال التعليم كمدير للمعهد اليهودي المركزي في نيويورك عام 1917. وفيما بين عامي 1918 و1927، أشرف على مدارس وبرامج الخدمة العامة التابعة لمكتب التعليم اليهودي لمدينة نيويورك. وفي عام 1927، قام بتدريس مادة التربية في المعهد الديني اليهودي الذي أُدمج فيما بعد مع كلية الاتحاد العبري. وفي العام نفسه، تلقى دعوة للقيام بعمل مسح شامل للمدارس اليهودية في فلسطين. وبعد أن أنهى المسح، مكث هناك حتى عام 1935 كمراقب لنظام التعليم اليهودي، ثم عاد إلى الولايات المتحدة. وفي عام 1938، قام بتدريس مادة فلسفة التربية في كلية مدينة نيويورك وعُيِّن أستاذاً بها عام 1955.

يُعَدُّ بركسون من أتباع التربية التقدمية التي نادى بها كلٌّ من جون ديوي وكيلباتريك، إلا أن تقبُّله الفلسفة البرجماتية كان جزئياً. ويُعتبَر كتابه نظريات في الأمركة: دراسة نقدية مع الإشارة إلى الجماعة اليهودية بالذات (1920) تعليقاً مهماً على نظرية التعددية الثقافية الأمريكية. وفي كتاب المثال والجماعة (1958)، يطرح بركسون نظرية الجماعة كوسيلة لمعالجة المشاكل الخاصة بالتعليم اليهودي. وتذهب نظريته هذه إلى القول بأن الجماعات اليهودية المختلفة في العالم تُكوِّن جماعة يسرائيل التي تملك ميراثاً من القيم الثقافية والاجتماعية والروحية الخاصة، ومن ثم فإن الفرد اليهودي إذا أراد أن تنمو وتزدهر شخصيته فعليه أن يجمع بين ولائه لميراث جماعة يسرائيل (بما في ذلك دولة إسرائيل) وبين مشاركته في المثل العالمية التي تُعتبَر ميراثاً للبشرية. ويُعَدُّ هذا تعبيراً عن وجهة النظر التي تُسمَّى مركزية الدياسبورا، وهو إيمان أعضاء الجماعات اليهودية بأن ثمة شيئاً ما مشتركاً بينهم، وأن الدولة الصهيونية لها أهمية خاصة ولكن أهميتها لا تضعها في المركز إذ تظل الجماعات اليهودية بكل تنوعها هي المركز، ومن ثم يجب الحفاظ على الهويات اليهودية المختلفة.

ولبركسون مجموعة أخرى من الأعمال تشمل مقدمة لفلسفة تربوية (1940)، و التربية تواجه المستقبل (1943)، و الأخلاق والسياسة والتربية (1968).

إسـرائيل شيفلر (1923-)

Israel Scheffler

فيلسوف وتربوي أمريكي يهودي. وُلد في مدينة نيويورك عام 1923، وبدأ حياته المهنية في جامعة هارفارد عام 1952 ثم عُيِّن أستاذاً للتربية عام 1961.

يُعتبَر شيفلر أحد رواد مدرسة التحليل الفلسفي في التربية، والتي تؤكد أهمية توضيح اللغة والأفكار الأساسية والصيغ المنطقية المستخدمة في التربية أكثر مما تحاول توليف رؤية تربوية كلية من المعتقدات المتاحة. ويُعتبَر كتابه لغة التربية (1960) من الكتب الرائدة في هذا المجال، ففيه يحلل الأفكار التربوية من منظور مدى وضوحها والبراهين من منظور مدى صدقها. ومن أعماله الأخرى: الفلسفة والتربية (1958)، و تشـريح البحث (1963)، و أحوال المعرفـة (1967)، و العلم والذاتية (1967).

ولا يتناول شيفلر في كتاباته موضوعات يهودية، كما لا يُعَدُّ من قادة الفكر التربوي في الولايات المتحدة.

لورنـــس كرمــين (1925-)

Lawrence Kremin

تربوي أمريكي يهودي ومَرجع في التربية التقدمية. وُلد في نيويورك، وبدأ حياته المهنية كمدرس في كلية المعلمين بجامعة كولومبيا عام 1949. واستمر في التدريس بهاإلى أن عُيِّن أستاذاً عام 1957. وفي عام 1958، ترأس قسم الفلسفة والعلوم الاجتماعية فيها، وفي عام 1967، ترأس الجمعية القومية لمدرسي كليات التربية ثم اختير نائباً لرئيس الأكاديمية القومية للتربية. نال جائزة بانكروفت للتاريخ الأمريكي عن كتابه تحوُّل المدرسة: التقدمية في التربية الأمريكية 1876 ـ 1957، وهي دراسة تمت فيها متابعة حركة التربية التقدمية في الولايات المتحدة.

ولكرمين مؤلفات أخرى مهمة منها: المدرسة الأمريكية العامة: رؤية تاريخية (1951)، و الجمهورية والمدرسة: هوراس مان وتربية الرجال الأحرار (1957)، و عبقرية التربية الأمريكية (1965).

ولا يُعَدُّ كرمين من كبار التربويين الأمريكيين أو من أهمهم، وليست له إسهامات أصيلة في حقل التربية، كما لا تتناول كتاباته التربوية موضوعات يهودية.

جامعــــة يشــــيفــا

Yeshiva University

جامعة أمريكية يهودية في نيويورك، تأسست باندماج معهدين علميين دينيين يهوديين عام 1915 وانضمام كلية يشيفاه إليهما عام 1928. وسُمِّيت باسمها الحالي عام 1945. ويزيد عدد الطلاب فيها على ستة آلاف، وتمنح الجامعة درجات في الدراسات الجامعية والعليا. وهي تضم كلية لاهوتية ومعهداً لإعداد المدرسين، وكلية للدراسات العليا، وكلية للدراسات اليهودية العليا، وكلية تربية، وكلية خدمة اجتماعية، ومعاهد للرياضيات، ومعهداً لإعداد المنشدين، وكلية طب ملحق بها مركز نفسي ومركز للخدمات التربوية ومكتبة ضخمة. وتنشر الجامعة عدة دوريات يهودية متخصِّصة، وهي أهم مؤسسة تعليمية لليهودية الأرثوذكسية في الولايات المتحدة.

جامعــــة برانديــــز

Brandeis University

مؤسسة تعليمية أمريكية يهودية أسسها أعضاء الجماعة اليهودية في الولايات المتحدة، وسُمِّيت باسم الزعيم الصهيوني القاضي برانديز. وتقع الجامعة في ولاية ماساشوستس، ولا يختلف تركيبها وبنيتها وأقسامها ومواد الدراسة فيها عن أية جامعة أمريكية أخرى. ويتفاوت مستوى الدراسة فيها من قسم إلى آخر، كما هو الحال مع معظم الجامعات الأمريكية. وهي جامعة مُعتَرف بها، ويوجد بها قسم للدراسات اليهودية. ويستطيع طلبة الليسانس بها أن يقضوا سنة من دراستهم في إسرائيل. ويتبع الجامعة معهد دراسات الشرق الأوسط في إسرائيل. ولا تختلف جامعة برانديز في هذا عن الجامعات الأمريكية الأخرى التي لها علاقة بإسرائيل. وتوجد في جامعة برانديز كنيسة بروتستانتية وأخرى كاثوليكية، ومعبد يهودي، وهي في هذا لا تختلف أيضاً عن عشرات الجامعات الأمريكية الأخرى. ولعل العنصر اليهودي الوحيد في هذه الجامعة أنها سُمِّيت باسم أحد مشاهير اليهود في الولايات المتحدة، وأن عدد الطلبة اليهود فيها كبير، وأن تمويلها يهودي أساساً. وبالتالي، فهي «مصدر فخر » لليهود الجدد في الولايات المتحدة إذ يعتبرونها مكاناً يمكنهم « استضافة أعضاء الديانات الأخرى فيه » (وهذه هي المصطلحات المستخدمة في أدبيات الجامعة وفي الكتيبات الصادرة عنها). وتختلف جامعة برانديز تمام الاختلاف عن جامعة يشيفاه، إذ أن هذه الأخيرة جامعة دينية يهودية ذات هوية أرثوذكسية.

جامعـــــة اليهوديــة

University of Judaism

مؤسسة تربوية يهودية في لوس أنجلوس (كاليفورنيا)، أُسِّست عام 1947 كمدرسة معلمين وكمدرسة يستطيع فيها الكبار أن يستمروا في حقل الدراسات اليهودية، ثم أصبحت هذه المدرسة جامعة مستقلة لها مجلس أمناء خاص بها، وهي تقوم بجمع التبرعات، وتضم الآن أربع كليات تمنح درجات جامعية:

1 ـ لي كوليج Lee College. وهي كلية عاديـة تُعد طـلابها لإحـدى المهن، وتتضمن مناهجها دراسات في الحضارة الغربية وما يُسمَّى «التراث اليهودي».

2 ـ مدرسة ديفيد لَيبر للدراسات العليا David Lieber School of Graduate Studies، وتمنح شهادة في إدارة الأعمال، وتُعطي بعض المقررات ذات الطبيعة اليهودية مثل «كيفية إدارة التنظيمات اليهودية». كما تمنح الكلية أيضاً درجة الماجستير في التربية والدراسات اليهودية والأدب الحاخامي.

3 ـ مدرسة فنجرهات للتربية Fingerhat School of Education. وتُعد يهوداً تربويين محترفين للاشتراك في برامج الدراسات اليهودية ولتنظيم المقررات والبحوث اليهودية.

4 ـ مركز كليجان للوسائل التعليمية Clejan Educational Resources Center. وتوجد فيه شبكة كومبيوتر ووسائل سمعية وبصرية. وتقع الجامعة في جبال سانت مونيكا في لوس أنجلوس في الولايات المتحدة.

كــــلال (المركــز القـــومي اليهـــودي للتعليـــم والقيــــادة)

Clal (The National Jewish Center for Learnig and Leadership)

«كلال»، أي «المركز القومي اليهودي للتعليم والقيادة»، هو مركز أمريكي يهودي أسَّسه عام 1974 كلٌّ من الحاخام إرفنج جرينبرج، وإيلي فايزل، والحاخام ستيفن شو ومقره نيويورك. واسم المركز «كلال» مأخوذ من عبارة «كلال إسرائيل» التي تعني «الجماعة اليهودية التي لا تتجزأ». والهدف الأساسي للمركز تنمية الحوار اليهودي، ومحاولة التقريب بين التيارات والحركات العقائدية المتباينة داخل الجماعة اليهودية، سواء أكانت أرثوذكسية أو محافظة أو إصلاحية أو تجديدية، وكذلك التغلب على الاختلافات السياسية والأيديولوجية والاجتماعية التي تعمل على تفتيت أعضاء الجماعة اليهودية. ويقدم كلال عدداً من البرامج الموجَّهة للقيادات اليهودية أو العناصر التي تمتلك إمكانيات قيادية سواء من رجال الدين أو الأكاديميين أو أعضاء الجماعة المتميِّزين. وتهتم هذه البرامج بما يُسمَّى «التاريخ اليهودي» و«الثقافة اليهودية»، وبتنمية وعي حقيقي بهما، كما تهتم بالديانة اليهودية، وبتعزيز عوامل الوحدة داخل الجماعة اليهودية وتعميق مشاعر الانتماء إليها.

وتشمل برامج كلال:

ـ برنامج شامور Shamor لتعليم القيادات اليهودية. ويتم البرنامج بالتنسيق مع الاتحادات والوكالات اليهودية. وتُقام في إطار هذا البرنامج حلقات دراسية ولقاءات أسبوعية في أكثر من خمسين تجمعاً يهودياً في الولايات المتحدة وكندا.

ـ برنامج شيفرا Chevra. وهو مخصَّص لرجال الدين من الفرق اليهودية الأربع وللأكاديميين من اليهود، وتتم فيه مناقشة ودراسة القضايا المختلفة التي تشكل عوامل انقسام وفرقة بين أعضاء الجماعة.

ـ زاكور Zachor، أو مركز أبحاث الإبادة. وهو مخصَّص لإحياء ذكرى الإبادة النازية، وقد اشترك هذا المركز في تأسيس مجلس الولايات المتحدة التذكاري للإبادة النازية.

ويصدر مركز كلال في مدينة نيويورك بعض الدراسات المتصلة بالأعمال الخيرية والإثنية. وفي عام 1983، اندمج هذا المركز مع معهد التجربة اليهودية.

معهـد الشــئون اليهوديـة

Institute of Jewish Affairs

معهد الدراسات اليهودية مركز بحوث متخصص في الشئون اليهودية أسسه المؤتمر اليهودي العالمي في نيويورك عام 1941، وانتقل إلى لندن عام 1966. وقد لعب المعهد دوراً مهماً في إعداد الأوراق والوثائق اللازمة لتعويض ضحايا النازية من اليهود، ولمحاكمة مجرمي الحرب من النازيين. ويرصد المعهد كل الاتجاهات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تؤثر في الجماعات اليهودية في العالم وفي إسرائيل. وتوجد به وحدة لدراسة ظاهرة معاداة اليهود واتجاهاتها، وهي تقوم بجمع المعلومات من خلال الجماعات اليهودية في العالم. وتضم مكتبة المعهد 17.500 مجلد ومجموعة من أهم الدوريات، ويضم الأرشيف وثائق وقصاصات صحف تغطي الأعوام الثلاثين الماضية. وينظم المعهد مؤتمرات علمية وحلقات دراسية ومحاضرات، ويقوم كذلك بنشر كتب تضم وقائع هذه المؤتمرات والمحاضرات. كما ينشر المركز سلسلة من التقارير التي تتناول الموضوعات التي تهم يهود العالم.

وينشر المعهد عدة مجلات من بينها:

1 ـ باترنز أوف برجيدس (أنماط التحيز( Patterns of Prejudice.

2 ـ سوفييت جويش أفيرز (شئون اليهود السوفييت( Soviet Jewish Affairs.

3 ـ كريستيان جويش رليشنز (العلاقات اليهودية المسيحية( Christian Jewish Relations.

الأكاديميــة الأمريكيــة للبـحوث اليهوديـة

American Academy for Jewish Research

الأكاديمية الأمريكية للبحوث اليهودية منظمة من العلماء والحاخامات والمهتمين من غير المتخصصين في الشئون والدراسات اليهودية. تأسَّست عام 1920 في ولاية مريلاند بالولايات المتحدة الأمريكية. وتقوم الأكاديمية بعقد لقاءات عامة بصفة دورية لقراءة ومناقشة الأوراق العلمية، والمشاركة في المشاريع العلمية المشتركة، ولإصدار الأعمال العلمية، ولإقامة علاقات تعاون وعمل مع مجموعات أخرى ذات اهتمامات وأهداف مماثلة. وتعقد الأكاديمية اجتماعاً سنوياً آخر يقدم فيه الأعضاء نتائج أعمالهم وأبحاثهم، والتي تصدر فيما بعد في المجلة السنوية للأكاديمية بروسيدنجز Proceedings التي تأسَّست عام 1930، وتقوم الأكاديمية كذلك بتمويل إصدار بعض الطبعات ذات الرؤية النقدية للنصوص الدينية اليهودية المهمة. كما تقدم منحاً عديدة للعلماء الشبان الواعدين في حقل الدراسات اليهودية.

أهم مراكز ومعاهد البحوث والمكتبات المعنية بشئون أعضاء الجماعات اليهودية في الولايات المتحدة وإنجلترا وفرنسا

Leading Research Centers, Research Institutes and Libraries of the Jewish Communities in the U.S.A., England and France

1 ـ الولايات المتحدة الأمريكية:

ـ الجمعية اليهودية الأمريكية: وتأسَّست عام 1892 في نيويورك بهدف جمع (والحفاظ على) السجلات الخاصة بالجماعة اليهودية في الولايات المتحدة ومقرها منذ عام 1968 جامعة برانديز في ولاية ماساشوستس.

ـ الأكاديمية الأمريكية للبحوث اليهودية: وتأسَّست عام 1920 في ولاية ميريلاند، وهي منظمة من المفكرين والحاخامات والمهتمين بالشئون اليهودية.

ـ معهد ليو بايك: منظمة مجلس يهود ألمانيا. وتأسَّست عام 1955 في القدس بغرض جمع مواد (والإشراف على) الأبحاث الخاصة بتاريخ الجماعة اليهودية في ألمانيا وغيرها من الدولة الناطقة بالألمانية. وهي تهتم بالفترة التي تبدأ بالانعتاق وتنتهي بإبادة الجماعات اليهودية في وسط أوربا، ولها أفرع في القدس ولندن ونيويورك.

ـ معهد ييفو للبحوث اليهودية. المنظمة الرئيسية في العالم التي تُجري أبحاثاً باللغة اليديشية: وتأسَّست عام 1925 وظل مقرها الرئيسي في فلنا حتى عام 1935، وانتقل فيما بعد إلى مدينة نيويورك (مقرها الرئيسي الآن). وقد اهتمت هذه المنظمة بشكل خاص بيهود اليديشية وبجمع ودراسة تراثهم. ومع هجرتهم إلى الدول الاستيطانية، اتسع اهتمامها بدراسة مشاكل التكيف الثقافي لهم في مجتمعاتهم الجديدة. ومع تضاؤل عدد المتحدثين باليديشية في الولايات المتحدة، أصبح استخدام الإنجليزية أكثر انتشاراً في أعمال المعهد.

وهناك العديد من المكتبات اليهودية في المعاهد والكليات اليهودية، بالإضافة إلى وجود أعداد كبيرة من المجلدات اليهودية في المكتبات العامة والجامعات الأمريكية، ومن أهمها:

ـ مكتبة معهد ييفو للبحوث اليهودية، وتضم 300 ألف مجلد في الموضوعات اليهودية وأكثر من مليوني مستند أرشيفي، ومقرها نيويورك.

ـ مكتبة كلية اللاهوت اليهودية في أمريكا، وتضم 220 ألف مجلد و6 آلاف مخطوط، ومقرها نيويورك.

ـ مكتبة المعهد الديني لكلية الاتحاد العبري في سنسيناتي، ويضم 20 ألف مجلد، كما يضم قسم الموسيقى التابع له في نيويورك 50 ألف مجلد.

ـ مكتبة نيويورك العامة، وتضم 125 ألف مجلد من الكتب في الموضوعات اليهودية والعبرية.

ـ كما توجد أربع مكتبات يهودية مهمة في لوس أنجلوس، بالإضافة إلى مجموعة المراجع المعنية بالشئون اليهودية في جامعة كاليفورنيا (فرع لوس أنجلوس)، والتي تضم 200 ألف مجلد. وهناك أيضاً مجموعة من الكتب والمجلدات اليهودية في جامعة هارفارد.

2 - إنجلترا:

ـ معهد الدراسات اليهودية. وهو من أهم المعاهد المتخصِّصة في الشئون اليهودية على مستوى العالم، ومقره لندن. وهو مرتبط بالمؤتمر اليهودي العالمي، وينشر عدداً من الكتب والدوريات، وينظم محاضرات وحلقات دراسية ومؤتمرات.

ـ الجمعية اليهودية التاريخية )تأسست عام 1893(.

ـ جمعية الدراسات اليهودية.

وتوجد العديد من المكتبات المتخصِّصة في الشئون اليهودية، من أهمها:

ـ مكتبة موكاتا في يونفيرستي كوليج في لندن.

ـ مكتبة فينر، وهي متخصصة في النازية والإبادة ومقرها لندن، وكانت قد تأسَّست عام 1934 في أمستردام.

ـ مكتبة كلية اليهود ومقرها لندن.

ـ مكتبة معهد الدراسات اليهودية في لندن. وهي متخصصة في الشئون اليهودية المعاصرة.

ـ القسم العبري للمكتبة البريطانية. ويضم إحدى أهم مجموعات الكتب العبرية في العالم.

ـ مكتبة باركس في جامعة ساوث هامبتون. وهي متخصصة في موضوع واحد فقط هو معاداة اليهود.

ـ كما ينظم مجلس الكتاب اليهودي سنوياً «أسبوع الكتاب اليهودي».

3 ـ فرنسا:

ـ مركز التوثيق اليهودي المعاصر. وهو متخصِّص في البحوث الخاصة بفترة الإبادة في فرنسا، كما يضم مكتبة وأرشيفاً، ومقره باريس.

ـ مركز الدراسات والبحوث حول مسألة المعاداة المعاصرة لليهود، واختصاره سيراك CERAC. وهو مرتبط بمركز الدراسات اليهودية في لندن ومتخصص في دراسة أنماط معاداة اليهود في الوقت الحاضر.

ـ مركز المعلومات والتوثيق بشأن إسرائيل والشرق الأوسط، وهو متخصص في توفير المعلومات عن إسرائيل والشرق الأوسط.

ومن أهم المكتبات في باريس:

ـ مكتبة الأليانس إسرائيليت يونيفرسل. وهي أهم مكتبة متخصصة في الشئون اليهودية في أوربا.

ـ مكتبة ميديم اليديشية.

ـ مكتبة المعهد الديني اليهودي في فرنسا.

كما يضم المجلس الكنسي المركزي، والمجلس الكنسي لباريس والأليانس إسرائيليت يونيفرسل، مجموعات أرشيفية. وينظم قسم تعليم الشباب اليهودي ديس (DESS) أسبوعاً للكتاب اليهودي كل عام. والله أعلم.

الصفحة التالية ß إضغط هنا