المقارنة بين .. الإسلام والنصرانية واليهودية 1

المقارنة بين .. الإسلام والنصرانية واليهودية ..

والاختيار بينهم

﴿قُلْ يَا أَهْل الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ

[آل عمران: 64]

الحمد لله رب العالمين، فاطر السموات والأرض، جاعل الظلمات والنور، ثم الذين كفروا بربهم يعدلون وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولي المتقين، وهاديهم إلى الحق المبين، وإلى صراطه المستقيم.

وأشهد أن محمدًا r عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وحبيبه، خاتم أنبيائه ورسله، أرسله ربه بالنور الساطع والضياء اللامع، فأدى الأمانة وبلغ الرسالة، ونصح الأمة، فكشف الله تعالى به الغمة، ومحى به الظلمة، وجاهد في سبيله حتى أتاه اليقين.

فاللهم صل وسلم وبارك على عبدك وخاتم أنبياءك ورسلك محمد في الأولين وفي الآخرين وفي الملأ الأعلى إلى يوم الدين.

وارض اللهم عن آل بيته الأخيار الأطهار، وأصحابه الكرام الذين آزروه وناصروه، ومن اهتدى بهديه واستن بسنته، وانتهج نهجه، واقتفى أثره إلى يوم الدين، وبعد:

فلقد ظهر في تلك الآونة الأخيرة لا سيما عصر القنوات الفضائية، الكثير ممن يهاجمون دين الله عز وجل، ألا وهو الإسلام، سعيًا منهم في الصدِّ عنه، وذلك بعدما رأوا من انتشاره الواسع وقبوله العظيم في شتى أقطار الأرض، مستغلين في ذلك جهل كثير من الناس بحقيقة الإسلام.

ومن ثم كانت المحاولات تلو المحاولات في بث سمومهم تجاهه.

ولذلك: فبمشيئة الله تعالى سوف نتعرض في هذا البحث اليسير الموجز لمقارنة بين الإسلام والنصرانية واليهودية، من حيث أصول معتقدات كل منهم، وذلك حتى يتيسّر لأولي الفطر النقية والنفوس الزكية والعقول الراجحة الرشيدة، التمييز بين الصحيح والسقيم والجيد والردئ، ومن ثم الاختيار بجلاءٍ عن يقين من بين هذه الشرائع الثلاث.

وبداية: فإننا ندعوا الجميع سواءً كانوا من المسلمين أو غيرهم من النصارى أو اليهود، أن يتجرّدوا من الأهواء والعصبيات والشهوات عند اختيارهم من بين هذه الشرائع الثلاث وعليهم أن يعلموا أن ما يتضح لهم من الحق إنما هو حُجّة عليهم أمام الله تعالى.

ومن ثم فإن عليهم أن يقفوا مع أنفسهم وقفة صادقة حِسبةً لله تعالى، مبتغين بها الحق، قبل أن يأتي يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم.

ونسال الله العليّ العظيم رب العرش الكريم أن يهدينا جميعًا للحق المبين الذي لا مرية فيه، وأن يشرح صدورنا له، وأن يوفقنا للسير على دربه، إلى أن نلقاه جل وعلا فهو تبارك وتعالى ولي ذلك والقادر عليه.

من هم أهل الكتاب؟

إن أهل الكتاب هم بإيجاز اليهود والنصارى، أصحاب الشرائع السماوية.

ولا شك أن هذه الشرائع قد ضاعت وانحرفت عن مسارها الصحيح، ومن ثم كان خروجها عن الإطار الرباني الصالح لهداية البشر.

ما يربط النصرانية باليهودية، ومن ثم الاتفاق الظاهر بينهما

بداءةً نوضح: أن كلًا من النصرانية واليهودية في تضاد وعداء شديد، فلا يمكن لهما أن يجتمعا بأي شكل من الأشكال.

ومن الأسباب الرئيسة في ذلك: هو اختلاف معتقد كل منهما، حيث تعتقد النصرانية الألوهية في المسيح، وتقول بأنه أحد أجزاء ثلاثة لإلهها، وأنه (المسيح) قد صُلِب، ثم قُتِلَ على الصليب من قِبل اليهود، ثم قام من بين الأموات وصعد إلى السماء.

وعلى النقيض تمامًا، نجد أن اليهودية قد كذبت بنبوة المسيح ورسالته، وقالت بأنه ابن زنا، وُلِد بُغية، ونسبت أمه إلى الفجور.

إلى غير ذلك من أسباب التضاد والتناقض والعداء الشديد بينهما.

وإن كان ذلك السبب الذي قد أشرنا إليه لكفيل وحده باستحالة الاتفاق بين كل منهما.

وإذا ما حاول الإعلام العالمي إيهام الكثير باتفاق اليهود مع النصارى تحت أي من المسمّيات المزعومة، فإن ذلك في الحقيقة ليس إلا اتفاق ظاهري مُخادع، لتحقيق أطماع مشتركة بين كل منهما، لا سيما في النيل من الإسلام وأهله.

وحقيقة ذلك الاتفاق الظاهري بين كل من النصرانية واليهودية، هو الآتي:

أن اليهود يعتقدون أنهم إذا بنوا هيكل سليمان خرج المُخلِّص لهم (لليهود)، وهو المسيح الدجال، وهم يُقَرّون بذلك في كتبهم.

وفي هذا صدقٌ لما أخبر به النبي محمد r حيث قال: «يتبع الدجّال من يهود أصبهان سبعون ألفًا عليهم الطيالسة». أي عليهم اللباس الذي يلبسه أحبار اليهود.

وإذا كان ذلك العدد من علماءهم، فما بالنا بعامتهم؟!

وذلك أنهم يعتبرونه (المسيح الدجال) هو المخلّص لليهود([1])، أي مما هم فيه من التشتت والتشرذم وإهانة الشعوب لهم.

ولكن العجيب: أن المسيح الدجال الذي سوف يؤمن بألوهيته اليهود، ويعتبرونه مُخلِّصهم، يكون أعورًا، ومجسمًا، بحيث يكون مُتحيّزًا، أي يحدّه المكان المحيط به.

ومن المُحال أن يكون الإله الخالق جلّ وعلا بذلك الوصف المُتصف به مسيح اليهودية (المسيح الدجال).

وبالنسبة للنصارى:

فإنهم يعتقدون أنه إذا تمَّ بناء الهيكل (الذي تزعمه اليهودية)، وخرج المسيح الدجال (الذي يؤمن به اليهود)، ابتدأ عهد جديد للنصارى، يحكمون فيه العالم من خلال القدس.

أي أن النصارى يعتبرون اليهود قنطرة يعبرون عليها إلى مجدهم، وأن اليهود جسر يعبرون عليه إلى حكم العالم.

لذلك فإن النصارى يعتقدون أنه إذا ما دُمِّر اليهود وشُرِّدوا، ووقعت عليهم الهزيمة من المسلمين أو غيرهم، سوف يتأخر نزول المسيح بن مريم([2])، الذي يؤمنون به ويألهونه.

ومن ثم يتبين السرّ في مساعدة الغرب لا سيما الولايات المتحدة لإسرائيل، في إقامة دولة لهم، حتى وإن كان ذلك على أرض مغتصبة من المسلمين العُزّل من أدنى مقومات الحرب الحديثة.

ومما أشرنا إليه يتبين أن الاتفاق بين النصرانية واليهودية، ما هو إلا اتفاقًا ظاهريًا، منطويًا على تضاد وتناقض بين معتقد كل منهما، ومشحون بالعداء الشديد والتناحر المقيت الذي لا يلبس إلا وأن ينفجر في أي وقت بينهما تحت أي إشعال له، والحروب الحديثة شاهد ذلك.

عقيدة اليهودية في الإله الربّ سبحانه وتعالى

بداءة نوضح: أن اليهودية قد ذمّت وعابت الإله الربّ سبحانه وتعالى، ونسبت إليه من الصفات ماتكون سببًا في الانتقاص منه، ومن عظيم صفاته، بحيث لا يمكن للفطر السوية والنفوس الزكية والعقول الرشيدة قبولها في حق الإله الربّ سبحانه وتعالى.

ويرجع ذلك إلى ما قد نال كتاب اليهودية من التغيير والتبديل والتحريف، تبعًا للأهواء وانقيادًا خلف الشهوات.

فنجد أن التوراة التي تنسبها (اليهودية) إلى موسى عليه السلام، تتضمن الكثير والكثير من القصص المفتراة، مع ما فيها من بذئ الأقوال الفاحشة، ونسبها وإلقاصها بالأنبياء والصالحين، على الرغم من اعترافها (التوراة) بنبواتهم ورسالاتهم.

وبمشيئة الله تعالى سوف نوضح جزءً من ذلك في نقاط لاحقة.

ومن ثم فإن اليهودية بذلك الذي ألصقته بأنبياءها وصالحيها من بذيء الأفعال والجرائم تكون قد نسبت إلى الإله الربّ سبحانه وتعالى سوء الاختيار لأنبيائه ورسله، نتيجة جهله بما سيُقدِمون عليه من ارتكاب لمثل تلك الجرائم والفواحش المنسوبة إليهم.

ومن ثم فإن اليهودية أيضًا تكون قد نفت عن الإله الربّ سبحانه وتعالى صفة الحكمة، لأنه بدلًا من أن يُحسن اختيار أنبيائه ورسله ليكونوا بمثابة مصابيح هدى للبشرية، قام بإساءة الاختيار لهم ليصيروا بذلك بئس النماذج المقتدى والمحتذى بهم.

فاليهودية قد نسبت إلى الإله الربّ سبحانه وتعالى العديد من الصفات الذميمة إثر افتراءاتها على أنبياءها ورسلها، ومن مثيل تلك الصفات الذميمة:

أ- صفة سوء الاختيار ب- الجهل وعدم العلم بالغيب والمستقبل

جـ- انتفاء الحكمة.

إلى غير ذلك مما يترتب على مثل تلك الصفات من صفات معيبة ناقصة يستحيل لعاقل أن يتقبلها في حق الإله الربّ سبحانه وتعالى.

ونجد أيضًا، أن اليهودية قد نسبت إلى الإله الربّ سبحانه وتعالى صفة العنصرية والظلم والفظاظة.

حيث إن اليهود يعتقدون أنهم أبناء الله وأحباؤه، وأن الإله إنما هو إله بني إسرائيل، وأن الربّ إنما هو ربّ بني إسرائيل، وأن مختلف الأمم والشعوب من غير جنسهم اليهودي لا أمل لهم في الإله الربّ سبحانه وتعالى، حيث يزعمون أن سائر الأمم والشعوب مرفوضة منه.

وبما أن إله اليهود لا يقبل سواهم، ولا يتقبل عبادة إلا منهم، إذن فلا أمل لسائر الأمم والشعوب في التعبد والتقرّب لذلك الإله الربّ الذي خلقهم، وليبحثوا حينئذ عن إله آخر يرضونه فيتقبلهم. (استنكارًا لادّعاء اليهودية).

وذلك بلا شك وصف أيضًا للإله الربّ بعدم الحكمة، (تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرا).

ونجد أيضًا أن اليهودية قد نسبت إلى الإله الربّ سبحانه وتعالى أنه عبارة عن جسم كبير، ومن ثم فإنها تصفه بالتجسيم والتحيّز، ومن المحال في حقّ الله تعالى أن يوصف بمثل ذلك، لأنه سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء، فلا يمكن أن يحتويه مكان أو يُفنيه زمان.

فالله سبحانه وتعالى هو خالق المكان والزمان، وذلك يعني أن المكان قد أوجده الله تعالى لتعيش المخلوقات فيه (كالإنسان والحيوان والطير ...).

وقبل خلق الله تعالى لهذه المخلوقات لم يكن هناك مكان أو زمان.

لذلك، فإن اليهود هم أول من يتبعون المسيح الدجّال الذي يخرج آخر الزمان، ويدّعي الألوهية، مع أنه لا يستطيع أن يزيل ما به من عور، حيث إن من صفاته ذلك العور الذي بإحدى عينيه، مع ضخامة في جسمه.

ومن المحال في حقّ الله تعالى أن يكون بذلك الوصف المُتّصف به المسيح الدجال، سواءً كان ذلك العور الذي بإحدى عينيه، أو ذلك التجسيم والتحيّز المتّصف به الدجّال.

ويؤكد ذلك التجسيم الذي تدّعيه اليهودية وتنسبه إلى الإله الربّ سبحانه وتعالى، افتراءً عليه، أنها تزعم أن موسى عليه السلام قد رأى أجزاء الله الخلفية (المؤخّرة)، حيث ينصّ كتابها على أن الله قال له لموسى الآتي: «ثم أرفع يدي فتنظر ورائي، وأما وجهي فلا يُرى» [سفر الخروج 33: 23].

والنصّ بالإنجليزية لسفر الخروج (33: 23)، كالآتي:

[And thou shall see my back parts]

وترجمته الحرفية: وسوف ترى أجزاء مؤخرّتي، (تعال الله عن مثل ذلك علوًا كبيرًا).

ونجد أيضًا، أن اليهودية قد نسبت إلى الإله الربّ سبحانه وتعالى أنه قد تصارع مع يعقوب، وكانت الغلبة ليعقوب، حيث ينصّ كتابها على الآتي:

«فقال لا يُدعى اسمك في ما بعد يعقوب، بل إسراءيل لأنك جاهدت مع الله ومع الناس فقدرت» (سفر التكوين 32 : 28)، (تعالى الله عن مثل ذلك علوًا كبيرا).

وذلك الذي تدّعيه اليهودية إنما هو نابع من تلك الأمثلة الوصفية الكثيرة، المثيرة للصور الذهنية، والتي تعِجّ وتمتلئ بها كتبها، حيث تصور الإله الربّ بالكلمات حسب شكل الإنسان نفسه.

ومن تلك التعبيرات أيضًا التي ينصَّ عليها كتاب اليهودية، والتي يتصوّر منها القارئ أن الإله الربّ مثل الإنسان وأنه مُتحيّز، بحيث يكون له مكان يحدّه ويحيط به، الآتي:

«فنزل الربّ لينظر المدينة والبرج اللذين كان بنو آدم يبنوهما» (سفر التكوين 11: 15).

(تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرا)

وأيضًا، وَصْف الإله الربّ كإنسان يشم، كالآتي: «فتنسم رائحة الرضا وقال الربّ في قلبه ....» (سفر التكوين 8:21).

ونصّ ذلك بالإنجليزية (And lord smelled asweet savour)

وترجمته الحرفية: وشم الربّ نكهة أو رائحة حلوة.

تعالى الله عز وجل عن مثل ذلك علوًا كبيرا

ونجد أيضًا، أن اليهودية قد نسبت إلى الإله الربّ سبحانه وتعالى، صفة الندم والتأسف والحزن، ولا شك أن الندم يتأتى من قبيل سوء التصرّف وفعل الخطأ، نتيجة الجهل بعواقب ذلك الفعل.

ويتبيّن ذلك مما ينصّ عليه كتاب اليهودية، كالآتي:

«فحزن الربّ أنه عمل الإنسان في الأرض وتأسف في قلبه» (سفر التكوين 6:6).

تعالى عز وجل عن مثل ذلك علوًا كبيرا.

ونجد أيضًا أن اليهودية قد نسبت إلى الإله الرب سبحانه وتعالى: أنه يستريح ليستعيد نشاطه، ولابد أن تلك الاستراحة لاستعادة النشاط تكون جرّاء التعب والإنهاك في الجهد.

ولا شك أن ذلك كله مُحال في حق الله تعالى، لأن أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون.

ويؤكد ما ذكرناه من نَسْب اليهودية إلى الله تعالى صفة الاستراحة لاستعادة النشاط، والتي لا تكون إلا جرّاء التعب والانهاك في الجهد، الآتي:

« ... لأنه في ستة أيام صنع الربّ السماء والأرض، وفي اليوم السابع استراح وتنفّس» (سفر الخروج 31: 17).

ونصّ ذلك بالإنجليزية: [He rested and Refreshed]

وترجمته الحرفية: استراح واستعاد نشاطه.

ومن ثم فإن اليهودية تحيي ذكرى (يوم السبت) اعتقادًا منها كما في كتبها، أن الله قد تعب واحتاج أن يستعيد نشاطه بعد ستة أيام (أي نتيجة الأشغال الشاقة المجهدة التي قام بها).

تعالى الله عز وجل عن مثل ذلك علوًا كبيرا

ونجد أيضًا أن اليهودية قد نسبت إلى الإله الربّ سبحانه وتعالى: أنه كصفة النار المتلهبة، حيث ينصّ كتابها على الآتي:

«وكان منظر مجد الربّ كنار آكلة على رأس الجبل أمام عيون بني إسرائيل» (سفر الخروج 24 : 17).

ولا شك أن النار رمزٌ للدّمار والخراب عكس النور والضياء.

فتعالى الله عز وجل عما قد نسبته إليه اليهودية علوًا كبيرا

وغير ما أشرنا إليه الكثير والكثير من الصفات الذميمة المعيبة التي قد نسبتها اليهودية إلى الإله الربّ سبحانه وتعالى، كالنوم، والاستيقاظ من النوم، ... إلى غير ذلك، مما يستحيل لعاقل ذي فطرة نقيّة ونفس زكيّة أن يتقبل أياًّ منها في حق إلهه وخالقه ورازقه .. سبحانه وتعالى.

موجز عن عقيدة اليهودية في أنبياء الله ورسله

لقد نسبت اليهودية إلى أنبياء الله تعالى الكثير من الجرائم والافتراءات التي يستحيل لفطر نقية ونفوس زكيّة وعقول سويّة أن تقبلها في حق إنسان فاضل، عفيف طاهر، فضلًا عن نبي أو رسول قد اختاره الله تعالى واصطفاه عن علم منه جل وعلا للنبوة والرسالة.

ومن تلك الجرائم والافتراءات التي نسبتها اليهودية إلى أنبياء الله ورسله:

1- أنها نسبت إلى نبي الله هارون عبادة العجل (صنم مصُوَّر على شكل عجل)، ليس ذلك فحسب، بل نسبت إليه أنه قد بنى معبدًا لذلك العجل الذي يعبده، وأنه أمر بني إسرائيل بعبادته، وذلك كما هو مصرّح به في (سفر الخروج، الباب 32).

2- أنها نسبت إلى نبي الله سليمان السحر، وأنه كان ملكًا ساحرًا.

3- أنها نسبت إلى نبي الله لوط شربه للخمر، وليس ذلك فحسب، بل إنها نسبت إليه أيضًا: أنه قد زنى بابنتيه الكبرى ثم الصغرى، وأن ابنتيه قد حملتا منه من الزنا.

وذلك يعني أن اليهود لم تنسب إلى نبي الله لوط الزنا فحسب، بل نسبت إليه أقبح أنواع الزنا، ألا وهو زنا المحارم، لا سيما زنا الأب بابنتيه، كما في (سفر التكوين، الباب 19).

4- أنها قد نسبت إلى نبي الله نوح شربه للخمر وتعرّيه، أي تجرّده من ملابسه، كما في (سفر التكوين 9: 20 – 21).

5- أنها قد نسبت إلى نبي الله يوسف أنه كاد أن يزني هو أيضًا، بعد أن قام بحلّ تكة سراويله من أجل ذلك.

وغير ذلك الكثير والكثير من الجرائم المنكرة، والفواحش الرذيلة، والافتراءات الكاذبة التي قد نسبتها اليهودية إلى أنبياء الله تعالى ورسله.

وبمشيئة الله تعالى سوف نوضح بعضًا مما قد نسبته اليهودية إلى أنبياء الله ورسله في الجزئية الخاصة بما تعتقده النصرانية في أنبياء الله ورسله، حيث إن الكتاب المقدس للنصرانية يتضمن كتاب اليهودية تحت ما يسمى بالعهد القديم.

ومما أشرنا إليه يتبيّن لنا عِظَم افتراءات اليهودية على أنبياء الله تعالى ورسله، من ثم عِظَم الافتراء على الله تعالى.

لأن الاعتقاد بذلك الذي قد نسبته اليهودية إلى الأنبياء والمرسلين يعني أن يُنسب إلى الله تعالى صفة الجهل وعدم العلم بالغيب لسوء اختياره لأنبياءه ورسله، بل ويعني أيضًا أن يُنفي عن الله تعالى صفة الحكمة، وذلك كله محال في حقّ الله سبحانه وتعالى.

فالله سبحانه وتعالى مُنزّه عن سوء الاختيار، حيث إنه جل وعلا قد اختار أنبياءه ورسله ليكونوا مصابيح هدى للبشرية قاطبة، وليكونوا خير نماذج يقتدى ويحتذى بها.

وإذا ما ارتضت اليهودية مثل تلك الافتراءات على أنبياء الله ورسله، فإن ذلك يكون بمثابة التقليل من خطورة جريمة الزنا وغير ذلك، ويعني التشجيع على ارتكاب مثل تلك الرذائل والفواحئ والجرائم، لأنه إذا ما سَلِم أنبياءها ومرسليها من السقوط والإنغماس في وحل تلك الرذائل، فهل يسلمون هم؟!!

فالله سبحانه وتعالى منزّه عن الجهل بما سوف يفعله أنبياءه ورسله، بل إنه سبحانه وتعالى يعلم تمام العلم أنهم (أنبياءه ورسله) خير من يعبدونه على هذه الأرض، وخير من يدعون إليه سبحانه وتعالى، ومن ثم فهم خير من يقتدى ويحتذى بهم.

السيدة مريم في اليهودية

ونوجز هذه النقطة بتوضيح ما يلي، وهو:

أنه كما لم تعترف اليهودية بنبوة ورسالة المسيح، فإنها كذلك قد نسبت الزنا والفجور إلى والدته (السيدة مريم)، وذلك على الرغم من تأييد الله تعالى لها من خلال معجزة كلام وليدها (المسيح) في المهد، كتبرءة لها، وكتمهيد لرسالته فيما بعد.

المسيح في اليهودية

ونوجز هذه النقطة بتوضيح ما يلي، وهو:

أن اليهودية لا تعترف بنبوة ورسالة المسيح، بل إنها نسبت إليه الولادة بغية، أي أنه قد وُلِد بطريقة غير شرعية، حيث قالت عنه: أنه وَلَد زنا، وذلك على الرغم من معجزة كلامه في المهد، والمعجزات التي قد أجراها الله تعالى على يديه بعد ذلك تأييدًا لنبوته، وشهادة بصدق رسالته.

بل إن اليهود قد حاولوا صلب المسيح وقتله، ولكن الله سبحانه وتعالى قد رفعه إليه وأنجاه منهم.

مم يتكون كتاب اليهودية؟؟

بداءة ننوه إلى:

أن ما بأيدي اليهودية الآن ليست بالتوراة التي جاء بها موسى عليه السلام من الله تعالى، وذلك نظرًا لما قد نالها من التغيير والتبديل والتحريف.

وبالنسبة لما يتكون من كتاب اليهودية اليوم:

فإنه يتكون من العديد من الكتب مثل (سفر التكوين – سفر الخروج – سفر اللاويين – سفر العدد – سفر تثنية الاشتراع)، وتلك الكتب عامة تنسب إلى موسى، غير أننا نجد أن كاتبها مجهول، غير معروف، إضافة إلى العديد من الأسفار الأخرى الغير منسوبة إلى موسى، وكاتبها غالبًا بين المجهول، الغير معروف، أو ما يمكن أن يكون مشكوكًا فيه، كأن يُقال أن كاتب ذلك السفر من المُحتمل أن يكون كذا.

وتلك الأسفار متضمنة للكثير والكثير من حالات الزنا لا سيما زنا المحارم (كما في سفر التكوين وغيره) وقصص للعاهرات مع وصف فاضح لعهرنّ، ... إلى غير ذلك، كما أشرنا سابقًا، ومما سوف نشير إليه في نقاط لاحقة بمشيئة الله تعالى.

ولتمام الفائدة، ننوه إلى:

أن النسخ المشهورة للعهد القديم عند أهل الكتاب ثلاث (3) نسخ:

النسخة الأولى: هي النسخة العبرانية، وهي المعتبرة عند اليهود وطائفة البروتستانت النصرانية([3]).

النسخة الثانية: وهي النسخة اليونانية، وهي التي كانت معتبرة عند النصرانية إلى القرن الخامس عشر من القرون المسيحية، وكانت تعتقد إلى هذه المدة تحريف النسخة العبرانية، وهي إلى هذا الزمان معتبرة عند الكنيسة اليونانية وعند كنائس المشرق([4]).

النسخة الثالثة: وهي النسخة السامرية، وهي المعتبرة عند السامريين.

وبين تلك النسخ الاختلافات الكثيرة، فكثير من كتب العهد القديم كانت مشكوكة، غير مقبولة عند النصرانية إلى ثلاثمائة وأربع وعشرين سنة([5]).

وذلك يوضح لنا مدى التخبّط الذي يقع فيه كتاب اليهودية، ومن ثم كتاب النصرانية، لاحتواءه وتضمّنه إياه تحت مُسمّى العهد القديم.

إلى أي شيء يدعوا الكتاب الذي بين يدي اليهودية اليوم؟

لقد أرسل الله عز وجل أنبيائه ورسله إلى الناس من أجل دعوتهم وهدايتهم إليه سبحانه وتعالى، مُنزّلًا عليهم الكتب السماوية، رحمة منه تبارك وتعالى.

ولقد أنزل الله عز وجل على نبيه موسى عليه السلام التوراة فيها هدى ونور لمن يأخذ بها، ويعمل بما فيها.

ولقد وكّل الله عز وجل حفظ التوراة إلى البشر من أحبار وغيرهم، كغيره من الكتب السماوية، حيث لم يتعهد الله تبارك وتعالى بحفظ كتاب سماوي سوى القرآن الكريم، لما كان من تضييع البشرية للكتب السماوية السابقة له (القرآن الكريم) حينما استحفظوا عليها، ولما للقرآن الكريم من خاصية فريدة، وهو أنه ليس بعده أي نزول لكتاب سماوي آخر ، فهو (القرآن الكريم) آخر الكتب السماوية المُنزّلة.

ومن ثم: فإن التوراة التي قد جاء بها نبي الله موسى عليه السلام قد نالها ما نال غيرها من اعتداءات الحاقدين والمعتدين بالتغيير فيها والتبديل والتحريف، حسبما تُمليه عليهم أهواءهم وشهواتهم وعقولهم الشيطانية الخبيثة.

لذلك: فإن ما بين يدي اليهودية اليوم لا يمكن وصفه بالتوراة، لما قد طرأ عليها من التغيير والتبديل، والتحريف الذي قد أخرجها عن إطارها الربّاني.

وبمشيئة الله تعالى سوف نشير في هذه النقطة إلى موجز مما يدعوا إليه الكتاب الذي بين يدي اليهودية اليوم، وذلك بعدما نالت الأيدي الخفية منه ولوثته، ومن ذلك:

1- الدعوة إلى ذمّ الإله والانتقاص منه.

ولقد تم الإشارة في نقطة سابقة إلى ما قد نسبته اليهودية إلى الله تعالى من صفات ذمّ وانتقاص وعَيْب، والتي لا يمكن للفطر السوية والنفوس الزكية والعقول الراجحة الرشيدة أن تقبلها في حقه جلّ وعلا، ومثال ذلك:

- أنها (اليهودية) قد نسبت إليه جلّ وعلا صفة النوم، ومن ثم عدم العلم، وضياع العدل وانتشار الظلم، وانتفاء الحكمة.

لأن من ينام فإنه يغيب وعيه وإدراكه، ومن ثم يجهل الكثير من مجريات ومحدثات الأمور، ولا يمكنه التمييز بين المظلوم والظالم للفصل بينهم يوم الحساب، ومن ثم ضياع الحقوق.

وإذا كان الأمر كذلك: فما الحكمة إذن من خلق البشرية، ومن خلق الجنة كثواب للمؤمنين الطائعين، ومن خلق النار كعقاب للكافرين والعاصين؟!

ولا شك: أنه إذا ما تمّ نسب مثل تلك الصفة الوضيعة (النوم) لله جل وعلا، كما فعلت اليهودية، فإن ذلك يعني نفي صفة الحكمة عن الله تعالى، ومن المحال في حق الله سبحانه وتعالى أن تنتفي عنه هذه الصفة المجيدة (الحكمة).

إلى غير ذلك من الصفات المذمومة والناقصة والمعيبة المترتبة على مثل تلك الصفة الوضيعة التي قد نسبتها اليهودية إلى الله تعالى، افتراءًا وكذبًا، وبهتانًا وزورًا.

فتعالى الله جلّ وعلا عن ما نسبته إليه اليهودية علوًا كبيرًا

وتبعًا لما أشرنا إليه، فإن نسب صفة النوم إلى الله تعالى يعني ذمّه والانتقاص من قدرته وعظمته، لاحتياجه لمثل تلك الصفة، وذلك كله مُحال في حقه جلّ وعلا.

فالله سبحانه وتعالى هو القدير العظيم، الغني عن ما يحتاج إليه خلقه، فليس كمثله شيء.

ولقد نسبت اليهودية أيضًا إلى الله تعالى صفة الندم، ومن ثم عدم العلم بالغيب وبمحدثات الأمور والجهل بها، ومن ثم ضياع الحكمة والانتقاص من قدرته وعظمته جلّ وعلا.

وذلك لأن من يعلم نجده يتصرف من منطلق علمه، ومن ثم فإنه لا يندم على تصرفه.

فإذا ما نسبت اليهودية صفة الندم إلى الله تعالى، فإن ذلك يعني أنها تقول بأن الإله قد أساء التصرف نتيجة عدم العلم، والجهل بالغيب، وبما ستئول إليه الأمور، ومن ثم الانتقاص من قدرته وعظمته جلّ وعلا، وذلك كله مُحال في حق الله سبحانه وتعالى.

فتعالى الله جل وعلا عن ما نسبته إليه اليهودية من صفات مذمومة معيبة ناقصة، علوًا كبيرا.

ولقد نسبت اليهودية أيضًا إلى الله تعالى صفة التعب، تبعًا لما قد نسبته إليه من استراحة بعد خلق السماوات والأرض، ومن ثم الانتقاص من قدرته وعظمته جلّ وعلا.

وذلك بالتأكيد مُحال في حقّ الله سبحانه وتعالى.

فتعالى الله جلّ وعلا عن ما نسبته إليه اليهودية من مثيل تلك الصفات المذمومة المعيبة الناقصة علوًا كبيرًا.

ولقد نسبت اليهودية إلى الله تعالى صفة العنصرية.

حيث تدّعي اليهودية أن الإله هو إله بني إسرائيل، وأن الربّ هو ربّ بني إسرائيل.

وتدّعي أيضًا أن اليهود هم أبناء الله وأحباؤه.

وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا خلق الله تعالى غيرهم (غير اليهود) من الأجناس البشرية الأخرى المختلفة، وما الحكمة إذن من خلقه لعباده من غير اليهود؟!

وإذا كان الأمر كذلك، فأين يكون عدل الله بين عباده؟!

وإذا كان الأمر كذلك، فما بالنا بمن هو من غير اليهود، ولكنه يؤمن بالله تعالى ووحدانيته وعظيم صفاته وطلاقة قدرته، وبأنبيائه وكتبه وتشريعاته، وبالغيبيات الأخرى التي هي شرط في صحة الإيمان، مع تقواه وصلاح أعماله؟!

وما بالنا بمن هو من الجنس اليهودي، ويفتري على الله كذبًا، ولا يؤمن بجميع أنبيائه ورسله، ناسبًا إلى كثير ممن يؤمن بهم الفواحش والرذائل، مع عصيانه وفساد أعماله؟!

هل يستويان مثلا؟!! بالطبع: كلا

كذلك، لا شك أن معتقد اليهودية يتنافى تمامًا مع عدل الله تعالى وحكمته، وسائر صفاته العليّة، ممّا يجعله (معتقد اليهودية) يتنافى أيضًا مع الفطر النقية والنفوس الزكية والعقول الراجحة الرشيدة.

وغير ذلك الكثير والكثير مما قد نسبته اليهودية إلى الله تعالى من صفات مذمومة معيبة ناقصة، تبعًا لما ينص عليه الكتاب الذي بين يديها اليوم بعد التحريف والتغيير والتبديل والتلويث.

2- الافتراء على أنبياء الله تعالى ورسله:

لقد شوّه الكتاب الذي بين أيدي اليهودية اليوم صورة أنبياء الله تعالى ورسله على الرغم من اختيار الله تعالى واصطفائه لهم برسالاته.

لذا: فإن الطعن في أنبياء الله تعالى ورسله إنما هو طعنٌ في الصفات العليّة لله سبحانه وتعالى.

فالطعن في أنبياء الله تعالى ورسله والافتراء عليهم بأقبح وأحطّ الأعمال، يعني وصف الله تعالى بعدم العلم، وضياع حكمته نتيجة سوء الاختيار لهم، وذلك كله محال في حق الله سبحانه وتعالى.

§ ومما نسبته اليهودية إلى أنبياء الله تعالى ورسله، افتراءً عليهم، تبعًا لما ينص عليه كتابها الذي بين يديها اليوم:

أنها قد نسبت إلى نبي الله لوط شرب الخمر، بل إن اليهودية قد تطاولت على نبي الله لوط أكثر وأكثر على الرغم من اعترافها بنبوته، حيث نجد أنها قد نسبت إليه وقوعه في فاحشة الزنا بابنتيه الواحدة تلو الأخرى، بل والإنجاب منهما، وذلك بعد شربه للخمر وفقدانه لعقله.

والتساؤل: فهل يمكن لفطرة سوية وعقل رشيد أن يقبلا أيًّا من تلك الافتراءات في حق نبي قد اصطفاه الله تعالى بالنبوة، ومن ثم تشريفه بها؟! بالطبع: كلا.

ألا يُعدّ ذلك ذمًّا للإله الذي قد اختاره واصطفاه بهذه النبوة الكريمة، من حيث وصفه وقذفه بالجهل وعدم الحكمة وسوء الاختيار ... إلى غير ذلك من صفات معيبة، مُنافية لعظيم صفات الله تعالى وجميل أسماءه؟!!

ألا يُعدّ ذلك دعوة لسوء المعتقد في الله سبحانه وتعالى؟!!

ألا يعد ذلك الذي نسبته اليهودية إلى أنبياء الله تعالى، من وقوع وذللٍ في وحل مثل تلك الفواحش والرذائل، دعوة إلى التيسير والتمهيد والترويج لمثل تلك الفواحش والرذائل المنكرة؟!

بحيث إنه إذا لم يسلم الأنبياء من الوقوع في وحل تلك الفواحش والرذائل المنكرة، فهل يسلم غيرهم ممن لم يختارهم الله تعالى لنبوته ورسالته!

لا شك أنه لا يمكن لفطر نقية ونفوس زكية وعقول راجحة رشيدة أن تقبل مثل تلك الادّعاءات الكاذبة والافتراءات الباطلة.

ونجد أيضًا أن اليهودية قد نسبت إلى نبي الله يوسف، أنه كاد أن يقع في رذيلة الزنا هو أيضًا، بعد أن حلّ تكة سراويله لممارسة تلك الرذيلة المنكرة.

ولا شك أن ذلك مُحال في حق أنبياء الله تعالى، الذين قد عصمهم الله تبارك وتعالى من مثل تلك الرذائل والمعاصي.

ونجد أيضًا أن اليهودية قد نسبت إلى نبي الله سليمان: أنه كان ملكًا ساحرًا.

ولا شك أن ذلك مُحالٌ في حق أنبياء الله تعالى، الذين قد عصمهم ربهم تبارك وتعالى من مثل تلك الكبائر المهلكة، لأنه بالسحر يصير المرء كافرًا.

فهل يكفر أحد أنبياء الله تعالى بعد الإيمان والاختيار والاصطفاء من الله تعالى، والتشريف له بمنزلة النبوة الكريمة؟!

ونجد أيضًا أن اليهودية قد كذبت بنبوة ورسالة نبي الله المسيح، بل إنها قد نسبت إليه الولادة الغير الشرعية، بعد أن نسبت إلى والدته الزنا والفجور، وذلك على الرغم من تأييد الله تبارك وتعالى له (للمسيح) بمعجزة كلامه في المهد تبرءة له ولأمه من تلك التهمة الرذيلة، وتمهيدًا لنبوته ورسالته فيما بعد، إضافة إلى الكثير من المعجزات التي أجراها الله تعالى على يديه تأييدًا لنبوته ورسالته.

ونجد أيضًا، أن اليهودية قد كذبت بنبوة ورسالة النبي محمد r، ونسبت إليه الكذب وادّعاء النبوة، وذلك على الرغم من شهادة الجميع له r بالصدق والأمانة، وعلى الرغم من تأييد الله تبارك وتعالى له بالكثير والكثير من المعجزات والخوارق التي قد أجراها الله تعالى على يديه تأييدًا لنبوته ورسالته، بل وعلى الرغم من مجيئه r بالمعجزة الكبرى الباقية، وهي القرآن الكريم، الذي قد تحدى الجميع من بلغاء وعلماء إلى قيام الساعة في أن يأتوا ولو بسورة من مثله، بل وأشار إلى حقائق علمية في شتى المجالات، لم يكن لأحد أدنى معرفة بها منذ أكثر من 1400 عام، والتي لم تُكتشف إلا في هذا العصر الحديث بعد تقدم الوسائل التكنولوجية، لتكون شاهدة على أنه كلام الله تبارك وتعالى، الذي قد أوحاه إلى النبي محمد r، خاتمًا به الرسل والرسالات.

وغير ما ذكرنا الكثير والكثير مما يعجّ به الكتاب الذي بين يدي اليهودية اليوم، من افتراءات وأكاذيب على أنبياء الله ورسله.

3- الدعوة إلى القتل وعدم الرحمة، من خلال المذبح والإبادات الجماعية

حيث إننا نجد أن الكتاب الذي بين يدي اليهودية يدعوا إلى ذلك القتل وتلك المذابح والإبادات الجماعية لمن كان من غير اليهود، من الأجناس الأخرى المختلفة، من خلال الاقتداء بأفعال أنبياء بني إسرائيل (الوارد ذكرهم في صفحاته) وذلك أثناء فتوحاتهم، بغير الجنس اليهودي من مجازر ومذابح وإبادات جماعية دون تفريق بين رضيع وصغير وكبير، ودون تمييز بين رجل أو امرأة وشيخ كبير، ينص عليها الكتاب الذي بين يديها.

وهذا هو ما نجده من تلك المنظمة الصهيونية المُحتلّة للأراضي الفلسطينية اليوم من اعتداءات وإبادات جماعية تجاه سكانها، لأنهم من غير الجنس اليهودي.

حيث تزعم اليهودية بأن الجنس اليهودي هو خير الأجناس، بل وتسعى جاهدة لترسيخ مثل تلك العنصرية المقيتة في الأذهان الإسرائيلية اليهودية منذ الصغر ومنذ النشأة المبكرة.

وبمشيئة الله تعالى سوف نذكر بعض من تلك الفقرات التي ينص عليها الكتاب الذي بين يدي اليهودية في نقاط لاحقة، خاصة بما يدعوا إليه الكتاب المقدس للنصرانية، وذلك حتى لا نلجأ للتكرار، حيث إن الكتاب المقدس للنصرانية يتضمن ذلك الكتاب الذي بين يدي اليهود تحت ما يُسمّى بالعهد القديم، وذلك مع عدم تركيز النصرانية عليه لما يتضمنه من أجزاء أخرى تحت مُسمّى العهد الجديد.

فالدعوى إلى القتل وعدم الرحمة إنما هي محض افتراء من اليهودية على الله تعالى، نابع من تلك العنصرية المقيتة التي تدعوا إليها، من خلال الكتاب الذي بين يديها، والذي يقوم بترسيخها في الأذهان منذ الطفولة والنشأة المبكرة.

4- الدعوة إلى الزنا والاغتصاب والاعتداء

حيث إن المتصفح لكتاب اليهودية يفاجئ بل يُصعق بذلك الكمّ الضخم الهائل من حالات الزنا والاغتصاب والاعتداء المذكورة فيه، لا سيما زنا المحارم، مع وصف دقيق لتلك المشاهدة المتدنية من الزنا جزءً بجزء، ابتداءً من أول الحدث إلى نهايته، وكأنها دورات تدريبية متخصصة في كيفية ممارسة أحطّ أنواع الجنس، وما نسطره ليس بالكلام المبالغ فيه، بل إنه قليل من كثير، وكتابها (كتاب اليهودية) برهان ذلك.

ومن النماذج التي توضح ما ذكرنا ما جاء بـ (سفر التكوين، إصحاح 38).

بل إننا نجد أيضًا أن كتاب اليهودية يتضمن قصصًا للعاهرات (الزواني)، مع وصف فاضح لعُهرهن، وتصوير دقيق لتلك المشاهد القذرة من الزنا، ولولا التعفّف لسطرنا تلك النصوص الواردة في كتاب اليهودية لبيان مضمونها ومحتوياتها.

فقراءة مثل تلك الأنواع من القصص الفاحشة التي يذكرها كتاب اليهودية، تفتح الباب المغلق لممارسة مثل تلك الأنواع القذرة من الرذائل والفواحش، لما فيها من إثارة للغرائز الجنسية بشكل كبير، ولما لها من دور أساسي في تشكيل نوع العقلية للقارئ لها، حيث إن من يقرأ عن الجنس والإباحية ويتعوّد ذهنه على مثل ذلك، فإنه لا يلبث إلا وتتصعد معه الأمور، وتنحل القيم، ثم يجد نفسه منغمسًا في ذلك الوحل.

وذلك، لأن من يقرأ موادًا فاسدة، فإنه بالتبعية يصير العقل فاسدًا تمامًا، كالحيوان الذي يأكل الخبائث والقاذورات (كالخنزير) فإن لحمه يصير خبيثًا قذرًا.

ومن المُحال في حق الله تعالى أن ننسب إليه مثل ذلك الذي ينص عليه كتاب اليهودية، من دعوة إلى الزنا والاغتصاب والاعتداء، عن طريق الإثارة للغرائز الجنسية من خلال تلك الأنواع المختلفة من القصص الفاحشة التي ينص عليها.

وذلك الذي أشرنا إليه هو سِرّ تزعّم المنظمات اليهودية لترويج مثل تلك المشاهد والأفلام الإباحية في العالم أجمع، من خلال العقلية التي قد تشكلت تبعًا لما ينص عليه كتابهم، ويُروّج له.

وبمشيئة الله تعالى، سوف نذكر بعض من مواضع تلك الفقرات التي ينص عليها كتاب اليهودية أيضًا في نقطة لاحقة خاصة بما يدعوا إليه الكتاب المقدس للنصرانية، وذلك حتى لا نلجأ للتكرار لأنه كما أوضحنا فإن الكتاب المقدس للنصرانية يتضمن كتاب اليهودية بمحتوياته تحت ما يُسمّى بالعهد القديم.

5- بعض من الدعاوى التي تَزعمها اليهودية بالمرأة

ومن ذلك:

أ- الزعم بأن المرأة إذا حاضت، فإنها تكون نجسة، ليس ذلك فحسب، ولكن كل شيء تمسّه، بل ومع تطهيره لا يطهر إلا بغروب الشمس، كما جاء في (سفر اللاويين إصحاح 15).

ولا شك أن ذلك الذي ينص عليه كتاب اليهودية ليس بصحيح، وأنه محض افتراء، لأنه لا يكون نجسًا إلا موضع الحيض فقط، وبإزالة الحيض لا تكون هناك نجاسة.

ب- الزعم بأن المرأة إذا ولدت ذكرًا تكون نجسة لمدة أسبوع، وإذا ولدت أنثى تكون نجسة لمدة إسبوعين، كما جاء في (سفر اللاويين إصحاح 12 عدد 1).

ولا شك أن ذلك محض افتراء على المرأة، لأن ذلك الذي ينص عليه كتاب اليهودية ليس بصحيح، غير أنه لا يوجد فرق في ذلك الأمر بين ولادة الذكر وولادة الأنثى.

ج- تحريم الزواج من الأرملة والمطلقة، كما جاء في سفر (اللاويين إصحاح 21، عدد 14).

ولا شك أن ذلك الذي ينص عليه كتاب اليهودية ليس بصحيح، وأنه محض افتراء.

وننوه إلى:

أنه إذا ما ذُكر كلام مطابق لما ذكرنا في هذه النقطة، بجزئية أخرى تحت عنوان – إلى أي شيء يدعو الكتاب المقدس للنصرانية – فإن ذلك لا يعني التضارب والاختلاف في تبويب ما ذكرنا.

حيث إن السبب في ذلك هو ما نكرره ونؤكده للإيضاح والبيان وعدم الالتباس، من أن الكتاب المقدس للنصرانية يتضمن كتاب كتاب اليهودية تحت مُسمّى العهد القديم.

وغير ما ذكرنا الكثير والكثير مما يعجُّ به كتاب اليهودية من دعوة إلى ما يتنافى تمامًا مع الفطر السوية والنفوس الزكية والعقول الرشيدة، ولكن نكتفي بموجز ما أشرنا إليه، للانتقال إلى نقطة أخرى.

فقدان مصداقية كتاب اليهودية

لقد أوضحنا في السابق أن التوراة التي أنزلها الله تعالى على نبيه موسى عليه السلام قد أصابها التغيير والتبديل والتحريف، بعدما نالت منها الأيدي الخفيّة ذات المصالح والمطامع والانقياد تبعًا للأهواء والشهوات.

لذلك، فإن ما بأيدي اليهودية ليست أبدًا بالتوارة التي قد جاء بها نبي الله موسى عليه السلام.

وقد أوضحنا في السابق ما يبرهن على فقدان مصداقية الكتاب الذي بين يدي اليهودية اليوم في عدة نقاط، حيث يتبيّن منها:

§ فساد المعتقد في ذات الله تعالى وفي صفاته وأفعاله، والافتراءات الكاذبة المنسوبة إليه.

§ الافتراءات الشنيعة على أنبياء الله تعالى ورسله، ورميهم بأقبح وأحطّ الافعال والرذائل، على الرغم من الاعتقاد بنبواتهم ورسالاتهم، كالادعاء بأن هارون النبي قد بنى معبدًا للعجل، وعبده وأمر بني إسرائيل بعبادته، كما هو مُصرّح به في (سفر الخروج، باب 132).

§ والزعم بأن سليمان النبي قد ارتدّ في آخر عمره، وكان يعبد الأصنام بعد الارتداد، وأنه قد قام ببناء المعابد لها، وغير ذلك، ومن ثم القدح في الصفات العليّة لله سبحانه وتعالى، والافتراء عليه جلّ وعلا بسوء الاختيار لأنبياءه ورسله، والجهل بما سوف يصدر منهم من مثيل تلك الأفعال المنكرة القبيحة، ومن ثم الجهل بالغيب.

§ التكذيب (من اليهود) ومحاولات القتل لكثير من الأنبياء والمرسلين، والنجاح في كثير من تلك المحاولات المنكرة.

§ الدعوة السيئة إلى القتل والمذابح والإبادات الجماعية لغير الجنس اليهودي، اقتداءً بما نسبوه كذبًا إلى أنبياءهم عند فتحهم لمدن ذات سكان غير يهوديين، وذلك نتيجة العنصرية التي يعتقدون بها، ويقومون بترسيخها في الأذهان، من تفضيل للجنس اليهودي على غيره من الأجناس البشرية الأخرى.

§ الدعوة إلى الاعتداء والاغتصاب والزنا من خلال افتراء الكثير من القصص الفاحشة، وضمّها إلى محتوياته (كتاب اليهودية)، لقراءتها وإثارة الغرائز الجنسية من خلالها.

وإضافة إلى ما سبق كبرهان على فقدان كتاب اليهودية لمصداقيته:

1- أنه لا يوجد سند متصل لأي من مكوناته (أسفاره).

حيث إنه من اللازم لكون الكتاب سماويًا واجب التسليم به، أن يثبت أولًا بدليل أن هذا الكتاب كُتب بواسطة النبي الفلاني، ثم وصل بعد ذلك بالسند المتصل بلا تغيير ولا تبديل([6]).

والاستناد إلى شخص بمجرد الظن لا يكفي في إثبات أنه كتاب سماوي([7])، ومن ثم فقدان مصداقيته.

2- ومما يبرهن على أن التوراة المشهورة الآن، ليست بالتوراة التي جاء بها نبي الله موسى عليه السلام، ومن ثم فقدانها للمصداقية:

أن الحديث عن نبي الله موسى، نجده يأتي بصفة الغائب، ومثال ذلك:

أن بالتوراة التي بين أيدي اليهودية اليوم، تظهر عبارات: قال الربّ لموسى، قال موسى للربّ .... هكذا.

أي أن الله تعالى ليس هو المحدث، وكذلك نبي الله موسى عليه السلام ليس هو المتحدث، وإنما المتحدث شخص آخر، هو من كتب ذلك، ويتحدث عمّا قال الربّ لموسى، وعما قاله موسى للربّ.

فنبي الله موسى لم يكتب مثل تلك الكلمات، لأنه لو كان هو الكاتب لها لقال: قال الربّ لي وأنا قلت للربّ([8]).

مما يبرهن على أن ما بأيدي اليهودية اليوم ليس أبدًا بكلام الله تعالى، حيث إن ما بين يديها (اليهودية) اليوم ليست بالتوراة التي جاء بها نبي الله موسى عليه السلام.

ومما يؤكد ذلك:

أننا نجد، أن الإخبار بنبأ موت نبي الله موسى عليه السلام يأتي بصيغة الماضي ... كما في (سفر التثنية، الإصحاح الأخير).

فهل يُعقل أن يكتب نبي الله موسى عليه السلام تفاصيل موته وغيرها بصيغة الماضي؟!

بالطبع: لا، لأنه لو كان الأمر كذلك (أن يخبر موسى بتفاصيل موته)، لجاء الكلام بصيغة المستقبل (سوف) لأنه لم يكن قد مات بعد.

ففي أكثر من 700 جملة من الكتاب الذي بين أيدي اليهودية، يتبيَّن أن الله تعالى لم يكن هو كاتبها، وأن كاتبها ليس بنبي الله موسى عليه السلام، ومن ثم فإن كاتبها إنما هو مجهول.

ونختم هذه النقطة بما يشهد به المدققون، الذين هم من أبرز علماء المسيحية، والتي يتضمن كتابها (الكتاب المقدس للنصرانية) محتويات كتاب اليهودية تحت مُسمّى العهد القديم، حيث يقولون في شأن أسفار (التكوين – الخروج – اللاويين – العدد – التثنية) والتي يُفترض أنها من كتب موسى، الآتي:

وهو، أن موسى عليه السلام لم يكتب هذه الأسفار، وإنه ليس بمؤلفها.

فمؤلف سفر التكوين، الذي هو من أول أسفار موسى (لدى اليهودية) مكتوب بين قوسين، وهكذا.

والتساؤل: لماذا بين قوسين؟!!

الجواب: لأنه إشارة إلى عدم كتابة نبي الله موسى لها.

3- وايضًا، نجد أن توراة اليهودية التي بين يدَيها الآن، مليئة بالأخطاء والتناقضات والتحريفات البينة وبمشيئة الله تعالى سوف نشير إلى جزء منها عند الحديث عن الكتاب المقدس للنصرانية، نظرًا لتضمنه لها، واحتواءه عليها، تحت مسمّى العهد القديم، وذلك حتى لا نلجأ إلى التكرار.

وبالإشارة إلى أحد نماذج تلك الاختلافات والتناقضات والتحريف البيّن، نوضح:

أن اليهودية تزعم بغير وجه حق أن إسحاق هو من قُدِّم للتضحية والذبح، عندما أمر الله تعالى نبيه إبراهيم بذبح ابنه في رؤيا له، كاختبار منه سبحانه وتعالى لنبيه إبراهيم، من حيث الانقياد والاستجابة لأوامره، والتنفيذ لها.

فاليهودية تزعم، أن كتابها يقول:

«وامتحن الله إبراهيم، فقال خذ ابنك وحيدك الذي تحبه إسحاق، واذهب به إلى أرض المريا، فأخذ إبراهيم بيده النار والسكين، ونظر وإذا الكبش وراءه» (سفر التكوين، الإصحاح 22، عدد 2).

ولعلنا نلحظ أن الفقرة السابقة من سفر التكوين قد جاء بها كلمة (وحيدك).

وبالمقارنة مع نصين آخرين من كتاب اليهودية، إحداهما يقول: «فولدت هاجر إسماعيل وكان عمر إبراهيم آنذاك ستًا وثمانين سنة» (سفر التكوين إصحاح 16 عدد 15).

والنص الآخر يقول: «وكان عمر إبراهيم مائة سنة حين ولد إسحاق ولده»

(سفر التكوين إصحاح 21 عدد 5)

ومن هذين النصين الآخرين، يتضح أن إسماعيل قد وُلِد قبل إسحاق بـ 14 سنة.

ومن ثم فإن إسماعيل هو من ينطبق عليه لفظة (وحيدك)، لأن إبراهيم عليه السلام لم يكن له ابن سواه إلا بعد 14 سنة من ولادة هاجر لابنها إسماعيل.

أما إسحاق، فلا يمكن أن ينطبق عليه لفظة «وحيدك»، لأنه عندما وُلِد كان لإبراهيم ابن منذ 14 سنة، وهو إسماعيل.

ويُدعّم ذلك ويؤكده: أن كتاب اليهودية ينصّ على أن الولد البكر هو الذي يُقدم للذبح.

وأن النص الذي بكتاب اليهودية قد أفاد بأن الحادثة (قصة الذبح) وقعت عند أرض المريا، وهي في بئر سبع، وهي المنطقة التي عاش فيها إسماعيل مع أمه.

ومما سبق يتبيّن لنا: أن كلمة (إسحاق) في النص الأول المذكور آنفًا في (سفر التكوين إصحاح 22 عدد 2)، ما هو إلا حشوٌ زائد وإقحام بيِّن، ومن ثم يتبيَّن لنا مدى التناقض والتحريف الذي قد نال من كتاب اليهودية، تبعًا للعنصرية المقيتة التي تعمل (اليهودية) على ترسيخها.

ويقول المسيحيون القدماء، بأن اليهود قد حرّفوا التوراة لتصير الترجمة اليونانية غير معتبرة، ولعناد المسيحية.

ومن قليل ما أشرنا إليه بتبيّن لنا بالأدلّة الدامغة والبراهين القاطعة، أن ما بأيدي اليهودية الآن ليست بالتوراة التي قد جاء بها موسى عليه السلام، لِمَا أصابها من التغيير والتبديل، والتحريف والتلويث، من قِبَل الأيدي الخفيَّة ذات المصالح والمطامع، والانقياد تبعًا للأهواء والشهوات.

مما قد حُفظ من التوراة مضمونًا،

إيذانًا بالرسالة الجديدة، العالمية الخاتمة

لقد جاءت التوراة مُخبرة بنبي آخر الزمان محمد r، الذي سوف تُختم به جميع الرسالات، وقد كان اليهود ينتظرونه تبعًا لعلمهم بمجيئه من كتابهم (التوراة)، وهذا هو سرّ وجود اليهود بالمدينة، مهجر النبي محمد r.

ولكن اليهود كانوا ينتظرون خروج هذا النبي المُبشّر به منهم (اليهود)، كغيره من الأنبياء الكثيرين الذين كان خروجهم من بني إسرائيل (اليهود)، ولم يكن بخاطرهم أن خروج هذا النبيّ الخاتم سوف يكون من غيرهم، وهم العرب، والتاريخ نفسه شاهد على ما نقول:

حيث إن اليهود كانوا يتوعّدون العرب بالمدينة، بخروج هذا النبي (نبي آخر الزمان محمد r) الذي ينتظرونه، وقتالهم (اليهود) معه ضدهم (ضد العرب).

فلما كان من مفاجئتهم بخروج هذا النبي الذي ينتظرونه من غيرهم، بل من العرب الذين كانوا (اليهود) يتوعّدونهم بقتالهم معه (النبي الذي ينتظرونه)، اشتدّ ذلك عليهم، وجحدوا نبوته ورسالته، ومن ثم رفضوا اتّباعه، بل خطّطوا مرارًا وتكرارًا لإفساد دعوته، ولصد الناس عنه، بل وقتله، ولكن الله تعالى هو غالب على أمره، وهو مُتمّ نوره ولو كره الكافرون.

وهذا هو سِرّ إيمان أهل المدينة بالنبي محمد r، لما علموا من اليهود أنفسهم الذين كانوا يُخبرون عنه، ويتوعدونهم بقتالهم معه، لا سيما وأنهم (اليهود) أهل كتاب (التوراة).

فاليهود كانوا ينتظرون إنجاز تحقيق 3 نبوءات، وهي:

مجيء النبي يحيى عليه السلام، ومجيء نبي الله المسيح عليه السلام، ومجيء النبي المنتظر بعثتة من بعدهما ولكن اليهود كشأنهم دائمًا في قتل الأنبياء، قاموا بقتل يحيى عليه السلام بعد مجيئه، ولم يؤمنوا بالمسيح عليه السلام، بل حاولوا قتله، وأيضًا لم يؤمنوا بالنبي المنتظر بعثته من بعدهما، وهو النبي محمد r، وحاولوا قتله.

وبمشيئة الله تعالى سوف نذكر بعضًا مما قد حُفظ بكتبهم مضمونًا، إخبارًا بهذا النبي الخاتم محمد r، إيذانًا برسالته العالمية الخاتمة، ومن ذلك:

أولاً: ما يقرأ بلغتهم (العبرية) على النحو التالي:

«ما تَعسو ليوم موعيد وليوم حج يهوه؟

كي هيني هالخو مشّود: مصرايم تقبّصِم، موف تقبرم، مَحْمد لخسبام، قموش ييراشم، حوح بأهليهم» (هوشع 9: 5 – 7).

ونشير بإيجاز إلى التفسير الصحيح لذلك النص على النحو الآتي:

فقول النص: «ما تعسو ليوم موعيد وليوم حج يهوه؟» يعني: ما أنتم عاملون ليوم الميعاد؟، حيث إن النص العبراني يقول: (ل – يوم)، ومعناها (ليوم).

وأما قول النصّ: «كي هيني هالخو مشّود: مصرايم تقبّصِم، موف تقبرم» فيعني: أن هؤلاء – الذين هم بنو إسرائيل – نجوا من البلاء الذي كان على يد فرعون وقومه، وأن مصر تأسرهم، ومنف – وهي مدينة مصرية قديمة – تقبرهم أو تدفنهم.

وأما قول النصّ «مَحْمَد لخسبام». وهو ما نودّ إلقاء الضوء عليه، فيعني: أن النبي محمد r سيتولّى تأديبهم (أي سيتولّى تأديب بني إسرائيل) في أموالهم.

وقد حصل ذلك بالفعل، عندما أجْلَى النبي محمد r يهود بني النضير إلى أعالى الشام وإلى خيبر.

ويُدَلّل على ذلك:

أ- أن قول النصّ «مَحْمد لخسبام»: إنما هو عبارة وجيزة مستأنفة، معناها الحرفي (مُحمّد لمالهم)، فـ (محمّد) اسم علم يشير إلى النبي محمد r، وليست صفة.

ب- أن «مَحْمد لخسبام» جملة مستقلة عن التي بعدها، لأنه إذا تُرجم النصّ حرفيًّا على أساس أن قوله «مَحمد لخسبام» مرتبطة بما يليه «قموش ييراشم» لصار ضمير الجمع يعود على المفرد، وهو ما لا يستقيم في اللغة العبرية.

جـ- أن (فيلهلم جسنيوس) في كتابه (نحو اللغة العبرانية) أورد أن تكون العبارة في أصلها «مَحمدي خسبام».

د- أن النصّ العبري ظلّ أكثر من ألف عام مُجرّدًا عن الحركات، إلى أن اضافها علماء اليهود وفق اجتهادهم، فأصابوا بعضًا، وأخطئوا وحرّفوا بعضًا.

فكلمة (مَحْمد) قبل التحريف كانت (محمد) دون حركات، وهذا ما يُجمع عليه علماء اليهود.

لذلك، فإنه لم يبق إلا الإذعان بأن (محمد) علمٌ يقصد به النبي محمد r([9]).

وننوّه إلى:

أنه قد وردت كلمة (محمديم) أيضًا، ونهاية الكلمة (يم) للاحترام والتفخيم والعظمة، وبإزالة الزيادة يكون الاسم الوارد ذكره هو: محمد.

ثانيًا: لقد جاء بالتوراة التي بين أيدي اليهود اليوم، أن الله تعالى قال لموسى عليه السلام: «أقيم لهم نبيّا من وسط إخوتهم مثلك، وأجعل كلامي في فمه، فيكلمهم بكل ما أوصيه به».

(سفر الإشتراع 18 : 18).

فهذا النص من النصوص القاطعة أيضًا لدى اليهود، على أن النبي الذي سوف يخرج في آخر الزمان ليس من بني إسرائيل، ولكنه من إخوة بني إسرائيل، وهم بنو إسماعيل.

ونُبيّن ذلك، بأن: إخوة بني إسرائيل إما العرب وإما الروم.

والعرب هم بنو إسماعيل عليه السلام، وإسماعيل عليه السلام هو أخو إسحاق عليه السلام والد يعقوب (إسرائيل عليه السلام).

والروم هم بنو العيص، ولم يقم من الروم سوى نبي واحد, وهو أيوب عليه السلام، وكان قبل نبي الله موسى عليه السلام، فلا يجوز إذن أن يكون هو الذي بشَّرت به التوراة.

لذلك، فإن النبي المُبشّر به في التوراة يكون من العرب (الذين هم بنو إسماعيل)، حيث لم يبقَ غيرهم، وهم إخوة لبني إسرائيل.

ولو كان النبي المُبشّر به من بني إسرائيل، لكان من الممكن أن يقول الله لهم (أقيم نبيًّا منكم)، ولكنه عز وجل قال: «أقيم لهم نبيًّا من وسط إخوتهم».

وإذا زعم قائل أن النبي المُبشّر به هو يوشع بن نون، يُرَدّ عليه بـ:

أن الله تعالى قال لموسى: «أقيم لهم نبيًّا من وسط إخوتهم مِثلك» ومعلوم أن يوشع بن نون كان نبيًّا من أنبياء بني إسرائيل، ولكن النبي المُبشّر به إنما هو من إخوة بني إسرائيل وليس منهم.

وكما أشرنا، فإنه لو كان النبي المُبشّر به من بني إسرائيل لكان من الممكن أن يقول الله لهم: (أقيم نبيًّا منكم)، وذلك لأن أسباط بني إسرائيل الاثنى عشر كانوا موجودين مع موسى عليه السلام، لذلك فإن المراد من «إخوتهم» هم أولاد إسماعيل عليه السلام، وها هو ما يقبله العقل السليم الصريح.

وقد نصَّت التوراة على: أن إسحاق عليه السلام وأبناءه (الذين هم بنو إسرائيل) هم إخوة لإسماعيل عليه السلام، كما جاء في سفر التكوين (16/12): «وأمام إخوته يسكن» ويؤكد ما ذكرنا، قول الله تعالى لموسى عليه السلام «مثلك».

ومعلوم، أنه لا يقوم من بني إسرائيل نبي مثل موسى عليه السلام، لِما أخبرت التوراة بذلك، يعني: أنه يقوم نبي مثل موسى عليه السلام، ولكنّه ليس من بني إسرائيل.

وبما أن يوشع بن نون هو من أنبياء بني إسرائيل، فإنه ليس النبي المُبشّر به.

وكذلك إذا ما زعمت النصرانية بأن المسيح عليه السلام مثل موسى عليه السلام، فإن ذلك الزعم ليس بصحيح على الإطلاق، وذلك لأن المسيح عيسى عليه السلام ليس مثل موسى عليه السلام، ونُدَلّل على ذلك بالآتي:

أ- أن نبي الله موسى عليه السلام قد جاء بشريعة تامّة، وأما المسيح عيسى عليه السلام فلم يأت بشريعة جديدة، حيث قال: «ما جئت لأنقض، بل لأكمل» (إنجيل متى 5 : 17).

ب- أن مكانة المسيح في النصرانية غير مكانة موسى، لأنه وفقًا لاعتقادها: فإن المسيح إله (حسب زعمها) ولكن موسى ليس بإله، ومن ثم فإم المسيح لا يشبه موسى([10]).

ج- أن النصرانية تعتقد أن المسيح صُلب ومات مفتديًا خطايا العالم، ولكن موسى لم يمت مفتديًا خطايا العالم([11]).

د- أن النصرانية تعتقد أن المسيح مكث في قبره ثلاثة أيام، ولكن موسى لم يفعل ذلك([12]).

لذلك، فإن المسيح عيسى عليه السلام لا يشبه موسى عليه السلام.

إذن فليس المسيح هو النبي الذي بَشّرت به التوراة، ومن ثم يتبيّن بطلان ذلك الادّعاء الذي تزعمه النصرانية.

والحق القاطع: أن المماثلة بين محمد r وبين موسى عليه السلام واضحة جليّة، كرؤية الشمس في وضح النهار، ونُدلّل ذلك على النحو الآتي:

1- أن كلًا من نبي الله موسى ونبي الله محمد قد وُلِد ولادة عادية، أي من أب وأمّ، ولكن المسيح قد وُلِد من أم فقط.

2- أن كلا من نبي الله موسى ونبي الله محمد قد تزوج وأنجب أطفالًا، ولكن المسيح بقي أعذبًا.

3- أن نبي الله موسى ونبي الله محمد قد تقبلهما قومهما كأنبياء خلال حياتهما، وذلك بعدما واجه كلا منها المتاعب والمشاقّ من أجل نشر دعوته ورسالته، ولكن الأمر على عكس ذلك بالنسبة للمسيح، وذلك وفقًا لما جاء في كتاب النصرانية (بإنجيل يوحنا 1:1) حيث يقول: «إلى خاصته جاء وخاصته لم تقبله».

4- أن كلا من نبي الله موسى ونبي الله محمد قد هاجر من وجه أعداءه، فمحمد r هاجر إلى المدينة، وموسى عليه السلام هاجر إلى مدين.

5- أن كلتا المدينتين اللتين هاجر إليهما نبي الله موسى عليه السلام ونبي الله محمد r، بينهما توافق في اسم كل منهما، فبين (مدين) و(المدينة) توافق.

6- أن كلا من نبي الله موسى عليه السلام ونبي الله محمد r حارب أعداءه، وظفر بنصر الله

عز وجل.

7- أنّ الله عز وجل مَكّن لموسى عليه السلام أن يحكم بين الناس بحكمه جل وعلا، وكذلك فقد مَكّن الله عز وجل لنبيه محمد r أن يحكم بين الناس بكتابه (القرآن الكريم) جل وعلا.

8- أن كلا من نبي الله موسى عليه السلام ونبي الله محمد r قد جاء بشريعة جديدة تامة، ولكن المسيح عليه السلام لم يأت بشريعة جديدة تامّة، ويتبيّن ذلك مما جاء بكتاب النصرانية، وهو قوله: «ما جئت لأنقض بل لأكمل» (متى 5: 17).

9- أن كلا من نبي الله موسى عليه السلام، ونبي الله محمد r قد توفّى وفاة بعيدة عن الصلب الذي تزعمه النصرانية بالنسبة للمسيح.

10- أن كلا من نبي الله موسى عليه السلام، ونبي الله محمد r مدفون في الأرض، ولكن المسيح فإنه حسب زعم النصرانية يبقى في السماء.

ولما أوضحناه، يتبين أن كلمة «مثلك» التي جاءت بنص التوراة، تنطبق على نبي الله محمد r، لا غيره.

ولذا، فإن النبي محمد r هو من كان مثل نبي الله موسى عليه السلام.

ثالثًا: ولقد جاء في التوراة ما يلي:

«جاء الرب من سيناء، وأشرق لهم من ساعير، وتلألأ من جبل فاران» (سفر التثنية 33: 2).

وننوّه إلى: أن الترجمة العربية قد أسقطت بعد عبارة «وتلألأ من جبل فاران» عبارة «ومعه عشرة آلاف قديس»، وهو التعبير الذي يُقابل قول النسخة الإنجليزية من الإنجيل ما يلي: (And he came with ten thousand saints)

وذلك حتى لا تشير الفقرة السابقة إلى فتح مكة على يد النبي محمد r، حيث إنه من المعلوم أن جبل فاران إنما هو بمكة، ومكّة هي مهد رسالة الإسلام التي جاء بها النبي محمد r. ولقد هاجر النبي محمد r من مكّة إلى المدينة بعد التعذيب الشديد من كفّار مكة للمسلمين، ثم رجع النبي محمد r إلى مكة مرة أخرى، فاتحًا لها ومعه عشرة آلاف صحابي جليل، هم من خيرة أصحابه r، وهذا هو ما تعنيه العبارة التي أسقطها مُترجم الإنجيل إلى اللغة العربية، وذلك حتى لا تشير بجلاء ووضوح إلى النبي محمد r وأصحابه الكرام([13]).

ولفهم النصّ السابق من التوراة، نوضح أن:

ساعير: هو اسم جبل في فلسطين.

وجبال فاران: هي جبال بمكة المكرمة، التي هاجر إليها إسماعيل عليه السلام مع أمّه السيدة هاجر.

ومما يؤكد أن جبال فاران هي جبال مكة، ما نصت عليه التوراة «وأقام إسماعيل في برية فاران» (سفر التكوين 21: 21).

وفي ترجمة التوراة السامرية التي صدرت 1851: «أن إسماعيل سكن برية فاران بالحجاز»، وهذا يؤكد أن جبال فاران هي جبال مكة المكرّمة.

ويؤكد ذلك أيضًا من كتبهم (اليهودية، والنصرانية)، ما جاء في (سفر التكوين 21: 14 – 21): «وعاد إبراهيم فأخذ الغلام وأخذ خبزًا وسقاءً من ماء ودفعه إلى هاجر وحمله عليها، وقال لها: اذهبي، فانطلقت هاجر، ونفذ الماء الذي كان معها، فطرحت الغلام تحت الشجرة وجلست مقابلته على مقدار رمية الحجر لئلا تبصر الغلام حين يموت،، ورفعت صوتها بالبكاء، وسمع الله صوت الغلام حيث هو، فقال لها الملك: قومي فاحملي الغلام، وشدّي يدك به، فإنه جاعله لأمة عظيمة، وفتح الله عينها فبصرت ببئر ماء، فسقت الغلام، وملأت سقاها، كان الله مع الغلام فتربّى وسكن برية فاران» (سفر التكوين 21: 14 – 21).

فبما أن الغلام هو: إسماعيل عليه السلام، والبئر هي: بئر زمزم.

إذن: فإن برية فاران هي التي بمكة المكرمة، وهذا هو الحق الذي لا مرية فيه، ولا بديل له.

ونعود إلى ما جاء في (سفر التثنية 33: 2) في أول هذه النقطة، حيث:

إن النصّ الذي نقلناه من سفر التثنية يُشبّه نبوة موسى عليه السلام بمجئ الصبح «جاء الرب من سيناء».

ويُشبّه نبوة المسيح عيسى عليه السلام بإشراق الصبح «وأشرق لهم من ساعير».

ويُشبّه نبوة محمد r باستعلاء الشمس، وتلألؤ ضوءها في الآفاق، فهو r خاتم الأنبياء والمرسلين، فلا نبي ولا رسول بعده r «وتلألأ من جبل فاران».

ومثل ما نقلناه من سفر التثنية، أشار إليه القرآن الكريم، في قول الله تعالى:

﴿وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ [سورة التين: 1 – 3].

حيث إن:

(وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ): إشارة إلى منبتهما، وهي الأرض التي ظهر فيها المسيح عليه السلام.

(وَطُورِ سِينِينَ): إشارة إلى المكان الذي كان فيه نبوة موسى عليه السلام.

(وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ): إشارة إلى المكان الذي بُعث فيه محمد r (وهو مكة المكرمة)، ومن قبله إسماعيل عليه السلام.

رابعًا: ولقد جاء بكتاب اليهودية وصف ونعت لهذا الرسول الخاتم محمد r، حيث جاء في (سفر إشعيا 29: 12):

«يُدفع الكتاب إلى من لا يعرف الكتابة، فيقال له: اقرأ هذا، فيقول: لا أعرف الكتابة».

فمن يكون هذا النبي الأمّيّ؟!

لا شك، أنه هو النبي محمد r، حيث إنه كما هو معلوم، كان أميًّا لا يقرأ ولا يكتب. فكانت أمّيّة رسول الله r شاهدة بنبوته وصدق رسالته، فهو r الأمِّيّ الذي علّم البشرية كلها متعلمها وجاهلها.

فهو r الذي علم البشرية قاطبة معنى التوحيد، والعبادة الخالصة لله عز وجل.

وهو r من جاء بهذا الشرع القويم، والتعاليم السامية، والأخلاق الرفيعة، والمعاملات الكريمة.

خامسًا: ولقد جاء في التوراة أن الله قال لموسى:

«فأجعل كلامي في فمه، فيكلمهم بكل ما أوصيه به» (سفر التثنية 18: 18).

حيث تنطبق هذه البشارة على النبي محمد r، ويدلِّل على هذا:

أن النبي محمد r كان يبتدأ تلاوته للقرآن الكريم بقوله: بسم الله الرحمن الرحيم، وهي مُفتتح سور القرآن الكريم عدا سورة (التوبة).

والمسلمون يقرأون في مُفتتح سور القرآن الكريم (كلام الله تعالى): بسم الله الرحمن الرحيم، ومنها نتعرف على بعض أسماء الله تعالى وصفاته الحسنى.

سادسًا: ولقد نصّ أيضًا (سِفر الاستثناء) على وصف لقوم النبي محمد r، الذي أُرسل إليهم، حيث جاء به:

«هم أغاروني بما ليس بإله، وأغضبوني بمعبوداتهم الباطلة، وأنا أيضًا أغيرهم بما ليس شعبًا، وبشعب جاهل أغضبهم» (إصحاح 32، سفر الاستثناء 11).

ولا شك، أن هذا الوصف هو وصف لقوم النبي محمد r قطعًا، حيث إنهم لم يكونوا شعبًا، بل كانوا قبائل متناحرة متفرقّة، بغير ملك أو سلطان أو رئيس ...، إضافة إلى أنهم كانوا جاهلين بالقراءة والكتابة سوى القليل.

ولكن بعد مجيء النبي محمد r صاروا إخوانًا متحابّين، متكاتفين، وأصبحت لهم دولة عظيمة، وهي دولة الإسلام، قائدها وحاكمها هو النبي محمد r، وقد ذلّت لها أعظم إمبراطوريتين آنذاك (الفرس والروم)، وتقدّمت في شتى مجالات العلوم آنذاك، وقت تمسكها بهدي نبيها محمد r وبما حثّ عليه.

وقد حاول بعض علماء اليهود كذبًا أن ينسبوا تلك الجاهلية إلى الشعب اليوناني، من أجل أن يصرفوا ما يشير إليه ذلك النصّ السابق من وصف للعرب في جاهليتهم، ومن ثم صَرْف البشارات بالنبي المنتظر بعثته في آخر الزمان، والتي جاءت بكتبهم إلى غير النبي محمد r، ولكنهم خابوا في ذلك وفشلوا، لأن اليونان من قبل ظهور المسيح بمئات السنين كانوا متفوقين في العلوم والفنون، وسائر كتب العهد القديم التي يزعمونها.

ومن قليل ما أشرنا إليه يتبيّن لنا حفظ الله عز وجل لذكر نبيه الخاتم محمد r ووصفه، بالتوراة، التي بين أيدي اليهود، إيذانًا ببعثته، ورسالته العالمية الخاتمة.

عقيدة النصرانية في الإله الربّ سبحانه وتعالى، وكيفية ترويجها،

وكيف صار المسيح إلهًا عندها

لقد خرجت النصرانية في عقيدتها بالإله الربّ سبحانه وتعالى عن حدّ المعقول وباهتت ضرورياته، حيث قد نسبت إلى الإله الخالق ما تأباه الفطر السوية الزكية، وما لا تقبله العقول السليمة الرشيدة، دون أدنى حجّة أو برهان على مثل ذلك، وإنما هي الأوهام الكاذبة، والافتراءات الباطلة.

فنجد أن النصرانية تتكلم عن ذات الله عز وجل وفقًا لما تمليه الأهواء، دون أدنى حياء منه سبحانه وتعالى، حيث تدّعي (النصرانية) أن الله مُرَكَّب من ثلاثة أقانيم، متمثلة في الآب والابن والروح القدس، أي أنها تصفه بأنه عبارة عن مركّب من ثلاثة أجزاء، وكل جزء من تلك الأجزاء الثلاثة تزعم فيه الألوهية.

ومن البديهي أن ذلك المُرَكّب الذي يتكون منه إله النصرانية المزعوم مُفتقر في تحقّقه إلى غيره من الأجزاء، وذلك الوصف بكل تأكيد لا يمكن أن يليق بذات الله سبحانه وتعالى، فالله جلّ وعلا

لا يمكن أن يكون مفتقرًا إلى غيره (تعالى الله جلّ وعلا عن إفك النصرانية علوًا كبيرا).

ونجد أيضًا أن النصرانية تدّعي تجسيم الإله، وتُحجّمه، عن طريق تصورها بأن الله جالس على العرش، وأن ابنه جالس عن يمينه، ولا شك أن ذلك كله مُحال للعقل السليم أن يتصوره في ذات الله سبحانه وتعالى.

فالله جل وعلا هو خالق المكان، وهو خالق الزمان أيضًا.

ولذلك، فإن الله سبحانه وتعالى لا يحويه ولا يحدّه مكان، لأنه جلّ وعلا هو خالق المكان.

وكذلك، فإن الله سبحانه وتعالى لا يفنى أو ينتهي بمرور الزمان وانتهاءه، لأنه جلّ وعلا هو خالق الزمان أيضًا.

ولذلك، فإن الله سبحانه أجلّ وأعلى من أن يُنسب مثل ذلك الإفك الذي تفتريه النصرانية عليه.

ونجد أيضًا: أن النصرانية تؤمن بما قد افترته اليهودية على الله تعالى من صفات لا يمكن أن تليق بذاته العلية جلّ وعلا، كالندم والتأسف والحزن، كما في (سفر التكوين 6 :6)، والاستراحة من التعب كما في (سفر الخروج 31: 17)، والنوم والاستيقاظ، كما في (سفر المزامير 78: 65)، والصفير والصفيق كما في (سفر أشعياء 5: 26)، والهتاف والصراخ كما في (سفر أشعياء 42: 13)، وتصويره بالنار الملتهبة كما في (سفر الخروج 24: 17)، ... إلى غير ذلك من الصفات التي لا يمكن أن تليق بالذات العلية لله سبحانه وتعالى، والتي سبق أن أشرنا إلى جزء منها، ولمزيد من التعرف على مثل تلك الصفات التي تنسبها النصرانية إلى الله سبحانه وتعالى، يمكن الرجوع إلى كتاب: عتاد، للشيخ/ أحمد ديدات.

ونجد أيضًا: أن النصرانية قد نسبت إلى الله تعالى الكثير من الأبناء، كما في (لوقا 3: 38).

(تعالى الله عز وجل عن اتخاذ الولد، علوًا كبيرا)

وكما أشرنا، فإن النصرانية تزعم أن الإله عبارة عن مركب من 3 أجزاء أو وجوه أو أقانيم (الآب، الابن ، الروح القدس)، ومع نكارة ذلك الزعم الكاذب، إلا أننا نجد أن النصرانية تقول بأن الابن، الذي هو أحد الأقانيم الثلاثة لإلهها المزعوم، إنما هو من نسل بشري، حيث وُلِد من موضع الفرج، وكان قد اختُتِن بعد ولادته بأيام، وكان يرضع من ثدي أمه، وكان يأكل ويشرب الخمر (وفقًا لما تزعمه النصرانية)، وكان يبول ويتغوّط، ... إلى غير ذلك من الصفات المُحال قبولها في الذات العليّة للإله الخالق جلّ وعلا.

ومن العجيب: أنه يدخل في نسل إله النصرانية المزعوم (الابن، كأحد أجزاء إله النصرانية) ما ينصّ كتابها على أنهم أولاد زنا، (فارض وزارح) من ثامار.

تعالى الله عز وجل عن مثل تلك الافتراءات علوًا كبيرا

ومن المُناقض للعقل الرشيد، أيضًا:

أن من صفات ذلك الابن الذي قد ألصقته النصرانية بإلهها المزعوم، كجزء من طبيعته الألوهية، أنه كان مُتعبِّدًا، كما في إنجيل مرقس (1: 35)، والتساؤل:

إذا كان ذلك الابن إلهًا كما تزعم النصرانية، فمن كان يعبد؟!

فلا يتعبّد إلا من كان مخلوقًا، وليس إلهًا خالقًا،

لذلك، فإنه يتبيّن لنا تناقض عقيدة النصرانية بشهادة كتابها مع صريح العقل السويّ.

بل إننا نجد أن من صفات ذلك الابن المزعوم الذي قد نسبت إليه النصرانية الألوهية، كجزء من طبيعة إلهها، أنه (كما أشرنا) كان يشرب الخمر، كما في إنجلي متى (11: 19)، ولوقا (7: 34)، وذلك مِمَّا لا يُتصوّر في إنسان نقي الفطرة، سوي العقل، كريم فاضل، فكيف يُتصوّر نسبه كفعل لإله خالق؟!!

لا شك، أن ذلك من محض افتراءات النصرانية وكذبها على الله تعالى.

ونجد أيضًا، أن ذلك الابن المزعوم الذي قد نسبت إليه النصرانية الألوهية كجزء من طبيعة إلهها، كان قد جُرّب من الشيطان، بمعنى: أن الشيطان قد جَرَّبه وضلّله أربعين يومًا، كما في إنجيل مرقس (1: 12 – 13)، وانه (الابن، الذي قد نسبت إليه النصرانية الألوهية) كان يبكي ويحزن ويكتئب، وأنه كان ضعيفًا، كما يتبين ذلك من كتابها (الكتاب المقدس للنصرانية)، على النحو الآتي:

يوحنا (11: 35)، متى (26: 37)، متى (26: 38)، مرقس (14: 33)، لوقا (32: 44)، على الترتيب. وأنه (الابن، الذي قد نسبت إليه النصرانية الألوهية) كان يخاف ويهرب متخفيًّا، وأنه كان قد تمّ القبض عليه، وأسْرِه وتقييده، كما ينصّ على ذلك كتابها، في إنجيل يوحنا (7: 1)، يوحنا (8: 59)، يوحنا (18: 12 – 13)، على الترتيب.

بل إنه (الإله الابن المزعوم) قد بُصق في وجهه، ولُطِم أيضًا على وجهه، ولم يستطع فعل أي شيء، كما يتبيّن ذلك من كتاب النصرانية في إنجيل لوقا (22: 63 – 64)، إنجيل متى (26: 27)، إنجيل يوحنا (18: 22 – 23)، ولم تكتف النصرانية في توهّماتها وادّعاءاتها على ما أشرنا إليه فحسب، بل إنها تقول بأن ذلك الابن الذي قد نسبت إليه الألوهية، قد مات على الصليب بعدما أُهين وعُذِّب، وبصق في وجهه، ولُطِم عليه، وتجعل من ذلك عقيدة لها.

ولا شك، أن ذلك الذي تزعمه النصرانية، لا يمكن أن تقبله فطرة سويّة أو عقل رشيد، منسوبًا إلى الإله الخالق جلّ وعلا.

تعالى الله عز وجل عن كل تلك الادّعاءات الكاذبة والافتراءات الباطلة، علوًا كبيرا.

وأما بالنسبة للجزء الثالث، الذي يتكون منه الإله المزعوم للنصرانية، وهو (الروح القدس)، فإن الادّعاءات التي تُروجها (النصرانية) حوله تعطي الفرصة للملحدين والمتشكّكين، كأداة للطعن في وجود الإله الخالق، وإرساله للرسل والرسالات، لِما في ادّعاءاتها من خيالات وتناقضات لا يقبلها عقل مفكر ومتدبّر([14]).

ومثال ذلك: ما ينصّ عليه كتاب النصرانية عند حديثه عن السيدة مريم وكيفية حملها بالمسيح، حيث يقول: «فأجاب الملاك وقال لها، الروح القدس يحلّ عليك» (إنجيل لوقا 1 : 35).

والروح القدس كما أشرنا هو إله عند النصرانية، حيث تزعم أنه أحد الأجزاء الثلاثة التي يتكون ويتركّب منها إلهها المزعوم.

وبالنسبة للفقرة السابقة، فإن القارئ لها يتصوّر ذلك المشهد وكأنه مشهد جماع بين رجل وزوجته، فما بالنا وأن السياق حول الخالق الذي تزعمه النصرانية متمثلًا في الروح القدس، وحول المخلوق (السيدة مريم)([15]).

لا شك، بأن نكارة السياق تحول بين استساغة الفطرة النقية له بأي حال من الأحوال، مما يتيح فرصة ذهبية للملحدين ومنكري الألوهية من أجل ترويج بضاعتهم وأفكارهم الفاسدة.

أعاذنا الله تعالى من تلك الافتراءات التي تدّعيها النصرانية، وحفظنا منها.

فاللغة المستخدمة في الأناجيل لغة بغيضة إلى النفس، لغة الدرك الأسفل من حضارة المدن([16])، حيث لا يمكن لعقل رشيد أن يتقبلها على أنها وحي من الله عز وجل.

ومن ثم يتبيّن لنا: أن الكتاب المقدس للنصرانية ليس إلا صناعة بشرية من أعداء الله تعالى، وأعداء دينه وأعداء أنبياءه ورسله.

ونجد أيضًا أن النصرانية تتصور الروح القدس (أحد الأجزاء الثلاثة التي يتكون منها إلهها المزعوم) أنه كان ينزل في صورة الحمامة، كما في إنجيل متى (3: 16)، ولا عجب في مثل تلك العقلية التي كانت قد صوّرت الإله المعبود مُجسّدًا في صورة بشرية (حيث ولادته ونزوله من موضع الفرج لأمه، ورضاعته وختانه في اليوم الثامن، ثم بعد أن كبُر صار يأكل ويشرب وينام، ويبول ويتغوّط لإزالة ما في بطنه من فضلات طعام وغيره، ثم الاعتقاد بصلبه وموته بعد أن أهين وعُذِّب وبُصِق في وجهه) أن تتصور بعد ذلك ما تشاء، وأن تجعل من ذلك التصوّر معتقد لها.

(تعالى الله عز وجل عن إفك النصرانية علوًا كبيرا)

ومن قليل ما أشرنا إليه من عقيدة النصرانية في الإله الربّ سبحانه وتعالى، يتبيّن لنا:

أن النصرانية قد نسبت إلى الإله الخالق من الصفات الناقصة والمعيبة والمذمومة، ما لا تقبله النفوس الزكية والفطر النقية والعقول الرشيدة، في الذات العليّة لله سبحانه وتعالى فتعالى الله عز وجل عن كل ما لا يليق بذاته العليّة مما قد افترته النصرانية وغيرها، علوًا كبيرا.

([1]) هيكل سليمان، د/ محمد العريفي.

([2]) من كتاب هيكل سليمان، د/ محمد العريفي.

([3]) إظهار الحق، للشيخ/ رحمة الله الهندي

([4]) نفس المصدر.

([5]) إظهار الحق، للشيخ/ رحمة الله الهندي

([6]) إظهار الحق، للشيخ/ رحمة الله الهندي.

([7]) المصدر السابق.

([8]) مسموعات، للشيخ أحمد ديدات.

([9]) مجلة البيان.

([10]) الاختيار بين الإسلام والنصرانية، للشيخ/ أحمد ديدات.

([11]) نفس المصدر.

([12]) نفس المصدر.

([13]) عتاد، للشيخ/ أحمد ديدات.

([14]) المسيح في الإسلام، بتصرف، الشيخ/ أحمد ديدات.

([15]) نفس المصدر السابق، بتصرف.

([16]) نفس المصدر السابق.