الإعتقال الإداري التعسفي الإسرائيلي

الإعتقال الإداري التعسفي الإسرائيلي

تعريف

الاعتقال الإداري هو قرار الزج بالأسير خلف قضبان الأسر؛ الصادر عن الهيئات الإدارية الإسرائيلية ذات الصلة بالصراع الميداني مع الشعب الفلسطيني بكافة شرائحه، يقوم على أساس أن المتهم مدان حتى تثبت براءته، وهذه الصورة من الاعتقال لا تعتمد على تهمة مؤكدة أو إثباتات واضحة أو مدةمحددة، بل تقوم على ذرائع علنية او سرية وهي الأغلب. يزج بالأسير في المعتقل دون محاكمة او معرفة سبب الإعتقال أو المدة التي ينبغي له تكبد عنائها في الأسر.

عرض تاريخي

يرجع تاريخ هذا الإجراء التعسفي (الإعتقال الإداري) في فلسطين المحتلة إلى سنة 1945، حين سنَّـته حكومة الإحتلال البريطاني، واعتقلت بموجبه عدداً من النشطاء الفلسطينيين، بدعوى احتجازهم بدون قضية لعدم وجود أدلة كافية تثبت الأنشطة التي اتهموا بالقيام بها. وقد ورثت سلطات الإحتلالالإسرائيلي عن السلطات البريطانية الكثير من وسائل القمع والتنكيل التي كانت تتبعها بحق الفلسطينيين.

وقد استخدم هذا القانون عدد من الدول الاستعمارية لمكافحة الناشطين من أجل حرية بلادهم وشعوبهم، غير أن العمل به قد توقف بعد انتهاء النشاط الاستعماري المباشر، وارتفاع راية حقوق الإنسان وحرية وكرامة المواطن في أرضه، ولم تبق جهة تطبقه على نطاق واسع إلى وقتنا الحاضر غير السلطاتالإسرائيلية، وقد تفردت إسرائيل بين دول العالم في تطبيق الإعتقال الإداري بعد انتهاء الحكم العنصري في جنوب أفريقيا، غير أن السلطات في الولايات المتحدة الأمريكية بدأت بتطبيق هذا النوع من الإعتقال بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر من العام 2001.

على الرغم من حرص الحكومة الإسرائيلية على إبقاء العمل بهذا القانون ساري المفعول، إلا أنها لم تستخدمه بصورة موسعة منذ عقد السبعينيات، إلا بعد اندلاع الإنتفاضة الفلسطينية في العام 1987، وكان يتم استخدامه على نطاق أضيق قبل ذلك والحكم على الأسرى بفترات قصيرة لا تزيد عن 6 أشهر،إلا في حالة المعتقل الفلسطيني علي عوض الجمال من جنين، والذي اتهم بقضية دون مثوله أمام محكمة، فقضى أحكاماً بلغت مدتها 6 سنوات وتسعة أشهر في الإعتقال الإداري، وقد جمدت السلطات الإسرائيلية العمل بهذه السياسة بإطلاق سراحه كآخر معتقل إداري في الثاني من آذار (مارس) من عام 1982.

وفي الرابع من آب (أغسطس) 1985 عادت السلطات الإسرائيلية لتطبيق الاعتقال الإداري من جديد، وذلك ضمن سياسة القبضة الحديدية في الأراضي المحتلة، ومع بدء الانتفاضة الفلسطينية في الثامن من كانون أول (ديسمبر) 1987، صعدت دوائر صنع القرار لدى سلطات الإحتلال من استخدامها لذلكالإجراء ولم تعد تكتفي بستة أشهر؛ وهي المدة المفترضة للاعتقال الإداري، بل خرجت بقرار يسمح للجهات المعنية بتجديد الاعتقال الإداري لأكثر من مرة، وليطرأ ارتفاع ملحوظ على عدد المعتقلين الإداريين، حيث بلغ عدد المعتقلين الإداريين حوالي عشرين ألف في الفترة ما بين عامي 1987 و 1994.

ومن أجل تسهيل عملية الاعتقال الإداري، أصدرت سلطات الإحتلال العديد من الأوامر العسكرية، كان منها الامر (1228) والصادر في السابع عشر من آذار (مارس) 1988، والذي أعطى صلاحية إصدار قرار التحويل للاعتقال الإداري لضباط وجنود أقل رتبة من قائد المنطقة، حيث تم على أثر ذلكافتتاح معتقل أنصار (3) في صحراء النقب، لاستيعاب أعداد كبيرة من المعتقلين خاصة الإداريين منهم.

بعد إغلاق معتقل النقب؛ إثر هدوء الإنتفاضة الأولى، تم نقل المعتقلين الإداريين إلى سجن مجدو، وعندما قام مستوطن إسرائيلي بارتكاب المجزرة في 25/2/1994 داخل المسجد الإبراهيمي بمدينة الخليل، وقتل العشرات من الفلسطينيين خلال الصلاة، إزدادت وتيرة الإعتقال الإداري من جديد، حيث شهدتسجلاته من مكثوا قرابة الثلاث السنوات في الأسر بتهمة الخطر على الأمن.

خفت وتيرة هذا النوع من الإعتقال بعد عام 1998، إلى أن وصل عدد المعتقلين الإداريين في سجن مجدو عام 2000 الى (7) معتقلين فقط. ولكن ما أن بدأت أحداث إنتفاضة الأقصى في أواخر أيلول (سبتمبر) من العام نفسه، حتى عادت هذه السياسة الجائرة لتطفو على السطح من جديد، ويبلغ عدد الأسرىالإداريين منذ ذلك الحين في بعض الفترات ما يقارب 1500 معتقل، أمضى بعضهم 5 سنوات كاملة في الأسر قبل الإفراج عنهم.

وقد أصدرت سلطات الاحتلال خلال انتفاضة الأقصى قرابة 18 ألف قرار اعتقال إداري بحق أسرى فلسطينيين، وتشير الإحصائيات الأخيرة أن عدد الرازحين تحت وطأة هذا الإجراء يقدر بحوالي 1000 معتقل موزعين على سجون النقب ومجدو ورامون وعوفر. ومثال ذلك الفترة الواقعة بين شهري آب (8/2007) وشباط (2/2008)، فقد شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في وتيرة الاعتقال الإداري حتى وصلت الأوامر والتمديدات المتعلقة به خلالها إلى 1374 أمرا.

الإعتقال الإداري .. لماذا

تميزت حملات الاعتقال الإداري خلال الانتفاضة الأولى بميزتين اثنتين:

1. كثرة عدد المعتقلين الإداريين، فقد زاد عددهم على 5000 معتقل في فترة زمنية واحدة.

2. طول الفترة الزمنية التي حُكم بها شريحة من المعتقلين بلغ عددهم المئات، حيث قضى كل من وليد خالد ورائد قادري ومجدي الشروف ستين شهراً، وقضى عشرات آخرون أكثر من أربع سنوات، ومئات قضوا عاماً وعامين وثلاث أعوام دفعة واحدة، وآخرون قضوا ما يقرب من 8 سنوات متقطعة، وتمتحويل معتقلين آخرين بعد أن قضوا أحكامهم على قضايا اتهموا بها إلى الاعتقال الإداري، كان من أبرزهم صلاح شحادة الذي قضى سنة من الاعتقال الإداري بعد محكوميته التي دامت 10 سنوات، وصالح العاروري الذي قضى خمس سنوات في الأسر الاداري بعد عشر مثلها في الحكم.

وفي تقديرنا إن أجهزة المخابرات الإسرائيلية تلجأ إلى سلاح الاعتقال الإداري في حالات منها:

1) يشكل هذا الاعتقال بديلاً عن عقوبة السجن في الحالات التي لا تملك أجهزة الأمن الإسرائيلية مواد الإدانة، وترغب في الوقت نفسه بمعاقبة أصحاب هذه الحالات.

2) غالباً ما يكون سبب احتجاز المعتقلين الفلسطينيين رهن الاعتقال الإداري بسبب وشايات لا ترغب المخابرات الإسرائيلية بكشف أصحابها، الأمر الذي قد يحصل لو وجهت لهؤلاء المعتقلين التهم التي تدور حولها الوشايات.

3) رغبتها في تغييب فلسطينيين ترى أن لديهم قدرات عالية، أو أنهم يمثلون خطراً على أمن الدولة في مرحلة صعبة، ولا تتوفر لدى تلك الأجهزة مواد تصلح لإدانتهم.

4) تعمد إصابة المعتقل الفلسطيني بحالة من الإرباك والإحباط بكثرة الاعتقالات والتمديدات، الأمر الذي سينعكس على نشاطه خارج المعتقل حين خروجه.

5) مضاعفة الأذى والضرر الاقتصادي للمعتقلين الفلسطينيين وعائلاتهم.

6) أسباب سياسية، ومثالها: حملة الاعتقالات الكبيرة التي طالت الآف الفلسطينيين إثر اقتحام مناطق الحكم الذاتي منذ أواسط شهر آذار 2002، حيث كان احتجاز هذا العدد الكبير من المحكومين إدارياً بغرض:

§ إرضاء الشارع الإسرائيلي وإقناعه بجدوى الحملة العسكرية ضد الفلسطينيين ونجاح خطة السور الواقي.

§ اتخاذ المعتقلين وسيلة ضغط وورقة رابحة بيد الحكومة تستخدمها عند بدء أي مفاوضات مع الجانب الفلسطيني.

الاعتقال الإداري .. كيف

ينفذ الإعتقال الإداري بأمر من قائد المنطقة العسكري التي يتبع لها الأسير، وصيغته كما يلي:

"بصفتي قائد منطقة ... أصدر أمر اعتقال إداري بحق ... رقم هوية ... المولود سنة ... مكان الإقامة ... لكونه نشيط ... ويشكل خطرا على أمن المنطقة، وبهذا يتم اعتقاله إدارياً في سجن ... من يوم ... حتى يوم ..."

صيغه جاهزة بحاجه إلى تعبئة الفراغات، هي التي يُعذب من خلالها الأسرى الإداريون. بموجب هذه الورقة وهذه الكلمات، يتم تحويل النشطاء الفلسطينيين إلى الاعتقال الاداري لينضموا إلى عشرات الآلاف من المعتقلين الذين رزحوا تحت نير هذا الإجراء الإحتلالي الظالم .

الإعتقال الإداري غول يطارد الفلسطينيين

وسيف مسلط على رقاب المتعلمين

أصحاب الورقة المذكورة أو من وضعت أسماؤهم في مثل هذه الفراغات يشكلون الطبقة المثقفة والناشطة من أبناء الشعب الفلسطيني، فالاعتقال الإداري يحوي بين جنباته خيرة أبناء الشعب الفلسطيني وأشخاص أمضوا زهرات شبابهم في سجون الاحتلال وأعيد اعتقالهم بموجب هذه الورقة خوفا وتحسبا منمشاركتهم بنشاطات سياسية .

ويكون الأمر أكثر استغرابا وأصعب إذا ما علمنا أن هناك 3101 أمر اعتقال إداري ما بين اعتقال جديد وتمديد اعتقال صدرت خلال العام الماضي 2007، الأمر الذي يوضح مدى الخطورة ومدى الهجمة الشرسة التي تشنها قوات الاحتلال ضد الأسرى الفلسطينيين من خلال هذا الغول المسمى الاعتقالالإداري .

3101 قرار اعتقال إداري مع تجديد اعتقال هي التي صدرت خلال عام، رقم تقشعر له الأبدان وتتكسر له القلوب، وخاصة قلوب من يعرفون مدى صعوبة هذا الاعتقال ومدى الضغط النفسي العصبي التي يعانيه الأسير وعائلته جراء هذا القرار التعسفي.

وتتم محاكمة الأسير في محكمة عسكرية إسرائيلية وفي مكان مغلق، ولا يسمح لأفراد من العائلة بحضور حيثيات المحكمة، فقط يحضر المحامي والمعتقل والقاضي والمدعي العسكري، وممثلو المخابرات في بعض الأحيان، مما يشكل حرماناً للمعتقل من حقه في الحصول على محاكمة علنية حيث تكفل المادة 14(1) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية "الحق في المحاكمة العلنية".

جلسة محاكمة إدارية

في إحدى هذه المحاكم وقف أحد المعتقلين يصغي لمداولات محكمة الاستئناف التي قدم لها اعتراضاً بسبب اعتقاله إدارياً، فبدأت تلك المداولات وانتهت خلال دقائق معدودة بين محامي الدفاع والادعاء العام الذي يمثل جهاز الأمن العام الإسرائيلي "الشاباك"، فيما كان قاضي المحكمة يراقب السجال الدائر منعلى منصة شهدت آلاف المحاكمات العسكرية بحق المعتقلين الفلسطينيين وكانت المرافعه كالتالي :

حيثيات الجلسة

المحكمة توضح للمعتقل انه صدر بحقه أمر اعتقال إداري من تاريخ: 26/8/2007 حتى 25/2/2008

المعتقل: يمثلني المحامي فارس أبو حسن

النيابة: اطلب المصادقة على أمر الاعتقال والفترة المذكورة فيه، وهو قائم على أساس معلومات إستخبارية، سأقوم بتقديمها بوجود طرف واحد من أجل عدم المس بمصادر المعلومات .

المحامي: موكلي معتقل منذ تاريخ: 2/8/2007، لم يتم احتساب الأيام الأولى من إعتقاله في قرار الإداري وهي 24 يوم. يعمل موكلي كمدير لجمعية نفحة للدفاع عن الأسرى والإنسان في نابلس، وتم الإفراج عنه من اعتقال سابق في العام 2002 .

النيابة: المعتقل ذكر انه يعمل في جمعية وليس في حماس، والمادة السرية تنسب له نشاطات تنظيمية في إطار حماس، والمادة هي جديدة في فترة قبل اعتقاله .

المحامي: هل النشاطات لها علاقة بعمله؟

النيابة : من بينها ولكن ليس كلها .

م: هل له شركاء؟

ن: نعم

م: هل هم معتقلون؟

ن: لا مؤشرات

م: متى تم تنفيذ النشاطات؟

ن: حديثاً

المحامي يعقب: لا توجد هناك حاجة للإسهاب في الأسئلة ولكن من الواضح انه أحيانا تحدث بعض الأخطاء، موكلي يعمل بحسب القانون ويعمل مع السلطة الفلسطينية، ويساعد الأسرى في التمثيل وله علاقات مع عائلات الأسرى وكذلك مع الأسرى في السجون، وهو يعمل في جمعية حقوق إنسان وقد تلقىدعوات للمحاضرة في عدة دول. موكلي يعاني من حصى في الكلى ومرض جلدي، ولا يوجد أي خطر منه على أمن المنطقة، أطلب إبطال الأمر أو تقليصه بصورة جوهرية.

المعتقل: أنا اعمل بحسب القانون وأحترم القانون وأنا أفهم القانون كما يجب، وأنا افهم عمل المحامين وعملي كان في مجال حقوق الإنسان وهذا فخر لي وأنا لم افعل شيء يستحق الاعتقال.

قرار القاضي

وُضعت أمامي معلومات إستخبارية جديدة ونوعية تدلل على خشية أكيدة على أمن المنطقة إذا تم الإفراج عن المعتقل، وكذلك عن ضلوع المعتقل في نشاطات جديدة مساندة للإرهاب في إطار تنظيم حماس والتي تشكل خطر على أمن المنطقة وأمن الجمهور .

واعتقد أن فترة أربعة أشهر هي كافية لإبعاد الخطر عن المنطقة، لذلك أقلص له أمر الاعتقال على أن ينتهي بتاريخ 25/2/2008 وأؤكد هنا أن هذا التقليص جاء من اجل فحص ملفه مرة أخرى ولا يعتبر تقليص جوهري، ولذلك أصادق على أمر الاعتقال والفترة المذكورة.

نعم خلال دقائق معدودة وتحت ذريعة وجود ملف سري لونه أحمر لا يعلم محتواه إلا المدعي العام؛ قد يكون نسجه من وحي الخيال، يُحكم على أسير أن يمضي الأشهر والسنبن في الاعتقال الإداري بعيداً عن زوجته وأولاده، وقد يموت خلال هذه الفترة والديه ولا يسمح له أن يلقي عليهم نظرة وداع، أويموت هو نفسه كما حدث مع الأسير جمال السراحين الذي توفي في معتقل النقب الصحراوي بتاريخ 16/1/2007 نتيجة الإهمال الطبي .

يتم التحويل للاعتقال الإداري من دون أسباب ولا تُهم، ربما لأنك من مواطني الأرض المحتلة، أو لأنه قد سبق أن اعتقلت أو لحصولك على شهادة عليا، وسلطات الإحتلال لا تلزم نفسها بتقديم ذرائع واضحة للاعتقال. هذا يدل على عدم نزاهة هذه المحاكم، فهي لا تعدو أكثر من إجراء إداري روتيني، علىصيغة شعائر أو طقوس معتادة، الهدف منها تخفيف حالة الاحتقان لدى المعتقلين الإداريين، وإيجاد متنفساً لهم يأملون من خلاله تقليص فترة الاعتقال أو انتزاع أمر بالإفراج. وكذلك الأمر بالنسبة إلى الإجراءات المتبعة في مناقشة استئنافات المعتقلين، فهي على هذه الشاكلة من السرية، وهي تشكل كذلك طعناًآخر في نزاهة المحاكمة وفي سير إجراءات العملية القضائية، وبالتالي قانونية أوامر الاعتقال الإداري بشكل عام.

الملف السري أو "الملف الأحمر"

موضوع "الملف السري" هو سبب يتخذه الادعاء العام الإسرائيلي وجهاز الأمن العام "الشاباك"؛ من أجل تبرير الاعتقال الإداري أو من أجل تكرار تمديده للمعتقل مرات أخرى، وكذلك لوضع هذه الكارثة " أمر الاعتقال الإداري" ضمن إطار قانوني وإعطائها غطاءً قضائياً من قبل المحاكم العسكريةالإسرائيلية عموماً، ومحكمة العدل العليا بعد لجوء المعتقل إليها إثر تمديد اعتقاله الإداري مرات عديدة بدون كشف المادة السرية.

يلجأ المعتقل إلى هذه المحكمة لتفك له طلاسم "ملفه السري"، وقد تقرر سلطات الإحتلال والمحكمة العليا عدم جواز كشف الملف السري حفاظاً على سلامة مصادر المعلومات التي يحتوي عليها، في إشارة (للمتعاونين مع الإحتلال)، أو لأن ذلك قد يكشف أسلوب الحصول على هذه المواد، وقد أقرت المحكمةالعليا الإسرائيلية في حالات عدة جواز إمكانية عدم كشف هذه البيانات، ما يُعد انتهاكاً لحق المعتقل الإداري في إبلاغه بسبب تجديد إعتقاله فمن حق كل شخص أن يبلغ بسبب وجوده في السجن .

في السابق كانت المحكمة العسكرية تقوم باستدعاء النيابة العامة أو مندوب المخابرات الإسرائيلية، للبحث في كل ملف ومن أجل عرض البيانات السرية بالتفصيل أمام القاضي، وقد تم التنازل حتى عن هذا الإجراء بعد اندلاع إنتفاضة الأقصى عام 2000، ويرجع قرار إستدعاء ممثل المخابرات من عدمهاليوم للقاضي، وهذا يعني أنه في الغالبية المطلقة من الحالات، يقوم القاضي بالإطلاع على ملخص البيانات ضد المعتقل وليس كافة المواد السرية، ولا تتاح له الفرصة لمناقشة رجل المخابرات في كيفية حصوله على المعلومات، وكيفية فحصها للتأكد من صحتها.

"الملف اللعين" كما يتعارف الأسرى الفلسطينيون على تسميته، يعرف في بعض الاحيان من خلال لونه، حيث يعمد جهاز "الشاباك" إلى تغليفه بإطار أحمر، دلاله على أن صاحبه من "النوع الخطير". وبين طيات هذا الملف، يقوم "الشاباك" بتجميع مادته الإستخباراتيه عن المعتقل، والتي تتألف في غالبيتهامن تقارير متعاونين يعملون لحساب جهاز المخابرات الاسرائييلة، وهذه التقارير "السريه" تفيد بضلوع المعتقل بنشاطات معادية ومخلة بالأمن الإسرائيلي العام، ومن المهازل التي كانت وما زالت تحدث في هذه المحاكم، أن أشخاصاً عاديين جداً (ناشطين في العمل الخيري مثلاً)، توجه لهم تهم كبيره جداً،يخال المرء حين يسمعها أنهم لن يخرجوا طوال أعمارهم من السجون، وقد يصابون بالإحباط الشديد لهول ما يتهمون به، من كونهم نشطاء في الجناح العسكري لهذه الحركة أو تلك، وأن لديهم معلومات تفيد بأنهم خطيرين على أمن المنطقة، ليُفاجؤوا بالإفراج عنهم بعد انتهاء مدد محكومياتهم.

الجانب القانوني

لقد ورث الإحتلال الإسرائيلي سياسة الإعتقال الإداري عن سلطات الإنتداب البريطاني التي فرضت حالة الطوارئ على فلسطين في عام 1945، مع أن التنفيذ الفعلي لهذه السياسة حسب كثير من المصادر كان عام 1936، مع انطلاق ثورة الشعبالفلسطيني بقيادة الشيخ عز الدين القسَّام والإضراب الكبير الذي شهدته فلسطين آنذاك. وتستند سلطات الإحتلال في فرض إجراءات الاعتقال الإداري إلى المادتين (108) و(111) من أنظمة الدفاع لحالة الطوارئ تلك.

وقد أصدرت السلطات الإسرائيلية عدة أوامر عسكرية لا تمانع إعتقال الفلسطينيين لفترات متفاوتة قابلة للتمديد، وقد سُمح بتوسيع نطاق الحالات والظروف التي تستدعي الاعتقال الإداري، ليدخل في إطار ذلك نشطاء العمل النقابي والطلابي والسياسيوالمجتمعي، أو أولئك الذين يتفوهون بكلام ممنوع، أو وجهات نظر تخص قضايا معينة.

تُلزم النيابة العسكرية بإحضار المعتقل للمحكمة -الرقابة القضائية- خلال مدة ثمانية أيام من تاريخ إعطاء الأسير أمر الاعتقال الإداري، وبخلاف ذلك يتم الإفراج عنه فوراً أمام القاضي -الرقابة القضائية- أي في حالة حضور المعتقل للمحكمة في اليوم التاسعمثلاً.

في حال إحضار المعتقل خلال المدة القانونية - حسب ادعاء السلطات - يتم تشخيصه من قبل القاضي، ويوضح له أنه صدر بحقه أمر اعتقال إداري لمدة معينة؛ 6 شهور أو 4 وما إلى ذلك، وتقوم النيابة بدورها بأن تنسب للمعتقل مواد سرية خطيرة، كدعمالإرهاب أو نشاط عسكري في إطار تنظيم معين، على أساسها تم اعتقال الأسير وتحويله للاعتقال الإداري حتى يتم منع خطورته المستقبلية.

القاضي هو المدعي العام

القاضي العسكري والمدعي العام او النائب العام هم وجهان لعملة واحده، ووجودهما يشكل محاوله لتصوير الإحتلال الإسرائيلي بأنه سلطة قانون ونظام، فحسب "القانون"؛ يجب أن يعرض المعتقل أمام قاض عسكري وفي محكمة عسكريه خلال ثمانية أياممن اعتقاله، وقد يكون نفس القاضي شغل هذا المنصب بعد أن كان قبل أسبوع من تاريخه، هو ذاته مدعي عام يقف أمام المعتقل الفلسطيني ويلوح له بالملف السري.

وهما ذاتهما القاضي والنائب العام كانوا قبل فتره وجيزة يخدمون في جيش الإحتلال الإسرائيلي ويشاركون في ممارسات تنكيلية تقوم بها دولة الإحتلال منذ ستين عاماً بحق الشعب الفلسطيني، ومن دون أن يخلع أحدهما بدلته العسكرية، ليصبح قاضي منالمفترض أن ينظر بعين الرحمه لشخص لا تهمه حقيقية عليه ولا جرم ارتكبه.

حكم المزاج

تختلف طريقة فرض الاعتقال الإداري من أسير إلى آخر، ومن منطقة إلى أخرى، وتتفاوت الأحكام كذلك، تبعاً لمزاج قائد المنطقة التي ينتمي إليها الأسير، في مرات يتم إصدار أوامر الإعتقال الإداري حال تنفيذ إعتقال الأشخاص والزج بهم في غياهبالسجون، دون إخضاعهم للتحقيق أو الإستجواب، وكما يتندر الأسرى الفلسطينيون على ذلك ويقولون "من الفرشه للإداري"، وقد حدث هذا مع العديد من الأسرى نذكر منهم: الأسير فازع صوافطه، الأسير فتحي الحايك، الأسير تيسير عمران، الأسير وليدخالد والأسير صالح العاروري.

وفي مرات أخرى، يتم إصدار أمر الإعتقال الإداري بعد أن يحقق مع الأسير لفترة طويلة، قد تتجاوز الثلاثة شهور، كما حدث مع الأسرى سعد عامر ومازن النتشه وباجس نخله. وفي بعض الحالات يُحول الأسرى الذين كانوا محكومين على قضايا سابقةبعد انتهاء محكومياتهم؛ والتي قد تكون قد امتدت لسنوات عدة، إلى الإعتقال الإداري كما حدث مع الأسير شكري الخواجا، والذي حُول للإعتقال الإداري بعد أن أنهى سبع سنوات في السجن، ليمكث فيه ثلاثة سنوات أخرى، وكذلك الأمر مع جمال الطويلرئيس بلدية البيره الذي حول للإعتقال الإداري بعد أن أنهى ثلاث سنوات في السجن ليقضي فيه 42 شهر متواصلة، والأمر لم يختلف مع الأسير سائد ياسين الذي حول للإعتقال الإداري بعد انتهاء محكوميته.

صور من معاناة الأسرى الإداريين

× طريقة لنزع الاعتراف

يزج أحيانا بالأسير الفلسطيني في أقبية التحقيق وتوجه له العديد من التهم، وإذا لم يقدم إقرارا بما تدعيه المخابرات الإسرائيلية، فمن بين الاحتمالات التي تواجهه في هذه الحالة هو تلقي بلاغ الاعتقال الإداري، ويقال له أنه سيمضي سنوات طويلة في المعتقلدون محاكمة وأنه قد يمكث ضعف المدة التي قد يُحكم بها في حالة تقديمه للاعتراف. يمارس الادعاء العام بقية دور المحقق عند كل تمديد، حيث يساوم المعتقل إما أن يعترف ويقر ببعض التهم أو يُجدد له الاعتقال الإداري إلى ما لا نهاية. وقد شهدت حقبةالتسعينيات، العديد من الشواهد والأمثلة على هذا الابتزاز القاتل للأحاسيس الإنسانية.

× تمديدات متوالية

لم يعد الأمر يتوقف عند قرار الاعتقال الأول، فقد يتم التمديد لمرة أو مرتين أو لما يزيد عن عشر مرات، فهناك من أمضى أكثر من 5 سنوات عبر تمديدات متكررة، ومن الأمثلة على ذلك: الأسرى احمد قطامش، عبدالعليم دعنة، رائد قادري، وليد خالد،عبدالعزيز الرنتيسي، مجدي شروف، صالح العاروري. وأما من أمضى ثلاث سنوات وسنتين فالقائمة تضم العشرات من أسمائهم.

× الباب الدوار أو تصفير العداد من جديد

يعاني الأسرى في هذه الحالات من التمديدات العديدة، وبعد أن يستنفذ الإدعاء كل الذرائع الواهية للإعتقال، يتم الإفراج عن الأسير الإداري ليقضي خارج السجن فترة قصيرة لا تتجاوز الأسابيع أحيانا، بل هناك من أعيد إلى المعتقل في نفس اليوم، وقداعتقل بمجرد وصوله إلى اقرب حاجز عسكري إسرائيلي بعد إخلاء سبيله، وقبل أن يصل إلى منزله، كالأسير عبد الهادي طه.

أحيانا ُيفرج عن الأسير ليأتيه ضابط المخابرات بعد أيام، فيقول له: الإجازة انتهت، هذا ما حدث مع كل من صالح العاروري ووليد خالد، الذين أمضيا 5 أعوام رهن الاعتقال الإداري، وأُفرج عنهما ليعاد اعتقالهما مره أخرى بعد شهور قليله من الإفراجعنهما. ويتندر بعض الأسرى فيقولون: أُفرج عن فلان ستة أشهر إداري ثم عاد إلى السجن، فأصبح الإفراج هو الإقرار الإداري أما السجن فقد أصبح واقعاً مفروضاً في حياة الكثيرين.

× ضغط نفسي

هذا الشكل من الاعتقال يمثل ضغطاً نفسياً على الأسرى وذويهم، فعندما يمكث الأسير في السجن ولا يعلم تاريخ الإفراج الحقيقي عنه، بل زيادة في التنكيل به يُعطى تواريخ وهمية للإفراج عنه، بعد ثلاثة أشهر أو ستة أشهر مثلاُ؛ ليبقى الأسير وأسرته فيحالة ترقبٍ حذر وشد أعصاب، فإذا ما جاءت اللحظة الحاسمة وقبل الإفراج المفترض بدقائق، يأتي الخبر الصاعق لتمديد مدة الإعتقال لأربعة أو خمسة أشهر جديدة. ساعتئذ يشعر الأسير بكل معاني اليأس وتتحطم أحلام الزوجة وأشواق الأطفال وتنهمردموع الأم والشقيقات.

× صورية المحاكم الإدارية

وفي محاولة خادعة لتخريج أسلوب الإعتقال الإداري بصورة قانونية، تُعقد ما تسمى بالمحاكمة؛ والتي هي في الحقيقة مسرحية درامية، بل أُكذوبة تقتل المشاعر وتقضي على الأمل بتحقق النزاهة، فهي المحاكمة التي يُمنع الأهل من حضورها أولاً، ولاتوجه فيها تهمة واضحة، بل كل ما يلقي به الادعاء هي الكلمة السحرية التي لا يملك المحامي أمامها حيلة، وهي (الملف سري)، فلا يدري الأسير على ماذا يُحاكم، ولا يدري المحامي عن ماذا يترافع.

وأول هذه المحاكم ما يُسمى محكمة التثبيت؛ والتي تدل من إسمها على هدفها، فبمجرد أن يتلقى الأسير قرار الإعتقال الإداري يُعرض على هذه المحكمة، لتقرر الإفراج عنه أو تثبت الحكم عليه، ولكن بما أن إسمها تثبيت يصبح الأمر واضحاً ولكن بحاجةإلى بعض الطلاء، فيقوم القاضي بتخفيض المدة شهراً أو شهرين، ليُقال أن العمل أُنجز عن طريق القانون والفضاء. ولكن ما قيمة التخفيض إذا كان التمديد التالي جاهزاً في كثير من الأحيان.

ومن فصول هذه المسرحية ما يسمى بمحكمة الاستئناف، والتي تكون بعد التثبيت، ولكن سلاح الملف السري مازال فتاكاً وناجعاً، وأفضل القضاة من يطلب تسلم الملف السري لدراسته لعدة أيام، وأحياناً لما يقارب الشهر أو الشهرين، ثم تكون النتيجة رفضالاستئناف الذي تقدم به الأسير.

والفصل الأكبر هنا ما يسمى بمحكمة العدل العليا أو لنقل محكمة الظلم العليا؛ والتي إذا ما صدر عنها رفض لمطالب الأسير، أصبح ذلك ذريعة لتمديد الإعتقال الإداري عدة مرات، بحجة انه رُفض بالعليا، لذلك يتم التلويح بالرفض مسبقاً، ليُجبر الأسيرمخافة ذلك على سحب الملف والتراجع عن الترافع أمام المحكمة، باستثناء حالات نادرة جداً أُفرج فيها عن أسرى بقرارات صادرة عن هذه المحكمة.

× التقصير الجوهري والمادة الجديدة

وهو أن يُعرض على الأسير ما يسمى بالتقصير الجوهري وعدم التمديد، وخصوصاً أمام محاكم الاستئناف أو ما يسمى بالعليا، وبعد تعليق الآمال وفرحة الأهل العظيمة وترقب إنهاء الأيام المتبقية من مدة الحكم الإداري، يأتي خبر التمديد الصاعق بحجة أنهناك مواد جديدة حصلت عليها المخابرات، تدين المتهم وتقضي بتمديد الحكم بحقه، وبالطبع الملف سري للغاية كما تدعي السلطات؟!

× من القضية إلى الإداري ومن الإداري إلى القضية

الأسير شكري الخواجة يمضي حكمه في الأسر ثماني سنوات ونصف، وبعد الفراغ من كافة التجهيزات لاستقباله من قبل ذويه من السجن، يتم تحويله إلى الاعتقال الإداري، ليمضي 18 شهراً إضافية على الحكم السابق، ولا يدري أحد ما التهمة التي حوكمعليها من جديد؟ وهو من انقطع نشاطه قبل ثماني سنوات.

الأسير صالح العاروري؛ يقول له قاضي محكمه إسرائيلية: "عليك ان تصلي لدوله إسرائيل التي أبقت عليك حياً حتى هذه اللحظة". ينهي العاروري حكماً امتد خمس سنوات، ليُحول بعدها ظلماً إلى الإعتقال الإداري. ثم يحول ثانية إلى المحاكمة والقضية منجديد، ثم ينهي حكمه فيُحول إلى الاعتقال الإداري حتى يمضي ما مجموعه 15 عاماً فيفرج عنه في 11/3/2007، ويُعاد اعتقاله بعد ثلاثة أشهر فقط من الإفراج عنه في 26/6/2007 ليصدر بحقه حكماً إدارياً مدته 6 شهور، وأخيراً بعد انتهاء هذا الحكميجدد له الإعتقال الإداري بتاريخ 22/12/2007 لمدة ستة شهور أخرى.

بمعنى آخر: لا أحد من الأسرى الإداريين يُضمن تاريخ إفراجه، وكذلك الأسير المحكوم بقضية واضحة البنود ومحددة المدة، يظل عرضة للتحويل للاعتقال الإداري ولا حاجة إلى التبرير أو الاستيضاح فهناك سلاح فتاك اسمه ملف سري.

× من المُر إلى الأمر

بعد سنوات طويلة من الاعتقال الإداري ووتيرة التمديد وقتل مشاعر الأمل عند الأهل والأحباب، تأتي المساومة على الإبعاد، فإما أن تمكث في السجن إلى ما لا يعلم مدته إلا الله، أو تغادر بلادك ووطنك؟ الأمر الذي دفع بالغالبية العظمى ممن سووموا علىذلك، إلى اختيار مكابدة ظلام السجن بدلاً من معاناة ألم النفي والإبعاد عن ارض الوطن.

× الاعتقال الإداري قتل للنفس وتعطيل لنمو المجتمع

كما أن هذا الأسلوب يتفنن في تعذيب الفرد والنيل من روحه ومعنوياته، فهو يركز أيضاً على تعطيل نمو المجتمع، خاصة إذا علمنا أنه يستهدف في الغالبية العظمى النخب الاجتماعية، كرجال السياسة وأعضاء المجلس التشريعي وناشطي العمل الاجتماعي،والعلماء والأكاديميين، وصولاً إلى أعضاء مجالس البلديات والنوادي والهيئات المحلية، إلى طلاب الجامعات ومعلمي المدارس والأطباء والمهندسين، وغيرهم. فالإعتقال الإداري أسلوب يهدف إلى شل إمكانيات نمو المجتمع، عبر حرمانه من الكفاءاتوالنخب التي تعتبر لبنة أساسية في حياة الشعوب ونهضتها، وهذا يوضح السبب الحقيقي وراء استهداف هؤلاء.

ظروف احتجاز قاسية

يتعرض الأسرى الإداريون لظروف معيشية صعبة في أماكن احتجازهم، فغالبية المعتقلين الإداريين محجوزين في سجن النقب الصحراوي، وعدد كبير كذلك في سجن عوفر، وآخرون في سجون مجدو ونتسان والقليل معزولون في سجن الرمله. معظمالأسرى يعيشون في خيام مكتظه، لا تقي حر الصيف ولا برد الشتاء، وتقدم لهم وجبات غذائية لا يُراعى فيها الكم ولا النوع، لا يُزودون بكل حاجاتهم من الملابس، محرومون من كثير من الحقوق التي كفلتها الاتفاقيات الدولية؛ والتي نظمت ظروف احتجازالأسرى.

فمن الناحية الصحية يعاني الأسرى من الإهمال الطبي والذي كان آخره وفاة الأسير جمال السراحين في شهر كانون الثاني (يناير) 2007. وتمنع سلطات الإحتلال هؤلاء الأسرى من زيارة ذويهم، علماً أن القانون الإسرائيلي كفل لهم الحق في زيارتين كلشهر، إلا أنهم محرومون من رؤية أبنائهم وزوجاتهم ووالديهم بحجة الأمن.

للاعتقال الإداري ثلاث محاكم الأولى محكمة عوفر العسكرية وتقع بالقرب من مدينة رام الله بجانب المعبر، والثانية محكمة النقب العسكرية وهي تقع بالقرب من سجن النقب الصحراوي، والثالثة هي محكمة العدل العليا ومقرها الرئيسي في مدينة القدس. تجدر الإشارة هنا أن إدارة السجون قد تتعمد أحياناً؛ من أجل زيادة معاناة الأسير، أن تقوم بنقل ملف الأسير لمحكمة تكون بعيدة على مكان إعتقاله.

مثال ذلك: أسير معتقل في سجن النقب الصحراوي، وعند اقتراب موعد محاكمته في النقب، تقوم إدارة السجون بنقل ملفه إلى محكمة عوفر (من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال)، وهذا يسبب الكثير من المعاناة للأسير، ذلك أن الطريق من النقب إلىمحكمة عوفر تستغرق فترة طويلة، حيث يتم نقل الأسرى في باصات سيئة للغاية، تكون مقاعدها من الحديد ويكون الأسير مكبل اليدين والرجلين بداخلها وهي ما تسمى "البوسطة".

معاناة متكررة

لا يمكن لأي من الباحثين مهما بلغت قدرته على الوصف والكتابة، أن يصف سوء الحال النفسي ومدى الضغوطات التي يعانيها الأسير الفلسطيني جراء الاعتقال الإداري وتكرار تمديده، ولا يمكن له أن يصور مدى المعاناة التي تكابدها عائلة الأسير الذييكتنف الغموض مصير ولدها الذي يقع رهين فكي الملف السري وتقارير العملاء من جهه والوضع السياسي العام ومزاج قائد المنطقة من الجهة الأخرى.

فهل لنا أن نتخيل مدى تراجيدية الصورة وضبابيتها، فشخص أسير كوليد خالد إعتقل وحُول للاعتقال الإداري بعد أن خاض تحقيق عسكري عنيف، ومكث رهين هذا النوع من الاعتقال خمس سنوات كاملة، وقبل ذلك يوجد لديه رصيد من الإعتقال بلغ سبعسنوات، أُفرج عنه في أواخر عام 2006 ليعاد إعتقاله في أواسط عام 2007، أي بعد ثماني شهور، ويحول للإعتقال الإداري ويمدد له للمرة الخامسة عشرة في حياته. ليس هذا فحسب، بل على خلاف جميع الأسرى الإداريين يوضع في عزل أيالون فيزنزانة انفرادية.

الأسرى الإداريون هم اسرى يحملون أعلى الدراجات العلمية والمسميات الوظيفية، فمثلا الدكتور عصام الأشقر بروفسور الفيزياء في جامعة النجاح أحد العقليات العلمية، يدفع ضريبة حمله مثل هذا المؤهل، كذلك المهندس وصفي قبها وزير الأسرى السابقيقبع تحت نير هذا السيف المسلط، والشيخ حامد البيتاوي ابن الستين عاماً واحد أبرز علماء فلسطين وعضو المجلس التشريعي المنتخب حكم عليه وأولاده الاثنين بالاعتقال الإداري، واحمد الحاج عضو المجلس التشريعي الذي بلغ من العمر سبعين عاماً مازال قيد الاعتقال الإداري من دون توجيه تهمه له او تبرير لسبب اعتقاله.

ويبدو الوضع العام للاعتقال الإداري في تدهور مستمر، حيث أن عدد الأسرى الإداريين في ازدياد دائم، وهم يمثلون نخبة من المثقفين والأكاديميين من أطباء ومعلمين ومحامين وصحفيين وطلبة جامعات وعلماء، وعدد كبير منهم من المرضى وكبار السنو منهم العشرات من الفتيان دون سن الثامنة عشر.

لم يقف الامر على الرجال من أبناء الشعب الفلسطيني، بل تعداه ليطال النساء كذلك، فالنائبة الدكتور مريم صالح عضو المجلس التشريعي ووزيرة المرأة في الحكومة الفلسطينية العاشرة هي أيضا رهينة هذا الإعتقال، وكذلك الاسيرة عطاف عليان التيمددت أكثر من مره واعتقل زوجها وليد الهودلي وبقي أبنائهم بلا معيل. هؤلاء الأسرى المظلومين يطالبون أصحاب الضمائر في العالم، بمؤسساته الحقوقية وهيئاته القانونية، من أجل تحريرهم ومساعدتهم للخروج من هذا الاعتقال.

شهادة أسير إداري (1) .. معتقل عوفر

د. غسان هرماس، بيت لحم (مؤلف ومحاضر جامعي)

هذا بعض من تجربة الأسير الدكتور غسان هرماس (المحاضر الجامعي) في الإعتقال الإداري، والتي قضاها في سجن عوفر بالقرب من مدينة رام الله عام 2002، نضعها وشهادات لاسرى آخرين في هذا التقرير كشهادات على معاناة الأسرى الإداريينالفلسطينيين، يقول هرماس:

"كان الناس في عوفر أحد ثلاثة: منتظر لوعده فلا يدري أيصار به إلى الإداري ويمنح شهادة الشرف ثلاثة شهور إدارية أو ستة أو يراوح بين المدتين، أو يطلق سراحه فيصير إلى أهله في فرح عظيم بعدما ظن أهله الظنونا إذ لا أخبار ولا أمل، أو يحوّلإلى قضية ومعناه إن أعترافاً لحقه أو هو اعترف على نفسه فهو في انتظار صدور لائحة اتهام ضده يحاكم بناءً عليها".

ويضيف: "غير أنَّ نسبة الإداريين كانت كبيرة وهي خطوة احترازية اتخذها القوم لينجوا من عتب عاتب أو اعتراض معترض، فما دام المرء محبوساً عندهم إدارياً فهو لن يغادر السجن، ولا يستطيع محام إخراجه مهما حاول، لأن سجنه بناء على ملفسري، لا يطلع عليه غير المدعي العام والقاضي، وإذا شارك القاضي المدعي العام الرأي وقضت السياسة بالاعتقال الإداري، فلا حاجة للتردد في تثبيت الحكم الإداري تحت عنوان "أمن إسرائيل"، والمحاكم أقرب إلى المصادقة والموافقة على الحكم منهاإلى البحث والتدقيق والاعتراض والانفراد والاستقلال بالرأي القائم على الأدلة أو الاقتناع، ويحق لأجهزة المخابرات الإسرائيلية أن تحقق معك في أية ساعة شاءتها وتستجوبك وتحيلك للتحقيق في أحد المراكز المشهورة في البلاد، ما دمت تحت قبضتها فيالإداري، فلترح الأجهزة نفسها، ولتسلم كل واحد من المعتقلين كتاب الإداري بيساره انتظاراً لدوره في زحمة الاعتقالات التي طالت الصغير والكبير والرجال والنساء، وأوقعت الارتباك في صفوف الجيش الإسرائيلي وهو ما كان واضحاً في إجراءاتهموترتيباتهم".

ويؤكد هرماس: "لم يكن الإداري هو الذي يخيف، لكنه في عرف المعتقلين ألعن من الحكم في قضية، فالحكم في القضية ينتهي بانتهاء المحكومية ثم الإفراج، وقليل هم الذين حكم عليهم بالإداري بعد انتهاء محكوميتهم، لكن المصيبة الكامنة في الإداري أنهقابل للتمديد، ولربما أبلغوك بالتمديد وأنت تودع رفاقك خارجاً أو على باب السجن أو في الحافلة التي يقلونك بها حتى أقرب حاجز عسكري، وكم من فرح مسرور بالإفراج عنه، انتهت مدة محكوميته الإدارية وإذا بهم يقلبون فرحه غماً وسروره كرباً،ويحولون سعادته كآبة وتعاسة، ليس هو فحسب، بل رفاقه الذين لم يحزنوا لأجله فقط، بل حزنوا لأنفسهم كذلك، فلعل مصيرهم كمصيره وما ألمّ به سيصيبهم، والنار التي أصابه شررها ستحرقهم، ثم هي الانتكاسة عند الأهل الذين عاشوا ينتظرون اليومالموعود والساعة الآزفة، فإذا بآمالهم تتبعثر وتخيب، ويعودوا بالملامة على أنفسهم، فليتهم ما فرحوا، وليتهم ما أملوا، وليتهم ما أخبروا الصغار بموعد عودة والدهم، هناك في ذاك اليوم تتحشرج الصدور وتتلعثم الشفاه وتنحبس الدموع في العيون، كانتالنفس تمنيها بالسقوط فرحاً كماء المطر النافع يأتي سهلاً فتستقبله الأرض فلا يزداد إلا تساقطاً، ولا تزداد الأرض به إلا فرحاً، أما اليوم فالنفس تطلب الدمع سخيناً حارقاً للمصاب الجلل والخطب العظيم فلا يطاوعها، تطلبه فيتهرب منها، اختلطت عليهالأمور أيسقط من فرح أم يهمي حزناً وألماً".

ويختم المحاضر الجامعي شهادته ويقول: "حُق للدمع أن يتحجر في المآقي، وللمشاعر أن تتشنج ولو لدقائق، وأي امرئ لا يبكي لطفل حرموه من أبيه وأبكوه في يوم لقائه، أي صلب يستطيع أن يرى أو يتخيل دموع الطفل تتحدر وهو ينادي بابا .. بابا ... بدي بابا ... هاتوا لي بابا ... ينادي وينادي .

من يقوى على الصمود أمام دموع الأمهات والزوجات الحزينات، من خطفت البسمة عن وجوههن وتعثرت الكلمات على شفاههن وهنّ يواسين الصغار المنتظرين عودة الغائب؟! أحمق من يفعل ذلك، إنه يعرض نفسه لغضب الجبار، ألا يعلم أننا إنما ننصربضعفائنا ونسائنا وشيوخنا؟ هل يخال أن دعوة الأم الحزينة والزوجة المكلومة والأطفال المكسورين لا تفتح لها أبواب السماوات ولا يستمع لها من حرّم الظلم على نفسه وجعله محرماً بين خلقه، ورفعها فوق السحاب وقال لأنصرنك ولو بعد حين!!!

مرارة الألم في الإداري موت في الحياة، وكل تجديد موت، وتحتاج بعد كل موت إلى عملية إحياء، وربما تجهز لها البعض قبل الموت حتى إذا جاء كان يسيراً على النفس. ذاك الإداري الذي لا زال الإحتلال يستخدمه ضد الشعب الفلسطيني في حين تمإلغاؤه في جميع أرجاء المعمورة، فمرحباً بالديمقراطية في بلادنا".

شهادة أسير إداري (2) .. معتقل النقب الصحراوي

مصطفى شارور، الخليل (مؤلف ومدرس جامعي)

كتب الأسير مصطفى شاور (المؤلف والمدرس الجامعي) في شهادته:

"في ليلة اليوم التاسع من الشهر الثاني عشر من العام المنصرم 2004 أبلغت سلطات السجن شاويش القسم بأسماء الاسرى الذين لديهم محاكم استئناف ليوم غد الخميس، كي يكونوا على استعداد للخروج إلى تلك المحاكم في صباح اليوم التالي، وما أنعسعس الليل وصلى القوم الصبح ثم لأذكار ما بعد الصلاة فعلوا، وللنوم مرة أخرى عادوا، ثم على العدد الصباحي المزعج قاموا.

ولما قاربت الساعة التاسعة بدأت المناداة على من لهم محاكم في هذا القسم، فكنت أحد أربعة، خرجنا وللتفتيش الشكلي الجسدي خضعنا، وللقيود في الأرجل امتثلنا، وإلى الباص الممتلئ بأمثالنا صعدنا، فإذا بكل من له محكمة من بقية أقسام السجن العشرةالأخرى سبقونا، فسلمنا على الجميع وعددهم يقارب العشرين، وفي أقل من دقيقة وصلنا لمجمع قاعات المحاكم الموجودة في سجن النقب فأنزلونا إلى الكونتينرات المعدة لاحتجاز المعتقلين، وطلبنا من الجنود الموكل لهم حراستنا في هذه الرحلة الشكلية فرزناإلى مدخنين وغير مدخنين، وكان نصيبنا نحن غير المدخنين الزنزانة الأكبر لكثرة عددنا فدخلناها فوجدناها محتوية على مقعدين قليلي العرض بطول متر تقريبا، وسرير حديدي نقال، والمحزن هو وضع هذا الكونتينر من ناحية النظافة، فرائحته تعبقبرائحة الدخان، فكان أول عمل قام به الشباب تنظيف المكان وإخراج ما فيه من الفضلات وأعقاب سجاير الدخان، وشجعت الجميع على صلاة الضحى طامعين أن نكون من أهل الحديث القدسي الذي يقول فيه المولى عز وجل مخاطبا عبده: "عبدي صل ليفي أول النهار أربع ركعات أكفك بهن هم آخره" .. فاستجاب الأكثر وصليناها ركعتين ركعتين.

وبعد ساعة أو أكثر من وجودنا في هذا الفرن تحت أشعة شمس النقب اللاهب تم استدعاء خمسة دفعة واحدة كدلالة على مهنية هذا المحاكم! فانتقلنا بالجملة إلى كرافان لا يبعد سوى 20 مترا، وهناك وجدنا المحامي أنور أبو عمر محامي الجميع، وبعد دقائقدخل رجل فوق الخمسين من العمر، أجنبي الملامح، غريب السحنة، غربيها، ومع دخوله أُمر الجميع بالقيام وبعد أن يستوي القاضي العسكري هذا المُرصّع بالرتب العديدة جالسا ينطق كلمة أجلسوا بلغتهم "تشفو". فيجلس الجميع ويبدأ المترجم بالمناداة علىأصحاب الملفات واحدا إثر آخر، ومن ينادى عليه يجب أن يقف فيذكر اسمه الرباعي كاملا ومن أي مدينة هو، ولما جاء دوري حيث كنت آخر الخمسة: نودي علي، فوقفت، ولاسمي الكامل نطقت، وإجابة على سؤال من أين أنت؟ قلت: من مدينة أبيالضيفان إبراهيم الخليل عليه السلام، فلم يفهم المترجم ما أعنيه، أو لم يعجبه هذه الفزلكة.

وبدأ القاضي ينطق بلغته، والمترجم، يترجم بسرعة محاولا اللحاق بكلمات القاضي الذي يقول: إن فلاناً قد صدر أمر اعتقال إداري بحقه ولمدة ستة أشهر، ذاكرا اسم القائد العسكري المصدر لهذا الحكم، ويكمل القاضي بأن المذكور تم عرضه على هيئةرقابة قضائية في العشرين من نفس الشهر في محكمة عسكرية في عوفر، ذاكراً إسم القاضي الذي ثبت الحكم الصادر عن القائد العسكري مُضفِيا عليه الصفة القانونية.

وبعد فراغ القاضي من كلامه دافع المحامي ما وسعه الدفاع لكن يصدق على هذا الدفاع المثل العامي: "طبل عند أطرش"، والمضحك المبكي أن المدعي العام في هذه المحكمة يبدو في العمر ولداً، وكلما يُسأل سؤالا من قبل المحامي مثل: هل تعرف ما هوعمل الماثل بيت يديك في المحكمة؟ فتكون الإجابة: لا يوجد عندي في الملف ما يشير إلى ذلك، وعندما سأله المحامي: إذن بناء على ماذا اعتقلتموه؟ يقول: لا علم عندي ولا علم لي. ثم بعد فراغ المحامي يأذن القاضي للمحكوم بأن يضيف ما يحب، فبسملتوحمدت الله ودعوته بتسهيل الأمر، واستهللت كلامي طالبا توضيح الفرق بين الرقابة القضائية التي نظرت في حكم الاعتقال الإداري في معتقل عوفر وبين هذه المحكمة الآن، فبين لي المحامي بأن الأمر يماثل ما يسمى بمحكمة البداية ثم محكمة تعلوهابدرجة وهي الاستئناف التي نحن فيها الآن.

ثم سألت القاضي قائلا: أنا أطالب بإعطائي أنموذجا من المخالفات التي تزعمون أني ارتكبتها حتى لا أعود إلى الوقوع فيها بعد الإفراج إن شاء الله، فقلت له بأن حجب هذه المخالفات عني يخالف المعقول وقواعد العدل وها أنتم في دولتكم عندما يخالفشرطي المرور سائقا يبين له الحامل على تحرير هذا المخالفة كي لا يعود إلى فعلها أو فعل مثلها، لكن لم نكن نسمع جوابا من هيئة المحكمة: لا من القاضي ولا من المدعي العام.

فأكملت كلامي قائلا للقاضي إن المعتقلين الإداريين الذين يزيد عددهم على الألف يعلمون علم اليقين بعدم قدرة القاضي على تحريك ساكن، أو تسكين متحرك لا تريده المخابرات الصهيونية، وأنا أدعو دولة إسرائيل إلى إلغاء هذه المحاكم الهزلية البعيدة كلالبعد عن المهنية، وأن توفر دولة إسرائيل على نفسها هذه المبالغ المالية الطائلة وتصريفها على تحسين أوضاع الأكل الرديء الذي يقدم للمعتقلين، وكذلك دعوته ليقرأ آيات سورة النساء من الترجمة الإنجليزية أو العبرية ليتعرف على نظام القضاء فيالإسلام، وعدله مع المخالف قبل الموالف، وذلك من الآية الرابعة بعد المائة الأولى إلى الآية الثالثة عشرة بعد المائة.

وكذلك قلت له بأن الاعتقال الإداري سُبة في جبين أية دولة تلجأ إليه وهو لا يوجد إلا في دولتكم ودولة جنوب إفريقيا سابقا، وها هي تلحق بكم أميركا الآن، فزعم القاضي أن هذا اللون من الحكم يوجد في 35 دولة كانجلترا وفرنسا، فقلت له إن هذه الدولكانت تطبقه على مواطني مستعمراتها ظلما وعسفا وخسفا لا إنصافا وعدلا، وذكرته بأن مناحيم بيغن صاحب كتاب التمرد هو الذي ألغى الحكم الإداري لما كان رئيس وزراء في هذه الدولة إذ أطلق سراح المعتقل علي الجمال والذي كان متهما بقتل جنديمن حرس الحدود ويوجد عليه اعتراف واحد، ولم يكن وقتها تقبل المحاكم الإسرائيلية شهادة الواحد للإدانة، فبقي هذا السجين في الاعتقال الإداري سبعاً من السنين حتى جاء بيغن عام ثمانية وسبعين مغليا هذا النوع من الاعتقال متأثرا بكونه أي بيغن محاميا،وسبق أن اعتقل اعتقالا إداريا عند النازيين، ولا يزال ابنه بيني بيغن من أبرز الداعين لإلغاء هذا النوع من الاعتقال.

وبعد كل هذا خرجنا من محكمة قراقوش هذه مستيقنين بشكليتها، وفور رجوعنا، وجدنا قوة الحراسة جاهزة لإعادتنا من حيث جئنا فعدنا مشيا على الأقدام، وتم فتح باب السجن الرئيسي المفضي إلى الأقسام العشرة للإداريين فعدنا من حيث خرجنا لتلتقمناهذه السجون في بطنها إلى الوقت المعلوم الذي قدره الله من قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة مفوضين أمرنا إلى الله، محسنين الظن به، منتظرين الفرج منه، وحده مستذكرين قول المصطفى: انتظار الفرج عبادة."

شهادة أسير إداري (3)

وليد خالد حرب، قرية سكاكا /سلفيت (مدير صحيفة يومية)

صاحب رقم قياسي في الاعتقال الإداري

في السادس من آذار (مارس) الماضي تم تجديد الاعتقال الإداري بحق وليد حرب للمرة السادسة عشرة (16)، وبهذا أصبح صاحب الرقم القياسي في الاعتقالات الادارية، وهو إثنان وسبعون شهراً ونصف، وبواقع 14 عاماً في الأسر.

سلسلة اعتقالات: اعتقل وليد بتاريخ 21/4/1993م ومكث في السجن مدة (15) شهرًا، حيث أفرج عنه بتاريخ20/10/1994، وفي 15/1/1995 اعتقل مرة ثانية، وحول للاعتقال الإداري لمدة خمسة شهور، وفي 21/9/1995، اعتقل للمرة الثالثةوحكم عليه بالسجن لمدة عشر سنوات ولكن أفرج عنه في25/10/2000 حيث استغل المحامي ثغرة في القانون الصهيونيّ لصالحه، وفي 31/7/2001، اعتقل للمرة الرابعة وحول إلى الاعتقال الإداري وأفرج عنه في 18/8/2006 واعتقل في 18/5/2007 وما زال معتقلاً حتى الآن حيث حول إلى الاعتقال الإداري بتاريخ 7/6/2007 لمدة ستة أشهر، ومن ثم جدد له في السادس من آذار 2008 لغاية 26 حزيران المقبل "حتى إنه صدر في حقه قرار بالإبعاد سابقاً إلى غزة ولكن تم تجميدالقرار".

يقول حرب: "أود أن أؤكد أن الاحتلال، وعلى الرغم من كل ما يقوم به من أجل الحد من ثقافة وفكر الشعب الفلسطيني، إلا أنه يقف عاجزاً عند الإرادة الصلبة المشبعة بالإيمان والثقة بالله، فصحيح أنني سجلت للدراسة في كلية الهندسة بجامعة النجاحالوطنية منذ عام 1991، ونحن اليوم في عام 2007، وأنا لم أتخرج حتى الآن.. بالتأكيد لأني لم أقض أكثر من( 21) شهرًا منذ عام 1993 حتى الآن خارج المعتقل، إلا أنني انتسبت ومن داخل المعتقل لإحدى الجامعات الأمريكية في واشنطن، واستطعتبفضل الله الحصول على شهادة البكالوريوس في إدارة الأعمال في عام 2000".

ويضيف: "بعد ثلاثة أشهر من اعتقالي في إحدى المرات، ولدت طفلتي الحبيبة ولاء، ولم يتسن لي رؤيتها، حتى إنها تعلمت نطق "بابا" دون وجودي معها، في البداية كانت ولاء ترفضني، فهي لا تعرفني، ومع مرور الزمن وخلال الزيارات المتعاقبة، بدأتتلاطفني وتتعود عليَّ، وفي آخر زيارة قالت لي: "أنت لا تحبني، في كل مرة تقول إنك ستحضر إلى المنزل، وبعدها لا تحضر، وتتحجج بأن باب السجن مقفل، في المرة القادمة سأحضر مفتاحًا معي وأفتح باب السجن، كي تخرج".

وأكد الأسير حرب " يمكن للدولة أن تظلم وتخرج عن القانون أما أن يشرع الظلم ويصبح قانوناً فهذا ما لم يسمع به أحد وهو ما يحصل بالضبط في الاعتقال الإداري، والاعتقال الإداري قمة الظلم؛ لأن الاحتلال يعتقل المئات بناء على هواجس وتخوفاتوقراءة أحلام، وهذا هو ديدن الاحتلال الغاصب، فمهما حاول أن يشدد من إجراءاته التعسفية يبقى خائفًا متوجسًا شأنه شأن القاتل الذي يبقى يحلم بضحيته مع أنه تخلص منها بالقتل والدفن".

شهادة أسير إداري (4)

وليد الهودلى (مؤلف)

يقول الأسير الكاتب وليد الهودلي عن الاعتقال الإداري:

"هذا الغول الجديد يأتي بصورة عملية ملموسة بعيدا عن أخيلة القصاص ومبالغاته، هذا الغول يأتي فجأة ليمتص رحيق زهر شبابنا، فيقتلعها بكل قسوة، يسفك دم أجمل سنوات العمر دون أية رحمة، يتبلى على العباد فيختلس أجمل لحظات حياتهم، ويزت بهافي كهوفه المعتمة ويسلخهم من حياتهم الجميلة ..، إن هذا الغول المدعو إعتقال إداري، يحمل من العذاب ليس على المعتقل وحده، وإنما على أطفاله وأمه وابيه، وصاحبته وأخيه.

ولم يعد هذا الغول يمارس هوايته على الرجال فحسب وإنما طال النساء، إحدى المرات حاول أن يمس إمرأة كانت قد قضت في السجن عشرة سنوات، ثم بعد أن أطلق سراحها جاء الغول الإداري ليمارس هوايته عليها، أضربت عن الطعام لأربعين يوما،حتى إذا نحلت واقتربت من المفارقة أفرجوا عنها مكرهين، أعاد عليها الكرة بعد عدة سنوات حيث أصبحت أماً، فانقض على الأمومة والطفولة ليجهد عليهم، جدد لها الاعتقال ثلاث مرات، أضربت فأدخلت طفلتها إلى أتونه عنوة عنه، حتى اذا بلغت السنتينانتزعها من أحضانها ولفظ الطفلة خارج السجن، وها هي الأم قد بلغت حبستها قرابة السنتين على همة هذا الغول، إنها هناك في سجن تلموند من لحم ودم ولها اسم: عطاف عليان من بيت لحم.

إن هذا الغول المدعو إعتقال إداري طال أيضاً طبيبة نسائية لأنها تولد نساء فلسطين فتخرج من أرحامهن من يرفض الاحتلال، إنها إنسانة من لحم ودم ولها إسم: الدكتورة رفقة الجعبري من الخليل. الأمثلة كثيرة وقد تجاوزت الآلاف ..، وإليكم هذا المثالالصارخ الذي يندى له جبين الإنسانية جمعاء وتتقطع له قلوب من لهم قلوب تختلف عن هذا الغول الذي لا قلب له، إنه إنسان من لحم ودم وله اسم: أسلان أبو اصدير من الخليل، بعد عشرين شهراً من الاعتقال الاداري الذي تناوب التجديد المريع فيه علىقلب المعتقل عدة مرات، وعلى قلب زوجته ايضاً، والتي لم يكن لها شهر العسل معه سوى عشرة أيام، بعد عشرين شهراً قاتماً سوداء، انقضت كضربات فأس على رأسه، طلبه ضابط المخابرات لاعب السرك الذي يرقص فيه غول الاعتقال الإداري علىقلوبنا، ماذا ترى ضابط المخابرات يريد من المعتقل الذي ذاق الأمرين من الغول العتيد، ذاق منه أولاً ثلاثة سنوات من سنة 93 إلى 96، اعتقالات خارجة عن النص من 96 إلى 99، اعتقال وتحقيق 45 يوما توج بالإداري 4 شهور، في يوم الافراج تمتحويله إلى تحقيق 3 شهور تبعتها حبسه 3 سنوات، افراج دام أربع عشر يوما تبعه إداري 3 شهور، افراج بالخطأ ثم إداري دام 6 شهور، افراج سنة 2003 دام طويلا خمسين يوماً، ختمها بزواج دام طويلاً عشرة أيام، ثم سنتين اعتقال إداري، ثم افراجنهاية عام 2005 دام 3 شهور، ثم إداري ما زال فيه منذ عشرين شهرا و لغاية الآن، ماذا تريد منه الآن يا فنان القهر والعذاب .."

3101 أمر اعتقال إداري وتمديد

عام 2007 الاسوء في تاريخ الاعتقال الإداري

في العام الفائت 2007 قامت سلطات الاحتلال بإصدار الكثير من أوامر الاعتقال الإداري الجديدة أو تمديدها بحق الأسرى، حتى أنها وصلت في نهاية شهر كانون أول (ديسمبر) من العام نفسه إلى (3101) أمر إداري، وهذا الرقم ليس بالقليل فيما تعتبرنسبتة الأعلى منذ عام 1990، ومقارنة مع العام الذي سبقه (2006) كذلك، حيث بلغ العدد 2900 أمراً ادارياً، مما يدل على أن معظم من يتم اعتقالهم يتم تحويلهم للاعتقال الإداري، فالمحققون في جهاز (الشاباك) يقومون بتهديد الأسرى إن لم يعترفوابتحويلهم للاعتقال الإداري، فهو المخرج الوحيد للمحقق في حال فشله مع الأسير أثناء التحقيق معه.

وبناءً على الأرقام المذكورة؛ والتي حصلنا عليها من المحكمة العسكرية الإسرائيلية في سجن عوفر، يعتبر العام المنصرم 2007 من أكثر الأعوام من حيث عدد الأسرى الإداريين والأوامر والتمديدات الإدارية. هذه الأعداد من الأسرى تحتجز في الغالبفي سجون الاحتلال: عوفر، مجدو، رامون والنقب.

في العام 2007 أيضاً وبشكل خاص، قامت سلطات الإحتلال بإعتقال عدداً كبيراً من نواب المجلس التشريعي والوزراء ورؤساء المجالس المحلية والبلدية، وقامت بتحويلهم إلى الإعتقال الإداري، والهدف الذي لا بد من استنتاجه هو تقويض عمل هذهالمجالس وإفشالها، ما يؤكد أن سياسة الإعتقال الإداري هي نافذة الإحتلال للقيام بتعطيل نمو المجتمع الفلسطيني وتطوره.

ومما يدلل على أن الإعتقال الإداري هو وسيلة هامة لسلطات الإحتلال للقيام بما تريد، ما تقوم به النيابة العسكرية؛ في حالة صدور قرار قاضي المحكمة العسكرية بالإفراج عن معتقل، أو في حالة لم يثبت على معتقل تهمة أثناء التحقيق معه، فهي تطلبالإمهال مدة 72 ساعة كحد اقصى قبل تنفيذ قرار القاضي، ليتم إصدار أمر إعتقال إداري له، تماماً مثلما حصل مع النائب حامد البيتاوي والنائب داوود أبو سير، حيث قرر قاضي المحكمة الإفراج عنهما بكفالة مالية، إلا أن النيابة طلبت تأخير تنفيذ القرارمدة 72 ساعة، وفي نهاية المطاف تم تحويلهم للاعتقال الإداري.

1374 أمر اعتقال إداري وتمديد خلال الفترة:

ما بين شهري آب (8/2007) وشباط (2/2008)

تأكيداً لتوسع سلطات الإحتلال الإسرائيلي في فرض الاعتقالات الإدارية على الفلسطينيين، نسوق الإحصائية المتعلقة بالفترة ما بين شهري آب (8/2007) وشباط (2/2008)، والتي ترصد ارتفاعاً ملحوظاً في وتيرة هذا الاعتقال، حتى وصلت الأوامرالجديدة والتمديدات المتعلقة به خلالها إلى 1374 أمراً وكانت أوامر الاعتقالات على النحو التالي:

1- خلال شهر آب 8/20007 كان هناك (201) أمر اعتقال إداري موزعة على المدن سكان المناطق الفلسطينية على النحو التالي:

نابلس: (28) أمر إداري - قلقيلية: (10) أوامر إداري - طولكرم: (8) أوامر إداري - رام الله: (48) أمر إداري - الخليل: (47) أمر إداري- جنين: (17) أمر إداري- بيت لحم: (39) أمر إداري- القدس: (3) أوامر إداري ومن ثم أريحا: أمر إداري واحد.

2- خلال شهر أيلول 9/2008 كان هناك (99) أمر اعتقال إداري موزعة على المدن على النحو التالي:

نابلس: (12) أمر إداري - قلقيلية: (2) أمر إداري - طولكرم: (4) أوامر إداري - رام الله: (23) أمر إداري - الخليل: (25) أمر إداري- جنين: (12) أمر إداري- بيت لحم: (18) أمر إداري- القدس: (2) أمر إداري ومن ثم أريحا: أمر إداري واحد.

3- خلال شهر تشرين الأول 10/2007 كان هناك (252) أمر اعتقال إداري موزعة على المدن على النحو التالي:

نابلس: (50) أمر إداري - قلقيلية: (11) أمر إداري - طولكرم: (14) أمر إداري - رام الله: (41) أمر إداري - الخليل: (72) أمر إداري- جنين: (27) أمر إداري- بيت لحم: (30) أمر إداري- القدس: (6) أمر إداري ومن ثم أريحا: أمر إداري واحد.

4- خلال شهر تشرين الثاني 11/2007 كان هناك (216) أمر اعتقال إداري موزعة على المدن على النحو التالي:

نابلس: (49) أمر إداري - قلقيلية: (16) أمر إداري - طولكرم: (19) أمر إداري - رام الله: (35) أمر إداري - الخليل: (38) أمر إداري- جنين: (30) أمر إداري- بيت لحم: (23) أمر إداري- القدس: (4) أمر إداري ومن ثم أريحا: أمران بالاعتقالالإداري.

5- خلال شهر كانون الأول 12/2007 كان هناك (201) أمر اعتقال إداري موزعة على المدن على النحو التالي:

نابلس: (37) أمر أداري - قلقيلية: (5) أمر إداري - طولكرم (16) أمر إداري - رام الله: (32) أمر إداري - الخليل: (36) أمر إداري- جنين: (27) أمر إداري- بيت لحم: (19) أمر إداري- القدس: (2) أمر إداري.

6- خلال شهر كانون الثاني 1/2008 كان هناك (153) أمر اعتقال إداري موزعة على المدن على النحو التالي:

نابلس: (34) أمر أداري - قلقيلية: (4) أمر إداري - طولكرم: (12) أمر إداري - رام الله: (31) أمر إداري - الخليل: (34) أمر إداري- جنين: (21) أمر إداري- بيت لحم: (14) أمر إداري- القدس: أمر إداري واحد ومن ثم أريحا: أمران بالاعتقالالإداري.

7- خلال شهر شباط 2/2008 كان هناك (252) أمر اعتقال إداري موزعة على المدن على النحو التالي:

نابلس: (41) أمر أداري - قلقيلية: (8) أمر إداري - طولكرم: (15) أمر إداري - رام الله: (39) أمر إداري - الخليل: (81) أمر إداري- جنين: (29) أمر إداري- بيت لحم: (30) أمر إداري- القدس: (8) أوامر إداري ومن ثم أريحا: أمر واحد بالاعتقالالإداري.

وهكذا يصبح مجموع أوامر الاعتقال الإداري خلال السبعة شهور الماضية (1374) أمر اعتقال إداري او تمديد في جميع مدن الضفة الغربية.

Ayman Abu Saleh

أيمن أبو صالح – معسكر دير البلح

قطاع غزة - فلسطين

Phone: +358 44 290 9535

E-Mail: absayman (at) gmail.com

Skype: absayman

Google Talk: absayman