باب
الموصول والصِّلة
الموصولُ أسماءٌ وحروفٌ فالأسماءُ الَّذي والَّتي وفروعُهما ومَنْ ومَا وأي وأمَّا الحروف ف ما وأنَّ الثقيلة والخفيفة
فصل
وإنَّما سُمِّيت هذه موصولات لأنَّها نواقص تتمُّ بما تُوصل به ولذلك بُنيت لأنَّها كبعضِ الكلمة أو كالحرفِ الذي يفتقر إلى جملة
فصل
والغرضُ من الإتيانِ بالذي والتي وصفُ المعارف بالْجُمل إذْ كانت الْجُملُ تفسّرُ بالنكرات وينبغي أن يُتوصَّل إلى وصف المعرفة بالجملة لئلاّ يكون للنكرةِ ما ليس للمعرفة وهذا كجعلهم ذو وصلةً إلى الوصفِ بالأجناس وأي وُصلةً إلى نداء ما فيه الألف واللام فإنْ قيلَ ف مَن وما وأيّ أسماء موصولة ولا يوصف بما قيل عنه جوابان
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 114 ]
أحدهما أنَّ مَنْ وما على حرفين وليسَ لهما في الصفات نظيرٌ بخلاف الذي ولذلك ثُنّي الذي وجُمع دونَ مَنْ وما وأمَّا أيّ فلزمتها الإضافة وحكم الصفةِ أن تستقلّ وتعرّف بالألف واللام والإضافة تمنع من ذلك
والثاني أنَّ مَنْ وما تختصان ف مَنْ لمن يعقلُ وما لِما لا يعقل والذي تصلحُ لهما والأصلُ في الصفة أن تكونَ مشتقَّةً من الفعل والفعلُ لا يختصُّ فالمشتقُّ منه كذلك ف مَنْ ومَا لاختصاصهما أشبها الأعلامَ فلم يوصفُ بهما
فصل
والياءُ واللاَّم في الذي أصْلان وقال الكوفيون الاسمُ الذالُ وحدَه وما عداه زائدٌ
وحجَّةُ الأوَّلين أنَّ الذي اسم ظاهر فلم يكنْ على حرف واحدٍ كسائر الأسماء الظاهرة يدلُّ عليه أنَّ الذالَ لم تستعمل في هذا الاسم وحدَها فلو كانتِ الياءُ واللامُ زائدتين لجاز حذفُهما في هذا الجنس
واحتجَّ الآخرون من وجهين
أحدهما أنَّ الياءَ تسقطُ في التثنية فلو كانت أصلاً لم تسقط وأمَّا اللاّمُ فزيدت ليمكى النطقُ بالذال ساكنةً ولتدخل الألف واللام على متحرك
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 115 ]
والثَّاني ما جاءَ في الشعر من حذف الياء وتسكين الذال كقول الشاعر من - الرجز -
( ... كاللّذْ تزبّى زُبْيةً فاصْطِيدا )
ولا نظيرَ له فيما هو على أكثَر من حرف
والجوابُ أمَّا حذفُ الياء في التثنيةِ فقد أجبنا عنه في باب التثنية وحَذْفُ الياء في الشعر شاذٌّ لا يدلّ على أنَّها زائدة لأنَّه قد حُذف في الشعر كثيرٌ من الأصول كقوله
( ... دَرَسَ الْمَنَا )
و
( ... من وُرْقِ الْحَمِي )
وقد تقدَّم ذكر ذلك
فصل
والألفُ والّلام في الذي زائدتان لا للتعريف لوجهين
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 116 ]
أحدهما أنَّ تعريفَ الذي بالصلة بدليل تعرّف مَنْ وما بها إذْ لا لام فيهما وما يُعرّفُ في موضعٍ بشيءٍ يُعرّف في موضع آخر بذلك الشيء
والثَّاني أنَّ الألفَ واللامَ لو حَصّلا التعريفَ لكان الاسمُ مستعملاً بدونهما نكرةً إذ جميعُ ما تدخلُ عليه لامُ التعريف كذلك فإنْ قيلَ لو كانا زائدتين لجازَ حذْفُهما قيلَ من الزوائد ما يلزمُ كالفاء في قولك خرجتُ فإذا زيد ونحوها
فصل
وإنَّما تعرفتْ هذه الأسماءُ بالصِّلاتِ لأنَّ الصّلاتِ تخصِّصُها لأنَّ الصلةَ جملةٌ من فعل وفاعلٍ أو مبتدأ وخبر وكلاهما خاصّ فَجَرَيا مجرى الصفةِ المخصصة نِهايةَ التخصيص
فإنْ قيلَ كيفَ تُعرِّفُ الجملةَ وهي نكرةٌ ولذلك تفسّر بالنكرة ففيه جوابان
أحدهما أنَّ الجلمةَ التي هي صلةٌ لا تخلو من ضمير هو الموصول في المعنى والضمير
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 117 ]
معرفةٌ فتخصصت الجلمةُ به وكانَ الفعلُ من الجملة يلزمه الفاعلُ وهو معرفةٌ وكذلك المبتدأ وصارت الجملة مع الذي بمنزلةِ وصْفٍ معرَّف بالألف واللاَّم
والثاني أنَّ الجلمة ليستْ نكرةً باعتبارِ نفسها بل تقدَّر باسم نكرة فإذا انضمَّ إليها الذي صارَ في حكم المركَّب فالجلمة كالمفرد النكرة والذي نعتٌ لِما قبلها فحدثَ عند التركيب معنىً لم يكن للمفرد على ما هو المألوف في المركَّبات
فصل
وإنَّما كانت الصلةُ جملةً خبريّةً لأربعةِ أوجه
أحدها أنَّ الغرضَ منها إيضاحُ الموصولِ وغيرُ الخبريّة من الأمر والاستفهام مبهمٌ فلا يحصل الإيضاح
والثاني أنَّ الذي اسمٌ ظاهرٌ والأسماء الظاهرةُ للغيبةِ فلو وُصلت بالأمر والنهي لِلْمُواجه لتناقضا لأنَّ المواجهة خطابٌ وإنْ كانا للغائبِ لزمَ أنْ يكونَ فاعلُهما غير الذي والضمير العائد على الذي هو الذي في المعنى فيتدافعان وكذلك الاستفهام
والثالث أنَّ الذي وصلته مقدّران باسمٍ واحدٍ والاسمُ الواحدُ لا يدلُّ على الأمرِ والنهي والاستفهام مع دلالته على مسمَّى آخر
والرابعُ أنَّ الذي وصلَته يُخْبَرُ عنهما تارةً وبهما أخرى والأمرُ والنهيُ والاستفهامُ لا يصحُّ فيها ذلك فإن قيلَ فما تقول في بيت الفرزدق من - الطويل
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 118 ]
( وإنِّي لَرامٍ نَظْرةً قِبَلَ الَّتي ... لَعلِّي وإنْ شَطَّتْ نَواها أزُورُها )
فجعلَ الصِّلةَ لعلّ قيل هو شادّ وتأويلُه أنَّه حذف القول وتقديره التي أقول لعلّي وما جاء من ذلك فهذا سبيله
فصل
وفي الذي أربعُ لغات الجيدةُ الذي بسكون الياء والثانيةُ حذفُها اجتزاءً بالكسرة عنها والثالثةُ تسكينُ الذَّال على إجراء الوصل مجرى الوقف والرابعةُ تشديد الياء على المبالغة كما زيدت في الصفات كأحمريّ ودوّاريّ
فصل
واللغةُ الجيدةُ في تثنيتها حذفُ الياء لأنَّ الكلمة طالت بالصِّلة وزيادة حروف التثنيةَ فخُفِّتْ بالحذف وقد حُذفت نونُها في الشعر تخفيفاً وأما الجمعُ
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 119 ]
فالجَّيد الذين في كلِّ حال وياء الأصل محذوفة من أجل ياءِ الجمع ومن العرب مَنْ يجعلها في الرفع بالواو وفي الجرِّ والنصبِ بالياءِ وليس ذلك إعراباً بل تشبيهٌ له بالمعْرَب
فصل
والأصلُ في اللاتي أنَّه اسمٌ وضع للجمع ووزنه فاعل مثل الجامل والباقر ويُجمع على اللّواتي على فواعل وأمَّا اللائي فعلى فاعل أيضاً ومن العرب من يحذف منه الياء وهي لام الكلمة
فصل
والأُلى بمعنى الذين كقولك هم الأُلى قالوا كذا أي الذين وذو في لغة طيء تكون بمعنى الذي وتكون في المؤنث والمذكر والواحد وما زاد عليه بلفظ واحدٍ وبالواو في كل حال
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 120 ]
مسألة
اسم الإشارة غيرُ موصول وقال الكوفيون هو موصولٌ
وحُجَّة الأوَّلين أنَّه اسمٌ تامّ بنفسِه يَحْسُن الوقف عليه فلم يكن موصولاً كسائر الأسماء الظاهرة ولذلك يَحْسُنُ أنْ يجمعَ بينه وبين الذي فيقال إنَّ هذا الذي عندنا كريمٌ
واحتجَّ الآخرون بقوله تعالى ( ثمّ أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم ) و ( هَأنْتُم أُولاءِ تحبُّونهم ) وبقول الشاعر من - الطويل -
( عَدَسٌ ما لعبّادٍ عليك إمارةٌ ... نَجَوْتِ وَهذا تَحْمِلينَ طَليقُ )
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 121 ]
والجوابُ عن الآية أنْ ( تقتلون ) و ( تحبُّونهم ) حالٌ وليسَ بصلة وقد استوفيتُ القولَ على ذلك في إعراب القرآن وأمّا البيتُ ففيه ثلاثة أوجه
أحدُها أنَّ طليقاً خبر هذا وتحملين حال من الضمير في طليق والعائد محذوف أي تحملينه
والثَّاني هو خبرٌ بعد خبرٍ
والثالثُ أن يكونَ حالاً والعاملُ فيه معنى الإِشارة
مسألة
الاسمُ الظاهرُ إذا دخلت عليه الألفُ واللام لم يكن موصولاً لما ذكرنا من قبل وقال الكوفيونَ يكون موصولاً واحتجّوا بقول الشاعر من - الطويل -
( لعَمْري لأنْتَ البيتُ أُكرِمُ أهلَه ... وأجْلِسُ في أفيائِه بالأصائلِ )
أي أنت الذي أُكرم وجوابه من وجهين
أحدهما أنّ البيت مبتدأ ثانٍ وأكرم أهله الخبرُ
والثّاني أنه أرادَ البيت الذي أُكرم فحذفَ الذي للضرورة
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 122 ]
مسألة
ماذا تكون على وجهين
أحدهما هما اسمان ف ما استفهام وذا بمعنى الذي فعلى هذا يكون الجواب مرفوعاً كقوله تعالى ( وَيَسْئَلُونَكَ مَاذا يُنْفِقُونَ قُلِ العَفْوَ ) في قراءةِ مَنْ رفع
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 123 ]
والوجه الثاني أن يكون ما وذا اسماً واحداً للاستفهام بمعنى أيُّ شيءٍ فعلى هذا انتصب العفوَ في الآية ويكون موضعُ ماذا نصباً ب ينفقون فإن قيلَ كيفَ جاءت ذا بمعنى الذي هنا قيلَ لَمّا رُكِّبا حدثَ لهما معنىً وحكمٌ لم يكن في الإفراد على ما عُرف في تركيبِ الحروفِ وغيرها وإنَّما كانت مع ما بهذا المعنى لأنَّ ما في الاستفهام في غايةِ الإبهام فأخرجت ذا من التخصيص إلى الإبهام وجذبتْها إلى معناها وأصارتها إلى إبهام الذي فإنْ قيل أفيجوزُ مثلُ ذلك في مَنْ ذا قيلَ لا لأنَّ مَنْ تخصّ مَنْ يعقلُ فليس فيها إبهامُ ما
مسألة
أيُّهم يكون بمعنى الذي فإنْ وُصِلت بجملةٍ كانتْ معربةً اتفاقاً كقولهم لأضربنّ أيَّهم هو أفضل فإنْ وصلتِها بمفردٍ كانت مبنيَّةً عند سيبويه وذهبَ بعضُ البصريين والكوفيون إلى أنّها معربةٌ
وحُجَّة الأوّلين أنَّ الأصلَ في أيّ أنْ تكونَ مبنيةً في الشرط والجزاءِ
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 124 ]
والاستفهام لتضمُّنها معنى الحرف وإذا كانت بمعنى الذي يجبُ أن تُبنى لنقصانِها إلاَّ أنَّ ذلك خُولفَ لِما نذكره في الاستفهام وإذا حُذِف من صِلتِها شيءٌ خالفتْ بقيّةَ أخواتها فازداد نقصانُها ومخالفتُها للأصل فيجبُ أن ترجعَ إلى حقّها من البناء واحتُجَّ بقوله تعالى ( ثُمَّ لَنَنْزِعنَّ من كلِّ شِيعةٍ أيُّهم أشدُّ على الرحمنِ عِتيّاً )
واحتجَّ الآخرونَ بما قال الْجَرْميّ خَرجتُ من البصرة فلم أسمعْ منذُ فارقتُ الخندق إلى مكَّة أحداً يقول لأضربنّ أيُّهم أفضل بالضم بل بنصبها ولأنَّ أيُّهم معربةٌ في غير هذا الموضع فتكون معربةٌ ها هنا قالوا والآيةُ محمولةٌ على غير ما ذكرتم وفي هذه المسألة أقوالٌ قد ذكرناها في إعراب القرآن
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 125 ]
والجوابُ أمَّا حكاية الجَرْمي فيجوزُ أن يكونَ ما سمعه لغةً لبعض العرب فإنَّ سيبويه حكى خلافَها فَيُجمع بين الحكايتين ويُحمل الأمْرُ فيها على لُغتين إلاَّ أنَّ الأقيسَ البناءُ وأمَّا قياسُها عليها في الاستفهام والجزاء فلا يصحُّ لأنَّها هناكَ تامَّةٌ وهي ها هنا ناقصةٌ مخالفةٌ لأخواتها من الموصولات
مسألة
لا بدَّ في الصلة من عائدٍ على الموصول لأنَّ الذي يصلح وصله لكلّ جملة والجملةُ في نفسها تامّة فلا تصير الجملةُ تماماً ل الذي وكالجزء منه إلاَّ بالضمير الرابِطِ لأحدهما بالآخر كما في الجملة التي هي خبر المبتدأ
فصل
ويجوزُ حذفُ العائِد المنصوب كقولِه تعالى ( أهذا الذي بَعثَ اللهُ )
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 126 ]
لأنَّ الاسمَ طالَ لاجتماعِه من أربعة أشياء الذي والفعل والفاعل والمفعول ولا يجوزُ حذفُ المرفوع لأنَّه فاعلٌ والفاعلُ لا يُحذف ولا المجرورُ لأنَّه كجزءٍ من الجارّ ولذلك لم يكن إلاَّ متَّصلاً وقد جاء حذفُ المجرور أيضاً قليلاً إذا كانَ الفعلُ موجوداً وطريقُه أنَّه يعدِّي الفعلَ بنفسه بعد حذفِ الحرفِ ثم يَحْذِفُ الضميرَ وذلك كقوله تعالى ( فاصْدَعْ بِما تُؤمَرُ ) أي به ثمّ حُذفتِ الباء فبقي بما تُؤْمَرُه ثم حذفتِ الهاء هذا إنْ جعلتَ ما بمعنى الذي أو موصوفةً وإنْ جعلتَها مصدريَّةً لم تحتجْ إلى تقدير ضمير ومنهم مَنْ يحذفُ الجارَّ والمجرورَ دفعةً واحدة
فصل
وأمَّا أنَّ الثقيلةُ المفتوحةُ وأنْ الناصبةُ للفعل فهما موصولتان وهما حرفانِ بلا خِلاف فأمَّا ما المصدريّة فموصولةٌ أيضاً وهي حرفٌ وقال الأخفشُ هي اسمٌ
وحجّةُ الأوَّلين أنه لا يعود إليها ضمير ولو كانت اسماً لاحتاجت إليه
واحتجّ الآخرون بأنَّها موصولةً غيرُ عاملةٍ فكانت اسماً كأمثالها من الموصولات
والجوابُ أنَّ الاسميَّةَ لا تثبتُ من حيثُ كانت موصولةً غيرَ عاملة فإنَّ ذلك
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 127 ]
ليس من حدَّ الأسماء ولا علاماتها لأنَّ كونَها موصولةً يخرِجُها عن حكمِ الأسماء إذْ من حكم الأسْماء التَّمام وكونها لا تعم حكمُ أكثر الحروف فعُلمَ أنَّ الاسمية تثبت بدليلٍ غير هذا وقد ذكرنا ما يصلح أن يكون دليلاً على حرفيتها
مسألة
الألفُ واللاّمُ بمعنى الَّذي اسمٌ وحُكِيَ عن الأخفش أنها حرفٌ
وحجّةُ الأولين احتياجُها إلى عَوْدِ الضمير إليها على ما سبق
واحتج الآخرون بأنَّها تفيدُ التعريفَ فكانت حرفاً كحالها إذا دخلت على الأسماءِ المحضةِ وسببُ ذلك أنَّ الاسمَ الموصولَ تعرِّفه صلتُه والألفُ واللاّمُ يُعرِّفان ما يدخلان عليه
والجوابُ أنَّ الألفَ والّلامَ ليستْ للتعريفِ هنا بل هي ك الَّذي والفرقُ بينهما وبينَ اللاّم المعرَّفة أنَّ حرفَ الجرِّ إذا وقعَ قبل الموصول لم يتعلَّق بالصِّلةِ كقوله تعالى ( وكَانُوا فيهِ من الزَّاهدينَ ) وإنْ جعلتَ الألفَ واللامَ للتعريفِ جازَ أن يتعلَّق الجارَ بما دخلت عليه إذا صلح للعمل
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 128 ]
فصل
ولا يتقدَّمُ شيءٌ من الصِّلةِ على الموصول لأنَّ الصلةَ كَجُزْء من الاسم وتقديمُ بعض أجزاء الاسم على بعضٍ ممتنع وذلك قولك سرّني ما صنعتَ اليومَ إنْ نصبتَ اليومَ سرّني جازَ تقديمُه وتأخيره وإنْ جعلْتَه ظرفاً ل صنعت لم يجزْ تقديمُه بحال وللعلّة التي ذكرنا لم يجز إيقاع الأجنبيّ بين الموصول والصلة ولا إيقاع الصفة والبدل والعطف قبل تمام الصلة كقولك عجبت من الضاربين إخوتك الظريفين وزيدٍ ونحو ذلك فلو قدمتَ هذه الاشياءَ على إخوتِك لم يجزْ فإن قلتَ من الضاربين أجمعون إخوتك فجعلت أجمعين تأكيداً للضميرِ في الضاربين جازَ لأنه لا فصلَ فيه إذْ كان تابعاً لمعمول الموصول
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 129 ]
باب الاستفهام
الاستفهامُ طلبُ الإفهام والإفهام تحصيلُ الفَهْم والاستفهام والاستعلام والاستخبار بمعنىً واحدٍ وقد يكونُ الاستفهامُ لفظاً وهو في المعنى توبيخٌ أو تقريرٌ فالتوبيخُ كقوله تعالى ( كَيْفَ تَكْفُرونَ باللهِ ) والتقريرُ كقوله ( وما تِلْكَ بيمينكَ يا مُوسَى ) فقرَّره ليقول ( هيَ عَصَايَ ) فإذا رآها صارَتْ حَيَّةً لم يَخَفْ لِعِلمه أنَّ الله تعالى جعلَ ذلك آيةً له
فصل
وحروفُ الاستفهام ثلاثةٌ الهمزةُ وأم وقد ذُكِرا في العطف وهَلْ
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 130 ]
إلاَّ أنَّ هل قد تكونُ بمعنى قَدْ ومنه قوله تعالى ( هَلْ أتى على الإنْسَانِ حِينٌ من الدَّهْرِ ) في أحدِ القولين
فصل
وقد شُبِّهتْ بهذه الحروفِ أسماءٌ وظروف فالأسماءُ مَنْ ويُسْتَفْهَمُ بها عمّن يَعْقِل وتستعملُ في غيرِه مجازاً وما لِما لا يعقل وقد جاءتْ لمن يعقل وأيْ تصلح لهما وأينَ في المكان ومَتَى في الزمان وكَمْ في العدد وكيفَ في الحال وأنَّى تكون بمعنى متى وكيفَ ومِنْ أينَ فمن الأوَّل قوله تعالى ( أنَّى يُحْيي هذه اللهُ بَعْدَ مَوْتِها )
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 131 ]
ومن الثاني قولُه تعالى ( فَأْتُوا حَرْثَكُم أنَّى شِئْتُم ) ومن الثالث قولُه ( أنَّى لكِ هذا ) ومنه قول الراجز
( مِنْ أينَ عِشْرونَ لها مِنْ أنَّى )
فصل
والغرضُ من الاستفهامِ بهذه الأسماءِ عمومُ السؤال المقتضي للجواب بالمسؤول عنه وهذا لا يحصلُ من الاستفهامِ بالحرف لأنَّ المُسْتَفْهَمَ عنه يختصُّ ببعضِ الجنس كقولك أزيدُ في الدار فيمكنُ المجيب أن يقول لا ولا يلزمه شيءٌ آخر بمقتضى هذا السؤال فيحتاج أن يحددَ سؤالاً آخر وربَّما تسلسل وفإذا قلتَ مَنْ في الدار ألزمت المسؤول الجوابَ بالمطلوب بأوَّل مرة
فصل
وأسماءُ الاستفهام تامَّةٌ لأنَّ الجملة تتمّ بها وبجزءٍ آخر بخلاف الموصولة وكذلك هي في الجزاء تامّه
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 132 ]
فصل
وإعرابُ الجوابِ مثلُ إعراب السّؤال كقولك مَنْ عندَك فهذا مبتدأ وخبر فإذا قلتَ زيدٌ عندي كان زيدٌ مبتدأ كما كانت مَنْ لأنَّها سؤالٌ عنه وهو جوابٌ لها وإذا قلتَ مَنْ رأيتَ قلتَ زيداً أي رأيتُ زيداً فتقدّرَ العاملُ المذكورَ في السؤال فإذا قلتَ بمن مررتَ قالَ بزيدٍ فيلزمُ إعادةُ الجارّ لأنَّه لا يعمل مضمراً لضعفِه لاحتياجه إلى ما يتعلّقُ به فلو حذفتَه حذفتَ شيئين
فصل
فإنْ كانَ الجارُ اسماً بقيَ الاستفهامُ في اللفظ على حاله كقولك لأضربنّ غلامَ أيّهم في الدار وقال كثيرٌ من النحويين هو ضعيفٌ لأن الجار لا يعلّق عن العمل بخلاف الناصب والرافع
فصل
ولا يَعْملُ في الاستفهامِ ما قبلَه لأنَّ أداةَ الاستفهامِ لها صدرُ الكلام إذْ كانت تفيدُ في الجملة معنىً لم يكُنْ فلو أعملتَ فيها ما قبلَها لصارت وسطاً وذلك ممتنعٌ كما يمتنعُ قولك لأضربنّ أزيداً في الدار
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 133 ]
فإنْ قيلَ فقد جاءَ في الحديث صنعتَ ماذا قيل هو محمولٌ على أنَّه قدَّرَ حذفَ الفعل وتركه ثم ابتدأ وقال ماذا ولم يذكر بعدَه فِعْلاً لدلالة المذكور المقدَّر الحذفِ عليه وقيل أراد ماذا صنعتَ فحذفَ ماذا ثم جاءَ بماذا بعدها دليلاً على المحذوف
وقيل التقدير أصنعتَ ثم استأنف استفهاماً آخر وقد حذفت أداة الاستفهام لدلالة الكلام عليها كقول الشاعر من - الكامل -
( كَذَبتْكَ عَيْنُك أمْ رأيتَ بواسطٍ ... غَلَسَ الظَّلامِ من الرَّبابِ خَيالا )
أي أكذبتك عينُك وعلى هذا حُملت قراءة مَن قرأ ( اتَّخذْناهُم سِخْرِيّاً ) بكسر الهمزة
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 134 ]
فصل
وجميعُ أسماء الاستفهام مبنيَّةٌ لتضمُّنها معنى الهمزة إلا ( أيّا ) فإنها معربةٌ قالوا لأنها حملت على نظيرها وهو بعضٌ ونقيضِها وهو كلّ لأنَّها لا تنفكُّ عن الإضافةِ كما لا ينفكَّان عنها والإضافةُ من أحكام الأسماء فإذا لزمت عارضتْ ما فيه من معنى الحرف فلم يُقوَ على بنائها
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 135 ]
بابُ الحكاية
معنى الحكاية أن يأتيَ الاسمُ أو ما قامَ مقامَه على الوصف الذي كان قبلَ ذلك والحكايةُ تكون في المعارفِ والنكرات
فالمعارف المحكيَّةُ مختصَّةٌ بالأعلام والكُنى عند أكثر العرب نحو زيد وأبي محمَّد وعلَّةُ ذلك من وجهين
أحدهما أنَّها أكثرُ دوراً في الكلام إذا كانت التعريفاتُ على الاختصارِ لا تحصلُ إلاَّ بها وما كثر استعمالُه يخصًّ بأحكامٍ لا توجدُ فيما قل لأنه لا يلتبس
والثَّاني أن الاعلامَ قد غيَّرت كثيراً نحو محْبب ومَكْوَزَة وموْهب وتَهْلل والحكايةُ تغيير فهو من جنس ما لحقها من التغيير
فصل
فإذا قالَ القائلُ جاءني زيدٌ قلتَ من زيدٌ رفعت في السؤال البتة وفي رفعة وجهان
أحدهما هو خبرٌ من
والثاني هو فاعلُ فعلٍ محذوفٍ كأنَّك قلتَ أجاءَك زيدٌ من الذي من صفته كذا ليكونَ محكياً لأن الأوَّل فاعلٌ فيكونُ في الحكاية فاعلاً كما في النصب وإذا قال
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 136 ]
رأيتُ زيداً قلتَ من زيداً ف ( من ) مبتدأ و ( زيداً ) مفعول سدَّ مسدَّ الخبر وكذلك في الجرَّ
فصل
وإنِّما حكى الإعرابَ أهلُ الحجاز لأن السامِعَ لهذا السؤال قد لا يكون سمِع الكلامَ الأوَّل فأراد المتكلِّمُ أن ينبِّهه أنَّ ينبه على أن هناك كلاماً متقدِّما هذا جوابُه وإعرابُه فأمَّا بنو تميمٍ فلا يحكمون بل يرفعون بل يرفعون بكلِّ حال
فصل
فإنْ عطفتَ أو وصفتَ لم يُحْكَ كقولك ومن زيدٌ أو من زيدٌ الظريف وعلَّته أنَّ الواو تعلق ما بعدها بما قبلها فلا يُحتاج في ذلك إلى حكاية الإعراب والوصف يخصِّص فينبّه على كلام قبله
فصل
ولا تُحكى النكرةُ لأنَّ النكرةَ إذا أعيدتْ أعيدت بالألف واللام لئلا يُتوهم أنَّها غيرُ الأوَّل ومنه قولُه تعالى ( كَمَا أرسلْنا إلى فِرْعونَ رسُولا فعَصى فِرعونُ )
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 137 ]
ومن هنا قال ابن عبَّاس لن يغلبَ عسرٌ يسرَيْن والمعنى أنَّ قوله تعالى ( إنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْراً إنَّ مع العسر يسْرا ) فاليُسْر نكرة في الموضعين والثاني غيرُ الأوَّل والعسْر بالألف واللام فيهما فهما واحدٌ
ومن العربِ من يحكي النكرة ومنه قولُ بعضهم تكفيني تمرتان فقال له الآخرُ دَعْنا من تمرتان وقال آخرُ ما أنت قرشيا فقال لست بفرشيا
فصل
وإذا أردتَ أن تحكيَ النكرةَ حكيتَها ب ( من ) و ( أي ) ف ( من ) تزيدُ عليها في الرفع واواً وفي النصب ألفاً وفي الجرِّ ياءً وتثنَّى وتجمعُ جمعَ التصحيح مذكراً كان أو مؤنثاً وكلُّ ذلك في الوقفِ فإذا قال جاءني رجلٌ قلت منو
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 138 ]
ورأيتُ رجلاً قلت مَنا ومررتُ برجلٍ مَنِي وجاءني رجلان فتقول مَنَان وفي الجرِّ والنص منين وجاءني رجالٌ فتقول منون وفي الجرِّ والنصب مَنين وتزيدُ الهاءَ للمؤنث فتقول منه ومنتان ومنْتين بسكون النونين ومنات
فصل
و ( مَنْ ) في جميع ذلك مبنيّة وحروفُ المدِّ علاماتٌ على الإعراب وليست إعرابا ولا حروفَ إعراب والدَّليلُ على ذلك من ثلاثة أوجهٍ
أحدها أن ( مَنْ ) تضمَّنت معنى الحرفِ وذلك مستمرٌّ فيها فيستمرّ البناء
والثاني أن هذه العلاماتِ لا تثبتُ إلاَّ في الوقفِ والإعراب يزولُ في الوقف وأما قول الشاعر من الوافر
أتوْا ناري فقلت منون أنتم
فمن إجراءٍ الوصْلِ مجرى الوقف اضطراراً
والثالث أنَّ هذه الحروفَ لو كانتْ إعراباً لكان الكلامُ تامَّاً ليس كذلك فإنْ
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 139 ]
فقد قالَ بعض العرب ضَربَ منٌ مناً قيل هذا شاذٌّ لا يعّول عليه
فصل
إذا حكيتَ ب ( أيّ ) أعربْتَها فتقول إذا قال جاءني رجلٌ ايُّ وكذلك في النصب والجرِّ وتُثنّى وتجمع فتقول أيّان وأيِّيْن وأيُّون وأيِّيْن وأيّهَ وأيَّتان وأيّتين وأيّات
فصل
فإذا وصلت ( مَنْ ) و ( أيّا ) بشيءٍ بعدها بطلتِ الحكايةُ وكان الكلامُ مستأنفاً
فصل
وأمَّا الجملُ فتحْكَى بلفظها سمّيتَ بها أو لم تُسمِّ فمما سمِّي به تأبَّطَ شراً وذرّى حبّا وما لم يُسمَّ به كقولِكَ جاءَني زيدٌ ونحوه وممّا يُحكى ما يُرى مكتوباً على خاتمٍ ونحوه فإنَّه يُنطقُ به بصورتِه فممَّا جاءَ من ذلك من المتقارب
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 140 ]
حذف حذف
( وأصفر من ضَرْبِ دار الملوك ... يلوحُ على وجْهِه جَعْفرا )
قيلَ كانَ على الدينارِ مكتوبٌ ( جعفراً ) اي اقصدوا جعفراً
وقيل جعفرا منصوب بفعل محذوف دل عليه يلوح والتقدير يلوح المكتوبُ فيبيِّنُ جعفراً وقيل هو منصوبٌ بالمصدر أي منْ أن ضربَ صاحبُ دارِ الملوك جعفرا وهذا بعيدٌ لأنَّ يلوحُ يفصل بين المصدر ومعموِله
( وأصفر من ضَرْبِ دارِ الملوكِ ... يلوحُ على وجْهِه جَعْفَرا )
قيلَ كانَ على الدينارِ مكتوبٌ جعفراً أي اقصُدوا جعفراً
وقيل جعفراً منصوب بفعل محذوف دلَّ عليه يلوحُ والتقدير يلوحُ المكتوبُ فيبيِّنُ جعفراً وقيل هو منصوبٌ بالمصدر أي مِنْ أنْ ضربَ صاحبُ دارِ الملوك جعفراً وهذا بعيدٌ لأنَّ يلوحُ يفصل بين المصدرِ ومعمولِه
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 141 ]
باب الخطاب
حرفُ الخطاب الكافُ في ذاك وقد دَلَلْنا على أنَّها حرفٌ في باب المعرفة فإنْ قيلَ فكيف تثنَّى وتُجْمَع وهي حرفٌ قيل فيه جوابان
أحدُهما أنَّ ذلك ليس بتثنيةٍ ولا جمعٍ بل صيغةٌ وضعتْ لهما كما ذكرنا في أنتما وأنتم
والثاني أنَّ الكافَ في الأصلِ اسمٌ مضمرٌ ثُمَّ خُلِعَتْ دلالةُ الاسميةِ عنها وبقيتْ لمجرَّدِ الخِطاب فبقيَ عليها اللفظُ الذي كانَ لها وهي اسمٌ وهذا يرجعُ إلى معنى الأوّل لأنَّ الاسم المضْمَر لا يُثنّى ولا يُجمع على التحقيق
فصل
ومقصودُ هذا الباب أنَّك إذا سألتَ عن شيءٍ جعلتَ أوَّلَ كلامِك للمسؤولِ عنه اهتماماً به وجعلتَ آخرَه للمسؤول المخاطِب فتفرد وتثنّى وتجمع وتؤنَّث على حسب ذلك كقولك كيفَ ذلك الرجلُ يا رجلُ ف ذا للغائب المسؤول عنه والكاف للمسؤولِ المخاطب فتفتحُه في المذكر وتكسرُه في المؤنث وجميعُ ما يُتَصوَّرُ من المسائل
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 142 ]
ستٌّ وثلاثون مسألة وهذا المقدارُ أدَّت إليهِ القِسْمةُ الضروريّة لأنَّك إذا سألتَ عن رجلٍ كانَ في المخاطب سِتُّ مسائلَ وهي أنْ يكون المخاطبُ رجلاً ورجلين ورجالاً وامرأةً وامرأتين ونساءً فتقول كيف ذاكَ وذاكُما وذاكُمْ وذاكِ وذاكُما وذاكُنَّ وإنْ كانَ المسؤولُ عنه رجلين فكذلك تقولُ كيفَ ذانِكَ الرجلانِ يا رجلُ وكيف ذانِكما وذانكم وذانكِ وذانكما وذانكنّ وإنْ كانوا رجالاً قلت أولئك وأولئكما وأولئكم وأولئك وأولئكما وأولئكن وإن كان المسؤولُ عنه امرأة قلتَ كيفَ تِلك وتلكما وتلْكم وتلكِ بكسر الكاف وتِلكُما وتِلْكُنّ وكذلك كيفَ تانِكَ وتانِكما وتانِكم وتانكِ وتانِكما وتانكنّ وإن كانوا نساءً كانت الإشارة بأولاء كالرجال فتقول أولئكَ وأولائِكما وأولئكم وأولئكِ وأولئكما وأولئكنّ والرجلُ وصفٌ لذا أو بيانٌ
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 143 ]
بابُ النَّسَب
ويُسمَّى إضافةً ومعناها أن يضيف شيئاً إلى بلدٍ أو قبيلةٍ أو صناعة إضافةً معنويّةً كقولك مكيّ وتميميّ وإنَّما سمِّي نَسَباً لأنَّك عرَّفته بذلك كما تعرَّفُ الإنسانَ بآبائه
فصل
وإنَّما زيد على الاسم في النَّسَب حرفان لنقْلِه إلى المعنى الحادث كتاءِ التأنيث وعلامةِ التثنيةِ والجمع وإنَّما زيدت الياء دون غيرِها من حروف المدّ لأوجه
أحدها أنَّ الواو والألفَ لو زيد أحدُهما لم يبقلفظُه من أجل الإعراب والياء يبقى لفظُها معه
والثاني أنَّ علامةَ النَّسب تشبه علامةَ التأنيثِ لِمَا نبيِّنه من بعدُ والياءُ أشبهُ بتاء التأنيث
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 144 ]
والثالثُ أنَّ الياءَ أخفُّ من الواو والألفُ لو زيدت لصار كالمقصور
فصل
وإنَّما كانت مشددةً لأمرين
أحدهما أنَّها إذا شُدِّدت احتملتِ الإعرابَ وإذا كانت واحدةً لم تحتملْه إذا تحرَّك ما قبلَها
والثَّاني أنَّ النسبَ إضافةُ شيءٍ إلى شيء في المعنى فاشبه التثنية والجمعَ وكما زيد عليهما حرفانِ كذلكَ زيدَ ها هُنا
فصل
وإنَّما كُسِرَ ما قبلَ الياء لأمرين
أحدهما أنَّ الكسرةَ من جنْسِ الياء فهي معها أخفُّ من غيرها
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 145 ]
والثاني أنه لو ضُمَّ لوجبَ تحويلُها إلى الكسرِ لأنَّ الياءَ الساكنةَ لا تثبتُ بعد الضمّة ولو فُتح لالتبسَ بالمثنى والمضاف فلم يبقَ سوى الكسر
فصل
ويشْبه النَّسَبُ التثنيةَ من ثلاثةِ أوجه
أحدها أنَّ في آخر كُلِّ واحدٍ منهما زائدين
والثاني أنَّ كلَّ واحدٍ منهما منقولٌ فالتثنية نقلتِ المعرفةَ إلى النكرة والنسبُ نقلْ من الجمود إلى الوصف
والثالث أنّ حرف الإعراب في كل واحدٍ منهما هو الزائد دون ما كان قبل ذلك حرف إعراب
فصل
وتشبه ياءُ النَّسبِ تاءَ التأنيث من ثلاثة أوجهٍ
أحدها أنَّه ينقلُ الجنسَ إلى الواحد مثل زَنْج وزَنْجيّ ورُوم ورُوميّ كما تقول تَمْرٌ وتَمْرةٌ ونَخْل ونَخْلَة
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 146 ]
والثَّاني أنَّها تنقل الاسمَ من الأصلِ إلى الفرع فالأصلُ الاسم والفرعُ الصّفةُ كما تنقل التاءَ من التذكير إلى التأنيث
والثالثُ أنها تصير حرفَ الإعراب كما أنَّ التَّاء كذلك
فصل
وإذا نسبتَ إلى اسمٍ أقررتَه على حاله إلاَّ ما أستثنيه والمُسْتثنى من ذلك ضربان مقيسٌ ومسموعٌ لا يقاس عليه
فمن الْمَقِيسِ الثلاثيُّ المكسورُ العين مثل نَمِر وَشَقِرة فإنَّ عينَه تُفتحُ في النَّسب فِراراً من تَوالي الكسرتين والياءين
فصل
فإن كانَ المكسورُ العين أربعةَ أحْرُفٍ مثل المغْرِب وتغْلِب فأكثرهم يقرّ الكسرةَ في النَّسب لوجهين
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 147 ]
أحدهما أنَّه لما سكّن ما قبل العين صارَ المتحرك بمنزلة أوَّل كلمةٍ والذي قبله كآخر كلمة موقوفٍ عليها فيقرّ الكسرة كالنسبِ إلى عِدة عِدِيّ
والثاني أنَّ كثرة الحروف والفصل بالسَّاكن غلبا على الكسرة وصارت كالمنسيّ معهما ومن العربِ مَنْ يفتحُها قِياساً على الثّلاثيّ
فصل
إذا نسيتَ إلى مقصورٍ ثلاثيّ قلبتَ ألفَه واواً لأنَّ ياء النسب لا يسكّن ما قبلها والألفُ لا تكونُ إلاَّ ساكِنةً وقُلبت واواً لا غير سواء كان أصلُها الواوَ أو غيرها لأنَّها مع ياءِ النَّسب أخفُّ من الياء ولم تُحذفِ الالفُ لالتقاء الساكنين لأن الاسم الثلاثيّ أقلَ الأصول فالحذفُ منه إجحافٌ به ومؤدٍّ إلى اللبس
فصل
فإنْ كانَ المقصورُ أربعةَ أحرفٍ ففيه القلبُ لأنَّ الاسمَ لم يبلغْ غايةَ الأصول فخرجَ على الأصل وجاز الحذفُ لأنَّه يبقى على زِنَةِ أقلِّ الأصولِ ويصير بالزيادة
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 148 ]
زِنة أكثرِها ومنهم مَنْ يزيدُ الواوَ فيقول دُنياويّ وهو شاذّ ضعيف في القياس وهو يشبه مدّ المقصور
فصل
فإن كانَ خمسة أحرفٍ حذفت لا غير نحو قولك في مرتجى مُرْتجيٌّ لأن الاسم بلغ أكثر الأصول وبالزيادة يصير سبعة أحرف
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 149 ]
فصل
فإنْ نسبتَ إلى منقوصٍ ثلاثيّ نحو عَمٍ وشَجٍ أبدلتَ من الكسرة فتحةً كما فعلتَ في نِمر فتقلبُ الياءَ ألفاً فيصير كالمقصور
فصل
فإن كانَ أربعةَ أحرفٍ نحو قاضٍ جازَ إبدالُ الكسرة فتحةً فتقلب الياء الفاً ثم واواً لأنَّه أوسطُ الأصول وجازَ حذفُ الياء وتبقى الكسرةُ كما ذكرنا في المقصورِ الرُّباعيّ فإنْ كان خمسةَ أحرفٍ فالحذف للطّول لا غير
فصل
فإنْ كان قبلَ الطَّرف ياءٌ مشدَّدة نحو أُسِيّد وحُميّر حذفت الثانيةَ المتحركةَ لئلاّ تتوالى الكسرتانِ والياءان والتي تبقى الساكنة فإنْ كانَ بعدَ المشدَّدةِ ياءٌ
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 150 ]
ساكنة لم تحذِفْ شيئاً كقولك في تصغير مُهوَّم مهيَّم مهيّميّ لأنَّ الطَّرَف لا كسرةَ تليه
فصل
فإنْ كانَ في آخر الاسم ياءٌ مشدَّدةٌ قبلها حرفٌ واحدٌ نحو حيّ فككتَ الإدغامَ وقلبتَ الياءَ الثانيةَ ألفً ثم واواً فتقول حَيَوِيّ وإنَّما فعلت ذلك لئلاّ يتوالى أربعُ ياءات وتقول في لَيَّ وطيّ لوويّ وطوويّ فأظهرتَ الواو التي هي عينٌ لزوالِ الموجبِ لِتَغَييرِها وقُلبتِ الياءُ على ما ذكرنا
فصل
فإنْ كانَ قبلَ الياءِ المشدَّدةِ حرفان مثل عَدِيّ وقُصَيّ فمن العرب مَنْ يُقرَّه
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 151 ]
على حالِه ويجمعُ بين أربع ياءات وهو مستثقلٌ والأكثر الأقيسُ أنْ تحذِفَ الياءَ الساكنةَ وهي ياء فعيل وتُبدل من الكسرة فتحةً فتقلب الياء المتحركة ألفاً ثم واواً فتصير إلى عَدَويّ فِراراً من الثقل
فصل
فإنْ سُكِّن ما قبلَ الياء نحو ظَبْيٌ أقررتَ الياءَ فقلتَ ظَبِيِيٌّ لا خلاف في هذا فإنْ نسبتَ إلى ظبية فكذلك إلا عند يونس فإنه يقول ظَبَوِيّ ووجهه على ضعفه أنَّه قدَّره فَعِلة بالكسر فأبدل من الكسرةِ فتحةً فانقلبت الياءُ ألفاً ثم واواً احتيالاً على الأخفّ وخصَّ ذلك بالمؤنث لأنَّه موضعُ التغيير وقالَ في عُرْوَة عُرَوِيّ بفتح الرَّاء وهو بعيدٌ لأنَّه لا يستفيد بذلك خفَّةً فإنَّه إذا كسر الرَّاءَ ثم فَتَحها فالواو باقيةٌ بحالها فالسكون أخفّ
فصل
فإنْ نسبتَ إلى ممدودٍ لم تحذِفْ منه شيئاً لأنَّ الهمزةَ حرفٌ صحيحٌ ولذلكَ تثبتُ في الجزم وتدخلها الحركاتُ الثلاثُ مع تحرّك ما قبلها وهمزةُ الممدود على أربعةِ أضرب
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 152 ]
أحدُها أصلٌ نحو قُرّاء فهذه تُقرُّ في النَّسب وقد أُبدِلت واواً شاذّاً شُبِّهت في ذلكَ بالزائدة
والثَّاني أن تكونَ بَدَلاً من أصلٍ نحو كِساء ورِداء فالوجْهُ إقرارُها لأنَّ بدلَ الأصل أصلٌ ومنهم مِنْ يقلبها واواً لضعفها بالإبدال فقد أشبهت الزائدة
والثالث أن تكونَ بدلاً من مُلحق نحو عِلْباء وحِرْباء ففيها الإقرارُ لأن الملحق كالأصليّ في جريان أحكامه عليه وفيه الإبدال لأنَّه بَدَلٌ من زائدٍ فَضَعُف
والرابعُ أن تكون زائدة للتأنيث نحو حَمْراء وصَحْراء فالوجهُ القلبُ لأنها كالمقصورةِ في دلالتها على التأنيث وذلك نحو حمراويّ وصحراويّ
فصل
فإن نسبتَ إلى اسمٍ على حرفين قد حُذفتْ فاؤه نحو عِدة لم يُردَّ المحذوفُ لأنَّه
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 153 ]
بعيدٌ من موضع الياء وإن كان المحذوفُ لامه نحو شفة رددت المحذوف فقلت شفهيّ وتقول في شاةٍ شاهيّ وتقول في شِية على قول سيبويه وشويّ فتردّ الواوَ وتقلبُ الياءَ ألفاً ثمّ واواً لأنَّ ما قبلَها لزمته الحركةُ بعدَ الحذف وردُّ المحذوف عارضٍ فلا تُعيده إلى السكونِ الذي هو الأصل وكذلك مذهَبُه في يدٍ يَدَوِيّ وقالَ أبو الحسن يُردّ المحذوف والسكون فتقول وشْييّ ويَدْييّ لأنَّ الحركةَ عرضتْ بعد الحذف فردُّ المحذوف يردُّ الأصلَ
فصل
إذا نسيتَ إلى فَعيلة كَحنِيفة أو فُعيلة كَجُهينة حذفتَ الياءَ والتاءَ وأبدلتَ من الكسرة فتحةً فِراراً من توالي الكسراتِ والياءات ولَمَّا حُذفت الياءُ بقي مثل شَقِرة فأبدلتها فتحةً واختصَّ ذلك بالمؤنَّث لأنَّ ياءه يلزمُ حذفُها في النسب والتغييرُ يؤنسُ بالتغيير أوْ لأنَّ المؤنَّث يُخفّفُ لئلاّ يجتمعَ ثِقَلُ اللفظ والمعنى فإنْ كانت العينُ واواً نحو حَويزة لم يُحذَف لئلا تنقلب الواو ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها وإنْ كانَ مضاعفاً نحو مُديدة لم يُحذف كيلا يلزمَ الإدغام وقد خرجَ منه شيءٌ على الأصل فقالوا في السَّلفية سَلِيقيّ فأمَّا فَعُولة نحو شَنُوءة فمذهب سيبويه الحذفُ والفتحُ فتقول شَنَئيّ فِراراً من ثِقَل الضمِّ والواو والكسر والياء وقال المبرِّج لا يُغيَّر لأنَّ الواو لا تَثْقُل في النسب
فصل
وأمَّا ما لا تاءَ فيه نحو وقُريش فالجيِّد أنْ لا يُغيّر لِمَا ذكرنا من أن التنقل مع التأنيث أكثر و أن التغيير يؤنس بالتغيير وقد جاء شيء منه محذوفاً قالوا ثقفيّ وسُلّميّ تشبيهاً له بفَعِيلة
فصل
فإنْ نسبتَ إلى جمعٍ مثل رجالٍ وفرائضَ رددته إلى الواحد لوجهين
أحدهما أنَّ النسبَ يُنقل إلى الوصف والوصفُ هنا يصير واحداً لأنَّ الموصوفَ واحدٌ فينبغي أن يكونَ اللفظُ مفرداً ليطابقَ المعنى
والثَّاني أنَّ الجمع والنسبَ معنيان زائدان فلم يُجمعْ بينهما فِراراً من الثِّقل ولا لَبْس لأنَّ الواحدَ المنسوبَ إليه يشتملُ على الجمع وليسَ المرادُ في النسيِ الدَّلالةَ على الجمع بل النسب إلى الجنس فيصير في ذلك كالتمييز فإنَّ الواحد فيه يُغْنى عن الجمع فأمَّا مدائنيّ وأنباريّ فجازَ لَمَّا سُمِّي الواحدُ بالجمع
فصل
وما شَذَّ في النَّسب يُحفَظُ ولا يُقاسُ عليه فمن ذلك قولُهم طَائيّ وأصلُه طَيْئِيّ لأنَّ المنسوبَ إليه طيّء فحذفت الياء الثانية وأُبدِلت الساكنةُ ألفاً وكأنَّهم هربوا من الأصلِ لما فيه من الثِّقل بكثرةِ الياءات وأنَّ في الهمزة ثقلاً
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 154 ]
والتغييرُ يؤنسُ بالتغيير أوْ لأنَّ المؤنَّث يُخفّفُ لئلاّ يجتمعَ ثِقَلُ اللفظ والمعنى فإنْ كانت العينُ واواً نحو حَويزة لم يُحذَف لئلا تنقلب الواو ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها وإنْ كانَ مضاعفاً نحو مُديدة لم يُحذف كيلا يلزمَ الإدغام وقد خرجَ منه شيءٌ على الأصل فقالوا في السَّليقة سَلِيقيّ فأمَّا فَعُولة نحو شَنُوءة فمذهب سيبويه الحذفُ والفتحُ فتقول شَنَئيّ فِراراً من ثِقَل الضمِّ والواو والكسر والياء وقال المبرِّد لا يُغيَّر لأنَّ الواو لا تَثْقُل في النسب
فصل
وأمَّا ما لا تاءَ فيه نحو ثقيف وقُريش فالجيِّد أنْ لا يُغيّر لِمَا ذكرنا من أن النقل مع التأنيث أكثر و أن التغيير يؤنس بالتغيير وقد جاء شيء منه محذوفاً قالوا ثقفيّ وسُلّميّ تشبيهاً له بفَعِيلة
فصل
فإنْ نسبتَ إلى جمعٍ مثل رِجالٍ وفرائضَ رددته إلى الواحد لوجهين
أحدهما أنَّ النسبَ يُنقل إلى الوصف والوصفُ هنا يصير واحداً لأنَّ الموصوفَ واحدٌ فينبغي أن يكونَ اللفظُ مفرداً ليطابقَ المعنى
والثَّاني أنَّ الجمع والنسبَ معنيان زائدان فلم يُجمعْ بينهما فِراراً من الثِّقل ولا لَبْس لأنَّ الواحدَ المنسوبَ إليه يشتملُ على الجمع وليسَ المرادُ في النسيِ الدَّلالةَ على الجمع بل النسب إلى الجنس فيصير في ذلك كالتمييز فإنَّ الواحد فيه يُغْنى عن الجمع فأمَّا مدائنيّ وأنباريّ فجازَ لَمَّا سُمِّي الواحدُ بالجمع
فصل
وما شَذَّ في النَّسب يُحفَظُ ولا يُقاسُ عليه فمن ذلك قولُهم طَائيّ وأصلُه طَيْئِيّ لأنَّ المنسوبَ إليه طيّء فحذفت الياء الثانية وأُبدِلت الساكنةُ ألفاً وكأنَّهم هربوا من الأصلِ لما فيه من الثِّقل بكثرةِ الياءات وأنَّ في الهمزة ثقلاً
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 155 ]
أحدهما أنَّ النسبَ يُنقل إلى الوصف والوصفُ هنا يصير واحداً لأنَّ الموصوفَ واحدٌ فينبغي أن يكونَ اللفظُ مفرداً ليطابقَ المعنى
والثَّاني أنَّ الجمع والنسبَ معنيان زائدان فلم يُجمعْ بينهما فِراراً من الثِّقل ولا لَبْس لأنَّ الواحدَ المنسوبَ إليه يشتملُ على الجمع وليسَ المرادُ في النسبِ الدَّلالةَ على الجمع بل النسب إلى الجنس فيصير في ذلك كالتمييز فإنَّ الواحد فيه يُغْنى عن الجمع فأمَّا مدائنيّ وأنباريّ فجازَ لَمَّا سُمِّي الواحدُ بالجمع
فصل
وما شَذَّ في النَّسب يُحفَظُ ولا يُقاسُ عليه فمن ذلك قولُهم طَائيّ وأصلُه طَيْئِيّ لأنَّ المنسوبَ إليه طيّء فحذفت الياء الثانية وأُبدِلت الساكنةُ ألفاً وكأنَّهم هربوا من الأصلِ لما فيه من الثِّقل بكثرةِ الياءات وأنَّ في الهمزة ثقلاً
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 156 ]
ومن ذلك قولُهم في النسبة إلى الدَّهر دُهْرِيّ بضمّ الدّال وفي السهل سُهليّ بضمّ السين ومنه إمْسِيّ بكسر الهمزة والأصل فَتْحُها ولكن أتْبعوا ومنه حِرْميّ بكسر الحاء وسكون الراء والأصلُ فتحُهما لأنَّه منسوبٌ إلى حَرَمِ مكَّة ومنه مَرْوَزيّ فزادوا الزَّاي والأصلُ مَرْوِيّ منسوب إلى مَرْو
فصل
فإذا نسبتَ إلى مُسمّىً بجملةٍ مثل تأبَّط شرّاً نسبتَ إلى صدرِها فقلت تأبطيّ فتنقلُ الفعل إلى الصّفة وذلك يكفي في تعريف المنسوب فإنْ نسبتَ إلى مضافٍ ومضافٍ إليه مثل ابن الزُّبير وعبد القيس نسبت إلى ما حصلَ به الشهرة فتقول زُبيريّ وقَيسيّ وقالوا في عبدِ الدَّار عبْديّ وعبدريّ وفي
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 157 ]
عبد الشمس عَبْشميّ وقالوا أيضاً في عبد القيس عبقسيّ فنحتوه من أصلين وذلك يُسْمَعُ ولا يُقاس عليه
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 158 ]
باب التصغير
التَّصغير التحقيرُ ويقعُ في الكلام على ثلاثةِ أضْرُبٍ
1 - تحقيرُ ما يُتوهَّم عَظيماً كقولك رُجَيل
2 - وتقليلُ ما يُتوهَّم كثيراً ك دريهمات
3 - وتقريبُ ما يُتوهَّم بعيداً كقولكَ قُبيل العصر وبُعيدَ الفجر
وقال الكوفيون في كلامِهم تحقيرُ التعظيم كقول الشاعر من - الطويل -
( وكلُّ أُناسٍ سَوْفَ تدخلُ بينهم ... دُوَيْهيَةٌ تصفرُّ مِنها الأنامِلُ )
وهو عندنا على التحقير أيْ أنَّ أصغر الدَّواهي تُفْسِد الأحوالَ العِظام وكذلك قول الآخر من - الطويل
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 159 ]
فُويقَ جُبيلٍ سامقِ الرأس لم تكنْ ... لِتَبْلُغَه حتَّى تَكِلَّ وتَعْمَلا )
أي إنَّه جبلٌ صغير العَرْض دقيقٌ طويلٌ في السماء شاقّ المصعدِ لطوله
وأمَّا قولهم فلانٌ أُخيّ وصُديقيّ فهو من لطف المنزلة وصِغر الأمر الذي أحكم الوصلةَ بينهما
فصل
والتَّصغير كالوصفِ لأنَّ قولك رُجيل في معنى رجلٌ حقير ولذلك إذا صغّرت المصدر واسمَ الفاعل لم يعمل كما لا يعمل مع ظهور الوصف
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 160 ]
فصل
وعلامةُ التَّصغير ياءٌ تقعُ ثالثةً وتضمّ أوَّلَ الاسم وتَفْتَح ثانيهِ وتكسِرُ ما قبلَ آخرِه فيما زاد على الثَّلاثة وإنَّما حرّك بهذه الحركات لوجهين
أحدهما أنَّه قًصد بذلك صيغةٌ تَخْلُص للتّصَغير من غيرِ مشاركةٍ ولم يوجد سوى هذه الصيغة
والثاني أنَّ المصغَّر لَمَّا جمع الوصف والموصوف في المعنى بلفظٍ واحدٍ جُمعت له الحركات وأمَّا زيادةُ الياء دون غيرها فلأنَّها أخفُّ من الواو هنا لأنَّ الواوَ لو كانت هنا لم يخلصِ المثالُ للتصغير لأنَّه كان يصيرُ فُعولا ونحوه وأمّا الألف فلا يخلص بها المثالُ للتَّصغير بل كان يصيرُ فُعالاً ونحوه ولأنَّ الألف خصَّ بها التكسير
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 161 ]
فصل
وإذا كانَ المصغّرُ ثُلاثياً مؤنَّثاً بالألفِ المقصورة أو الممدودة أو بالتاء أقررته كقولك في حُبلى حُبيلى وفي حمراء حُميراء وفي طلحة طُليحة وإنَّما كان كذلك لأنَّ علامة التأنيث دخلت لمعنىً فلا ينبغي أن تُحذفَ لئلا يبطل معناها ولم يُكسر ما قبلَها لأنَّ الألفَ تنقلبُ ياءً بعد الكسرة فيبطلُ لفظُ العلامةِ لأنَّ علامةَ التأنيث مفتوحٌ ما قبلها أبداً فهي كاسمٍ ضمّ إلى اسم ] فيبقى الصدرُ بحاله
فصل
فإن كان الاسمُ على فعلان عَلماً أو نكرةً مؤنَّثة فَعلى أقرَّ ما بعد ياءِ التَّصغير كقولك في عُثمان عُثيمان ولا يجوز عُثيمين وفي سكران سُكَيران لا سُكَيرين لأنَّ الألفَ والنون هنا ضارعتا ألفي التأنيث لما ذكرنا فيما لا ينصرف
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 162 ]
فأمَّا سِرْحان فتقول فيه سُرَيْحِين فتقلبُ الألفَ ياءً لانكسار ما قبلها لأنها لم تشبه ألف التأنيث لتفتح ما قبلها فأمَّا عُريان فتقول فيه عُريّان لأنك لا تقول في تكسيره عرايين بل عراة
فصل
فإنْ كانَ المؤنَّثُ بالألفُ رُباعياً مثل قَرْقَرا حَذَفْتَ ألفَ التأْنيثِ فقلتَ قُرَيْقِر لئلاّ يصيرَ بناءُ التصغير ستةَ أحرفٍ ويكون عَجزُ الكلمةِ مُساوياً لصدرِها ومن شأنِ الصدرِ أن يكونَ أكثَر من العَجُز وجازَ حذفُ علامةِ التأنيث للثِّقل وأنَّ التصغير عارضٌ بعد مَعْرِفة المكبّر فلا لَبْسَ إذن
فصل
فإنْ كانَ المؤنِّثُ خمسةً مثل حُبَارَى كنتَ مخيَّراً إنْ شئتَ حذفتَ الألفَ الأولى فقلت حُبَيْرى لأن في ذلك تخفيف الكلمة والمحافظة على علامةِ التأنيث وإنْ شئتَ حذفت ألف التأنيثِ لِتَطرّفِها كما حذفت ألفَ قرقرا وفي ذلك
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 163 ]
محافظةٌ على ألفِ المدّ وأجازَ بعضُهم حذفَ الفِ التأنيث وقَلْبَ ألف المدّ ياءً وزيادةَ تاء التأنيث فيقول حُبَيْرَة لأنّه ألحقَه بعد حذفِ الألف بِعِمامة
فصل
فإنْ صغِّرتَ لُغَّيْزَى حذفتَ ألفَ التأنيثِ وفككتَ الإدغام فقلت لُغَيْغِيزٌ فصارَ كسُفَيْرِج وإنْ صغَّرتَ قَبَعْثَرى قلتَ قُبيعِث فحذفتَ الألفَ والراءَ لأنَّ خمسةً منها أصول والألفُ زائدة والخماسيّ يُحذفُ منه آخره وهو أصل فأولى أن يُحذفَ منه الزائدُ
فصل
والخماسيُّ الذي كلّه أُصول نحو سَفَرْجَل يُحذف منه الحرفُ الخامسُ لأنَّ الخمسةَ أكثرُ الأصول وياءُ التَّصْغير صارت كالأصليّ لأنَّها دلَّتْ مع الصيغةِ على معنىً
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 164 ]
غيرِ التكبير فلو أقرَّ بحاله لصارتْ ستةَ أحرفٍ في حكم الأصولِ وليسَ لنا أصلٌ على هذه العدّة ولأنَّ ياءَ التصغير تقعُ ثالثةَ فيصيرُ ما قَبلها صَدْراً وما بعدَها عَجزُاً فلو لم يُحذف من الأخير لزادَ العَجُز على الصَّدْر وهو إلى أنْ يَنْقُصَ عنه أقْرَبُ فإنْ قيل فكيفَ جاز أن يكون على ستةِ أحرف في مثل صُنَيْدِيق ودُنَيْنير قيل لَمَّا كانت الياء الأخيرةُ حرفَ مدٍّ ساكناً بعد كسرةٍ خَفَّ النطقُ به
فصل
فإنْ صغَّرتَ ما هو على حَرْفين رددتَه إلى أصله نحو يدٍ ودَمٍ تقول فيهما يُديّه ودُميّ لأنَّ ياءَ التصغير تكونُ ثالثةً ساكنةً فلا بُدَّ من رَدِّ المحذوفِ لئلا تقع ثانيةً أو أخيرةً وذلك يُوجب قلْبَها أو حذْفَها وتقولُ في عِدة وُعَيْدة فتردّ الواو لأنّك لو أوقعتَ الياءَ بعد الدَّال لحرَّكتها لوقوع تاء التأنيث بعدها
وتقول في شاة شُويْهة تقلب الألفَ واواً وهو أصلُها وتردُّ الهاءَ المحذوفة
وتقولُ في فم فُوَيْهٌ لأنَّه في الأصل فُوْهٌ
وتقولُ فس شفة شُفَيهةٌ وعلى هذا فَقِسْ
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 165 ]
فصل
فإنْ كانَ الاسمُ على ثلاثةِ أحرف أوسَطُه ألِفٌ وعرفتَ أصلَها رددتها إليه فتقول في باب بُوَيْب وفي حال حُويلة وحُويلٌ فيمن ذكّره وفي مالٍ مُوَيل وفي ناب نُيَيْب لقولك نِبتَ فيه وفي الجمع أنياب وفي عاب عُييب لأنَّ العَابَ والعيبَ بمعنىً
فصل
فإنْ كانت الألفُ مجهولةً حملتَها على الواوِ لأنَّه الأكثرُ في هذا الأصل فتقول في آءة وهي شَجَرة أُوَيأة وفي صَابٍ وهو شجر مرّ صُوَيب
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 166 ]
فصل
فإن كانت الألفُ ثالثةً نحو حِمار قلبتَها ياءً لأنَّها صارت في موضعِ حرفٍ مكسور لوقوعِه بعد ياء التصغير قبل الطَّرف وأدغمتَ فيها ياءَ التَّصغير
فصل
فإنْ كانت الياءُ وسَطاً رَدَدْتَها إلى اصلِها تقولُ في رِيح رُوَيْحة كما تقول في الجمع أرْوَاح
فأمَّا عِيد فتقولُ فيه عُيَيْد كما تقولُ في جَمْعه أعْيَاد وأصلها واوٌ ولكنَّها أُبْدِلت بَدلاً لازِماً لِيُفْرَقَ به بين جمعه وتصغيره في الموضعين وبين جمع عُودٍ وتصغيره فتقول في عَوْد أعواد وعُويد وفي عِيد أعْياد وعُييد
فصل
فإن كانت الياءُ أصلاً لم تُغيّرها نحو عَيْن وشَيْخ وفي تصغيرِه ثلاثَةُ مذاهب
أحدُها شُيَيْخ بضمّ الأوّل على الأصل مثل فُليس
والثاني كَسْرُ الأوّل إتباعاً للياء
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 167 ]
والثالثُ ضَمُّ الأوّل وإبدالُ الياء واواً من أجل الضمّة قبلها وهو ضعيفٌ جداً
فصل
فإن كانت الواوُ ثالثةُ قُلبت ياءً وأُدغمتْ نحو قَسْوَر وأسْوَد تقول قُسَيِّرٌ وأُسَيِّدٌ ويجوز أنْ تُقرّ الواوَ فتقول قُسَيْوِرٌ حَمْلاً على قَسَاور فأمّا عُرْوة وغَزْوة فتصغيرهما عُريّة وغُزيَة بالإبدال والإدغام لا غير لأن الواو لم تصحّ في الجمع
فصل
فإنْ كانَ في الخماسيّ حرفٌ زائدٌ ليس بحرف مدّ حذفتَه أينَ كانَ لأنَّ الحرفَ الخامسَ الأصليَّ يُحذف البتةَ فإذا وُجد الزائدُ لم يُحذفُ سِواه سواء كانَ لمعنىً أو لغيرِ معنى فالذي لمعنى كَمُدَحْرِج والذي لغير معنى جَحَنْفَل تقول دُحَيْرِيج وجُحَيْفِيل
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 168 ]
فصل
فإنْ كانَ فيه زائدان أحدُهما لمعنى والآخرُ لغيرِ معنى حذفتَ الذي ليسَ لمعنى لأنَّ الذي لمعنى أشْبَهُ بالأصل فكان إقرارُه أولى وذلك نحو مُقْتَطِع تقولُ في تصغيره مُقَيْطِع فتحذف التاء وتقولُ في مقدِّم ومؤخِّر ومسخِّر مقيدم ومؤيخر ومسيخر فتحذفُ أحدَ المشدّدين كما تقول في الجمع مقادِم ومآخِر فأمَّا مُقْعَنْسِس فالميم والنون فيه زائدتان والسين مكررة للإلحاق ففيه مذهبان
أحدهما مُقَيْعِس بحذف النون والسِّين وتبقى الميمُ لأنها لمعنى
والثاني بحذفِ الميمِ والنون فنقول قُعَيْسِس لأنَّ السينَ أشبهت الأصليّ إذ كانت للإلحاق
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 169 ]
فصل
فإن كان الإسم على مستفعِل نحو مُسْتَخْرَج حذفت السين والتاء وأبقيت الميم لأن الميم لمعنىً والسين والتاء زيداً معاً فَحُذِفا معاً
فصل
فإن حقَّرتَ المصادرَ التي في أوائلها همزةُ وصل حذفتَ همزة الوصلِ لِلُزومِ تحرُّكِ ما بعدها لأنَّ ثاني المصغَّر محرّك أبداً تقول في انطلاق نُطيليق فتقلبُ الألفَ ياءً لأنَّها رابعةٌ في مفردٍ كَسِرْداح وتقول في افتقار فُتَيْقِير وفي اضطراب ضُتَيْريب فتردّ التاء إلى أصلها وهي تاءُ افتعال لأنَّك قلبتَها لَمّا سكّنَ ما قبلَها وقد تحرَّك في التصغير ومن شَأْن التصغيرِ ردُّ الأشياءِ إلى أصولِها وكذلك تقولُ في ميزان مُويزين فتردُّ الواوَ لزوالِ علَّة القلب
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 170 ]
فصل
فإنْ كانَ الاسمُ مُشَدَّداً ثلاثيّاً نحو خلّ وسلّ فككتَ الإدغامَ لحجز الياء بينهما وإنْ كانَ رُباعياً والمشدّدُ أخيراً لم تفكّه كقولك أُصَيّم ومُدَيْقّ لأنّ في الياء مدّة تجري مجرى الفصلِ بين الساكنين كما جازَ في دَابّة والْحَاقّة
فصل
فإنْ كانَ المؤنَّثُ ثلاثياً بغيرِ علامةٍ رُدّت التاءُ في تصغيره نحو قُدَيْرة وشُمَيْسَة لأنَّه وضع على التأنيثِ ولم يكنْ في المكبّر علامةٌ له فلو لم تُردَّ في التصغير لم يبقَ من أحكام التأنيث في اللفظِ شيءٌ وقد شذَّ من ذلك شيءٌ فلم تلحقْ به التَّاءُ في التصغيرِ من ذلك فَرَس ذَهَبوا به إلى معنى المَرْكُوب وحُرَيْب تصغير حرب القتال ذهبوا بها إلى معنى القتال أو إلى الحرب وهو الغَضَب لأنَّه يلازمها وقد قالوا قَوُيس حَمَلُوه على معنى العُود
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 171 ]
فصل
فأنْ كانَ أربعةً أحرفٍ لم يردّوا إليه التاء نحو زُيَيْنَب وعُقَيْرِب وعُنيِّق لأنَّ الحرفَ الرابعَ طالتْ الكلمةُ به حتى صارَ عِوضاً من تاءِ التأنيث وقد خرجَ عن هذا الأصلِ ثلاثةُ ألفاظٍ ظَرْفان وهما وراء وقُدّام تقولُ فيهما وريّئةٌ وقُدَيْدِيمة وعِلّة ذلك أنَّ الظروفَ كلَّها مذكَّرةٌ إلاَّ هذينِ فإنَّهما مؤنثان فلو لم تُردَّ التاءُ عليهما للتَّصغير لأُلْحِقا ببقيةِ الظُّروف واللَّفْظَةُ الثالثة السماء ذا الكواكب فإنَّ تصغيرَها سُمَيَّة وإنَّما قصدوا بذلك الفرقَ بينها وبين سماءِ المطر فإنَّه مذكَّر
فصل
في تصغير الأسماءِ المُبْهَمة
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 172 ]
إذا صغّرتَ الاسمَ المبهمَ تركتَ أوَّلَه على ما كانَ عليه من فتحٍ أو ضمٍّ بخلافِ المعربةِ لأنَّها لَمّا خالَفَتْها في الإعراب والبيان خالفتها في التصغيرِ لأنَّ التصغيرَ كالوصفِ لها ووصفُها لا يغيّرها فمن ذلك ذا تقول في تصغيره ذَيّا بالفتح فالألف في آخرِه عِوَضٌ عن الضمّة المستحقّة في أوَّل المصغّر فهي زائدة ولَمَّا كانَ ذا على حرفين لم يمكن تصغيرُه مع بقاءِ ألفه لأنَّ الألف لا يكونُ قبلَها ساكنٌ وياءُ التصغير ساكنة ولا يمكنُ أن تُقْلَبَ الألفُ ياءً وتدغمَ فيها ياءُ التصغير لأنَّ ذلك مخالفٌ لِمَا عليه بابُ التصغير إذْ من حكم التصغير أن تكون ياؤه ثالثةًً وبعدها حرف فوجب أن تُكمّل هذه الكلمةُ ثلاثةَ أحرف كما تكمّل سائر الكلمات التي على حرفين بحرفٍ آخرَ في التصغير فزادوا ياءً تقع بعد ياء التصغير وصارتِ الألفُ ياءً قبل ياء التصغير فصارَ معك ثلاثُ ياءاتٍ وذلكَ مرفوضٌ على ما ذكرنا في تصغير عَطَاء وبابه فحذفوا إحداها والقياسُ يقتضي أن تكونَ المحذوفةُ الأولى لأنَّ
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 173 ]
الثالثةَ بعدَها الألفُ ولا تكونُ إلا متحركةً وياءُ التصغير لا تُحرّك ولا تُحذف لئلا يَبطُلَ معناها ولا شيءَ يَخْلُفُها فَحُذِفت الأولى ووقعتْ ياءُ التصغير ثانيةً وعندي أنَّ ياءَ التصغير لو جُعِلت ثانيةً من الابتداء أو جُعِل بدلَ الألف ياءً متحركةً لتقع الألفُ المعوّضةُ من الضمّة بعدَها وكان أقربَ إلى القياس من الزيادة والحذف والرجوعُ أخيراً إلى هذا المذهب ولو أمكنَ في الاسمِ المعربِ أنْ تقع ياءُ التصغير ثانيةً لأُوقعت وإنَّما منع منه انضمامُ ما قبلها وتقول في هذا هَاذَيّا فتأتي بحرف التنبيهِ وتَدَعُ الاسمَ في التصغير على ما كانَ عليه وفي ذاك ذيّاك والكاف للخطاب
فأمّا في المؤنَّثِ فَقَدْ قَالوا هذِه وهاذي وتَا وتِي إلاّ أنَّه في التَّصغير لا يقال إلاّ تيّا لِئلا يلتبسَ المؤنَّثُ بالمذكَّر وتقولُ في ذلك ذيَّالِك فتأتي باللاَّمِ والكافِ وفي تِلكَ تَيّالك فأمّا أولاءِ الذي هو جَمع ذا فَيُقْصَرُ ويُمدّ فإنْ صغّرتَ المقصورَ قلتَ أُوليّا فالضمّةُ باقِيةٌ وأُبدلتَ الألفَ ياءً وأدغمت والألف التي بعدها عوضٌ من ضمّةِ التَّصْغِير فأمّا الممدودُ فهو على مثال فُعَال فإذا صُغّر وقعت
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 174 ]
ياءُ التصغيرِ بعد اللاّمِ وبعدها ألفٌ فتقلب الألف ياءً فأمّا الألفُ التي تُزاد عِوضاً من ضمّة التصغير فاختلفوا في موضعِ زيادتِها هنا فقال المبرّد الوجْهُ أن يُزادَ قبل الهمزة ثم يُعمل بالقياس في ذلك وإنّما قالَ ذلك لثلاثة أوجه
أحدها أنّه لو زادَ الألفَ بعد الهمزةِ لَلَزِمَ حذفُها لأنّها تقلبُ ياءٌ مثلَ الهمزةِ في عطاء إذا صغّرت وإذا قُلبت ياءً وجبَ حذفُها لاجتماعِ ثلاثِ يَاءات كما حُذفتْ في عُطيّ فتقعُ الألفُ بعد الياء المشدّدَة فتصيرُ أوليّا كتصغير المقْصُور فلا يَبْقَى على المدِّ في المكبّر دليلٌ
الوجه الثاني أنَّ الألفَ إذا وقعتْ بعد الهمزةِ كانت خامسةً زائدةً وحكمُ مثل ذلك الحذفُ في التصغير كَحُبَارَى فإنّك تحذف الألفَ الأخيرةَ وإذا حُذفت قلبتْ الهمزةُ ياءً وحُذفت وصارت إلى مثل أوليّ مثل عطّيّ فيزولُ عِوَصُ الضمّة ويبقى لفظُ أقلُّ من لفظ المقصورِ
والثالثُ أنَّ الألفَ المزيدةَ عِوَضاً من ضمّةِ التَّصغير تصيَّرُ الكلمةَ إلى مثلِ حُميراء في عدّة الحروف فينبغي أن تكون الألفُ قبلَ الهمزةِ وتكونَ الألفُ التي كانت في المكبّرِ بمنزلةِ الراء في حمراءَ في أنّها ثالثةٌ فإذا صُغّرت قلبت الألفُ الأولى ياءً فينبغي أنْ تبقى الألفُ والهمزةُ بعدها كما بقيت في حُمَيْراء
وقال الزَّجّاجُ الألفُ المعوَّضَةُ من الضمّةِ زيدت أخيراً على ما عليه البابُ والهمزةُ بدلٌ من ألفٍ وقَبلها الألفُ الزائدةُ في المكبّر فأُبدلت الأولى ياءً ورُدَّت الهمزةُ إلى أصلها فاجتمع ألفان فَهُمزت الثانيةُ كما هُمزت ألفُ التأنيث في حمراء
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 175 ]
وتقولُ في تصغير الَّذي اللَّذيا وفي اللَّتيّا فَتُبقي الفتحةَ وتزيدُ الألفَ فإنْ ثنيتَ قلتَ اللَّذيَّان واللَّذيُّون فحذفتَ الألفَ الزائدةَ دونَ الفِ التثمية لالتقاء الساكنين وكانَ حذفُ الأولى أوْلى لأنَّ الثانيةَ تمحضّت للتَّثْنِية ودلَّتْ على الإعرابِ فهي أقْوى واختُلِفَ في تقدير حذفِها فقال سيوبيه هي محذوفةٌ غيرُ مُقَدَّرة
ويظهر أثرُ الخلافِ في الجمع فعندَ سيبويه اللَّذيُّون بضمّ الياءِ واللَّذِين بكسرها كأنْ لم يكن فيه ألف ولو كان مقدراً كما أنّ التنوينَ في قولك واغلام زيداه حُذِفَ كأنْ لم يكن ولو كان مقدّراً لكانت الألفُ ياءً لكسرةِ الدال
وعندَ الأخفشِ والمبرّد بفتح الياء في الحالين لتكون الفتحةُ دالّةً على الألفِ المحذوفة كالمطَفَيْن والأعْلَيْن
176
- وأمَّا تصغيرُ اللاَّئي واللاَّتي فقال سيبويه استَغْنوا عنه بتصغير واحدِهِ المتروكِ في جمعه وهو قولهم اللَّتيات وهذا يَدُلُّ على أنَّ العربَ امتنعت منه وأمّا الأخفشس فيقيسُه فيقولُ في اللائي اللّويئا فيقلبُ الألفَ واواً لأنّها مثلُ ألف فاعل ويُوقع ياءَ التصغير بعدَها ويقرّ الهمزةَ ويزيد ألفاً أخيراً ويحذفُ الياءَ التي بعد الهمزةِ لئلا تصيرَ الكلمةُ على ستةِ أحرف وكأنه حذفَ الياء لالتقاء الساكنين وكانت أولى بالحذفِ لأنَّ الألفَ لمعنى ويقولُ في اللاتي اللّويئا على قاس ملا تقدّم وقال المازنيّ لَمّا لم يكن بدٌّ من حذفٍ حُذِفت الألفُ التي بعد اللاّم لأنّها زائدة فتقع ياءُ التصغير بعد الهمزة والتاء وتدغم فتصير الليّا واللّتيا كلفظ الواحد وحُكي عن بعضِهم من العربِ ضمُّ اللام في اللُّذيا واللُّتيّا
وأمّا مَنْ وأيّ فقد تقدّمَ الكلامُ في تصغيرِهما
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 176 ]
وأمَّا تصغيرُ اللاَّئي واللاَّتي فقال سيبويه استَغْنوا عنه بتصغيرِ واحدِهِ المتروكِ في جمعه وهو قولهم اللَّتيات وهذا يَدُلُّ على أنَّ العربَ امتنعت منه وأمّا الأخفشس فيقيسُه فيقولُ في اللائي اللّويئا فيقلبُ الألفَ واواً لأنّها مثلُ ألف فاعل ويُوقع ياءَ التصغير بعدَها ويقرّ الهمزةَ ويزيد ألفاً أخيراً ويحذفُ الياءَ التي بعد الهمزةِ لئلا تصيرَ الكلمةُ على ستةِ أحرف وكأنه حذفَ الياء لالتقاء الساكنين وكانت أولى بالحذفِ لأنَّ الألفَ لمعنى ويقولُ في اللاتي اللّويئا على قياسِ ما تقدّم وقال المازنيّ لَمّا لم يكن بدٌّ من حذفٍ حُذِفت الألفُ التي بعد اللاّم لأنّها زائدة فتقع ياءُ التصغير بعد الهمزة والتاء وتدغم فتصير الليّا واللّتيا كلفظ الواحد وحُكي عن بعضِهم من العربِ ضمُّ اللام في اللُّذيا واللُّتيّا
وأمّا مَنْ وأيّ فقد تقدّمَ الكلامُ في تصغيرِهما
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 177 ]
فصل
فإنْ صَغَّرتَ جمعَ التكسير الكثرةِ رددتَه إلى جمع القلّة إنْ كانَ له جمعُ قِلّة نحو جمال تقول في تصغيره أُجَيْمَال فتردّه إلى أجْمَال ثم تصغّره وإنّما كانَ كذلك لأنَّ التصغير تقليلُ فلم يجتمعْ مع ما يَدُلُّ على الكثرةِ فإنْ لم يكنْ له جمعُ قلّةٍ جمعتَه بالألف والتاء نحو دُرَيْهِمات وَرْجَيْلات لأنّ هذا الجمعَ جمعُ قلّةٍ فإنْ لم يَجُزْ في مكبّره الألفُ والتاء وجازَ فيه الواو والنون رَدَدْتَه إلى الواو والنون كقولك في تصغير حَمْقى إن اردت به جمع أحْمَق أُحَيْمَقُون وإنْ كانَ جمع حَمْقاء قلت حُمَيْقاوات لأنَّ الواوَ والنونَ من جُموع القِلّةِ
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 178 ]
بابُ جمعُ التكسير
وحدُّه كلُّ اسمِ جمعٍ تغيَّرَ فيه لفظُ واحدِه ومن هنا يسمّى تكَسِيراً لتغيّرِ هيئةِ واحدِه كما تتغيّرُ هيئةُ الإناء بالتكسير والتغييرُ تارةً يكون باختلافِ الحركةِ وزيادةِ الحرف نحو أفْلُس ورِجَال وتارةً بتغيّر الحركةِ فقط نحو جَوالق فالمفردُ مضمومٌ الأوّل فإذَا جُمِعَ فَتَحْتَ وتارةً يكونُ بالنُّقْصان نحو حِمار وحُمُر وتارةً يكونُ على لفظِ الواحدِ وهو في التقديرِ مختلفٌ نحو فُلْك فإنَّ الفاءَ فيه مضمومةٌ في الواحدِ والجمع ولكنْ يجبُ أن يُعتقدَ أنّ الضمّة في الجمعِ غَيْرُها في الواحدِ لأنّا وجدنا الضمّة تكونُ لما الواحدُ فيه مفتوحٌ أو مكسورٌ نحو فَدّان وفُدُن وحِمار وحُمُر فَدُلّ على أنّ حُدوثَ الضمَّةِ في هذا الجمع مُعَلَّلٌ بالجمع وهذا مِثْلُ ضَمِّ العين في عُرَيْب في التصغير لأنّها غيرُ الضمّة في المكبّر لأنّ أوّل المصغّرِ يُضَمّ بكلِّ حالٍ وكذلك ضمّةُ الصّاد في قولك يا منصُ على قولهم يا حارُ غير الضمّة في مَنْصور وعلى هذا تقولُ في هِجان ودِلاَص الكسرة والالف في الجمع غَيْرُهما في الواحد
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 179 ]
فصل
والجمع على ضربين قلّة وكثرة فجمعُ القِلّة جمعُ السَّلامةِ وأربعةٌ من التكسير أفْعُل وأفْعَال وأفْعِلة وفِعْلة نحو أفْلُس وأجْمَال وأحْمِرة وغِلْمَة وما عدا ذلك جمعُ كَثْرةٍ وإنّما كانَ كذلك لأنّك تميّز بها العددَ القليلَ وهو من الثلاثة إلى العَشَرة
فصل
وإنَّما اسْتُعْمِل كلُّ واحدٍ منهما مَوْضِعَ الآخرِ في بعضِ المواضعِ لاشتراكِ الجميعِ في كونه جَمْعاً وأنّ اللفظَ لا يَدُلّ على الكميّة المخصوصةِ
فصل
والألفاظ المقيّدة للجمعِ أربعةٌ
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 180 ]
جمعُ السلامة نحو الزَّيْدُون والهَنْدَات
وجمعُ التكسير نحو ما ذكرنا
واسمُ الجنسِ وهو ما كان بين واحدِه وجمعهِ الهاءُ نحو نخلةٌ ونَخْل وتَمْرةٌ وتَمْر وهذا ليسَ بجمعٍ في اللفظ لانّه مفردٌ يذكّر ولا يؤنّث فتقول هذا تمرٌ ولا تقول هذه تمرٌ بخلاف جمعِ التكسير فإنّك تؤنّثه تقول هذه رجالٌ وهؤلاء رجالٌ
والرابع اسمٌ مفردٌ في اللّفظِ موضوع للجمعِ نحو الرّهط والنَّفر والجامِل والباقِر
فصل
وابنيةُ الثُّلاثيّ عَشَرةٌ أخفُّها وأكثرها دوراً في الكلام فَعْلٌ بفتح الفاء وسُكون العين نحو فَلْس وكَعْب وجمعه القليل على أَفْعُل نحو أفلُس دونَ أفعال وإنّما كانَ كذلك لأن أفْعُلا أقلُّ حروفاً من أفعال فاختِير لما يكثر استعماله تخفيفاً وقَدْ شذَّ منه شيءٌ فجاء على أفْعَال وذلك نحو فَرْخ وأفْرَاخ وساغَ فيه ذلك لأمرين
أحدهما أنّ الرّاءَ تُشْبِه حروف المدِّ لِمَا فيها من التَّكْرِير
والثاني أنه حُمِل على طَيْر لأنّه بمعناه ومن ذلك أنْفٌ وآناف لأنّ النُّونَ تُشْبِه الواوَ بغنَّتها وكذلك زنْدٌ وأزناد وفيه وجهان
أحدهما ما تقدم من شَبَهِ النون بالواو
والثاني أنَّ الزّند عُودٌ فَحُمِل على جَمْعِه
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 181 ]
فصل
وأمّا المعتلُّ العين نحو ثَوْب فَيُجْمَع في القلّة على أثواب لا على أثْوُب لأنَّ الضمَّة على الواو تُسْتَثْقَل وكذلك الياء في بَيْتٍ وأبْيَات فأمّا في الكَثْرة
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 182 ]
فتجيءُ الواوُ فِعال نحو ثياب دونَ فُعُول لِئلاّ يثقل بضمّه الأوّل والثاني واجتماع الواوين وجاءَ ذلكَ في الياء نحو بُيُوت لأنّ الياءَ أخفُّ من الواو
فصل
وإنَّما جُمِعَ فُعَل نحو صُرَد ونُغَر على فِعْلان بالكسر لأمرين
أحدهما أنَّ هذا البناءَ اختصَّ بضربٍ من الْمُسمّيات وهو الْحَيَوان ولا يكَادُ يوجد في غيرِه فَخَصُّوه في الجمعِ ببناءٍ لا يكون لغيره من الثلاثي
والثَّاني أنَّ فُعَلاً قَدْ يَكونُ مَقْصُوراً من فَعال وفُعال يجمع على فِعلان نحو غُراب وغِربان فَلَمَّا قرب منه جُمع جمعه فأمّا رُبَع فَشذّ جمعُه على أرْبَاع حَمْلاً على غيره من الثلاثي
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 183 ]
فصل
وقد شَذَّ من أبنيةِ الثُّلاثي غيرِ السَّاكن العين زمَنٌ فَجَاء على أزْمن إذْ كانَ زَمنٌ بمعنى دَهْر فَحُمل جمعُه على أدْهُر
فصل
فإنْ كانَ الاسمُ مذكَّراً على أربعةِ أحْرف ثالثُه حرفُ مدّ نحو حِمار وسَحَاب وغُراب وقَضِيب ورَسُول جُمِع في القلّة على أفْعِلَة وفِعْلَة دونَ أفعالٍ وأفْعُل لأنّه لَمَّا زادَت حروفُه على الثلاثةِ زِيدَ في حُروف جمعِه فأمَّا في الكَثْرة فقد جاءَ على فُعُل بضمِّ العينِ وإسْكَانِها نحو حُمُر وحُمْر في جمعِ حِمَار لأنه اكْتُفي بمعنى الكثرةِ عن تكثير الحروفِ فأمّا أحمر وحمراء فلا يجوزُ فيه إلا حُمْر بإسكانِ الميمِ فرقاً بين
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 184 ]
الاسم والصفة وقد جاءَ هذا البناءُ على فُعلان نحو جُرْبان وفِعلان نحو غِزْلان فأمَّا في المؤنث فالأكثرُ فيه في القِلَّة أفعُل نحو عَنَاق وأعْنُق وعُقاب وأعقُب لئلاّ يجمعُوا بين التأنيث وكثرةِ الحروف
فصل
وإنَّما قُلبت الفُ فَاعل في الجمعِ واواً لأنّ الفَ التكسير تَقَعُ بعدها والجمعُ بينهما مُتَعذِّر لسكونِهما وحَذْفُ أحدِهما يُخلّ بالدَّلالة على الجمع فقلبوها واواً لا ياءً لخمسةِ أوجه
أحدها الفرقُ بينَ ألفِ فاعل وياء فَيْعل نحو صَيْرَف وبَيْئِس فلو قلت ضارب لجازَ أنْ يُقالَ الواحدُ ضيرب
والثَّاني أن الألفَ لَمَّا قُلبت في التصغيرِ واواً نحو ضُويرب قلبتْ إليها في الجمع لقوّةِ اشتباهِ البابين
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 185 ]
والثالث أنَّ بعد الألف كسرةً فلو قُلبت ياءً لوقعتْ الألف بين كسرة وبينَ ما هو في تقديرِ الكسر وقوعاً لازماً
والرابعُ أنّ ألفَ فاعل حرفُ معنى والواوُ كثرتْ زيادتُها للمعنى أكثرَ من زيادة الياء له
والخامس أنَّ الواوَ هنا لَمّا اختصَّت بالجمعِ أشبهتواوَ الضمير في قامُوا والزَّيْدُون
فصل
وإنَّما جاء في جمع فاعل من المنقوصِ فُعَلَةٌ نحو قَاضٍ وقُضَاة فرقاً بينَ الصحيحِ والمعتلّ واختارُوا له هذه الزِّنةَ لأنّها أخفُّ وأنّها لا مثلَ لها في الآحادِ المعتلّة
فصل
وجَميعُ الرُّباعي له جمْعٌ واحدٌ وهو فَعَالِل سواءٌ كانت حروفُه كلّها أصولاً أو كانت بعضُها للإلحاق لأنَّ الأربعةَ لا بدّ فيها من زيادةِ ألفِ التكسير لِتَدُلَّ على
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 186 ]
الجمع فَلَوْ زَادوا حَرْفاً آخرَ لطالتْ الكلمةُ وهُم قد حَذَفوا من الخماسيَّ فِراراً من الطّول ولمْ يأتِ على شيءٍ من صِيغ الثلاثيّ لأنّه لا بُدَّ فيه من تكريرِ لامِه كما كانتْ مكررةً في الواحد فلو جاءَ على شيءٍ من تلك الصّيغ لم تتكررْ اللامُ بلْ كانَ يعودُ إلى الثلاثي
فصل
إذا كانَ الرابعُ وَاواً أو ألفاً زائداً في الرُّباعي نحو جُرْمُوق وحِمْلاق قُلبت ياءً لِسُكونها وانكسارِ ما قبلها
فصل
وأمّا الخُمَاسيّ فتحذفُ منه الحرفَ الأخيرَ لِمَا ذكَرْنا في التَّصغير وكذلكَ إذا كانَ في الكلمةِ زَائدان أحدهما لغيرِ مَعْنىً حُذِفَ دونَ الآخرَ وإنْ كانَ فيه زائدٌ واحدٌ واحْتِيج إلى الحذف حُذِفَ لِمَا ذُكر في التَّصْغِير أيْضاً
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 187 ]
فصل
وإنْ كانَ فيه زَائدان إذَا حذفتَ أحَدَهما لَزِمَكَ حذفُ الآخر وإنْ حَذَفْتَ الآخرَ لم يَلْزَمْكَ حذفُ صاحبه حذفت الذي تأمنُ معه حذفَ الآخر نحو عيضموز تحذِفُ منه الياءَ ليبقى يعقوب فتنقلبُ واوه ياءً ولو حذفتَ الواوَ وأبقيت الياء لقلت عياضمز وذلك لا يجوزُ لأنه مثل سَفَارجل فتحذفُ الياءَ ليبقى اربعة أحرف مثل جَعْفَر وجَعَافِر فإذا حذفت الياء بقيَ مثل يعقوب كما تقدّم
فصل
وإنَّما حُرِّكت العينُ من فَعْلة إذا كانت اسماً في الجمع نحو جَفْنة وجَفَنات ولم تحرّك في الصِّفة نحو صَعْبات ليفرّق بين الاسمِ والصّفة وكانَ إبقاءُ الصِّفَةِ على السُّكون أولى لأنّ الصِّفةَ أثقلُ من الاسمِ لاحتياجها إلى الموصوف وإلى الفاعلِ المضمر والمظهر ولكونِها مشتقّةً من الفعل الذي هو ثَقيلٌ
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 188 ]
فصل
فإنْ كانتِ العينُ وَاواً أو ياءً لم تُحَرِّكا لئلا تَنْقَلبا ألفين وقد جاءَ التحريكُ في الشِّعر شاذاً كما جاءَ التسكينُ في الاسمِ الصحيحِ العين شاذّاً أيضاً وهكذا أيضاً إنْ كانَ مضاعفاً نحو سَلّة وسَلاّت لانَّك لو حرّكت اللاّمَ الأولى لالتقى مِثلان ومنْ شأْنِهم أن يُدْغِموا الأوّل في الثَّاني فيما هو أصلٌ فكيفَ فيما حَرَكَتُه عارضةٌ
فصل
فإنْ كانتِ الفاءُ مضمومةً والعينُ ساكنةً صحيحةً جازَ ضمُّها إتباعاً وفتحُها فِراراً من الضَّمتين وتسكينُها على الأصلِ نحو حُجُرات فإن كانت العين واواً نحو سُورة لم تحرّك لئلا تنقلب الواوُ بالضمّ أو تقلبَ ألفاً إنْ فُتحت وقد جاءَ في
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 189 ]
سُورَات بالفتح فإنْ كانتِ اللاّمُ واواً نحو خُطْوَة فالجيِّد تسكين العين لئلا تجتمعَ الضمّتان والواُو وزيادةُ الجمعِ وقد جاءَ تحريكُها على الأصل فإن كانتْ ياءً نحو كُلْيَة فالتَّسْكين هو الوجهُ لِمَا تقدّمَ في الواو ولو فُتحتِ العينُ لأدّى القياسُ إلى قلبِ اللاّم ألفاً أو حذفها لالتقاءِ الساكنين وقد جاء ذلك شاذّاً أيضاً
فصل
فإنْ كانت فِعْلة مكسورةَ الفاء مثل سِدْرة ففيها الأوجهُ الثلاثة التي في المضمومة
الكسرُ على الإتباعِ
والفتحُ للتخفيف
والإسْكَانُ على الأصل
فصل
في جمع أفْعَل
إذا كان أفْعَل اسماً نحو أفْكَل جُمعَ على أفاعِل لأنّه بالحرفِ الزائدِ لحق بِجَعْفَر فَجُمع جمعَه وهو اسمٌ مثله فإنْ كانَ صفةٌ غالبةٌ وهي التي لا يكاد يُذْكَرُ
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 190 ]
الموصوفُ معها نحو الأبرق والأبْطح جمعتَه هذا الجمعَ لأنّه اشْبَهَ الاسمَ من حيثُ لم يذكر الموصوفُ معه فتقول أبَارِق وأبَاطح وإنْ كان صفةً يذكرُ معها الموصوف نحو أحمر جمعتَه على فُعْل بإسكان العين وضمُّها شاذٌّ ولم يُجمعْ على أفاعِل لأنَّ الصفةَ مشتقّةٌ من الفعل واشتقاقُها وكونُها فرعاً على الموصوف يُلحِقها بالثلاثيّ الذي هو أصلُها
فصل
وتكسيرُ الصّفة ليسَ بقياسِ لما ذكرنا في فَعْلة من مشابهةِ الصفةِ للفعل فأمّا جمعها بالواو والنون فليسَ بقياسِ لأنَّ الفعلَ تتصل به هذه العلامةُ فضاربون مثل يضربون
فصل
وقد شذَّتْ من الجموعِ ألفاظٌ فجاءت على خِلاف نظائِر آحادِها فمن ذلك ليلة جُمعتْ على ليالٍ وكان قياسها لِيال مثل جِفان أو ليلاً مثل تمرة وتمر وقياسُ واحدها ليلاة مثل سَعْلاَة وسعالٍ وقد جاء في الشعر ليلاهُ شاذاً ومن ذلك حوائج جمع حاجَة وقياس واحدها حائجة مثل ضاربة وضوارب وقياسُ حاجةٍ حاجٌ وحَاجَات وهما مستعملان ومن ذلك ذَكَر ومذاكير وكأنه جمع مِذْكَار وكأنّهم توهّموا في جمعِه ما يدلّ على التكثير
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 191 ]
باب ألفات القطع وألفات الوصل
أَلِفُ الوصلِ مَزيدةٌ تَوصُّلاً بِها إلى النُّطْقِ بالسَّاكن بعدها ولذلك إذا وَصَلْتَ بالكلمة شيئاً قبلها سقطت الهمزةُ لأنّ الساكنَ قد نُطِق به بواسطةِ ما قبله فلا تثبتُ همزةُ الوصلِ إلاّ في الابتداءِ وأمّا همزةُ القطْعِ فتثبتُ وَصْلاً وابتداءً
فصل
وإنّما اختيِرت الهمزةُ لذلك لِوَجْهَيْن
أحدهما أنَّ القياسَ كانَ أنْ تُزادَ الألفُ لخفَّتها ولكن تعذّر ذلك لاستحالةِ تحريكِها واستحالةِ الابتداءِ بالساكن فَعُدِل إلى الهمزة إذْ كانت أختَها في المخْرج وشبيهتَها في أحكامٍ كثيرة وقيلَ حُرِّكت الألفُ فانقلبت همزةً
والثاني أنّ الهمزةَ أوّلُ حروفِ الحلْقِ فَخُصّت بالابتداءِ لتناسبِ المعنيين
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 192 ]
فصل
وأصْلُ حركتها الكسرُ لأنّ الأصلَ الإسكان ولكن دعتِ الضرورةُ إلى التحريكِ فصارَ التحريكُ لالتقاءِ الساكنين أو كالتحريك له وإنَّما يُضَمّ إذا انضمَّ الثالثُ لِثِقَل الخروج من كَسْرٍ إلى ضمٍّ لازم وضُمّت اتباعاً للثالث
فإنْ قيلَ فكيف كسرت همزة ابنو وارموا وضمّت همزةُ أدعي واغزي قيلَ لأنّ الضمّةَ في النونِ والميمِ عارضتان والأصلُ كَسْرُهما والاصلُ في العينِ والزَّاي ضمُّهما والكسرةُ عارضةٌ وذهب قومٌ إلى أنّها حُرِّكت اتباعاً للثالث المضمومِ والمكسورِ فأمّا المفتوحُ فلم نُتْبِعْه لئلا يلتبسَ بهمزةِ المتكلِّم
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 193 ]
فصل
فأمّا الهمزةُ مع لامِ التعريفِ فمفتوحةٌ وذلكَ لكثرةِ استعمالِ أداةِ التَّعريفِ فاختِيرَ لها أخفُّ الحركاتِ فِراراً من الثِّقل
فصل
فأمّا همزةُ آيْمُنُ فقد ذُكرت في القَسَم وقيلَ هي همزةُ الجمعِ حُذِفت واجتُلِبت همزةُ الوصلِ وفُتحت إيذاناً بالتغيير اللاّحقِ الكلمةَ وقد دخلَ هذه الكلمةَ ضروبٌ من التَّغيير على ما ذُكَرَ في القَسم
فصل
فأمّا ما يدخُلُ عليه همزةُ الوصل من الأسماء فعشَرةٌ تُذْكَر أحكامَها في التَّصريف إنْ شاء الله وهي
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 194 ]
اسمٌ واسْتٌ وابنٌ وابنةٌ وابنم واثنان واثنتان وامرؤ وامرأة وايمن
وأمّا الأفْعَالُ فتدخلُ فيه همزةُ الوصلِ إذا كانَ الفعلُ أربعةَ أحْرفٍ فصاعِداً غيرَ الهمزة ويُسَكّن الحرفُ الذي يلي الهمزةَ نحو انطلقَ واستخرجَ واقترفَ ونحو ذلك ومصدرُه كذلك نحو الانطلاقُ والاستخراجُ ولسكون الحرفِ الثاني علّةٌ نذكرها في التصريف إن شاء الله تعالى وأمّا دُخُولها في الأمر ففي كلّ فعلٍ سكّن فيها ما بعدَ حرف المضارعة فإنّ همزةَ الوصلَِ تدخلُ عليه ليبقى الحرفُ على سكونِه نحو اضرب واركَب واقرب فأمّا نحو قُمْ وعِدْ فلم يُحتج إلى الهمزة لأنّه لَمّا تحرّك في المضارع نحو يقومُ ويَعِدُ بقي متحرِّكاً في الأمر
فصل
إذَا دخلت همزةُ الاستفهامِ على همزةِ الوصْل حُذفت همزةُ الوْصلِ لأنّ السَّاكنَ
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 195 ]
يُمكن النّطقُ به بعد الاستفهام فلا حاجة إلى الهمزةِ الأُخرى وكانت همزةُ الاستفهام أوْلَى لأنّها دَخَلت لمعنى فأمّا همزةُ لام التَّعريف فلا تَحْذِفُها همزةُ الاستفهام لأنّها لو حُذِفت لصارَ لفظه لفظَ الخبر ولم يقرَّ الهمزةَ على لفظها لأنَّها ساكنة ولامُ التعريف ساكنة فلم تجتَمِعا ولكنّها تُبْدَل ألفاً لأنّ الألفَ فيها مدٌّ يُصَحِّح وقوعَ الساكن بعدَها ومنه قولُه تعالى ( آاللهُ خيرٌ أمّا يُشرِكونَ )
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 196 ]
باب الوَقْف
الوقفُ ضِدُّ الابتداء لأنّه يكون عند انتهاءِ الكلمة ولَمّا استحالَ الابتداءُ بالساكن استحسنوا في ضدّه وهو الوقف ضدّ الحركة وهو السكونُ وجملة مذاهب العرب في الوقف سبعة
الإسْكان
والإشْمام
والرَّوْمُ
والنَّقْل
والتَّشْدِيد
والإبدال من التنوين ومن حرف العلّة
والحذف
فصل
وأجودُها الإسكانُ في الرفع والجرِّ والنصبِ في غيرِ المنوّن لوجهين
أحدهما ما تقدّمَ من مضادّةِ الوقف للابتداء
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 197 ]
والثاني أنَّ الوقفَ يكونُ للاستراحة فيناسب الإسكانُ لخفّتهِ
فصل
وأما الإشْمامُ فهو أنْ يُشِير بشفتيهِ إلى الضمِّ دونَ الكسر والفتحِ وهذا يُدرَكُ بالبصر دون السمع ويُسمَّى رَوْماً عند قومٍ وإنّما فعلوا ذلك تَنْبيهاً على استخفافِ الحركة ولم يَجُزْ في الكسرِ لما يُفضي إليهِ منْ تشويه الخلقة ولا في الفتح لتعذّر ذلك
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 198 ]
فصل
وأمَّا الرَّوْمُ فهو أنْ يضمَّ شفتيه في الرفعِ بعضَ الضمِّ ويكسر في الجرِّ بعضَ الكسر فيضعفُ الصَّوتُ بهما وهذا يدرِكه السمع ويُسمَّى رَوْماً لأن الرّوم الإرادة فكأنَّه اراد الحركة التامّة ولم يأتِ بها وبقي على إرادتها دليل
فصل
وأمَّا النَّقْلُ فهو أنْ تنقلَ الضمَّةَ في الرفع والكسرةَ في الجرِّ إلى الساكنِ قبلها بشرط أنْ لا يَخْرُجَ بالنقلِ عن النظائر وأن يكونَ المنقولُ إليه صحيحاً مثاله هذا بكُرْ بضمِّ الكاف ومررتُ ببكِر بكسرها ومنه من - الرّجز -
( ... أنا ابنُ ماويّةَ إذْ جَدَّ النَّقْرْ )
وقرأ بعضهم ( وتَوَاصَوْا بالصَّبْرِ ) وإنَّما فعلوا ذلكَ اهتماماً بالإعراب فجمعوا بين الوقفِ على السكون والإتيان بالحركة وتقول مررتُ بِرَجِلٍ فتكسر
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 199 ]
الجيم ولا تقولُ هذه رَجِلٌ لئلا تخرجَ من كسرٍ إلى ضَمٍّ في حشوٍ وتقول هذا بُسُر فتضمّ ولا تقولُ أكلتْ من بُسِرْ فتكسر لئلا تخرجَ من ضمٍّ إلى كسر لازمٍ في حشو ولا تقول هذا زَيُدْ فتنقل لئلا يتحرك حرفُ العلّة
فصل
وأمَّا التشديدُ فهو أنْ يُشدّد حرفُ الإعرابِ إذا كان صحيحاً قبلَه متحرِّكٌ في الرفع والجرّ وفي النَّصب إذا لم يكُنْ مُنوّناً كقولك هذا خالدٌ وهو محمدٌ ورأيتُ الرجلّ وإنَّما فعلوا ذلك اهتماماً بالإعرابِ أيضاً وجعلوا الحرف السَّاكنَ عِوضاً من الحركة كما جعلوا حروفَ المدِّ في موضع كالحركات
فصل
وأمَّا الإبدالُ من التنوينِ فأكْثَرُ العرب تُبْدِلُ منه في النصبِ ألفاً ولا تُبدلُ منه في الرفع والجرِّ وفي ذلك وجهان
أحدهما أنَّ القياسَ يقتضي تَرْكَ البدلِ في الجميع لأنَّ البدلَ كالأصلِ وكما لا تُثبتُ الاصلَ فكذا ينبغي في البدل ولكن أُبْدِل في النصب لخفّة الفتحة والألفَ
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 200 ]
والثاني أنَّ القياسَ هو الإبدالُ في الجميع ليتبيَّن أنَّ التنوين هو مستحقّ فخرجَ في النصب على الأصل وامتنع في الرفع والجرِّ لأمرين
أحدهما ثقلُ الضمَّةِ والواو والكسرة والياء
والثاني اللَّبْس فالواو تَلْتَبِسُ بواوِ الجمعِ أو واوِ الاستذكار والياءُ في الجرِّ تلتبسُ بياءِ الجمعِ أو ضمير المتكلِّم ومن العربِ مَنْ لا يُبدل في النصب كما قال الأعشى من - المتقارب
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 201 ]
( وآخُذُ من كلِّ حيٍّ عُصُمْ ... )
أي عصما وقاسوه على الرفع والجر
ومنهم مَنْ يُبْدِل في الرفع واواً وفي الجرِّ ياءً كما يُبْدل في النصب ألفاً وهم أزْدُ السراة ولا يحتفلون بالثّقل واللّبْس
فصل
وأمَّا الإبدالُ في غير التنوينَ فَمن التّاء والألف والهمزة والياء أما التاء فإن كانت للتّأنيثِ أُبْدلت في الوقفِ هاءً في الأحوال الثلاث لأنَّهم أرادُوا أنْ يَفْصِلوها من غيرِ تاء التأنيث وإنَّما اختاروا الهاء لما نذكره في حروف البدل إن شاء الله نحو ضَارِبه ولَمّا كانت التّاءُ تثْبُتُ في الكلمةِ إمَّا أصْلاً أو كالأصليّ وصْلاً
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 202 ]
ووقفاً نحو الرّفات والفرات أُبدل منها إذا كانت تاءُ تأنيث للفرق ومن العرب مَنْ يثبتُها في الوقف ومنه قول يا أهلَ سورةِ البقرةتْ فقال مُجيبٌ ما أحفظ منها ولا آيتْ ولا يبدِلُ هنا من التنوين ألفاً
فصل
وأمَّا الإبدالُ من الألفِ فقد جاء ذلك في نحو حُبْلَى وأفْعَى فمنهم مَنْ يقفُ على الألفِ وهو الأكثَرُ ومنهم مَنْ يبدِلُها واواً قبلَها الفتحةُ ومنهم من يبدلها ياء قبلها الفتحة ومنهم مَنْ يُبدِلُ ألفَ فُعلى همزةً فتقول حبلاً
فصل
وأمَّا الهمزةُ فإنْ كانت قبلَها ألفُ مدٍّ نحو كِساء فالحكم فيها كسائرِ الحروفِ الصِّحَاح فتُحَققُ الهمزةُ في الوقْفِ على ما يُمكن فيها من المذاهبِ المذكورة وإنْ لم تكن قبلَها ألفٌ بل كانَ متحركاً نحو الخطأ والكلأ فالجيِّد همزُها وفيها من المذاهب ما ذكرنا
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 203 ]
ومنهم مَنْ يُبدِلُها واواً في الرفع وألفاً في النصب وياءً في الجرّ ويُتْبِعها ما قبلَها وإنْ كان ما قبلَها ساكناً صحيحاً نحو الْخَبْء والوَثْء فالمشهورُ إقرارُها في الوقفِ ساكنةً وفيها من المذاهب ما تقدَّمَ ومنهم مَنْ يُلْقي حركةَ الهمزةِ على ما قبلها ويحْذِفُها فيقول هذا الوثُ بغيرِ همزٍ في الأحوال الثلاث لكن يضمّ الثاء في الرفع وبفتحها في النصبِ وبكسرِها في الجرِّ كما كانت الهمزة كذلك ومنهم مَنْ يُبْدِلها واواً في الرَّفعِ ويضمُّ ما قبلها وياءً في الجرِّ ويكسِرُ ما قبلها وألفاً في النصب
فصل
وأما الياءُ إذا سُكّن ما قبلها نحو ظَبْي ورَمْي وعَدِيّ فالجيِّد إقْرارُ الياء ومنهم مَنْ يبدلها جيماً
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 204 ]
فصل
وأمَّا الحذفُ ففي المنقوصِ نحو قاضٍ وعَمٍ إذا نوّن وَوُقِفَ عليه رفعاً أو جرّاً ففيه مذهبان
أحدهما حذفُ الياءِ وإسكانُ ما قبلَها كالصحيح فإنَّه يُحذف منه التنوين والكسرةُ التي قبله
والثاني إثباتُ الياء لأنَّها حُذفت في الوصل بسببِ التنوين ولا تنوينَ في الوقْفِ فلا علّة للحذف فإن قيلَ هذا يوجبُ أن يكونَ إثباتُها أوْلى قيل لا لأنَّ الوقفَ عارضٌ والعارضُ كغير المعتدّ به فأمَّا في النصبِ فيوقَفُ بالألف المبدَلةِ لأنَّ الياء تَثْبُتُ فيه وَصْلاً
فصل
فإذا لم يكنِ المنقوص منوَّناً للألفِ واللام فالجيّدُ الوقفُ عليه في الرفع والجرِّ
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 205 ]
لأنَّها تثبتُ في الوصْلِ لعدم موجبِ الحذف فلم تتغيّر في الوقف ويجوز حذفُها وفيه وجهان
أحدُهما الفَرْقُ بين الوصل والوقفِ ولا فارقَ إلاّ الياء
والثاني أنَّهم قدَّروا الاسمَ نكرةً موقوفاً عليه ثم أدخلوا عليه الألفَ واللاّم وهو كذلك فبقيَ على حاله
فأمَّا في النصب فالياءُ لا غير لأنَّها تتحرَّكُ في الوصل وحذفت حركَتُها وكفى به فَرْقاً
فصل
فإن ناديت الاسمَ المنقوص فمذهب سيبويه إثبات الياءِ لأنَّه موضع لا ينوّن ومذهب يونس حذفها للفرق واتفقوا على إثباتها في قولك يا مُري وهو اسم الفاعل من أرى لأنَّهم لو حذفوها لبقي الاسم على حرفين
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 206 ]
فصل
وأمَّا الوقفُ على المقصورِ المنوّن ففيه ثلاثةُ مذاهِبَ
أحدُها الوقفُ على الألفِ التي هي من نفس الكلمة في الرفع والجرّ وعلى بدلِ التَّنوينِ في النصبِ وحذف حرفِ الإعراب لالتقاء الساكنين وهو قولُ سيبويه
والمذهبُ الثَّاني الوقفُ على حرفِ الإعرابِ في الأحوالِ الثلاث
والمذهبُ الثالث الوقفُ على ألف التنوين فيهنّ
وحجَّة الأوَّلين أنَّ المعتلّ مقيسٌ على الصحيحِ والمختارُ في الصحيح أنْ لا يبدلَ من تنوينهِ في الرفع والجرّ ويبدل منه في النصب
فإنْ قيل يلزم عليه أمران
أحدهما أنَّ الصحيح فُعِل به ذلك لأنَّ الفرقَ فيه يظهر وهنا لا يظهر
والثاني ما يُذكر في حجَّةِ المخالفِ قيل عنه جوابان
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 207 ]
أحدُهما أنَّ الفرقَ ثابتٌ وذلك أنَّك إذا وقفتَ على الألف المبدلة من ياءٍ في الرفع والجرّ كتبتها ياءً وأملْتها وجعلتها رَوْماً وفي النصب لا يثبتُ شيءٌ من ذلك
والثاني أنَّ الحكمَ إذا كانت له علّة ووجدتْ أثبتَ حكمها سواء ظهر الفَرْقُ أو لم يظهر
واحتجَّ للمذهبِ الثاني بثلاثةِ أشياء
أحدها عدم الفرق
والثاني الألفُ في النصب قد أُميلت وكتبت ياءً في قوله ( أَوْ أَجِدُ عَلى النَّارِ هُدَى )
والثالثُ أنَّها وقعتْ رويّاً كقول الشاعر من - الرجز -
( ... إنَّكَ يا بنَ جَعْفَرٍ خيرُ فتى )
إلى أن قال
( وربّ ضَيْفٍ طَرَقَ الحيَّ سُرى ... صادفَ زاداً وحديثاً ما اشْتَهى )
( إنَّ الحديثَ طرفٌ من القِرَى ... )
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 208 ]
فالألفُ في سُرَى رَويّ كما أنَّ الألفَ في باقي الأبيات كذلك إذا كان ما قبل الألفِ مخالفاً والرويّ لا يختلف ولو كانت بدلاً من التنوين لم يكنْ رَويّاً كما لا يصحّ أن تَجْمَعَ في قصيدةٍ بين قولِك رايت زيداً وبين العصا والعلا
واحتجَّ أربابُ المذهبِ الثالثِ بأنَّ الموجِبَ لإبدال التنوينِ ألفاً في الاسم الصحيح فتحةُ ما قبلَه والتنوينُ في المقصور كذلك في الأحوالِ الثلاث
والجوابُ أمَّا الفرقُ فقد ذكرناه وأمَّا إمالتُها وكتْبُها بالياء في الآية فجوابُه من وجهين
أحدُهما أنَّ ذلك جاءَ على لغة مَنْ لم يُبْدِلْ من التنوينِ ألفاً في الصحيح
والثَّاني أنَّها أشْبَهت لامَ الكلمةِ في اللفظ فقط فأُجري عليها شيءٌ من أحكامِها وقد أُميلت في نحو كتبت كتاباً
وأمَّا وقوعها رويّاً فجوابُه هذان الوجهان وأمَّا شُبْهَةُ المذهب الثالث فضعيفةٌ لأنَّ التنوينَ في الاسم الصحيح أُبْدِلَ بعد فتحةِ الإعراب والفتحةُ قبلَ التنوين في المقصور فتحةُ بناءٍ لأنَّها عينُ الكلمة أو ما يجري مَجْراها فلا تكونُ تابعةً لها
فصل
وقد زيدت الهاءُ في مواضعَ قُصِدَ بها بيانُ الحركةِ فمن ذلك قولُهم لِمَهْ وعَلامَهْ لأنَّ الألفَ هنا محذوفةٌ من ما فلو سَكّنتَ لم يبقَ على المحذوفِ دليل ولو وُقِفَ عليها متحركةً لخُفِّفت الحركةُ ولكان مناقضاً لحكمِ الوقفِ فزيدت الهاءُ لتبقى الحركةُ ويكونَ الوقفُ على الهاءِ ساكنةً ومن ذلك اغزُهْ وارِمهْ واخشَهْ
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 209 ]
ما ذكرنا ومن ذلك كِتَابيَهْ وحِسَابيَهْ ومن ذلك قراءةُ بعضهم ( لعلّكم تتفكّرونَهْ ) والمتّقينَهْ وكأنه كره اجتماع الساكنين
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 210 ]
- كتاب التصريف -
ويَنبغي أنْ يقدّم الشُّروع فيه أبنيةُ الأسماءِ والأفعالِ لتعلم الحروف الأصليةُ والزائدةُ فأمَّا الحروفُ فلا يُعرفُ لها اشتقاق حتَّى تقضيَ على بعضِ حروفِها بالزِّيادةِ والانقلابِ ألا تَرى أنَّ الألفَ في ما لو كانت منقلبةً لكانتْ عن واوٍ أو ياءٍ ولو كانَ كذلك لخرجَتَا على الأصلِ لأنَّهما في مثلِ ذلكَ ساكِنان فكانت تكونُ مَوْ أوْ مَي مثل لو وكي
فصل
والأسماءُ الَّتي كلُّ حروفِها أصلٌ على ثلاثةِ أضْرُبٍ ثلاثية ورباعية
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 211 ]
وخماسيّة وليسَ فيها سُداسِيَّة وإنَّما اجتُنِبَ ذلكَ لِطُوله وأقلُّ الأُصولِ ثلاثةُ أحرفٍ لأنَّ الحاجةَ تَدْعو إلى حَرْفٍ يُبدأ به وحرفٍ يُوقَفُ عليه وحرفٍ يُفْصَلُ به بينَهما لئلاّ يلي الابتداءَ الوقفُ لأنَّ المُتَجاوِرَين كالشَّيءِ الواحدِ والابتداءُ والوقفُ مُتَضادّان فلذلك فُصِل بينَهما
فصل
وإنَّما لم يكنِ السُّداسيّ أصلاً لأنَّه ضِعْفُ الأصلِ الأوَّلِ فيصير كالمركَّب مثل حَضْرَمَوْت فَنَقَصُوه عن ذلك
فصل
وقد يَبلغُ الاسمُ الثلاثيُّ بالزيادةِ إلى سَبْعة أحرف كقولك اشهَابّ الشيءُ اِشْهيْبَاباً واحْمَارّ اِحْمِيراراً ولم يَزْد على ذلك
فأمَّا قَرَعْبُلانة فالحرفُ الثامنُ تاء التأنيث وهُوَ في حُكْم المنْفَصِل
فصل
وأمَّا أُصولِ الأفْعَال فأصلان ثُلاثِيةٌ ورُباعِية ولم يأتِ منها خُماسيّ لوجهين
أحدهما كثرةُ تصرّفِها والزيادةُ عليها فلو كانت خمسةً لثَقُلت
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 212 ]
والثاني أنَّ الفعلَ فَرْعٌ على الاسم فنقصَ عنه لمكان الفَرْعِيّة
فصل
وأكثرُ ما يصير الفعلُ بالزيادةِ ستة أحْرف وذلك أنَّهم زادوا على أكثر أصولِ الأسْماء حرفين فَفَعلوا مثلَ ذلك في الفعل فلو زادوا ثلاثةً لكانَ الفعلُ أوسعَ من الاسم وهم قد مَنَعوا الفعلَ من أنْ يُساويَ الاسمَ في الأصولِ فكذا في الزيادة
فصل
وقد يُزادُ على الفعلِ الثُّلاثيّ حرفٌ مثل أجرم وحرفان مثل انطلق وثلاثة مثل استخرجَ وعلى الرباعي حرفان مثل احرَنْجَم
فصل
في أبنيةِ الأسماءِ الأُصول
أمَّا الثلاثيّةُ فجميعُ ما يُتصوّر منها اثنا عشر وسببُ ذلك أنَّ الأوَّلَ والأخيرَ متحركان لا محالةَ فيبْقَى الوسطُ فيمكنُ أن يكون ساكناً وله أنْ يكون متحركاً بثلاثِ حركات فيصيرَ مع السكونِ أربعةً فيضربُ ذلك في عدّة الحروفِ فيكونُ اثنى عشر إلاَّ أنَّ بناءين منها سَقَطا للثِّقل أحدهما فِعُلَ بكسر الفاء وضمِّ العين لثقل الخروج من كسرٍ إلى ضمٍّ لازم
والثاني عكسُه وهو ضمُّ الفاء وكسرُ العين وقد حُكِيَ الدُّئِل اسم دُوَيبة ورُئِم اسم آخر ومنهم مَنْ قالَ هما فعلان في الأصل سمّيَ بهما
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 213 ]
فأمَّا العشَرةُ المستعملةُ فَفَعْلٌ كفَلْس وفَعَل كَجَبَل وفَعُل مثلُ عَضُد وفَعِل مثلُ كَتِف وفِعْل كجِذْع وفِعَل مثل ضِلَع وفِعِل مثل إبِل والذي جاء منه قليلٌ وهو إِبل وإِبد وامرأةٌ بِلِزٌ وإِطِل وفُعْل مثل قُفْل وفُعُل مثل طُنُب وفُعَل مثل جُرَذ
فصل
وأمَّا الرباعيةُ فجاء منها خمسةٌ بغيرِ خلافٍ
فَعْلَل مثل جَعْفَر وفُعْلُل مثل بُرْثُن وفِعْلِل مثل زِبْرِج وفِعْلَل مثل دِرْهَم وفِعَلٌ مثل سِبَطْر
والمختلف فيه فُعْلَل مثل جُخْدَب فسيبويه لا يثبته وأثبته الأخفش
فصل
وأمَّا الخماسيّةُ فجاءَ منها أربعةٌ بلا خلافٍ وواحدٌ مختلَفٌ فيه
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 214 ]
فالأربعةُ فَعَلّلٌ مثل سَفَرْجَل فَعْلَلِلٌ جَحْمَرِشٌ فِعْلَلٌ جِرْدَحْل فُعَلّل قُذَعْمِل
والمختلف فيه فُعْلَلِل هُنْدَلِع فلم يثبته سيبويه وحكاه ابنُ السراج
فصل
وأمَّا الفعلُ فأصلان ثلاثيّ ورباعيّ ونَقَصُوه عن أكثرِ الأٍسماء لحاجتهم إلى كثرةِ تصريفِ الفعلِ وإلحاقِ الزوائدِ به للمعنى
فصل
وأبينةُ الثُّلاثيّ ثلاثةٌ مفتوحُ العين ومكسورُها ومضمومُها فأمَّا الفاءُ فَمَفْتوحةٌ أبداً إلاّّ أن تُنْقَلَ إليها حركةُ العينِ أو تتبع العين
وذلك نحو ضَرَبَ وعَلِمَ وظَرُفَ والمنقول نحو قِيلَ وبِيعَ وقد حُسْنَ وَجْهُه والمُتْبَع نحو لِعِبَ وشِهِدَ ونِعِمَ تريد لَعِبَ وشَهِدَ ونَعِمَ
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 215 ]
وبناء الرباعيّ واحدٌ وهو فَعْلَلَ نحو دَحْرَجَ وسَرْهَف وكلّ ذلك يُبْنى لِمَا لَمْ يُسَمَّ فاعلُه فيضمّ أوَّله إلاَّ أن يَعْرِض له ما يوجبُ الكسر
فصل
وابنيةُ الأفعالِ أصليّها وزائدها تسعةَ عشرَ ثلاثةٌ في الثلاثي وواحدٌ في الرباعيّ هذا بغير زيادةٍ فأمَّا مع الزيادةِ فالثُّلاثي يجيءُ بالزيادةِ على ثلاثةَ عشرَ بناءً
أحدها أفعلَ مثل أكْرَمَ
والثاني فعَّل مثل كرَّم
والثالث فاعَل نحو قاتَل
والرابع انفعل مثل انطلق
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 216 ]
والخامس استفعَل مثل استخرَجَ
والسادس افْتَعَل مثل اقتَطَعَ
والسابع افعنْلَى مثل احرنْبَى واسْلَنْقَى
والثامن تفعَّل مثل تكَسَّر وتقَطَّع
والتاسع تفاعَل مثل تحامَل وتقادَم
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 217 ]
والعاشرُ افعلَّ مثل احمَرَّ واصفَرَّ
والحادي عشر افعالّ مثل احَمارَّ واشهَابَّ
والثاني عشر افْعَوعَل مثل اخْشَوْشَن واحْلَوْلَى من الحلو
والثالث عشر افعوّلَ من اخروّطَ من الخَرْط
وأمَّا زوائد الرباعيّ فلها بناءان
أحدهما تَفَعْلَلَ نحو تَدَحْرَج وتَقَرْطَس
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 218 ]
والثاني افعنلَلَ نحو احرنْجم واعلنكس
فأمَّا اقشعرّ واطمأنّ فهو رُباعي لقولك القُشَعْرِيرة والطُّمَأْنينة إلاّ أنّهم ألحقوه باحرنجم فزادوا في أوّله همزةَ الوصلِ وأدغموا الأخير فوزنُه الآنَ افعَلَلّ ولا يممتنعُ أن تجعلَ هذا بناءً ثالثاً في زوائد الرباعيّ فتكمل به العدّة عشرين وفي هذه الزوائدِ ما هو لإلحاقِ أصلٍ بأصلٍ آخر وسنبيّن معنى الملحَق وحكمَه
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 219 ]
بابُ حدِّ التصريف وفائدته
أمَّا حدُّه فهو تغييرُ حروفِ الكلمة الأصولِ بزيادةٍ أو نُقٌصانٍ أو إبدالٍ للمعاني المطلوبة منها وهذا يتعلَّقُ بحدِّ الاشتقاق وقد قالَ الرّماني الاشتقاقُ اقتطاعُ فَرْعٍ من أصْلٍ يدورُ في تصاريفه الأصلُ وهذا يحصلُ منه معنى الاشتقاق وليس بحدّ حقيقيّ
فصل
وأمَّا فائدةُ التصريفِ فحصولُ المعاني المختلفة المتشعبة عن معنىً واحد والعلمُ به أهمّ من معرفةِ النحو في تعرّف اللغة لأنَّ التصريف نظرٌ في ذات الكلمة والنحو نظر في عوارض الكلمة
فصل
واشتقاقُ التَّصريف من صرفت الشيء إذا قلبته في الجهاتِ فتصرف أي قبل التصرّف وصرفته بالتخفيف فانصرف أي قبل هذا الأثر
فصل
وحروفُ الكلمةِ الأُصول هي التي تلزمُ الكلمةَ في جميع تصاريفها إلاَّ لعارضٍ
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 220 ]
ويُقابل أوَّلها بالفاء وثانيها بالعين وثالثها باللام فإن كانت رباعية أو خماسية كررت فيها اللام إلا أن يكون الأصليّ مكرراً فإنَّكَ تكررُ ما يقابله في المثالِ الموضوع
وأمَّا الزائدُ فُيؤتى بع بعينِه في المثالِ المصُوغِ للاعتبار مثاله ضَرْبٌ فهذا مصدرٌ هو مادَّةٌ للأفعالِ المأخوذةِ منه وأسماءِ الفاعلين والمفعولين وأسماء الزمان والمكان فالفعلُ ضرب يضْرِب اِضرِبْ وقد يُزاد عليه للمعاني السّين والتاءُ وهمزةُ الوصل ونونُ الانفعال والتاء والألف لوقوعِه من اثنين نحو استضربَ واضطرب وانضرب وتضاربا وما يتشعب عن ذلك
وتزاد الميم في الفاعل والمفعول والزمان والمكان نحو مضارب ومضروب ومضرب ومضرب وما أشبه ذلك والضاد والراء والباء أصول كلّها لوجودها في جميع الأمثلة وأمَّا الميمُ والنون والتاءُ والهمزةُ فزوائد لأنَّها توجد في بعضها دون بعضٍ
فصل
وإنَّما قابلوا الحروفَ الأصول بالفاء والعين واللام دون غيرها من الحروف لوجهين
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 221 ]
أحدهما أنَّ التصريف في الأصْلِ مِن أحكام الأفعال فلَمَّا أرادوا اعتبارَها جعلوا المعيارَ لذلك حُروفَ الفعل تنبيهاً على هذا الأصل
والثاني أنَّهم بَنَوا هذا المِعْيارَ من مخارج الحروف الثلاثة وهي الشفتان ووسط الفم والحلق فالفاءُ شفهية والعين حلقية واللامُ من وسط الفم
فصل
وإذا كان التصريفُ عبارةً عن تغيير الكلمة فالتغييرُ إمَّا أن يكونَ بزيادة أو نقصانٍ أو إبدالٍ والزيادة إمَّا بحرفٍ أو بحركة وكذلك النقصان والبدل
فأمَّا زيادةُ الحروفِ فعلى ضربين زيادةٌ من جِنْسِ الأصلِ وزيادةٌ من غير
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 222 ]
جِنْسه فالَّتي من جِنْسِ الأصل تضعيفُ العينِ واللاّم فأمَّا الفاء فلم تتكرر وحدها إلاَّ في كوكب وأوَّل على رأي البصريين وليس معنى تكريره أنَّ الفاء تكرّر في المثال فيقال فوفل ولا أفّل لأنَّ مثال الأصل هنا ثلاثة ولم تتكرر الفاء بعد استيفاء الأصل وقد كُرّرت الفاء والعين في مَرْمَريس ومَرمَريت ووزنه فعفعيل وأمَّا تكرير العين فكقولك علَّم وضّرَّب ووزنه فَعّل بتشديد العين
وأمَّا تكرير اللاّم وحدها فمثل جلبب وشملل ووزنه فَعْلل ولم يُدغم لأن
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 223 ]
الزيادة للإلحاق وقد تكرر اللام مرتين نحو سفرجل ووزنه فَعلّل وهذا من غير جنس الأصل وإنما تكرّر في المثال وقد تكررت العين واللام مثل صمحمح مثاله فعلعل فأمَّا قلقل وزلزل فوزنه فعلل وقال قومٌ فعفل وهو ضعيف لأن تكرير اللام هو الكثير وتكرير الفاء شاذ وكون الحرف الثالث من جنس الأوَّل لا يوجب مقابلته بالفاء ألا ترى أنَّ أصله قلق ووزنه فَعل مثل سلس
وأمَّا الزيادة من غير الجنس فعشرة أحرف وهي الواو والياء والألف والهمزة والميم والتّاء والنون والسين والهاء واللاّم وقد جمعتُها في لم يأتنا سهوٌ وقد جمعت في اليوم تنساه وفي سألتمونيها وفي اسلتمونيها وفي يا أوسُ هَلْ نمتَ وفي هويتُ السّمان ومعنى كونها زائدةٌ أنَّها تكون في بعضِ المواضع زائدةٌ لا في كلِّ موضعٍ بل قد تكون كلّها أصولاً ألا ترى أنَّ أوى ويوم وسل كلّها أصول
فصل
ويُعرّفُ الزائِدُ من الأصليّ بثلاثةِ أشياءَ
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 224 ]
الاشتقاق وهو أثبتُها
وعدمُ النظير في الأصول
وكثرةُ زيادةِ ذلك الحرف
فمثالُ المعروف بالاشتقاق مضروب ومستضرب فالميم والواو والسين والتاء زوائد لأنَّها غيرُ موجودة في ضَرْب وضَرَبَ
ومثال عدمِ النظيرِ كَنَهْبَل فالنونُ زائدة لا من طريق الاشتقاق بل من جهة أنَّها لو جُعلت أصْلاً لكانَ وزنُ الكلمة فعلّلٌ ولا نظيرَ له في الأصول فيُقْضى عند ذلك بزيادة النون
ومثالُ الكثرة زيادةُ الهمزة أفْكَل فإنَّ الهمزةَ فيه زائدة لا من طريقِ الاشتقاق إذّ لا يُعرف من الفاءِ والكافِ واللاَّم بِناءٌ غيرُ هذا ولا مِنْ عدم النظير لأنَّ الهمزةَ لو كانت أصلاً لكانَ وزنُ الكلمة فَعْلَلاً ونظائِرُه كثيرةٌ
وقد يجتمع في الكلمةِ دليلان من هذه الثلاثةِ يقضيانِ زيادةَ الحرف مثل أحْمر فإنَّ الاشتقاقَ والكثرةَ يدلاَّن على زيادةِ الهمزة
وتنْضُب يدلُّ الاشتقاق وعدمُ النظير على أنَّ التاء زائدةٌ واجتماعُ الثلاثة قليل وسنبيّن ذلك في كلِّ حرفٍ نمرُّ به إن شاء الله تعالى
فصل
وإذا اعتبرتَ الكلمةَ قابِلتَ الأُصولَ بالفاء والعين واللاّم وأتيت بالزائد بعينه
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 225 ]
فتقولُ في ضارِب فاعل وفي مضروب مَفْعول وفي ضَريب فَعِيل وفي مُسْتَضْرب مستفعِل وكذلكَ ما أشْبَهه فإنْ كانْ قد نُقِصَ من أصلِه شيءٌ نقصتَه في المثال نحو أقمتُ فوزنه أفَلْتُ وإن قُدّم أصلٌ من مَوْضعِه قدّمتَه في المثال نحو أيْنُق وزنه أَعْفُل
فصل
وحروفُ الزِّيادة تُزادُ لسبعةِ أشياء وهيَ في المعنى مثلٌ ألفِ ضارب وميم مُكْرم والإلحاقُ مثل الباء في جَلْبب والمدُّ في الألف والياء والواو في كتاب وقَضيب ورسول والتَّعويض وذلكَ في التكسير والتَّصْغير نحو سَفَارج وسُفَيْرِج والتكثير مثل ألف قَبَعْثَرَى والتوصُّل وهي همزةُ الوصل لأنَّها تُوصِّل بها إلى النُّطْقِ بالسَّاكن والبيان مثل هاء السكت في كِتابِيَهْ وحِسَابِيَهْ
فصل
والأصْلُ في هذه الحروفِ في الزيادة حروفُ المدِّ لِسُكونِها واستطالتِها ولين الصَّوت بها وعُذوبةِ النُّطْق بها والباقي مشبَّهٌ بها أو بما يُشْبهه فالهمزةُ تُشْبِهُ الألفَ إذ هي مِنْ مَخْرجها وتحوّلُ إليها وتُصوّرُ بصورتها والنونُ تشبهُ الواو أيضاً في مَخْرجها وغُنَّتها وتغير طبيعتها بالحركة والميم تشبه الواو في مخرجها وغنتها والتاء تشبه
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 226 ]
الواو لقربِ مخرجها منها وهمسها وانتشارها والنفخ المصاحبِ لها والسّينُ تشبه التاء في الهمس والهاءُ تشبه الألف لخفائِها وقُرْبها منها في المخرَج وتشبهُ الهمزةَ أيضاً واللاّمُ تُشْبه النونَ في انبساطها وتقرب من مخْرَجِها لأنَّ اللاّمَ تخرجُ من أسَلَةٍ اللسانِ وحافته اليمنى والنونُ من أَسَلة اللسان
فصل
وتكثرُ زيادةُ هذه الحروفِ وتقلُّ على قَدْر نِسْبتها من حروفِ المدِّ لأنَّ حروفَ المدِّ أكثُرها زيادةً
فصل
وأصلُ التَّصريفِ الزيادةُ لأنَّ الأغْراضَ التي ذَكَرْناها لا تتعلَّقُ إلاَّ بها فأمَّا البدلُ فلأمرٍ لفْظيٍّ
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 227 ]
بابُ زيادة حروف المدّ
وهي الواوُ والياءُ والألفُ
اعلم أنَّ الألفَ لا تكونُ أصلاً في الأفعالِ والأسماءِ المعْرَبة وإنَّما تكونُ إمَّا بَدَلاً وإمَّا زائدةً فَكونُها بدلاً يُذكَر في بابه وأمَّا كونُها زائدةً فلا تقعُ أوّلاً بحالٍ لأنَّها ساكنةٌ والابتداءُ بالسَّاكن مُحال بل تقَع ثانيةً كالألفِ في فاعل مثل ضارِب وكابِر وثالثةٌ كألفِ التكسير نحو دَراهِم ودَنانير وكألفِ المدِّ المحْضِ مثل كتاب وحِسَاب ورابعةٌ نحو شِمْلال وحِمْلاق وخامسةً نحو حَبَرْكى وسادسةً للتكثير نحو قَبَعْثَرى وضَبَغْطرى ولم يجيءْ على غيرِ هذا
فأمَّا ألفاتُ الحروفِ مثل ألف ما ولا وبَلى فأَصْلٌ لأنَّه لا اشتقاق للحروف يُعْرَف به الأصلُ من الزّائد وكذلك الأسماء الموغِلةُ في شبه الحروف نحو الفِ إذا ومَتى وما يُعْرَف به زيادةُ الألف فيما ذكرنا قد تقدّم ذِكْرُه
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 228 ]
فصل
وأمَّا الياءُ فقد زيدَت أوّلاً للمضارعة نحو يضْرِب وثانيةً في فَيْعل نحو صَيْرَف وخَيْفَق وثالثة في فَعِيل نحو قَضيب وظريف وفي فِعْيل بكسر الفاء نحو عِثْير وحِذْيم فأمَّا فَعْيَل بفتح الفاء فليسَ في الكلام ورابعةً كالياء في قِنْديل وخامِسةً كياءِ قناديل والسُّلْحَفِيّة
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 229 ]
وأمَّا الواوُ فلا تُزادُ أوّلاً لِوَجْهَيْن
أحدهما ثِقَلُها في نفْسِها ولزومِ تحرّكها بالابتداء وإذا زيدتْ حَشْواً أمكنَ أنْ تكونَ ساكنةً
والثاني أنَّها لو زيدتْ أوّلاً لجازَ أنْ يكونَ أوّلُ الكلمةِ واواً وتدخلُ عليها واوُ العطفِ فتشبه صَوْتاً منكراً وقيل لو زيدت أوّلاً لجازَ أن تكون مضمومةً فكانَ يجوزُ قَلْبُها همزةً فكانَ يؤدّي إلى اللَّبْس وقد زيدت ثانيةً كَجَوْهَر وشَوْذَر وثالثةً مثل جَدْوَل وقَسْوَر ورابعةً مثل زُنْبَور وعُصْفُور وخامسةً مثل قَلَنْسُوة وقَمْحَدُوَة
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 230 ]
فصل
والضَّابطُ في زيادة الواو والياء مِنْ غيرِ جهةِ الاشتقاق أنَّك إذا وجدتَ واحدةً منهما مع ثلاثةِ أحْرفٍ أصولٍ من غير تكرير قضيتَ بزيادتِها لأنَّها في الاشتقاق كذلك فَحُمِلَت على الأكثر
فصل
أمَّا المكررُ مثل وسْوَسه وصِصية فالواوُ والياءُ فيهما أصْلانِ لأنَّك لو قَضَيْتَ بزيادتِها في كلا موضعيهما لبقي الأصلُ معك حَرْفَيْن ولا تكونُ الأصولُ على ذلك وإنْ قضيتَ بزيادتِها فِي أحدِ الموضعين عَيْناً كنتَ متحكّماً وإن تخيّرت كانَ تحكّماً أيضاً فلم يبقَ إلاَّ القضاءُ بأصالتها في الموضعين
فصل
في زيادةِ الهمزةِ
إذا وقعت الهمزةُ أوّلاً وبعدَها ثلاثةُ أحرفٍ أصولٍ حُكِمَ بزيادتها وأكثرُ ما يُقْضَى بذلك بالاشتقاق مثل أحْمَر وأفْضَل وغيرِهما من الصِّفاتِ لأنَّ ذلكَ من الحُمْرة والفَضْل فأمَّا الأسماءُ التي في أوَّلها همزةٌ ولا يُعرفُ لها اشتقاقٌ فيُحكُم بزيادةِ الهمزة فيها
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 231 ]
حملاً على الأكثرِ وذلك نحو أفْكَل وهو الرِّعْدة ولا اشتقاق له وجمعُه أَفاكل ولو سميتَ به رجلاً لم تَصْرِفه للوزنِ والتعريف
وأمّا أيْدَع فقيل هو طائر وقيل هو الزَّعْفَران وهمزته زائدة حملاً على الأكثر وذلك أكثَرُ من زيادةِ الياء هنا إذا كان أفعل أكثرَ من فيعل وحكى بعضُهم عن بعض العرب يدّعت الثوبَ إذا صبغته بالزَّعْفَران فأسْقَط الهمزة فهذا الدَّليلُ من جهة الاشتقاق
وأمَّا الأَوْتَكى فهي أفْعَلى لأنَّ زيادة الهمزةِ أوّلاً أكثرُ من زيادة الواو ثانيةً وهو ضَرْبٌ من التمر
وإمّا إصْليت فإفعيل للكثرةِ والاشتقاق لأنَّه من صَلَتَ وانْصَلَت أي أسرع
وأمّا إدْرَوْن فإفْعَوْل لأنَّه مُشْتَقٌّ من الدّرْن لأنه دُرْديّ الزيت وذلك كالدَّرن
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 232 ]
وإعْصار أفْعال من العصر
وأمَّا أرَوْنان فيحتمل ثلاثةَ أوجه
أظهرُها أنّها أفْعَلان من الرَّون وهو الشِّدَّة يقالُ يومٌ أرَوْنان أي شديد قال الشاعر من - الوافر -
( فَظَلّ لنسوةِ النّعْمان منّا ... على سَفَوان يومٌ أرْوَناني )
والقوافي مجرورة وأرادَ أرَوْنانيّ فسكّنَ
والوجهُ الثَّاني أن يكون أفْوَعالاً فالرّاء فاؤه والنونان عينُه ولامُه والباقي زوائد من الرنّة
والثَّالث فوعلاناً من أرن يأرَنُ أرَناً وهو النشاط فعلى هذا الهمزة والراء والنون أصول فوزنه فَوْعلان
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 233 ]
وأمّا إمّعة فالهمزةُ فيه أصلٌ لوجهين
أحدهما أنَّه صفةٌ وليسَ في الصفات إِفْعَلة ولا إفعل بكسر الهمزة
والثَّاني أنَّا لو قَضَيْنا بزيادتِها لكانت الميمُ فاءها وعينَها وهو شاذٌّ لم يأتِ منه إلاَّ دَدَن وكَوْكَب ويجب أن يُحملَ على الأكثر لا على الشاذّ وأمَّا إمَّرٌ وإمّرةٌ فأصلٌ أيْضاً لِمَا ذكرنا
فإن قيلَ فإمَّعة من مع لأنَّه الذي يكونُ مع كلَِّ أحدٍ
قيل له إمَّعة ليسَ مُشْتَقّاً من مَعَ لأنَّ مَعَ اسمٌ جامِدٌ لا يُشتقَّ منه وإنَّما اللفظُ قريبٌ من الفظِ والمعنى قريبٌ من المعنى وهذا لا يُوجب الاشتقاقَ ألا تَرى أنَّ سَبِطاً وسِبَطْراً ودَمِثاً ودِمَثْراً بمعنى واحد ولا يُحكم بزيادة الراء ويدلُّ على أن إمّراً همزتُه أصلٌ أنَّه من الأمر لأنَّه المؤتمر لكلِّ أحد
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 234 ]
وأمَّا أوْلَق ففيه قولان
أحدهما أنَّه أفْعَل من الوَلَق وهو السُّرْعة ومنه قوله تعالى ( إذْ تَلِقُونه بِأَلْسِنَتِكُمْ ) على قراءة مَنْ قرأ بكسرِ اللام وتخفيف القاف وضمِّها ومنه قيلَ للأحمقِ أوْلَق لسرعته فعلى هذا لو سمَّيتَ به لم تَصْرِفْه
والقولُ الثَّاني هو فَوْعَل والواو زائدة والدليلُ عليه قوله للمجنون مَأْلوقٌ ومُؤوْلق على مَفْعُول ومُفَوْعَل ويجوزُ أنْ تكونَ من الوَلَق أيضاً وتكونَ الهمزةُ مبدلةً من واوٍ كما أُبدلت واوُ أوَاصل همزةً
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 235 ]
وأمَّا أرنب وإصبع وأُبْلم وإثْمِد وإثْلَب فالهمزةُ فيهنّ زائدةٌ وهي أسماءٌ حُملتْ على الأكثر وبعضها مشتقٌّ وهو إثمد فإنه من الثَّمد وهو الماءُ القليل
مسألة
أوّل أفْعَل الهمزةُ فيه زائدةٌ والكلمةُ من باب دَدَن فاؤها وعينُها من
اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 2 - صفحة 236 ]
مَوْضع واحد والدَّليلُ على ذلك أنَّها أفْعَل التي للتَّفضيل لأنَّها تَصْحَبُها من نحو قولك هذا أوَّل من هذا ولا يجوزُ أن تكونَ فَوْعَلاً ولا فعّلاً لأنَّ هذين البناءَين ليسا للتفضيل
وذهبَ قومٌ إلى أنَّ أصل أوَّل من آل يؤول واصله أَأْوَل فقلبت الهمزةُ الثانيةُ واواً ثمَّ أُدْغِمت
وقال آخرون هو من وأَل يَئِل فاصله أَوْأل ثم أُبْدِلت الهمزةُ التي بعد الواوِ واواً ثم أُدْغِم وكلا القولين خَطأ لأنَّ حُكْمَ الهمزةِ السَّاكنةِ الواقعةِ بعد هَمْزَةٍ مفتوحةٍ أنْ تُقْلَبَ ألفاً مثل آدم وحكَم الهمزةِ المفتوحةِ إذا أريدَ تخفيفُها أنْ تُنقَل حركتُها إلى ما قبلَها فأمَّا أنْ تُبْدَلَ واواً فلا
فإن قيلَ الإبدالُ هنا شاذّ كما أنَّ دَعْوى كونِ الفاء والعين وَاوِين شاذٌّ قيلَ عنه جوابان
أحدهما أنَّ كونَ الفاء والعين هنا من مَوْضعٍ واحد ليسَ من الشاذِّ لأنَّ الهمزةَ هنا قبلهما وبسببِ ذلك لزمَ الإدغامُ فلم يلزم الثقل المحذورُ
والثاني أنَّ شذوذَ التكرير أقربُ من شذوذ الإبدال فيما ادَّعوا