غريب الدار
بينما كان عابر سبيل يمر بجوار قرية شاهد جميع أهل القرية مجتمعين في العراء صغارا وكبارا, النساء في جهة والرجال في الجهة المقابلة, فظنّ بأنها حفلة عرس. وفي وسط الساحة تعالت الصيحات والضحكات من الأطفال وهم يتدافعون ويركضون وراء حمار وقد قُيّد شخص بطريقة معكوسة والأطفال يقذفونه بالحجارة والعصي وروث الحيوانات ويتفوهون بالشتم والسباب. هذا المنظر الغريب والمشوق حرك فيه الفضول كي يقف ويمعن النظر في هذه التمثيلية الرائعة. فوقف لبرهة من الزمن ليعرف النتيجة والمغزى من ذلك. وفي هذه الأثناء تقدم شخص نحوه فقال له تفضل بالجلوس مع كبار القرية, ففعل الرجل وأجلسوه في صدر المكان. فقال له أحدهم أنت لست من أهل القرية ونرغب أن تصبح مختار قريتنا فما هو ردك أتقبل أم لا؟
فقال لهم المستطرق في البداية أود أن أعرف ما هو سر الذي يجري أمامي وما هو جريرة ذلك الشخص الذي فوق الحمار وبهذا الشكل الغريب والمثير للشفقة. فرد عليه عريف الحفلة وبكل سخرية وأستهزاء, ألم تعلم من هذا؟ قال كلا! انه مختارنا القديم للعام السابق فقد أنتهى مدة ولايته حسب شروطنا ولم يعد بمقدوره التجديد لولاية ثانية أو ثالثة لأنه هذا هو بنود دستورنا وحكمة أكابرنا ومشورة عُلية قومنا وفطنة مشائخنا بأن لا يسمح للمختار الغريب القديم أن يمدد بقاءه لأن ليس لديه قوة تحميه أو تدافع عنه وتبقية في السلطة. قل لنا ما هو ردك أتقبل أم لا؟ فقال لهم الشخص الغريب بعد أن عرف سر اللعبة التي شاهدها بأم عينيه والأهانة التي تلقاها المختار القديم من تلك الصبية وبذلك الشكل المستهجن والمقيت والبشع, سيكون شكلي وموقفي كهذا المختار في العام المقبل أليس كذلك؟ فقال العريف بلى! وما الضير في ذلك. أتدري في هذا العام لوحده عاش معنا واستمتع بكافة حقوقه المشروعة والغير المشروعة ولم ينقصه أي شيء من مأكل وملبس ومشرب وعلاوة على ذلك فكان له الحق أن يستغل القرويين من جمع الأموال منهم وبالطريقة التي يريدها ومن دون حسيب أو رقيب وله الحق أن يرسلها لأهله وذويه وآقاربه وجيرانه ومعارفه.
نهض الغريب من مكانه وقد أستنفرت فيه قييم الشهامة والكرامة وقبل أن يتهيأ للرحيل خاطبهم وبأعلى صوته وعلامات الغضب والأشمئزاز يتطاير من وجهه. ما قيمة كل هذا مقابل أن يفقد الشخص عزته وكبريائه ويهان أمام الملأ بهذا الشكل الفضيع والمرعب من أجل المال والمنصب, سحقا لكم ولنهجكم كي تأتوا بشخص من الخارج غريب من الديار يحكمكم ويستغلكم ويأخذ خيراتكم وينهب عرق جبينكم. لا خير في قوم مصيره ومقدراته يقع بيد الغرباء والدخلاء. صحيح حين قيل وشرُّ البلية ما يضحك!
20-4-2017 دهوك
القروي والحمار
قبل موسم العمل في الحقول والبساتين أحتاج أحد القرويين الأكراد لحمار كي يساعده في أنجاز أشغاله اليومية. فقد أعتاد هذا الفلاح باستبدال أو بيع الحمير لديه حالما يرى فيهم عيبا من العيوب. لقد أقتنى الكثيرمنهم وبأنواع وألوان مختلفة, ولم يبقى لون أو شكل ولم يجربه. وفي أحد الأيام مرّ على يهودي وطلب منه أن يجد لم حمارا وحسب هذا الشرط بأن يخلو منه ألوان قوس وقزح, فقال له اليهودي ماذا تعني بذلك؟ ردّ الفلاح عليه وبسخرية: أن لا يكون فيه لون الأسود والأبيض, ولا يوجد عليه لون الأزرق والأخضر والأصفر بتاتا, وايضا البني والرمادي. فأخذ اليهودي يفكرمليا ففطن لحل لهذا الموقف الصعب والغريب. فرد عليه وبدهائه وحنكته في التعامل مثل هذه الأوضاع الحرجة ويعلم أنه لا يوجد حمار بهذه المواصفات. فقال له ليكن كذلك وحسب طلبك بل على هذا الشرط أن لا تأتيني في هذه الأيام السبعة: فكرر عليه عدة مرات أيام الأسبوع السبعة من السبت إلى الجمعة على عدد ألوانه إلى أن يلبي طلبه. فوافق الرجل وذهب في حال سبيله.
أقترب أوان العمل ولم يبعث اليهودي له الطلب, فأخذ يسأل الناس عن أسم اليوم فكان يأتيه الرد بأنه الأحد فكان يقول لنفسه الأحد من الأيام الموجودة ضمن الشرط. وظل على هذا المنوال يسأل الناس ولم يبقى يوم إن لم يكن ضمن هذه الأيام التي ذكرها اليهودي حتى بدأ اليأس والملل عليه. وفي آخر المطاف مرّعلى اليهودي مستفسرا عن طلبه لمذا لم يحققه لحد الآن؟ فرد عليه وقال أي يوم هذا؟ فرد عليه الفلاح بعد أن كشف نواياه وسرشرطه, أعلم أنه السبت ولكن سأتنازل عن شرطي المسبق فأنا راضِ بأي لون يكون الحمارعليه. فقال له : أذن لك الحق أن تأتيني في أي يوم يعجبك. لا مانع لدي في أي يوم من أيام الأسبوع. هذه هي حنكة اليهود ويا له من حنكة ودهاء! قديما لو بدر من شخص ما علامات الفطنة كان يقال له حسب وصف الحكمة الكوردية "بأن عقلك كعقلية اليهودي." وكان يعتبر هذا ضربا من المدح والأطراء لذلك الشخص.
21-4-2017 دهوك
كلام الليل يمحوه النهار
المغني وكبير القرية
في سابق الزمان وفي سالف الدهر والأوان أعتاد كثير من المغنين والمهرجين الأرتياد الى القرى والأرياف من أجل كسب قوت يومهم. وأحيانا كان المغني يصطحب معه شخصاَ يعزف على آلة هوائية ليعطي الجو اكثر متعة واثارة. وكان القرويون يحضرون بيت كبير القرية في تلك الليلة للأستمتاع والترفيه عن النفس ونسيان بعض الهموم والتعب اليومي المضني.
وفي أحدى الأيام الشتوية الباردة حضر مغني ومعه عازفه الى بيت كبير القرية وبعد تناول العشاء أخذ يغني بأعلى صوته أنواع اللاوك والحيران والمقامات والبستات الجميلة والممتعة ولزيادة حماس المطرب وجعله يستمر في أمتاع الآخرين كان الشيخ وبعد انتهاء كل أغنية يتوعد بأعطائه بعض الهدايا في الصباح. فتارة خنجرا او چوخا وأخرى حصانا وبعض الهدايا الأخرى على عدد الأغاني التي كان يغنيها في تلك الليلة الى الفجر.
وبعد الأنتهاء من تناول وجبة الفطور الدسمة من اللبن والقشطة والبيزة والجبن الجبلي وقبل أن يتهيأ للرحيل كان المغني يلمح للشيخ بأنه سوف يغادر المكان للذهاب الى مكان آخر. وكان يأتيه الرد فليكن لما لا أذهب ولله معك غير مكترث ومبال للوعود التي اطلقها ليلة البارحة له, مما أضطر المغني أن يذكره بالهدايا الواحدة تلو الأخرى في حينه فجائه الرد من المضيّف بأن كلامه هذا لا يعجبه بتاتا. فقال له المغني ليلة أمس أهديتني أنواع الهدايا وأنا الأن في الأنتظار من أن تفي بوعدك. فجائه الجواب القطعي بأنك أسمعتني صوتا جميلا البارحة ومن جهتي وعدتك كلاما معسولا فأما الآن كلامك لا يعجبني البتة, لذا أنا بالمقابل اسمعك كلاما غير مرضي وأنا غير مهتم بأن يروق لك أم لا وغادر المكان فليس لديك شيء عندي.
ما أشبه الأمس باليوم, هذا هو ديدن بعض البشر وهو في موقع المسؤلية يطلق الوعود والعهود ولا يفي بها ولا يعير الأهتمام لها فكلام الليل يمحوه النهار, ولله عمي "هذا الكلام صدك مو حچی هزار" فالكثير منهم يتفوه لك كلاما معسولا ملئها الآمال والأماني وعند التنفيذ يتنصل ويخرج منها كخروج الشعرة من العجينة. ولحم الإنسان لا يؤكل، وجلده لا يلبس، فماذا فيه عدا ذلك غير حلاوة اللسان الذي ينقط شهدا ولكن لا يفي لك وعدا ولا عهدا فليس له في قاموس المعاني ذمة ولا ضمير, وليس له في باب المباني بناء ولو كان أساسه فوق كومة من القش أو التبن المجاني. وأخيرا أذكركم ما قاله كبير القرية للمغني عند الرحيل باللغة الكوردية :" تە خوش دگوت،من ژی خوش گوت، تو نوکە نە خوشێ دبێژی، ئەژی نە خوش دبێژم". أي: سمعتني كلاما طيبا, وأنا بدوري قابلتك المثل, وأما الآن فالعكس هو الصحيح. فهل يصح هذا؟ أم لا يصح إلا الصواب والصحيح! وبعدا للكلام المزيف والمنمق والقبيح.
3-5-2017 دهوك بقلم: أحمد علي
إحنا دفنينه سوا
يقال أن أخوين كان يملكان حماراً يقضى لهم الحاجات فسموه من كثرة الأعمال التي يقضيها أبو الصبر ومرت الأيام ومات الحمار أبو الصبر. حزنوا عليه حزناً شديداً ودفناه كما يدفن الإنسان وجلسا بجوار قبره يبكيان، وكل من يمر عليهما يندهش ويسألهما عما بهما، فيجيبان " مات أبو الصبر الذي كان يقضي لنا الحاجات". فظن الناس أنه شيخ وبدؤوا بجمع التبرعات للشيخ أبو الصبر وشيد الأخوان بناءَ للشيخ ، وزاد العطاء والهبات من أجل بركة الشيخ أبو الصبر إلى أن جاء يوم اختلف فيه الأخوان على اقتسام الأموال، فقال أحدهما للآخر: "والله سوف أشتكيك للشيخ أبو الصبر"، فضحك الآخر وقال: " أي شيخ يا أخي ما إحنا قد دفناه معا َ". ما بالك يا شعب العراق وإلى متى تبقى تصبر كما صبر الحمار أبو الصبر ومات من شدة التعب والعمل المضني.فإنك ياعراق تموتين كل يوم الف مرة وشعبك يدفن وهو حي ولم يبكي ولم يحزن عليهم أحد.نهبوا ثرواتك وعاثوا في الأرض فسادا ودفنوا أموالك في جيوبهم كما دُفن أبو الصبر. وحتى استغلوا موتك وضرب بك المثل. فأصبح العراق وشعوبه مثلك مضرب الأمثال يداولها الناس هنا وهناك. وسيتناقلها الأجيال, جيلا بعد جيل كيف دُمّر هذا الشعب الأصيل. حين ألبسوه لباس الذل والهوان وضيّع منه الأمن والأمان, ونال الكفاية من العوز والحرمان. إنّه زمن الخسة , والنذالةُ هي العنوان. يعيش فيها الجبان وكأنه البطل المغوار يعطيك من طرف اللسان كلاماَ معسولا ويروغ عنك كما يروغ الثعلب المكّار. بمكره يدفن الحمار ويلبس ثوب الوقار كي يُملي جيوبه بالذهب والدولار. إلى متى تبقى ولم تخشى قدرة القهار وانتقام الجبار. مهلا وصبرا يا أبى الصبر يا شعب الوفاء والأنتقام أصبر فسيف الله منتقم وبتّار يمحي ويبيد ويبقى الأحرار والأبرار والأطهار ويرمي إلى أسفل الدرك بالأشرار حيث لا مفرّ ولا فِرار.
16 \ 9 \2016 دهوك : بقلم : احمد علي
أنا الذي نظرَ الأعمى إلى أدبي وأسمعـتْ كلماتي مَنْ به صـمَمٌ
هذا البيت فخر بالشعر والشجاعة للشاعر المتنبي
الأعمـى : فَاقِد البَصَر، كَفِيف والجمع: عُمْيٍ وعُمْيانٍ وعُماةٍ. وأما الصمَمْ : هوعدم السمع أي الوَقْر.
في هذا البيت يفخر الشاعر بقدرته الأدبية فشعره حسب فهمه ورؤيته الشعرية أستطاع الأعمى أن يقرأه، والأصم أن يسمعه وأما شجاعته وبطولاته معروفة للجميع فهو فارس الفرسان وهو المقاتل البارع في استعمال السيف والرمح كما أنه الأديب المبدع الذي يجيد التعبير لقد أستخدم الشاعر أسلوب المبالغة الشديدة في إبراز قدراته لأنه لديه أعتزاز شديد بالنفس، وطموح يجعله دائماً يشعر بالمساواة بينه وبين من يمدحهم من الملوك والأمراء .فهي كناية عن مقدرة الشاعر الفذة وتجسيد حي لمكانته الشعرية الضخمة التي لا تخفى على أعمى ولا أصم فكيف بالسامعين المبصرين.
أستميحك عذرا أيها الشاعر الفذ لست هنا بصدد نقد شعرك ولا أن أبيّن للآخرين الخلل أوالعيب في المبالغة الشديدة في إبراز قدراتك فأنت أهلُ لها. ولكن لدي مآرب أخرى من خلال هذا البيت أود أن أطرح بعض المواقف والمشاهد الحية التي يمر بها شعوب العراق كافة وما ألم بهم من كوارث وويلات حتى بات العميان في قصة الكاتب ويلز(في بلاد العميان) يبكون لحالنا ويزرفون الدموع لمآسينا تلك المجموعة من المهاجرين من بيرو والذين فروا من طغيان الإسبان ثم حدثت انهيارات صخرية في جبال الإنديز فعزلت هؤلاء القوم في واد غامض انتشر بينهم نوع غامض من التهاب العيون أصابهم جميعا بالعمي هكذا لم يزر أحد هؤلاء القوم ولم يغادروا واديهم قط لكنهم ورثوا أبناءهم العمي جيلا بعد جيل.
ما أشبه البارحة باليوم كم من العراقيين فروا ولاذوا بجلودهم من بلدهم الحبيب مجبرين كارهين من أنواع الطغيان والظلم الذي أصابهم من القريب قبل البعيد. فبات الناس هناك ينظرون لأحوالنا وأوضاعنا المؤساوية, فأصبحنا بمنظارهم والعالم ِأجمع شعب منكوب يضرب به المثل أينما ذهب وحيثما رحل. أيا شاعرنا الفذ لما لم ينظروا شلة المتربعين على كراسي الحكم في العراق الجريح الذي ذاق منهم الأمرين ومن أفعالهم تجاه هذا البلد الآمن يوما ما, وبات اليوم يتقاذفه الأمواج المتلاطمة من كل الجهات وأصبح مصيره في مهب الريح. شاعرنا هب أنهم لم ينظروا وباتواعميانا, لماذا لم يسمعوا أنين الأطفال والجرحى, وآهات الثكالى, وصرخات الجياع والمحرومين. أو أنهم فقدوا الأثنين معا فامسوا دون الحاجة للنظر الى أدبك ولا لسماع شعرك, لأنهم فقدوا حاستي النظر والسمع وربما الشعور والأحساس وحتى التذوق الشعري. ولكن أزداد لديهم ذوق الأستحواذ على الثروات والخيرات وأبتلاع الأموال والأستلاء على كل مقدرات البلد. إذا كان هذا ديدن أصحاب الدار فما بالك بالغريب. بالتاكيد ستلقى منهم الشئ العجيب والغريب. وبكل تاكيد شعوب العراق بكرده وعربه, وتركمانه وشبكه, وآشوره وسريانه ووو في أنتظار أن يتقدم نحونا شخصا من أمثال (محمد بن عروه راكبا فوق ناقته حين ولي اليمن وقال لهم ملئ فيه وبكل ثقة وأباء عندما خاطبهم وقال لهم: يا أهل اليمن هذي راحلتي فإن خرجت بأكثر منها حينئذ أعلموا أنا سارق. حاشاهم انهم لم يسرقوا بل تقاسموا الكعكة الكبيرة فيما بينهم ويا لها من قسمة ضيزى.
28-5-2017 دهوك بقلم: أحمد علي
عضة البرغوث
" لكي لا يتهنى هذا البرغوث بتلك العضة"
المثل الكوردي القائل :" دا ئەڤ لەقە بو ڤێ کێچێ نە مینیت "
بينما كان أحد القرويين الأكراد منهمكا بنقل التبن من البيدر الى المخزن وأذا ببرغوث يعض يده. وما هي إلا لحظات حيث أمسك بها واخذ يفركها بأصبعيه وبكل قوة فماتت من شدة العصر والفرك ولم يكتفي بهذا كله بل رماها وهي مية في مخزن التبن. وبعدها لم يهدأ له بال بل أضرم النار فيها وأخذ يبتسم فرحا لتلك الفعلة التي قام بها تجاه تلك الحشرة. وأخذ ينظر الى ما تبقى من مخزنه المشتعل ونشوة الأنتصار بادية على وجهه ومحياه لأنه أنتقم لنفسه من ذلك البرغوث المتطفل. وألتم الناس حوله مستفسرين عن السبب الذي أدى لتلك الحادثة الطارئة. ولم يكن أحدا من هؤلاء متواجدا في المكان حين شبّ النار فيها, ولم يتوقع أحدا السبب الحقيقي وراء ذلك. وأخذ الفلاح يشير بيده نحو رماد التبن المحروق أمامه ويقول بكل فخر وأعتزاز ويعلنها للملأ بأنه استطاع النيل من ذلك البرغوث الذي تجرأ من عضه وبكل وقاحة فكان مصيره الموت وثم الحرق ولسان حاله يردد هذه الكلمات والتي أصبحت مثلا فيما بعد: " لكي لا يتهنى هذا البرغوث بتلك العضة" وأن لا يكررها ثانية مع غيري. لقد علم الجميع السبب ورفع العتب والعجب. فكلنا يعلم بأن طبع البشر دائما وأبدا هو الأنتقام ولو كان لأبسط وأتفه الأسباب والذرائع. وليس ببعيد فقد فعلها من قبل نيرن الذي قام بإشعال النيران أولاً بقاعدة السيرك الخشبية ، لتنتشر ألسنة اللهب بعدها بسرعة في أنحاء روما، وأستمرت لمدة أسبوع، لتترك عشرة أحياءٍ متفحمة من أصل أربعة عشر حياً هي عدد أحياء المدينة، والتهمت تلك النيران الآلاف من الضحايا، وكان نيرون بجبروته يترقب المشهد اثناء جلوسه مستمتعاً بما يرى على برجٍ مرتفع، بينما تتعالى صرخات الضحايا من جراء النيران التي كانت تلتهم أجسادهم دون رحمة. لقد قيل سابقا : " أن الجنون فنون". ونزوات الأنسان ليس لها مثيل ولا حدود ولا يقف في طريقه موانع ولا سدود وأمثالها في عراقنا كثير وكثير لا يحصى ولا يعد بالعد ولا بالمعدود, وأترك لكم التعليق وأجنبكم الردود لمن باع الذمم وأحرق المواثيق والعهود. يا أخوتي الجود من الموجود والعراقي كله زود ولا تلمه إن جاوز قليلا الحدود وفي عين الحسود عود.
30-5-2017 دهوك: بقلم: أحمد علي
الطفل الشجاع
حقا أنها واقعة مؤثرة للغاية, لطفل صيني مريض والبالغ من العمر تسعة أعوام وقصة صراعه القاسية مع سرطان المخ حيث ظل مدة طويلة في رحلة علاج مؤلمة نفسيًا وجسديًا ومعنويا، ليُعلن في النهاية هزيمته أمام هذا المرض الخبيث بعد أن أدرك أطبائه أن العلاج لم يعد له نفعا. وقد أعرب الطفل (ليانج) قبل وفاته عن أمنيته للبقاء على قيد الحياة, حتى يقوم بأشياء عظيمة تجعل والديه فخورين به، ووجه ندائه الأخير والمفعم بالأنسانية لأطبائه وقبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة أنه قرأ عما يُسمى بالتبرع بالأعضاء وطالب بمنح أعضائه عند وفاته لمن في حاجة إليها كي يبقوا على قيد الحياة. فما أقدم على فعله هذا الطفل قد يكون سبباَ في نبوغ عالم يخدم البشرية في المستقبل. وعندما فارق الطفل الشجاع الحياة أنهار أطبائه في البكاء وأنحنوا له تحية وتقديرا لموقفه الرجولي المؤثر والفذ.
هذا مخ طفل صغيرسقيم لم ينعم بالحياة خيرها وشرها يفكر بهذا التفكير العميق والبعيد مما جعل أطبائه يفهمون القييم المغروسة في عقله ويبادربهذه الوقفة النابعة من الوجدان البشري تجاه ما هو خير لمنفعة الآخرين قلما نجد لها نظيرا عند الكبار وفي نفس الموقف. أطباء شعروا أحساس الطفل وتعلموا منه درسا ما للحياة من قيمة عظمى. وأنحنائهم أمام فعل هذا الطفل زادهم أمام أعين الناس رفعة وثناءَ. وأعطوا للموت معنا وللموقف مغزى.
وعندنا ومن دون أستثناء, حدث ولا حرج, نادرا ما ترى مثل هذه المواقف المعبرة في مشافينا, ولا أحد يعيرلها الأهتمام وبالشكل المطلوب, ولا يعطيها معنى ولا قيمة تذكر. وحسب مشاهداتي وأطلاعي عن كثب وسماعي لشكاوي أهالي المرضى الذين فقدوا أعزائهم في اللحظات الأخيرة, وفي أماكن عدة, غير مكترثين لما يجري لمرضاهم وهم على مشارف الموت. فقد فُقِد مفهوم الموت ومعناه الأنساني والديني والأجتماعي من قواميس عقولهم حيث يننظرون له وكأنه شيئ عابر وعادي لا يمت بمشاعر المريض وذويه في تلك المواقف الصعبة والقاسية بصلة. يعلنون موت المريض جهرا أمام الكل والمريض يسمع خبر موته المعلن ومن دون التقيد بالقسم الذي تفوهوا به حين نيلهم الشهادة بعدم البوح أسرار مهنته الأنسانية للآخرين تجاه مرضاه وهم في تلك المواقف الخطرة. أستفسر وأقول أين كنا والى أين وصلنا؟ ماذا حلّ لقيمنا ومبادئنا التي أورثناها من حكمائنا وأطبائنا القدامى والذين علّموا البشرية جمعاء معنى الحياة والموت وفي أحلك المواقف الصعبة. وكم من حكم وعبر وأسرار وفي اللحظات الأخيرة من قرب الموت باح بها المرضى وأصبحت نبراسا للناس فيما بعد. "كفى بالموت واعظا". تلك الكلمات التى نقشقها عمر بن الخطاب على خاتمه الا ان تللك الكلمات قد نقشت في قلبه ووضعها أمام عينيه وبها كان عدل الله على الارض.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((الرَّاحمون يرحمهم الرَّحمن، ارحموا أهل الأرض يرحمكم من في السَّماء)).
2-6-2017 دهوك بقلم أحمد علي
مكر وحيل الثعالب
دع الأسد يفترسك ولا تترك الثعلب يتحايل عليك
المثل الكوردي القائل :"بلا شێر تە بخوت، بەس رویڤى حیلێ ل تە نەکەت"
منذ أن وطأ قدم الأنسان على الأرض ولحد الآن ومسيرة البشر مع الحيوان جنبا الى جنب من دون أنقطاع. وتنوعت أساليبة وتعامله معها, وأستطاع التآلف مع قسم منها وظلت الأغلبية وحشية خارج نطاق سيطرته. وأصبحت تلك الحيوانات مادة دسمة في قصصه وأغانيه وألغازه وحكاياته الرمزية وأمثاله الشفوية. فحسب تجربته معها أعطى لها بعض الصفات والرموز تعرف من خلالها مع مرور الزمن.
في هذا المثل الكوردي برز أسم الأسد مقابل الثعلب. الأسد عنوانه ملك الغابة وصفته الشجاعة ومهمته العدالة. وبالمقابل الثعلب المتسم بأسم المراوغ والماكر والخدّاع والمتصف بالغدر والخيانة والدناءة. فأسماء الأسد جاوزت المئات في بعض اللغات وظل للثعلب أسماءه القليلة ولكن كثرت صفاته السيئة والخبيثة فترة بعد أخرى. فأصبح الأثنان مضربا للأمثال في جميع لغات العالم.
فالمعنى والمغزى من المثل الكوردي واضح وجلي وضوح الشمس, لا يختلف عليه شخصان. أعتبر أفتراس الأسد لنا بمثابة الفخر والأعتزاز والرجولة والأقدام. وأما أن يتحايل علينا ثعلب صغير ماكر يعتبر حسب قيمنا ومبادئنا مثلبا ونقيصة يحسب علينا وتصبح وصمة عار لنا أينما ذهبنا مدى الدهر. أذن إما أن تَقدُم على أفعال رفيعة يذكرك التاريخ وإما دنيئة ترمى معها في مزبلة النفايات وينساك الزمن. فالخيار لك وضبط العيار معك, ومن مشى على الدرب الصحيح وصل, من دون خوف أو وجل.
والآن, وفي عصرنا الحديث لقد تغير هذا المفهوم برمته وأقتلع من جذوره, لقد روض الأسد ووضع في قفص ولقن انواع الحركات البهلوانية وعلموه فنون العرض والرقص, وجُرّد منه صفة الشجاعة وأصبح ملك الوداعة والطاعة, يا جماعة أرحموا ملك قوم ذل. وجعلوا عقله يختل يأتمر بالعصا ويرضخ للأشارة ويفهم, ولا يكترث بقول الشاعر: فإما حياة تسر الصديق وإما ممات يغيض العدا. وأما الثعلب الآن قد تسيّد الموقف,وأستأسد وأجترأ بحيله وخداعه. وبات المسيطروالمتحكم على الغابة والسهل والبحارأجمعها, يفعل ما يشاء ويوزع الأدوار ولم يبقى حق للجار على الجار من الأن فصاعدا فكل شئ له مباح حين سكتت شهرزاد من الصياح وقول الكلام المباح. لقد خُدعنا بمكر ودهاء الثعلب وأصبحنا تحت رحمتة وسطوته وجبروته. أنفلت الخيار والعيار من أيدي الجميع وأصبح الحل والربط والنكس والرفع والكبس والغمز والهمس صفات مضافة لقائمة الثعلب الجديدة. حذار وثم حذار وكن حذرا ويقظا ومنتبها لدسائس وفطنة الثعلب وأللآعيبه ولا تبالي وتهتم مطلقا بشأن الأسد المروض والقابع في القفص مطلقا ولا تفكر بأن الأسد الحيوان يفترسك, ما دام الثعلب الأنسان الحيوان يروغ عنك ويعطيك من طرف لسانه الشهد والعسل ويوقعك في أحابيله وأباطيله بسهولة. رحمة الله على الحكيم القائل:
يعطيك من طرف اللــســان حلاوة ويروغ عنك كــما يروغ الثعلب
5-6-2017 دهوك بقلم: أحمد علي
وجه التشابه والأختلاف
لن آكل البرغل ولن أذهب للنجدة
"نا خوم ساڤارێ، نا چم هاوارێ" مثل كوردي
كان من عادة شيخ أو كبير القرية أن يعتمد على شخص قوي وجسور كي يؤدي له بعض المهام الخفية والتي تتطلب منتهى الكتمان والسرية وعدم البوح بها لأحد. وكان هذا الشخص من المقربين عنده. وكان يجزل له العطاء. ولأن أكلة " الساڤار" أي البرغل كانت من أفضلها في الشدائد والأعمال الصعبة, فقد أعتاد كبير القرية بأن يعزم هذا الشخص قبل القيام بأداء المهمة الملقاة على عاتقه الى المجيء عنده ويأكل البرغل وبعدها يذهب لتنفيذ الواجب المكلف به على أحسن وجه. وبعد مرور الزمن وتحمل كثير من المشاق والمصاعب من الطلبات التي نفذها وصل به المطاف أن صرخ بأعلى صوته على الشيخ رافضا من الأستمرار بذلك, وتفوه بتلك الحكمة والقول المأثور: " لن آكل البرغل ولن أذهب للنجدة" بعد الآن, مما صدم سامعه, وكانت تلك نهاية الحق على الباطل.
مهما طال ظلم الظالم على المظلوم وأساليب تحكمه بالضعيف وقدرته بالتحكم على اليائس البائس, فلابد أن يأتي يوم فيصرخ بوجه متحديه وبكل عنف, ويقول له كفى أستغلالا. وبعد اليوم لا طاعة لك عليّ ولن أنفذ ما تأمرني به. ويأتي هذا الرفض منه بعدما يصل الى القناعة التامة بأن لا جدوى من الأستمرار بتنفيذ ما يطلب منه لأنه يعلم يوما ما سوف يلقى حتفه ويصبح كبش فداء في أحدى المعمعات التي يكلف بها لأنه يدري ويعرف علم اليقين بأن ليس له في كل هذا لا ناقة ولا جمل وكبير القرية يستحوذ على الجمل بما حمل.
أيجوز أن تكون قيمة هذه الكذبة عانة واحدة أيضا؟
"ما چێ دبیت ئەڤە ژی ب عانەکی بیت؟"
كانت قديما من عادات القرى الكوردية بأن القرويين كانوا يجتمعون ويسهرون الليل في مضيف كبير القرية. وكان في معظم الأوقات هو الذي كان له السبق في الكلام والترفيه عنهم بألقاء النكت والدعابات اليومية الجارية في القرية وما جاورها. وكان في احدى القرى شيخ أحيانا يبالغ في حديثه والجميع يعرفون ولكن لا يجرءون عن البوح بها أمامه, فكان السكوت من نصيبهم ولكن كان له خادم يقوم ببعض الحركات والأيمائات مما كان يوحي للكل بأن الكبير يزيد في المزحة قدرا من عدم المصداقية في القول. في أحد الأيام أتفق معه بأن لا يبدي أية أشارة مما يجعل الآخرين يشعرون بأنه يبالغ في كلامه, ويعطيه على كل نكتة فيها طعم الكذب واضحة عانة ويسجل عليه العدد. وفي احدى الليالي وكالمعتاد ظل الشيخ يسرد ما عنده من النكت القديمة ألى أن وصل الى هذه وقال:" في ليلة شتوية قارصة بينما كان أحدى القطط تروم بالقفز من أحدى البنايات الشاهقة وتعبر الى الثانية في الجهة المقابلة تجمدت في الهواء في منتصف المسافة بينهما من شدة البرد والجماد." وحين أكمل النكتة لم يتمالك الخادم نفسة فأخذ يترنح ويدمدم وبعدها كشف السر للملأ وقال بأعلى صوته:"أيجوز أن تكون قيمة هذه الكذبة عانة واحدة أيضا؟
بلى أنها كانت كبيرة لذلك المجتمع الصغير والضيق القديم في ذلك الحين, ونتائجها لم تؤثر بشكل مباشر على من حوله لأنها كانت من باب الأستمتاع والترفيه عن النفس وأعطاء المقابل فسحة من المتعة الآنية ليس إلاّ!. ولكن بات الأمر الآن وفي كثير من المناسبات والمؤتمرات والأجتماعات والقمم وعلى مستوى رفيع في هرم الدولة ما يبدر منهم شتى أنواع الكذب والأفتراء والكلام المنمق والملفق مما يتسبب لاحقا أكبر الأذى لدولهم ومستقبل شعوبهم على المدى البعيد وتبقى آثارها باقية عليهم. فما قيمة العانة لو قورنت بمليارات الدولارات التي تذهب سدى من أجل عنجهية وغطرسة رئيس الهرم وعدم ألتزامه بما يتفوه به في تلك المحافل الدولية.
14-7-2017 دهوك- بقلم: أحمد علي
عمق المعاني في الأمثال الكوردية
الأقرع (کەچەل): في المثل الكوردي له معنيين, المعنى اللغوي المعروف حين يصيب الرأس داء أو مرض يسسب القرع والمعنى الأصطلاحي الذي يهدف المثل من خلاله أبراز جوانب أخرى وراء معاني تلك المفردة ومن أهمها الفساد والرشوة والسطو على أموال الدولة والشعب بالطرق الملتوية والغير الشرعية.
لقد أصبح رأسه أقرعا : "یێ سەر کەچەلە"
الأحتمال الأول بأنه ألمّ برأسه داءٌ ومن جرائه نتج له هذا القرع من العدوى أو عدم النظافة, وإما أنه قام بفعل سيء ما مما جلب لنفسه الشك والريبة بأن الناس قد عرفوا حقيقته وطرقه الملتوية تجاه الآخرين ولسان حاله يقول دعوني لقد أصبح رأسي أقرعا.
أنت شخص أقرع متقيح الرأس: "تو مروڤەکێ کەچەلێ کمتاری"
لكن هنا الأقرع زاد في الطين بلة, فلم يكتفي بالكتمان والوقوف موضع الأرتياب بأمره بل تعدى وجاوز الحد وأصبح مكشوفا لدى الناس فاخذوا ينادونه أنت شخص أقرع ومتقيح الرأس أي بأنك فاسد بكل معنى الكلمة لأنه قد فُضح أمرك أمام الجميع.
حسن أقرعٌ, أقرعٌ حسن : "حەسەن کەچەل، کەجەل حەسەن"
في هذا القول رجع الحق لنصابه, تعادلت الكفة مع الأقرع. وفي هذه الحالة أصبح الأمر سيان لا ضير في ذلك فالأقرع هو هو والنتيجة هي هي لا تغيير ولا تبديل. فشخصية حسن تبقى على حالها لا يؤثر عليها أي طارئ واقف على الحياد.
أيها الأقرع, رأسك شبيه بالسماق:"کەچەل، کەچەل قاقە، سەرێ تە سماقە"
وهنا خرج الأقرع من دائرة الحياد ودخل خانة السخرية والأستهزاء من قبل الأطفال فأخذوا يطاردونه من مكان لآخر وينعتونه بكلمات وأقوال شنيعة وبذيئة لأنه مال وأنحرف عن السكة الصحيحة وبات أمره مكشوفا من السرقات لدى الجميع حتى وصل للصغار فأصبح رأسه عندهم شبيها بنبات السماق الأحمر.
أيها الأقرع, أسمي أسمك, طاقيتي فوق رأسك"کهچهلۆ ناڤێ من ناڤێ ته، کومێ من دسهرێ ته"
هنا أزداد الأمر سوءاً, لقد أخذ أصحابه المفسدين والذين سبقوه في تلك المهنة القذرة يعاتبونه ويلقون اللوم عليه بأنه هو أيضا أصبح فريسة للأصطياد وصار أمره مثل حالهم وأصبح الجميع في الهوى سوى وقد أرتدى نفس الطاقية التي نزلت فوق رؤوسهم من قبل.
يحظى الأقرع بالجاه, ويتلقى الأعمى اللعنات:" کهچهل ب دهولهمهندن کوره ب نهعلهتن"
وأحيانا يفلت ألأقرع أي المفسد من العقاب ولا يناله سلطة القانون والعدالة لسبب ما أو لأسباب عديدة من مكره وخداعة وحيله التي يتفنن بها ويتنصل من الوقوع في المصيدة أو له شركاء في الجريمة يتسترون عليه من مبدأ أفد وأستفد. وفي هذه الحالة يحظى الأقرع الشاطر الماهر بالجاه والمال الحرام والشعب الفقير البائس والتعيس يتلقى شتى أنواع البؤس والحرمان من أبسط متطلبات الحياة لأن الأقرع والقرعان اللذين تعاونوا معه قد لهفوا مستحقاتهم.
من ألأفضل أن يبقى الرأس الأقرع تحت الطاقية (العرقجين):" سەرێ کەچەل دکۆمدا یێ باشە"
فأصحاب السوابق أي( القرعان) في الفساد يجب عليهم أن يبتعدوا من الأستمرار في العبث بأموال وقوت الشعب وأن يحافظوا على أنفسهم من الوقوع في شرك القانون الذي لا يرحم أن كان فعلا ينفذ العدالة على الجميع وأن لا تتواطئ مع المفسدين وتميل معهم حيث تميل الرياح. وعليهم سدّ عورتهم بوضع الرأس الأقرع تحت الطاقية كيلا ينفضح أمرهم.
لم تجد حلا لرأسك الأقرع, فما بالك تلهث لأيجاد الدواء للرأس المتقيح للآخرين
"تە چ چارە ل کەچەلێ خو نەکرینە، گەرا گوریێ خەلکی"
في هذا القول يبتعد المغزى خطوة أعلى في المستوى ويأخذ بُعداَ جديدا. فبدلا من الأنكفاء والأبتعاد من مسرح جريمة الفساد ودائرة المرتشين يأخذ في التمادي فيها ولا يقف الى هذا الحد بل يحاول مدّ يد العون للاخرين على شاكلته كي يجد لهم سبل وطرق النجاة من وقوعهم في الفخ ومصيدة القانون وذلك بشتى أنواع الخديعة والمكر والأبتزاز. فهذا هو ديدن المفسدين والمرتشين والمتلاعبين من الوقوف جنبا ألى جنب في الملمات بعضهم مع البعض الآخر.
سُأل الأقرع لماذا ليس في رأسك أيّ شعر, فردّ: جدائل خالتي تنسدل على أكتافها
" کهچهلۆ چ موی ب سهرێ تهڤە نین، گۆت: کهزیێت خالەتا من سەرملا دکهڤن"
حين يُسأل يوما ما أحد المفسدين عن وضعه وما أكتسبه من المال السحت حتى وصل حدا بأن لم يبقى ِشعرة واحدة في رأسه من كثرة ما نهب وسرق ولم يبقى لديه أي شيء فيأتي الرد منه بأسلوب التهكم والأزدراء بأن لا ضير في ذلك ما دامت خالته وبنات عماته يستحوذون ويملكون الكثير من أموال النهب والسلب الحرام. وشرّ البلية ما يضحك. وحتى في رده هذا دسّ في قوله نوعا من الأبتزاز النفسي والمعنوي على السائل.
أيها الأقرع: لقد خطبنا لك أمرأة, قال: لما لا! قالوا: نكذب عليك: انا بدوري لم أصدقكم
"کەچەلو: مە بوتە ژنەکا خاستی، گوت: بلا، گوتن: مە درەوکر، گوت: ما من ژکیڤە باوەرکر"
وفي المثل الأخير تنكشف خيوط حبكة الملهاة والمأساة معا. بعد أن تنسد جميع الطرق والسبل أمام الأقرع الفاسد ولم يبقى لديه أية وسيلة للحصول على المال السحت بعد أن تبيّن لدى الجميع حجم وأشكال الطرق الملتوية التي أبتدعها من جمع الأموال وأخيرا وقع الفأس على الرأس. وحين يوعدونه بعض من أصدقائه بأن صفقة في أنتظاره فيكون ردّه بالأيجاب ولكن عندما يصارحونه بالكذب عليه فيأتي الجواب منه بمنتهى الخبث بأنه في نفس الوقت لم يصدقهم.
كلمة أخيرة: المفسد يبقى على فساده ما لم توضع قوانين صارمة وشديدة بحق كل من يسول له نفسه ويورط غيره في السير في هذا الطريق المعوج ويكون تنفيذ أنزال أقوى القصاص والعقوبات بحقهم ولا يدع لهم المجال ثانية للرجوع الى تلك الممارسات الشاذة والمرفوضة من قبل الجميع. ولا يقبل بها كل القوانين الوضعية والشرائع السماوية والمبادئ الأنسانية على حد سواء.
19-7-2017 دهوك بقلم: أحمد علي
أمثال كوردية عن الفساد
المثل:عبارة موجزة بليغة شائعة الاستعمال بين الناس، يتوارثها الخلف عن السلف، تمتاز بالقصر وأصابة المعنى وسهولة اللغة وجمال جرسها. وللمثل في حیاة الشعوب قیمة فکریة عالیة، تنشد له الأسماع مُقرةً بأنه مستلهم من لسان صدق وعمیق فکر وصواب رأي. ويضرب المثل الواحد لأکبر عدد من المواقف المفترضة, يفسرها ويعطيها أبعادا ومعاني ومواقف كلا حسب فهمه ونظرته له الى جانب المغزى والمعنى العام. لذلك نجد المثل متنوعاً في مصادر بلاغته، مما تجعل دلالته قویة ومؤثرة، موصلة للفکرة، کاشفة عن التشابه بینه وبین الموقف المستخدم فیه. ومن جانب آخر، فإن المثل بإیجازه الشدید والمؤثر، یعد من أکثر الأنماط عرضة للإنتشار والرواج والسيران. والسمة المهمة للأمثال الكوردية أنها حافظت على مفردات اللغة الكوردية من الضياع وأبقت الجملة اللغوية محكمة في الأفواه على مرّ السنين. وفسحت المجال للناطقين بها واللغويين بتوليد وتركيب جملا ونماذج مماثلة تضاهيها في الدقة والوضوح. وهذه نماذج من الأمثال الكوردية التي حاولت من خلالها أبراز النواحي السلبية السيئة كالسرقة والفساد في المجتمع والتصرفات الخاطئة التي ينتهجها الناس في الحياة. وبالتأكيد لتلك الأمثال مقاصد ومعاني أخرى تختلف بأختلاف المواقف والمفاهيم والرؤى من شخص لآخر ومن مكان لأخر.
"چاڤ نقێ هندێ یە":
أي يغمض عينه عنها: إن أقدم شخص ما على فعل مسيء من قصد فعلى الأخيار أن يوجهونه ويرشدونه نحو طريق الصواب ولا يجب السكوت عليه, ولكن اأمثاله المسيئين يلتزمون الصمت ويغضون الطرف عنه كي يتمادى في غيّه وينهج مسلك الخطأ ويجر معه آخرين على نفس الطريق الملتوي.
"مروڤەکێ دەست درێژە":
لهذا الشخص يد طويلة: كناية للسارق. بدلا أن تخاطب المقابل صراحة وتقول في وجهه بأنك لص وسارق ومفسد تلجأ الى التعريض كي يشعر بطريقة غير مباشرة بأن ما يحصل له ليس من كده وتعبه بل هي من سرقه أموال الشعب. فكشف الذمم المالية للمناصب العليا هي خير دليل للتأكيد على هذه المقوله.
"بارا پتر دا بن پێ چوکێ خو":
أخفى القسم الأكبر تحت ركبتيه: هذا هو ديدن سرّاق المال العام الحصة الأكبر هو من نصيب المتنفذ الأعلى، وهكذا دواليك يبدأ التدرج الى أن يصل نهاية ذيل القائمة. كلهم في الهوى سوى ما دام ربُّ البيت بالدف ناقر فشيمة أهل الدار والدوائر الرقص والتلاعب بالأموال كيفما يشاؤون والرزق على الفوضى المالي والأعمار المتهالك ما دام الشعب ساكت لا يبالي.
"ژگای بەس گوه نیشادا":
لقد أظهر له من الثور الأذن فقط : ليس في الشراكة بركة حين يكون أحد الشركاء له نزعة الغدر وصفة التحايل ومبادئ الثقة والأمانة معدومة عنده, فهذا الشخص يلجأ دوما للحصول على القدر الأكبر من الأرباح وبطرق خبيثة.
"بەفر فعلا خو ناهێلیت":
لا يترك الثلج فعلته: أي طبعه. كثير من الناس شيمهم وطبائعهم لا تتغيّر مرور الزمن ويظلون متشبثين بها ويتمادون في ديمومتها والأنكى من ذلك يُضلّون في متاهاتها ودهاليزها ويستمرون في الأنحراف تائهين في فعلتهم ولا يرجعون الى جادة الصواب مهما كلّفهم الثمن.
"توبا دارکوکەیە":
توبة طائر نقّار الخشب: بعض المفسدين والسالكين سبل الأعوجاج في فترة ما من صحوة الضمير ورجوع ما تبقى من العقل لهم يندم في قرارة نفسه اللوامة بأن يبتعد ويسحب نفسه منها ومن الأستمرار في فعل المزيد فيسلك طريق التوبة من عدم التكرار والمضي نحو الأبعد شأنه كتوبة طائر نقّار الخشب الذي سرعان ما يهدأ وجع منقاره يعود ثانية الى تكراراها في اليوم التالي شأنه شأن المفسد التائب لفترة وجيزة يعود لها ثانية.
"دز دزا ناس دکەن":
اللص صنو اللص: نضراء في السرقة ويعرف أحدهم الآخر. أشقاء في العمل وكسب المال السحت من أفواه المستحقين. يتبادلون فيما بينهم المال الحرام من هنا وهناك من حيث يأتيهم من دون تعب وفي كل يوم يتسع دائرة السراق ويزداد عددهم في المجتمع وقلما تستطيع من كشف النزيه والشريف والطاهر بينهم لأنهم ضاعوا بين الكثرة الفاسدة .
"ئەز دێ صورکەم، ئو تو بێڤەدە":
الترجمة الحرفية للمثل: عليّ أن أحمّرها وعليك أن تلصقها: مهمة الفاسد الأول هو تهيأة " التنور" أي الجو المناسب من جميع الجوانب وما يقع على عاتق المفسد الثاني هو دفع" العجين المدور" ولصقها بالتنور, وأكمال العملية على خير ما يرام. فالمهمة لا تكتمل إلاّ إذا تعاون الأثنان معاً وبدقة كي تصل الصفقة بكل أمان كرغيف الخبز الى أفواه الحيتان التي لا تشبع لقمة سائغة تسري وتمري حيثما تشاء.
"ئەم هەر دو چقێت دارەکێ نە":
نحن الأثنان فرعا تلك الشجرة: لو أدعى أحد الأشخاص بأن كعبه أعلى منه شأنا ومرتبة, يرد الآخر عليه وبأسلوب السخرية والتهكم بأنه يضاهيه وند له ويماثلة في ذلك الأمر ولا يزيد عليه شيئاً لو كان نصبا أو أحتيالاً أو فساداً. أنه حقاً التباهي وأظهار المهارات في فنون الخداع والثراء على حساب الغير وهذا هو دوما ديدن المفسدين الغانمين من قوت الشعب من دون وجه حق.
"خیارێت بنەکێ نە، ئو مێریێت کونەکێ نە":
كلاهما قثاء نبتة واحدة ونمل قرية واحدة: لا فرق بينهما أبداً, التشابه بينهما حدُّ التطابق المطلق كنبات ذوات الفلقتين. لو كان القثاء حلواً فالآخر يبدو مثله ولو كان مراً فهو أيضاً عينه. وكالنمل يتساوى كافة أفراد المستعمرة بالحقوق والواجبات، فلا تختلف ولا تشذ نملة عن غيرها. ولكن البشر من طبعه أن يتعالى على غيره ويحاول دوما بأن يظهر نفسه أعلى شأناً وأسمى درجة منهم. ويضرب المثل حين يتكافئ شخصان في نفس المواصفات والخصال السيئة والدنيئة.
"گاڤا تو دچویە حیلا, ئهز ژوێڤە دهاتم":
حينما كنت تزمع السير نحو كسب الحيل, كنت في طريق العودة منها : أنه مدح وثناء حدّ التباهي والأستعلاء على الآخرين في التمكن والأقتدار من معرفة خبايا الأمور القذرة من فنون السرقة والنصب والأحتيال. فكل شخص لا يستحي ولا يهاب سطوة القانون يفعل ما يشاء ويعلنها للملأ ملء فيه ما دام أنه عن منأى من الوقوع في الفخ ولا يطوله العقاب ما دام قوانين العدالة والنزاهة بجانبه لقد صدّق من قال: " حاميها حراميها".
"رێکا کورتان کەری یا ل سەر شویژن کەری":
طريق صانع السروج يمر على صاحب المخاط : أي لا ينجز ويكتمل عمل الأول إلاّ من خلال الحاجة للثاني. تلك الأداة التي تخيّط السروج ضرورية لأتمام العمل. أذن المنفعة متبادلة في صفقات الفساد إن جاز التعبير, فلابد أن يتعاون الأثنان سوية لأمرار الصفقة الوهمية المزمع عقدها فيما بينهما والخروج بأحس النتائج مما يدر الفائدة للطرفين حتى ولو كانت من المال العام المسروق.
24-8-2017- دهوك -أحمد علي
التشابه في الطبائع
كصمت البوم : "کەرەبم"
" لا أرى ولا أسمع ولا أتكلم" أجزم لكم بأن الذي يؤمن ويطبق هذا المقولة أو يروجها للآخرين بالقيام بها لا يملك ذرة من الشجاعة ولا من الرجولة بشيء. فأغماض العينين وسد الأذنين وغلق الفم من شيم الجبناء لأن الساكت عن الحق شيطان أخرس شأنه شأن البوم حين يلتزم الصمت المميت تجاه ما يجري حوله في كثير من الأمور وكأن الأمر لا يعنيه.
كالذئب فمه ملطخ بالدم : "وەک گۆرگێ دەڤ خوینە":
من شيم الذئب الغدر والخيانة والوقع بالحيوانات الضعيفة من دون رحمة وشفقة, ويكتفي بالحد الذي يسمح له غرائزه الطبيعية. لكن قسم من البشر مهما بلغ من الرقي والثقافة ووصل الى أعلى المناصب في هرم السلطة لا يتوانى مطلقا من أفتعال الحروب والأزمات كي يشبع نهمه من أهدار دماء الآخرين من دون سبب وجيه ولا يقف عند هذا الحد بل يتمادى في ذلك حد الجنون والثمالة الدموية قاطعا أشواطا ضاربا الأرقام القياسية الواحدة تلو الأخرى متفوقا وبكل جدارة عى الذئب بوحشيته.
كالحية تحت التبن : " مارێ دبن گلگلە یە":
من طباع الحية التهيأ والأستعداد للأنقضاض على الفريسة, لذا تلجأ للأختفاء بين الأدغال أو الأختباء تحت التبن والحشائش لأكمال مهمتها على أحسن وجه وهذه هي وسيلتها في الأصطياد والحصول على الغذاء. لكن الأنسان قد فاق الحية بألاعيبه ومكره وحيله مبتكرا شتى أنواع الطرق والوسائل الخبيثة في الأصطياد في الماء العكر والألتفاف حول القوانين وأبتداع أشكال التزوير والأبتزاز للوصول الى غاياته الدنيئة ولو على حساب الآخرين.
كالأسد المربوط بخيط رفيع:" شێرێ ب دەزیێ خاڤ گرێدای":
طبع الأسد هو الشجاعة والذود عن البقية بكل همة وأستبسال. وهذا طبعا لو كان سائباً ولم يكن مقيّداً. لكن لو وضع في أرجله خيطاً ضعيفاً ولو من باب الأختبار لتجرد من تلك السمة النبيلة والرفيعة متبجحا بالأعذار الواهنة من أداء مهمته. وهذا ينطبق على كثر ممن يدّعون الرجولة حينما يختبرون في أوقات المحن والملمات يتذرعون بأبسط الحجج الواهنة كي يتملصوا من القيام بالمهمة الملقاة على عاتقهم.
كالعُقاب أنقضّ على الفريسة:" وەکی ئەلهو خو لێدا":
من السمات البارزة عند الطيور الجارحة هو أختيار الفريسة الفضلى والأكتفاء بواحدة وعند الضرورة وحين الحاجة الى الطعام. لذا نرى العُقاب يستخدم حدة بصره وسرعة أنقضاضه وقوة أرجله وصلابة منقاره في الأمساك بالفريسة وقلما تنفلت منه. بينما معظم البشر ذو العقول الراقية ميالون للأستحواذ على الغنيمة مهما كانت صغيرة أو كبيرة أكانت حلالاً أم حراماً وبأساليب ملتوية وغير شرعية ودون الأكتفاء الى حد لا يتوقفون عنها بل غرائزهم الخبيثة يجرهم الى الأستمرار والحصول على المزيد ولا تصل أبداً الى حد الأشباع بل تتحول الى النهم والشره.
13-9-2017 دهوك: بقلم : أحمد علي
غابت البيضة فأصبح البديل بصلة :"هێلیڤانک بو پیڤاز"
ربما يعطي ترجمة المثل الكوردي للقارئ لأول وهلة أنطباعا يثير لديه التشويش والأرباك. وعند توضيح الغرض منه يزيل هذا اللبس والألتباس. قديما كانت المرأة القروية الكوردية تلجأ الى وضع بصلة تحت الدجاجة البيّاضة كي تبيض وكانت تلك هي العادة المتبعة عندهم حينما لم تجد بيضة في البيت تؤدي دور البيضة والسبب في ذلك أن ربة البيت كانت تعتمد على تلك البيوض المدخرة أساسا في أطعام الضيوف والأطفال ولعدم وجود الأسواق في ذلك الحين في القرى, وكان الأعتماد على تلك الأمور االمعيشية أكتفاءً ذاتيا في أغلب الأحيان.
والمغزى العام من المثل هو رغم الجد في العمل والكد من أجل توفير المزيد لسد الحاجة الذاتية للعائلة بل التبذير والأسراف وعدم وضع الحسابات المستقبلية في الحسبان يصبح السبب الرئيسي والمباشرهو اللجوء الى الأستدانة والأستعاضة بالبدائل التي لا تجدي نفعاً وربما تسير الأمور من سيئ الى أسوأ.
حيث ينطبق هذا المثل بحذافيره على الشعب الكوردي. حين تكون سلة البيض عنده مليئة يكثر الضيوف واللصوص حوله من كل صوب يعتاشون عليها ليل نهار وفي كثير من الأحيان يسرقون الموجود وينهبون الدجاج والسلة معا وما حولها مستغلين طيبة الشعب الكوردي ضاربين كل القيم والأعراف والتقاليد عرض الجيرة الحسنة والأخوة المتبادلة والصداقة الآنية ذات المنفعة الخاصة منذ القدم ولحد الآن. ويبقى الكوردي صفر اليدين في معظم الأوقات ويتراجع الى الوراء سنين طوال من نقطة البدء رغم التضحيات. وفي أكثر الأوقات لا يلقى حتى البصلة البديلة كي تحل محل البيضة الأصلية ويبقى حالنا حال الذي ضيّع الخيط وفلت منه العصفور معاً.
21-10-2017 دهوك – بقلم- أحمد علي
أنه شبيه البقرة الصفراء :"وەک چێلا زەرە"
الترادف في اللغة التتابع وهو ما تبع الشيء واذا تتابع شيء خلف شيء فهو الترادف. والترادف اصطلاحا: دلالة عدد من الكلمات المختلفة على معنى واحد. لذا تعد ظاهرة الترادف في اللغة العربية من بين الظواهر اللغوية التي تضفي على العربية ميزة خاصة إلى جانب الظواهر اللغوية الأخرى حيث تعتبر هذه الظاهرة وسيلة من بين الوسائل التي أغنت المعجم العربي الى حد كبير. وتشابه الشيئان أي ماثل كلّ منهما الآخر. وان صح الأمر فأن التشابه والتماثل مرادفتان الى حد كبير. والتطابق أعم وأشمل تصل حد التساوي والتوافق والأتفاق.
وحين يقول الحكيم الكوردي أنه شبيه أوكالبقرة الصفراء فبكل تأكيد يكون فعل المقابل المراد أبراز التشابه بينهما مماثلا لها حد التطابق التام. والشخص الكوردي يفهم الغاية من المثل من دون أتمام تكملة المثل أي أن البقرة ملئت السطل من حليبها الدسم ولكن في نهاية المطاف ضربت برجلها وقلبتها رأساً على عقب وأفرغتها بالتمام والكمال وكأن شيئاً لم يكن.
وهذا الفعل هو ديدن الكثيرين من الناس يفعل بما في مقدوره حداً لا حدود له ويبذل قصارى جَهده طَموحه في ذلك هو الوصول الى الهدف المنشود والغاية المرجوة لكن سوء التقدير أوالحساب الغير الدقيق اوالأفراط في الثقة العمياء بنفسه وغيره والمغالاة في الأصرار على الرأي الغير المدروس والأبتعاد زمانيا ومكانيا عن الواقع المحيط والشطح عن المواقف والتجاهل أو التغافل عن ما يجري في الساحة ووو كلّها تذهب سدى لا نفع فيه والأنكى من ذلك يرجّع صاحبه ومن معه مسافة بعيدة الى الوراء يصعب في المستقبل تعويضها بأي شكل من الأشكال.
23-10-2017 دهوك – بقلم- أحمد علي
وجبة كوكتيل: خليط من الأكلات -"گێلما گاڤانی" مثل كوردي
يُقال والعهدة على الذي تفوه بها وقال, وفي قديم الزمان وفي ربوع كوردستان والذي أصبح في طي النسيان, حكاية الرعيان والگاڤان الكوردي الذي عاش في فترة ما بعيدا عن الظلم والطغيان من أوامر السلطان. وفي أغلب الأحيان وفي معظم القرى الكوردية كانت مهنة الرعي من نصيب شخص أعزب لا ينتمي الى تلك البيئة قادما من مكان آخر ولأسباب عدّة سعيا للعيش والأمان وآملا بالزواج من أحدى فتيات القرية والأستقرار فيها والأندماج في محيطه منضويا من أنظار كلّ مطارد نمّام وغدّار. وكان كبير القرية يتبنى تلك المهمة ويملي عليه شروط أهل القرية التي يجب أن ينفذها وفقا لعادات وتقاليد المجتمع آنذاك وعند القبول يصبح أحد أفراد القرية له حقوق وعليه واجبات محددة. ومن بين أحدى هذه الشروط: عند المساء وحين العودة بالغنم والماشية والأبقار تجاه القرية وبعد يوم مضني كان له الحق أن يحمل صحنه الخشبي ( الكود بالكوردي) ويعرج على عدّة عوائل كي يضعون له ما توفّر لديهم عشاء تلك الليلة ومن أنواع مختلفة من الأطعمة السائدة في ذلك الحين مثل: البرغل والعدس والحبية والكبب والمرقة والأيبراخ أي الدولمة وما لف ودار معها من أكلات شعبية معروفة. فكان هذا الخليط الغير المتنجانس بمثابة (أكلة كوكتيل) وتسمى باللغة الكوردية: "گێلما گاڤانی" أي خليط من الأكلات المتنوعة.
وأصبحت تلك الكلمتين مثلا دارجا ذات معنى ومغزى عام وشامل يضرب عندما تختلط الأمور بعضها مع البعض الآخر وتتشابك المكشوف مع المستور وتتداخل المصالح المشروعة مع المحظور وتمتزج النوايا الحسنة مع الرغبات السيئة في نفوس البشر والذين يضعون أولوياتهم الخاصة الغير المشسروعة فوق العامة كما هو الحال في الحكومات المتعاقبة على العراق بعد الأحتلال فهي خليط غير متنجانس ومزيج متنافر تتشابك فيها المصالح والغايات رافعين أنواع الرايات ذات اليمين وذات الشمال وعلى كافة الجهات تاركين الشعب في غفوة وسبات. هذا الكوكتيل الحكومي الغير المتناغم والمتنجانس والغريب والفاشل أصبح على البلد وأهله وبالا, لقد نهب منهم أموالا, وشتّت لهم أحوالا, وأذاقوه مُرّ الأهوال, وبعثر مستقبل الأجيال وأصبح حديث القيل والقال. أتسائل هنا هل سنبقى على أكل هذه الطبخة الكوكتيلية العفنة والنتئة التي سئم منها الشعب وذاق منها الأمرين ؟ وأناشد أيضا أصحاب الضمائر الحية أن تصحى من غفلتها وتجانب الباطل وتقف مع الحق وأهله, في جبله وسهله, شابه وكهله كي يتنعم الجميع بخيرات بلده: الگاڤان الكوردي والشڤان الأيزيدي وراعي الجاموس العربي والفلاح الشبكي والصانع المسيحي والكادح التركماني والكاسب الصابئي. أستفسر والأستفسار وجيه ومنطقي ومعقول! هل يتحقق لهذا الكوكتيل العجيب أن يعيش بسلام ووئام كما كان في سابق عهده أخوة متحابين في هذا الوطن الذي يحوي الجميع فهل من سميع؟!
19- 9- 2018 – دهوك – كاتب مستقل
قوت لا يموت
كانت المرحومة والدتي أمية بالمفهوم العام والدارج لكونها لا تعرف القراءة والكتابة. ورغم ذلك, كانت ثرية بعطائها بضرب الأمثال الكوردية الرصينة أثناء الكلام والتخاطب مع الناس, حقا كانت مدرسة بحد ذاتها ولقد جمعتُ من عطائها الثر الكثير الكثير, غنية بمفاهيمها وأفكارها حيث كانت تُطبقْ ما تقوله على أرض الواقع في الملمات والشدائد وفي الأفراح والأتراح وفي العلاقات الأجتماعية والأنسانية. ذات ذاكرة حادة ومتقدة حيث كانت تسرد لنا القصص التراثية بدقة متناهية وبشكل لافت للنظر, وتحفظ من اللاوك والنارينك والحيرانوك وهي أنماط من التراث الشفاهي عند الأكراد وكانت ترددها مع نفسها منفردة وكنت أقوم بكتابتها خلسة من دون علمها وكنت أحيانا أضطر لأقناعها لأعادة بعض منها لأدونها بصورة صحيحة للأجيال القادمة.
وفي أحد الأيام وفي معرض حديثها أدخلت مثلا عربيا كاملا في سياق كلامها من دون أي تغيير, علما بأنها لا تجيد تلك اللغة مطلقا ناهيك عن المفردات الدخيلة العربية في لغتنا الكوردية. فكان الحديث يدور عن الفقر والفاقة والعوزوالمجاعة حين قالت حياتنا وعيشنا بمثابة (قوت لا يموت) وعندها تدخلت وقلت لها أماه هذا المثل عربي بحت ولا يمت بأي صلة الى اللغة الكوردية من أين لك هذا؟ وهل تعلمين معناه ومغزاه بالضبط؟ وعلى الفور بدأت بتوضيح الغاية والقصد منه بدقة وافية. وبهذه الروحية الفذة والعطاء الزاخر والمفعم بالأصالة أوصل لنا أجدادنا وأسلافنا عصارة التجارب والعِبرمن خلال الأفعال والأقوال والأمثال والقصص وبشكل دقيق مما جرى عليهم من مآسي وويلات وظروف قاسية وعصيبة. هي خلاصة تلك الخبرات التي توارثوها منذ القدم جيلا بعد جيل.
وفي الآونة الأخيرة, لقد أصبحت كلمة (يموت) لصيقة بالفقر دوما ونسمعها يوميا في الشارع, في المجالس, في السوق, في الندوات والمؤتمرات وأصبحت كاللباد في الأفواه والكل يتحدث بها ولا يجد لها حلاً والفقير بينهم بلا قوت يعيش ذلاً ويموت غِلاً, فأسعار السلع المعيشية والأدوية غالية ومرده سوء التخطيط الحكومي وجشع وأستغلال أصحاب الشركات والمعامل. ألا يحق للفقير أن يعيش بدلا من أن يموت هذه الميتة البائسة ؟ لملا يعيش حياة كريمة ويحصل له ولأطفاله على الملبس والمسكن والطعام والدواء من خيرات البلد الهائلة. أيا أصحاب الضمائر الحية ألم يكفي أنه يموت ويموت موتاً بطيئاً وأثناء موته لسان حاله يقول:لاعناً كل المفسدين وسراق الأموال العامة والخاصة والمتعاملين بالمحرمات بالباطل وسماسرة الحروب وتجار الدين والسياسة ومروجي الرشاوي ألف لعنة ولعنة لأنهم هم سبب جميع المآسي والبلاوي وقد قيل فيهم الراوي قديما وحديثا:"عاشر واوي ولا تعاشر من كان بطنه يوما خاوي, وتسكع في المقاهي والملاهي, وأصبح الآن هو الآمر الناهي, ويقيناً يوجد دوماً وأبداً تحت السواقي, أمثال هؤلاء الدواهي"!
23-9-2018 – دهوك - أحمد علي حسن