إصلاح الألفاظ المعرّبة
أ.د. سعدون أحمد علي الربعيّ
م.م. مازن حسن صكب العبودي
المقارنة اللغوية الكوردية: احمد علي حسن - كوردستان العراق - ٢٠٢٥
أود الإشارة هنا بأنّ البحث إعتبر هذه المعرّبات جميعها هي فارسية جزْماً ولكن من خلال المقارنة يتضح للكل بالدليل اللغوي القاطع بأن معظمها كوردية بحتة وإن كان قسماً منها يُحسب على المشترك بين اللغتين أي الكوردية و الفارسية على حد سواء والقارئ الكريم يستطيع التمييز بينهما من خلال المقارنة اللغوية.
المقدّمة
"لم ينل المعرّب حظًّا وافرًا من الدراسات اللغوية التي تُعنى بالتغييرات الصوتية التي خضعت لها ألفاظه قبل ولوجها ميدان العربية الرحب؛ إذ إنَّ جلَّ هذه الدراسات قد تناول دخول الألفاظ المعرّبة في ميدان اللغة العربية بصورها النهائية من غير الإشارة إلى التغييرات التي طرأت على أنسجتها:
وممّا تجدر الإشارة إليه أنَّ العربية لم ترتضِ بجمعٍ غفيرٍ من هذه الألفاظ المعرّبة بهيآتها التي كانت عليها في لغاتها الأمّ، قبل انتقالها للعربية؛ لتعارض هذه الألفاظ مع قوانينها، لذا دأب المتكلمون بالعربية إلى إحداث تغييرات صوتية أو صرفية مناسبة على هيئات الألفاظ المعرّبة؛ إصلاحًا لها؛ لتركب قوانين العربية، وتتنزّل منزلة ألفاظها، ولتستحيل ألفاظًا مقبولة سائغة على ألسنة الناطقين بها، ومن ثمَّ جاءت هذه الدراسة لتلقي الضوء على هذه التغييرات التي طرأت على نسيج اللفظ المعرّب قبل ولوجه العربية، وقد اتخذت هذه الإصلاحات أو التغييرات صوراً عدّة يمكن إجمالها فيما يأتي:
أولاً: إصلاح الألفاظ المعرّبة بإبدال صوت:
١- بَرْدَه - بَرْدَج - السّبي
المقابل الكوردي: بردن، برن - أخِيذ، أسْر
قال العجاج
كالحبـشيّ التفَّ أو تسبَّجا كَمَا رأيتُ في المُلاءِ البَرْدَجَا
٢- دِنّار- دينار - دِيْنَار - قطعة نَقْد ذهبيَّة تعامَل بها العرب قديمًا
المقابل الكوردي: دراڤ - پارە - دینار، النَقْد، المَالَ
هَلْ أَنتَ بَاعِثُ دِيْنَارٍ لِحَاجَتِنَا أو عَبدَ ربٍّ أخَا عَونٍ بِن مِحْرَاقِ
وقول بشار بن برد
أَنْفِقِ المَالَ ولَا تَشْقَ بِهِ خَيْرُ دِينَارَيْكَ دِيْنَارٌ نَفَقْ
٣- پرند - الفِرَنْد ، بِرِنْد - جوهر السيف وماؤه وطرائقه، أو وشيه
المقابل الكوردي: بر، برین، برەر، براندن - يقطع - القاطع
وممّا جاء بمعنى (السيف) قول جرير
وَقَدْ قَطَعَ الحَدِيْدَ فَلَا تُمَارُوْا فِرِنْدٌ لا يُفَلُّ ولا يَذُوْبُ
وممّا جاء مختصًّا بصفةٍ من صفات السيف قول المفضّل
فَصـِرتُ كَالْسَيْفِ لا فِرِنْدَ لَهُ وَقَدْ عَلَاه الخَبَاطُ والعَكَرُ
٤- مهندز - مهندس
هَنْدَسَ،هُنْدُوس هذا الأمر، وهم هنادسة هذا الأمر،أي: (العلماء به)، ويقال أيضًا: (رجل هُنْدُوس، لمن كان جيد النظر مجرّبًا).
المقابل الكوردي: هند ناسە، هندناسین - العالم به - اندازه – ئەندزیار - أي خَبِير، مُحَنَّك، متمرِّس، مُجَرَّب بهذا الأمر
ثانيًا: إصلاح الألفاظ المعرّبة بالحذف
١- بُوْسْتَان - بُسْتان - هو الحديقة من النخيل، محل الرائحة الطيبة
المقابل الكوردي: بوی ستان - بیستان - بوستان - بوهنستان - بێهنستان - حَدِيقَة، رَوْضَة، جُنَيْنَة
قول عنترة
أَمسَيْتُ في رَبْعٍ خَصِيْبٍ عِنْدَه مُتَنَزِّهًا فيه وفي بُسْتَانِهِ
وقول الأعشى
يَهَبُ الجِلَّةَ الجَراجِرَ كالبُسْـ ستَانِ تَحْنُو لِدَرْدَقٍ أَطْفَالِ
٢- كَرْدَنْ - الكَرْدُ - العُنُق
المقابل الكوردي: گردن، كَرْدَن، گەردەن - قرک - العُنُقُ، الجِيد، الرَقَبَة
٣- نشاسته – نشا - النَّشَا: لبّ القمح المنقوع، مَسْحوقٌ أبْيَضُ يَكثُرُ في الحُبوبِ والأرز
المقابل الكوردي: نشا، نەشا، نشه
ثالثًا: إصلاح اللفظ بزيادة الصوت
١- دره - دَرَهْرَهَة - يراد به السكين المُعْوَجَّة، وهو ما يسمّى (المنجل) عند العامّة
المقابل الكوردي: درە: بمعنى أُحصدْ - درین: الحصاد بالمنجل المُعْوَجَّ
ورد ذكره في حديث المبعث: فجاء الملك بسكين دَرْهَرَهة
٢- قَرَمَان - قَهْرَمَان - القَهْرَمانُ: أمينُ المَلِكِ وخاصّته، كالخازن والوكيل الحافظ
المقابل الكوردي: قارەمان – قەهرەمان - البطل، الشجاع
رابعًا: إصلاح اللفظ الفارسي بتغيير حركته الأصلية
١- زُوْر - زُوْر - القوّة
المقابل الكوردي: زر، زور، زوور، زرین، زورداری - عُنْف، إِجْبار، عَنْوَة، غَصْب، قَسْر، قُوَّة، بَطْش
خامسًا: إصلاح اللفظ الفارسي بأكثر من وسيلة
١- بَيْزَار - بازيار - يطلق على حامل البازي
المقابل الكوردي: باز، بازی - صَقْر، بَأْز - بازیار – مُرَوَّض البَأْز أو حامله
من ذلك قول الكميت
كَأَنَّ سَوابِقَهَا في الغُبَارِ صُقُوْرٌ تُعَارِضُ َبِيْزَارها
٢- مُشْكْ - مِسْك - بمعنى: الطيب
وقد عرف عند العرب بالمشموم - هو طيب وعطر من مصدر حيواني
المقابل الكوردي: مسک - شَذْو، مِسْك، عبير المسك
القرآن الكريم في قوله تعالى: (خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ)
قول امرئ القيس
وتُضْحِي فَتِيْتُ المِسْكِ فَوْقَ فِرَاشِهَا نَؤُوْمَ الضُّحَى لم تَنْتَطِقْ عَن تَفَضُّلِ
وقول النابغة الذبياني
وَلَا زَالَ رَيْحَانٌ وَمِسْكٌ وَعَنْبَرٌ عَلَى مُنْتَهاه دِيْمَةٌ ثُمَّ هَاطِلُ
النتائج التي توصل لها الباحثان
أفضت هذه الدراسة إلى جملة من النتائج يمكن إيجازها فيما يأتي:
١- تنوّع وسائل إصلاح الألفاظ المعرّبة لتركب قوانين العربية بين حذفٍ، وزيادة، وإبدال، وتغيير حركة، وربّما خضع اللفظ المعرّب لأكثر من عمل، شأنه شأن اللفظ العربي.
٢- كشفت هذه الدراسة عن أنّ إصلاح اللفظ لا يقتصر على العربية فحسب، بل يشمل غيرها من اللغات كالفارسية مثلاً.
٣- أنّ الألفاظ المعرّبة التي ذكرت في القرآن الكريم تعدُّ الأكثر اطمئنانًا واستقرارًا من بين الألفاظ المعرّبة الأخرى من جهة أنّها أُشربت قواعد اللغة العربية وقوانينها، واستقرت في أذهان الناس بصورتها الجديدة، فألفوها، واعتادت ألسنتهم على نطقها.
٤- أبدلت العربية في الألفاظ المعرّبة أصواتًا عربية بأخرى غير عربية لتتّسق وقوانينها، وإن كان ذلك من جهة بعُدت عمّا اعتادت عليه العربية كالمشابهة في أحوال الأصوات لا في مخارجها أو صفاتها، وربّما يفسّر هذا لأجل مخالفة اللفظ الأعجمي.
٥- كشفت هذه الدراسة عن وجود أصوات أو مقاطع صوتية في اللغات التي اقترضت منها العربية غير مألوفة، ما دفع المتكلمون بالعربية إلى عدم قبولها، والتعامل معها بنحوٍ يجعلها مقبولة سائغة.