معربات أصولها كوردية
في خمسينيات القرن الماضي عشت فترة الصغر في بيئة كوردية بحتة قلما كنا نلتقي فيها الأخوة العرب في الأماكن العامة كي نتعلم العربية العامية أو الدارجة ولو قليلاً. وما تعلمناه كان من خلال الأساتذة والمناهج العربية المفروضة علينا فرضاً. في البداية وعند دخولنا الكلية في جامعة الموصل لاقينا نحن الكورد والأقليات الأخرى صعوبة التخاطب مع أقراننا العرب بالعامية. وفي إحدى المحاضرات ومن باب الصدفة أطلق أستاذ الشعر مزحة على الطريقة المصلاوية فضحك الجميع بأستثناء نحن الكورد وبعد برهة تُرجمت لنا بالفصحى وحينها جاء دور الضحك علينا فأستغرب الأستاذ من ردة فعلنا المتأخر وبعد الأستفسار من الآخرين وعرف الحقيقة تقهقه للموقف اللافت للنظر. ولم تمر فترة طويلة حتى تأقلمنا مع جو اللهجة الموصلية وبقية اللهجات العامية والدارجة من خلال الأحتكاك والرغبة في التعلم.
وبيت القصيد من هذه الديباجة هو جر القارئ الى بعض المواقف والحقائق الواقعية التي مرت عليّ خلال الأعوام الماضية والمتعلقة بالأخوة العرب بما له صلة بكمٍ من الألفاظ المُعرّبة التي دخلت اللغة العربية الفصحى والدارجة والعامية وكنت أظن بأنها عربية خالصة مع حيّز من التشكيك في حينه من أصلها ومنشأها. ولكن ومع مرور الزمن أتضح لي العكس تماماً وذلك من خلال المتابعة والتقصي والدخول في متون المعاجم والبحوث ذات الشأن المتخصص في هذا المجال الشائك والعويص. وعلى سبيل المثال ولا الحصر, لي في كل واحدة منها موقفٌ وقصة وردّة فعل طريفة:
أبريق الوضوء رابية البرگان
أثناء الحرب العراقية الايرانية وكنا في المواضع الأمامية ومع شُحة الماء لدينا كان أحد االجنود في الموضع المجاور لنا يستخدم الأبريق بكثرة فأسميناهم في حينه جماعة البرگان نسبة لأناء المستخدنم لسكب الماء عند الوضوء. وفي أحد الأيام جرت مشادة كلامية بيني وبينه وقلت له بالكوردية (بەس ئاڤێ ب رێژە) لأنَّ الأيرانيين يسمون الأبريق (آبريز) وبالكوردية (ئاڤرێژ) أي لا تصب وتهدر الماء بكثرة خوفاً من نفاذ الماء في نهر گنگیر المار من أمامنا ونموت من العطش بدلاً من القصف.
الآخور وخان يلدا
كان يوجد في قصبة دهوك خان يسمى (خان يلدا) فيه عديد من الإصْطَبْلات المَكانُ المُعَدُّ للخَيْلِ والدواب أو ما يسمى بالكوردية (ئاخیر، ئاخویر) أو عند الأستخدام الضيق في البيوت ب كلمة (گۆڤ). ومن دواعي الفضول سألت الخانجي عن الفرق بينهما في حينها فقال الأولى عامة والأخرى خاصة تخص بمأوى الدواب في المنازل.
الأُسْتاذ وضربة المعلم
كنت أعمل كخلفة مع أحد أقربائي البنّائين في دار أحد الأخوة العرب وكان دوماً يناديه (أصطه) أو (أسطة) ويقول له أنت ماهر وأستاذ أي فعله كان ضربة معلم لأتقانه في عمله. وكان يرد عليه الأوصتا باللغة الكوردية مازحاً (ئەز هوستامە نە أصطامە) أي انني بنّاء ماهر ولست بمعلم أو أستاذ.
البريد والپوستطچی
مهمة ساعي البريد هو نقل او حمل الطرد والرسائل الى أصحابها وحاله حال الرسول المكلف بإيصال الرسالة الى أقوامهم. وفي أحد الأيام سألت أستاذ اللغة العربية عن التقارب بين كلمة بريد والمفردة الكوردية (بر - برن - برد – بردن) فقال لي نعم أنّها مستعارة من لغتكم وهناك الكثير منها في اللغة العربية.
سنابك الخيل
سنبك: السُّنْبُكُ: طرف الحافر وجانباه من قدم للفرس أو الدَّابّة. وأما في الفارسية فهي (سنپیدن) وأما في الكوردية (شوین پێک، شینا پیان: شینپێک) أي بقايا أثر قدم الدواب أو الفرس على الأرض. وقد جاءت في البيت الشعري لعلقمة الفحل:
لا في شَظاها ولا أرساغِها عَنَتٌ ولا السَّنابِكُ أفناهُنَّ تَقليمُ
عُذراً أيها الشاعر الجاهلي في حينه لم أكن أعلم بأنك أستخدمت لفظة كوردية في شعرك وأنا الآن أُدين لك بهذا الفضل لأنك حافظت عليها في شعرك.
البهلوان والمهرج
كانت والدتي الأمية منبعاً للأمثال وكنت أستمع لها بشغف وأُدونها وهي مسترسلة في الحديث وفي إحدى الليالي مرّت على هذا المثل وقالت: يقول المهرج على الأرض للبهلوان فوق الحبل المهارة والأبداع يعود لي وليس لك كي يُبعد أنظار المتفرجين عنه ليُكمل المسيرة بنجاح. لأن عمله يتوقف في أستخدام قدميه بشجاعة واثقة وقدرة عالية وبراعةٍ فائقة. والآن بدا لي الخيط الأبيض من الأسود فالبهلوان اقتراضٌ كوردي من (پەهلەوان، پێلڤان، پێلڤین) أي تحريك القدمين فوق الحبل الرفيع.
البَيْذَق والأنواع الستة في الشطرنج
أياً كان مصدر الشطرنج (جترنْك - ششرنگ - شەشرەنگ) أكان هندياً أم إيرانياً أم كوردياً لا ضير لأنها لغات هندو أوربية وعند الجميع تعني الأنواع الستة. فالبَيْذَق أو البيادة بمعنى الراجل أو الجندي المشاة وفي الكوردية (پەیادە - پەیادەر) وعند القضاء على الملك في اللعبة يقول اللاعب المتفوق للأخر (كش ملك) أي مات الملك وفي الكوردية (كوشت) أي قتلته. كم كرّة ومرّة سمعت هذه المفردة أثناء اللعب ولم أعلم بأن كش هي كوشت الكوردية والبَيْذَق هو الشخص الماشي على الأقدام.
البيدر والحقل
لأهل الشام مقولة، او مثل متداول هو(حسابات الحقل والبيدر) حيث يُنقل محصول القمح من الحقل الى مكان اخر لفصل الحبوب من السنبلة وتدعى البيدر، فطبعاً الحساب هنا يختلف بين كمية المحصول قبل الفرز وبعده. وفي الكوردية نقول نحن "ليكن أول الجدال في الحقل ولا يبقى لحين وقت البيدر". وبعد جدال ونقاش وشدٍ وجذب بيني وبين أحد الأخوان العرب حول البيدر هل اللفظة عربية أم كوردية؟ وأرست في النهاية على كورديتها لكونها معرّبة من لفظين مركبين أصلها في صميم اللغة الكوردية هما: پێ دەر - پای دەر - با دەر - بێدەر - أي الرجل الساحقة، الموضع الذي يداس فيه القمح والشعير إما بالأرجل أو بطرق أخرى كما جاءت في المعاجم المعرّبة.
الجُلَّنارُ وقصص الأطفال
كم كان ممتعاً عندما كانت تجلس الجدة بيننا وتحكي لنا قصصها الشيقة وبأسلوب سلس فكاهي ونحن نلتف حولها وأنظارنا متّجه نحوها وتشدّنا بحركاتها المبدعة، وكانت من بين إحدى شخصياتها القصصية هي (گولهنار) أو دندكهنار الدلوعة المحبوبة لدينا وهو أسم علم في الكوردية. وفي إحدى المحاضرات طلب الأستاذ منا جميعاً معنى لفظة الجُلَّنارُ في سياق أحد الأبيات الشعرية وجاء الجواب من قبل أحدهم بأنها زَهْرُ او وَرْدِ الرُّمَّانِ. وفي حينه ساقني الفضول وقلت للأستاذ بأن هذه المفردة مركبة من الكوردية (گل) أي زهرة أو وردة و(هنار) بمعنى رمان وضحك الأستاذ وقال لي صح لسانك كاكه أحمد أنها معرّبة لا مجال للشك.
الجندرمة حرّاس الوطن
الجندرمة أو الجندار أو الجُند أو الأجناد أو الجندي كلها مفردات تعني حرّاس الوطن صاحب السلاح وحامل الذخيرة والعتاد المدافعين عن حدوده والذود بأرواحهم في سبيله في السلم والحرب. ولفظة الجندار أو الجندرمة مشتقّة من مقطعين هما (جان) أي روح في الكوردية والتركية و (دەر) بمعنى زهق وخرج منه أي الروح لأن الجندي دوماً يكون مشروع شهادة. وتبين لي يقيناً بأنه أول من يُضحي وغيرهم يستفيدون أولئك الذين يُروجون الحروب ويُشعلون فتيلها.
الخُشافُ أم الشربت
لو نادى أحد الباعة المتجولين وبأعلى صوته في السوق وفي يوم شديد الحر خشاف خشاف يا ناس لا يدري أحد ما يقول ولو غيّرها وقال شربت أو عصیر ذلك الماءُ اللَّذيذُ من نقيع الزبيب ونحوه لأجتمع أهل السوق عليه ليشربوا من ذلك العصیرالشهي (خوشاڤ: خوش ئاڤ) بالكوردية الماء الطيب. ولو مررت أنا وكوني من الكورد لصعب عليّ فهمها بسبب التغيير الحاصل في بُنية الكلمة الكوردية أو الفارسية.
الخنجر والمدية
لقد طغى الخنجر على المدية في الأستعمال اليومي عند العامة ولم يعد للجنبية مكان أثناء الحديث إلاّ عند القلة القليلة. ناهيك لو وضعه أهل اليمن على بطنه أو تبختر به الكوردي على خاصرته لا فرق ولا أختلاف والأهم هو لو لم تُستخدم في إراقة الدماء لأن الخنجر الكوردي مركّب من مقطعين (خون – خوين) أي الدم و (در – دەر) بمعنى يُسيل أو يُريق وتصبح سيل الدم وفي الكوردية (خون گر - خویندەر) ونحن الكورد قد أهملنا القديمة وبتنا نستخدم المُعرّبة ( خنجر- خەنجەر) وبكل أريحية. وهذا هو شأن اللغة دوماً ميّال نحو التغيير.
الدُورْبِين أو الناظور
في شبابنا كنا نقرأ ونسمع عن قصة الفتاة المشهورة الملقبة بزرقاء اليمامة ذات العيون الحادة البصر حيث كانت لها القدرة من رؤية الأشياء الواقعة في الأماكن البعيدة بالعين المجردة. وأستخدم الفرس والكورد هذه المفردة المركّبة في لغتهم بمفهوم مُغاير ويُطلق على الشخص البعيد النظر والناظر في عواقب الأمور ومآلها. وأما الآن وفي عصر التكنولوجيا أختصّت آلة الناظور أو المنظار بعملية النظر وتقريب الأشياء من خلالها. في الكوردية كلمة (دور - دوير) بمعنى بعيد و(بين) الرُؤيا أي الرُؤيا البعيدة. ولو ظهرت أُخرى كزرقاء اليمامة الآن لأسميتها (دوربين) تيمناً بها.
الصِهْريج مجمع الماء والثلج
في فترة شبابنا ونحن طلاب مدارس كنّا نقضي معظم أوقاتنا ندرس ونلعب ونمرح بين الحقول والبساتين ونصعد الجبال للترفيه عن أنفسنا. وكنا نسمع من الكبار بأن هناك عدّة صِهاريج فوق قمة الجبل الأبيض المحاذي لقصبة دهوك وسُميت بالقلعة أو الحصن وفي الكوردية (کەلات). وكان لنا عدّة زيارات لذلك الموقع وأصبحت الآن من الذكريات الماضية. ومن روعة تلك الصِهاريج المنحوتة في صخور الجبل كانت على شكل مخروط فُوهتها لا تتجاوز المتر وتكبر من الأسفل وتتسع لخزن أكبر كمية من الثلج والماء لأيام القيظ وحر الصيف. وكانت بمثابة الأحواض الحالية حيث يجتمع فيه الماء شبيهة بالبرك الكبيرة. وأطلق أجدادنا عليها لفظة (سێریج) وتعني مجمع الماء البارد مشتقة من لفظين هما (سر - سار – سارد – سرد) وكلها بنفس المعنى وهي البرد والبرودة و(رێژ) بمعنى مصب الماء لتصبح مصب ومجمع الماء والثلج البارد. وهذا هو ديدن البشر دوماً يصنع المعجزات ويتأقلم مع الظروف ويتماشى مع الوضع ويُهيأ لنفسه الأجواء المناسبة لتحسين حياته المعيشيّة.
المَسْجِد مُصلَّى الجماعة
لا يخلو دين من أن يكون له مكاناً مخصصاً للصلاة أكان كنيساً أو معبداً أو صومعةً أو ديراً أو بيعةَ أو جامعاً أو مسجداً والى جانبهم التكايا و الخانقاء والمزارت والمراقد والمقام والأضرحة فهي أماكن العبادة حيث يتجمعون فيه الناس لأداء فرائضهم وواجباتهم الدينية كُلاً على شاكلته مع الأختلاف في شكل المراسيم والطقوس. فالمَسْجِد عند المسلمين مكان السجود للّه عزَّ وجل والانحناء والتذلل له والخشوع في حضرته. ويقول تعالى:"وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ".المَسْجِد مُعرّب من (مزگەڤت) المنحوتة من هذه الجذور الأصيلة الكوردية وهي: نماز، نڤێژ، نوێژ، نمازکەت، نڤێژکەت، مزکەوت، مزکەت أي مەسجد بمعنى السجود وجميعها تعني العبادة و الصلاة.
الزكاة ونماء المال
الزكاة حصة من المال أَنها القدر المخصوص الواجب على المسلم إِخراجه من ماله البالغ للنِصاب للجِهات المُستحقة وبشروط معيَنة، فرضها الله سبحانه وتعالى المسلمين يخرجون قيمتها من أموالهم وممتلكاتهم سنوياً، ويتم دفعها للفقراء والضعفاء، وهي الركن الثالث من اركان الدين الخمس الأساسية التي بني عليها الإسلام. والزكاة في اللغة هي النماء والزيادة ويقابلها في الكوردية ( ژێهات – ژێکەت) وتحورت الى (زەکات) بمعنى النمو والكثرة وزيادة المال.
القنديل والمِشْكَاة والسراج
المِشْكَاة والقنديل والسراج من الألفاظ المُعرّبة الكوردية في اللغة العربية فالمِشْكَاة: كُوَّةٌ في الحائط غير نافذة يوضع فيها القنديل أَو المصباح. ومعنى القنديل في اللغة مصباح يُضِيءُ بِفَتِيلٍ زَيْتِيٍّ في وسطه. وجاءت في معاجم اللغة بأن السراج كرة ملتهبة ضوءه ساطع. وقد وردت المِشْكَاة والسراج في القرآن وأُعتبرت في معظم التفاسير كونهما مُعرّبتين وكان الخلاف بين المُفسرين بادياً حول أصولهما لعدم معرفتهم التامة بجذور تلك الألفاظ المُركّبة وعدم الألمام بمنبعها الأصيل والقريب منهم وهي الكوردية ذات التأثير المباشر في العربية لقرون تغور في القدم قبل الميلاد وأخذوا بتنسيبها تارةً للحبشية أو اللاتينية تارةً أخرى وقد تعدى التغافل عند البعض فعزاها للإنكليزية هذه اللغة الحديثة التكوين. أخوتي العرب نحن الكورد بين ظهرانيكم تأثرنا وتأثرتم بنا فلم هذا التجاهل بحق اللغة الكوردية لحد التجاهل التام أو إلصاق مُفرداتها بالأعجمي المُبهم؟. وأوضحت هذا الأمر مراراً وتكراراً في مجال إرجاع المعرب الى أصولها الكوردية من خلال غربلتي لأغلب المعاجم والبحوث المتعلقة بباب التعريب والمعرّب والدخيل. إذن القنديل العربية و candēla اللاتينية والمشتقة من الكلمة اليونانية (kándēla) و candle الإنكليزية وتعني الشمعة المصنوعة من شمْع العسل أو الشحم الحيواني كلّها آتية من مفردات كوردية بحتة وهي بالتسلسل: (كون) بمعنى الثقب أو الفتحة و(ديل) وتعني الذيل أو نهاية الشيء وهنا مؤخرة الفتيلة الزَيْتِيّة الخارجة من فوهة القنينة لتصبح ذنب الفوهة أو الفتحة وبعد إشعلالها وإضائها داخل المِشْكَاة تلك الكُوَّةٌ في الحائط الغير النافذة موضع القنديل فيها حيث يُسبب في صعود الدخان والأبخرة من تلك الفوهة ويطلق عليها في الكوردية بمفرة (مژ) و( کەت) أي (مژێدکەت) و( مژێکەت) وأصبحت مشكاة في النهاية وأخيراً أُسدل الستار عنهما بالرجوع الى أصلها الكوردي الأصيل. وأما السراج فقد أجمع المفسرون واللغويون القُدامى والمحدثين بأنّها مُعرّبة ويعني ذلك المصباح المضيء الوهاج الوقاد المنير وعند كل شُرّاح ومفسري القرآن هي الشمس المنيرة الساطعة وأقرب المعاني الى الكردية هي(الشمس الحمراء) تلك الكرة الملتهبة في السماء والمشتقّة من الكوردية بشقيها المركب من (سور) أي أحمر و (روز – روژ) بمعنى شمس ودمجهما معاً تصبح الشمس الحمراء والآن توضح معالم معانيها وأنجلى الأمر وأستوى على الجودي جبل الكورد موقع رسو سفينة نوح عليه السلام منبع الخير والعطاء والسلام.
مربيج: بربيش
في أحد أيام الشتاء الباردة كنت جالساً في غرفة المدريسن وأقبل عليّ زميلي مدرس اللغة الأنكليزية وهو موصلي قُح وبادرني بعفوية وأستفسر عن معنى كلمة مربيج أو خرطوم الماء ذلك الأنبوب المستخدم لنقل الماء حيث ألتبس الأمر عليه بين الصوندة التي يستخدمها في لهجته العامية وبين المربيج الذي حيّره مصدره ولعلّني أستطيع إعطائه الجواب الشافي وأُقنعه عن أصلها. وقد افتى أحد الأخوة اللغويين الأفاضل عن أصل كلمة مربيج أو مارپـــيــچ بأنها من التركية فقد حُرِّفت إلى «نربيج» في لهجة الشام، وإلى «نبريج» في لهجة حمص، و«بربيش» في لهجة فلسطين والتي تعني الخرطوم الذي يستخدم بالحدائق والمنازل. ولم يتطرق العلامة في جذور الكلمة المركّبة ويعرف الحقيقة ويتأكد يقيناً من أين جاءت مصدرها. وفي حينه قلت لزميلي بأن الكلمة مُشكّلة من كلمتين في الكوردية (مار) أي الحيّة و (پێچ) بمعنى مُلتف وبتركيبها معاً تصبح (مارپێچ) أي الحيّة المُلتفة على نفسها. وأنبهر بالجواب اللغوي المُقنع. وقُلت له هناك الآلاف من هذا القبيل في اللهجة الموصلية ولهجات العراق الأخرى العامية الدارجة. وللمؤلف الدكتور داؤد الچلبي الموصلي كتاب عنوانه (كلمات فارسية وكردية وهندية مستعملة في عامية الموصل) والمنشور عام 1960. وفي مقدمتة للكتاب يُؤكد المؤلف بأن معظمها كلمات كردية لا غُبار عليها.
بِرطيل الرشوة المخفيّة
بِرْطِيل: اللفظ ليس من كلام العرب، بل عامي أصله من لغة النبط - تاج العروس: اخْتلفُوا فِي البِرْطِيل بمَعْنى الرِّشْوَةِ. فالرشوة إذن هي آفة قديمة حديثة يكاد لا يخلو أيّ مجتمع منها، وهي نوع من أنواع الفساد، وهي قيام شخصٌ بدفع مبلغٍ من المال لموظفٍ ما من أجل الحصول على حقّ ليس له، أو بهدف التهرّب من واجب عليه القيام به، فهي طريقة غير مشروعة لكسب المال باستغلال المنصب أو المركز أو المكانة الاجتماعيّة، هذه الظاهرة تساهم في تفشي الفساد في االمجتمعات وقد تحولت إلى تقليد في بعض المؤسسات الحكومية وحتى الخاصة. وعندما يكون القانون قوياً وسيّد الموقف تكون الرشى مخفيّة وتُعطى للمرتشي من تحت الطاولة أو يأخذه على جنب أو أحد الأطرف والزوايا بعيداً عن الأنظار. وفي الكوردية جاءت مركّبة من (بەر) بمعنى على و(تڵ) تعني جنب أو طرف وفي الدمج تصبح (بەرتڵ - بەرتیل) ولنا في الكوردية أمثال تندرج في هذا السياق.
البِرطيل يلين الأحجار - بەرتیڵ بەرا نەرم دکەت
البِرطيل يُصهر الحديد - بەرتێڵ ئاسنی دحەلینیت
الكلام لا يملأ الشوال - ئاخڤتن پر ناکەن چ جوهالا (أي أعطني المال بدل الكلام)
ما أتى به الريح جرفته العاصفة - چەوا بای ئینا، وەسا باروڤێ لێدا ( مال الرشوة دوماً يكون مصيره مهب الريح) لأنّه كسب حرام.
سرسري شتيمةٌ أم ترحيب ورد التحية
بينما كنت أعبر الجسر القديم في الموصل في سبعينيات القرن الماضي بمعية أحد الأصدقاء وكان يسير أمامنا شخص بالزي الكوردي وحين وصلنا الى نهاية الجسر أوقفنا الأنضباط العسكري من أهالي الجنوب وبدأ مندهشاً من ردة فعل الكوردي تجاهه فقال لنا بأني أديت له التحية بكل أحترام حين عبر الجسر وتفوه لي بهذه الكلمة البذيئة وقال لي (سرسري) ولا أدري لماذا تصرف معي بهذه الطريقة الغير اللائقة. وأبتسمت بوجهه وصافحته وقلت له أخي إن كانت هذه اللفظة قد أخذت عندكم مساراً مختلفاً في الدلالة وتعني في لهجتكم سبّاً وشتيمةً وإهانة لكنها عندنا نحن الكورد هي إحدى أساليب الترحيب والثناء والتقدير ورد التحية بالمثل أي تحيتك فوق الرأس أي على رأسي ( سەرسەرێ من) في الكوردية. وأودعناه والأبتسامة والرضا باديةٌ على محياه بعد سوء التفاهم الغير المتقصد الذي حصل من كلا الجانبين.
بربوک هُنَّ وصيفات العروسة
نحن الكورد ندين للعربية بالمحافظة على كمٍ كبير من مفرداتنا ورُدّت لنا أحياناً بحلة قشيبة مغايرة بما هو عليه أصلاً في لغتنا وأحياناً تمّ العكس وهذا هو ديدن اللغة في التعامل والأستخدام ويتأتى أحياناً من عدم فهم ماهية اللغة المقابلة والدراية بغوامضها ومبهماتها. وعلى سبيل المثال ولا الحصر تباهى أحد المحاضرين في ندوة له ألقاها على الحاضرين وتطرق لبعض المفردات الدارجة في اللغة العربية مثل: بلشتي، شلاتي، هتلي، سيبندي، وبربوك. وبعد جهد جهيد تمكن من فك شفراتها ورموزها جميعاً بأستثناء الأخيرة فقط وقالها بملء فمه بأنها أنكليزية من دون خجلٍ أو إستحياء وكأن الأكراد الذين يعيشون من حوله يسكنون في كوكب المريخ .!
هذه نماذج من بعض معاني كلمة بربوك وآراء لبعض الكتاب العرب قدامى ومعاصرين
معنى كلمة بربوك وما هي اصل الكلمة
بربوك كلمة عراقية قديمة، ولها عدد من المعاني المختلف فيها.
انتشرت بشكل كبير في البلدان العربية، وهي مختلفة في أصولها عن باقي الكلمات الأخرى.
صفة تطلق على النساء واغلب الناس يعتقدون انها شتيمة او كلمة فشار.
هي كلمة عراقية قديمة جداً يستخدمها الشعب العراقي فقط وهي صفة تطلق على النساء.
ويعود الإنسان إلي معرفة معني الكلمات إلي المعاجم العربية والقاموس العربي، لمعرفة ما المقصود من الكلمة بربوك وهي كلمة من ضمن الكلمات العراقية القديمة جدا، التي يتداولها الشعب العراقي منذ الزمن القديم وتطلق على النساء في الشعب العراقي، والبعض من الناس يحسبها من الكلمات السيئة ومن الشتائم.
ويوجد في العراق مجموعة من المصطلحات واللغات التي انتقلت الى عدد كبير من المناطق الأُخرى في الوطن العربي.
يتم تداول كلمة بربوك في قديم الزمن في العراق وما زال العديد من العراقيين يستخدمون هذه الكلمات التي تدل على عراقة واصالة الشعب العراقي.
يعتقد البعض أن هذه الكلمة هي من كلمات الشتائم والتي تعني شيء غير لائق ومن دلالاتها.
البنت اللعوب بائعة الهوى
التافه والحقيرة
الثرثارة صاحبة اللسان الطويل
الزانية الفتاة التي تُمارس الجنس بالعلن
كلمة غير لائقة وهي شتيمة
المرأة الفاسقة الزانية
المرأة اللعوب التافه
المرأة عديمة الاخلاق والتي تزني
المرأة عديمة الشرف
المرأة قليلة الأدب والأخلاق
آراء مغايرة
التنكة المكسورة وهي البنت الفاسقة الزانية
المزهرية المكسورة ولا تعني التنكة أو المزهرية الكاملة
كعب البستوكة وهو مصنوع من الفخار الا انة لا يغرق عند رميه بالماء
هي عباره عن قاع اليقطين اليابس وهي صفه تطلق على النساء
هو قرع اليقطين اليابسة إذا سقطت في الماء لا تغرق والمثل العراقي القديم يقول: بربوك لا تغرق وهدان لا يموت.
هو فرخ البط في لحظة خروجه من البيضة اذا وضعته بالماء يسبح وهي تركية
ويقول الحكيم البابلي بهذا الصدد:
"وهي كلمة غير دخيلة، ومستعملة بكثرة بين النساء في العراق، وممكن قولها وإستعمالها بينهن كشتيمة أو كملاطفة وتحبب، ويقول البعض بأن هذه اللفظة (كراشية) وهي إحدى اللهجات الفارسية وتعني الكوز الصغير، وربما كانوا قد إستعاروها من العرب وليس العكس، لأنها تُلفظ في العربية الفصحى: (بربوق)".
"والبربوگ في اللهجة العراقية يعني التُنكة ذات البلبوله والذي طال إستعمالها حتى تثلمت حافات فتحتها او بلبولتها ولم تعد صالحهً للإستعمال في شرب الماء، وحين يقذفوها للنهر للتخلص منهُا تميل بفوهتهِا على سطح الماء بوضعٍ لا يتسبب بغرقها، وتنساب مع مجرى ماء النهر بلا غرق، لِذا شُبِهَت بها المرأة التي أجبرها ظلم المجتمع والحاجة إلى ممارسة البغاء طلباً للرزق، وحين شابت ولم تعد صالحة لخدمة شهوات الرجال رموها على قارعة الحياة والمجتمع كما يُرمى البربوق في النهر".
وبعض الآراء أوعزوها للأكراد
وعند الأكراد تُطلق على المرأة التي تُصاحب العروس قبل ليلة الدُخلة لتُعلمها أسرار هذه الليلة وما يجب عليها فعله.
هي الكلمة الكردية التي تُقال للعروس التي هي عروس العروس في يوم زفافهم، ويتعرفون على المفضلات في ليلة زفافهم.
البربوك كلمة كوردية يكولوها للمرية اللي تكون وية العروسة يوم العرس وتعلمها على سوالف ليلة الدخلة استخدموها البغداديين القدامى للمرية اللي تكون وكحة وتعرف كلشي.
رأي الشخصي الكوردي
لقد جانبت معظم المعاني والآراء التي قيلت بشأن اللفظة وإن لم يكن جميعها من حيث المعنى والتوصيف والتأصيل، وفيما يخص جذور اللفظة المركّبة الكوردية ذات المقطعين لغوياً وهي: لفظة (بەر) تعني (أمام - قدام - ما حول ...) و أمّا الثانية ( بوک - بیک - بویک) فتعني العروسة ومركبها يصبح (بەربوک - بەربیک) وأحياناً تُلفظ عند العامة ب (بەلبیک) أي الفتيات والبنات والنسوة بصورة عامة اللواتي يرقصن أمام العروسة ولا يقتصر العمل على أحداهن فقط، هنّ إذن الوصيفات أي وصيفات العروسة، وأمّا المرأة التي تُصاحب العروس قبل ليلة الدُخلة لتُعلمها أسرار هذه الليلة وما يجب عليها فعله (وكان هذا سابقاً وليس الآن) وتُدعى عند الكورد (سەرسپی) أي المرأة ذات الشعر الأبيض كناية للمرأة المسنّة الخبيرة بهذه الأمور.
17-7-2023 – دهوك – احمد علي حسن – كوردستان العراق