لا مستحيل مع الشغف بالمعرفة.. حتى الضوء ينحني حين نفهمه
من المؤسف أن نعيش في مجتمعات تُثمن مظاهر البذخ والترفيه أكثر بكثير من قيم العلم والتعليم؛ مفارقات صارخة تُخبرنا الكثير عن أولوياتنا المختلة:
يجلس المريض أمام الطبيب أحيانًا لمدة لا تتجاوز خمس دقائق، ليُغادر وقد دُفِعَ من جيبه أكثر من خمسين دولارًا، وكأن دقائق الطبيب تُوزن بالذهب.
وفي المكاتب الواسعة، يجلس المهندس ليمارس عمله ويتقاضى أجرًا شهريًا قد يصل لآلاف الدولارات، دون أن يقف أحد ليسأل: من غرس في هذا المهندس أول بذور العلم؟
تقضي المرأة ساعة واحدة في صالون التجميل، لتدفع مئات الدولارات لقاء تسريحة قد لا تدوم أيامًا، فيما تُنفق بسخاء على مظهرها دون تردد.
وعلى المسارح، يغني الفنان ساعة أو ساعتين فيجني عشرات الآلاف من الدولارات، يُصفق له المئات، وتُنقل وصلاته مباشرةً إلى ملايين المتابعين.
أما في الملاعب، فيركض اللاعب ساعة ونصف فقط ليُغدق عليه بأكوام من الأموال، وكأنه يحمل مفاتيح السعادة وحده.
وفي المقابل، يقف المعلم ساعات طويلة كل يوم؛ خمس ساعات أو أكثر، خمسة أيام في الأسبوع، يُربي العقول، ويهذب النفوس، ويصنع الأطباء والمهندسين والمغنين واللاعبين، ومع ذلك يخرج في نهاية الشهر براتب هزيل قد لا يسد أبسط احتياجات أسرته أو يغطي ضروريات أطفاله.
هذه المفارقات ليست سوى صورة واضحة للخلل العميق في منظومتنا الاجتماعية والاقتصادية، والتي تُهمل التعليم والعلم وأصحاب الرسالة السامية؛ في حين تُقدّم كل الامتيازات لمن يملأ الأوقات تسلية أو متعة عابرة.
ألا يُعدّ هذا دليلًا صارخًا على ضعف تطبيق قانون العرض والطلب في قطاع التعليم، وتهميشًا خطيرًا لقيمة المعلم والعلم في مجتمعاتنا؟ ألا ينبغي أن نعيد ترتيب أولوياتنا، لنضمن تقديرًا حقيقيًا لمن يزرع بذور التقدم والحضارة في عقول أبنائنا؟