لا مستحيل مع الشغف بالمعرفة.. حتى الضوء ينحني حين نفهمه
يقول المثل: «الخير لا يضيع»، لكن قليلون يدركون أن الخير لا يبقى فقط، بل يزدهر وينتشر حين يُقدَّم للناس بصدق ومنفعة. الحقيقة البسيطة التي لم يستوعبها كثير من البشر، فهمتها الأشجار قبلهم منذ ملايين السنين؛ إذ تعلمت أن سبيل البقاء والانتشار ليس في الاحتفاظ بثمرها، بل في تقديمه للآخرين.
الأشجار لا تنتج الثمار لتأكلها، فهي لا تملك أسنانًا ولا أمعاء. إنما تنتجها ملأى بالعصارة والحلاوة كي تجذب الطيور والحيوانات وحتى البشر، فيتناولونها ويحملون بذورها بعيدًا وينثرونها في أماكن جديدة. بهذا، تضمن الأشجار استمرار سلالتها واتساع رقعة نسلها عبر استراتيجية بسيطة: إنتاج ما ينفع الآخرين.
ولو أن الأشجار أبقت ثمارها معلّقة حتى تتلف، لفنيت أنواع كثيرة منها منذ زمن. لكنها اختارت طريق البقاء عبر المنفعة المشتركة، فجعلت الخير للآخرين سبيلاً لصلاح نفسها.
هذا النموذج الطبيعي يعلّمنا درسًا عظيمًا: لا تنتشر الأفكار، ولا الأعمال، ولا حتى العلاقات الاجتماعية إلا حين تكون ذات قيمة حقيقية لغيرك. فلا أحد يحمل ما لا يحبه، ولا ينشر ما لا يرى فيه خيرًا أو جمالًا.
انظر إلى الأفكار التي غيّرت العالم: انتشرت لأنها قدّمت حلولًا لمعاناة الناس أو أضاءت لهم دروبًا جديدة. وانظر إلى المنتجات التي سيطرت على الأسواق: نجحت لأنها يسّرت الحياة أو أضافت متعة ومعنى لها.
الأمر ذاته في العلاقات الإنسانية؛ إن قدمت للآخرين ما ينفعهم بصدق، سواء دعمًا معنويًا أو معرفة أو عونًا وقت الحاجة، فأنت تزرع فيهم حبك واحترامك، فيحملون سيرتك بينهم أينما حلّوا. أمّا من عاش لنفسه فقط، فلن يُذكَر إلا بقدر ما يضر أو يهمل.
على مدار التاريخ، بقيت الأمم والحضارات التي أسست قيمها على خدمة الإنسان. الحضارة الإسلامية على سبيل المثال، بلغت أوجها حين جعلت العلم والتكافل من ركائزها الأساسية، فنفع أهلها الناس بالعلوم والفنون والطب والفلسفة، فتشبّث الناس بها وبقوا ينقلون منجزاتها حتى يومنا هذا.
إذا أردت أن تبقى بذورك حيّة في القلوب والعقول، ازرع ما ينفع الناس. اجعل أفكارك وأعمالك ثمرةً حلوة يحبها الآخرون ويجدون فيها ما يغنيهم ويبهجهم. حينها فقط، سيحملون بذورك ويزرعونها حيث لم تكن لتصل وحدها.