لا مستحيل مع الشغف بالمعرفة.. حتى الضوء ينحني حين نفهمه
شهد مجال التصوير الضوئي عن بعد تطورًا كبيرًا بفضل دراسة حديثة نُشرت في مجلة Physical Review Letters بعنوان "التداخل الضوئي النشط" (Active Optical Intensity Interferometry). قاد هذه الدراسة فريق بحثي دولي ضم علماء من الصين والولايات المتحدة، من بينهم الفيزيائي الحائز على نوبل فرانك ويلتشيك. تقدم هذه الدراسة نقلة نوعية في تقنيات التصوير البصري، خاصة في الظروف الجوية الصعبة أو عند الحاجة إلى دقة فائقة على مسافات بعيدة.
خلفية علمية
يعتمد التصوير عالي الدقة تقليديًا على تقنية "تداخل السعة" (Amplitude Interferometry)، حيث يتم دمج الإشارات الضوئية من عدة تلسكوبات أو مرايا للحصول على صورة ذات تفاصيل دقيقة. إلا أن هذه التقنية تتطلب استقرارًا عاليًا في الطور الضوئي، ما يجعلها حساسة جدًا للاضطرابات الجوية والعيوب البصرية.
في المقابل، هناك تقنية "تداخل الشدة" (Intensity Interferometry) التي تعتمد على قياس الترابط في شدة الضوء (أي الترابط من الدرجة الثانية)، وهي أقل حساسية بكثير للتشويشات الجوية والعيوب البصرية. ومع ذلك، كانت هذه التقنية محدودة في تطبيقاتها بسبب خصائص مصادر الضوء الحراري التقليدية، مثل اتساع الطيف وانخفاض عدد الفوتونات في كل طور وانتشار الضوء بزوايا واسعة.
الابتكار في الدراسة
قدمت هذه الدراسة مفهوم "تداخل الشدة النشط"، حيث استخدم الباحثون عدة ليزرات غير مترابطة في الطور لإنتاج مصدر ضوء اصطناعي يشبه المصدر الحراري، لكن مع إمكانية التحكم بخصائصه بدقة. تم توجيه هذا الضوء نحو أهداف بعيدة، ثم جمع الضوء المنعكس وتحليل الترابط في شدته باستخدام خوارزميات حسابية متقدمة لإعادة بناء الصورة.
نتائج التجربة
نجح الباحثون في تصوير أهداف صغيرة الحجم (بضعة مليمترات) على بعد 1.36 كيلومتر في ظروف خارجية واقعية. وحققوا بذلك دقة تفوق الحد الانكساري لتلسكوب منفرد من نفس الحجم بحوالي 14 مرة. هذا الإنجاز تم عبر إضاءة الأهداف بالليزر وتحليل الترابط في الضوء المنعكس، دون الحاجة إلى استقرار الطور أو حماية من اضطرابات الغلاف الجوي.
الأهمية والتطبيقات المستقبلية
تصوير عالي الدقة عن بعد: يمكن استخدام التقنية لقراءة نصوص أو تفاصيل صغيرة من مسافة كيلومتر وأكثر.
التصوير الفلكي: تتيح التقنية رصد الأجرام السماوية بدقة عالية حتى في ظل اضطرابات الغلاف الجوي.
الاستشعار والمراقبة: تقدم حلولًا مبتكرة في مجالات الأمن والمراقبة حيث يصعب استخدام تقنيات التصوير التقليدية.
خلاصة
يمثل "تداخل الشدة النشط" خطوة ثورية في التصوير البصري، حيث يجمع بين متانة تداخل الشدة التقليدي ومرونة الإضاءة الاصطناعية والتحليل الحسابي المتقدم. يفتح هذا الإنجاز آفاقًا جديدة للتصوير عن بعد في العلوم والهندسة والتطبيقات الأمنية، ويعد بتطوير أنظمة تصوير قادرة على تجاوز حدود الدقة التقليدية حتى في أصعب الظروف البيئية.